ﰡ
أقسَم الله سبحانه وتعالى بالملائكة المصطفّين في مقام العبودية.
الذين يردعون الناسَ عن الشر.
ويتلون آياتِه على الأنبياء.
هو رب السموات والأرض وما بينهما، وربّ المشارق والمغارب.
وإنه زيّن السماءَ الدنيا التي نراها بالكواكب.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر :﴿ بزينةِ الكواكب ﴾ بجر زينة والكواكب مضاف إليه، وقرأ أبو بكر :﴿ بزينةٍ الكواكبَ ﴾ بنصب الكواكب وجر زينة منونا، والباقون :﴿ بزينةٍ الكواكبِ ﴾ بتنوين زينة مجردا وخفض الكواكب على البدل.
وجعل هذه الكواكب حفاظاً للسماء من كل شيطان متمرد.
يقذفون : يرجمون.
فلا يمكن للشياطين المتمرّدين التسمُّعُ إلى ما يجري في عالم الملائكة، وإذا أرادوا ذلك رُجموا من كل جانب.
قراءات :
قرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص :﴿ لا يَسَّمّعون ﴾ بفتح السين والميم وتشديدهما، وقرأ الباقون :﴿ لا يسمعون ﴾ بإسكان السين وفتح الميم بدون تشديد.
واصِب : دائم.
وطُردوا طرداً عنيفاً، ولهم عذاب شديدٌ دائم.
الشهاب : الشعلة من النار، والنجم المضيء المنقضّ من السماء.
ثاقب : مضيء.
إلا من اختلس الكلمةَ من أخبار السماء فإننا نُتبعه بشهابٍ ثاقب يلحقه فيصيبه ويحرقه حرقا.
أما كيف يتم هذا كله فإننا لا نعرفه.. فهو من الغيبيات التي تعجز طبيعتنا البشرية عن تصوّر كيفياتها، ونصدّق بها وبما جاء من عند الله.
أشد خلْقا : أصعب خلقا.
لازِب : لازم ثابت، لاصق.
اسأل أيها الرسول، هؤلاء المنكرين للبعث : أهُمْ أصعبُ خلقاً أم السمواتُ والأرض وما في هذا الكون الكبير ! لقد خلقنا كل ذلك من لا شيء، وخلقناهم من طين لاصقٍ بعضُه ببعض، فأين هم من خلق هذا الكون العجيب !
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ بل عجبتُ ﴾ بضم التاء، والباقون :﴿ بل عجبت ﴾ بفتح التاء.
وإذا وُعظوا ودعوا إلى عبادة الله لا يتّعظون.
يستسخرون : يسخرون، يستهزئون.
وإذا رأوا برهاناً على قدرة الله بالغوا في السخرية والاستهزاء.
قراءات :
قرأ ابن عامر :﴿ إذا متنا ﴾ بهمزة واحدة، والباقون :﴿ أإذا متنا ﴾ بهمزتين على الاستفهام. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب :﴿ إنا لمبعوثون ﴾ بهمزة واحدة، والباقون :﴿ أإنا لمبعوثون ﴾.
قراءات :
قرأ ابن عامر :﴿ أوْ آباؤنا الأولون ﴾ بسكون الواو.
﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ : قل لهم أيها النبي : نعم ستبعثون جميعا وأنتم أذلاء صاغرون
فإنما البعثة صيحة واحدة فإذا هم أحياء ينظرون إلى ما كانوا يوعدون،
وعند ذلك يقولون : يا ويلنا هذا هو يوم القيامة
الذي يفصَل فيه بين الناس، والذي كنتم به تكذِّبون.
إلى صراط الجحيم : إلى طريق الجحيم.
فقودوهم إلى طريق جهنم، مقرهم الأخير.
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾ : عما كانوا يعملون في الدنيا من كفر والحاد وفساد.
ويقال لهم ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ؟ ﴾ : لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا تفعلون !
قالوا لهم : إنكم كنتم تغشوننا وتأتوننا من الناحية التي نظنُّ فيها الخير واليمن، لتصرفونا عن الحق إلى الضلال.
طاغين : متجاوزين الحدَّ في العصيان.
وجب علينا ما قاله الله في أننا لذائقون العذاب في هذا اليوم.
وكل ما فعلناه بكم أننا دعوناكم لتكونوا مثلنا فاستجبتم لدعوتنا، فلا لومَ علينا.
من مَعين : من ماءٍ غزير.
يطوف عليهم الولدان بكأس من أجودِ الشراب في الجنة.
بألوان مشرقة.
يُنزفون : لا تذهب عقولهم بالسُّكر.
