سورة الصافات
آياتها مائة واثنان وثمانون وهي مكية
ﰡ
﴿ والصافات صفا { ١ ﴾ } أقسم بالملائكة الذين يصفون في مقام العبودية كصفوف المصلين، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف ويتراصون في الصف ) كذا قال ابن عباس والحسن وقتادة وقيل هم الملائكة تصف بأجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمر الله بما يريد وقيل هي الطير قال الله تعالى :﴿ والطير صافات ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:أو أقسم بنفوس العلماء الصافين أقدامهم في الصلاة الزاجرين عن الكفر والسيئات بالحجاج والنصيحات التالين آيات ربهم رفيع الدرجات، أو بنفوس الغزاة المقاتلين في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص الزاجرين الخيل والعدو التالين لذكر الله لا يشغلهم مبارزة العدو عن ذكر الله، والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات والفاء لترتيب الوجود فإن الصف في كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإساقة إلى الخير والتلاوة إفاضة أو الرتبة كما في قوله تعالى :﴿ ثم كان من الذين آمنوا ﴾ أدغم حمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا وأبو عمرو على أصله في الإدغام الكبير
﴿ فالزاجرات زجرا ﴾ يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقيل الملائكة تزجر الناس عن المعاصي بإلهام الخير أو الشياطين عن التعرض لهم، وقال قتادة هي زواجر القرآن تنهي وتزجر عن القبيح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:أو أقسم بنفوس العلماء الصافين أقدامهم في الصلاة الزاجرين عن الكفر والسيئات بالحجاج والنصيحات التالين آيات ربهم رفيع الدرجات، أو بنفوس الغزاة المقاتلين في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص الزاجرين الخيل والعدو التالين لذكر الله لا يشغلهم مبارزة العدو عن ذكر الله، والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات والفاء لترتيب الوجود فإن الصف في كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإساقة إلى الخير والتلاوة إفاضة أو الرتبة كما في قوله تعالى :﴿ ثم كان من الذين آمنوا ﴾ أدغم حمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا وأبو عمرو على أصله في الإدغام الكبير
﴿ فالتاليات ذكرا { ٣ ﴾ } هم الملائكة الذين يتلون ذكر الله أو آيات من الكتب السماوية على الأنبياء وذكرا منصوب على المفعولية وجاز نصبه على المصدرية من معنى التاليات،
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:أو أقسم بنفوس العلماء الصافين أقدامهم في الصلاة الزاجرين عن الكفر والسيئات بالحجاج والنصيحات التالين آيات ربهم رفيع الدرجات، أو بنفوس الغزاة المقاتلين في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص الزاجرين الخيل والعدو التالين لذكر الله لا يشغلهم مبارزة العدو عن ذكر الله، والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات والفاء لترتيب الوجود فإن الصف في كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإساقة إلى الخير والتلاوة إفاضة أو الرتبة كما في قوله تعالى :﴿ ثم كان من الذين آمنوا ﴾ أدغم حمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا وأبو عمرو على أصله في الإدغام الكبير
جواب القسم ﴿ إن إلهكم ﴾ يا أهل مكة ﴿ لواحد ﴾ رد لما قال كفار مكة ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا الشيء عجاب ﴾
﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق{ ٥ ﴾ } خبر بعد خبر لإن أو خبر مبتدأ محذوف أي هو والمراد بالمشارق مشارق الكواكب كلها أو مشارق الشمس في السنة فإنها ثلاث مائة وخمس وستون تطلع كل يوم من واحد وبحسبها يختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشرق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة.
﴿ إنا زينا السماء الدنيا ﴾ أي القربى منكم فيه التفات من الغيبة إلى التكلم ﴿ بزينة الكواكب ﴾ قرأ الجمهور بالإضافة وهي بيانية أي بزينة الكواكب أو إضافة المصدر إلى المفعول أي بأن زينا الكواكب فإنها كما جاءت اسما كالليقة جاء مصدرا كالنسبة أو إلى الفاعل أي بأن زينها الكواكب، وقرأ حمزة ويعقوب وحفص بتنوين زينة وجر الكواكب على إبدالها منه أي بزينة هي الكواكب أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها، قال ابن عباس أي بضوء الكواكب وهذه القراءة يؤيد كون الإضافة في قراءة الجمهور بيانية وقرأ أبو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب على المفعولية فيؤيد كون الإضافة إلى المفعول أو منصوب بتقدير أعني أو على البدل من محل زينة
﴿ وحفظا ﴾ منصوب على المصدرية بإضمار فعله أي وحفظناها حفظا أو بالعطف على زينة بحسب المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا أي لأجل الحفظ ﴿ من كل شيطان مارد ﴾ خارج من الطاعة برمي الشهب من الكواكب، وهذه الآية تفيد أن الكواكب كلها في السماء الدنيا وقول البيضاوي أن كون الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين سماء الدنيا أن تحقق لم يقدح في ذلك فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة مبني على تجويز قول الفلاسفة، والحق أن قول الفلاسفة باطل بالكتاب والسنة والإجماع فإن كون السماوات سبعا منصوص عليه بالكتاب فلا يجوز القول بالكرة الثامنة وتسميتها باسم غير السماء لا يفيد كتسمية الخمر بغير اسمها لا يفيد الحل، وأيضا الدنيا صفة للسماء ومفهوم الصفة يقتضي حصر زينتها في السماء الدنيا ولولا ذلك الحصر لما وجه لتقييد السماء بالدنيا وأيضا قوله تعالى :﴿ وحفظا من كل شيطان مارد{ ٧ ﴾ } يرد القول بكون الكواكب في سماء غير سماء الدنيا فإن رجم الشيطان ليس إلا من السماء الدنيا ولا سبيل للشياطين فوق سماء الدنيا والقول بأن الشهاب تخرج من الكواكب الثابتة في السماء الثامنة نافذة من السماوات السبع إلى سارق السمع من الشياطين يأباه العقل والنقل والله أعلم.
﴿ لا يسمعون ﴾ قرأ حفص وحمزة والكسائي بتشديد السين والميم أصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين والمعنى يطلبون السماع وفيه مبالغة في نفي السماع والباقون بسكون السين وتخفيف الميم من المجرد، وهذا كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي حفظها من الشياطين الذين لا يسمعون ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن وأدار عملها فإن اجتماع ذلك منكر ﴿ إلى الملأ الأعلى ﴾ متعلق بلا يسمعون بتضمين معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم عنه، والمراد بالملأ الأعلى الملائكة أو أشرافهم مدبرات الأمور ﴿ ويقذفون ﴾ أي يرمون عطف على لا يسمعون ﴿ من كل جانب ﴾ أي من آفاق سماء الدنيا بالشهب إذا قصدوا المكث والإصغاء
﴿ دحورا ﴾ مصدر بمعنى الطرد منصوب على المصدرية لأن القذف والدحور متقاربان أو على الحال بمعنى مدحورين أو بنزع الخافض أي بدحور وهو ما يطرد به ﴿ ولهم عذاب ﴾ آخر ﴿ واصب ﴾ أي دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة، وقال مقاتل لهم عذاب في الدنيا دائم إلى النفخة الأولى يحرقون
﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ استثناء من فاعل لا يسمعون وبدل منه، وقيل استثناء منقطع والخطفة الاختلاس يعني من اختلس كلمة من كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة ﴿ فأتبعه ﴾ أتبع بمعنى تبعه أي لحقه ﴿ شهاب ثاقب ﴾ وهو ما يرى كأن كوكبا انقض وهو شعلة تخرج من كوكب لرجم مسترقي السمع من الشياطين.
وليس كما قالت الفلاسفة أنه بخار يصعد إلى الأثير ويشتعل فإن هذا قول باطل مبني على الظن والتخمين وإن الظن لا يغني من الحق شيئا وهذا كقولهم في المطر أنه بخار يصعد من الأرض ويصل إلى الطبقة الزمهيرية من الهواء فيجمد ويكون غماما ثم يصل إليه الحرارة من الشمس فيذوب وبقطر ماء، هذه الأقوال الباطلة التي لا دليل عليها يأباه العقل فإن الأبخرة قد يصعد كثيرا لأجل شدة الحر ولا يكون مطرا إلى سنين وقد يكون أمطارا متوالية متكاثرة في البرد من غير أن يدرك حينئذ صعود الأبخرة وأيضا لو كان كذلك لذاب في بعض الأحيان الغمام كله ولم ير ذلك قط وأيضا البخارات لا تزال تتصاعد دائما فرؤية الشهاب في بعض الأحيان لا معنى له، وهذه الأقوال باطلة بالكتاب والسنة قال الله تعالى :﴿ وأنزلنا من السماء ماء ﴾ وقال الله تعالى :﴿ وأنزلنا من السماء من جبال فيها من برد ﴾.
وهذه الآية ﴿ زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ﴾ إلى قوله ﴿ شهاب ثاقب ﴾ وروى البخاري عن قتادة قال " خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدي فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم "
وروى أيضا عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض " ( وصف سفيان بكفه فحركها وبدد بين أصابعه ) " فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحت حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعها من السماء " .
وروى مسلم عن ابن عباس " ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى تبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ما قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى تبلغ أهل هذه السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم تعرفون فيه ويزيدون " ، وروى البخاري عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الملائكة تنزل في العناق وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فيسترق الشياطين السمع فيستمعه فيوحيه إلى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم " قال البيضاوي واختلف في المرجوم يتأذى فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعدة مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولهذا لا يرتدعون.
﴿ فاستفتهم ﴾ الضمير المنصوب لمشركي مكة ﴿ أهم أشد خلقا ﴾ ممن خلقناهم ﴿ أم من خلقنا ﴾ هم أشد خلقا منهم والمراد بمن خلقنا ما سبق ذكره من السماوات والأرض وما بينهما من الخلائق والمشارق والمغارب والكواكب والشهب الثواقب ومن لتغليب العقلاء والاستفهام للتقرير، وقيل المعنى أم من خلقنا من غيرهم من الأمم السابقة كعاد وثمود قد أهلكناهم بذنوبهم فمالكم تأمنون من العذاب والتأويل الأول يوافق قوله تعالى :﴿ أأنتم أشد خلقا أم السماء ﴾ ويدل على إطلاقه قوله تعالى :﴿ إنا خلقناهم من طين لازب ﴾ أي لاصق يتعلق باليد، وقال مجاهد والضحاك أي منتن فإنه فارق بين خلقهم وخلق السماوات والأرض فإن خلقها بلا مادة سبق وهذه الجملة متضمنة للسؤال المذكور على طريقة ﴿ عن النبأ العظيم { ٢ ﴾ } بعد قوله ﴿ عم يتساءلون { ١ ﴾ } والغرض من هذا الكلام الرد على منكر البعث فإنه شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة فمن قدر على خلق السماوات وغيرها قادر البتة على ما لا يعتد به بالإضافة إليها واحتجاج عليهم بأن خلقهم الأول من الطين اللازب فمن أين ينكرون أن يخلقوا ثانيا من تراب حيث قالوا :﴿ أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ﴾ وإن الطين اللازب يحصل بضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام والفاعل لا تغير في قدرته فعلى ما ينكرون.
﴿ بل ﴾ ابتدائية للانتقال من غرض إلى آخر وهو الإخبار بحاله وحالهم وليست للإضراب ﴿ عجبت ﴾ العجب حالة يعتري الإنسان عند رؤية أمر لم يعهد مثله فيعبر عن تلك الحالة بقوله عجبت وبصيغة التعجب منه قوله صلى الله عليه وسلم :" عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل "، وقوله سبحانه ما أعظم شأنه، ويطلق أيضا على الشيء الذي لم يعهد مثله أنه عجب قال الله تعالى :﴿ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ﴾ وكثيرا يستعمل العجب فيما يراه الرجل حسنا غاية الحسن يقال أعجبني كذا ومنه قوله تعالى :﴿ ومن الناس من يعجبك قوله ﴾ وقوله عليه السلام " عجب ربكم من شاب ليست له صبوة " وقوله صلى الله عليه وسلم :" عجب ربكم من إلكم وقنوطكم " وقد يستعمل فيما يراه قبيحا غاية القبح يقال عجبت من بخلك وفرهك، وقال الشاعر شيئان عجيبان هما أبرد من شيخ " شيخ يتصبى وصبي يتشيخ "، وفيما يراه كثيرا غاية الكثرة يقال ما أكرمه وما أطفاه وما أشد استخراجه وما أجهله وما أشد بياضه فالمعنى أن هذا الشيء بهذا الحسن أو بهذا القبح أو بهذا الكرم أو الجهل أو البياض لم يعهد مثله، وقيل هي حالة يعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء وبناء على ذلك قالوا لا يصح على الله العجب لإحاطة علمه بكل شيء، وقيل هي حالة يعتري للإنسان عند استعظامه الشيء، والصحيح أن مآل هذين التفسيرين إلى ما ذكرنا لأن الإنسان يستعظم ما لم يعهد مثله، وكذا يجهل بسببه يراه غير معهود مثله فلا حاجة إلى الصرف عن الظاهر.
