تفسير سورة الرعد

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الرعد مكية وهي ثلاث وأربعون آية كوفى وخمس وأربعون آية شامى

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١)
﴿المر﴾ أنا الله أعلم وأرى عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿تلك﴾ اشارة إلى آيات السورة ﴿آيات الكتاب﴾ أريد بالكتاب السورة أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها ﴿والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ أي القرآن كله ﴿الحق﴾ خبر والذي ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فيقولون تقوَّله محمد
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)
ثم ذكر ما يوجب الإيمان فقال ﴿الله الذي رَفَعَ السماوات﴾ أي خلقها مرفوعة لا أن تكون موضوعة فرفعها والله مبتدأ والخبر الذي رفع السموات ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ حال وهو جمع عماد أو عمود ﴿ترونها﴾ الضمير يعود الى السموات أي ترونها كذلك فلا حاجة إلى البيان أو إلى عمد فيكون في موضع جر على أنه صفة لعمد أي بغير عمد مرئية ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ استولى بالاقتدار ونفوذ السلطان ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ لمنافع عباده ومصالح بلاده ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَِجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وهو انقضاء الدنيا ﴿يُدَبِّرُ الأمر﴾ أمر ملكوته وربوبيته ﴿يُفَصّلُ الآيات﴾ يبين آياته في كتبه المنزلة ﴿لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع اليه
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)
﴿وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض﴾ بسطها ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جبالاً ثوابت ﴿وأنهارا﴾ جارية ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين﴾ أي الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك ﴿يغشي الليل النَّهارَ﴾ يلبسه مكانه فيصير أسود مظلماً بعد ما كان أبيض منيراً يغشِّي حمزة وعلي وأبو بكر ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيعلمون أن لها صانعا عليما
الرعد (٤ _ ٦)
حكيما قادرا
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)
﴿وَفِي الأرض قِطَعٌ متجاورات﴾ بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة وكريمة إلى زهيدة وصلبة إلى رخوة وذلك دليل على قادر مدبر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه ﴿وجنات﴾ معطوفة على قطع ﴿مِّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صنوان وَغَيْرُ صنوان﴾ بالرفع مكي وبصري وحفص عطف على قطع غيرهم بالجر بالعطف على أعناب والصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وعن حفص بضم الصاد وهما لغتان ﴿يسقى بِمَاءٍ واحد﴾ وبالياء عاصم وشامي ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ﴾ وبالياء حمزة وعلي ﴿فِي الأكل﴾ في الثمر وبسكون الكاف نافع ومكي ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ عن الحسن مثل اختلاف القلوب في آثارها وأنوارها وأسرارها باختلاف القطع في أنهارها وأزهارها وثمارها
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)
﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ يا محمد من قولهم في إنكار البعث ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾
142
خبر ومبتدأ أي فقولهم حقيق بأن يتعجب منه لأن من قدر على انشاء ما عدد عليك كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب ﴿أئذا كنا ترابا أئنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ في محل الرفع بدل من قولهم قرأ عاصم وحمزة كل واحد بهمزتين ﴿أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ أولئك الكافرون المتمادون في كفرهم ﴿وأولئك الأغلال فِي أعناقهم﴾ وصف لهم بالإصرار أو من جملة الوعيد ﴿وأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ دل تكرار أولئك على تعظيم الأمر
143
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (٦)
﴿َويسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة﴾ بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول الله ﷺ أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات﴾ أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزءوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدي يعني المؤمنين وهي أرجى آية في كتاب الله حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب﴾ على
الرعد (٧ _ ١٠)
الكافرين أو هما جميعاً في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)
﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية مّن رَّبِّهِ﴾ لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله ﷺ عناداً فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصاحية واحياء الموتى فقيل لرسول الله ﷺ ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ﴾ إنما أنت رجل أرسلت منذراً مخوفاً لهم من سوء العاقبة وناصحاً كغيرك من الرسل
143
وما عليك إلا الإتيان ما يصح به أنك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأي آية كانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوى بها ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بآية خص بها لا بما يريدون ويتحكمون
144
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨)