لا تورث صُداعاً ولا تُذهب وعيَ شاربيها. ويظلّون في هذا النعيم المقيم.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وخلف : ينزِفون بكسر الزاي، والباقون : يُنْزَفون بفتح الزاي على البناء للمجهول.
عِين : عيناء، واسعات العيون جميلات.
ثم بيّن محاسنَ زوجاتهم، لبيان تمام السرور، فقال :﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ ﴾
ولديهم زوجاتٌ عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن، وهن في غاية الجمال.
كأنهن البيض النقيّ المصون. والعرب يشبّهون النساء البيض الخُود باللؤلؤ. قال الشاعر :
وبيضةِ خودٍ لا يرام خباؤها......... وقال الشاعر :
وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوّا ص ميزت من جوهرٍ مكنون
ويقول تعالى :
﴿ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون ﴾ [ الواقعة : ٢٢ - ٢٣ ].
قال قائل منهم : كان لي صاحب من المشركين
وهل بعد أن نموت ونصير تراباً وعظاماً بالية نحيا مرةً لنحاسَب على ما قدّمنا من عمل ! !.
فيتطلّع ذلك المؤمن ويدعو إخوانه أن يتطلعوا معه.
حينما رآه قال : تاللهِ لقد كدتَ تهلكني لو أطعتك على الكفر معك، ولولا نعمةُ ربي بأن هداني للإيمان بالله والبعث لكنتُ مثلك من المحضَرين في العذاب.
لقد اجتزنا الامتحان بنجاح والحمد لله.
أما كيفية رؤية أهل الجنة لأهل النار وبينهم مسافاتٌ شاسعة فإنها من الغيبيات التي تخالف وضعنا وحياتنا، ونحن لا نعرف كيف تجري أحوال الدار الآخرة جميعها ولا نستطيع فهمها.
شجرة الزقوم : شجرة كريهة في جهنم.
ثم بيّن أحوال أهل جهنم وما يلاقون فيها من العذاب الدائم ليظهر الفرقُ بين أهل النعيم وأهل الجحيم، فقال :﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم ﴾ :
أهذا الرزقُ الذي ناله أهل الجنة خيرٌ أم حالُ أهلِ النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم.
التي جعلناها فتنةً وبلاء للكافرين ! ؟
والزقّوم شجرةٌ تنبت في وسط الجحيم.
رؤوس الشياطين : في قبح الشياطين، والعربُ تشبه كل قبيح بالشيطان.
ثمرها قبيح المنظر كريه الصورة كأنه رؤوس الشياطين.
الحميم : الحار.
فإذا عطشوا وأرادوا شرب الماء، يغاثون بماء حار مشوب بأخلاط من جهنم يشوي وجوههم، وتتقطع منه أمعاؤهم، كما قال في سورة الكهف ٢٩ :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾.
فاقتفوا آثارهم من غير أن يستعملوا عقولهم، بل مقلّدين غير مستبصرين.
وتركنا له ذِكراً جميلا في العالم إلى يوم القيامة.
وإن من شيعة نوحٍ الذين ساروا على نهجه إبراهيم عليه السلام.
إذ أقبل على ربه بقلبٍ طاهر خالٍ من كل سوء.
وقال لهم : أتعبدون آلهةً غير الله كذباً وزورا !.
﴿ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ من هذه الأحوال ومن عبادة غير الله.
فذهب مستخفيا إلى أصنامهم وسألهم مستهزئا فقال لهم :﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ ؟
باليمين : بقوة وشدة.
فمال عليهم بضربٍ شديد فكسّرهم حتى حطمهم جميعا.
فأقبل قومه إليه مسرعين يعاتبونه على ما ارتكب في شأن آلهتهم.
قراءات :
قرأ حمزة :﴿ يزِفون ﴾ بضم الياء، والباقون :﴿ يَزفون ﴾ وهما لغتان.
ولما بلغ مبلغ الرجال قال له أبوه إبراهيم : يا بنيّ، إني رأيت في المنام وحياً يطلب مني أن أذبحك تقرباً إلى الله، فانظر ماذا ترى ؟. فقال إسماعيل : يا أبت، افعلْ ما تؤمر به،
﴿ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ ماذا تُرِي ﴾ بضم التاء وكسر الراء، والباقون :﴿ ماذا ترى ﴾ بفتح التاء والراء.
تلّه : كبّه على وجهه.
فلما استسلما وانقادا لأوامر الله وقضائه، ووضع إبراهيم ابنَه على الأرض ليذبحه ( وبذلك نجح إبراهيم وابنه في الامتحان ).
وعلم الله بذلك صِدْق إبراهيم وإطاعة ابنه له ولربه.
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين ﴾ : نجزيهم أحسنَ الجزاء لقاءَ إطاعة أوامرنا، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء.
