تفسير سورة سورة الصافات من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
ﰡ
﴿ والصافات صفا... ﴾ أقسم الله تعالى بجماعات وطوائف ثلاث من خلقه ؛ ولله أن يقسم بما شاء، تنويها بعظم شأن المقسم به. فأقسم بالصافات أنفسها في العبادة. صلاة أو جهادا أو غيرهما، ملائكة أو أناسي أو غيرهما. فالزاجرات عن ارتكاب المعاصي بالأقوال والأفعال كائنين من كانوا. فالتاليات آيات الله إلى الناس للتعليم ونحوه كذلك. والترتيب بلقاء على سبيل الترقي في الصفات. فالأولى كمال والثانية أكمل ؛ لتعدى منفعتها. والثالثة أكمل وأكمل ؛ لتضمنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخلي عن الرذائل، والتحلي بالفضائل. ولا تدافع بين هذه الصفات ؛ فقد تجتمع كلها في جماعة واحدة... و " صفا " و " زجرا " و " ذكرا " مصادر مؤكدة، وجواب القسم
﴿ إن إلهكم لواحد ﴾. وإثبات المطالب المهمة بتقديم القسم طريقة مألوفة عند العرب. وقد عقّبه بالدليل اليقيني على وحدانيته تعالى فقال :﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق ﴾
﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق ﴾ فإن وجودها وبقاءها على هذا النمط البديع من أظهر الأدلة على وحدانيته تعالى. والرب : المالك. والمشارق : مشارق الشمس ؛ إذ أنها في كل يوم تشرق من المشرق، وتغرب في مغرب. وأكتفي بذكرها عن المغارب لاستلزامها إياها، ولأن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة. وقيل : مشارق الكواكب وهي متعددة.
﴿ وحفظا من كل شيطان مارد ﴾ أي وحفظنا السماء حفظا من كل شيطان متجرد عن الخير بخروجه عن طاعة الله تعالى. والمارد والمريد بمعنى [ آية ١١٧ النساء ص ١٦٩ ].
﴿ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ﴾ أي الملائكة في السماء. جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء، مع التنبيه على بيان كيفية الحفظ، وما يعتريهم في أثنائه من العذاب. أي لا يمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع. ﴿ ويقذفون من كل جانب ﴾ أي ويرجمون بالشهب من كل جانب من جوانب السماء إذا حالوا الصعود إليها لاستراق السمع.
﴿ دحورا ﴾ أي للدحور، وهو الطرد والإبعاد. مصدر دحره يدحره دحرا ودحورا : أبعده. ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ أي دائم في الآخرة غير الرجم. يقال : وصب الشيء وصوبا، دام وثبت ؛ ومنه قوله تعالى : " وله الدين واصبا " أي الطاعة دائما.
﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي سلب السلبة من كلام الملائكة بسرعة وخفة فيما يتفاوضون فيه مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض. وذلك في غير الوحي ؛ لقوله تعالى : " إنهم عن السمع لمعزولون " .
والخطف : الاختلاس والأخذ بخفة وسرعة على غفلة. والاستثناء من واو " يسمعون "، و " من " في محل رفع بدل منه. ﴿ فأتبعه ﴾ تبعه ولحقه. وأتبع وتبع بمعنى ؛ كأردفه وردفه. ﴿ شهاب ﴾ [ آية ١٨ الحجر ص ٤٢٠ ]. ﴿ ثاقب ﴾ مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه.
﴿ إنا خلقناهم من طين لازب ﴾ أي لاصق بعضه ببعض. يقال : لزب الشيء يلزب لزبا ولزوبا، دخل بعضه في بعض. ولزب : لصق وصلب. وطين لازب : يلزق باليد لاشتداده ؛ أي فليسوا أصعب خلقا وأشق إيجادا ممن خلقنا من هذه المخلوقات العظيمة. فمن قدر على ذلك كيف يعجز عن الإعادة والبعث ! ؟
﴿ بل عجبت ﴾ من قدرته تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم البعث. ﴿ ويسخرون ﴾ وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث.