﴿الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ﴾ ما في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغير ذلك وما تغيضه الأرحام أي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثا وأربعة أو جسد الولد فإنه يكون تاماً ومخدجاً أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك أو مصدرية اي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بمقدار﴾ بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه لقوله إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بقدر
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩)
﴿عالم الغيب﴾ ما غاب عن الخلق ﴿والشهادة﴾ ما شاهدوه ﴿الكبير﴾ العظيم الشأن الذي كل شيء دونه ﴿المتعال﴾ المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها وبالياء في الحالين مكي
سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠)
﴿سَوَاء مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ أي في علمه ﴿وَمَنْ هو مستخفٍ بالليل﴾ متوارٍ ﴿وَسَارِبٌ بالنهار﴾ ذاهب في سربه أي في طريقه
144
ووجهه يقال سرب في الأرض سروبا وسارب عطف على من هو مستخف لا على مستخف أو على مستخف غير أن من في معنى الاثنين
145
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١)
والضمير في ﴿لَهُ﴾ مردود على من كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب ﴿معقبات﴾ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه لأن
الرعد (١١ _ ١٣)
بعضهم يعقب بعضاً أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه ﴿مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ أي قدامه ووراءه ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾ هما صفتان جميعاً وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ من العافية والنعمة ﴿حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ من الحال الجميلة بكثرة المعاصي ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً﴾ عذاباً ﴿فَلاَ مَرَدَّ لَهُ﴾ فلا يدفعه شيء ﴿وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾ من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢)
﴿هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبو الطيب
145
أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه ﴿وينشئ السحاب﴾ هو اسم جنس والواحدة سحابة ﴿الثقال﴾ بالماء وهو جمع ثقيلة تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال
146
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣)
﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ قيل يسبح سامعوا الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان الله والحمد لله وعن النبي ﷺ أنه قال الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهي إلى حيث أمر ﴿والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ﴾ ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله ﴿وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء﴾ الصاعقة نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال ﴿وَهُمْ يجادلون فِي الله﴾ يعنى الذين كذبوا رسول الله صلى اله عليه وسلم يجادلون في الله حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم من يحيى العظام وهي رميم ويردون الواحدنية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولها الملائكة بنات الله أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك ان أريد أخا لبيد بن ربيعة العامري قال لرسول الله ﷺ حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين قتله فرمى الله عامراً بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية
الرعد (١٣ _ ١٦)
وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرني عن ربنا أمن نحاس هو
146
أم من حديد ﴿وَهُوَ شَدِيدُ المحال﴾ أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعمال الحيلة واجتهد فيه ومحل فلان اذا كادوه سعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون
147
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤)
﴿لَهُ دَعْوَةُ الحق﴾ أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاءه واتصال شديد المحال له ودعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول الله ﷺ عليه وعلى صاحبه بقوله اللهم اخسفهما بما شئت فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله ﷺ بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله ﷺ فيهم إن دعا عليهم ﴿والذين يَدْعُونَ﴾ والآلهة الذين يدعوهم الكفار ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾ من طلباتهم ﴿إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ استثناء من المصدر أي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه الماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن
147
يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم واللام في ليبلغ متعلق بباسط كفيه ﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ وما الماء ببالغ فاه ﴿وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضلال﴾ في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا الأصنام لم تستطع إجابتهم
148
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)
﴿وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض﴾ سجود تعبد وانقياد ﴿طَوْعاً﴾ حال يعني الملائكة والمؤمنين ﴿وَكَرْهًا﴾ يعني المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق ﴿وظلالهم﴾ معطوف على من جمع ظل ﴿بالغدو﴾ جمع غداة كقن وقناة ﴿والآصال﴾ جمع أصل جمع أصيل قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال وظل الكافر يسجد كرهاً وهو كاره وظل المؤمن يسجد طوعاً وهو طائع
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)
