تفسير سورة المؤمنون

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة المؤمنون
مكية، وهي مائة وثماني عشرة آية، قيل : مناسبة افتتاح السورة بالفلاح أنه قال فيما قبلها :﴿ لعلكم تفلحون ﴾ [ الحج : ٧٧ ] على سبيل الرجاء، وحققه هنا بشرطه في الجملة، ثم لما ذكر وراثة المتصف بتلك الأوصاف للفردوس، وذلك يتضمن المعاد، ذكر النشأة الأولى، دلالة على صحته، أي : المعاد، ثم لما ذكر ابتداء خلق الإنسان وانتهاء أمره ذكره بنعمه، فقال :﴿ لقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ﴾، ﴿ وأنزلنا ﴾، ﴿ فأنشأنا ﴾. . . الآيات، ولما كانت هذه النعم على الإنسان تقتضي منه الشكر بالطاعة والتوحيد للكريم، المنان، ثم إن أصنافا من الكفرة قابلوها بالكفران، فلذلك ذكر قصصهم بعد ذكرها، بقوله :﴿ ولقد أرسلنا نوحا. . ﴾ " الخ. فهذا ما تضمنته السورة من الترتيب.

قال تعالى : بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ * ﴿ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ * ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ * ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ * ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ قد أفلح المؤمنون ﴾ أي : فازوا بكل مطلوب، ونالوا كل مرغوب، فالفلاح : الفوز بالمرام والنجاة من المكاره والآلام، وقيل : البقاء في الخير على الأبد، وقد تقتضي ثبوت أمر متوقع، فهي هنا لإفادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل، وكان المؤمنون يتوقعون مثل هذه البشارة ؛ وهي الإخبار بثبوت الفلاح لهم، فخُوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. والإيمان في اللغة : التصديق بالقلب، والمؤمن : المصدِّق لِما جاء به الشرع، مع الإذعان بالقلب، وإلا. . فكم من كافر صدّق بالحق ولم يذعن، تكبُّراً وعناداً، فكل من نطق بالشهادتين، مواطئاً لسانُه قلبَه فهو مؤمن شرعاً، قال عليه الصلاة والسلام :" لَمَّا خَلَقَ الله الجَنَّةَ، قَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمنُون -ثلاثاً- أنا حرامٌ على كلِّ بخيل مُرائي١ " ؛ لأنه بالرياء أبطل العبادات الدينية، وليس له أعمال صافية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.


١ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٣٩٧..
ثم وصف أهل الإيمان بست صفات، فقال :﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ : خاضعون بالقلب ساكنون بالجوارح، وقيل : الخشوع في الصلاة : جمع الهمة، والإعراض عما سواها، وعلامته : ألا يجاوز بصرُه مصلاه، وألاّ يلتفت ولا يعبث. وعن أبي الدرداء :( هو إخلاص المقال، وإعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام ). وأضيفت الصلاة إلى المصلين ؛ لانتفاع المصلِّي بها وحده، وهي عُدَّته وذخيرته، وأما المُصلَّى له فَغَني عنها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ والذين هم عن اللغو مُعرضون ﴾، اللغو : كل كلام ساقط، حقه أن يُلغَى، كالكذب والشتم ونحوهما. والحق إن اللغو : كل ما لا يَعني من الأقوال والأفعال، وصفهم بالحزم والاشتغال بما يعنيهم وما يقربهم إلى مولاهم في عامة أوقاتهم، كما ينبئ عنه التعبير بالاسم الدال على الثبوت والاستمرار، بعد وصفه لهم بالخشوع ؛ ليجمع لهم بين الفعل والترك، الشاقَّين على النفس، اللذَيْن هما قاعدتا التكليف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ والذين هم للزكاة فاعلون ﴾ : مؤدون، والمراد بالزكاة : المصدر، الذي هو الإخراج، لا المخرج. ويجوز أن يراد به العين، وهو الشيء المُخْرج، على حذف مضاف، أي : لأداء الزكاة فاعلون. وصفهم بذلك، بعد وصفهم بالخشوع في الصلاة ؛ للدلالة على أنهم بلغوا الغاية القصوى من القيام بالطاعة البدنية والمالية، والتجنب عن النقائص، وتوسيط الإعراض عن اللغو بينهما ؛ لكمال ملابسته بالخشوع في الصلاة ؛ لأن من لزم الصمت والاشتغال بما يعني عَظُم خشوعُه وأُنسه بالله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ والذين هم لفروجهم حافظون ﴾ : ممسكون لها، ويشمل فرجَ الرجل والمرأة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ إلا على أزواجهم ﴾، الظاهر أن " على " بمعنى " عن " أي : إلا عن أزواجهم، فلا يجب حفظها عنهن، ويمكن أن تبقى على بابها، تقول العرب : احفظ عليّ عنان فرسي، أي : أمسكه، ويجوز أن يكون ما بعد الاستثناء حالاً، أي : إلا والين على أزواجهم، من قولك : كان زياد على البصرة، أي : والياً عليها، والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون في كافة الأحوال، إلا في حالة تزوجهم أو تسريهم. أو يتعلق " على " بمحذوف يدل عليه :( غير ملومين )، كأنه قيل : يُلامون إلا على أزواجهم، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أبيح لهم، فإنهم غير ملومين عليه، ﴿ أو ما ملكت أيمانهم ﴾ أي : سراريهم، وعبَّر عنهن بما ؛ لأن المملوك يجري مجرى غير العقلاء، لأنه يباع كما تباع البهائم. وقال في الكشاف : وإنما قال " ما "، ولم يقل " مَن " ؛ لأن الإناث يجرين مجرى غير العقلاء. ه. يعني : لكونهن ناقصات عقل، كما في الحديث. وفيه احتراس من الذكور بالملك، فلا يباح إتيانهم والتمتع بهم للمالك ولا للمالكة، بإجماع.
وقوله تعالى :﴿ فإنهم غير مَلومين ﴾ أي : لا لوم عليهم في عدم حفظ فروجهم عن نسائهم وإمائهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ فمن ابتغى وراء ذلك ﴾ ؛ طلب قضاء شهوته في غير هذين، ﴿ فأولئك هم العادُون ﴾ : الكاملون في العدوان، وفيه دليل على تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة ؛ لأن نكاح المتعة فاسد، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، ويدل على فساده عدم التوارث فيه بالإجماع، وكان في أول الإسلام ثم نُسخ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ والذين هم لأمانتهم وعهدهم ﴾ أي : لما يؤتمنون عليه، ويُعَاهَدون عليه من جهة الحق أو الخلق، ﴿ راعون ﴾ : حافظون عليها قائمون بها، والراعي : القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، كراعي الغنم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ والذين هم على صلواتهم ﴾ المفروضة عليهم ﴿ يحافظون ﴾ : يداومون عليها في أوقاتها. وأعاد الصلاة ؛ لأنها أهم، ولأن الخشوع فيها زائد على المحافظة عليها، وَوُحِّدَت أولاً ؛ ليُفاد أَن الخشوع في جنس الصلاة أيَّةَ صلاة كانت، وجُمعت ثانياً ؛ ليُفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل. قاله النسفي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

