تفسير سورة نوح

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة نوح من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة نوح
مكّيّة وهى ثمان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جئ بان فى ابتداء الكلام لاظهار الاهتمام وتقييد إرساله الى قومه يدل على انه عليه السلام لم يكن مبعوثا الى الناس كافة كما يدل عليه حديث جابر قال قال رسول الله - ﷺ - أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فاينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة متفق عليه وحديث ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال فضلت على الأنبياء بست فذكر نحوه غير انه لم يذكر وأعطيت الشفاعة وذكر فيه وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ان مفسره لتضمن الإرسال معنى القول ويحتمل ان يكون مصدرية بمعنى بان قلنا له انذر لا بمعنى بان انذر قومك فانه يختبط ح الكلام بضمير الغيبة والخطاب مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة والطوفان ان لم يؤمنوا.
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنذركم وأبين لكم.
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ فلا تشركوا به شيئا وَأَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله.
يَغْفِرْ لَكُمْ مجزوم على جواب الأمر فان الايمان والطاعة سبب للمغفرة عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي - ﷺ - فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يديه فقال مالك يا عمرو قلت أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم
وعن
معاذ قال كنت ردف رسول الله - ﷺ - على حمار ليس بينى وبينه الا مؤخرة الرحل فقال يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله اعلم قال فان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
71
وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا ابشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا متفق عليه
وعن
انس هذه القصة نحوه وفيه فاخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق عليه مِنْ ذُنُوبِكُمْ من زائدة او للتبعيض اى بعض ذنوبكم يعنى ما هو حق الله تعالى وَيُؤَخِّرْكُمْ اى يعافيكم فلا يعاقبكم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ط هو أقصى ما قدر لكم بشرط الايمان والطاعة مسئله اعلم ان القضاء على نوعين قضاء مبرم ومعلق فالمعلق ما كتب فى اللوح المحفوظ ان فلانا ان أطاع الله تعالى عوفى الى مدة كذا مثلا وان عصى الله يرسل عليه الطوفان مثلا او غير ذلك وهذا النوع من القضاء يجوز تبديله بفقدان الشرط وهو معنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله - ﷺ - لا يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد فى العمر الا البر رواه الترمذي والمبرم وهو المراد بقوله تعالى لا تبديل لكلمات الله إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ اى الاجل الذي قدره الله تعالى إِذا جاءَ على الوجه المقدر به لا يُؤَخَّرُ فاما المبرم فلا يوخر قط اما المعلق فلا يوخران جاء على ما علق به فبادروا بالطاعات فى اوقات الامهال والتأخير قبل الاجل المبرم ولا ترتكبوا المعاصي الموجبة للتعذيب المفضية الى الاجل المعلق فان قيل مذهب اهل السنة ان الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص حتى قالوا المقتول ميت بأجله وما ورد فى الحديث لا يزيد فى العمر الا البر تأويله عندهم ان البر يزيد بركات العمر بكثرة الثواب وما ذكرت يشبه مذهب المعتزلة قلنا ليس كذلك بل المعتزلة ينكرون القدر ويجعلون القاتلون خالقا لموت المقتول ما ذكرت هو مذهب اهل السنة فان معنى قولهم الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص هو الاجل الثابت بالقضاء المبرم لا تبديل فيه لا يستقدمون ساعة ولا يستاخرون والمقتول ميت بأجله المبرم وان كان التعليق فى اللوح المحفوظ انه ان قتله فلان مات والا لم يمت لكنه المبرم فى القضاء انه يقتله فلان البتة وانه يموت فى ذلك الوقت بقتله البتة ولا يوجد شرط بقاءه بعد ذلك الوقت البتة فح لا حاجة الى تاويل الحديث عن ابى حزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله - ﷺ - ارايت رقى نسترقيها ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من قدر الله رواه احمد والترمذي وابن ماجة يعنى ان الله تعالى قدر انه يتداوى فيحصل له الشفاء بالدواء لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعنى لو كنتم من اهل العلم
72
والنظر لمصلحتهم وفيه انهم لانهماكهم فى الشهوات كانهم كانوا شاكين فى الموت قال ابن عباس بعث نوح وهو ابن أربعين وعاش بعد الطوفان ستين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل ابن خمسين سنة وقيل مائتين وخمسين سنة وكان عمره الفا واربعمائة وخمسين سنة ولا شك فى انه لبث يدعوا قومه الف سنة الا خمسين عاما وروى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه فى لبد ويلقونه فى بيت انه قد مات فيخرج فى اليوم الثاني ويدعوهم الى الله سبحانه وتعالى وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمر الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح عليه السلام فيخنقونه حتى تغشى عليه فاذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون حتى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل فلا يأتي قرن الا كان أخبث من الذين قبلهم حتى كان الآخرون منهم ليقولن قد كان هذا مع ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا فح شكى الى الله عز وجل و.
