مكية وآياتها ٣٦ نزلت بعد العنكبوت وهي آخر سورة نزلت بمكة
ﰡ
مكية وآياتها ٣٦ نزلت بعد العنكبوت وهي آخر سورة نزلت بمكة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة المطففين) وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ التطفيف في اللغة هو البخس والنقص وفسره بذلك الزمخشري واختاره ابن عطية وقيل: هو تجاوز الحد في زيادة أو نقصان واختاره ابن الفرس وهو الأظهر لأن المراد به هنا بخس حقوق الناس في المكيال والميزان، بأن يزيد الإنسان على حقه أو ينقص من حق غيره، وسبب نزول السورة أنه كان بالمدينة رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطى بالأنقص، فالسورة على هذا مدنية وقيل مكية لذكر أساطير الأولين وقيل: نزل بعضها بمكة. ونزل أمر التطفيف بالمدينة إذ كانوا أشد الناس فسادا في هذا المعنى فأصلحهم الله بهذه السورة الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ معنى اكتالوا على الناس قبضوا منهم بالكيل فعلى بمعنى من وإنما أبدلت منها لما تضمن الكلام من معنى التحامل عليهم، ويجوز أن يتعلق على الناس بيستوفون وقدم المفعول لإفادة التخصيص وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ معنى يخسرون ينقصون حقوق الناس وهو من الخسارة، يقال: خسر الرجل وأخسره غيره إذا جعله يخسر، وكالوهم معناه: كالوا لهم أو وزنوهم معناه وزنوا لهم، ثم حذف حرف الجرّ فانتصب المفعول لأن هذين الفعلين يتعدى كل واحد منهما تارة بنفسه وتارة بحرف الجرّ يقال: كلتك وكلت لك ووزنتك ووزنت لك بمعنى واحد. وحذف المفعول الثاني، وهو المكيل والموزون، والواو التي هي ضمير الفاعل للمطففين والهاء الذي هي ضمير المفعول للناس. فالمعنى إذا كالوا أو وزنوا لهم طعاما أو غيره مما يكال أو يوزن يخسرونهم حقوقهم، وقيل: إن هم في كالوهم أو وزنوهم تأكيد للضمير الفاعل وروي عن حمزة أنه كان يقف على كالوا ووزنوا ثم يبتدئ هم ليبين هذا المعنى وهو ضعيف من وجهين، أحدهما: أنه لم يثبت في المصحف ألف بعد الواو في كالوا ووزنوا فدلّ ذلك على أن هم ضمير المفعول. والآخر أن المعنى على هذا أن المطففين إذا تولوا الكيل أو الوزن نقصوا، وليس ذلك بمقصود لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر، ألا ترى أنّ اكتالوا على الناس معناه: قبضوا منهم
والآخر : أن المعنى على هذا أن المطففين إذا تولوا الكيل أو الوزن نقصوا وليس ذلك بمقصود لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر، ألا ترى أن اكتالوا على الناس معناه : قبضوا منهم وكالوهم ووزنوهم معناه : دفعوا لهم فقابل القبض بالدفع وأما على هذا الوجه الضعيف فهو خروج عن المقصود، قال ابن عطية : ظاهر الآية أن الكيل والوزن على البائعين وليس ذلك بالجلي قال صدر الآية في المشترين فهم الذين يستوفون أو يشاحون ويطلبون الزيادة وقوله :﴿ وإذا كالوهم أو وزنوهم ﴾ في البائعين فهم الذين يخسرون المشترى.
أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يعني يوم القيامة، وهذا تهديد للمطففين وإنكار لفعلهم، وكان عبد الله بن عمر إذا مر بالبائع يقول له: اتق الله وأوف الكيل، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ الظرف منصوب بقوله: مبعوثون وقيل: بفعل مضمر أو بدل من يوم عظيم، وقيام الناس يوم القيامة على حسب اختلافهم، فمنهم من يقوم خمسين ألف سنة وأقل من ذلك حتى أن المؤمن يقوم على قدر الصلاة مكتوبة كَلَّا ردع عن التطفيف أو افتتاح كلام إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ كتاب الفجار هو ما يكتب من أعمالهم، والفجار هنا يحتمل أن يريد به الكفار أو المطففين وإن كانوا مسلمين، والأول أظهر لقوله بعد هذا: ويل يومئذ للمكذبين.
