تفسير سورة الصافات

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الصافات مكية
وهي مائة وإحدى وثمانون وقيل : اثنتان وثمانون آية وخمس ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ والصافات صفا ﴾ أقسم سبحانه بطواف الملائكة١ الصافات
١ الملائكة عليهم السلام ليسوا إناثا، فلا بد من تأويل لفظ الصافات وما يتبعها فأوله بطوائف، وقيل: بنفوسهم الصافات، والمراد صفهم في الصلاة قال تعالى: ﴿وإنا لنحن الصافون﴾ [الصافات: ١٦٥] أو في الهواء انتظارا لأمر الله/ ١٢ منه..
﴿ فالزاجرات زجرا ﴾ : الملائكة الذين يزجرون السحاب سوقا، أو الآيات القرآنية التي تنهي عن القبيح
﴿ فالتاليات ذكرا ﴾ : أي الملائكة الذين ينزلون بكلام ويتلونه على أنبيائه، والعطف بالفاء ؛ للدلالة على ترتب الصافات في التفاصيل١ قيل : أقسم بالذين يصفون في مقابلة العدو الذين يزجرون الخيل للجهاد، ويتلون القرآن مع ذلك، لا يشغلهم عنه تلك الشواغل
١ يعني أجريت هذه الصفات على الملائكة، فعطف بالفاء ليفيد ترتبا لها في الفضل، فالفضل للصف، ثم للزجر، ثم للتلاوة/ ١٢ منه..
﴿ إن إلهكم لواحد ﴾ : جواب للقسم
﴿ رب السموات والأرض ﴾ خبر بعد خبر أو خبر لمحذوف ﴿ وما بينهما ورب المشارق ﴾ : مشارق الكواكب أو مشارق١ الشمس في السنة، واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليها
١ وهي ثلاثمائة وستون مشرقا كل يوم لها مشرق/ ١٢ منه..
ا﴿ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ﴾ قراءة تنوين زينة مع جر الكواكب يؤيدان الإضافة للبيان، والزينة اسم وقراءة نصب الكواكب يؤيدان الإضافة إلى المفعول، والزينة مصدر أي : بأن الله زان الكواكب وحسنها١ والكواكب، وإن كان بعضها في غير سماء الدنيا لكن بأسرها زينة للسماء الدنيا زيناها للناظرين يرونها كجواهر مشرقة على سطحها الأزرق
١ فإن الكواكب لو لكم تكن مزينة في نفسها لم تزين السماء/ ١٢ ـ ١٢- ١٢ منه..
﴿ وحفظا ﴾ أي : وحفظناها حفظا، أو عطف على بزينة من حيث المعنى، كأنه قيل : إنا خلقناها زينة وحفظا ﴿ من كل شيطان مارد ﴾ : خارج عن الطاعة إذا أراد استراق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه
﴿ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ التسمع : تطلب السماع، ولتضمنه معنى الإصغاء عُدّيَ بإلى، والملأ على الملائكة، وهو كلام منقطع لبيان حالهم، أو صفة و ''لا'' محذور١ معنى ؛ لأن معناها : لا يمكنون من التسمع، كما لا يخفى أو استئناف، معناها : من التسمع، كما لا يخفى أو استئناف، والسؤال عما يكون عند الحفظ٢ وكيفيته، لا عن سببه ﴿ ويُقذفون ﴾ : يرمون ﴿ من كل جانب ﴾ : من جوانب السماء حين صعدوا للاستراق
١ ولا محذور معنى فإنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك، لأنهم ممنوعون، ومعنى لا يسمعون إليه ولا يمكنون مصغين إليه سواء جعل صفة أو لم يجعل فلا يرد ما قاله الزمخشري: لا يجوز أن يكون صفة؛ لأن الحفظ من شياطين لا يسمعون لا معنى له، ولا استئناف، فلأن سائلا لو سأل لِمَ يحفظ منها؟ فأجيب بأنهم لا يسمعون لم يستقم/ ١٢ منه..
٢ لأن قوله ﴿وحفظا﴾ مما يحرك الذهن له، فقيل: لا يسمعون جوابا عما يكون عنده، ويقذفون بيانا لكيفية الحفظ، وهذا أحسن طباقا لفظا ومعنى فتأمل/ ١٢ منه..
﴿ دُحُورا ﴾ : للدحور وهو الطرد أو مدحورين ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ مستمر في الآخرة
﴿ إلا من خطف ﴾ : اختلس ﴿ الخطفة ﴾ استثناء من فاعل، لا يسمعون بدل منه ﴿ فأتبعه شهاب ثاقب ﴾ : أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي يختلس ويأخذ كلام الملائكة بسرعة، فيتبعه كوكب مضيء، فيحرقه١ وسيأتي تفصيل ذلك في سورة ﴿ قل أوحي ﴾ إن شاء الله
١ ما يدل عليه النصوص الصريحة: أن المحرق كوكب لا الأنيار كما قاله الفلاسفة/ ١٢ منه..
﴿ فاستفتهم ﴾ : استخبر مشركي مكة ﴿ أهم أشد خلقا أم من خلقنا ﴾ أي : سلهم أخلقهم أصعب أم خلق الملائكة والسماء والأرض، وما بينهما، والمشارق والكواكب والشهب الثواقب ؟ فإذا اعترفوا أنها أصعب فلم ينكرون البعث ؟ ! والبعث أسهل ﴿ إنا خلقناهم من طين لازب ﴾ : لاصق لازق بعضه ببعض، فمن أين لهم أن ينكروا إعادتهم وهم تراب
﴿ بل عجبت١ : يا محمد من إنكارهم للبعث، أو من قدرة الله على هذه الخلائق ﴿ ويسخرون ﴾ : منك ومن تعجبك، وقراءة عجبت٢ بضم التاء بمعنى عجبت٣ من إنكارهم البعث، أو بلغ كمال قدرتي أني تعجبت منه، والعجب من الله تعظم تلك الحالة،
١ أخرج أبو عبيد، وعبد ابن حميد، وابن أبي حاتم وصححه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ ﴿بل عجبت ويسخرون﴾ بالرفع وأخرج أبو عبيد وعبد ابن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق ابن سلمة عن شريح أنه كان يقرأ هذه الآية ﴿بل عجبت ويسخرون﴾ بالنصب ويقول: إن الله لا يعجب من الشيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: إن شريكا كان معجبا برأيه وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: كان أعلم منه كان يقرؤها ﴿بل عجبت﴾/ ١٢ در منثور..
٢ على قراءة الضم هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي آثر هو وامرأته لضيفهما: (لقد عجب الله من صنيعكما البارحة) وفي لفظ في الصحيح (لقد ضحك لله الليلة) [جزء من حديث أخرجاه في الصحيحين] وقال: ''إن الرب ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنا'' [صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي، وانظر صحيح سنن أبي داود (٢٢٦٧)] وقال: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة) [ضعيف، أخرجه أحمد والطبراني، وانظر ضعيف الجامع (١٦٥٨)] وقال: (عجب ربك من راعي غنم على رأس جبل شظية يؤذن ويقيم فيقول الله: انظروا إلى عبدي) [صحيح، انظر الصحيحة، والإرواء] أو كما قال. (كل هذا نقله شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم ابن عبد السلام في بعض رسائله وذكر أن قول القائل التعجب استعظام للمتعجب منه. فيقال: نعم وقد يكون مقرونا بجهل بسبب المستعجب منه، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما يعجب منه، بل يتعجب منه لخروجه عن نظائره تعظيما له، والله تعالى يعظم ما هو عظيم إما لعظمه أو لعظمته فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم، وصف بعض الشر بأنه عظيم، فقال تعالى: ﴿رب العرش العظيم﴾ [التوبة: ١٢٩] وقال: ﴿ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾ (الحجر: ٨٧) وقال: ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما﴾ (النساء: ٦٦) وقال: ﴿لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم هذا سبحانك هذا بهتان عظيم﴾ (النور: ١٦) وقال: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ (لقمان: ١٣) وقول القائل: عن هذه انفعالات نفسانية، فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزا عن دفعها فإن كل ما يجري في الوجود، فإنه بمشيئته وقدرته لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون له الملك وله الحمد/ ١٢ منه..