﴿ يستسخرون ﴾ يبالغون في السخرية والاستهزاء.
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما ﴾ أي أنبعث إذا متنا وكان بعض أجزائنا ترابا وبعضها عظاما ! ؟
﴿ أو آباؤنا الأولون ﴾ أي أو آباؤنا الذين ماتوا وصاروا ترابا وعظاما مبعوثون كذلك ؟ ! والهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على واو العطف.
﴿ قل نعم وأنتم داخرون ﴾ أي قل تبعثون أنتم وآباؤكم وأنتم صاغرون أذلاء [ آية ٤٨ النحل ص ٤٣٦ ].
﴿ فإنما هي زجرة واحدة ﴾ أي فإنما البعثة صيحة واحدة ؛ من زجر الراعي غنمه، صاح عليها. وهي نفخة البعث، وسميت زجرة لأنها طرد بصوت ؛ كما تزجر الإبل والخيل عند السوق. ﴿ فإذا هم ينظرون ﴾ أي فإذا هم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا.
﴿ يوم الدين ﴾ أي الجزاء على الأعمال.
﴿ وأزواجهم ﴾ أمثالهم من العصاة : عابد الصنم مع عابد الصنم، وعابد الكوكب مع عابد الكوكب، وكذا الزناة مع الزناة، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر، وهكذا.
﴿ وقفوهم ﴾ احبسوهم في الموقف﴿ إنهم مسئولون ﴾ عن العقائد والأعمال. يقال : وقف الدابة وقفا، حبسها عن المشي.
﴿ يتساءلون ﴾ يتلاومون ويتخاصمون ؛ أي الأتباع والرؤساء، يسأل بعضهم بعضا سؤال تقريع ومخاصمة.
﴿ قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ﴾ قال الأتباع للرؤساء : إنكم كنتم تأتوننا من الناحية التي منها الخير وهو الدين، تهونون أمره علينا، وتصرفوننا عنه، وتزينون لنا الضلالة. واليمين بمعنى الدين. وقد أجابهم الرؤساء بخمسة أجوبة في الآيات ٢٩ – ٣٢.
﴿ بل كنتم قوما طاغين ﴾ مجاوزين الحد في العصيان ؛ اختيارا منكم لا جبرا منا.
﴿ فأغويناكم ﴾ فدعوناكم إلى الغي والضلال دعوة غير ملجئة ؛ فاستجبتم لنا باختياركم الغي على الرشد. ﴿ إنا كنا غاوين ﴾ فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم بتلك الدعوة لتكونوا أمثالنا في الغواية.
﴿ بل جاء بالحق... ﴾ بل أتى محمد بالحق، وهو التوحيد الذي دعا إليه جميع الرسل ؛ فكان مصدقا لهم في الدعوة إليه. فكيف تقولون شاعر مجنون !
﴿ بكأس... ﴾ هو إناء فيه شراب ؛ فإن لم يكن فيه شراب فهو قدح. ويسمى الشراب نفسه كأسا، فيقال : شربت كأسا ؛ من تسمية الشيء باسم محله. ﴿ من معين ﴾ أي من نهر معين أو شراب معين. أي خارج من العيون والمنابع ؛ من عان الماء إذا نبع. أو ظاهر للعيون جار على وجه الأرض كالأنهار ؛ من عان الماء إذا ظهر. ووصفت الكأس بكونها من معين لإفادة كثرة الخمر في الجنة.
﴿ بيضاء لذة للشاربين ﴾ صفتان للكأس باعتبار ما فيه، أوله بمعنى الخمر. أي أنها بيضاء اللون عند مزجها، لذيذة الطعم والرائحة عند الشاربين.
﴿ لا فيها غول ﴾ ليس فيها غائلة كخمر الدنيا ؛ فلا أذى فيها، ولا مضرة على شاربيها في جسم أو عقل، وحقيقتها غير حقيقة خمر الدنيا، وكذا سائر ما في الجنة.
