مدنية في قول الجميع
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
أحدهما : ليغفر لك الله استكمالاً لنعمه عندك.
الثاني : يصبرك على أذى قومك.
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما تقدم قبل الفتح وما تأخر بعد الفتح.
الثاني : ما تقدم قبل النبوة وما تأخر بعد النبوة.
الثالث : ما وقع وما لم يقع على طريق الوعد بأنه مغفور إذا كان.
ويحتمل رابعاً : ما تقدم قبل نزول هذه الآية وما تأخر بعدها.
﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بفتح مكة والطائف وخيبر.
الثاني : بخضوع من استكبر. وطاعة من تجبر.
أحدهما : أنه الأسر١ والغنيمة كما كان يوم بدر.
الثاني : أنه الظفر والإسلام وفتح مكة.
أحدهما : أنه الأسر١ والغنيمة كما كان يوم بدر.
الثاني : أنه الظفر والإسلام وفتح مكة.
وسبب نزول هذه الآية، ما حكاه الضحاك عن ابن عباس أنه لما نزل قوله :﴿ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ قال أهل مكة : يا محمد كيف ندخل في دينك وأنت لا تدري ما يفعل بك ولا بمن اتبعك فهلا أخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك كما أخبر عيسى ابن مريم ؟ فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه حتى قدم المدينة، فقال عبد الله بن أبي بن سلول - رأس المنافقين - للأنصار : كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه ؟ هذا والله الضلال المبين. فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك ؟ فقال : إن له أجلاً فأبشرا بما يقر الله به أعينكما. إلى أن نزلت عليه هذه الآي وهو في دار أبي الدحداح على طعام مع أبي بكر وعمر فخرج وقرأها على أصحابه فسروا. فروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا ذلك على أصحابه قال قائل منهم : هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بين الله لنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله ﴿ لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ الآية١.
أحدها : هو ظنهم أن لله شريكاً.
الثاني : هو ظنهم أنه لن يبعث الله أحداً.
الثالث : هو ظنهم أن يجعلهم الله كرسوله.
الرابع : أن سينصرهم على رسوله.
قال الضحاك : ظنت أسد وغطفان في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أو ينهزم ولا يعود إلى المدينة سالماً، فعاد ظافراً.
﴿ عَلَيْهِمْ دَآئرَهُ السَّوْءِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : عليهم يدور سوء اعتقادهم.
الثاني : عليهم يدور جزاء ما اعتقدوه في نبيهم.
(تناذرها الراقون من سوء سعيها | تطلقها طوراً وطوراً تراجع) |
(ألا بكرت مي بغير سفاهة | تعاتب والمودود ينفعه العزر) |
أحدها : تطيعوه، قاله بعض أهل اللغة.
الثاني : تعظموه، قاله الحسن والكلبي.
الثالث : تنصروه وتمنعوا منه، ومنه التعزير في الحدود لأنه مانع، قاله القطامي :
(لعمري لأنت البيت أكرم أهله | وأجلس في أفيائه بالأصائل) |
ألا بكرت مي بغير سفاهة | تعاتب والمودود ينفعه العزر |
أحدهما : تسودوه، قاله السدي.
الثاني : أن تأويله مختلف بحسب اختلافهم فيمن أشير إليه بهذا الذكر : فمنهم من قال أن المراد بقوله :﴿ وَتُعَزِّرُوهُ وَتَوَقِّرُوهُ ﴾ أي تعزروا الله وتوقروه لأن قوله :﴿ وَتُسَبِّحُوهُ ﴾ راجع إلى الله وكذلك ما تقدمه، فعلى هذا يكون تأويل قوله :﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ أي تثبتوا له صحة الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك.
ومنهم من قال : المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزروه ويوقروه لأنه قد تقدم ذكرها، فجاز أن يكون بعض الكلام راجعاً إلى الله وبعضه راجعاً١ إلى رسوله، قاله الضحاك. فعلى هذا يكون تأويل ﴿ تُوَقِّرُوهُ ﴾ أي تدعوه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكنية.
﴿ وتُسَبِّحُوهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تسبيحه بالتنزيه له من كل قبيح.
الثاني : هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح.
﴿ بُكْرَةً وَأصِيلاً ﴾ أي غدوة وعشياً. قال الشاعر٢ :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله | وأجلس في أفيائه بالأصائل |
وفي تسميتها بيعة وجهان :( أحدهما ) لأنها عقد تشبيها بعقد البيع. ( الثاني ) لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم النصرة.
﴿ يد الله فوق أيديهم ﴾ [ فيه خمسة تأويلات :
أحدهما : يعني عقد الله في البيعة فوق عهدهم.
الثاني : قوة الله في نصرة نبيه فوق قوتهم٣ ]
الثالث : ملك الله فوق ملكهم لأنفسهم.
الرابع يد الله بالمنة عليهم في هدايتهم فوق أيديهم بالطاعة.
الخامس : يد الله عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم.
﴿ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن النكث نقض العهد وهو قول الجمهور.
الثاني : أنه الكفر ؛ قاله يحيى بن سلام.
﴿ ومن أوفى بما عاهد عليه الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن أوفى بما عاهد عليه الله في البيعة.
الثاني : بما عاهد عليه الله في إيمانه.
﴿ فسيؤتيه أجرا عظيما ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ثوابا جزيلا.
الثاني : يعني حسنة، قاله يحيى.
٢ هو أبو ذؤيب الهذلي شاعر مخضرم، خرج مع عبد الله بن أبي السرح لفتح إفريقية في زمن عثمان توفي سنة ٦٤٨ م..
٣ ما بين الزاويتين ساقط من ع..