﴿قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله﴾ حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال لهم من رب السموات والأرض
الرعد (١٦ _ ١٧)
لم يكن لهم بد من أن يقولوا الله دليله قراءة ابن مسعود وأبي قالوا الله أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب إلا هذا ﴿قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه آلهة ﴿لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّاً﴾ لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضرراً عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ أي الكافر والمؤمن أو من يبصر شيئاً ومن لا يخفى عليه شيء ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور﴾ ملل الكفر والإيمان يستوي كوفي غير حفص ﴿أَمْ جَعَلُواْ لله شركاء﴾ بل اجعلوا ومعنى الهمزة الإنكار ﴿خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ﴾ خلقوا مثل خلقه وهو صفة لشركاء أي أنهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله ﴿فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ﴾ فاشتبه
148
عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلاً أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق ﴿قُلِ الله خالق كُلّ شَيْءٍ﴾ أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم ﴿وَهُوَ الواحد﴾ المتوحد بالربوبية ﴿القهار﴾ لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور
149
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧)
﴿أَنَزلَ﴾ أي الواحد القهار وهو الله سبحانه ﴿مِّنَ السماء﴾ من السحاب ﴿مَآءً﴾ مطراً ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾ جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض ﴿بِقَدَرِهَا﴾ بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار ﴿فاحتمل السيل﴾ أي رفع ﴿زَبَدًا﴾ هو ما علا وجه الماء من الرغوة والمعنى علاه زبد ﴿رَّابِيًا﴾ منتفخاً مرتفعاً على وجه السيل ﴿وَمِمَّا يوقدون عليه﴾ وبالياء كوفي غير أبي بكر ومن لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض أي وبعضه زبد ﴿فِي النار﴾ حال من الضمير في عليه أي ومما توقدون عليه ثابتاً في النار ﴿ابتغاء حِلْيَةٍ﴾ مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من توقدون ﴿أَوْ متاع﴾ من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في
الرعد (١٧ _ ١٨)
الحضر والسفر وهو معطوف على حلية أي زينة من الذهب والفضة ﴿زَبَدٌ﴾ خبث وهو مبتدأ ﴿مثله﴾ نعت له ومما توقدون
149
خبر له أي لهذه الفلزّات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء ﴿كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل﴾ أي مثل الحق والباطل ﴿فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ حال أي متلاشياً وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمى وجفوت الرجل صرعته ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس﴾ من الماء والحلي والأواني ﴿فَيَمْكُثُ فِي الأرض﴾ فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقى في الأرض مدة طويلة ﴿كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال﴾ ليظهر الحق من الباطل قيل هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وذلك ماكث في الأرض باقٍ بقاء ظاهراً يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمي به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب قال الجمهور وهذا مثل قوله الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للابدان والأودية للقلوب ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه والزبد هو أجس النفس ووساوس الشيطان والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلاً ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع للكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل
150
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨)
واللام في ﴿لِلَّذِينَ استجابوا﴾ أي أجابوا متعلقة بيضرب اي
150
كذلك يضرب اله أمثال للمؤمنين الذين استجابوا ﴿لربهم الحسنى﴾ هي صفة لمصدر استجابوا أي استجابوا الاستجابة الحسنى ﴿والذين لم يستجيبوا له﴾ اي وللكافرين الذين لم يستجيوا أي هما مثلاً الفريقين وقوله ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ﴾ كلام مبتدأ في ذكر ما أعد لغير المستجيبين أي لو ملكوا أموال الدنيا وملكوا معها مثلها لبذلوه ليدفعوا عن أنفسهم عذاب الله والوجه أن الكلام قد تم على الأمثال وما بعده كلام مستأنف والحسنى مبتدأ خبره للذين استجابوا والمعنى لهم المثوبة الحسنى وهي الجنة والذين يستجيبوا مبتدأ خبره لو مع ما في حيزه ﴿أولئك لَهُمْ سُوءُ الحساب﴾
المناقشة فيه في الحديث من نوقش الحساب عذب ﴿ومأواهم جهنم﴾ ومرجعهم بعد المحاسبة النار ﴿وَبِئْسَ المهاد﴾ المكان الممهد والمذموم محذوف أي جهنم
151
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩)
دخلت همزة الإنكار على الفاء في ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ﴾ لإنكار أن تقع شبهة ما بعد ضرب من المثل في أن حال من علم ﴿أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق﴾ فاستجاب بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب وهو المراد بقوله ﴿كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ كبعد ما بين الزبد والماء والخبث والإبريز ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي الذين عملوا على قضايا عقولهم فنظروا واستبصروا
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠)
