ﰡ
والتَّطْفِيفُ: التَّنقيصُ في الكيلِ والوزن، والطَّفيفُ: الشيء القليلُ، وإناءٌ طَفْآنٌ إذا لم يكن مَلآن.
﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾؛ وإذا كَالُوا للناسَ أو وزَنوا لهم يُنقِصُون في الكيلِ والوزنِ. والإخْسَارُ والْخَسَارُ بمعنىً واحد. واطلاقُ لفظ المطلَقِ لا يتناولُ إلاَّ مَن يتفاحشُ منه التطفيفُ، بحيث لو وقعَ ذلك المقدارُ في التفاوُتِ بين الكيلَين العَدلَين لزادَ عليه، وأما الإيفاءُ بين الناس فإنَّهم يجتَهدون في استيفاء حقوقِهم أن يكون ذلك أميلَ إلى الرُّجْحان، كما رُوي:" أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَضَى دَيْنَهُ فَأَرْجَحَ " فَقِيلَ لَهُ فِي ذلِكَ فَقَالَ: " إنَّا كَذلِكَ نَزِنُ " ".
﴿ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا ﴾، كان إذا قُرئَ عليهِ القرآنُ.
﴿ قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾؛ أحاديثُهم وأباطيلهم التي سطَّرُوها في الكُتب، وهذه الآيةُ عامَّةٌ في كلِّ كافرٍ يقول مثلَ مقالتهِ، والمعتدِي هو المتجاوزُ عن الحدِّ في المعصيةِ، والأثيمُ كثيرُ الإثْمِ.
﴿ ثُمَّ يُقَالُ ﴾؛ لهم على وجهِ التَّقريع على طريقِ الذمِّ.
﴿ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾؛ في الدُّنيا. وَقِيْلَ: معناه محجُوبون عن رؤيةِ اللهِ تعالى.
﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴾؛ أي على السُّرُر من الدُّرِّ والياقوتِ في القِبَاب المضروبةِ ينظُرون إلى نعيمِ الجنَّة. وَقِيْلَ: إلى أعدائِهم كيف يُعذبون. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ ﴾؛ أي بريقُ النعيمِ ونورهُ ونظارتهُ وبَهجته وحُسنه.
﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾؛ أي خمرٌ صافية خالصة من الغشِّ بيضاءُ مختومة بالمسكِ، قال قتادةُ: ((تُمْزَجُ لَهُمْ بالْكَافُور، وَتُخْتَمُ لَهُمْ بالْمِسْكِ)). وَقِيْلَ: معناهُ: آخِرُ طعمهِ مِسكٌ. وقرأ علقمةُ (خَاتَمَهُ مِسْكٌ) أي آخرهُ، ويقال: معناهُ: أنَّهم إذا شَربوا من ذلك الشَّراب انختمَ ذلك بطعمِ المسكِ ورائحته. ويقال: معنى المختومِ ها هنا أنَّ ذلك الشرابَ في الآخرةِ هو مختومٌ بالمسكِ بدلَ الطِّين الذي يُختم بمثلهِ الشَّراب في الدُّنيا، فهو مختومٌ بالمسكِ يومَ خَلقهِ الله تعالى لا ينفَكُّ حتى يَدْخُلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، فينفكُّ ذلك لَهم تعظيماً لشرابهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ ﴾؛ أي في مثلِ هذا النعيمِ فليَرغب الرَّاغِبون وليجتهد المجتهدون، لا في النعيمِ الذي هو مكدَّرٌ لسُرعَةِ الفناءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ﴾؛ معناهُ: ومِزَاجُ الرَّحيقِ من عَينٍ تنْزلُ عليهم من ساقٍ العرشِ، سُميت بذلك؛ لأنَّها تُسنَمُ عليهم، فتَنصَبُّ انصِباباً من فوقِهم في منازلهم، ومنهُ سَنَامُ البعيرِ لعُلوِّه من بدنهِ، وذلك الشَّراب إذا كان أعلاَ كان أطيبَ وأهنأَ.
وَقِيْلَ: إنَّ التسنيمَ عينٌ تجري في الهواءِ في أوانِي أهلِ الجنة على مقدار مائها، فإذا امتلأَتْ أُمسِكَ الماءُ حتى لا يقعَ منه قطرةٌ على الأرضِ.
﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ ﴾؛ أي مرَّ بهم أحدٌ من أصحاب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وهم جلوسٌ.
﴿ يَتَغَامَزُونَ ﴾؛ بالطَّرْفِ طَعناً عليهم. وكانوا يُقولون: انظُروا إلى هؤلاءِ الذين ترَكُوا شهوتِهم في الدُّنيا يطلُبون بذلك نعيمَ الآخرةِ بزَعمِهم.
﴿ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ ﴾؛ وكانوا إذا رجَعُوا إلى أهلِهم يرجِعُوا فَاكِهين؛ أي ناعِمين فرِحين مُعجَبين بما هم فيه لا يُبالون بما فعَلوا بالمؤمنين.
﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ ﴾، ويقولون إنَّهم ضالُّون باتِّباعِهم مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم.
﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴾؛ أي على السُّرر في الحِجَالِ جَالسون ينظُرون إلى أهلِ النار كيف يُعذبون. وذلك أنَّهُ يُفْتَحُ بَيْنَهم وبين الكفَّار بابٌ إلى الجنَّة، فإذا نظرَ الكفَّارُ إلى ذلك الباب أقبَلوا نحوَهُ يُسحَبون في النار، فإذا انتَهوا إلى الباب سُدَّ عنهم، فعند ذلك يضحكُ المؤمنون وهُم على الأرائِك في الدَّرجات، يقول يُطلعهم اللهُ على أهلِ النار الذين كانوا يسخَرون منهم في الدُّنيا، فيرونَهم في النار يَدُورون فيها وإنَّ جَماجِمَهم لتَغلي من حرِّ النار، فيقول المؤمنون: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾؛ أي هل جُوزُوا على صنِيعهم واستهزائهم بنا، ويجوزُ أن يكون قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ ﴾ من قولِ اللهِ؛ ومعناهُ: التحقيقُ، ومعنى ثُوِّبَ جُوزيَ.