والغول : إهلاك الشيء من حيث لا يحس به. يقال : غاله يغوله غولا، واغتاله اغتيالا، أهلكه وأخذه من حيث لم يدر. ﴿ ولا هم عنها ينزفون ﴾ أي ولا هم بشر بها تنزع عقولهم، ويذهب بها كخمر الدنيا. والنزف في الأصل : نزع الشيء وإذهابه بالتدريج. يقال : نزف ماء البئر ينزفه، إذا نزحه ونزعه كله منها شيئا فشيئا. ونزف الرجل – كعني - : سكر أو ذهب عقله ؛ فكأن الشارب ظرف للعقل فنزع منه وأخرج. و " عن " بمعنى باء السببية ؛ كما في قوله تعالى : " وما فعلته عن أمري " .
وخصت هذه المفسدة بالذكر مع عموم ما قبلها لكونها من أعظم مفاسد الخمر ؛ ولذا سميت أم الخبائث.
﴿ قاصرات الطرف ﴾ قصرن أبصارهن على أزواجهن، لا يمددنها إلى غيرهم ؛ لفرط محبتهن لهم. ﴿ عين ﴾ أي نجل العيون حسانها. جمع عيناء، وهي الواسعة العين في جمال.
﴿ كأنهن بيض مكنون ﴾ أي أنهن كبيض النعام – الذي كنه الريش في العش ؛ فلم تمسه الأيدي ولم يصبه الغبار – في الصفاء وشوب البياض بقليل الصفرة مع لمعان ؛ وهو لون محبوب في النساء عند العرب، فيشبهون النساء بالبيض ويقولون لهن : بيضات الخدود.
﴿ أئنا لمدينون ﴾ أي لمبعوثون ومجزيون بأعمالنا بعد أن صرنا ترابا وعظاما ؛ من الدين بمعنى الجزاء، أي أنه لا يصدق ذلك.
﴿ قال ﴾ أي ذلك المؤمن الذي في الجنة﴿ هل أنتم ﴾ يا أهل الجنة﴿ مطلعون ﴾ على أهل النار لأريكم ذلك القرين الذي قال لي ما حكيته لكم !.
﴿ فاطلع ﴾ على أهل النار. ﴿ فرآه في سواء الجحيم ﴾ في وسط النار ؛ وسمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب.
﴿ إن كدت لتردين ﴾ لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والجزاء. يقال : أردى فلان فلانا، إذا أهلكه. وردي فلان – من باب رضي – إذا هلك.
﴿ لكنت من المحضرين ﴾ أي من الذين أحضروا للعذاب مثلك ومثل أحزابك. وأحضر لا يستعمل عند الإطلاق إلا في الشر.
﴿ أفما نحن بميتين... ﴾ أي أنحن مخلدون، فما نحن بميتين... ! ؟
﴿ أذلك خير نزلا ﴾ النزل : ما يعد ويهيأ من الطعام للنازل. ﴿ أم شجرة الزقوم ﴾ هي شجرة لا وجود لها في الدنيا، وإنما يخلقها الله في النار ؛ كما يخلق فيها الحيات والعقارب وخزنة النار، والأغلال والقيود.
﴿ طلعها كأنه رءوس الشياطين... ﴾ أي ثمرها الذي يطلع منها – في تناهي قبحه وكراهيته – كأنه رءوس الشياطين في قبح منظرها وبشاعتها ؛ يكره أهل النار على أكله، فهم يتزقمونه على أشد الكراهة. والتشبيه بها على نحو ما جرى به استعمال المخاطبين من التشبيه بالشيطان إذا أرادوا المبالغة في تقبيح الشيء. فيشبهون كل ما تناهى في القبح بما يتخيله الوهم وإن لم يروه، وهو وجه الشيطان أو رأسه ؛ على حد التشبيه بأنياب
الأغوال. والمعنى : أذلك الرزق المعلوم المعد لأهل الجنة خير، أم شجرة الزقوم المعدة لأهل النار ؟ !.
﴿ إن لهم عليها لشوبا ﴾ أي إن لهم على هذه الشجرة لخلطا ومزاجا﴿ من حميم ﴾ ماء شديد الحرارة. أي يشاب طعامهم منها الذي ملئوا منه بطونهم، بعد ما غلبهم العطش بهذا الماء الحار الذي تقطع منه أمعاؤهم ؛ قال تعالى : " وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم " .
﴿ فهم على آثارهم يهرعون ﴾ أي فهم يزعجون ويحثون على الإسراع في السعي على آثار آبائهم من غير تدبر، ومع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمل. والإهراع : الإسراع الشديد. أو إسراع فيه رعدة. يقال : هرع وأهرع – بالبناء للمجهول فيهما – إذا استحث وأزعج. وأقبل يهرع : أي يرعد في غضب أو ضعف أو خوف.
﴿ ولقد نادانا نوح ﴾ شروع في ذكر سبع قصص تبين أحوال بعض المرسلين وحسن عاقبتهم، وأحوال المنذرين وسوء خاتمتهم. وهي قصة نوح، وقصة إبراهيم، وقصة موسى وهارون، وقصة إلياس، وقصة لوط، وقصة يونس ؛ عليهم السلام. وفيها عبر بالغة، وإنذار وتهديد، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ أبقينا على نوح ذكرا جميلا، وثناء حسنا فيمن بعده إلى آخر الدهر.
﴿ سلام على نوح في العالمين ﴾ دعاء منه تعالى لنوح عليه السلام بالسلامة من أن يذكر بسوء في الملائكة والثقلين جميعا. وقيل : الجملة مفعول " تركنا " ؛ أي تركنا عليه أن يسلموا عيه إلى يوم القيامة.
﴿ وإن من شيعته ﴾ أي وإن ممن على منهاجه وسنته في الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى﴿ لإبراهيم ﴾ [ آية ٦٥ الأنعام ص ٢٢٧ ].
﴿ أئفكا آلهة دون الله تريدون ﴾ أي أتريدون إفكا آلهة دون الله ! والإفك : الكذب، أو أسوأ الكذب. وهو مفعول " تريدون " و " آلهة " بدل منه، وجعلت نفس الإفك مبالغة.
﴿ فما ظنكم برب العالمين ﴾ أي أيّ سبب حملكم على ظن أنه تعالى يترككم بلا عقاب حين عبدتم غيره ؟ ! والاستفهام إنكاري.
﴿ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ﴾ كان قومه يعبدون الكواكب ويعتقدون تأثيرها في العالم، وكانوا يعبدون الأصنام ويتخذونها ذريعة إلى عبادة الكواكب، واستنزال روحانياتها كما يزعمون. فأراد أن يكايدهم في أصنامهم، ليلزمهم الحجة في أنها لا تجلب خيرا ولا تدفع شرا، وأن عبادتها شرك وضلال ؛ فدبر أن يحطمها في غفلة منهم، وأن يتخلف عن الخروج معهم في يوم العيد كعادتهم ليتمكن من ذلك. فأراهم أنه نظر في النجوم – وكانوا يتعاطون علم النجوم – فاستدل بها على أنه مشارف للسقم فلا يستطيع الخروج معهم
﴿ فتولوا عنه مدبرين ﴾ خشية العدوى ؛ فمال في غيبتهم إلى الأصنام فحطمها. وإنما أراهم ذلك – وهو لم ينظر في النجوم إلا نظرة المؤمن الذي يشهد فيها الدليل على قدرة مبدعها ووحدة صانعها – ليوهم أنه نظر فيها على غرارهم، فيطمئنوا إلى صدق اعتذاره عن الخروج، ويتم له ما يريد من قمع الشرك وإقامة التوحيد. وقوله " إني سقيم " أي مشارف للسقم : صدق ؛ لأن كل إنسان لا بد أن يسقم، وكفى باعتلال المزاج أول سريان الموت سقاما، ومن شارفه السقم وبدت له أمارته وأعراضه يقول : إني سقيم. وقد سلك عليه السلام بنظره في النجوم وبقوله إني سقيم مسلك التعريض الفعلي والقولي ؛ وهو ليس بكذب. وقد قيل : إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وتسميته كذبا في الحديث الصحيح إنما هو بالنظر لما فهم القوم منه لا بالنظر إلى قصده عليه السلام. وجعله ذنبا في حديث الشفاعة لما يتبين له أنه كان منه خلاف الأولى. وكذلك يقال في قوله : " بل فعله كبيرهم " وقوله في زوجته سارة : هي أختي.