(يا رسول المليك إن لساني | راتق ما فتقت إذ أنا بور) |
أحدهما : فاسدين قاله قتادة.
الثاني : هالكين، قاله مجاهد. قال عبد الله بن الزبعرى١ :
(لا ينفع الطول من نوك الرجال وقد | يهدي الإله سبيل المعشر البور) |
يا رسول المليك إن لساني | راتق ما فتقت إذ أنا بور |
لا ينفع الطول من نوك٢ الرجال وقد | يهدي الإله سبيل المعشر٣ البور |
أحدهما : ما وعد الله نبيه من النصرة والفتح حين ظنوا ظن السوء بأنه يهلك أو لا يظفر٤ ؛ قاله مجاهد وقتادة.
الثاني : قوله " لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا " حين سألوه الخروج معه لأجل المغانم بعد امتناعهم منه وظن السوء ؛ قاله ابن زيد٥.
٢ في ك من نور القلوب.
٣ في ع سبيل المفسد.
٤ في ع يظهر والمعنى واحد..
٥ أنكر هذا القول الطبري وغيره، بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة..
أحدها : هي أرض فارس والروم وجميع ما فتحه المسلمون، قاله ابن عباس.
الثاني : هي مكة، قاله قتادة.
الثالث : هي أرض خيبر، قاله الضحاك.
في قوله :﴿ قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : قدر الله عليها، قاله ابن بحر.
الثاني : حفظها عليكم ليكون فتحها لكم.
وفي قوله :﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ وجهان :
أحدهما : ولن تتغير سنة الله وعادته في نصرك على أعدائك وأعدائه.
الثاني : لن تجد لعادة الله في نصر رسله مانعاً من الظفر بأعدائه وهو محتمل.
أحدها : كف أيديهم عنكم بالرعب وأيديكم عنهم بالنهي.
الثاني : كف أيديهم عنكم بالخذلان، وأيديكم عنهم بالاستبقاء لعلمه بحال من يسلم منهم.
الثالث : كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم بالصلح عام الحديبية.
﴿ بِبَطْنِ مَكَّةَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يريد به مكة.
الثاني : يريد به الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرام.
وفي قوله :﴿ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أظفركم عليهم بفتح مكة وتكون هذه نزلت بعد١ فتح مكة، وفيها دليل على أن مكة فتحت صلحاً لقوله ﴿ كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وأَيْدِيَكُمْ عَنهُم ﴾.
الثاني : أظفركم عليهم بقضاء العمرة التي صدوكم عنها.
الثالث : أظفركم عليهم بما روي ثابت عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من قبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوا من ظفروا به، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم، فأنزل الله هذه الآية، فكان هذا هو الظفر.
أحدهما : العصبية لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، والأنفة من أن يعبدوا غيرها، قاله ابن بحر.
الثاني : أنفتهم من الإقرار له بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم على عادته في الفاتحة، ومنعهم له من دخول مكة، قال الزهري.
ويحتمل ثالثاً : هو الاقتداء بآبائهم، وألا يخالفوا لهم عادة، ولا يلتزموا لغيرهم طاعة كما أخبر الله عنهم
﴿ إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُقْتَدُونَ ﴾
[ الزخرف : ٢٣ ].
﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ ﴾ يعني الصبر الذي صبروا والإجابة إلى ما سألوا، والصلح الذي عقدوه حتى عاد إليهم في مثل ذلك الشهر من السنة الثانية قاضياً لعمرته ظافراً بطلبته.
﴿ وَأَلزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ فيها أربعة أوجه :
أحدها : قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس، وهو يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني : الإخلاص، قاله مجاهد.
الثالث : قول بسم الله الرحمن الرحيم، قاله الزهري.
الرابع : قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم. وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله.
﴿ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : وكانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها.
الثاني : وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها.
وفي من كان أحق بكلمة التقوى قولان :
أحدهما : أهل مكة كانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها لتقدم إنذارهم لولا ما سلبوه من التوفيق.
الثاني : أهل المدينة أحق بكلمة التقوى حين قالوها، لتقدم إيمانهم حين صحبهم التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : أنه ثرى الأرض وندى الطهور، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أنها صلاتهم تبدوا في وجوههم، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه السمت، قاله الحسن.
الرابع : الخشوع، قاله مجاهد.
الخامس : هو أن يسهر الليل فيصبح مصفراً، قاله الضحاك.
السادس : هو نور يظهر على وجوههم يوم القيامة، قاله عطية العوفي.
﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن مثلهم في التوراة بأن سيماهم في وجوههم. ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه.
الثاني : أن كلا الأمرين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل.
وقوله :﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الشطأ شوك السنبل، والعرب أيضاً تسميه السفا١ والبهمي، قاله قطرب.
الثاني : أنه السنبل، فيخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الكلبي والفراء.
الثالث : أنه فراخه التي تخرج من جوانبه، ومنه شاطىء النهر جانبه، قاله الأخفش.
﴿ فَآزَرَهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : فساواه فصار مثل الأم، قاله السدي.
الثاني : فعاونه فشد فراخ الزرع أصول النبت وقواها.
﴿ فَاسْتَغْلَظَ ﴾ يعني اجتماع الفراخ مع الأصول.
﴿ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ﴾ أي على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقاً له.
﴿ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم.
ووجه ضرب المثل بهذا الزرع الذي أخرج شطأه، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه كان ضعيفاً، فأجابه الواحد بعد الواحد، حتى كثر جمعه وقوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر٢ ضعيفاً فيقوى حالا بعد حال حتى يغلظ ساقه وأفراخه فكان هذا من أصح مثل وأوضح بيان، والله أعلم.
٢ في ك البزر بالزاي..