في قراءة حمزة والكسائي عجبت، بضم التاء على صيغة المتكلم، وقال البيضاوي العجب من الله إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم وقيل أنه مقدر بالقول يعني قل يا محمد بل عجبت وقال الغوي والعجب من الله إنكاره وتعظيمه والعجب من الله قد يكون بمعنى الإنكار والذم كما في هذه الآية وقد يكون بمعنى الاستحسان كما في الحديث " عجب ربكم من شاب ليست له صبوة "، وسئل جنيد عن هذه الآية فقال إن الله ما يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله فقال ﴿ وإن تعجب فعجب قولهم ﴾ أي هو كما تقوله، وقرأ الجمهور على صيغة المخاطب بفتح التاء يعني عجبت أنت يا محمد من تكذيبهم إياك مع اعترافهم بكونك أمينا صدوقا وشهادة المعجزات على صدقك وكون القرآن معجزا أو عجبت من إنكارهم قدرة الله على البعث مع ظهور قدرته تعالى على كل شيء فإن هذا الأمر لم يعهد مثله قال قتادة عجب نبي الله صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم بعده وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن أن من سمع لهذا القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون وسخروا منه ولم يؤمنوا به عجب من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى :﴿ بل عجبت ﴾ يا محمد ﴿ ويسخرون ﴾ حال من فاعل عجبت بتقدير المبتدأ يعني وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث
﴿ وإذا ذكروا ﴾ أي وعظوا بالقرآن ﴿ لا يذكرون ﴾ لا يتعظون أو المعنى إذا ذكرهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرتهم
﴿ وإذا رأوا آية ﴾ معجزة تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس ومقاتل هو انشقاق القمر ﴿ يستسخرون ﴾ يبالغون في السخرية أو يستدعي بعضهم بعضا أن يسخر منها
﴿ وقالوا ﴾ أي ويقولون ﴿ إن هذا ﴾ يعنون ما يرونه من المعجزة ﴿ إلا سحر مبين ﴾ ظاهر سحريته
وقالوا ﴿ أئذا متنا ﴾ قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الميم ﴿ وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ﴾ أصله أنبعث إذا متنا فبدل الفعلية بالاسمية، وقدم الظرف وكرر الهمزة مبالغة في الإنكار وإشعارا بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذا الحال أولى بالإنكار فهذا أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية
﴿ أوآباؤنا الأولون{ ١٧ ﴾ } عطف على محل اسم إن بعد مضي الخبر أو على الضمير في مبعوثون فإنه مفصول عنه بهمزة الاستفهام والاستفهام لإنكار الجمع بين بعثهم وبعث آبائهم لزيادة الاستعباد لبعد زمانهم، وسكن نافع وابن عامر الواو على معنى الترديد وعلى هذه القراءة لا يجوز العطف
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ نعم ﴾ تبعثون أنتم وآباءكم قرأ الكسائي بالكسر وهو لغة فيه ﴿ وأنتم داخرون ﴾ الدخور أشد الصغار حال من فاعل المقدر
﴿ فإنما هي زجرة ﴾ جواب شرط مقدر يعني إذا كانت البعث فإنما هي أي البعثة، وقيل هي ضمير مبهم موضحها خبرها يعني زجرة ﴿ واحدة ﴾ أي صيحة واحدة أي نفخة ثانية والزجر الطرد والمنع بالصوت يقال زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها في الإعادة كما أمر في الإبداء ولذلك رتب عليها ﴿ فإذا هم قيام ﴾ من مراقدهم أحياء ﴿ ينظرون ﴾ عطف على ﴿ فإنما هي زجرة ﴾ يعني إنما البعثة زجرة ففاجئت وقت كونهم أحياء ينظرون أي يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم.
﴿ وقالوا يا ﴾ للتنبيه ﴿ ويلنا ﴾ أي هلاكنا مصدره فعل له من لفظه وجملة قالوا عطف على ﴿ ينظرون ﴾ ويقولون ﴿ يا ويلنا ﴾ ﴿ هذا يوم الدين ﴾ أي يوم نجازى فيه بأعمالنا
﴿ هذا يوم الفصل ﴾ أي يوم القضاء أو الفرق بين المحسن والمسيء ﴿ الذي كنتم به تكذبون ﴾ قيل هذا جواب الملائكة وقد تم كلامهم على يوم الدين، وقيل هذا أيضا من كلامهم بعضهم لبعض. فحينئذ يقول الله سبحانه للملائكة ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ٢٢ ﴾
﴿ احشروا الذين ظلموا ﴾ يعني أشركوا ﴿ فإن الشرك لظلم عظيم ﴾ يعني اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء ﴿ وأزواجهم ﴾ يعني نظراء وهم وأشياعهم وأتباعهم، أخرج البيهقي من طريق النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول ﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ يعني ضرباءهم الذين هم مثلهم يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وأزواج في الجنة وأزواج في النار، وأخرج البيهقي عن ابن عباس يعني أشباههم، وقال البغوي قال قتادة والكلبي يعني من عمل مثل عملهم فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الربا مع أهل الربا وقال الضحاك قرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة، وقال الحسن أزواجهم من المشركات
﴿ وما كانوا يعبدون من دون الله ﴾ في الدنيا يعني الأوثان والطواغيت وقال مقاتل يعني إبليس واحتج بقوله :﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ واللفظ مخصوص بقوله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون { ١٠١ ﴾ } ﴿ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ﴾ قال ابن عباس دلوهم إلى طريق النار، وقال ابن كيسان قدموهم إلى النار والعرب يسمي السائق هاديا
﴿ وقفوهم ﴾ أي احبسوهم، قال المفسرون لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط فيقول الله تعالى :﴿ قفوهم ﴾ ﴿ إنهم مسئولون ﴾ تعليل بقفوا، قال ابن عباس يسألون عن جميع أفعالهم وأقوالهم، وروي عنه عن لا إله إلا الله، أخرج مسلم عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يزول قدما عبد عن الصراط حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه " وأخرج الترمذي وابن مردويه مثله عن ابن مسعود وأخرج الطبراني مثله عن ابن معاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عباس، وأخرج ابن المبارك في الزهد عن أبي الدرداء قال : إن أخوف ما أخاف إذا وقعت الحساب أن يقال لي قد عملت فما علمت، وأخرج أحمد في الزهد عنه قال أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة يقال ما عملت في ما علمت، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبقع بن عبد الله الكلاعي قال إن لجهنم سبع قناطير والصراط عليها فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى فيقولون ﴿ قفوهم إنهم مسؤولون ﴾ فيحاسبون عن الصلاة ويسألون منها فيهلك فيها من هلك وينجو من نجا، فإذا بلغوا الثانية حوسبوا عن الأمانة كيف أدوها وكيف خانوها فيهلك من هلك وينجو من نجا، فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية إلى الهواء تقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعني فاقطعه
﴿ مالكم لا تناصرون { ٢٥ ﴾ } أيقال لهم توبيخا مالكم لا ينصر بعضكم بعضا تحريض على التناصر والغرض منه التهكم والتعجيز
﴿ بل هم اليوم مستسلمون { ٢٦ ﴾ } قال ابن عباس أي خاضعون، وقال الحسن منقادون يقال استسلم لشيء إذا انقاده وخضع.
﴿ وأقبل بعضهم على بعض ﴾ يعني الرؤساء والأتباع أو الكفرة والقرناء ﴿ يتساءلون ﴾ حال من الفاعل والمفعول يعني يسأل بعضهم بعضا توبيخا ولذلك فسر بقوله يتلاومون ويتخاصمون
﴿ قالوا ﴾ أي يقول الأتباع للرؤساء أو الكفرة للقرناء ﴿ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ أي عن أقوى الوجوه وأيمنها أو عن الدين أو عن الخير كذا قال الضحاك ومجاهد مستعار عن يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمي يمينا، وقال بعضهم المراد باليمين الحلف يعني كنتم تحلفون إن ما تدعوننا إليه من الدين هو الحق، وقيل معناه القوة والقهر يعني كنتم تكرهوننا وتقسروننا على الضلال، هذه الجملة وما بعدها بيان للتساؤل
﴿ قالوا ﴾ أي يقول الرؤساء أو الشياطين ما أضللناكم ﴿ بل لم تكونوا مؤمنين ﴾ يعني كنتم كافرين ضالين باختياركم
﴿ وما كان لنا عليكم من سلطان ﴾ من قهر وغلبة تقرير لما سبق ﴿ بل كنتم قوما طاغين ﴾ أي مختارين الطغيان
﴿ فحق ﴾ أي وجب ﴿ علينا ﴾ عطف على محذوف مفهوم مما سبق تقديره كنتم قوما طاغين كما كنا طاغين ﴿ فحق علينا ﴾ جميعا ﴿ قول ربنا ﴾ ﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ ﴿ إنا لذائقون ﴾ العذاب
﴿ فأغويناكم ﴾ ضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه عطف على فحق علينا ﴿ إنا كنا غاوين ﴾ ضالين يعنون إن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمرا علينا وإنه غاية ما فعلنا بكم إنا دعونا إلى الغي لأن كنا على الغي فأحببنا أن تكونوا مثلنا.
قال الله تعالى :﴿ فإنهم ﴾ الفاء للسببية يعني لما كان كلهم من الرؤساء والأتباع والكفرة والقرناء على الغي فهم ﴿ يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك ﴾ إنا مبتدأ والجملة خبر وكذلك في محل النصب على المصدرية أي فعلا مثل ما نفعل لهؤلاء ﴿ نفعل بالمجرمين ﴾ أي بكل مشرك والمجرم هو المشرك لقوله تعالى :﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون { ٣٥ ﴾ }
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:قال الله تعالى :﴿ فإنهم ﴾ الفاء للسببية يعني لما كان كلهم من الرؤساء والأتباع والكفرة والقرناء على الغي فهم ﴿ يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك ﴾ إنا مبتدأ والجملة خبر وكذلك في محل النصب على المصدرية أي فعلا مثل ما نفعل لهؤلاء ﴿ نفعل بالمجرمين ﴾ أي بكل مشرك والمجرم هو المشرك لقوله تعالى :﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴿ ٣٥ ﴾ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:قال الله تعالى :﴿ فإنهم ﴾ الفاء للسببية يعني لما كان كلهم من الرؤساء والأتباع والكفرة والقرناء على الغي فهم ﴿ يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك ﴾ إنا مبتدأ والجملة خبر وكذلك في محل النصب على المصدرية أي فعلا مثل ما نفعل لهؤلاء ﴿ نفعل بالمجرمين ﴾ أي بكل مشرك والمجرم هو المشرك لقوله تعالى :﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴿ ٣٥ ﴾ ﴾
﴿ ويقولون ﴾ عطف على يستكبرون ﴿ أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾ يعنون النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى ردا عليهم ﴿ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ٣٧ ﴾
﴿ بل جاء ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ بالحق ﴾ أي التوحيد الذي قام عليه البرهان ﴿ وصدق المرسلين ﴾ يعني ليس هذا دعوى مصدعا بل ادعاء الأولون من الرسل وهذا يصدقهم ويطابق دعواه دعواهم
﴿ إنكم ﴾ أيها المجرمون فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ﴿ لذائقو العذاب الأليم ﴾ بالإشراك وتكذيب المرسلين
﴿ وما تجزون ﴾ جزاء إلا جزاء ﴿ إلا ما كنتم تعملون ﴾ في الدنيا من الشرك.
﴿ إلا عباد الله المخلصين{ ٤٠ ﴾ } الموحدين استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في تجزون لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عما سبق باعتبار المماثلة فإن ثوابهم يضاعف إلى سبع مائة ضعف إلى ما شاء الله والمنقطع أيضا بهذا الاعتبار.
﴿ أولئك لهم رزق معلوم { ٤١ ﴾ } خصائصه من الدوام وتمحض اللذة ولذلك فسره بقوله ﴿ فواكه ﴾ جمع فاكهة بدل أو بيان للرزق وهي ما يقصد به التلذذ دون التغذي والقوت ما يقصد به التغذي دون التلذذ والرزق يعمهما، وأهل الجنة لما كان خلقهم محفوظة عن التحلل كان أرزاقهم فواكه خالصة ﴿ وهم مكرمون ﴾ في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال بخلافها أرزاق الدنيا، الجملة عطف على الجملة أو حال أو خبر بعد خبر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:﴿ أولئك لهم رزق معلوم ﴿ ٤١ ﴾ ﴾ خصائصه من الدوام وتمحض اللذة ولذلك فسره بقوله ﴿ فواكه ﴾ جمع فاكهة بدل أو بيان للرزق وهي ما يقصد به التلذذ دون التغذي والقوت ما يقصد به التغذي دون التلذذ والرزق يعمهما، وأهل الجنة لما كان خلقهم محفوظة عن التحلل كان أرزاقهم فواكه خالصة ﴿ وهم مكرمون ﴾ في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال بخلافها أرزاق الدنيا، الجملة عطف على الجملة أو حال أو خبر بعد خبر.
﴿ في جنات النعيم ﴾ متعلق بالظرف المستقر يعني لهم رزق معلوم في جنات ليس فيها إلا النعيم أو متعلق بمكرمون أو حال من المستكن فيه أو خبر آخر لأولئك
﴿ على سرر ﴾ يحتمل الحال والخبر فيكون ﴿ متقابلين ﴾ حالا من المستكن فيه أو في مكرمون ويحتمل أن يتعلق على سرر بمتقابلين فيكون متقابلين حالا من ضمير مكرمون
﴿ يطاف عليهم بكأس ﴾ أي بإناء فيه خمر أو خمر كقول الشاعر، وكأس شربت على لذة، وعن الأخفش كل كأس في القرآن فهي الخمر، والجملة حال أو خبر ﴿ من معين ﴾.