٣ وفي الوجيز والعجب روعة يعتري الإنسان عند استعظام الشيء والله تعالى منزه عن الروعة، فيحمل على الاستعظام من غير روعة، انتهى، وكذا في المنهية/ ١٢..
﴿ وإذا ذُكّروا ﴾ وعظوا بشيء ﴿ لا يَذكرون ﴾ لا يتعظون به
﴿ وإذا رأوا آية ﴾ كانشقاق القمر ﴿ يستسخرون ﴾ يبالغون في السخرية
﴿ وقالوا إن هذا ﴾ أي : ليس ما نراه١ ﴿ إلا سحر مبين ﴾
١ فيه إشارة إلى ما يرونه من مثل انشقاق القمر الذي أطلق عليه الآية ولهذا لم يقل إن هذه/ ١٢ منه..
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ﴾ تكرار الهمزة للتأكيد في نفي البعث
﴿ أو آباؤنا الأولون ﴾ عطف على محل إن واسمها، أو على ضمير لمبعوثون، وجاز للفصل بالهمزة
﴿ قل نعم ﴾ تبعثون اكتفى به في الجواب ؛ لظهوره مع ما يدل عليه من المعجزات والدلائل ﴿ وأنتم داخرون ﴾ صاغرون أذلاء
﴿ فإنما هي زجرة واحدة ﴾ أي : إذا كان ذلك فإذا١* هي أي : البعثة صيحة واحدة، وهي النفخة الثانية، فالفاء جواب الشرط مقدر، ﴿ فإذا هم ينظرون ﴾ أحياء يبصرون، وينتظرون أمر الله
١ في النسخة ن: فإنما..
﴿ وقالوا يا ويلنا ﴾ احضر فهذا أوانك ﴿ هذا يوم الدين ﴾ يوم الجزاء
﴿ هذا يوم الفصل ﴾ بين الحق والباطل ﴿ الذي كنتم به تكذبون ﴾ : وهذا من كلام الملائكة، والمؤمنين تقريعا وتوبيخا.
﴿ احشروا الذين ظلموا ﴾ هذا من أمر الله للملائكة ﴿ وأزواجهم ﴾ : أشباههم يعني احشروا عابدي الصنم بعضهم مع بعض، وعابدي الكواكب كذلك، وعن عمر صاحب كل ذي ذنب مع صاحب ذلك الذنب أو قرناءهم من الشياطين أو نساءهم المشركات ﴿ وما كانوا يعبدون من دون الله ﴾ : من الأصنام ﴿ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ﴾ : عرفوهم طريقها ليسلكوها
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢:﴿ احشروا الذين ظلموا ﴾ هذا من أمر الله للملائكة ﴿ وأزواجهم ﴾ : أشباههم يعني احشروا عابدي الصنم بعضهم مع بعض، وعابدي الكواكب كذلك، وعن عمر صاحب كل ذي ذنب مع صاحب ذلك الذنب أو قرناءهم من الشياطين أو نساءهم المشركات ﴿ وما كانوا يعبدون من دون الله ﴾ : من الأصنام ﴿ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ﴾ : عرفوهم طريقها ليسلكوها
﴿ وقفوهم ﴾ : في المواقف ﴿ إنهم مسئولون ﴾ : عن عقائدهم وأعمالهم
﴿ ما لكم لا تناصرون ﴾ : لا ينصر بعضكم بعضا، وهذا للتوبيخ
﴿ بل هم اليوم مستسلمون ﴾ : منقادون لعجزهم
﴿ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ : يسأل بعضهم بعضا على طريق اللوم
﴿ قالوا ﴾ : الأتباع للرؤساء، أو الكفار للشياطين ﴿ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ : عن قبل الخير فزينتم الباطل فحسبناه حقا، فإن من أتاه الشيطان من جانب اليمين، أتاه من قبل الدين، فلبس عليه الحق، أو عن القوة، والقهر فألجأتمونا على الضلال. قيل : اليمين بالحلف، فإن رؤساءهم يحلفون أنهم على الحق
﴿ قالوا ﴾ أي : الرؤساء، أو الشياطين في جوابهم ﴿ بل لم تكونوا مؤمنين ﴾ أي : الكفر من قبل أنفسكم
﴿ وما كان عليكم من سلطان ﴾ : تسلط ﴿ بل كنتم قوما طاغين ﴾ : ضالين
﴿ فحق علينا ﴾ : جميعنا ﴿ قول ربنا ﴾ : كلمة العذاب ﴿ إنا لذائقون ﴾ : العذاب
﴿ فأغويناكم إنا كنا غاوين ﴾ أي : أحببنا أن تكونوا مثلنا، فلا تلومونا، فقوله : إنا مستأنفة للتعليل
﴿ فإنهم ﴾ : كلهم ﴿ يومئذ في العذاب مشتركون ﴾
﴿ إنا كذلك ﴾ مثل ذلك الفعل ﴿ نفعل بالمجرمين ﴾ : بالمشركين
﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم ﴾ : في الدنيا، ﴿ لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ : عن أن يقولوها
﴿ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾ أرادوا به أصدق الخلائق وأعقلهم عليه وأكمل الصلاة، وأفضل السلام
﴿ بل جاء بالحق وصدّق المرسلين ﴾ يعني : أتى بما أتى به الأنبياء ذوو المعجزات
﴿ إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ أي : مثله
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:﴿ إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ أي : مثله
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ عن كدر الكفر، والنفاق استثناء متصل إن كان الخطاب في أنكم، وفي ما تجزون لجميع المكلفين١
١ نحو ﴿والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا﴾ (العصر: ١، ٢، ٣) وإن كان الخطاب للكفار فالاستثناء منقطع أي: لكن المخلصون لا يذوقون/ ١٢ منه ووجيز..
﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴾ : خصائصه من طيب الطعم والرائحة وحسن المنظر أو وقته، قال تعالى :﴿ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ﴾ [ مريم : ٦٢ ]
﴿ فواكه ﴾ بدل الكل أو خبر محذوف، ورزق أهل الجنة ليس إلا للتلذذ١ ﴿ وهم مكرمون ﴾ : بخلاف الكفرة
١ وليس للتعدي/ ١٢ منه..
