تفسير سورة طه

جهود الإمام الغزالي في التفسير
تفسير سورة سورة طه من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير .
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾.
٦٩٢- روي عن مالك رحمه الله أنه سئل عن الاستواء، فقال : " الاستواء معلوم والإيمان به واجب والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة " ١. [ فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ضمن المجموعة رقم ٣ ص ١٢٩-١٣٠، والقسطاس المستقيم ضمن المجموعة رقم ٤ ص ٥٤ ].
٦٩٣- الاستواء حق، والسؤال عنه مع الاستغناء بدعة، والكيفية مجهولة. [ الرسالة الوعظية ضمن المجموعة رقم ٤ ص ٥٨ ].
٦٩٤- وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة٢ والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال.
لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش والسماء، وفوق كل شيء إلى ثخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء، كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى، بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد. [ الإحياء : ١/١٠٨ ].
٦٩٥- اعلم أن من أجرى الاستواء على العرش على ما ينبئ عنه ظاهر اللفظ- وهو الاستقرار على العرش- فقد التزم التجسيم، وإن تشكك في ذلك كان في حكم المصمم على التجسيم أيضا، وإن قطع باستحالة الاستقرار على العرش فقد تأول الظاهر، وهو اعتقاد أهل الحق. [ روضة الطالبين ضمن المجموعة رقم ٢ ص ٦٩ ].
٦٩٦- فيعلم قطعا أنه ما أراد الجلوس والاستقرار الذي هو صفة الأجسام، ولا ندري ما الذي أراده، ولم نكلف معرفته. [ إلجام العوام عن علم الكلام ضمن المجموعة رقم ٤ ص ١٠٨ ].
٦٩٧- المتشابه : ما عسر إجراؤه على ظاهره كآية الاستواء، وإليه ميل ابن عباس رضي الله عنهما. [ المنخول : ١٧١ ].
١ - قال سفيان بن عيينة : سأل رجل مالكا فقال: ﴿الرحمان على العرش استوى﴾ كيف استوى يا أبا عبد الله؟ فسكت مالك مليا حتى علاه الرخضاء، وما رأيت مالكا وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثم سرى عنه فقال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وأني لأظنك ضالا، أخرجوه، فناداه الرجل: يا أبا عبد الله والله الذي لا إله إلا هو، لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة والكوفة والعراق، فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له. ن. ترتيب المدارك: ٢/٣٩ ون. درء تعارض العقل والنقل: ١/٢٧٨.
.

٢ - أي منزها عن المس. ن اللسان [مسس]..
٦٩٨- ﴿ إنك بالواد المقدس طوى ﴾ أي دم على ما أنت عليه من البحث والطلب، فإنك على هداية ورشد.
والوادي المقدس عبارة عن مقام الكليم موسى عليه السلام مع الله تعالى في الوادي، وإنما تقدس الوادي بما أنزل فيه من الذكر، وسمع كلام الله تعالى، وأقيم ذكر الوادي مقام ما حصل فيه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وإلا فالمقصود ما حذف لا ما ظهر بالقول، إذ المواضع لا تأثير لها وإنما هي ظروف.
ومعنى ﴿ فاستمع ﴾ أي سر بقلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سرادقات العز [ تنادي ]١ بما نودي به موسى :﴿ إني أنا ربك ﴾ أي فرغ قلبك لما يرد عليك من فوائد المزيد وحوادث الصدق وثمار المعرفة وارتياح سلوك الطريق وإشارات قرب الوصول، وسر القلب كما [ يقال ]٢ : أذن الرأس ووسع الآذان.
و﴿ لما يوحى ﴾ أي ما يرد من الله تعالى بواسطة الملك، أو إلقاء في روع، أو مكاشفة بحقيقة، أو ضرب مثل مع العلم بتأويله...
ما نودي به موسى : هو علم التوحيد التي وسعت العبارة اللطيفة عنه بقوله حين قال له : يا موسى ﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا ﴾. [ الإملاء عن إشكالات الإحياء : ملحق بالإحياء : ٥/٣٨-٣٩ ].
١ - في الأصل المطبوع تنادي ولعل الصواب ما أثبته..
٢ - في الأصل المطبوع يقول ولعل الصواب ما أثبته..
٦٩٩- ﴿ أقم الصلاة لذكري ﴾ ظاهرة الأمر الوجوب، والغفلة تضاد الذكر، فمن غفل في جميع صلات كيف يكون مقيما للصلاة لذكره ؟ [ الإحياء : ١/١٨٩ ].