أي خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون أو خارج من العيون وهو صفة الماء من عان الماء إذا نبع وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة
﴿ بيضاء لذة للشاربين { ٤٦ ﴾ } بخلاف خمر الدنيا فأنها كريهة عند الشرب وبيضاء ولذة صفتان لكأس، قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ووصفها بلذة للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل.
﴿ لا فيها غول ﴾ أي غائلة من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول يعني ليس فيها شيء من أنواع الفساد كما في خمر الدنيا من المفاسد من ذهاب العقل ووجع البطن والصداع والقيء والبول ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ قرأ حمزة والكسائي بكسر الزاء من الإنزاف ووافقهما حفص في الواقعة والباقون بفتح الزاء فيهما ولا خلاف في ضم الياء يقال نزف الشارب على البناء للمفعول فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله وأنزف الشارب إذا نفذ عقله أو شرابه وأصله النفاذ ونزف لازم ومتعد كذا في القاموس وأنزفت الشيء أبلغ من نزفته افرد النزف بالنفي وعطف على ما يعمه لأنه من أعظم فساده ذهاب عقله وأشد على الشارب نفاذ شرابه
﴿ وعندهم ﴾ عطف أو حال ﴿ قاصرات الطرف ﴾ أي أزواج قصرن عيونهم على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لحسنهم عندهن ﴿ عين ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هن عين أي حسان الأعين يقال رجل أعين وامرأة عيناء ورجال ونساء عين
﴿ كأنهن بيض ﴾ للنعام، أخرج ابن جرير عن أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم " العين الضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " وعنه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :﴿ كأنهم بيض مكنون { ٤٩ ﴾ } قال رقتهن كرقة الجلدة في داخل البيضة التي على القشر ﴿ مكنون ﴾ بريشة لا يصل إليه غبار والبيض جمع بيضة لعوده على لفظه، قال الحسن شبههن ببيض النعامة لأنها تكفها بريشها من الريح والغبار فلونها أبيض في صفرة ويقال هذا أحسن ألوان النساء أن يكون بيضاء بصفرة والعرب تشبهها ببيض النعامة.
﴿ فأقبل بعضهم ﴾ أي بعض أهل الجنة
﴿ على بعض يتساءلون ﴾ عما مضى عليه في الدنيا حال والجملة معطوفة على يطاف عليهم أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال الشاعر :
وما بقيت من اللذات إلا | أحاديث الكرام على المدام |
فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل والتعبير بالماضي للتأكيد
﴿ قال قائل منهم ﴾ أي من أهل الجنة بيان للتساؤل ﴿ إني كان لي قرين ﴾ في الدنيا ينكر البعث، قال مجاهد كان شيطانا، وقال الآخرون كان من الإنس، وقال مقاتل كانا أخوين، وقال الباقون كانا شريكين أحدهما كافر اسمه مطروس والآخر مؤمن اسمه يهودا وهما اللذان قص الله خبرهما في سورة الكهف ﴿ واضرب لهم مثلا رجلين ﴾
﴿ يقول أئنك من المصدقين ﴾ البعث استفهام للتوبيخ
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ﴾ مجزيون بعد البعث كرر الاستفهام لغاية الاستعباد والإنكار
﴿ قال ﴾ ذلك القائل ﴿ هل أنتم مطلعون ﴾ أي أهل النار لأريكم ذلك القرين، وقيل القائل هو الله أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأراكم ذلك القرين ولتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم، قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار
﴿ فاطلع ﴾ هذا المؤمن على أهل النار ﴿ فرآه ﴾ أي قرينه ﴿ في سواء الجحيم ﴾ أي وسطه يسمى وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه، أخرج هناد عن ابن مسعود في الآية قال فاطلع ثم التفت إلى أصحابه فقال رأيت جماجم القوم تغلي
﴿ قال تالله إن كدت لتردين { ٥٦ ﴾ } قرأ يعقوب بإثبات الياء في الحالين وورش وصلا فقط والباقون بحذفها في الحالين يعني كدت لتهلكني بالإغواء إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة
﴿ ولولا نعمة ربي ﴾ بالهداية والعصمة ﴿ لكنت من المحضرين ﴾ معك في النار
﴿ أفما نحن بميتين { ٥٨ ﴾ إلا موتتنا الأولى } يعني لسنا ممن شأنه الموت إلا التي كانت في الدنيا فالمستثنى مفرغ منصوب على المصدرية من اسم فاعل أو المعنى فما نحن نموت أبدا إلا التي كانت في الدنيا فالاستثناء منقطع والفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين والاستفهام للتقرير أي حمل المخاطب على إقرار ما كان ينكره في الدنيا بقوله :﴿ إنا لمدينون ﴾ ﴿ وما نحن بمعذبين { ٥٩ ﴾ } وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له وجاز أن يكون هذا معاودة إلى كلامه مع جلسائه تحدثا بنعمة الله وتعجبا منها وتعريضا للقرين بالتوبيخ، وقال بعضهم يقول أهل الجنة للملائكة حين تذبح الموت استبشارا أو تبجحا أفما نحن بميتين ﴿ أفما نحن بميتين { ٥٨ ﴾ إلا موتتنا الأولى } يعني لسنا ممن شأنه الموت إلا التي كانت في الدنيا فالمستثنى مفرغ منصوب على المصدرية من اسم فاعل أو المعنى فما نحن نموت أبدا إلا التي كانت في الدنيا فالاستثناء منقطع والفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين والاستفهام للتقرير أي حمل المخاطب على إقرار ما كان ينكره في الدنيا بقوله :﴿ إنا لمدينون ﴾
﴿ وما نحن بمعذبين { ٥٩ ﴾ } وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له وجاز أن يكون هذا معاودة إلى كلامه مع جلسائه تحدثا بنعمة الله وتعجبا منها وتعريضا للقرين بالتوبيخ، وقال بعضهم يقول أهل الجنة للملائكة حين تذبح الموت استبشارا أو تبجحا أفما نحن بميتين فيقول الملائكة لا فيقولون﴿ إن هذا لهو الفوز العظيم ﴾
﴿ إن هذا ﴾ الخلود في النعم ﴿ لهو الفوز العظيم ﴾ ويحتمل أن يكون هذا من كلام الله كقوله تعالى ﴿ لمثل هذا ﴾ المنزل أو لمثل هذا النعيم لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام سريعة الزوال ﴿ فليعمل العاملون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ إن هذا ﴾ الخلود في النعم ﴿ لهو الفوز العظيم ﴾ ويحتمل أن يكون هذا من كلام الله كقوله تعالى ﴿ لمثل هذا ﴾ المنزل أو لمثل هذا النعيم لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام سريعة الزوال ﴿ فليعمل العاملون ﴾.
﴿ أذلك ﴾ الذي ذكر لأهل الجنة ﴿ خير نزلا أم شجرة الزقوم ﴾ التي هي نزل أهل النار وهي شجرة مرة خبيثة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها يزقمون على أشد كراهية ومنه قولهم تزقم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة، وانتصاب نزلا على التميز والحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه الأفهام وكذلك الزقوم لأهل النار، أخرج الترمذي وصححه النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معاشهم فكيف من يكون طعامه " وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم عن أبي عمران الخولاني في شجرة الزقوم قال بلغنا أن ابن آدم لا ينهش منها نهشة إلا نهشت منه مثلها
﴿ إنا جعلناها ﴾ أي شجرة الزقوم ﴿ فتنة ﴾ أي محنة وعذابا في الآخرة أو ابتلاء في الدنيا ﴿ للظالمين ﴾ أي الكافرين كانوا يقولون كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر، وقال ابن الزبيري لصناديد قريش إن محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر فأدخله أبو جهل في بيته وقال يا جارية زقمينا فأتته بالزبد والتمر
فقال صاحبكم تزقموا هذا ما يوعدكم به محمد، وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أبو جهل زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة والنار تأكل الشجر وإنا والله ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فأنزل الله حين عجبوا أن يكون في النار شجرة ﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ٦٤ ﴾
أي قعر النار وأخرج نحوه عن السدي قال الحسن أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها
﴿ طلعها ﴾ أي ثمرها سمي طلعا لطلوعه ﴿ كأنه رءوس الشياطين ﴾ قال ابن عباس هو الشياطين بأعيانهم غيه بها لقبحه فإن الناس إذا وضعوا شيئا بغاية القبح قالوا كأنه شيطان وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها يتصور في النفس، وقال بعضهم الشياطين حيات هائلة قبيحة للنظر لها أعراف وعلها سميت لذلك، وقيل هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البوادي تسميها العرب رؤوس الشياطين
﴿ فإنهم لآكلون منها ﴾ أي من الشجرة أو من طلعها الفاء للسببية تعليل لكونه فتنة ﴿ فمالئون منها البطون ﴾ لغلبة الجوع أو الإكراه على أكلها والملأ حشو الإناء بما لا يحتمل المزيد عليه
﴿ ثم إن لهم عليها ﴾ أي على أكلها بعدما ملئوا بطونهم وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ويجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة ﴿ لشوبا ﴾ خلطا ومزجا ﴿ من حميم ﴾ متعلق بشوبا وحميم ماء حار شديدة الحرارة يعني يشربون الحميم فيصير في بطونهم شوبا له
﴿ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ﴾ قال البغوي وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم كما يورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم يدل عليه قوله تعالى :﴿ يطوفون بينها وبين حميم آن { ٤٤ ﴾ } وقرأ ابن مسعود ﴿ إن مقيلهم لإلى الجحيم ﴾.
﴿ إنهم ألفوا ﴾ أي وجدوا ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ضالين ٦٩ فهم على آثارهم يهرعون ٧٠ ﴾ أي يسرعون،
الجملة في مقام التعليل أي استحقوا تلك الشدائد تقليدا للآباء في الضلال مسرعين من غير نظر وبحث
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ إنهم ألفوا ﴾ أي وجدوا ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ضالين ٦٩ فهم على آثارهم يهرعون ٧٠ ﴾ أي يسرعون،
الجملة في مقام التعليل أي استحقوا تلك الشدائد تقليدا للآباء في الضلال مسرعين من غير نظر وبحث
﴿ ولقد ضل ﴾ عطف على إنهم ألفوا ﴿ قبلهم ﴾ أي قبل مشركي مكة ﴿ أكثر الأولين ﴾ من الأمم الخالية
﴿ ولقد أرسلنا فيهم منذرين { ٧٢ ﴾ } أي أنبياء أنذروهم من العواقب
﴿ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ﴾ الاستفهام للتعجب والاستعظام والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول لانظر والغرض منه التحقيق أي كان عاقبتهم العذاب في الدنيا والآخرة
﴿ إلا عباد الله المخلصين { ٧٤ ﴾ } استثناء من مضمون الجملة السابقة أي إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله فإنهم نجوا من العذاب وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم لدينه والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم المقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا أثارهم.
ثم شرع في تفصيل القصص بعد إجمالها فقال ﴿ ولقد نادانا نوح ﴾ عطف على قوله :﴿ ولقد أرسلنا فيهم منذرين { ٧٢ ﴾ } من قبيل ذكر الخاص بعد العام يعني ولقد ضل قبلهم قوم نوح فأرسلنا فيهم نوحا منذرا فدعاهم إلى الإسلام فلم يِؤمنوا حتى أييس من إسلامهم ﴿ وأوحي إلى نوح أنه لن يِؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾ فنادانا أي دعانا بإهلاك قومه فأجبناه أحسن الإجابة ﴿ فلنعم المجيبون ﴾ أي فوالله لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف لقيام ما يدل عليه
﴿ ونجيناه ﴾ عطف على فأجبناه المقدر ﴿ وأهله من الكرب العظيم ﴾ أي من أذى قومه
﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين { ٧٧ ﴾ } يعني لم يبق لأحد من قومه من ذرية إلا لنوح، أخرج الترمذي وغيره عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين { ٧٧ ﴾ } قال : حام وسام ويافث وأخرج من وجه آخر قال :" سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم " روى الضحاك عن ابن عباس أنه لما خرج نوح من السفينة مات كل من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساؤهم، الظاهر من قصة نوح في القرآن أنه غرق في الطوفان كل من كان في الأرض إلا من آمن بنوح وركب السفينة ثم لم يبق لأحد ذرية إلا لنوح متناسلين إلى يوم القيامة، قال سعيد بن المسيب كان ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو للعرب والروم والفارس وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخوز ويأجوج ومأجوج وما هنالك يعني وما في بلاد الشرق من الهند وغير ذلك، قلت : وعندي أن نوحا لم يكن مبعوثا إلى كافة الناس فإن الإرسال إلى الناس كافة كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم بل كان مبعوثا إلى قومه خاصة فلم يؤمنوا فدعا عليهم فأهلكوا بالطوفان والمراد بالأرض في قوله تعالى :﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ﴾ أرضه المعهود فعلى هذا الحصر في هذه الآية إضافي يعني جعلنا ذريته هم الباقين من قومه
﴿ وتركنا عليه في الآخرين { ٧٨ ﴾ } من الأمم هذا الكلام ﴿ سلام على نوح في العالمين { ٧٩ ﴾ } جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليما ويقولون هذا القول، وقيل هو سلام من الله ومفعول تركنا محذوف تقديره تركنا عليه الثناء والذكر الجميل وفي العالمين متعلق بالظرف المستقر أي عليه
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٨:﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴿ ٧٨ ﴾ ﴾ من الأمم هذا الكلام ﴿ سلام على نوح في العالمين ﴿ ٧٩ ﴾ ﴾ جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليما ويقولون هذا القول، وقيل هو سلام من الله ومفعول تركنا محذوف تقديره تركنا عليه الثناء والذكر الجميل وفي العالمين متعلق بالظرف المستقر أي عليه
﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ٨٠ ﴾ } يعني إنا نجزي كل محسن جزاء كذلك الجزاء أو الذي جزينا نوحا بإبقاء الذكر الجميل والسلام قولا من رب العالمين
﴿ إنه من عبادنا المؤمنين { ٨١ ﴾ } يعني إنما جزيناه ذلك الجزاء بإيمانه وإحسانه وفيه بشارة للمحسنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ ثم أغرقنا الآخرين { ٨٢ ﴾ يعني غير المحسنين من قومه عطف على نجينا.
