ﰡ
إن قلتَ : لم جمع هنا المشارق وحذف مقابله( ١ )، وثنّاه في الرحمن، وجمعه في المعارج، وأفرده في المزّمّل مع ذكر مقابله في الثلاثة ؟ !
قلتُ : لأن القرآن نزل على المعهود، من أساليب كلام العرب وفنونه، ومنها الإجمال والتفصيل، والذّكر والحذف، والجمع والتثنية والإفراد، باعتبارات مختلفة، فأفرد وأجمل في المزمّل، بقوله :﴿ ربّ المشرق والمغرب ﴾ [ المزمل : ٢٨ ] أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما، وجمع وفصّل في المعارج بقوله :﴿ فلا أقسم بربّ المشرق والمغرب ﴾ [ المعارج : ٤٠ ] أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبعمائة، وثنّى وفصّل في الرحمن بقوله :﴿ ربّ المشرقين وربّ المغربين ﴾ [ الرحمن : ١٧ ] أراد مشرقي الصيف والشتاء( ٢ ) ومغربهما، وجمع وحذف هنا بقوله :﴿ وربّ المشرق ﴾ أراد جميع مشارق السنة، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف، وخصّ ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة، وبالحذف مناسبة للزينة في قوله :﴿ إنا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب ﴾ [ الصافات : ٦ ] إذ الزينة إنما تكون غالبا بالضياء والنور، وهما ينشئان من المشرق لا من المغرب، وما في الرحمن بالتثنية، موافقة للتثنية في " يسجدان " وفي ﴿ فبأي آلاء ربّكما تكذّبان ﴾ [ الرحمن : ١٣ ] وبذكر المتقابلين موافقة لبسط صفاته تعالى وإنعاماته ثمّ، وما في المعارج بالجمع، موافقة للجمع قبله وبعده، وبذكر المتقابلين موافقة لكثرة التأكيد في القسم وجوابه، وما في المزّل بالإفراد موافقة لما قبله، من إفراد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وما بعده من إفراد ذكر الله تعالى، وبذكر المتقابلين موافقة للحصر في قوله :﴿ لا إله إلا هو ﴾ [ المزمل : ٢٨ ] ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
٢ - الأرجح أن المراد بالآية: الشمس والقمر لا الصيف والشتاء، والمعنى: ربّ مشرق الشمس ومغربها، ومشرق القمر ومغربه، فللشمس مشرق ومغرب، وكذلك للقمر مشرق ومغرب..
إن قلتَ : لم خصّ سماء الدنيا بزينة الكواكب، مع أن بقية السموات مزيّنة بذلك ؟
قلتُ : لأنا إنما نرى سماء الدنيا، دون غيرها( ١ ).
" عجبتُ " بضم التاء على قراءة حمزة والكسائي.
فإن قلتَ : ما وجهه مع أن التعجب روعة تعتري الإنسان، عن استعظام الشيء، والله منزّه عنها ؟ !
قلتُ : أراد بالتعجّب الاستعظام، وهو جائز على الله تعالى، أو معناه : قل يا محمد بل عجبتُ.
وفي الذي تُعجّب قولان : أحدهما : كفرهم بالقرآن، والثاني : إنكارهم البعث.
ختم الآية بقوله :﴿ أإنا لمبعوثون ﴾ ؟ وختم التي بعدها بقوله :﴿ أإنا لمدينون ﴾ [ الصافات : ٥٣ ] ؟ أي لمجزيّون ومحاسبون، لأن الأول في حقّ المنكرين للبعث، والثانية في حقّ المنكرين للجزاء، وإن كان كلّ منهما مستلزما للآخر( ١ ).
إن قلتَ : كيف قال عقِبه في قصص –مع عدا قصة " لوط، ويونس، وإلياس " - " سلام على نوح " " سلام على إبراهيم " " سلام على موسى وهارون " " سلام على الياسين " ولم يقل ذلك في القصص الثلاثة ؟ !
قلتُ : اكتفاءً فيها بقوله :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ﴾ [ الصافات : ١٣٣ ]، ﴿ وإن يونس لمن المرسلين ﴾ [ الصافات : ١٣٩ ]، ﴿ وإن إلياس لمن المرسلين ﴾ [ الصافات : ١٣٣ ].
إن قلتَ : كيف مدح تعالى نوحا وغيره، كإبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم السلام بذلك، مع أن مرتبة الرسل فوق مرتبة المؤمنين ؟ !
قلتُ : إنما مدحهم بذلك، تنبيها لنا على جلالة محلّ الإيمان وشرفه، وترغيبا في تحصيله، والثبات عليه، والازدياد منه، كما قال تعالى في مدح إبراهيم عليه السلام :﴿ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾ [ العنكبوت : ٢٧ ].
لم يقل " إلى النجوم " مع إنّ النظر إنما يتعدى ب " إلى " كما في قوله تعالى :﴿ ولكن انظر إلى الجبل ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] لأن " في " بمعنى " إلى " كما في قوله تعالى :﴿ فردّوا أيديهم في أفواههم ﴾ [ إبراهيم : ٩ ] أو أن النظر هنا بمعنى الفكر، وهو يتعدى ب " في " كما في قوله تعالى :﴿ أو لم ينظروا في ملكوت السموات ﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ] فصار المعنى : ففكّر في علم النجوم.
فإن قلتَ : لم لم يجز النظر في علم النجوم، كما جاز لإبراهيم ؟ !
قلتُ : إذا كان الناظر فيه كإبراهيم، في أن الله أراه ملكوت السموات والأرض، جاز له النظر فيه.
وقوله :﴿ إني سقيم ﴾ قاله إبراهيم عليه السلام، ليتخلّف عنهم، إذا خرجوا إلى عيدهم، فيكيد أصنامهم.