٧٠٠- قوله صلى الله عليه وسلم :( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )١ وقرأ قوله تعالى :﴿ أقم الصلاة لذكري ﴾، وهذا خطاب مع موسى عليه.
قلنا : ما ذكره صلى الله عليه وسلم تعليلا للإيجاب، لكن أوجب بما أوحي إليه ونبه على أنهم أمروا كما أمر موسى عليه السلام.
وقوله :﴿ لذكري ﴾ أي لذكر إيجابي للصلاة، ولولا الخبر لكان السابق إلى الفهم أنه لذكر الله تعالى بالقلب أو لذكر الصلاة بالإيجاب. [ المستصفى : ١/٢٥٩ ].
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها ﴾ [ ١٤ ].
٧٠١- قال المفسرون : على نفسي٢، فإنه أخفاها تحقيقا عن غيره. [ المنخول : ١٧١ ].
١ - في الصحيحين: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [[ من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، ﴿وأقم الصلاة لذكري﴾ ن. البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة حديث رقم: ٥٩٧ وصحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الفائتة واستجاب تعجيله..
٢ - قال الضحاك عن ابن عباس إنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: من نفسه، وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع وغيرهم. ابن كثير: ٣/١٧٦-١٧٧..
﴿ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ﴾.
٧٠٢- ولفظ التوراة : " وهنا يا ذو مطوراعث كالشولغ "، وتفسير هذا اللفظ العبراني بالعربية : وهذه يدك برصاء كالثلج. صرحت التوراة بالبرص، وصرح الكتاب العزيز بأن بياضها من غير سوء، وفي القلب حسكة من ذلك في بادئ الرأي، لكن الجمع على الممارس الفهم غير عسر.
وبيانه : أن البرص عبارة عن عرض ينشأ عن سوء مزاج يحصل بسببه ؛ كلزج بلغم تضعف القوة المغيرة عن إحالته إلى لون الجسد.
ومعلوم أن بياض يد موسى عليه السلام، ما نشأ عن سوء مزاج لأن كل أحد إذا ساء مزاجه على نهج ما وصفناه حصل له ذلك، وإذا قويت القوة المغيرة أحالته.
وحينئذ تذهب خصوصية الإعجاز ! ! بل بياضها كان من قبيل المعجز الخارق، وشأن المعجز الخارق أن يكون مخالفا للمعهود المألوف، وإلى هذا المعنى إشارة الكتاب العزيز بقوله :﴿ من غير سوء ﴾.
أي : أن الله تعالى أقدر موسى على أن يجعل يده برصاء من غير سوء وأن يردها إلى لون جسده من غير قوة مغيرة، ليحصل له بذلك خصوصية بإجراء المعجز الخارق المخالف للمعهود على يده.
وإنما يكون معجزا مخالفا للمعهود، إذا أتى بالسبب منفكا عن سببه العادي الذي لا ينشأ إلا عنه. [ الرد الجميل : ٩٦-٩٧ ].
٧٠٣- إذا لم يستغن الأنبياء عليهم السلام عن الوزراء، واحتاجوا إليهم كان غيرهم من الناس أحوج. [ التبر المسبوك في نصيحة الملوك : ٨٧ ].
﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾.
٧٠٤- البارئ تعالى لما أرسل موسى إلى فرعون بأمره قال عز من قائل :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ وإذا كان الحق سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه السلام أن يقول لعدوه قولا لينا، فالناس أجدر أن يلينوا أقوالهم. [ التبر المسبوك في نصيحة الملوك : ٩٠ ]
٧٠٥- ﴿ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ يعني : قول من يرتجى أنه يتذكر أو يخشى وهذا على قدر فهم الخطاب. [ المنخول : ٩١ ].
﴿ الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾.
٧٠٦- الهادي : هو الذي هدى خواص عباده أولا إلى معرفة ذاته حتى استشهدوا بها على معرفة ذاته، وهدى عوام عباده إلى مخلوقاته حتى استشهدوا على ذاته وهدى كل مخلوق إلى ما لابد منه في قضاء حاجاته.
فهدى الطفل إلى التقام الثدي عند انفصاله، والفرخ إلى التقاط الحب وقت خروجه، والنحل إلى بناء بيته على شكل التسديس لكونه أوفق الأشكال لبدنه وأحواها له، وشرح ذلك يطول١، وعنه عبر قوله تعالى :﴿ الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾ وقوله تعالى :﴿ والذي قدر فهدى ﴾٢. [ المقصد الأسنى طبعة دار الكتب العلمية : ١١٦ ]
٧٠٧- فالخلق دون الهداية لا يفضي إلى خير، ولذلك قال عز وجل :﴿ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾ [ مقاصد الفلاسفة : ٣٧٤ ].