﴿ وإن من شيعته ﴾ عطف على قوله ﴿ إنه من عبادنا المؤمنين { ٨١ ﴾ } يعني ممن شايعه في الإيمان وأصول الدين أوفي الفروع أيضا جميعها أو أكثرها ﴿ لإبراهيم ﴾ وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وست مائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح عليهم السلام
﴿ إذ جاء ربه ﴾ يعني توجه إليه، والظرف متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني تابعه وقت مجيئه أو بمحذوف وهو أذكر ﴿ بقلب سليم ﴾ من الاشتغال بغير الله تعالى خاليا عن الغير وحبه كما يدل عليه قصة ذبح ابنه لامتثال أمر ربه.
﴿ إذ قال ﴾ بدل من إذ السابقة أو ظرف لجاء أو لسليم ﴿ لأبيه وقومه ماذا تعبدون ﴾ استفهام توبيخ، على عبادة الحجارة
﴿ أئفكا آلهة دون الله تريدون { ٨٦ ﴾ } هذا الاستفهام أيضا توبيخ بعد توبيخ آلهة مفعول به لتريدون ودون الله صفة لآلهة وإفكا مفعول له قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم عليه المفعول له لأن الأهم أن يقرر أن مبنى أمرهم على الإفك والباطل، وجاز أن يكون إفكا مفعولا به وآلهة بدل منه على أنها إفك في أنفسها مبالغة وأن يكون إفكا حالا بمعنى أفكين
﴿ فما ظنكم برب العالمين { ٨٧ ﴾ } أي بمن هو حقيق لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته أو أشركتم به غيره آمنتم من عذابه، والمعنى إنكار ما يوجب الظن فضلا عن موجب القطع الذي يصد عن عبادته أو يجوز الإشراك به أو يقضي إلا من عقابه على طريقة الإكرام وهو كالحجة على ما قبله.
﴿ فنطر ﴾ عطف على قال ﴿ نظرة في النجوم ﴾ أي في مواقعها واتصالاتها أو في علمها أو في كتابها وهذا يدل على أن النظر في علم النجوم وتعليمه وتعلمه كان جائزا في شريعته لكن صار منسوخا في شريعتنا حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد "
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس ورواه رزين وزاد " المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر " والمعنى أن ثلاثتهم في الكفر بمنزلة واحدة، ويمكن أن يقال إنما يحرم النظر في علم النجوم إذا أسند الحوادث إلى الكواكب وأما إذا أسندها إلى الله سبحانه وجعل اتصالات النجوم علامات بحسب جري عادة الله على خلق بعض الأشياء عند تلك الاتصالات كما أن الله تعالى يخلق الشفاء غالبا عند شرب الدواء ويخلق الموت عند شرب السم ويخلق أفعال العباد عند القصد المصمم منهم فلا بأس به، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما عن اقتباس علم النجوم لئلا يسند للناس الحوادث إلى الكواكب، عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال :" هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب " متفق عليه، وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا " رواه مسلم، وقد ذكر الإمام محمد الغزالي رحمه الله في كتابه المنقذ من الضلال أن علم الطب والنجوم أنزلهما الله تعالى على بعض الأنبياء ثم بقي العلمان بأيدي الكفرة، ويدل على إفادة علم النجوم علما ظنيا ﴿ مثل الطب ﴾ إخبار المنجمين فرعون بولادة موسى وزوال ملكه على يديه.
وروى البخاري في الصحيح بسنده عن الزهري " أنه كان ابن الناطور " صاحب إيليا وهرقل " أسقفا على نصارى الشام يحدث أن هرقل لما قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك " قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء وينظر في النجوم " فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة، قالوا ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فليقتل من فيهم من اليهود فبينما هو على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان بخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال هم يختتنون، فقال هرقل ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له برؤيته وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص ولم يرم بحمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي " . قال الشيخ ابن حجر رواية الزهري موصولة لابن الناطور لا معلقة، قد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أن الزهري قال لقيت ابن الناطور بدمشق في زمن عبد الملك ابن مروان وأظنه لم يتحمل عند ذلك إلا بعد أن أسلم. فإن هذا الحديث وأمثاله يدل على إفادة علم النجوم نوعا من العلم، لكن لما كان الاشتغال به موجبا لما ذكرنا من المفسدة وهو إسناد الحوادث إلى الكواكب وكان اشتغاله إضافة للأوقات لكونها غير نافعة في الدين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاشتغال به والظاهر أن الاشتغال بعلم النجوم كان جائزا في دين عيسى عليه السلام وإلا لم يشتغل به علماء النصارى والله أعلم.
ومن زعم أن علم النجوم باطل لا أصل له قال إن هذا القول من إبراهيم كان إيهاما منه، قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروها عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزم الحجة عليهم في أنها غير مستحقة للعبادة وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفراش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم زعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه وقالوا لإبراهيم تخرج غدا هنا إلى عيدنا ﴿ فقال إني سقيم { ٨٩ ﴾ }
﴿ فقال إني سقيم { ٨٩ ﴾ } قال ابن عباس أي مطعون وكانوا يفرون من الطاعون، وقال الحسن أي مريض وقال مقاتل وجع، في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منه في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا ) الحديث وذكر الثالث قوله لسارة أختي وقد مر الحديث في سورة الأنبياء، والمراد بالكذبات التعريضات والتورية، قال الضحاك معناه سأسقم، وقيل تأويله أن من في عنقه الموت سقيم ومنه ما قيل أن رجلا مات فجاءة فقالوا مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح من الموت في عنقه، وقيل أراد إني سقيم النفس لكفركم وقد ذكرنا تأويلات قوله : بل فعله كبيرهم } في سورة الأنبياء
﴿ فتولوا عنه مدبرين { ٩٠ ﴾ } إلى عيدهم فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها كما قال الله تعالى :﴿ فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ﴾
﴿ فراغ إلى آلهتهم ﴾ أي دخل عليها خفية من روغه الثعلب أصله الميل بحيلة، وقال البغوي لا يقال راغ حتى يكون صاحبه مخفيا لذهابه ومجيئه ﴿ فقال ﴾ إبراهيم استهزاء ﴿ ألا تأكلون ﴾ الطعام الذي بين أيديكم
﴿ ما لكم لا تنطقون { ٩٢ ﴾ } بجوابي حال، والعامل فيه معنى الفعل في مالكم أي ما تصنعون حال كونكم غير ناطقين
﴿ فراغ عليهم ﴾ أي مال عليهم مستخفيا والتعدية بعلى للاستعلاء ولأن المراد الميل المكروه ﴿ ضربا ﴾ منصوب على المصدرية لأن في راغ معنى ضرب أو بفعل محذوف أي فضرب ضربا ﴿ باليمين ﴾ أي بيد اليمنى لأنه أقوى من اليسار وقيل أراد به القسم الذي سبق منه وهو قوله ﴿ تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾.
﴿ فأقبلوا إليه ﴾ يعني أقبل قوم إبراهيم إليه بعدما رجعوا ورأوا أصنامهم مكسورة وسألوا عن كاسرها بقولهم ﴿ من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ﴾ وظنوا أنه هو حيث قالوا﴿ سمعنا فتى يقال له إبراهيم ﴾ ﴿ يزفون ﴾ قرأ الأعمش وحمزة بضم الياء والباقون بفتحها قيل هما لغتان والمعنى يسرعون، وقيل معنى يزفون بالضم يحملون على الزفيف يعني كان يحمل بعضهم بعضا على الإسراع
﴿ قال ﴾ إبراهيم ﴿ أتعبدون ما تنحتون ﴾ أي ما تنحتونه عن الأصنام استفهام للإنكار والتوبيخ
﴿ والله خلقكم وما تعملون{ ٩٦ ﴾ } الجملة حال من فاعل تعبدون والتقيد بالحال إنكار بعد الإنكار والظاهر أن ما مصدرية يعني والحال أن الله خلقكم وخلق أعمالكم فمالكم تتركون عبادة الخالق وتؤثرون عبادة المحتاج إليكم فهذه الآية حجة لنا على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقالت المعتزلة ما موصولة والمعنى خلقكم وما تعملونه من الأصنام فأن جوهرها بخلقه تعالى وشكلها وإن كان بفعلهم ﴿ ولذلك جعل من أعمالهم ﴾ في إقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه من الدواعي والعدد أو مصدرية والمعنى عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون، قلنا الوجه هو الأول لأن الأخيرين يقتضي الحذف والمجاز ولاشك أن معمولهم ليس إلا الشكل دون جوهر الأصنام وعلى التأويلين الأخيرين أيضا يثبت أن الشكل مخلوق لله تعالى، ومعمول أي مكسوب للعباد وهو المقصود
﴿ قالوا ﴾ فيما بينهم لما عجزوا عن المحاجة ﴿ ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ﴾ أي في النار الشديدة التأجج كذا في القاموس، واللام بدل الإضافة والجملة معطوفة على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض تقديره فاملئوه حطبا واضربوه بالنار فإذا التهب ألقوه في الجحيم قال مقاتل بنوا له حائطا من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملئوه من الحطب وأوقدوا فيها
﴿ فأرادوا به ﴾ أي بإبراهيم عليه السلام ﴿ كيدا ﴾ أي شرا وهو أن يحرقوه كيلا يظهر عجزهم للعامة فطرحوه فيها موثقا يداه ورجلاه ﴿ فجعلناهم الأسفلين ﴾ أي الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا واضحا على علو شأنه، حيث جعل النار عليه بردا وسلاما ولم يحرق منه الأوثاق وكان ذلك بأرض بابل في زمن نمرود الجبار.
﴿ وقال ﴾ إبراهيم حين خرج من النار سالما ولم يؤمنوا به ﴿ إني ذاهب إلى ربي ﴾ يعني أهجر دار الكفر، وأذهب إلى حيث أتجرد فيه بعبادة ربي ﴿ سيهدين ﴾ عطف على ما يفهم من قوله فجعلناهم الأسفلين يعني خرج من النار سالما
﴿ رب هب لي من الصالحين ﴾ إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصد قصدته حيث أمرني ربي وهو الشام، وحينئذ فر إبراهيم هاربا مع سارة من أرض بابل من خوف نمرود وكانت سارة من أجمل نساء عصرها ومر بحدود مصر، وفرعونها يومئذ صادف بن صادف، وفي شرح البخاري لابن الملقن اسمه سنان بن علوان أخو الضحاك وقيل اسمه عمرو بن امرؤ القيس فغصب سارة من إبراهيم فحمل صادف الجبار سارة إلى قصره وجعل الله الجدر والستور لإبراهيم كقشر البيضة ينظر إليها كيلا يقيد قلبه إليها وكان رجلا غيورا، فلما هم بها زلزل القصر فلم يدر أن ذلك من أجلها فتحول إلى القصر الثاني فزلزل به فتحول إلى القصر الثالث فزلزل به فقالت سارة هذا من إلى إبراهيم رد إليه امرأته، وفي رواية فلما مد يده إليها شلت يده فاستغاث صادف بسارة وطلب الدعاء فدعت سارة فعادت اليد كما كانت فمد يده إليها ثانية فصارت مشلولة فطلب الدعاء منها ثانيا وعهد أن لا يفعل لهذا الفعل فدعت سارة فمد يده إليها ثالثة فشلت يده ثالثا وحلف إن عوفي أن لا يفعل أبدا فدعت سارة فصحت يده وروى أحمد في مسنده والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " بينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه ؟ قال أختي فأتى سارة، فقال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق ثم تناولها ثانيا فأخذ مثلها أو أشد فقال : ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق فدعا بعض حجبته فقال إنك لم تأتيني بإنسان إنما أتيتني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومئ بيده مهيم قالت رد الله كيد الفاجر في نحره وأخدمني هاجر " وفي المواهب اللدنية أن في رواية صارت يد صادف مغلولة حين مدها إلى سارة، فاستغاث صادف بإبراهيم عليه السلام فدعا إبراهيم فأطلق الله يده فأعطاه هاجر أم إسماعيل عليه السلام وقال لا سبيل لي إلى سارة بعد وكانت هاجر أمينة وخازنة وجليسة وقال حين وهبها ما أجرك الخطاب لإبراهيم إن وهبها له أو لسارة إن وهبها لها فسميت هاجر من ذلك ثم وهبها إبراهيم لسارة طلبا لرضاها فلم تلد سارة قبل ولادة إسماعيل وظنت بها العقم وقال لإبراهيم إن هاجر امرأة مرغوبة فقد وهبتها لك لعله يكون لك منها ولد فوطئها فولدت إسماعيل عليه السلام.