﴿الذين يوفون بعهد الله﴾ مبتدأ والخبر أولئك لهم عقبى الدار كقوله والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة وقيل هو صفة لأولي الألباب والأول أوجه وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى
151
﴿وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق﴾ ما أوثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد تعميم بعد تخصيص
152
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١)
﴿والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من الأَرحام والقرابات ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله ﷺ وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان إنما المؤمنون إخوة بالإحسان إليهم على حسب الطاقة ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم وإفشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم ومنه مراعاة حق الأَصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي وعيده كله ﴿وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ خصوصاً فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢)
﴿والذين صبروا﴾ مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأَموال ومشاق التكاليف ﴿ابتغاء وجه الله﴾ لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب في الجزع ﴿وأقاموا الصلاة﴾ داوموا على إقامتها ﴿وأنفقوا من ما رَزَقْنَاهُمْ﴾ أي من الحلال وإن كان الحرام رزقاً عندنا ﴿سِرّا وَعَلاَنِيَةً﴾ يتناول النوافل لأَنها في السر أفضل والفرائض لأَن المجاهرة بها افضل نفيا للتهمة ﴿ويدرؤون بالحسنة السيئة﴾ ويدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم وإذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا أو صلوا وإذا أذنبوا تابوا وإذا هربوا أنابوا وإذا رأوا منكراً أمروا بتغييره فهذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنة ﴿أولئك لَهُمْ عقبى الدار﴾ عاقبة الدنيا وهي الجنة لأَنها
الرعد (٢٣ _ ٢٧)
التي أرادها الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع اهلها
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣)
﴿جنات عَدْنٍ﴾ بدل من عقبى الدار ﴿يَدْخُلُونَهَا ومن صلح﴾ أي آمن ﴿من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ وقرىء صلح والفتح أفصح ومن في محل
152
الرفع بالعطف على الضمير في يدخلونها وساغ ذلك وإن لم يؤكد لأَن الضمير المفعول صار فاصلاً وأجاز الزجاج أن يكون مفعولاً معه ووصفهم بالصلاح ليعلم أن الأَنساب لا تنفع بنفسها والمراد أبو كل واحد منهم فكانه قيل آبائهم وأمهاتهم ﴿والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلِّ بَابٍ﴾ في قدر كل يوم وليلة ثلاث مرات بالهدايا وبشارات الرضا
153
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)
﴿سلام عَلَيْكُمُ﴾ في موضع الحال إذ المعنى قائلين سلام عليكم أو مسلمين ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ متعلق بمحذوف تقديره هذا بما صبرتم أي هذا الثواب بسبب صبركم عن الشهوات أو على أمر الله أو بسلام أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم والأَول أوجه ﴿فَنِعْمَ عقبى الدار﴾ الجنات
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥)
﴿والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه﴾ من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض﴾ بالكفر والظلم ﴿أولئك لَهُمُ اللعنة﴾ الإبعاد من الرحمة ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدار﴾ يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة عقبى الدار وأن يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (٢٦)
﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ﴾ أي ويضيق لمن يشاء والمعنى الله وحده هو يبسط الرزق ويقدر دون غيره ﴿وَفَرِحُواْ بالحياة الدنيا﴾ بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يؤجروا بنعيم الآخرة ﴿وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ متاع﴾ وخفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئاً نزراً يتمتع به كعجلة الراكب وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧)
﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية مّن رَّبّهِ﴾ أي الآية المقترحة ﴿قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء﴾ باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ ويرشد إلى دينه من رجع إليه بقلبه
الرعد (٢٨ _ ٣١)
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)
﴿الذين آمنوا﴾ هم الذين أو محله النصب بدل مِن مِن ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾ تسكن ﴿بِذِكْرِ الله﴾ على الدوام أو بالقرآن أو بوعده ﴿أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب﴾ بسبب ذكره تطمئن قلوب المؤمنين
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)
﴿الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ مبتدأ ﴿طوبى لَهُمْ﴾ خبره وهو مصدر من طاب كبشرى ومعنى طوبى لك أصبت خيراً وطيباً ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيباً لك وطيب لك وسلاماً لك وسلام لك واللام في لهم للبيان مثلها في سقيالك والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقز والقراءة في ﴿وحسن مآب﴾ مرجع بالرفع والنصب تدل على محليها
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠)