١ - ن تفسير قوله تعالى : ﴿الرحمن الرحيم﴾ من سورة الفاتحة..
٢ - الأعلى: ٣..
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾.
٧٠٨- القرآن من أوله إلى آخره مخاوف لمن قرأه بتدبر، ولو لم يكن فيه إلا قوله تعالى :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ كان كافيا، إذ علق المغفرة على أربعة شروط يعجز العبد عن آحادها. [ الإحياء : ٤/١٧٩ ]
﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾.
٧٠٩- اعلم أن العزم عبارة عن القصد المؤكد، قال الله تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ أي قصدا بليغا، وسمي بعض الرسل : أولي العزم لتأكد قصدهم في طلب الحق. والعزيمة في لسان حملة الشرع : عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى. { المستصفى : ١/٩٨ ].
﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾.
٧١٠- أنكر الأكثرون من المسلمين عصمة الأنبياء١، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾. [ فضائح الباطنية : ١١٥ ].
٧١١- قالت طوائف من أصحابنا : العصمة لا تثبت للنبي من الصغائر٢، واستدلوا عليه بقوله تعالى :﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾. [ نفسه : ١٤٨ ]
١ - قال محقق المنخول : محمد سحن هيتو: "الأكثر من المسلمين على أنه لا يمتنع عقلا عن الأنبياء عليهم السلام قبل الرسالة معصية: كبيرة كانت أو صغيرة، وخالف الروافض فذهبوا إلى امتناعها، والمعتزلة إلا في الصغائر، وشبه الفريقين التحسين والتقبيح العقليين.
والإجماع منعقد على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب في الأحكام لدلالة المعجزة على الصدق، وجوزه القاضي غلطا، لأن الغلط والنسيان غير داخلين تحت التصديق المقصود بالمعجزة، وأما غيره من المعاصي فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الدالة على الخسة والأكثر على جواز غيرها.
واختار ابن السبكي مع والده رأي الأستاذ أبي إسحاق، والقاضي عياض وأبي الفتح الشهرستاني امتناع الكل على كل وجه من العمد والسهو، رفع الحاجب ١/ق١٤٧ب) ن. هامش المنخول: ٢٢٣..

٢ - قال الإمام الغزالي : "قد تقرر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر وأما الصغائر، ففيه تردد العلماء، والغالب على الظن وقوع، وإليه تشير بعد الآيات والحكايات" المنخول: ٢٢٣..
٧١٢-﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾ إلى قوله ﴿ فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ﴾.
آيات الله حكمته في خلقه، وقد ألقيت إلى الخلق على لسان الأنبياء –صلوات الله عليهم- كما فصلت في جملة الشريعة من أولها إلى أخرها، وما من حد من حدود الشرع إلا وفيه سر وخاصية وحكمة، يعرفها من يعرفها، وينكرها من يجهلها. [ كتاب الأربعين في أصول الدين : ١٧٠ ].
٧١٣- قال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر، هل تدرون في ماذا أنزلت :﴿ فإن له معيشة ضنكا ﴾ ) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :( عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا هل تدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة وتسعون رؤوس يخدشونه ويلحدونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون )١.
ولا ينبغي أن يتعجب من هذا العدد على الخصوص، فإن أعداد هذه الحيات والعقارب بعدد الأخلاق المذمومة من الكبر والرياء والحسد والغل والحقد وسائر الصفات، فإن لها أصولا معدودة، ثم تتشعب منها فروع معدودة، ثم تنقسم فروعها إلى أقسام. وتلك الصفات بأعيانها هي المهلكات، وهي بأعيانها تنقسم فروعها إلى أقسام. وتلك الصفات بأعيانها هي المهلكات، وهي بأعيانها تنقلب عقارب وحيات، فالقوي منها يلدغ لدغ التنين، والضعيف يلدغ لدغ العقرب، وما بينها يؤذي إيذاء الحية.
وأرباب القلوب والبصائر يشاهدون بنور البصيرة، هذه المهلكات وانشعاب فروعها، إلا أن مقدار عددها لا يوقف عليه إلا بنور النبوة، فأمثال هذه الأخبار لها ظواهر صحيحة وأسرار خفية، ولكنها عند أرباب البصائر واضحة فمن لم تنكشف له حقائقها فلا ينبغي أن ينكر ظواهرها بل أقل درجات الإيمان التصديق والتسليم. [ الإحياء ٤/٥٣٢ وكتاب الأربعين في أصول الدين : ٢١٢ مع الاقتصار على الحديث الذي رواه ابن حبان ].