قلت : وذلك حين دعا إبراهيم ربه وقال ﴿ رب هب لي من الصالحين { ١٠٠ ﴾ } أي وهب لي ولدا كائنا من الصالحين، قال مقاتل لما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد.
﴿ فبشرناه بغلام حليم ١٠١ ﴾ يعني ذا عقل كذا في القاموس، يعني إسماعيل عليه السلام وهو الصحيح وإليه ذهب ابن عمر، وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرطبي والكلبي وهو رواية عن عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدي إسماعيل، وأخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعيد عن أبيه أنه كانت سارة تحت إبراهيم فمكثت عنده دهرا لا يرزق ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة وقد ذكرنا القصة في سورة إبراهيم، ثم جاء إبراهيم بها وبإسماعيل بمكة وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت كذا في البخاري وذكرنا حديث البخاري أيضا في سورة إبراهيم، وقالت اليهود والنصارى الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه هو إسحاق وهذا كذب منهم. قال البغوي قال محمد بن كعب القرظي سأل عمر بن عبد العزيز رجلا من علماء اليهود ( وحسن إسلامه ) أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال إسماعيل ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود يعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم يا معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله بذبحه، ويزعمون أنه إسحاق بن إبراهيم ومن الدليل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في يدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج، أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن امرأة من بني سليم عن عثمان بن طلحة أنه كان قرنا الكبش معلقين بالكعبة وقال البغوي قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة، وقال ابن عباس والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش تعلق بقرنيه وميزاب الكعبة قد وحش يعني يبس، قال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسماعيل أو إسحاق قال يا أصمع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة إنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه، قال البغوي وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت وقول البغوي هذا كناية عن أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب شيء إذ لو صح أحدهما لم يعتد بقول آخر، وما ذكر البغوي أنه ذهب من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس ومن التابعين وأتباعهم كعب الأحباري وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي وهو رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس إلى أنه إسحاق، وقال سعيد بن جبير أدى إبراهيم ذبح إسحاق بالشام فصار به مسيرة شهر في غدوة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى فلما أمره الله بذبح الكبش وذبحه سار به مسيرة شهر في روحة واحدة فطويت له الأودية والجبال، فلعل من قال منهم هذا القول اعتمد على أخبار اليهود والله أعلم.
والدليل على كون إسماعيل مأمورا بذبحه أنه هو المولود أولا بعد الهجرة إلى الشام إجماعا وقد عطف الله قوله ﴿ فبشرناه بغلام حليم { ١٠١ ﴾ } على قوله ﴿ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين { ٩٩ ﴾ } بالفاء الموضوع للتعقيب بلا تراخ وأما إسحاق فقد ولد بعد ذلك بتراخ والمأمور بذبحه إنما هو ذلك المبشر به لما بلغ معه السعي، ولأن البشارة بإسحاق بعد ذلك معطوفة على البشارة بهذا الغلام فهو غير، ذلك دليل واضح على أنه غيره لا يقال إن البشارة التي بعد ذلك المعطوفة إنما هي بشارة بنبوة إسحاق لا بولادته كما قيل بشر إبراهيم بإسحاق مرتين مرة بولادته ومرة بنبوته لأنه خلاف ظاهر الآية فإن الله تعالى قال :﴿ وبشرناه بإسحاق نبيا ومن الصالحين { ١١٢ ﴾ } يعني بشرناه بنفس إسحاق حال كونه مقضيا بالنبوة والصلاح ولم يقل بشرناه بنبوة إسحاق وصلاحه والصرف عن الظاهر لا يجوز بلا ضرورة، ولأن سارة لما بشرت بإسحاق بشرت معه بيعقوب ولدا منه حيث قال الله تعالى :﴿ فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ فلا يتصور الأمر بذبحه مراهقا قبل ولادة يعقوب.
﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ عطف على جملة محذوفة تقديره فولد الغلام فلما بلغ معه السعي أي بلغ أن يسعى معه في أعماله ويعينه، وقال الكلبي يعني العمل لله وهو قول الحسن ومقاتل بن حبان وابن زيد قالوا هو العبادة، وقال ابن عباس وقتادة لما بلغ أن يسعى إلى الجبل معه وقال مجاهد عن ابن عباس يعني أنه شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم، قيل كان سنة ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين، والظرف أعني معه متعلق بمحذوف دل عليه السعي لا به لأن صلة المصدر لا يتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معا كأنه قال فلما بلغ السعي فقيل مع من فقيل مع كذا قيل، والأولى أن يقال أنه ظرف مستقر حال من السعي ﴿ قال يا بني ﴾ قرأ حفص بفتح الياء ﴿ إني أرى في المنام أني أذبحك ﴾ يحتمل أنه رأى ذلك ويحتمل أنه رأى ما هو تعبيره، قال محمد ابن إسحاق كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام أن يذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له أن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فمن ثم سمي عرفة كذا أخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال ابن إسحاق وغيره فلما أمر إبراهيم بذبح ابنه قال لابنه خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر به، قال مقاتل رأى في المنام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه إني أرى في المنام أني أذبحك وقال السدي لما دعا إبراهيم فقال ﴿ رب هب لي من الصالحين ١٠٠ ﴾ } وبشر به قال هو إذا لله ذبيح فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له يعني من الله أوفي بنذرك هذا هو السبب في أمر الله بذبح ابنه، وهذا القول ينافي الابتلاء، قال البغوي إنه قال إبراهيم لإسماعيل إنطلق نقرب قربانا لله عز وجل فأخذ سكينا وحبلا فانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال الغلام يا أبت أين قربانك قال :﴿ يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وبفتح ياء المتكلم في إني أرى وإني أذبحك والباقون بإسكانها فيهما ﴿ فانظر ماذا ترى ﴾ قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء من الأفعال من الرأي لا من الرؤية أي ماذا تشير وإنما استشارة ليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته والباقون بفتح التاء والراء وأبو عمرو يميل فتحة الراء ﴿ قال ﴾ إسماعيل ﴿ يا أبت افعل ما تؤمر ﴾ أي ما تؤمر به فحذفا دفعة أو على الترتيب أو افعل أمرك أي مأمورك والإضافة إلى المأمور، وهذا يدل على أن رؤيا الأنبياء وحي واجب الامتثال وقد روى عبد بن حميد عن قتادة أن رؤيا الأنبياء وحي، وروى البخاري في الصحيح عن أبي سعيد الخدري ومسلم عن ابن عمر وأبي هريرة وأحمد وابن ماجه عن أبي رزين والطبراني عن ابن مسعود مرفوعا " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ، ولا شك أن رؤيا الأنبياء كلها صالحة لا يحتمل الفساد وأما رؤيا غيرهم فمنها صالحة ومنها دون ذلك ﴿ ستجدني ﴾ قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ إن شاء الله من الصابرين ﴾ على الذبح.
﴿ فلما أسلما ﴾ أي استسلما وانقادا وخضعا لأمر الله، وقال قتادة أي أسلم إبراهيم ابنه وأسلم ابنه نفسه ﴿ وتله ﴾ أي صرعه على الأرض ﴿ للجبين ﴾ قال ابن عباس أضجعه على جنبه على الأرض والجبهة بين الجنبين وكان ذلك عند الصخرة بمنى أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس، وأخرج البغوي عن عطاء ابن السائب عن رجل من قريش عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بالمنحر الذي ينحر فيه اليوم، قال البغوي قالوا قال له ابنه يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب وأكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها، قال إبراهيم عليهما السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما قال له ابنه ثم أقبل عليه وقبله وربطه وهو يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم يحك السكين وروي أنه كان يمر الشفرة على حلقه ولا يقطع فشحذه مرتين أو ثلاثا بالحجر كل ذلك لا يقطع، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم يقطع وضرب الله على حلقه صفحة من نحاس، قالوا فقال الابن عند ذلك يا أبت كبني لوجهي على جنبي فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين، وأخرج عبد بن الحميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا أن إبراهيم كبه على وجهه.
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله لما أراد إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان لئن لن أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل الشيطان رجلا فأتى أم الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قال ذهبا يحتطبان من هذا الشعب، قال لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قال لا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك قال إنه يزعم أن الله أمره بذلك، قالت فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على أثر أبيه فقال يا غلام هل تدري أين ذهب بك أبوك ؟ قال نحتطب لأهلنا من هذا الشعب، قال لا والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال ولم ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك، قال فليفعل ما أمر به ربه سمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم، فقال له أين تريد أيها الشيخ ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لما فيه، قال والله إني لأرى أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه إبراهيم، فقال إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه ولم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد وامتنعوا منه بعون الله عز وجل.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر سابقة فسبقه إبراهيم ثم ذهب الجمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل وتله للحبين.
﴿ وناديناه ﴾ قال البغوي الواو زائدة وناديناه جواب لما، وقال البيضاوي جواب لما محذوف تقديره كان ما كان، فما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب الجزيل إلى غير ذلك، قلت : وجاز أن يكون الواو للعطف على جواب لما المحذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين منعنا عنه الذبح وناديناه ﴿ أن يا إبراهيم ﴾ أن مفسرة ﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ حيث أتيت من الفعل ما كان مقدورا لك والمطلوب من التكليف والابتلاء هو الإتيان بالمقدور لا غير،
وقيل كان رأى في المنام معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم وعلى هذا ﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ حقيقة في معناه وعلى الأول مجاز، فإن قيل على التقدير الثالث ألم يكن ذبح الولد عليه واجبا وإنما كان الواجب عليه معالجة أسباب الذبح فما معنى قوله ﴿ وفديناه ﴾ فإن الفداء لا يتصور إلا بعد الوجوب ؟ قلنا على التقدير الثاني إذا كان معالجة الذبح واجبا أصالة صار الذبح واجبا دلالة لكونه لازما له عادة فصح إطلاق الفداء عليه وهذا نسخ للحكم قبل القدرة على إتيانه ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ١٠٥ ﴾ } تعليل لفرج تلك الشدة عنهما بإحسانهما يعني إنا نجزي المحسنين بإحسانهم جزاء ما جزينا إبراهيم، وعفوناه عن ذبح الولد مع ما أعطيناه من الثواب العظيم وفضلناه به على العالمين
﴿ إن هذا ﴾ أي الأمر بتذبيح ابنه ﴿ لهو البلاء المبين ﴾ أي الاختيار الظاهر الذي به يتبين المخلص من غيره أو المحنة والصعوبة البينة فإنه لا أصعب منها، وقيل المراد بالبلاء هو النعمة وهي أن فدى ابنه بالكبش.