قالَ وفى الكلام حذف اختصارا تقديره قال نوح كذا فكذبوه فلم يزل نوح على دعوتهم والقوم على إنكاره حتى قال نوح رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً اى دائما.
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي قرأ الكوفيون دعائى بإسكان الياء والباقون بالفتح إِلَّا فِراراً عن الايمان والطاعة واسناد الزيادة الى الدعاء على السببية كقوله تعالى فزادتهم ايمانا زادتهم رجسا.
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ الى الايمان لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسبب الايمان جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة- وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يغطوا بها لئلا يروه وَأَصَرُّوا على الكفر والمعاصي وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً عظيما.
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً منصوب على المصدرية لانه أحد نوعى الدعاء او صفة مصدر محذوف اى دعاء جهارا اى مجاهرا به او عن الحال بمعنى مجاهرا ثُمَّ إِنِّي قرأ الكوفيون وابن عامر بإسكان الياء والباقون بالفتح.
أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً وكلمة ثم لتفاوت الوجوه فان الجهار اغلظ من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والتراخي بعضها عن بعض.
فَقُلْتُ بيان لقوله دعوتهم وقال البغوي ان قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم
أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم فحينئذ قال لهم نوح عليه السلام- اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ط بالتوبة عن الكفر والندم عن المعاصي وتركها فيما يستقبل إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً للتائبين تعليل لقوله استغفروا.
يُرْسِلِ السَّماءَ اى المطر تسمية الحال باسم المحل عَلَيْكُمْ مِدْراراً حال من السماء اى كثير دره ويستوى فى هذا البيان المذكر والمؤنث ويرسل مع ما عطف عليه مجزوم فى جواب الأمر بالاستغفار فدل على ان الاستغفار سبب للمطر وغير ذلك من النعم الدنيوية ودفع البلاء اما عموما او فى مادة مخصوصة حيث كان نزول البلاء نقمة الشوم المعاصي كما كان فى قوم نوح عليه السلام وكما يدل عليه قوله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اما إذا كان ذلك نعمة لرفع الدرجات فلا كما كان بايوب عليه السلام وغيره من الأنبياء وعن سعيد قال قال رسول الله ﷺ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان فى دينه صلبا اشتده بلائه وان كان فى دينه رقة ابتلى حسب دينه فما يبرح البلاء بالعهد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة رواه احمد والبخاري والترمذي وابن ماجه ورواه البخاري فى التاريخ عن بعض ازواج النبي - ﷺ - بلفظ أشد الناس بلاء فى الدنيا نبى او صفى- روى الحاكم فى المستدرك وابن ماجه وعبد الرزاق عن ابى سعيد نحوه وفيه ولاحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء ويمكن ان يقال قحط المطر بلاء عام لا يتصور الا بشوم المعاصي من العوام فالاستغفار سبب للمطر عموما ومن ثم شرع الاستغفار فى الاستسقاء روى مطرف عن الشعبي ان عمر خرج يستسقى بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجارى السماء الذي يستنزل بها القطر ثم قرأ استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا.
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ قال عطاء يكثر أموالكم وأولادكم وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ بساتين وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ط يعنى كما كانت قبل تكذيب نوح عليه السلام-.
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ج ما استفهامية مبتداء ولكم خبره وجملة لا ترجون حال من ضمير المخاطب والعامل معنى الفعل اى ما تصنعون لا ترجون ولله حال من وقارا قدم على ذى الحال لنكارته والوقار بمعنى العظمة اسم من التوقير بمعنى التعظيم
قال ابن عباس ومجاهد رض لا ترون لله عظمة فى الرجاء بمعنى الاعتقاد عير عن الاعتقاد بالرجاء الذي يتبع ادنى الظن مبالغة وقال الكلبي معناه لا تخافون لله عظمة فالرجاء على هذا بمعنى الخوف وقال الحسن لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون فى عبادة ان يثيبكم على توقيركم إياه جزاء ويحتمل ان يكون المعنى ما لكم لا ترجون فى عبادة الله تعظيمه إياكم ولله بيان للموقر.