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ﴾ مثل ذلك الإرسال أرسلناك إرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات ثم فسر كيف أرسله فقال ﴿فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ﴾ أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء ﴿لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ﴾ وحال هؤلاء أنهم يكفرون ﴿بالرحمن﴾ بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء ﴿قل هو ربي﴾ رب كل شيء ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي هو ربي الواحد المتعالي عن الشركاء ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ في نصرتي
154
عليكم ﴿وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ مرجعي فيثيبنى على مصابرتكم متابى وعقابي ومآبي في الحالين يعقوب
155
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١)
﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال﴾ عن مقارِّها ﴿أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض﴾ حتى تتصدع وتتزايل قطعاً ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى﴾ فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف فجواب لو محذوف أو معناه ولو أن قرآناً وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأَرض وتكليم الموتى وتنبيئهم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة الآية ﴿بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا﴾ بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ﴿أفلم ييأس الذين آمنوا﴾ أفلم يعلم وهي لغة قوم من النخع وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأَن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون كما استعمل النسيان في معنى الترك لتضمن ذلك دليله قراءة علي رضي الله عنه أفلم يتبين وقيل إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوي السنات وهذه والله فرية ما فيها مرية ﴿أَن لَّوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بما صنعوا﴾
من كفرهم وسوء أعمالهم ﴿قَارِعَةٌ﴾ داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم ﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ﴾ أو تحل القارعة قريباً منهم فيفزعون ويتطاير عليهم شررها ويتعدى إليهم شرورها ﴿حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله﴾ أي موتهم أو القيامة أو ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله من العداوة والتكذيب قارعة لأن جيش رسول الله يغير حول مكة ويختطف منهم أو
155
تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك يوم الحديبية حتى يأتي وعد الله أي فتح مكة ﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ أي لا خلف في موعده
156
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٣٢)
﴿ولقد استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ الإملاء الإمهال وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله استهزاءً به وتسلية له
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)
﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ﴾ احتجاج عليهم في إشراكهم بالله يعني أفالله الذي هو رقيب ﴿على كُلّ نَفْسٍ﴾ صالحة أو طالحة ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ يعلم خيره وشره ويعد لكل جزاءه كمن ليس كذلك ثم استأنف فقال ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء﴾ أي الأصنام ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ أي سموهم له من هم ونبؤه بأسمائهم ثم قال ﴿أَمْ تُنَبّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الأرض﴾ على أم المنقطعة أي بل اتنبؤنه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض فاذا لم يعلمهم على أنهم ليسوا بشيء والمراد نفي أن يكون له شركاء ﴿أَم بظاهر مّنَ القول﴾ بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله ذلك قَوْلُهُم بأفواههم ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتوها ﴿بَلْ زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ﴾ كيدهم للإسلام بشركهم ﴿وَصُدُّواْ عَنِ السبيل﴾ عن سبيل الله بضم الصاد كوفي وبفتحها غيرهم ومعناه وصدوا المسلمين عن سبيل الله ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ من أحد يقدر على هدايته
لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤)
﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِى الحياة الدنيا﴾ بالقتل والأسر وأنواع المحن
الرعد (٣٤ _ ٣٧)
{وَلَعَذَابُ
156
الأخرة أَشَقُّ} أشد لدوامه ﴿وَمَا لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ﴾ من حافظ من عذابه
157
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (٣٥)
﴿مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون﴾ صفتها التي هي في غرابة المثل وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم مثل الجنة أو الخبر ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ كما تقول صفة زيد أسمر ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ ثمرها دائم الوجود لا ينقطع ﴿وِظِلُّهَا﴾ دائم لا ينسخ في الدنيا بالشمس ﴿تِلْكَ عقبى الذين اتقوا﴾ أي الجنة الموصوفة عقبى تقواهم يعني منتهى أمرهم ﴿وعقبى الكافرين النار﴾
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)
﴿والذين آتيناهم الكتاب﴾ يريد من أسلم من اليهود كابن سلام ونحوه ومن النصارى بأرض الحبشة ﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحزاب﴾ أي ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله ﷺ بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما ﴿مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ﴾ لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم وكانوا ينكرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ﴾ هو جواب للمنكرين أي قل إنما أمرت فيما أنزل إلى بأن أعبد الله ولا أشرك به فانكارهم له إنكار لعبادة الله وتوحيده فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة الله وأن لا يشرك به ﴿إليه أدعو﴾ خصوصا لا أدعوا إلى غيره ﴿وإليه﴾ لا إلى غيره ﴿مآب﴾ مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لانكاركم