﴿ وفديناه بذبح ﴾ عطف على نادينا، روي أنه لما سمع إبراهيم النداء نظر إلى السماء فإذا هو بجبرائيل ومعه كبش أملح أقرن وقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبرئيل وكبر الكبش وكبر إبراهيم وكبر ابنه فأخذ إبراهيم الكبش وأتى المنحر من منى فذبحه والفادي على الحقيقة إبراهيم، وإنما قال وفديناه لأنه المعطى له والأمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ﴿ عظيم ﴾ أي عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر في الثواب، وقال الحسين بن الفضل لأنه كان من عند الله، قال سعيد بن جبير حق له أن يكون عظيما، وقال مجاهد سماه عظيما لأنه متقبل، قال البغوي قال أكثر المفسرين كان ذلك في الجنة أربعين خريفا وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي كان قربه ابن آدم هابيل. استدل الحنفية بهذه الآية على أنه من نذر بذبح ولده لزمه ذبح شاة، قال البيضاوي وليس فيها ما يدل عليه، قلت : قد ذكرنا المسألة في سورة الحج في تفسير قوله تعالى :﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ وذكرنا أن القياس يقتضي أن لا يلزمه شيء لأنه نذر بالمعصية وبه قال أبو يوسف لكن استحسن أبو حنيفة أنه يلزمه شاة لأن الحقيقة إذا كانت مهجورة شرعا تعين المجاز فلما نذر بذبح الولد حملناه على التزامه بدل أعني الشاة بدليل هذه الآية حيث جعل الله تعالى كبشا فداء لابن إبراهيم عليهما السلام وبه أفتى ابن عباس كما ذكرنا هناك
﴿ وتركنا عليه ﴾ أي على إبراهيم عطف على صدر القصة يعني ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾ وجاز أن يكون عطفا على فديناه ﴿ في الآخرين ﴾ من الأمم الثناء والذكر حذف المفعول لدلالة سياق الكلام وجاز أن يكون قوله ﴿ سلام على إبراهيم { ١٠٩ ﴾ } بتقدير هذا القول مفعولا لتركنا ﴿ كذلك نجزي المحسنين ﴾ تعليل للسلام ولعله طرح عنه إنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ وتركنا عليه ﴾ أي على إبراهيم عطف على صدر القصة يعني ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾ وجاز أن يكون عطفا على فديناه ﴿ في الآخرين ﴾ من الأمم الثناء والذكر حذف المفعول لدلالة سياق الكلام وجاز أن يكون قوله ﴿ سلام على إبراهيم ﴿ ١٠٩ ﴾ ﴾ بتقدير هذا القول مفعولا لتركنا ﴿ كذلك نجزي المحسنين ﴾ تعليل للسلام ولعله طرح عنه إنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ وتركنا عليه ﴾ أي على إبراهيم عطف على صدر القصة يعني ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾ وجاز أن يكون عطفا على فديناه ﴿ في الآخرين ﴾ من الأمم الثناء والذكر حذف المفعول لدلالة سياق الكلام وجاز أن يكون قوله ﴿ سلام على إبراهيم ﴿ ١٠٩ ﴾ ﴾ بتقدير هذا القول مفعولا لتركنا ﴿ كذلك نجزي المحسنين ﴾ تعليل للسلام ولعله طرح عنه إنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة
﴿ إنه من عبادنا المؤمنين ١١١ وبشرناه بإسحاق ﴾ أي بأن نهب لك ولذلك سمى إسحاق ﴿ نبيا ﴾ أي مقضيا نبوته مقدرا ﴿ من الصالحين ﴾ وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا يقدح فيه عدم المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال فلا حاجة إلى تقدير المضاف يجعل عاملا فيهما مثل وبشرناه بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحاق نبيا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله تعالى :﴿ فادخلوها خالدين ﴾ فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحه حيث ما يوجد، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة ثناء عليه وتعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها
لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١١:﴿ إنه من عبادنا المؤمنين ١١١ وبشرناه بإسحاق ﴾ أي بأن نهب لك ولذلك سمى إسحاق ﴿ نبيا ﴾ أي مقضيا نبوته مقدرا ﴿ من الصالحين ﴾ وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا يقدح فيه عدم المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال فلا حاجة إلى تقدير المضاف يجعل عاملا فيهما مثل وبشرناه بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحاق نبيا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله تعالى :﴿ فادخلوها خالدين ﴾ فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحه حيث ما يوجد، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة ثناء عليه وتعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها
لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق
﴿ وباركنا عليه ﴾ أي أفضيا بركات الدين والدنيا عليه، وقيل باركنا أي على إبراهيم في أولاده ﴿ وعلى إسحاق ﴾ بكون ألف نبي من نسله أولهم يعقوب وآخرهم عيسى ﴿ ومن ذريتهما محسن ﴾ في عمله أو على نفسه بالإيمان والطاعة ﴿ وظالم لنفسه ﴾ بالكفر والمعاصي ﴿ مبين ﴾ ظاهر ظلمه وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يضرهما.
﴿ ولقد مننا ﴾ أنعمنا بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية ﴿ على موسى وهارون ﴾ عطف على ﴿ ولقد نادانا نوح ﴾ وبينهما معترضات
﴿ ونجيناهما وقومهما ﴾ بني إسرائيل ﴿ من الكرب العظيم ﴾ أي من فرعون يسومهم سوء العذاب وقيل من الغرق
﴿ ونصرناهم ﴾ يعني موسى وقومه ﴿ فكانوا هم الغالبين ﴾ على فرعون وقومه
﴿ وآتيناهما الكتاب ﴾ أي التوراة ﴿ المستبين ﴾ البالغ في بيان أحكام الله وشرائعه
﴿ وهديناهما الصراط المستقيم١١٨ ﴾ الطريق الموصل إلى الحق والصواب لمن يسلكه
﴿ وتركنا عليهما في الآخرين ١١٩ ﴾ سبق مثل ذلك.
﴿ سلام على موسى وهارون ١٢٠ ﴾ سبق مثل ذلك.
﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ١٢١ ﴾ سبق مثل ذلك.
﴿ إنهما من عبادنا المؤمنين ١٢٢ ﴾ سبق مثل ذلك.
﴿ وإن إلياس ﴾ قرأ ابن ذكوان برواية النقاش عن الأخفش بحذف الهمزة والباقون بتحقيقها ﴿ لمن المرسلين ﴾ عطف على ﴿ ولقد مننا ﴾ روى عن عبد الله بن مسعود قال إلياس هو الإدريس وفي مصحفه إن إدريس لمن المرسلين وهذا قول عكرمة وقال الآخرون هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس هو ابن عم اليسع، وقال محمد بن إسحاق هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران عليه السلام، وقال أيضا محمد بن إسحاق والعلماء من أصحاب الأخبار لما قبض الله عز وجل قبله نبيا عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وظهر الشرك ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله فبعث الله إليهم إلياس نبيا وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة، وبنوا إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فاحل سبطا منهم بعلبك ونواحيها وهم الذين كان منهم إلياس فبعثه الله إليهم نبيا وعليهم يومئذ ملك يقال له أجب فداخل قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام وكان يعبد صنما يقال له بعل وكان طوله عشرون ذراعا ولها أربعة وجوه، فجعل إلياس يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وهم لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من أمر الملك فإنه صدقه وآمن به فكان إلياس يقوم أمره ويسدده ويرشده، وكانت لأجب امرأة يقال لها إزبيل فكان يستخلفها على رعيته إذا كان غائبا في غزاة وغيرها وكانت تبرز وتقضي للناس وكانت قتالة للأنبياء ويقال هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام – وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلاث مائة نبي كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم وكانت في نفسها غير محصنة وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل وقتلت كلهم بالإغتيال وكانت معمرة يقال أنها ولدت سبعين ولدا.
وكان لأجب هذا جار رجل صالح يقال له مزدكي وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيهالا ويأكلان ويشربان ويغسلان فيها وكان أجب الملك يحسن جوار صاحبه مزدكي، ويحسن إليه وامرأته إزبيل تحسده لأجل تلك الجنينة وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال أن تقتله والملك ينهاها من ذلك فلم تجد إليه سبيلا، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد فطالت غيبته فاغتنمت امرأته إزبيل وأمرت رجالا يشهدوا على مزدكي أنه سب زوجها أجب فأجابوها إليه وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سب الملك، فأقامت عليه البنية وأحضرت مزدكي وقالت بلغني أنك شتمت الملك فأنكر المزدكي وأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فأمرت بقتله وأخذت جنينته فغضب الله عز وجل عليهم للعبد الصالح، فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال ما أحسنت ولا أرانا نفلح بعده فقد جاورنا منذ زمان وأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت أمره بأسوء الجوار قالت إنما غضبت لك وحكمت بحكمك، فقال لها ما كان يسعه حلمك فتحفظين له جواره قالت قد كانت ما كانت، فبعث الله إلياس إلى أجب الملك وقومه فأمره أن يخبرهم أن الله قد غضب لوليه حين قتلوه ظلما وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ولم يرد الجنينة إلى ورثة المزدكي أن يهلكهما يعني أجب وامرأته في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى يتعرى عظامهما من لحومهما ولا يتمتعان بهما إلا قليلا، قال فجاء إلياس فأخبره بما أوحى الله إليه في أمره وأمر امرأته برد الجنينة فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ثم قال له يا إلياس ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا وما أرى فلانا وفلانا " سمى ملوكا منهم " قد عبدوا الأوثان إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويتنعمون مملكين ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل وما نرى لنا عليهم من فضل، قال وهم الملك بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس الشر رفضه وخرج عنه ولحق بشواهق الجبال وعاد الملك إلى عبادة البعل وارتقى إلياس على أصعب جبل وأشمخه فدخل مغارة فيه يقال أنه بقي سبع سنين شريدا خائفا يأوي إلى الشعاب والكهوف يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون والله يستره، فلما تم سبع سنين أذن الله في إظهاره وشفاء غيظه منهم فأمرض الله عز وجل إبنا لأجب وكان ذلك أحب ولده إليه وأشبههم به فادنف حتى يئس منه فدعا صنمه بعلا وكانوا قد فتنوا ببعل وعظموه حتى جهلوا له أربع مائة سادن، فوكلوهم به وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل في جوف الصنم فيتكلم والأربع مائة يصغون بأذانهم إلى ما يقول الشيطان ويوسوس إليهم الشيطان بشريعة من الضلال فيبينونها للناس بها ويسمونهم أنبياء، فلما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم الملك أن يتشفعوا إلى بعل ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء فدعوه فلم يجبهم ومنع الله الشيطان فلم يمكنه الولوج في جوفه وهم مجتهدون في التضرع إليه، فلما طال عليهم ذلك قالوا لأجب إن في ناحية الشام آلهة أخرى فابعث إليها أنبياءك فلعلها تشفع لك إلى إلهك بعل فإنه غضبان عليك ولولا غضبه عليك لأجابك، قال ومن أجل ماذا غضب علي وأنا أطيعه قالوا من أجل أنك لم تقتل إلياس وفرطت فيه حتى نجا سليما وهو كافر بإلهك، قال أجب وكيف لي أن اقتل إلياس وأنا مشغول عن طلبه لوجع ابني وليس لإلياس مطلب ولا يعرف له موضع فيقصد فلو عوفي ابني لفرغت لطلبه حتى أجده فأقتله فأرضي إلهي، ثم إنه بعث أنبياءه الربع مائة إلى الآلهة التي بالشام يسألونها أن تشفع إلى صنم الملك يشفي ابنه فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيال الجبل الذي فيه إلياس أوحى الله إليه أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويكلمهم وقال له لا تخف فإني سأصرف عنك شرهم وألقي الرعب في قلوبهم، فنزل إلياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا قال لهم إن الله عز وجل أرسلني إليكم وعلى من ورائكم فاستمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا إليه وقولوا إن الله يقول ألست تعلم يا أجب إني أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم وقلة عملك حملك على أن تشرك بي وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا ما شئت إني حلفت باسمي لأغضبك في ابنك ولأميتنه في فوره غدا حتى تعلم أن أحدا لا يملك له شيئا دوني، فلما قال لهم هذا رجعوا وقد ملئوا منه رعبا، فلما صاروا إلى الملك أخبروه بأن إلياس قد انحط عليهم وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره واقشعر جلده عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره بخلال فاستوقفنا فلما صار معنا قذف له في قلوبنا الهيبة والرعب وانقطعت ألسنتنا ونحن في هذا العدد الكثير فلم نقدر أن نكلمه ونراجعه، حتى رجعنا إليك وقصوا عليه كلام إلياس.
فقال أجب لا ننتفع بالحياة ما كان إلياس حيا ولا يطاق إلا بالمكر والخديعة فقيض له خمسين رجلا من قومه ذوي القوة والبأس وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال له وأن يطمعوه في أنهم آمنوا به هم ومن وراءهم ليستنيهم إليهم ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم فانطلقوا حتى ارتفعوا ذلك الجبل الذي يسكن فيه إلياس ثم تفرقوا ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون يا نبي الله أبرز إلينا وامتن علينا بنفسك فإنا قد آمنا بك وصدقناك وملكنا أجب وجميع الناس وأنت آمن على نفسك وجميع بني إسرائيل يقرؤون عليك السلام ويقولون قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت فآمنا بك وأجبناك إلى ما دعوتنا فهلم إلينا فأقم بين أظهرنا واحكم فينا فننقاد لما أمرتنا وننتهي عما نهيتنا.
وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا بك وطاعتنا فأرجع إلينا، وكل هذا منهم مما كرة وخديعة فلما سمع إلياس مقالتهم وقع في قلبه وطمع في إيمانهم وخاف الله إن هو لم يظهر لهم فألهمه الله التوقف والدعاء فقال اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا أجمعين، قال فبلغ أجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء واحتال ثانيا في أمر إلياس وقيض إليه فئة أخرى مثل عددهم أولئك أقوى منهم وأمكن في الحيلة والرأي فأقبلوا حتى توقلوا قلل الجبال متفرقين وجعلوا ينادون يا نبي الله إنا نعوذ بالله بك من غضب الله وسطواته أنا لسنا كالذين أتوك قبلنا وإن أولئك فرقة نافقوا فصاروا إليك ليكيدوا من غير رأينا ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم فالآن قد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم وانتقم لنا ولك منهم، فلما سمع إلياس مقالتهم دعى الله بدعوته الأولى فأمطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه.
فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا ازداد غضبا إلى غضب وأراد أن يخرج إلى طلب بإلياس بنفسه إلا أنه شغله من ذلك مرض ابنه فلم يمكنه فوجه نحو إلياس المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه واظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءا وإنما أظهر له لما أطلع عليه من إيمانه وكان الملك مع إطلاعه على إيمانه مثنيا عليها هو عليه من الكفاية والأمانة وسداد الرأي، فلما وجهه نحوه أرسل معه فئة وأوغر إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوه به إن أراد التخلف عنهم وإن جاء مع الكاتب وأثقابه لم يروعوه ثم اظهر مع الكاتب الإنابة وقد قال له أنه قد آن لي وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني وقد عرفت أن ذلك بدعوى إلياس ولست آمنا أن يدعوا على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته فانطلق إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا وأنه لا يأمرنا وينهانا ويخبرنا بما يرضي ربنا وأمر قومه فاعتزلوا وقالوا له أخبر إلياس أنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد أرخينا أمرها حتى ينزل إلياس فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها وكان ذلك مكرا من الملك، فانطلق الكاتب والفئة حتى علا الجبل الذي فيه إلياس ثم ناداه فعرف إلياس صوته فتاقت نفسه إليه وكان مشتاقا إلى لقائه فأوحى الله إليه أن أبرز إلى أخيك الصالح فالقه وجدد العهد به فبرز إليه وسلم عليه وصافحه فقال له ما الخبر فقال له المؤمن أنه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغي وقومه ثم قص عليه ما قالوا، ثم قال له وإني خائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني فمرني بما شئت أفعله إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته وإن شئت جاهدته معك وإن شئت ترسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك وإن شئت دعوت ربك أن يجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا، فأوحى الله إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم مكر وخديعة وكذب ليظفروا بك وأن أجب الملك إن أخبرته رسله إنك لقد لفيت لهذا الرجل ولم يأت بك اتهمه وعرف أنه قد واهن في أمرك فلم يؤمن أن يقتله، فانطلق معه وإني سأشغل عنكما أجب فأضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له هم غيره ثم أميته على شر حال فإذا مات هو فأرجع منه، قال فانطلق معهم حتى قدموا على أجب فلما قدموا شدد الله الوجع على ابنه وأخذ الموت بكظمه فشغل الله بذلك أجب وأصحابه عن إلياس فرجع إلياس سالما إلى مكانه، فلما مات ابن أجب وفرغوا من أمره وقل جزعه انتبه لإلياس وسأل عنه الكاتب الذي جاء به فقال ليس لي به شغ
﴿ إذ قال لقومه ألا تتقون { ١٢٤ ﴾ } عذاب الله
﴿ أتدعون ﴾ تعبدون ﴿ بعلا ﴾ اسم صنم كانوا يعبدونها سميت بها مدينتهم بعلبك، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة البعل الرب بلغة أهل اليمن ﴿ وتذرون أحسن الخالقين ﴾ فلا تعبدونه وجملة أتدعون إلى آخره بيان أو بدل لما قبله
﴿ الله ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب على البدل والباقون بالرفع على الاستئناف
﴿ فكذبوه فإنهم لمحضرون { ١٢٧ ﴾ } في العذاب وإنما أطلق اكتفاء بالقرينة أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا
﴿ إلا عباد الله المخلصين { ١٢٨ ﴾ } مستثنى من فاعل كذبوه من المحضرين لفساد المعنى وقيل استثناء منقطع أو متصل من المحضرين إن كان المحضرين من قبيل توصيف الكل بوصف البعض كما في قوله تعالى :﴿ أيتها العير إنكم لسارقون ﴾ فحينئذ يكون شاملا للمستثنى منه
﴿ وتركنا عليه في الآخرين ١٢٩ سلام على آل ياسين { ١٣٠ ﴾ لغة في إلياس كسيناء وسينين وإسماعيل وسمعين وميكائيل وميكائين، وقال الفراء هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعريين والأعجبين بالتخفيف لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام، وقرأ نافع وابن عامر آل ياسين بفتح الهمزة مشبعة وكسر اللام مقطوعة لأنها في المصحف مفصولة فيكون ياسين أبا إلياس وجاز أن يكون ياسين اسما لإلياس والمراد بآل ياسين هو وأتباعه، وما قيل إن ياسين محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو غيره من الكتب السماوية لا يناسب نظم سائر القصص وما قبله وما بعده من قوله ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ١٣١ إنه من عبادنا المؤمنين { ١٣٢ ﴾ } إذ الظاهر أن الضمير لإلياس، وفي قراءة ابن مسعود سلام على إدريسين يعني إدريس وأتباعه لأنه قرأ إن إدريس لمن المرسلين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ وتركنا عليه في الآخرين ١٢٩ سلام على آل ياسين ﴿ ١٣٠ ﴾ لغة في إلياس كسيناء وسينين وإسماعيل وسمعين وميكائيل وميكائين، وقال الفراء هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعريين والأعجبين بالتخفيف لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام، وقرأ نافع وابن عامر آل ياسين بفتح الهمزة مشبعة وكسر اللام مقطوعة لأنها في المصحف مفصولة فيكون ياسين أبا إلياس وجاز أن يكون ياسين اسما لإلياس والمراد بآل ياسين هو وأتباعه، وما قيل إن ياسين محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو غيره من الكتب السماوية لا يناسب نظم سائر القصص وما قبله وما بعده من قوله ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ١٣١ إنه من عبادنا المؤمنين { ١٣٢ ﴾ ﴾ إذ الظاهر أن الضمير لإلياس، وفي قراءة ابن مسعود سلام على إدريسين يعني إدريس وأتباعه لأنه قرأ إن إدريس لمن المرسلين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ وتركنا عليه في الآخرين ١٢٩ سلام على آل ياسين ﴿ ١٣٠ ﴾ لغة في إلياس كسيناء وسينين وإسماعيل وسمعين وميكائيل وميكائين، وقال الفراء هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعريين والأعجبين بالتخفيف لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام، وقرأ نافع وابن عامر آل ياسين بفتح الهمزة مشبعة وكسر اللام مقطوعة لأنها في المصحف مفصولة فيكون ياسين أبا إلياس وجاز أن يكون ياسين اسما لإلياس والمراد بآل ياسين هو وأتباعه، وما قيل إن ياسين محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو غيره من الكتب السماوية لا يناسب نظم سائر القصص وما قبله وما بعده من قوله ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ١٣١ إنه من عبادنا المؤمنين { ١٣٢ ﴾ ﴾ إذ الظاهر أن الضمير لإلياس، وفي قراءة ابن مسعود سلام على إدريسين يعني إدريس وأتباعه لأنه قرأ إن إدريس لمن المرسلين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ وتركنا عليه في الآخرين ١٢٩ سلام على آل ياسين ﴿ ١٣٠ ﴾ لغة في إلياس كسيناء وسينين وإسماعيل وسمعين وميكائيل وميكائين، وقال الفراء هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعريين والأعجبين بالتخفيف لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام، وقرأ نافع وابن عامر آل ياسين بفتح الهمزة مشبعة وكسر اللام مقطوعة لأنها في المصحف مفصولة فيكون ياسين أبا إلياس وجاز أن يكون ياسين اسما لإلياس والمراد بآل ياسين هو وأتباعه، وما قيل إن ياسين محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو غيره من الكتب السماوية لا يناسب نظم سائر القصص وما قبله وما بعده من قوله ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين { ١٣١ إنه من عبادنا المؤمنين { ١٣٢ ﴾ ﴾ إذ الظاهر أن الضمير لإلياس، وفي قراءة ابن مسعود سلام على إدريسين يعني إدريس وأتباعه لأنه قرأ إن إدريس لمن المرسلين.
﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ ﴾ من العذاب الذي نزل على قومه
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٣:﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ ﴾ من العذاب الذي نزل على قومه
﴿ إلا عجوزا ﴾ وهي امرأته كائنة ﴿ في الغابرين ﴾ الباقين في العذاب
﴿ ثم دمرنا ﴾ أهلكنا ﴿ الآخرين ﴾ من قومه
﴿ وإنكم ﴾ يا أهل مكة ﴿ لتمرون عليهم ﴾ أي على منازلهم في أسفاركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه ﴿ مصبحين ﴾ داخلين في الصباح
﴿ وبالليل ﴾ أو مساء أو المعنى نهارا أو ليلا ولعلها وقعت قريبا من موضع النزول فيمر المرتحل عنه صباحا والقاصد لها مساء إن كان السير نهارا أو بالعكس إن كان السير ليلا ﴿ أفلا تعقلون ﴾ يعني ألستم ذو في العقول فتعتبروا والجملة معترضة.
﴿ وإن يونس لمن المرسلين ١٣٩ إذ أبق ﴾ أي هرب وأصله هرب العبد من السيد لكن لما كان هربه من قومه بلا إذن ربه حسن إطلاقه عليه ﴿ إلى الفلك المشحون ﴾ أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاووس أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم ( يعني لما تأخر عنهم العذاب ) قبل أن يأمره الله به فركب السفينة، فوقفت فقال الملاحون ها هنا عبد أبق فاقترعوا فخرجت عليه فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء، وذكر البغوي قول ابن عباس ووهب نحوه وذكر أنهم اقترعوا ثلاثا فوقعت القرعة على يونس، قال البغوي وروي أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب وأخذ ابنه الأصغر فبقي فريدا فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فاقترعوا، وقد ذكرنا القصة في سورة يونس فذلك قوله تعالى ﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٩:﴿ وإن يونس لمن المرسلين ١٣٩ إذ أبق ﴾ أي هرب وأصله هرب العبد من السيد لكن لما كان هربه من قومه بلا إذن ربه حسن إطلاقه عليه ﴿ إلى الفلك المشحون ﴾ أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاووس أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم ( يعني لما تأخر عنهم العذاب ) قبل أن يأمره الله به فركب السفينة، فوقفت فقال الملاحون ها هنا عبد أبق فاقترعوا فخرجت عليه فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء، وذكر البغوي قول ابن عباس ووهب نحوه وذكر أنهم اقترعوا ثلاثا فوقعت القرعة على يونس، قال البغوي وروي أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب وأخذ ابنه الأصغر فبقي فريدا فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فاقترعوا، وقد ذكرنا القصة في سورة يونس فذلك قوله تعالى ﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾
﴿ فساهم ﴾ فقارع والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة ﴿ فكان من المدحضين ﴾ فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر
﴿ فالتقمه الحوت ﴾ أي أخذه لقمة ﴿ وهو مليم ﴾ أي داخل في الملامة أو آت بما يلام عليه أو مليم نفسه حال من مفعول التقمه.
﴿ فلولا أنه كان من المسبحين ﴾ قال ابن عباس من المصلين، وقال وهب من العابدين قال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملا صالحا، قال الضحاك شكر الله له طاعته القديمة، قلت : ويمكن أن يكون هو مصليا في بطن الحوت بالإشارة لكونه حيا مفيقا والأولى أن يقال ولولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت يعني ذكرا له بقوله :﴿ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ كما نطق به القرآن
﴿ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ يعني لمات في بطنه وصار له قبرا فيبقى أجزاؤه مختلطا بأجزاء الحوت حيثما كان في علم الله إلى يوم القيامة
﴿ فنبذناه ﴾ : بأن حملنا الحوت على لفظه، ﴿ بالعراء ﴾ : أي المكان الخالي مما يغطيه من الشجر ونحوه، ﴿ وهو سقيم ﴾ : كالفرخ الممعط، وقيل كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة، واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت ؟ قال البغوي قال مقاتل بن حبان ثلاثة أيام وكذا أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة، وقال البغوي قال عطاء سبعة أيام كذا أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن حبير، وقال البغوي قال الضحاك عشرين يوما، وقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان أربعين يوما كذا أخرج الحاكم عن ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك وعبد الرزاق وابن مردويه عن ابن جريج وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة، وأخرج عبد بن حميد في زوائد الزهد أنه بعض يوم، وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبغوي عن الشعبي أنه التقمه ضحى ولفظه عشية
﴿ وأنبتنا عليه ﴾ : أي فوقه مظلة، ﴿ شجرة من يقطين ﴾ : قال البغوي قال الحسن ومقاتل كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين، وقال كان ذلك اليقطين بساق على خلاف العادة انتهى. وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به، قلت : وكان قرعا تغط من أوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه كذا قال البغوي أنه قول جميع المفسرين وكذا أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة، وقال مقاتل بن حبان.
وكان يونس يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه يشرب لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنا شديدا إذ أصابه أذى الشمس فجعل يبكي فبعث الله إليه جبرئيل فقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابوا.
مسألة :
لا يجوز ذكر زلة الأنبياء فإن زلاتهم توجب كمال الإنابة إلى الله ورفع درجاتهم ومن اعترض على أحد من الأنبياء فقد كفر قال الله تعالى :﴿ لا نفرق بين أحد من رسله ﴾.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى " متفق عليه، وفي رواية للبخاري " من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " وعن أبي هريرة قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال والذي اصطفى محمدا على العالمين، وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك لطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري كان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان فيمن استثنى الله " وفي رواية " فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى " وفي رواية أبي سعيد قال :" لا تخيروا بين الأنبياء " متفق عليه، وفي رواية أبي هريرة لا تفضلوا بين أنبياء الله " فإن قيل ما المعنى والمراد بالنهي عن التفضيل بين الأنبياء مع كونه ثابتا بالنص والإجماع قال الله تعالى :﴿ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول شافع وأول مشفع " رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة وقال :" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد وقال عليه السلام " أنا قائد المرسلين ولا فخر وأنا خاتم النبيين ولا فخر وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر " رواه الدارمي عن جابر، قلت : معناه والله أعلم لا تفضلوا بين أنبياء الله بالظن والتخمين ما لم يأتكم علم من الله تعالى وأما بعدما ثبت ذلك بوحي من الله تعالى فلا بأس به، أو يقال لا تخيروا بين الأنبياء في نفس النبوة بأن تؤمنوا ببعض وتعظموه وتوقروه ولا تؤمنوا ببعض والله أعلم.
﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف ﴾ : قال البغوي قال قتادة أرسل إلى نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه وكذا أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه وعن الحسن والمعنى وقد أرسلناه إلى مائة ألف، وقيل معناه أرسلناه إليهم ثانيا بعد خروجه من بطن الحوت، وقيل إلى قوم آخرين.