﴿ في جنات النعيم ﴾ ظرف أو حال، أو خبر بعد خبر
﴿ على سرر متقابلين ﴾ : ناظرين بعضهم بعضا، وعلى سرر ظرف مقدم، أو حال أو خبر
﴿ يطاف عليهم بكأس ﴾ تسمى الخمر نفسها كأسا ﴿ من معين ﴾ : من نهر جار على وجه الأرض كما يجري الماء
﴿ بيضاء ﴾ لا كدرة فيها ﴿ لذة للشاربين ﴾ كأن الخمر نفس اللذة وعينها أو تأنيث لذّ بمعنى لذيذ، وهما صفتان للكأس
﴿ لا فيها غول ﴾ غائلة، وفساد من فولتج ونحوه كخمر الدنيا ﴿ ولا هم عنها ينزفون١ : يسكرون هو من عطف الخاص على العام، يعني لا فيها فساد أصلا سيما أعظم المفاسد، وهو زوال العقل
١ قال في النهر: ذكر أو الرزق، وهو ما تلذذ به الأجسام، وثانيا الإكرام وهو ما تلذذ به النفوس، ثم ذكر المحل هم فيه، وهو جنات النعيم ثم أشرف المحل وهو السرر، ثم لذة التآنس بأن بعضهم مقابل بعضا وهو أتم السرور وآنسه، ثم المشروب وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم، بل يطاف عليهم بالكئوس، ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد، ثم ذكر تمام النعمة الجسمانية، وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق، وهي أبلغ الملاذ وهي التآنس بالنساء، فقال: ﴿وعندهم قاصرات الطرف﴾ الآية١٢ / فتح..
﴿ وعندهم قاصرات الطرف ﴾ : نساء عفيفات قصرن أبصارهن على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم ﴿ عين ﴾ : حسان الأعين جمع عيناء
﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ شُبهن ببيض النعام المصون من الغبار نحوه. قيل : أحسن ألوان بياض مخلوط بأدنى صفرة، أو المراد القشر الذي بين قشرة العليا ولباب البيضة. نقله ابن جرير١ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
١ عن أم سلمة أنها قالت: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن قول الله كأنهن بيض مكنون. قال: (رقتهن كرقة الجلدة التي رأيتها في داخل البيضة التي تلي القشرة) [جزء من حديث طويل ذكره الهيثمي في ''المجمع'' (١٠/ ٤١٧-٤١٨) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، وفي إسنادهما سليمان ابن أبي كريمة وهو ضعيف]. وهذا قول سعيد ابن جبير وعطاء وغيرهما، واختاره ابن جرير/ ١٢ منه ووجيز..
﴿ فأقبل١ بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ عطف على يطاف عليهم أي : يشربون فيتحادثون على الشراب بأحوال مرت بهم في الدنيا
١ جيء بالفعل ماضيا لجعل المتحقق كالواقع/ ١٢ منه..
﴿ قال قائل منهم ﴾ : في أثناء المكالمة ﴿ إني كان لي قرين ﴾ : جليس كافر
﴿ يقول ﴾ : الجليس تعجبا أو توبيخا ﴿ أئنك لمن المصدقين ﴾ : بالبعث عن بعض١المراد منهما الرجلان اللذان في سورة٢ الكهف ﴿ واضرب لهم مثلا رجلين ﴾ [ الكهف : ٣٢ ]،
١ هكذا نقله محيي السنة رضي الله عنه/ ١٢ منه..
٢ أحدهما كافر واسمه قطروس والآخر مؤمن واسمه يهوذا/ ١٢ فتح..
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ﴾ : مجزيون
﴿ قال ﴾ الله لهم أو ذلك القائل ﴿ هل أنتم مطلعون ﴾ : إلى النار لأريكم ذلك القرين
﴿ فاطّلع ﴾ : هذا القائل ﴿ فرآه في سواء الجحيم ﴾ وسطها، ولاستواء الجواب سمي وسط الشيء سواء، وعن كعب الأحبار : إن في الجنة كوى١ إذا أراد أحد أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع عليها، فازداد شكرا
١ جمع كوة / ١٢..
﴿ قال ﴾ : القائل لقرينه ﴿ تالله إن ﴾ أي إنه﴿ كدت لتردين ﴾ : لتهلكني بالإغواء
﴿ ولولا نعمة ربي ﴾ : بالهداية ﴿ لكنت من المحضرين ﴾ : معك في النار
﴿ أفما نحن بميّتين ﴾ أي : نحن مخلدون منعمون، فما نحن بالذين شأنهم١ الموت فالهمزة للتقرير، والفاء عطف على محذوف مقول آخر للمؤمن على سبيل الابتهاج٢
١ يعني حال المؤمن أن لا يذوق مرارة الموت إلا مرة واحدة بخلاف حال الكافر فإنه يتمنى الموت في كل لمحة، قيل لبعض الحكماء: ما شر من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت/ ١٢ وجيز..
٢ فإن تذكر الخلود في الجنة لذة دونها كل لذة/ ١٢..
﴿ إلا موتتنا الأولى ﴾ : التي كانت في الدنيا، منصوب بمفعول مطلق من اسم الفاعل ﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ : كالكفار عن ابن عباس لما قال الله لأهل الجنة ﴿ كلوا واشربوا هنيئا ﴾ أي : بلا موت فعندها قالوا :''أفما نحن بميتين'' إلخ قال الله تعالى : لا. قالوا ﴿ إن هذا لهو الفوز العظيم ﴾
وأما قوله :
﴿ لمثل هذا ﴾ : النعيم المقيم ﴿ فليعمل العاملون ﴾ فهو إما من كلام الله وعليه الأكثرون، أو من كلام أهل الجنة تحدّثا بنعمة الله وتبجحا ثم قال لهم :
﴿ أذلك خير نزلا ﴾ منصوب على التمييز أو الحال، وفيه دلالة على أن لهم غير ذلك من نعم١ الله ﴿ أم شجرة الزقوم ﴾ هي نزل أهل النار
١ فإن النزل ما حضر للضيف من الطعام حتى يتهيأ له الضيافة./ ١٢ منه..
﴿ إنا جعلناها فتنة للظالمين ﴾ : ابتلاء في الدنيا، فإنهم كذبوا الرسل، وقالوا : كيف يكون في النار شجرة ؟ ! قال تعالى :﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ﴾ ( الإسراء : ٦٠ )
﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾ : منبتها قعرها، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنة إلا وفيه منها غصن
﴿ طلعها١ : ثمرها ﴿ كأنه رءوس الشياطين ﴾ في تناهي قبح منظره، وهو تشبيه تخييلي، فإن المركوز في طباع الناس أن أحسن الصور صورة الملك، وأقبحها صورة الشيطان قيل : العرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا، وقيل وهي شجرة قبيحة مرة منتنة، تسميها العرب رءوس الشياطين
١ سمي الثمر طلعا لطلوعه/ ١٢ منه..
﴿ فإنهم لآكلون منها ﴾ : من طلعها ﴿ فمالئون منها البطون ﴾ : لغلبة الجوع أو يكرهون على تناولها، فهم يتزقمون، وفي الحديث١ ( ولو أن قطرة من الزقوم قطرت على بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم )
١ نقله الترمذي والنسائي وابن ماجة [صحيح، وكذا أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم، وانظر صحيح الجامع (٥٢٥٠)]/١٢ ومنه..
﴿ ثم إن لهم عليها ﴾ : على الزقوم بعد ما شبعوا منها، وغلبهم العطش ﴿ لشوبا١ من حميم ﴾ : لشرابًا من ماء مغلي أو مشوبا ممزوجا من حميم يمزج لهم الحميم بما يسيل من فروج الزناة، وعيون أهل النار
١ الشوب الخلط سمي العسل شوبا، لأنه كان مزاجا لغيره من الأشربة، لما امتلأت بطونهم من الزقوم احترقت بطونهم فأخر سقيهم؛ ليزدادوا عذابا بالعطش، ثم سقوا ما هو أحر وأكره/ ١٢ وجيز..