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً اى تارات حالا بعد حال حلقكم عناصر ثم مركبات اغذية للانسان ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا اخر اى خلقا إنسانا بنفخ الروح فتبارك الله احسن الخالقين- ثم يميتكم ويقبركم ثم يعيدكم احياء تارة اخرى فيعظم المطيع منكم بالثواب ويعاقب العاصي والجملة حال من فاعل ترجون او من الله ثم اتبع ذكر آيات فى الأنفس بايات فى الآفاق فقال.
أَلَمْ تَرَوْا مجاز عن التعجيب كَيْفَ استفهام للاستعظام حال عن الفاعل او المفعول من الجملة التالية قدم لاقتضاء صدر الكلام خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً بعضهن فوق بعض وبين كل من السافل وو العالي مسيرة خمسمائة سنة كما دل عليه الأحاديث وذكر فيما قبل.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً اى فى بعضهن وهى السماء الدنيا كما يقال نزل رسول الله ﷺ فى دور بنى النجار قال البغوي قال عبد الله بن عمرو ان الشمس والقمر وجوههما الى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن يعنى كليهن واشعتهما الى الأرض ويروى هذا عن ابن عباس وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً مثلها به لانها تزيل الظلمة عما تقابله كما يريلها السراج عما حوله وانما مثل الشمس بالسراج مع كون السراج ادنى منها ضياء لظهور امر السراج فى أذهان السامعين وفقد ما يمثل به غيره ولعله فى قوله تعالى جعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا اشعار بان نور القمر مستفاد من الشمس فان النور انما يستفاد من السراج.
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ كرر اسم الله تعالى ولم يكتف بالضمير التذاذا باسم المحبوب واظهار المقصودة اى انشأكم فاستعير الإنبات للانشاء لانه ادل على الحدوث مِنَ الْأَرْضِ بان خلق أباكم آدم منها او بانه خلقكم من النطف والنطف من الغذاء المنبت من الأرض نَباتاً مصدر من غير ما به نحو تبتل اليه وقيل اسم جعل موضع المصدر او هو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره والله
أنبتكم فنبتم نباتا فاقتصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية.
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها مقبورين بعد الموت وَيُخْرِجُكُمْ بالحشر إِخْراجاً أكده بالمصدر كما أكد به الاول للدلالة على تحقيق البعث كالبدأ.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً تنقلبون عليها.
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً ع واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ.
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي فيما امرتهم وهذه الجملة بمنزلة التأكيد لما سبق من قوله تعالى قال رب انى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا إلخ قال مال الجملتين واحد إذ الفرار عن الدعاء وسد المسامع وتغطية الابصار هو عين العصيان او من موجباته ولذا لم يذكر العاطف بين قال وقال وانما كرر القول بالعصيان مع ذكره فيما سبق لان سوق الكلام الاول لبيان ادائه فريضة التبليغ على ابلغ الوجوه وسوق هذا الكلام ليكون تمهيدا للدعاء عليهم وَاتَّبَعُوا اى السفلة منهم مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى رؤسائهم البطرين باموالهم المغترين باولادهم بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم فى الاخرة قرأ نافع وعاصم وابن عامر ولده بفتح الواو واللام والباقون بضم الواو وسكون اللام على انه لغة كالحزن او جمع كالاسد.
وَمَكَرُوا عطف على من لم يزده والضمير لمن وجمعه للمعنى او على اتبعوا مَكْراً كُبَّاراً ج هو أشد مبالغة فى الكبر من الكبار بلا تشديد وهو من الكبير يعنى مكروا مكرا كبيرا فى غاية الكبر وذلك احتيالهم فى الدين والمكر من الرؤساء تحريش الناس على أذى نوح والكفر بالله ومن السفلة القيام على انواع إيذائه.
وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض عطف على مكروا على الوجهين لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ اى عبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا قرأ نافع ودا بضم الواو والباقون بفتحها وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ج تخصيص بعد التعميم لزيادة الاهتمام قال البغوي قال محمد بن كعب هذه اسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم اتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم ماخذهم فى العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتم صورهم كان انشط لكم وأشوق الى العبادة ففعلوه ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس ان الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتدأ عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء وقال عطاء
عن ابن عباس رض صارت الأوثان التي كانت تعبد فى قوم نوح فى العرب بعده اما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل واما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمرو ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لال ذى الكلاع فهذه اسماء رجال صالحين من اسلام قوم نوح فلما هلكوا اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك عبدت وروى عن ابن عباس رض ان تلك الأوثان رفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدمونة حتى أخرجها الشيطان لمشركى مكة.