﴿ أو يزيدون ﴾ : قال مقاتل والكلبي معناه بل يزيدون، وقال ابن عباس معناه ويزيدون أو بمعنى الواو كقوله تعالى :﴿ عذرا أو نذرا ﴾، وقال الزجاج أو هاهنا على أصله معناه أو يزيدون على تقديركم وظنكم كالرجل يرى قوما فيقول هؤلاء ألف أو يزيدون فالشك على تقدير المخلوقين. واختلفوا في مبلغ تلك الزيادة ؟ فقال ابن عباس ومقاتل : كانوا عشرين ألفا رواه الترمذي عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يزيدون عشرون ألفا "، وقال الحسن بضعا وثلاثين ألفا، وقال سعيد بن جبير سبعين ألفا.
﴿ فآمنوا ﴾ : يعني الذين أرسل إليهم يونس آمنوا به بعد معاينة العذاب، ﴿ فمتعناهم إلى حين ﴾ : إلى أجلهم المسمى.
﴿ فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ﴾ عطف على قوله ﴿ فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا ﴾ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا عن وجه إنكارهم البعث بأن يسألهم سؤال تقرير أي الخلقين أشد أخلقهم أم خلق غيرهم من السماء والأرض والملائكة أو من سبقهم من عاد وثمود فإذا هم أقروا بأن خلق من سبقهم أشد لزمهم الخوف ممن انتقم منهم وأهلكهم بكفرهم وهو قادر على خلق من هو أشد منهم وعلى كل خلق وقادر على البعث والتعذيب ثم جاء بما يلائمه من القصص لبعضها ببعض، ثم أمره بالسؤال عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر التجسيم وتجويز البنات على الله فإن الولادة مخصوصة بالأجسام القابلة للكون والفساد سريعا وتفضيل أنفسهم على الله حيث جعلوا أخس الصنفين لله وأشرفهم لأنفسهم واستهانتهم الملائكة باتصافهم بالأنوثة، ولذلك كرر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا وجعله مما تكاد السماوات يتفطرن من شؤم هذا القول وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا والإنكار ها هنا مقصود على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله ولأن فسادهما مما يدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل لاستفهام عن أنفسهم
﴿ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ﴾ : فيه استهزاء وإشعار بأنهم لفرط جهلهم يحكمون به كأنهم شاهدوا خلقهم.
﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ أي كذبهم الذي هو ظاهر البطلان وينفيه البرهان ﴿ ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون { ١٥٢ ﴾ عند جميع العقلاء قطعا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥١:﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ أي كذبهم الذي هو ظاهر البطلان وينفيه البرهان ﴿ ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون { ١٥٢ ﴾ عند جميع العقلاء قطعا
﴿ اصطفى البنات على البنين ﴾ : قرأ أبو جعفر بهمزة الوصل المكسورة عند الابتداء وإسقاطها في الدرج وهي رواية عن نافع إما على حذف همزة الاستفهام من اللفظ أو على الإخبار بتقدير قالوا يعني إنهم لكاذبون حيث قالوا أصطفى البنات، وقرأ العامة بهمزة مفتوحة للاستفهام داخلة على همزة الوصل إنكارا واستبعادا بتقدير يقال لهم اصطفى البنات على البنين.
﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ أن لله البنات ولكم البنين والاصطفاء أخذ صفوة الشيء والبنات أخس الصنفين.
﴿ أفلا تذكرون ﴾ عطف على محذوف تقديره أفلا تتفكرون فلا تتذكرون أنه تعالى منزه عن ذلك حذفت إحدى التائين.
﴿ أم لكم سلطان مبين ﴾ : حجة واضحة نزلت عليكم من الله تعالى بأن الملائكة بناته يعني أن أسباب العلم منحصرة في ثلاثة العقل والحس والخبر الصادق والخبر لا يفيد العلم ما لم يبتنى على الحس أو على الإعلام من الله العالم للغيب، فأنكر أولا دلالة العقل بقوله :﴿ ألربك البنات ولهم البنون ﴾ فإنه مع قيام البرهان على امتناع الولد لله سبحانه لا يجوز درك أنوثية الملائكة بالعقل الصرف ولا يجوز عاقل أن يثبت أخس الفريقين للخالق وأشرفهما للمخلوقين، وأنكر ثانيا دلالة الحس بقوله :﴿ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ﴾ يعني لم يشهدوا ذلك، وأنكر ثالثا الخبر الصادق إلى الحجة النازلة من الله العليم الخبير فإنه أعلم إفادة للعلم من غيره وأقوى فقال :﴿ أم لكم سلطان مبين ﴾ ولما كان ها هنا مظنة أن يقولوا الله علمنا بهذا كما أنهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قال ﴿ فأتوا بكتابكم ﴾.
﴿ فأتوا بكتابكم ﴾ الذي منزل من الله مخبر بأن الملائكة بناته ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ في دعواكم.
﴿ وجعلوا ﴾ : حال من الضمير المنصوب في استفتهم بتقدير قد أي استفتهم، وقد جعلوا﴿ بينه وبين الجنة نسبا ﴾ : أخرج جويبر عن ابن عباس أنه قال : نزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء قريش سليم وخزاعة وجهينة، قال مجاهد وقتادة أراد بالجنة : الملائكة سموها جنة لاجتنانهم عن الإبصار، قلت ذكرهم بهذا السم تحقيرا لشأنهم عن مرتبة البنوة لله سبحانه، وقال ابن عباس : حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله، وقال الكلبي : قالوا ( لعنهم الله ) إن الله تزوج من الجن فخرج منها الملائكة تعالى لله عن ذلك، وقال بعض قريش : إن الملائكة بنات الله، فقال أبو بكر الصديق فمن أمهاتهم ؟ قالوا : سروات الجن، كذا أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد. ﴿ ولقد علمت الجنة ﴾ : جملة معترضة، ﴿ إنهم ﴾ أي قائلي هذا القول أو الإنس مطلقا أو الجنة بمعنى يعم الملائكة وغيرهم، ﴿ لمحضرون ﴾ في النار.
﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ : أي عما يصفونه به من الولد والنسب جملة معترضة أخرى.
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ : استثناء متصل من ضمير إنهم إن أريد به ما يعم المؤمن والكافر أو منقطع إن أراد به القائلون بالولد.
﴿ فإنكم ﴾ يا أهل مكة التفات من الغيبة إلى الخطاب والفاء قيل جزائية والشرط محذوف تقديره إذا جعلتم بينه وبين الجنة نسبا. ﴿ وما تعبدون ﴾ من الأصنام.
﴿ ما أنتم عليه ﴾ : أي على الله متعلق بقوله :﴿ بفاتنين ﴾ أي بمضلين للناس بالإغواء أحدا.
﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾ في علم الله يعني من سبق لهم فما علم الله القديم الشقاوة.
﴿ وما منا ﴾ معشر الملائكة أحد ﴿ إلا له مقام معلوم ﴾ : هذه الجملة بتقدير القول معطوف على قوله تعالى :﴿ ولقد علمت الجنة ﴾، تقديره وقالت ما منا إلا له مقام معلوم في العبودية أو في السماوات يعبد الله فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أطت السماء وحق لها أن تأط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله " رواه البغوي، أو مقام معلوم في مراتب القرب لا يتجاوز عنه وكذا قال السدي إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة، وقال أبو بكر الوراق إلا له مقام معلوم يعبد الله عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضاء، قلت : وأما الإنس فلا يزال يرتقي على معارج القرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه " ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، وأما الملائكة فلا يتجاوزون عن مقاماتهم، عن زرارة بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرئيل هل رأيت ربك ؟ فانتفض جبرئيل وقال يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو دنوت من بعضها لاحترقت هكذا في المصابيح ورواه أبو نعيم في الحلية عن أنس إلا أنه لم يذكر فانتفض جبرئيل. عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله خلق إسرافيل منذ يوم خلقه صافا قدميه لا يرفع بصره بينه وبين الرب تبارك وتعالى سبعون نورا ما منها من نور يدنو منه إلا احترق " رواه الترمذي وصححه وهذه الآية رد على عابدي الملائكة نظيره قوله تعالى :﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ﴾.
﴿ وإنا ﴾ معشر الملائكة ﴿ لنحن الصافون ﴾ أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن مالك قال كان الناس يصلون متبدين فأنزل الله ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ فأمرهم أن يصفوا، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه، قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء للعبادة كصفوف الناس في الأرض يعني في الصلاة، روى مسلم عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها قال : يتمون الصفوف الأولى ويتراصون في الصف " والمعنى وإنا لنحن صافون أقدامنا في أداء الطاعة
﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ : أي المنزهون عما لا يليق به كاتخاذ الولد ونحو ذلك، وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص إنما هو للرد على من زعم أنهم بنات الله والحصر إضافي بالنسبة إلى الكفار يعني لسنا كهيئة الكفار مشركين مصغين في العبادة والتسبيح.
﴿ وإن كانوا ﴾ وإنهم يعني كفار مكة كانوا ﴿ ليقولون ﴾ قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
﴿ لو ﴾ ثبت ﴿ أن عندنا ذكرا من الأولين ﴾ أي كتابا من الكتب التي أنزلت عليهم
﴿ لكنا عباد الله المخلصين ﴾ : يعني لأخلصنا له العبادة ولم نخالف.
﴿ فكفروا به ﴾ أي بالذكر الذي هو أشرف الأذكار لما جاءهم ﴿ فسوف ﴾ الفاء للسببية فإن الكفر سبب للوعيد ﴿ يعلمون ﴾ عاقبة كفرهم وما يحل بهم من الانتقام، إن مخففة للمثقلة واللام هي فارقة وفي ذلك إيماء بأنهم كانوا يقولون مؤكدين للقول جازمين فيه فكم بين أولهم وآخرهم
بيان للكلمة ولذلك لم يعطف عليه، قلت وإنما يظهر التخلف لأجل شؤم العصيان قال الله تعالى :﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ وقال الله تعالى :﴿ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧١:بيان للكلمة ولذلك لم يعطف عليه، قلت وإنما يظهر التخلف لأجل شؤم العصيان قال الله تعالى :﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ وقال الله تعالى :﴿ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧١:بيان للكلمة ولذلك لم يعطف عليه، قلت وإنما يظهر التخلف لأجل شؤم العصيان قال الله تعالى :﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ وقال الله تعالى :﴿ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾.
﴿ فتول عنهم ﴾ : أي أعرض عنهم، ﴿ حتى حين ﴾ : قال ابن عباس يعني الموت، وقيل يوم يأتيهم العذاب في الدنيا، وقال مجاهد يوم بدر وكذا أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي، وقال البغوي قال السدي يوم يأمركم بالقتال وهو المراد بقول مقاتل نسختها آية القتال.
﴿ وأبصرهم ﴾ مغلوبا مقتولا معذبا، فيه دلالة على أنه كائن قريب كأنه قدامه ﴿ فسوف يبصرون ﴾ ما قضينا لك من التأييد والنصرة في الدنيا والثواب في الآخرة وما يحل بهم في الدارين وسوف للوعيد لا للتبعيد.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه متى نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا العذاب وأخرج جويبر عنه نحوه فنزل ﴿ أفبعذابنا يستعجلون ﴾ استفهام للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أيجهلون شأننا فبعذابنا يستعجلون
﴿ فإذا نزل ﴾ العذاب ﴿ بساحتهم ﴾ بفنائهم، قال الفراء العرب يكتفي بذكر الساحة من القوم أو المعنى إذ نزل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جيشه بساحة الكفار ﴿ فساء صباح المنذرين ﴾ أي صباحهم مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت الهجوم والغارة في الصباح عادة سموا الغارة صباحا وأن وقعت فير وقت آخر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لم يغز حتى يصبح، قال فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها فلما رأوه قالوا محمد والله والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الله أكبر خرجت خيبر إنا إذا نزلنا بساحتهم فساء صباح المنذرين " رواه البغوي، وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إليهم فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والله محمد والخميس فلجأوا إلى الحصن فلما ٍرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ".
ثم كرر الله سبحانه تأكيد الوعيد العذاب فقال ﴿ وتول عنهم حتى حين ﴾
﴿ وأبصر ﴾ العذاب إذا نزل بهم ﴿ فسوف يبصرون ﴾ فيه إطلاق بعد تقييد للإشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة.
﴿ سبحان ربك رب العزة ﴾ أي الغلبة والقوة أضاف الرب إلى العزة لاختصاصه به إذ لا عزة إلا له أولمن انتسب إليه رسوله والمؤمنون، وفيه إشعار بأن صفاته تعالى مقتضيات الذات، واجبات بالغير أي بذاته تعالى ﴿ عما يصفون ﴾ أي عما يصفونه به المشركون مما حكى في السورة وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الإشعار بالتوحيد.
﴿ وسلام على المرسلين ﴾ : الذين وصفوه على ما هو عليه وهذا تعميم للرسل بالتسليم.
﴿ والحمد لله رب العالمين ﴾ على ما هدى المؤمنين إلى معرفة ذاته وصفاته بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصرة الأنبياء وتدمير الأعداء، عن علي كرم الله وجهه أنه قال من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه :﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ﴾، رواه البغوي في تفسيره وعبد بن رنجويه في ترغيبه والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى أهل طاعته أجمعين.