﴿ فراغ إلى آلهتهم ﴾ فمال بخفية إلى أصنامهم ليكسرها. وأصل الروغ : الميل إلى الشيء على سبيل الاحتيال. يقال : راغ إليه، مال نحو أمره يريده منه بالاحتيال. وراغ الثعلب روغا وروغانا : مال إلى جانب ليخدع من خلفه ؛ فتجوز به عما ذكر.
﴿ ضربا باليمين ﴾ أي ضاربا باليد باليمنى. أو بالقوة " فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ".
﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ يسرعون ؛ من زف الظليم يزف زفا وزفيفا : عدا بسرعة كأنه يطير.
﴿ ما تنحتون ﴾ أي الأصنام التي تنحتونها بأيديكم. والنحت : النجر والبرى. يقال : نحته ينحته نحتا، براه.
﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ أي وخلق عملكم. أو الذي تعملونه.
﴿ فألقوه في الجحيم ﴾ أي النار الشديدة التأجج. وكل نار بعضها فوق بعض جحيم ؛ من الجحمة وهي شدة التأجج والاتقاد. يقال : حجم النار – كمنع – أوقدها.
﴿ ذاهب إلى ربي ﴾ أي إلى المكان الذي أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام.
﴿ هب لي من الصالحين ﴾ أي هب لي ولدا صالحا.
﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ هو – على الراجح – إسماعيل عليه السلام، وهو الذي كان معه بمكة في القصة التالية دون إسحاق ؛ بدليل قوله بعد " وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين ". وقيل : هو إسحاق وإليه ذهب أهل الكتابين.
﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ أي مرتبة أن يسعى معه في أعماله وحاجاته. قيل : كانت سنه يومئذ ثلاث عشرة سنة.
﴿ وتله للجبين ﴾ صرعه وأسقطه على شقه فوقع جبينه على الأرض. وأصل التل : الرمي على التل : وهو الرمل المجتمع، ثم عمم في كل صرع ودفع. يقال : تله تلا – من باب قتل – هو متلون وتايل، صرعه أو ألقاه على عنقه وخده. والجبين : أحد جانبي الجبهة، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
﴿ إن هذا لهو البلاء المبين ﴾ أي الابتلاء والاختبار المبين الذي يتميز به المخلص من غيره. أو المحنة الظاهرة صعوبتها لكل واحد.
﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ بمذبوح عظيم القدر " ؛ لكونه بأمر الله تعالى. مصدر بمعنى المفعول ؛ كالطحن بمعنى المطحون.
﴿ إلياس ﴾ نبي من أنبياء بني إسرائيل، من سبط هارون عليه السلام.
﴿ أتدعون بعلا ﴾ أتعبدون بعلا ! وهو ضم سميت باسمه بعد مدينتك بعلبك بالشام.
﴿ إل ياسين ﴾ هو لغة في إياس، بزيادة الياء والنون ؛ ونظيره سيناء وسينين. وقيل : هو جمع إلياس على التغليب بإطلاقه على قومه.
﴿ إلا عجوزا في الغابرين ﴾ الباقين في العذاب.
﴿ مصبحين وبالليل ﴾ أي في الصباح والمساء.
﴿ أبق ﴾ أي هرب من قومه بغير إذن ربه. يقال : أبق العبد – كضرب ومنع وسمع – هرب من سيده من غير خوف ولا كد عمل ؛ فهو آبق. ﴿ المشحون ﴾ المملوء.
﴿ فساهم ﴾ فقارع من في السفينة بالسهام. ﴿ فكان من المدحضين ﴾ أي المغلوبين بالقرعة. يقال : أدحض الله الحجة فدحضت ؛ أي أبطلها فبطلت. والدحض في الأصل : الزلق في الماء والطين.