﴿ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ﴾ ذلك أنهم لأنهم يوردون الحميم لشربه، وهو خارج من النار أو الحميم في طرف منها وجانب، والمرجع بعد الشرب إلى أصلها.
﴿ إنهم ألفوا ﴾ أي : وجدوا ﴿ آباءهم ضالّين ﴾ تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد
﴿ فهم على آثارهم يهرعون ﴾ : يسرعون كأنهم في غاية مبادرتهم إلى طريق آبائهم مضطرون إلى الإسراع
﴿ ولقد ضل قبلهم ﴾ : قبل أمتك ﴿ أكثر الأولين ﴾ من الأمم الماضية
﴿ ولقد أرسلنا فيهم منذرين ﴾ : أنبياء أنذروهم بأس الله
﴿ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ﴾ : تأمل عاقبتهم، فإن عاقبتهم هلاك وفظاعة
﴿ إلا١ عباد الله المخلصين ﴾ كأنه قال تأمل فإن عاقبة جميعهم الهلاك إلا من٢ أخلص دينه لله وحّده، والمقصود خطاب الأمة وأخبار الأمم كانت مسطورة في كتب أهل الكتاب مشهورة منهم في العرب.
١ الأظهر أن الاستثناء منقطع، ولما ذكر ضلال الأولين شرع في حكاية أولهم شهرة فقال: ﴿ولقد نادانا نوح﴾ الآية/ ١٢ وجيز..
٢ على ما فسره الاستثناء متصل وجاز الانفصال/ ١٢ منه..
﴿ ولقد نادانا نوح ﴾ : حين أيس من إيمان قومه. فقال :﴿ أنيب مغلوب فانتصر ﴾ [ القمر : ١٠ ] ﴿ فلنعلم المجيبون ﴾ أي فأجبناه أحسن إجابة، ووالله لنعم المجيبون نحن
﴿ ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم ﴾ : أذى قومه
﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ مات من كان معه في السفينة، سوى أولاده وأزواجهم، وأولاده١ ثلاثة : سام وهو أبو العرب، وفارس والروم، ويافث، وهو أبو الترك وسقالبة، ويأجوج ومأجوج، وحام وهو أبو القبط والسودان والبربر
١ روى الترمذي وابن جرير، وابن أبي حاتم أنه عليه الصلاة والسلام قال في قوله: ﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ سام، وحام، ويافث، [ضعيف أخرجه الترمذي (٣٢٨٣ـ أحوذى)]، ونقل الإمام أحمد أنه قال عليه السلام: (سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم) [ضعيف، أخرجه أحمد والترمذي والحاكم، وانظر ضعيف الجامع (٣٢١٤)] ١٢ منه..
﴿ وتركنا١عليه في الآخرين ﴾ : من الأمم
١ أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: ﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ قال: لسان صدق للأنبياء كلهم./ ١٢ در منثور..
﴿ سلام على نوح ﴾ مفعول تركنا، وهو من كلام المحكي، كقرأت سورة أنزلناها، أي : يسلم جميع الأمم عليه تسليما ﴿ في العالمين ﴾ متعلق بما تعلق على نوح به، والغرض ثبوت هذا الدعاء في كل خلق كما تقول : السلام عليك في كل زمان ومكان، وقيل : مفعول تركنا محذوف أي : الثناء الجميل، والجملة بعده استئناف يدل عليه
﴿ إنا كذلك ﴾ : مثل هذه التكرمة ﴿ نجزي المحسنين ﴾ : من أحسن في العبادة
﴿ إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ علة للإحسان، ومنه علم أن الإيمان هو القصاري في المدح
﴿ ثم أغرقنا الآخرين ﴾ كفار قومه
﴿ وإن من شيعته ﴾ : أهل دينه، وهو من على منهاجه وسنته ﴿ لإبراهيم١ وبينهما هود، وصالح وفي جامع الأصول أن بينهما ألفا ومائة واثنتين وأربعين سنة
١ وإبراهيم أبو العرب وكما جعل الله سلامه على نوح وثناءه عليه إلى يوم الدين كذلك جعل ثناءه على إبراهيم كما قال ﴿وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم﴾ وجعل معجزته ماء، وجعل معجزته نارا/ ١٢ وجيز..
﴿ إذ جاء ربه بقلب١ سليم ﴾ من الشك، أو من العلائق، ظرف للشيعة لما فيها من معنى المشايعة أي : ممن شايعه على طريقه حين جاء أو تقديره اذكر إذ جاء
١ قال ابن عباس -رضي الله عنه- بقلب سليم يعني شهادة أن لا إله إلا الله، وعن محمد ابن سيرين: يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبو/ ١٢ منه..
﴿ إذ قال ﴾ بدل من الأول أو ظرف لسليم أو جاء ﴿ لأبيه وقومه ماذا تعبدون ﴾ : أنكر عليهم عبادة الأصنام
﴿ أئفكا آلهة١ دون الله تريدون ﴾ أي : تريدون آلهة دونه للإفك، أو آفكين أو تريدون الإفك، وآلهة بدل منه ففيه مبالغة لا تخفى
١ قدم المفعول، وهو آلهة للعناية والاهتمام، وقدم المفعول له؛ لأن الأهم عنده أن يواجههم بأنهم على إفك وباطل/ ١٢ منه..
﴿ فما ظنكم برب العالمين ﴾ : إذا لقيتموه ماذا يفعل بكم، وقد عبدتم غيره، أو حتى تركتم عبادته
﴿ فنظر نظرة في النجوم فقال إني١ سقيم ﴾ : خرج قومه إلى عيدهم، وأرادوا خروجه معهم، فقال : لا أخرج لأني سقيم، أراد التورية أي سأسقم أو سقيم النفس من كفرهم، ولما كان غالب أسقامهم الطاعون خافوا السراية، وخلوه، وكان قومه نجامين أوهمهم استدلاله على مرضه بعلم النجوم، أو المراد أنه تفكر فقال : إني سقيم، والعرب تقول لمن تفكر نظره إلى النجوم كذا قال كثير من السلف
١ في الحديث المخرج في الصحاح والسنن (لم يكذب إبراهيم غير ثلاث كذبات؛ قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم، وقوله في سارة: " هي أختي'' / ١٢ منه. أخرج ابن جرير عن السدي قال: ﴿قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم﴾ قال: فحبسوه في بيت، وجمعوا له حطبا، حتى إن كانت المرأة لتمرض، فتقول: لئن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم، فلما جمعوا له، وأكثروا من الحطب حتى إذا كانت الطير لتمر بها فتحترق من شدة وهجها، وشدتها فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض، والجبال، والملائكة: ربنا إبراهيم يحرق فيك، فقال: أنا أعلم به. وإن دعاكم فأعينوه، وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء: (اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل) فناداه: ﴿يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم﴾ [الأنبياء: ٦٩]/ ١٢ در منثور..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ فنظر نظرة في النجوم فقال إني١ سقيم ﴾ : خرج قومه إلى عيدهم، وأرادوا خروجه معهم، فقال : لا أخرج لأني سقيم، أراد التورية أي سأسقم أو سقيم النفس من كفرهم، ولما كان غالب أسقامهم الطاعون خافوا السراية، وخلوه، وكان قومه نجامين أوهمهم استدلاله على مرضه بعلم النجوم، أو المراد أنه تفكر فقال : إني سقيم، والعرب تقول لمن تفكر نظره إلى النجوم كذا قال كثير من السلف
١ في الحديث المخرج في الصحاح والسنن (لم يكذب إبراهيم غير ثلاث كذبات؛ قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم، وقوله في سارة: " هي أختي'' / ١٢ منه. أخرج ابن جرير عن السدي قال: ﴿قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم﴾ قال: فحبسوه في بيت، وجمعوا له حطبا، حتى إن كانت المرأة لتمرض، فتقول: لئن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم، فلما جمعوا له، وأكثروا من الحطب حتى إذا كانت الطير لتمر بها فتحترق من شدة وهجها، وشدتها فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض، والجبال، والملائكة: ربنا إبراهيم يحرق فيك، فقال: أنا أعلم به. وإن دعاكم فأعينوه، وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء: (اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل) فناداه: ﴿يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم﴾ [الأنبياء: ٦٩]/ ١٢ در منثور..