وسجين اسم علم منقول من صفة على وزن فعيل للمبالغة، وقد عظم أمره بقوله: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ، ثم فسره بأنه كِتابٌ مَرْقُومٌ أي مسطور بين الكتابين وهو كتاب جامع يكتب فيه أعمال الشياطين والكفار، والفجار وهو مشتق من السجن بمعنى الحبس، لأنه سبب الحبس والتضييق، في جهنم ولأنه في مكان الهوان والعذاب كالسجن، فقد روي عن النبي ﷺ أنه في الأرض السفلى، وروي عنه أنه في بئر هناك، وحكى كعب عن التوراة أنه في شجرة سوداء هنالك، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون معنى الآية أن عدد الفجار في سجين أي كتبوا هنالك في الأزل أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قد ذكر بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ «١» أي غطى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم فصاروا لا يعرفون الرشد من الغي وفي الحديث «٢» : أن العبد إذا أذنب ذنبا صارت نكتة سوداء في قلبه فإذا زاد ذنب آخر زاد السواد فلا يزال كذلك حتى يتغطى وهو الرين لَمَحْجُوبُونَ حجب
(٢). الحديث مشهور وقد رواه الإمام الطبري بعدة ألفاظ قريبة بسنده إلى أبي هريرة لدى تفسيره للآية.
وذكره المناوي وعزاه لأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة بأسانيد صحيحة.
﴿ إن كتاب الفجار لفي سجين ﴾ كتاب الفجار هو ما يكتب من أعمالهم، والفجار هنا يحتمل أن يريد به الكفار أو المطففين وإن كانوا مسلمين، والأول أظهر لقوله بعد هذا.
﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ وسجين اسم علم منقول من صفة على وزن فعيل للمبالغة وقد عظم أمره بقوله :﴿ وما أدراك ما سجين ﴾ ثم فسره بأنه كتاب مرقوم أي : مسطور بين الكتابين وهو كتاب جامع يكتب فيه أعمال الشياطين والكفار والفجار وهو مشتق من السجن بمعنى : الحبس لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم ولأنه في مكان الهوان والعذاب كالسجن، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه في الأرض السفلى، وروي : عنه أنه في بئر هناك، وحكى كعب عن التوراة أنه في شجرة سوداء هنالك، وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون معنى الآية أن عدد الفجار في سجين أي : كتبوا هنالك في الأزل.
إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ عليّون اسم علم للكتاب الذي تكتب فيه الحسنات، وهذا جمع منقول من صفة علي، على وزن فعيل للمبالغة وقد عظمه بقوله: وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ثم فسره بقوله:
كِتابٌ مَرْقُومٌ وهو مشتق من العلوّ لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه مرفوع في مكان علي، فقد روي عن النبي ﷺ أنه تحت العرش، وقال ابن عباس: هو الجنة وارتفع كتاب مرقوم في الموضعين على أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره هو كتاب، وقال ابن عطية:
كتاب مرقوم خبر إن والظرف ملغى وهذا تكلف يفسد به المعنى، وقد روى في الأثر ما روي في الآية وهو أن الملائكة تصعد بصحيفة فيها عمل العبد فإن رضيه الله قال اجعلوه في عليين، وإن لم يرضه قال اجعلوه في سجين يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ يعني الملائكة المقربين (الْأَرائِكِ) قد ذكر (يَنْظُرُونَ) روي عن النبي ﷺ أنه قال ينظرون إلى أعدائهم في النار وقيل:
ينظرون إلى الجنة وما أعطاهم الله فيها نَضْرَةَ النَّعِيمِ أي بهجته ورونقه، كما يرى في وجوه أهل الرفاهية العافية والخطاب في تعرف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل مخاطب من غير تعيين.
