ﰡ
ظاهره أنه كان مأموراً بذبح الولد، ويجوز أن لا يكون في المأمور به سوى التل للجبين، ولكن ظن إبراهيم عليه السلام أنه يتعقبه الأمر بالذبح فقال :﴿ إني أَرَى في المَنامِ إنّي أذْبَحُكَ ﴾ : أي ما يدل على أني أذبحك.
ويحتمل أن يكون قد أمر بذبحه حقيقة١، ولكنه لو قدر ذلك، فلا يصح نسخه عند من لا يجوز النسخ، قبل إمكان الأمر، لأن الذبح متى كان حسناً في وقت، فلا يجوز أن يصير في ذلك الوقت قبيحاً عندهم، فيصعب عليهم الخروج عند ذلك.
ويحتمل أن يكون قد ذبح ولكنه كان يلتئم ويبرأ، وهذا أبعد الاحتمالات، لأنه لو كان جرى ذلك، لكان قد نبه الله تعالى عليه تعظيماً لرتبة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما، وكان أولى بالشأن من هذا، ولو حصل الفراغ من امتثال الأمر الأول ما تحقق الفداء.
إذا ثبت، فقد احتج قوم من أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مصيرهم، إلى من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة عندهم، وقالوا : إن الله تعالى جعل الأمر بذبح الولد، في حالة حرم ذبح الولد سبباً لوجوب ذبح شاة، فيجوز أن يكون إيجاب الواحد منا ذبح ولده على نفسه سبباً لذبح شاة، ويجعل اللفظ عبارة عن ذبح شاة٢.
وهذا إغفال منهم، فإنه إن ثبت أن إبراهيم كان مأموراً بذبح الولد، فقد ارتفع الأمر إلى بدل جعل فداء، فكان الأمر متقرراً في الأصل، ثم أزيل ونسخ إلى بدل، وفيما نحن فيه لا أمر بذبح الولد، بل هو معصية قطعاً، فلم يكن للأمر تعلق بذبح الولد بحال، فإذا لم يتعلق به بحال، فلا يجوز أن يجعل له فداء وخلفاً، وقد استقصينا هذا في كتب الفقه وهو مقطوع به.
٢ - انظر أحكام القرآن للجصاص، ج ٥..
يحتج به من يرى للقرعة أثراً في تعيين المستحق بعد تردد الحق في أعيان لا سبيل إلى نفيه عنها، ولا إثباته في جميعها، فتدعو الحاجة إلى القرعة، وهذا بين.
نعم في مثل واقعة يونس لا تجري القرعة، لأن إلقاء مسلم في البحر لا يجوز، وفي ذلك الزمان جاز، فرجع الاختلاف إلى نفس الحق.
وأما قولنا الحق تردد في مَحَالٍّ وأعيان ؛ فلا يجوز إخراجه منها، فذلك شيء ثابت، وهو موضع احتجاجنا.