﴿ فتولّوا عنه مدبرين ﴾ : هاربين إلى عيدهم خوفا عن سراية الطاعون
﴿ فراغ ﴾ : ذهب بخفية ﴿ إلى آلهتهم ﴾ بعد ما ذهبوا ﴿ فقال ﴾ : للأصنام سخرية ﴿ ألا تأكلون :﴾ من الأطعمة التي حواليكم، فإن قومه يضعون الأطعمة بين أيديهم ويرجعون ويأكلون للتبرك
﴿ ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ﴾ : تعديته بعلى للاستعلاء وأن الميل لمكروه ﴿ ضربا باليمين ﴾ مصدر لراغ عليهم ؛ لأنه بمعنى ضربهم أو لمحذوف أو حال بمعنى ضاربا ضربهم باليد اليمنى، لأنه أشد وقيل بالقسم الذي سبق منه، وهو ﴿ تالله لأكيدن أصنامكم ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:﴿ ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ﴾ : تعديته بعلى للاستعلاء وأن الميل لمكروه ﴿ ضربا باليمين ﴾ مصدر لراغ عليهم ؛ لأنه بمعنى ضربهم أو لمحذوف أو حال بمعنى ضاربا ضربهم باليد اليمنى، لأنه أشد وقيل بالقسم الذي سبق منه، وهو ﴿ تالله لأكيدن أصنامكم ﴾
﴿ فأقبلوا إليه ﴾ إلى إبراهيم بعد ما رجعوا ورأوا إهلاك آلهتهم، وبحثوا عن كاسرها، وظنوا أنه هو ﴿ يزفّون ﴾ : يسرعون
﴿ قال ﴾ : لهم إبراهيم ﴿ أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ﴾ أي : وما تعملونه بقرينة ما تنحتون يعني : هل المخلوقات لخالق واحد يعبد أحدهما الآخر، وكلمة ما عامة تتناول ما يعملونه من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغيرها، والمراد بأفعال العباد المختلف فيها هو يقع بكسب العبد، ويستند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل، والشرب ونحوهما مما يسمى الحاصل بالمصدر لا نفس الإيقاع الذي هو من الاعتبارات العقلية كما تقول : يفعلون الزكاة يقيمون الصلاة يعملون الصالحات والسيئات، ولما غفل عن هذه النكتة كثير من الفضلاء بالغوا في نفي كون ما موصولة والإنصاف أن الآية محتملة لما قررنا ولأن يكون المراد ما تعملونه من الأصنام فلم يبعد الاستدلال مع الاحتمال والله اعلم
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٥:﴿ قال ﴾ : لهم إبراهيم ﴿ أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ﴾ أي : وما تعملونه بقرينة ما تنحتون يعني : هل المخلوقات لخالق واحد يعبد أحدهما الآخر، وكلمة ما عامة تتناول ما يعملونه من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغيرها، والمراد بأفعال العباد المختلف فيها هو يقع بكسب العبد، ويستند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل، والشرب ونحوهما مما يسمى الحاصل بالمصدر لا نفس الإيقاع الذي هو من الاعتبارات العقلية كما تقول : يفعلون الزكاة يقيمون الصلاة يعملون الصالحات والسيئات، ولما غفل عن هذه النكتة كثير من الفضلاء بالغوا في نفي كون ما موصولة والإنصاف أن الآية محتملة لما قررنا ولأن يكون المراد ما تعملونه من الأصنام فلم يبعد الاستدلال مع الاحتمال والله اعلم
﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ﴾ : في النار الشديدة بنوا له حائطا من الحجر طوله ثلاثون وعرضه عشرون، وأوقدوا فيه النار بملئه وطرحوه فيه
﴿ فأرادوا به كيدا١ : شرا ﴿ فجعلناهم الأسفلين ﴾ : الأذلين بإبطال كيدهم وتفصيل القصة في سورة الأنبياء
١ لما غلبهم بالحجة إلى الاستيلاء، والشوكة كعادة الفراعنة/ ١٢..
﴿ وقال ﴾ : بعد خروجه من النار ﴿ إني ذاهب إلى ربي ﴾ : إلى مرضاة ربي ﴿ سيهدين ﴾ : إلى صلاح داري، فهاجر إلى الشام
﴿ ربّ هب لي من الصالحين ﴾ أي : بعض الصالحين يعني الأولاد
﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ فيه بشارة أنه ابن ينتهي في السن إلى أن يوصف بالحلم، وهو إسماعيل على الأصح نقلا ودليلا١ فإن إسماعيل هو الذي وهب له إثر الهجرة ولأن البشارة، بإسحاق بعد معطوفة على هذه البشارة، وكيف لا وإسماعيل هو الذي كان بمكة والمناسك، والذبح ما كانت إلا فيها٢ قال بعض العلماء : من تحريفات اليهود أنه إسحاق ؛ لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب، ومن زعم من السلف أنه إسحاق، وهو الذي سمع ذلك من كعب الأحبار حين يروي من الإسرائيليات، وليس فيه حديث غير ضعيف، والرواية عن علي وابن عباس، -رضي الله عنهما- مختلفة
١ وهذا قول ابن عمر، والحسن البصري منقول عبد الله ابن الإمام أحمد والده في كتاب الزهد، وقال ابن أبي حاتم: هل المروي عن علي وأبي هريرة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والشعبي، ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي/ ١٢ وجيز..
٢ وقال صلى الله عليه وسلم ''أنا ابن الذبيحين''، وقد صححه ابن الجوزي في الوفاء وبين معناه/ ١٢ منه ووجيز [لا أصل له بهذا اللفظ، انظر كشف الخفاء للعجلوني (١/٢٢٥ ـ٢٢٦)، والسلسلة ضعيفة]، وذكر الرازي هذا الحديث وزاد فيه، وقال له أعرابي: يا ابن الذبيحين، فتبسم، فسئل عن ذلك فقال: (إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم، نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده، فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله، وقالوا له: افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل، والذبيح الثاني إسماعيل [أخرجه الحاكم (٢/٥٥١) وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: ''إسناده واه'' وانظر الضعيفة (١/٥٠١ـ ٥٠٢)] انتهى.
وفي الفتح قال ابن كثير في تفسيره: وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى يقال عن بعض الصحابة، وليس في ذلك كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقى إلا عن إخبار أهل الكتاب وأخذ مسلما من غير حجة، وكتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم، وذكر أنه الذبيح، وقال بعد ذلك: ﴿وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين﴾ انتهى.
