ﰡ
قال أبو بكر : الحِينُ اسمٌ يقع على وقت مبهم، وجائز أن يراد به وقت مقدَّر، قال الله تعالى :﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ﴾ [ الروم : ١٧ ]، ثم قال :﴿ وحين تظهرون ﴾ [ الروم : ١٨ ]، فهذا على وقت صلاة الفجر ووقت الظهر ووقت المغرب على اختلاف فيه ؛ لأنه قد أريد به فعل الصلاة المفروضة في هذه الأوقات، فصار " حين " في هذا الموضع اسماً لأوقات هذه الصلوات. ويشبه أن يكون ابن عباس في الرواية التي رُويت عنه في الحين أنه غدوة وعشية ذهب إلى معنى قوله تعالى :﴿ حين تمسون وحين تصبحون ﴾ [ الروم : ١٧ ] ؛ ويُطلق ويُراد به أقصر الأوقات، كقوله تعالى :﴿ وسوف يعلمون حين يرون العذاب ﴾ [ الروم : ١٨ ] وهذا على وقت الرؤية وهو وقت قصير غير ممتدّ. ويُطلق ويُراد به أربعون سنة ؛ لأنه رُوي في تأويل قوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ] أنه أراد أربعين سنة، والسنة والستة الأشهر والثلاث عشرة سنة والشهران على ما ذكرنا من تأويل السلف للآية كلّه محتمل ؛ فلما كان ذلك كذلك ثبت أن الحِينَ اسمٌ يقع على وقت مُبْهَمٍ وعلى أقصر الأوقات وعلى مُدَدٍ معلومة بحسب قصد المتكلم. ثم قال أصحابنا فيمن حلف أن لا يكلم فلاناً حيناً أنه على ستة أشهر ؛ وذلك لأنه معلوم أنه لم يُرِدْ به أقصر الأوقات، إذ كان هذا القدر من الأوقات لا يُحلف عليه في العادة، ومعلوم أنه لم يُرِدْ به أربعين سنة ؛ لأن من أراد الحلف على أربعين سنة حلف على التأبيد من غير توقيت. ثم كان قوله تعالى :﴿ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ لما اختلف السلف فيه على ما وصفنا كان أقصر الأوقات فيه ستة أشهر ؛ لأن من حين الصِّرَامِ إلى وقت أوان الطَّلْعِ ستة أشهر، وهو أوْلى من اعتبار السنة لأن وقت الثمرة لا يمتد سنة بل ينقطع حتى لا يكون فيه شيء، وإذا اعتبرنا ستة أشهر كان موافقاً لظاهر اللفظ في أنها تطعم ستة أشهر وتنقطع ستة أشهر ؛ وأما الشهران فلا معنى لاعتبار من اعتبرهما لأنه معلوم أن من وقت الصّرام إلى وقت خروج الطلع أكثر من شهرين، فإن اعتبر بقاء الثمرة شهرين فإنا قد علمنا أن من وقت خروج الطلع إلى وقت الصرام أكثر من شهرين أيضاً، فلما بطل اعتبار السنة واعتبار الشهرين بما وصفنا ثبت أن اعتبار الستّة الأشهر أوْلى.