﴿ فالتقمه الحوت ﴾ ابتلعه بسرعة ؛ من لقم الشيء – كسمع -، ؟ والتقمه : أكله بسرعة. وتلقمه : ابتلعه في مهلة. وكان ذلك في نهر دجلة. ﴿ وهو مليم ﴾ أي مكتسب ما يلام عليه من مفارقة قومه بغير إذن ربه. يقال : ألام الرجل، إذا أتى ما يلام عليه من الأمر وإن لم يلم وأما الملوم : فهو الذي يلام، سواء أتى بما يستحق أن يلام عليه أم لا.
﴿ فنبذناه بالعراء ﴾ : أمرنا الحوت بطرحه في الفضاء الواسع من الأرض، على شط النهر قرب نينوى من أرض
الموصل، حيث لا يواريه شيء من شجر أو غيره ؛ من النبذ وهو الطرح والإلقاء. والعراء : الأرض الواسعة لا نبات بها ولا معلم ؛ مشتق من العرى وهو عدم السترة.
﴿ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ﴾ : وللقرعة الرطبة : يقطينة.
﴿ فاستفتهم ﴾ : أي فاستفت كفار مكة، معطوف على قوله تعالى :﴿ فاستفتهم أهم أشد خلقا ﴾.
﴿ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ﴾ : أي جعل المشركون بين الله تعالى وبين الملائكة نسبا ؛ بقولهم : الملائكة بنات الله. وسميت الملائكة جنة من الاجتنان وهو الاستتار ؛ لأنهم لا يرون بالأبصار.
﴿ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ﴾ : أي علمت الملائكة أن المشركين القائلين ذلك لمحضرون النار للعذاب لكذبهم فيه، وقالت تنزيها لله عن ذلك :﴿ سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين ﴾
﴿ إلا عباد الله المخلصين ﴾ : أي لكن عباد الله المخلصون الذين نحن منهم : براءة من أن يصفوه بما لا يليق به. وهو استثناء منقطع من فاعل " يصفون ".
﴿ فإنكم وما تعبدون ﴾ : أي الأصنام التي تعبدونها.
﴿ ما أنتم ﴾ جميعا﴿ عليه ﴾ على الله تعالى﴿ بفاتنين ﴾ بمفسدين أحدا بإغوائكم.
﴿ إلا من هو صال الجحيم ﴾ داخلها. و " عليه " متعلق " بفاتنين ". والفتن هنا : الإفساد ؛ من قولهم : فتن عليه غلامه، إذا أفسده. وجملة " ما أنتم عليه بفاتنين " خبر إن. و " صال " بكسر اللام معتل كقاض. ثم قال الملائكة تبيينا لتحيزهم في موقف العبودية، وإظهارا لقصور شأنهم
﴿ وما ﴾ أحد﴿ منا إلا ما له مقام معلوم ﴾ في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمره تعالى.
﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ أنفسنا في مواقف العبودية والعبادة دائما
﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾ أي المنزهون الله تعالى عما لا يليق به في كل حال. ومنه ما نسبه المشركون إليه تعالى.
﴿ وإن كانوا ليقولون ﴾ أي كفار مكة قبل البعثة
﴿ لو أن عندنا ذكرا ﴾ أي كتابا﴿ من الأولين ﴾ أي من جنس كتبهم ؛ كالتوراة والإنجيل
﴿ لكنا عباد الله المخلصين ﴾ أي لأخلصنا العبادة له، ولكنا أهدى منهم.
﴿ إنهم لهم المنصورون ﴾ : تفسير للكلمة.
﴿ وإن جندنا ﴾ أي حزبنا، وهم الرسل وأتباعهم. والجند : الأنصار والأعوان. ﴿ لهم الغالبون ﴾ والمراد بالنصرة والغلبة : ما كان بالحجة، أو ما كان بها دائما، وفي مواطن والأعوان. على أن العاقة المحمودة لهم على كل حال ؛ كما قال تعالى : " والعاقبة للمتقين ".
﴿ فإذا نزل بساحتهم ﴾ : فإذا نزل بهم العذاب الذي استعجلوه. والساحة في الأصل : الفناء الواسع عند الدور، يكنى بها عن القوم أنفسهم. فساء صباح المنذرين } الذين أنذروا بالعذاب. والله أعلم.