واحتج القائلون بأنه إسحاق بأن الله عز وجل قد أخبرهم عن إبراهيم حين فارق قومه، وهاجر إلى الشام مع امرأته سارة، وابن أخيه لوط: فقال: ﴿إني ذاهب إلى ربي سيهدين﴾ إنه دعا فقال: ﴿رب هب لي من الصالحين﴾ وقال تعالى: ﴿فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب﴾ (مريم: ٤٩) ولأن الله قال: ﴿وفديناه بذبح عظيم﴾ فذكر أنه في الغلام الحليم الذي بشر به، وإنما بشر بإسحاق؛ لأنه قال: ﴿وبشرناه بإسحاق﴾ وقال هناك: ﴿بغلام حليم﴾ وذلك قبل أن يعرف هاجر، وقبل أن يصير له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق، قال الزجاج: الله أعلم أيها الذبيح، وكل هذا يحتمل المناقشة والمسألة ليست من العقائد التي كلفنا بمعرفتها فلا نسأل عنها في القيامة، فهي مما لا ينفع علمه، ولا يضر جهله، وقد رجح كل قول طائفة من المنصفين كابن جرير، فإنه رجح أنه إسحاق، وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، وما روى عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن وهي محتملة، لا تقوم بها حجة، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفيه السلامة انتهى ما ذكره صاحب الفتح ملخصا [وهناك ما يؤيد أن الذبيح إسماعيل، وهو أن الله قد بشر أم إسحاق به، وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة أنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: {لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ''فمحال أن يبشرها بأنه يكون له ولد، ثم يأمر بذبحه].
ونقل العلامة ابن القيم في إغاثة اللهفان عن شيخه شيخ الإسلام أنه قال في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: ومن زيادات أهل الكتاب في التوراة أن الله سبحانه قال لإبراهيم: اذبح ابنك بكرك، ووحيدك إسحاق قال: والزيادة باطلة من وجوه عشرة؛ الأول: أن بكره ووحيده إسماعيل باتفاق الملل الثلاث إلى آخر ما بين الوجوه العشرة. ورجح فيها كون الذبيح إسماعيل ترجيحا لا مرد له، فمن شاء الاطلاع، فليرجع إلى خاتمة كتاب الإغاثة/. ١٢.

﴿ فلما بلغ ﴾ : الغلام، ﴿ معه السعي ﴾ يعني سنّا يسعى مع أبيه في أعماله، أو في الطاعات يعني شب وأطاق ما يفعله أبوه من العمل، ويتصرف معه، ويعينه، ومعه ظرف للسعي المقدر عند من لم يجوز تقديم الظرف أيضا على مصدر ﴿ قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ﴾ ورؤيا الأنبياء وحي ولما تكرر رؤياه ثلاث ليال قال : أرى بلفظ المضارع ﴿ فانظر ماذا ترى ﴾ : من المصلحة هو من الرأي، لا يطلب لا مفعولا واحدا هو ماذا، اختبر صبره من صغره على طاعة الله فشاوره ﴿ قال يا أبت افعل ما تؤمر ﴾ أي : ما تؤمر به، يعني : ليس هذا من مقام المشاورة، فإن الواجب إمضاء أمر ربك ﴿ ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ : على حكم الله
﴿ فلما أسلما ﴾ : انقاد لأمر الله، وعن بعض المفسرين : تشهد أو ذكرا اسم الله ؛ إبراهيم على الذبح وإسماعيل شهادة الموت ﴿ وتلّه للجبين ﴾ : أكبّه على وجهه ؛ ليذبحه من قفاه، لئلا يرى وجهه عند الذبح فيكون أهون عليه
﴿ وناديناه أن يا إبراهيم ﴾ أن مفسرة
﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ : بجزم عزمك ١ وجواب لما محذوف أي : لما أسلما وكذا وكذا كان ما كان وفور الشكر والسرور لهما والثناء الحسن ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ : ليس من تتمة النداء، بل تم الكلام ثم قال : هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره، ونجعل لهم من أمرهم فرجا
١ قال طائفة منهم السدي: ضرب الله على عنقه صفحة نحاس، فجعل إبراهيم يحز، ولا يقطع شيئا، وهذا كله جائز في القدرة الإلهية، لكنه يفتقر إلى نقل صحيح، فإنه أمر لا يدرك بالنظر وإنما طريقه الخبر، ولو كان ذلك لبينه الله تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم، وكان أولى بالبيان من الفداء/ ١٢ فتح..
﴿ إن هذا لهو البلاء المبين ﴾ : الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره
﴿ وفديناه بذبح ﴾ الذبح اسم ما يذبح ﴿ عظيم١ يعني : عظيم القدر، أو عظيم الجثة، والأصح أنه كبش أملح أقرن، وعن كثير من السلف أنه كبش قربه ابن آدم فتقبل منه، وكان في الجنة فأتى به جبريل، والمنقول٢ أن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدي به أبوهم خلفا عن سلف، وجيلا عن جيل، وكان في الكعبة إلى أن بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم
١ وعن ابن عباس وغيره لأنه من كباش الجنة. قال محيي السنة: كان رأس الكبش معلقا في الكعبة إلى زمان عبد الله ابن الزبير والحجاج، واحترق البيت في زمنهما، وقال الشعبي: رأيت قرنيه في الكعبة/ ١٢ وجيز..
٢ نقله الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: [أخرجه أحمد (٤/ ٦٨) وفي إسناده ضعف]/ ١٢ منه..
﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ قد مر تفسيره في هذه السورة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ قد مر تفسيره في هذه السورة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٩:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ قد مر تفسيره في هذه السورة

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٩:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ قد مر تفسيره في هذه السورة

﴿ وبشرناه بإسحاق ﴾ أي : بوجوده ﴿ نبيا من الصالحين ﴾ حالان مقدرتان أي : بشرناه به مقدرا نبوته، وكونه من الصالحين وعند من يقول : الذبيح إسحاق، بالبشارة الثانية بوجوده مقيدا بنبوته، والمقصود الأصلي في هذه المرة البشارة بالنبوة، وأما الصلاح بعد النبوة فلتعظيم شأن الصلاح، وأنه الغاية والمقصود الأصلي
﴿ وباركنا عليه ﴾ : على إبراهيم في أولاده ﴿ وعلى إسحاق ﴾ فإن كثيرا من الأنبياء من نسله ﴿ من ذريتهما محسن ﴾ : إلى نفسه بالإيمان والطاعة ﴿ وظالم لنفسه ﴾ : بالكفر ﴿ مبين ﴾ : ظاهر ظلمه.