فإن قلتَ : كيف جاز له أن يقول ذلك، مع أنه ليس بسقيم ؟ !
قلتُ : معناه سأسقم، كما في قوله تعالى :﴿ إنك ميّت ﴾، أو سقيم القلب عليكم لعبادتكم للأصنام، وهي لا تضرّ ولا تنفع، أو أنّ من يموت فهو سقيم.
لم يقل " إلى النجوم " مع إنّ النظر إنما يتعدى ب " إلى " كما في قوله تعالى :﴿ ولكن انظر إلى الجبل ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] لأن " في " بمعنى " إلى " كما في قوله تعالى :﴿ فردّوا أيديهم في أفواههم ﴾ [ إبراهيم : ٩ ] أو أن النظر هنا بمعنى الفكر، وهو يتعدى ب " في " كما في قوله تعالى :﴿ أو لم ينظروا في ملكوت السموات ﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ] فصار المعنى : ففكّر في علم النجوم.
فإن قلتَ : لم لم يجز النظر في علم النجوم، كما جاز لإبراهيم ؟ !
قلتُ : إذا كان الناظر فيه كإبراهيم، في أن الله أراه ملكوت السموات والأرض، جاز له النظر فيه.
وقوله :﴿ إني سقيم ﴾ قاله إبراهيم عليه السلام، ليتخلّف عنهم، إذا خرجوا إلى عيدهم، فيكيد أصنامهم.
فإن قلتَ : كيف جاز له أن يقول ذلك، مع أنه ليس بسقيم ؟ !
قلتُ : معناه سأسقم، كما في قوله تعالى :﴿ إنك ميّت ﴾، أو سقيم القلب عليكم لعبادتكم للأصنام، وهي لا تضرّ ولا تنفع، أو أنّ من يموت فهو سقيم.
فإن قلتَ : هذا يدلّ على أنهم عرفوا أن إبراهيم هو الكاسر لآلهتهم، وقوله في الأنبياء :﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا ﴾ [ الأنبياء : ٥٩ ] الآية، يدلّ على أنهم ما عرفوا أنه الكاسر لها ؟
قلت : يحتمل أن بعضهم عرفه فأقبل إليه.
ختمه هنا ب " حليم " وفي الحجر، والذاريات( ١ ) ب " عليم " نظرا في ذَيْنِكَ لشرف العلم، وفيما هنا لمناسبته حلم الغلام، لوعده بالصبر، في جوابه لسؤال ابنه له في ذبحه بقوله :﴿ ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ].
واختلفوا في الذبيح هل هو " إسماعيل " أو " إسحاق " والجمهور على أنه إسماعيل( ١ ).
إن قلتَ : كيف قال :﴿ قد صدّقت الرؤيا ﴾ مع أنّ تصديقها إنما يكون بالذبح، ولم يوجد ؟
قلتُ : معناه قد فعلت ما في غاية وُسعك، مما يفعله الذابح، من إلقاء ولدك، وإمرار المُدية( ١ ) على حلقه، ولكن الله منعها أن تقطع، أو أن الذي رآه في النوم، معالجة الذبح فقط، لإراقة الدم، وقد فعل ذلك في اليقظة، فكان مصدّقا للرؤيا.
إن قلتَ : كيف قال :﴿ قد صدّقت الرؤيا ﴾ مع أنّ تصديقها إنما يكون بالذبح، ولم يوجد ؟
قلتُ : معناه قد فعلت ما في غاية وُسعك، مما يفعله الذابح، من إلقاء ولدك، وإمرار المُدية( ١ ) على حلقه، ولكن الله منعها أن تقطع، أو أن الذي رآه في النوم، معالجة الذبح فقط، لإراقة الدم، وقد فعل ذلك في اليقظة، فكان مصدّقا للرؤيا.
إن قلتَ : لم قاله هنا، أعني في قصة إبراهيم بحذف " إنا " وأثبته في آيات أخرى غيرها من القصص ؟
قلتُ : حذفه في قصة إبراهيم اختصارا، واكتفاء بذكره له قبل، في قصته بقوله :﴿ وناديناه أن يا إبراهيم ﴾ الآية [ الصافات : ١٠٤ ] مع أن ما بعد قصته، كان من تكملتها وهو قوله :﴿ وبشّرناه بإسحاق نبيّا من الصالحين ﴾ [ الصافات : ١١٢ ] بخلاف سائر القصص.
إن قلتَ : لوط كان رسولا قبل التنجية، فما وجه تعلق ﴿ إذ نجّيناه ﴾ به ؟
قلتُ : هو ليس متعلقا به، بل بمحذوف تقديره : واذكر( ١ )، وكذا القول في قوله تعالى :﴿ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون ﴾ [ الصافات : ١٣٩، ١٤٠ ].
إن قلتَ : لوط كان رسولا قبل التنجية، فما وجه تعلق ﴿ إذ نجّيناه ﴾ به ؟
قلتُ : هو ليس متعلقا به، بل بمحذوف تقديره : واذكر( ١ )، وكذا القول في قوله تعالى :﴿ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون ﴾ [ الصافات : ١٣٩، ١٤٠ ].
إن قلتَ : " أو " بمعنى " بل " ( ١ ) أو بمعنى الواو، أو المعنى : أو يزيدون في نظرهم، فالشكّ إنما دخل في قول المخلوقين.
تهديد لهم، ثم أعاده في قوله :﴿ وأبصر فسوف يبصرون ﴾ [ الصافات : ١٧٩ ] تأكيدا، أو لأن الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، وحذف منه المفعول اكتفاء بذكره أولا.