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ الرحيق الخمر الصافية، والمختوم فسره الله بأن ختامه مسك، وقرئ ختامه بألف بعد التاء، وخاتمه بألف بعد الخاء وبفتح التاء وكسرها وفي معناه ثلاثة أقوال: أحدها أنه من الختم على الشيء، بمعنى جعل الطابع عليه فالمعنى أنه ختم على فم الإناء الذي هو فيه بالمسك، كما يختم على أفواه آنية الدنيا بالطين إذا قصد حفظها، وصيانتها الثاني أنه من ختم الشيء أي تمامه فمعناه: خاتم شربه مسك أي يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك ولذته الثالث أن معناه مزاجه مسك أي مزج الشراب بالمسك، وهذا خارج عن اشتقاق اللفظ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ التنافس في الشيء هو الرغبة فيه، والمغالاة في طلبه والتزاحم عليه وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ تسنيم اسم لعين في الجنة، يشرب منها المقربون صرفا، ويمزج منه الرحيق الذي يشرب منه الأبرار، فدل ذلك على أن درجة المقربين فوق درجة الأبرار، فالمقربون هم السابقون والأبرار هم أصحاب اليمين عَيْناً منصوب على المدح بفعل مضمر، أو على الحال من تسنيم يَشْرَبُ بِهَا بمعنى يشربها فالباء زائدة ويحتمل أن يكون بمعنى يشرب منها أو كقولك شربت الماء بالعسل.
﴿ ينظرون ﴾ روي : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ينظرون إلى أعدائهم في النار ". وقيل : ينظرون إلى الجنة وما أعطاهم الله فيها.
أحدها : أنه من الختم على الشيء، بمعنى : جعل الطابع عليه فالمعنى : أنه ختم على فم الإناء الذي هو فيه بالمسك كما يختم على أفواه آنية الدنيا بالطين إذا قصد حفظها، وصيانتها.
الثاني : أنه من ختم الشيء أي : تمامه فمعناه : خاتم شربه مسك أي : يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك ولذته.
الثالث : أن معناه : مزاجه مسك أي : يمزج الشراب بالمسك، وهذا خارج عن اشتقاق اللفظ.
﴿ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ﴾ التنافس في الشيء هو الرغبة فيه، والمغالاة في طلبه والتزاحم عليه.
﴿ عينا ﴾ منصوب على المدح بفعل مضمر، أو على الحال من تسنيم.
﴿ يشرب بها ﴾ بمعنى : يشربها فالباء زائدة ويحتمل أن يكون بمعنى يشرب منها أو كقولك : شربت الماء بالعسل.
أي يغمز بعضهم إلى بعض ويشير بعينيه، والضمير في مروا يحتمل أن يكون للمؤمنين أو للكفار، والضمير في يتغامزون للكفار لا غير فاكهين «١» من الفكاهة وهي اللهو، أي يتفكرون بذكر المؤمنين، والاستخفاف بهم قاله الزمخشري. ويحتمل أن يريد يتفكهون بنعيم الدنيا وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ أي إذا رأى الكفار المؤمنين نسبوهم إلى الضلال، وقيل: إذا رأى المؤمنون الكفار نسبوهم إلى الضلال والأول أظهر وأشهر وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ أي ما أرسل الكفار حافظين على المؤمنين، يحفظون أعمالهم ويشهدون برشدهم أو ضلالهم، وكأنه قال كلامهم بالمؤمنين فضول منهم فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ يعني باليوم يوم القيامة إذ قد تقدم ذكره، فيضحك المؤمنون فيه من الكفار، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ معنى ثوب جوزي يقال: ثوبه وأثابه إذا جازاه.
وهذه الجملة يحتمل أن تكون متصلة بما قبلها في موضع مفعول ينظرون، فتوصل مع ما قبلها أو تكون توقيفا [سؤالا] فيوقف قبلها ويكون معمول ينظرون محذوفا حسبما ذكرنا في ينظرون الذي قبل هذا وهذا أرجح لاتفاق الموضعين.