وَقَدْ أَضَلُّوا اى الأوثان او رؤساء قوم نوح كَثِيراً ج من الناس والاسناد الى الأوثان مجاز كما فى قوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس حيث أضلهم الشيطان بسببها والجملة اما حال من فاعل قالوا او من مفعول لا تذرن واما معترضة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين إِلَّا ضَلالًا اى هلاكا وضياعا كقوله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ او المراد بالضلال عدم اهتدائهم الى ما أرادوا بمكرهم او الى مصالح دنياهم والجملة معطوفة على مقولة قال رب انهم عصونى يعنى قال نوح هذا القول فهو فى المعنى من قبيل عطف المفرد على المفرد لا عطف الإنشاء على الخبر.
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ على قراءة الجمهور وقرأ ابو عمر وخطاياهم ما مزيده للتاكيد والتفخيم ومن للسببية متعلق باغرقوا اى من أجل خطاياهم أُغْرِقُوا بالطوفان فَأُدْخِلُوا ناراً فى عالم البرزخ المسمى بالقبر فانه روضة من رياض الجنة او حفرة من حفرات النيران فهذه الاية دليل على اثبات عذاب القبر لان الفاء للتعقيب وصيغة ادخلوا للمضى خلافا للمعتزلة وغيرهم من اهل الهواء قالوا فى تاويل هذه الاية انه أورد بفاء التعقيب لعدم اعتداد لما بين الإغراق والإدخال او لان المسبب كالمتعقب للسبب وصيغة الماضي لان المتيقن كالواقع قلنا الأصل فى الكلام الحقيقة وهذه التأويلات حمل على المجاز فلا يجوز بلا دليل كيف وقد دلت من الأحاديث ما لا يحصى على عذاب القبر وانعقد عليه اجماع السلف عن انس قال قال رسول الله - ﷺ - ان العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقول ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمد - ﷺ - فاما المؤمن فيقول اشهد
انه عبد الله ورسوله فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيريهما جميعا واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين متفق عليه وعن عائشة قالت ما رايت رسول الله - ﷺ - صلى صلوة الا تعوذ بالله من عذاب القبر متفق عليه وعن عثمان انه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة فلا تبكى وتبكى من هذا فقال ان رسول الله - ﷺ - قال ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله - ﷺ - ما رايت نظرا قط الا والقبر اقطع منه رواه الترمذي ابن ماجة وعن ابى سعيد قال قال رسول الله - ﷺ - يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعين تنينا تنهسه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو ان تنينا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت خضراء رواه الدارمي وروى الترمذي نحوه وقال سبعون بدل تسعة وتسعون وتنكير نارا للتعظيم او لان المراد نوع من النيران غير نار جهنم وجملة اغرقوا مع ما عطف عليه استيناف كانه فى جواب ما فعل لهم إذا شتكى نوح الى الله عصيانهم فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً اى لا يجد أحد منهم أحدا ينصرهم فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وأحد نكرة فى حيز النفي يعم والجملة تعريض لهم باتخاذ الهة من دون الله لا يقدر على نصرهم.
وَقالَ نُوحٌ عطف على قال نوح رب انهم عصونى رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ اى ارض قومه واللام للعهد مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً أحدا يسكن دارا وهو نكرة فى حيز النفي فيعم فيقال أصله ديوار ادغم الياء بالواو بعد قلبه ياء على طريقة سيد لافعال والا فكان دوارا.
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ تعليل للدعاء عليهم يُضِلُّوا اى يريدوا إضلال عِبادَكَ المؤمنين وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع انما قال نوح هذا الدعاء على قومه حين اخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ويئس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة وقيل تسعين سنة فاخبر الله نوحا ان هم لا يومنون ولا يلدون مؤمنا ولم يكن فيهم صبى وقت العذاب لان الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ولا يوجد التكذيب من الأطفال وبهذا يستدل على ان الطوفان لم يستغرق الأرض كلها بل قومه فقط كيلا يلزم التعذيب من غير تكذيب.
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ كان اسم أبيه ملك بن منو شلخ واسم امه سمجار بنت أنوش وكانا مؤمنين وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ قرأ بفتح الياء حفص وهشام والباقون بالإسكان اى منزلى وقال الضحاك مسجدى وقيل سفينتى مُؤْمِناً قيل خرج بهذا إبليس فانه كان دخل فى سفينة وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ط الى يوم القيامة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين إِلَّا تَباراً ع اى هلاكا واستجاب الله تعالى دعاءه.
Icon