﴿ لقد مننا على موسى وهارون ﴾ : أنعمنا بالنبوة وغيرها عليهما
﴿ ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ﴾ : تغلّب فرعون
﴿ ونصرناهم ﴾ أي : هما والقوم ﴿ فكانوا هم الغالبين ﴾ : على القبط
﴿ وآتيناهما الكتاب ﴾ : التوراة ﴿ المستبين ﴾ : البليغ في بيانه
﴿ وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ﴾ سبق في هذه السورة تفسيره
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:﴿ وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ﴾ سبق في هذه السورة تفسيره
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:﴿ وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ﴾ سبق في هذه السورة تفسيره
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:﴿ وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ﴾ سبق في هذه السورة تفسيره
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:﴿ وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ﴾ سبق في هذه السورة تفسيره
﴿ وإن إلياس١ لمن المرسلين ﴾ عن بعض٢ هو إدريس، وعن بعض٣ : هو نبي من أنبياء بني إسرائيل من أسباط هارون ابن عمران
١ هو نبي من الأنبياء بني إسرائيل من أسباط هارون ابن عمران، وأما إنه إدريس، فلعله لا يصح؛ لأن إدريس قبل نوح، وفي سورة الأنعام إن إلياس من ذرية إبراهيم، أو من ذرية نوح على اختلاف في مرجع الضمير/ ١٢ وجيز، وأما الحديث الذي أخرجه الحاكم، والبيهقي، وضعفه في ملاقاة أنس مع إلياس وإخباره النبي -صلى الله عليه وسلم- بإلباس، ثم إتيان النبي صلى الله عليه وسلم إلى إلياس ومعانقتهما وتحدثهما، ونزول المائدة من السماء وأكلهما منه، ثم صلاتهما، ثم معاودتهما ومرور إلياس على السحاب نحو السماء، فقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: بل موضوع قبح الله من ضعه، وقال: ما كنت أحسب، ولا أجوز أن الجهل بلغ بالحاكم إلى أن يصحح هذا/ در منثور ملخصا.
قال الحسن البصري:" قد هلكا يعني إلياس وخضر، ولا نقول كما يقول الناس أنهما حيان، وهو الراجح نظرا في الأدلة، والله أعلم / ١٢ فتح..

٢ هو قتادة ومحمد ابن إسحاق وابن مسعود وضحاك / ١٢ منه..
٣ هون وهب ابن منبه / ١٢ منه..
﴿ إذ قال ﴾ ظرف لمن المرسلين ﴿ لقومه ألا تتقون ﴾ : عذاب الله
﴿ أتدعون ﴾ : تعبدون ﴿ بعْلا ﴾، ربا، والبعل الرب، قاله ابن عباس، وعكرمة وقتادة، والسدي بلغة اليمن، أو هو اسم لصنم كان لأهل ''بك'' من الشام، وهو المسمى حينئذ ببعلبك، وقيل : امرأة اسمها بعل يعبدونها ﴿ وتذرون أحسن الخالقين ﴾ : تتركون عبادته
﴿ الله ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ وقراءة النصب بالبدل
﴿ فكذبوه فإنهم لمحضرون ﴾ : في العذاب
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ استثناء من فاعل كذبوه، لا من ضمير١ محضرون
١ لفساد المعنى؛ لأنه يلزم أن يكون المخلصين من المكذبين/١٢ منه..
﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين ﴾ لغة في إلياس، كميكال، وميكائيل، وقيل : جمع منسوب إليه بحذف ياء النسبة كأعجمين، والأشعرين، وقراءة آل ياسين، قيل : ياسين هو أبو إلياس، فآل إلياس، وقيل ياس هو الاسم، والياء، والنون زائدة في لغة السريانية، فعلى هذا الآل مقحم، كآل موسى، وهارون، والمراد من ياسين إلياس، وقيل : آل محمد وهو بعيد جدا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين ﴾ لغة في إلياس، كميكال، وميكائيل، وقيل : جمع منسوب إليه بحذف ياء النسبة كأعجمين، والأشعرين، وقراءة آل ياسين، قيل : ياسين هو أبو إلياس، فآل إلياس، وقيل ياس هو الاسم، والياء، والنون زائدة في لغة السريانية، فعلى هذا الآل مقحم، كآل موسى، وهارون، والمراد من ياسين إلياس، وقيل : آل محمد وهو بعيد جدا
﴿ إن كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ﴾ أي : وقعت في الباقين في العذاب
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣١:﴿ إن كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ﴾ أي : وقعت في الباقين في العذاب
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣١:﴿ إن كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ﴾ أي : وقعت في الباقين في العذاب
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣١:﴿ إن كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ﴾ أي : وقعت في الباقين في العذاب
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣١:﴿ إن كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ﴾ أي : وقعت في الباقين في العذاب
﴿ ثم دمرنا الآخرين ﴾ قد مر تفسيره
﴿ وإنكم ﴾ : يا أهل مكة ﴿ لتمرّون عليهم ﴾ : على منازلهم في طريقكم إلى الشام ﴿ مصبحين ﴾ : داخلين في الصباح
﴿ وبالليل ﴾ يعني نهارا وليلا ﴿ أفلا تعقلون ﴾ : أليس لكم عقل فتعتبرون بهم.
﴿ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق١ : هرب ﴿ إلى الفلك المشحون ﴾ : المملوء
١ عبر بأبق؛ لأنه عبدا لله هرب عن قومه من غير إذن ربه/ ١٢ وجيز..
﴿ فساهم ﴾ : فقارع أهل الفلك ﴿ فكان من المدحضين ﴾ صار من المغلوبين بالقرعة، وذلك لأن البحر اشتد عليهم، فقالوا : فينا من بشؤمه اشتد البحر فتساهموا على من يقع عليه القرعة يلقى في البحر، فوقعت عليه ثلاث مرات، فألقى عليه السلام نفسه في البحر
﴿ فالتقمه الحوت ﴾ : ابتلعه ﴿ وهو مليم ﴾ أي : ما يجب أن يلام عليه، أو مليم نفسه
﴿ فلولا أنه كان من المسبحين١ : لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء، أو من المصلين في بطن الحوت، قد نقل أنه لما استقر في بطنه، ظن أنه قد مات، فحرك رجليه فإذا هو حي، فقام وصلى، وهو في بطنه، أو من المسبحين بقوله، ( لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين ) ٢*
١ نقل ابن أبي حاتم وغيره أنه لما قال يونس في بطن الحوت: (اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} قالت الملائكة: هذا صوت ضعيف مكروب من بلاد غريبة، فقال الله: عبدي يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل، ودعوة مستجابة. قالوا: يا رب أو لا ترحم بما كان يصنع في الرخاء، فتنجيه عن البلاء قال الله: بلى فأمر الحوت، فطرحه بالعراء، رواه ابن جرير أيضا [ذكره بنحوه الهيثمي في ''المجمع'' (٧/٩٨) وقال: ''رواه البزار عن بعض أصحابه، ولم يسمه، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح]/ ١٢ منه ووجيز..
٢ أخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم عن سعد مرفوعا: ﴿دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ﴾ وانظر صحيح الجامع (٣٣٨٣)..
﴿ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ بأن يطول عمر الحوت، ويكون بطنه سجنا له
﴿ فنبذناه ﴾ : طرحناه، ﴿ بالعراء ﴾ : الأرض الخالية التي لا نبات فيها على جانب دجلة، وقيل : بأرض اليمن، ﴿ وهو سقيم ﴾ : كفرخ ليس عليه ريش.
﴿ وأنبتنا عليه ﴾ أي : فوقه ﴿ شجرة من يقطين ﴾ : شجرة الدباء ليتظلل بها، وعن بعض كل شجرة لا ساق لها فهو يقطين، وعن بعض هو كل شجرة تهلك من عامها.
﴿ وأرسلنا إلى مائة ألف ﴾ : هم قومه الذين هرب عنهم، والمراد إرساله السابق، أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم.
﴿ أو يزيدون ﴾ : أو يزيدون على تقديركم، وظنكم كمن يرى قوما فيقول : هؤلاء مائة أو أكثر
﴿ فآمنوا ﴾ : المرسل إليهم، ﴿ فمتعناهم إلى حين ﴾ : إلى وقت آجالهم.