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧)
﴿وكذلك أنزلناه﴾ ومثل ذلك الإنزال أنزلناه مأموراً فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة اليه الى دينه والإنذار بدار الجزاء ﴿حُكْمًا عَرَبِيّا﴾ حكمة
157
عربية مترجمة بلسان العرب وانتصابه على الحال كانوا يدعون رسول الله ﷺ إلى أمور يشاركهم فيها فقيل ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العلم﴾ أي بعد ثبوت العلم بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة ﴿ما لك مِنَ الله مِن وَلِىّ وَلاَ وَاقٍ﴾ أي لا ينصرك ناصر ولا يقيك منه واق وهذا من باب النهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين وأن لا يزال عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة والا
الرعد (٣٨ _ ٤٢)
فكان رسول الله ﷺ من شدة الثبات بمكان
158
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨)
وكانوا يعيبونه بالزواج والولادة ويقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ فنزل ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وذرية﴾ نساء وأولاد ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي ليس في وسعه إتيان الآيات على ما يقترحه قومه وإنما ذلك إلى الله ﴿لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ لكل وقت حكم يكتب على العباد أي يفرض عليهم على ما تقتضيه حكمته
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)
﴿يَمْحُو الله مَا يَشَاء﴾ ينسخ ما يشاء نسخه ﴿وَيُثَبِّتُ﴾ بدله ما يشاء أو يتركه غير منسوخ أو يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء ويثبت غيره أو يمحو كفر التائبين ويثبت إيمانهم أو يميت من حان أجله وعكسه ويثبّت مدني وشامي وحمزة وعلي ﴿وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب﴾ أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠)
﴿وإما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك ﴿فإنما عليك البلاغ﴾ فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب {وَعَلَيْنَا
158
الحساب} وعلينا حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم لا عليك فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم
159
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١)
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض﴾ أرض الكفرة ﴿نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ بما نفتح على المسلمين من بلادهم فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام وذلك من آيات النصرة والغلبة والمعنى عليك البلاغ الذي حملته ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من النصرة والظفر ﴿والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ﴾ لا راد لحكمه والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يعقبه أي يقفيه بالرد والإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس ومحل لا معقب لحكمه النصب على الحال كأنه قيل والله يحكم نافذاً حكمه كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة له تريد حاسراً ﴿وَهُوَ سَرِيعُ الحساب﴾ فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)
﴿وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر إرادة المكروه في خفية ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة الى مكره
الرعد (٤٢ _ ٤٣)
فقال ﴿فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا﴾ ثم فسر ذلك بقوله ﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار﴾ يعني العاقبة المحمودة لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعدلها جزاءها فهو المكر كله لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة عما يراد بهم الكافر على إرادة الجنس حجازي وأبو عمرو
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)
﴿وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً﴾ المراد بهم كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود قالوا لست مرسلا لهذا قال عطاء هي مكية إلا هذه الآية ﴿قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بما أظهر من الأدلة على رسالتي
159
والباء دخلت على الفاعل وشهيدا تمييز ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ قيل هو الله عز وجل والكتاب اللوح المحفوظ دليله قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب أي ومن لدنه علم الكتاب لأن علم من علمه من فضله ولطفه وقيل ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم وقال ابن سلام فيّ نزلت هذه الآية وقيل هو جبريل عليه السلام ومن في موضع الجر بالعطف على لفظ الله أو في موضع الرفع بالعطف على محل الجار والمجرور إذ التقدير كفى الله وعلم الكتاب ويرتفع بالمقدر في الظرف فيكون فاعلاً لأن الظرف صلة لمن ومن هنا بمعنى الذي والتقدير من ثبت عنده علم الكتاب وهذا لأن الظرف إذا وقع صلة يعمل عمل الفعل نحو مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول بالذي استقر في الدار أخوه وفي القراءة بكسر ميم من يرتفع العلم بالابتداء
160
سورة إبراهيم عليه السلام مكية اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

إبراهيم (١)
161
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي يرجّى الحيا منه وتخشى الصواعق