ثم بين الله عظيم صبر إبراهيم على امتثال أمر ربه مع ما فيه من عظم المشقة، فقال :
﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ :
ما دمت يا إبراهيم قد جُدْتَ بأعزّ شيء عندك، وهو ابنك الوحيد، ( وما أعظم هذا الابتلاء الذي ابتليناك به أنت وولدك ).
فقد أمرنا افتداءه بكبش عظيم. وأصبحت تلك سُنّةٌ له ولمن جاء بعده، وهي سنة النحر في عيد الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم.
ويباركه ويبارك ذريته :﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾.
وفي ذلك تنبيه إلى أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وأن الظلم في الأعقاب لا يعود إلى الأصول بنقيصة، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ] [ الإسراء : ١٥ ] [ وفاطر : ١٨ ].
والمعنى : ولقد تفضلنا على موسى وهارون.
ونجّيناهما وقومهما من فرعون وقومه بعد أن كانوا في كرب عظيم من الظلم والاضطهاد.
وآتينا موسى وهارون التوراة ذات البيان العظيم.
قال ابن جرير : إن إلياس من أنبياء بني إسرائيل، ويقول بعضهم : إنه إدريس الذي جاء ذكره في سورة مريم والأنبياء.
أن يتركوا عبادة صنمهم بعل.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص :﴿ الله ربكم ورب ﴾ بالنصب، والباقون بالرفع.
قراءات :
قرأ نافع ويعقوب وابن عامر :﴿ سلام على آل ياسين ﴾ بمد همزة آل والإضافة، والباقون :
﴿ إلْ ياسين ﴾. فمن قرأ :﴿ آل ياسين ﴾ يكون معناه آل محمد، وقال بعضهم آل القرآن.
إلا امرأته العجوز التي بقيت مع الهالكين.
وإنكم يا مشركي قريش، لتمرون على أطلال بيوتهم بسَدوم في البحر الميت في طريقكم إلى الشام.
المشحون : المملوء.
إذ يئس من هداية قومه فهرب منهم قبل أن يأذن له الله، وركب في سفينة مملوءة بالمسافرين والأمتعة، فوقفت السفينة ولم تتحرك، فقال ركابها إن هنا رجلاً هارباً من سيده.
المدحَضين : المغلوبين.
فعملوا قرعة بينهم، فخرجت القرعة على يونس،
ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت.
فَلَفَظَه بأرض خالية من النبات، وهو سقيم من شدة ما لقي في بطن الحوت.
إن أكبر فرية لهم قولهم إن الله تعالى له ولد.
وكيف يختار البنات على البنين ؟ ومثلُ هذا قوله تعالى :﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً ؟ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾ [ الإسراء : ٤٠ ].
ثم زاد في توبيخهم وطالبهم ببرهان يؤيد صحة ما يدّعون بقوله :﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ : هل عندكم حجةٌ واضحة تبرهن على أقوالكم ؟
وكانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله، ولدتْهم له الجنّ، ولذلك يردّ الله عليهم كذبهم وافتراءهم وينزه نفسه عن هذا الإفك بقوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ : إن الجانّ يعلمون أنهم محضَرون يوم القيامة للحساب والجزاء.
لا يمكنكم أن تُضِلُوا أحداً بإغوائكم،
إلا الضالين مثلكم الذي يدخلون النار ويصْلونها من أصحاب الجحيم.
ثم حكى الله اعتراف الملائكة بالعبودية لربهم، وقالت الملائكة : ما أحدٌ منا إلا له مقام يقف عنده.
وإنا لنحن المصطفّون في أداء طاعته وتنفيذ أوامره.
لو أن عندَنا كتاباً من كُتب الأولين.
لكنّا من عباد الله المخلصين.
يقسِم الله تعالى أن وَعْدَه قد سبق إن العاقبة بالنصر لرسُله وأتباعهم.
فإننا سنجعل لك النصر والظفر، وانتظر ماذا يحل بهم من العذاب، ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ ذلك بأنفسهم ويندمون.
فإذا نزل العذاب بديارهم فبئس صباحهم ذلك الصباح، إنه يوم دمارهم وهلاكهم.
ثم أكدَ ما سبق من وقوع الميعاد فقال مكرراً وعيده لهم :﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ ﴾ : أعرِض أيها الرسول عنهم.
ما أجمل هذا الكلام، وما أحلاه وما أبلغه، فانه تعليم لنا لنقوله دائما ونتمثل به.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف هذه الآيات الكريمة، واللهَ نسأل حسن الختام.
ما أجمل هذا الكلام، وما أحلاه وما أبلغه، فانه تعليم لنا لنقوله دائما ونتمثل به.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف هذه الآيات الكريمة، واللهَ نسأل حسن الختام.