﴿ فاستفتهم ﴾ أي : سل أهل مكة، وهو سؤال توبيخ عطف على قوله :﴿ فاستفتهم أهم أشد خلقا ﴾ الذي وقع في أول السورة، ساق الكلام موصولا بعضه ببعض، ثم أمره ثانيا باستفتائهم :﴿ ألربك البنات ﴾ حيث قالوا : إن الملائكة بنات الله، ﴿ ولهم البنون ﴾ لزم من كفرهم هذا التجسيم، فإن الولادة للأجسام، وتفضيل أنفسهم على ربهم، حيث جعلوا أرفع الجنسين لهم واستهانتهم بالملائكة.
﴿ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ﴾ : خلقنا إياهم بحضرتهم، فإن الأنوثة ما تعلم بالمشاهدة.
﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ : بهتانهم ﴿ ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون١ : فإنه محال على الله سبحانه
١ فإنه سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد/ ١٢ وجيز..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥١:﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ : بهتانهم ﴿ ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون١ : فإنه محال على الله سبحانه
١ فإنه سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد/ ١٢ وجيز..

﴿ اصطفى البنات على البنين ﴾ : استفهام استبعاد، وأما قراءة كسر الهمزة فعلى حذف همزة الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها، وقيل بدل من ولد الله، أو بتقدير القول أي : لكاذبون في قولهم اصطفى.
﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ بمثل هذا.
﴿ أفلا تذكرون ﴾ أنه سبحانه مقدس عن مثل ذلك.
﴿ أم لكم سلطان مبين ﴾ : حجة واضحة من السماء على ما تقولون.
﴿ فأتوا بكتابكم ﴾ : الذي أنزل عليكم هذا ﴿ إن كنتم صادقين ﴾
﴿ وجعلوا بينه ﴾ : بين الله ﴿ وبين الجنة نسبا ﴾ : قالوا الملائكة بنات الله. فقال أبو بكر رضي الله عنه : من أمهاتهن ؟ ! قالوا : سروات الجن أو زعموا عليهم لعائن الله أن الله سبحانه، وإبليس أخوان، أو المراد من الجنة : الملائكة سُمّوا جنة ؛ لاجتنانهم عن الأبصار. ﴿ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ﴾ أي : الجن يعلمون أن القائلين بهذا، أو أن الجنة لمحضرون في العذاب يعني : الكفار يسوّون الجن بالله، والجن يعلمون كذبهم، وعلى قول من فسر الجنة بالملائكة معناه : ولقد علمت الملائكة أن الكافرين القائلين بذلك لمحضرون في العذاب.
﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ : من الولد والنسب.
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ منقطع من المحضرين أي : لكن المخلصون ناجون، أو متصل من ضمير جعلوا أو يصفون إن فسر بما يعمهم.
﴿ فإنكم وما تعبدون ﴾ أي أنتم وأصنامكم.
ما أنتم بفاتنين على الأصنام يعني : لا تُغوون، ولا تضلون أنتم أحدا إلا من هو في علم الله أنه يدخل الجحيم، قيل : ضمير عليه الله، والخطاب في أنتم لهم، ولآلهتهم على تغليب المخاطب، أي : ما أنتم على الله بمفسدين الناس بالإغواء إلا من سبق في علمه شقاوته، وقيل وما تعبدون سادّ مسد الخبر ككل رجل وضَيْعَتَهُ أي : إنكم وآلهتكم قرناء، ثم ابتدأ فقال :﴿ ما انتم عليه ﴾ إلخ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦١:﴿ فإنكم وما تعبدون ﴾ أي أنتم وأصنامكم.
﴿ وما منا ﴾ : أحد ﴿ إلا له مقام معلوم ﴾ : في السماوات يعبد الله فيه لا يتجاوزه، أو في القربة، والمعرفة، وهذا حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية ردا على عبدتهم، وقيل من قوله : سبحان الله من كلام الملائكة كأنه قال : ولقد علمت الملائكة أن القائلين بذلك معذبون قائلين سبحان الله عما يصفون، لكن عباد الله المخلصين برآء مما يصفونه، ثم التفتوا إلى الكفرة، وجاءوا بالفاء الجزائية أي : إذا صح أنكم مفترون، والله منزه فاعلموا أنكم وآلهتكم لا تقدرون على أن تفتنوا على الله عباده إلا أشقياء مثلكم، ثم رجعوا من الاحتجاج وأظهروا العبودية واعترفوا بها.
﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ : في طاعة الله.
﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ : الله عما لا يليق به، أو المصلون
﴿ وإن كانوا ليقولون ﴾ أي : وإن الشأن كان المشركون ليقولون :
﴿ لو أن عندنا ذكرا ﴾ : كتابا :﴿ من الأولين ﴾ : من كتبهم
﴿ لكنا عباد الله المخلصين ﴾ لأخلصنا العبادة له، ولم نخالفه كما خالفوا
﴿ فكفروا به ﴾ أي : بالذكر لما جاءهم، ﴿ فسوف يعلمون ﴾عاقبة كفرهم.
﴿ ولقد سبقت كلمتنا ﴾ : وعدنا بالنصر ﴿ لعبادنا المرسلين ﴾
وهذه الكلمة هي قوله :﴿ إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ﴾ : في الدارين، أو في الآخرة، عن ابن عباس : إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٢:وهذه الكلمة هي قوله :﴿ إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ﴾ : في الدارين، أو في الآخرة، عن ابن عباس : إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة
﴿ فتولّ ﴾ : أعرض ﴿ عنهم حتى حين ﴾ : إلى وقت مؤجل ومدة يسيرة يأتيك نصرك
﴿ وأبصرهم ﴾ : حينئذ كيف يذلون ﴿ فسوف يبصرون ﴾ عزك ونصرك، وسوف للوعد لا للتبعيد
﴿ أفبعذابنا يستعجلون ﴾ روي أنه نزلت حين قالوا عند نزول قوله فسوف يبصرون : متى يكون هذا ؟
﴿ فإذا نزل ﴾ : أي العذاب ﴿ بساحتهم ﴾ بفنائهم ﴿ فساء ﴾ : بئس، ﴿ صباح المنذرين ﴾ : صباحهم، واللام للجنس، والمراد من الصباح اليوم أو الوقت الخاص فإن البلايا يطرقن أسحارا شبهه بجيش أنذر بعض نصاح القوم هجومه قومه، فلم يلتفتوا إليه، وما دبروا تدبيرا حتى أناخ بغتة بفنائهم.
﴿ وتولّ عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون ﴾ : وعد إلى وعد ووعيد إلى وعيد، قيل : الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة.
وفي إطلاق أبصر ويبصرون عن التقييد بالمفعول فائدة، وهي أنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الوصف من أنواع المسرة وأجناس المساءة.
﴿ سبحان ربك رب العزة ﴾ فإن العزة له تعالى يعز من يشاء ﴿ عما يصفون ﴾ أي : المشركون.
﴿ وسلام على المرسلين ﴾ الذين سبقت الكلمة لهم لا عليهم.
﴿ والحمد لله رب العالمين ﴾ : على ما أنعم، وهذا تعليم للمؤمنين عن علي -رضي الله عنه- : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر، فليكن في آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك رب العزة إلى آخر السورة، وقد رفع هذا المعنى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهين، وروى الطبراني عنه عليه السلام أنه قال :( من قال دبر كل صلاة سبحان ربك رب العزة. . . ) إلخ، ثلاث مرات فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر ).
والحمد لله على ما هدانا.
Icon