١ - قال الحافظ العراقي: رواه ابن حبان: وقال الزبيدي: رواه كذلك ابن أبي الدنيا في الموت، والحكيم في النوادر وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردويه والآجر وابن مندى. ن المغني ٤/٥٣٤. والإتحاف ١٤/٣١٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٤:٧١٢-﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ﴾ إلى قوله ﴿ فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ﴾.
آيات الله حكمته في خلقه، وقد ألقيت إلى الخلق على لسان الأنبياء –صلوات الله عليهم- كما فصلت في جملة الشريعة من أولها إلى أخرها، وما من حد من حدود الشرع إلا وفيه سر وخاصية وحكمة، يعرفها من يعرفها، وينكرها من يجهلها. [ كتاب الأربعين في أصول الدين : ١٧٠ ].

٧١٣-
قال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر، هل تدرون في ماذا أنزلت :﴿ فإن له معيشة ضنكا ﴾ ) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :( عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا هل تدرون ما التنين ؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة وتسعون رؤوس يخدشونه ويلحدونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون )١.
ولا ينبغي أن يتعجب من هذا العدد على الخصوص، فإن أعداد هذه الحيات والعقارب بعدد الأخلاق المذمومة من الكبر والرياء والحسد والغل والحقد وسائر الصفات، فإن لها أصولا معدودة، ثم تتشعب منها فروع معدودة، ثم تنقسم فروعها إلى أقسام. وتلك الصفات بأعيانها هي المهلكات، وهي بأعيانها تنقسم فروعها إلى أقسام. وتلك الصفات بأعيانها هي المهلكات، وهي بأعيانها تنقلب عقارب وحيات، فالقوي منها يلدغ لدغ التنين، والضعيف يلدغ لدغ العقرب، وما بينها يؤذي إيذاء الحية.
وأرباب القلوب والبصائر يشاهدون بنور البصيرة، هذه المهلكات وانشعاب فروعها، إلا أن مقدار عددها لا يوقف عليه إلا بنور النبوة، فأمثال هذه الأخبار لها ظواهر صحيحة وأسرار خفية، ولكنها عند أرباب البصائر واضحة فمن لم تنكشف له حقائقها فلا ينبغي أن ينكر ظواهرها بل أقل درجات الإيمان التصديق والتسليم. [ الإحياء ٤/٥٣٢ وكتاب الأربعين في أصول الدين : ٢١٢ مع الاقتصار على الحديث الذي رواه ابن حبان ].
١ - قال الحافظ العراقي: رواه ابن حبان: وقال الزبيدي: رواه كذلك ابن أبي الدنيا في الموت، والحكيم في النوادر وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردويه والآجر وابن مندى. ن المغني ٤/٥٣٤. والإتحاف ١٤/٣١٤..

٧١٤- ﴿ كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ﴾ أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها، فإن المقصر في الأمر يقال إنه نسي. [ الإحياء : ١/٣٣٩ ].
﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ﴾.
٧١٥- معناه : لولا الكلمة وأجل مسمى لكان لزاما ولولاه لكان نصبا كاللزام. [ نفسه : ١/٣٤٤ ].
﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾.
٧١٦- قال جرير بن عبد الله البجلي : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى القمر ليلة البدر فقال :( إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون من رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا ) ثم قرأ :﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾ وهو مخرج في الصحيحين. [ نفسه : ٤/٤٧٨ ].
﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ﴾.
٧١٧- عن أبي رافع أنه قال : ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فلم يجد عنده ما يصلحه، فأرسلني إلى رجل من يهود خيبر وقال :( قل له يقول لك محمد أسلفني أو بعني دقيقا إلى هلال رجب ) قال : فأتيته فقال : لا والله إلا برهن، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال :( أما والله إني لأمين في أهل السماء، أمين في أهل الأرض، ولو باعني أو سلفني لأديت إليه، اذهب بدرعي هذا إليه فارهنه )، فلما خرجت نزلت هذه الآية :﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ﴾١ وهذه الآية تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا [ نفسه : ٤/٢٠٧ ].
١ - قال الحافظ العراقي: أخرجه الطبراني بسند ضعيف. ن. المغني بهامش الإحياء: ٤/٢٠٧..
﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾.
٧١٨- يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا أصاب أهله خاصة قال :( قوموا إلى الصلاة ) ويقول :( بهذا أمرني ربي عز وجل، قال عز وجل :﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾١. [ نفسه : ٤/٢٦٠ وكتاب الأربعين في أصل الدين : ١٨٠ ]
١ - قال الحافظ العراقي : أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام وقال: [[كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ هذه الآية]]. ن. المغني بهامش الإحياء: ٤/٢٦٠..
Icon