﴿ أولئك ﴾ الجامعون لهذه الأوصاف ﴿ هم الوارثون ﴾ الأحقاء بأن يُسَمَّوُا وارثين، دون غيرهم ممن ورث رغائِب الأموال والذخائر وكرائمها، وقيل : إنهم يرثون من الكفار منازلهم في الجنة، حيث فوَّتُوها على أنفسهم، لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، ففي الحديث :" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاّ ولَهُ مَنْزِلاَنِ : مَنْزِلٌ في الجنة ومَنْزِلٌ في النَّارِ، فَإِن مَاتَ ودَخَلَ الجَنَّة، وَرٍثَ أَهْلُ النَّارِ مَنْزِله، وإِنْ مَات ودَخَلَ النَّارَ، وَرثَ أَهْلُ الجَنَّةَ مَنْزِلَهُ١ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.


١ أخرجه ابن ماجه في الزهد، باب: ٣٩..
ثم ترجم الوارثين بقوله :﴿ الذين يرثون الفردوس ﴾، هو في لغة الروم والحبشة : البستان الواسع، الجامع لأصناف الثمر، والمراد : أعلى الجنان، استحقوا ذلك بأعمالهم المتقدمة حسبما يقتضيه الوعد الكريم، ﴿ هم فيها خالدون ﴾، أنث الفردوس بتأويل الجنة، أو لأنه طبقة من طبقاتها، وهي العليا. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود. والإيمان : انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرة التصديق بخُلاصة القلب، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد١. والخشوع في الصلاة : إطراق السِّرِّ على بساط النَّجوى، باستكمال نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والانمحاءِ عند غلبات التَّجلِّي. هـ.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح : الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته : إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته : إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع : تدبر القلب فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته : غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم :" أفلا أكون عبداً شكوراً ".
ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله.
قال في القوت : قال بعض العارفين : إن لله -عز وجل- إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما : إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له : عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك، وسِرٌ عند خروج روحه، يقول له : عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك ؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فألقاك بالوفاء والجزاء ؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب ؟ فهذا داخل في قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، وفي قوله عز وجل :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه فقد أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٥٨ ]. هـ.

ثم ذكر ابتداء خلق الإنسان وأطواره وانتهاء أمره، فقال :
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ * ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ * ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيِّتُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾
قلت :" خلق " : إن كان بمعنى اخترع وأحدث ؛ تعدى إلى واحد، وإن كان بمعنى صَيَّر ؛ تعدى إلى مفعولين، ومنه ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾، ومن بعده.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولقد خلقنا الإنسان ﴾ ؛ جنس الإنسان، أو آدم، ﴿ من سُلالةٍ ﴾ ؛ " من " : للابتداء، والسلالة : الخُلاصة ؛ لأنها تسل من بين الكدر، وهو ما سُلَّ من الشيء واستخرج منه، فإن ( فُعالة ) اسم لما يحصل من الفعل، فتارة يكون مقصوداً منه، كالخُلاصة، وتارة غير مقصود، كالقُلامة والكناسة، والسلالة من قبيل الأول ؛ فإنها مقصودة بالسَّل، وقيل : إنما سمي التراب الذي خُلق من آدم سلالة، لأنه سُلّ من كل تربة. وقوله :( من طين )، بيان، متعلقة بمحذوف، صفة للسلالة، أي : خلقناه من سلالة كائنة من طين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الروح لها أطوار كأطوار البشرية، من الضعف والقوة شيئاً فشيئاً، باعتبار قوة اليقين، والترقي إلى العلم بالله ومشاهدته، فتكون أولاً صغيرة العلم، ضعيفة اليقين، تم تتربى بقوت القلوب وغذاء الأرواح ؛ فقوتُ القلوب : العمل الظاهر، وقوت الأرواح : العمل الباطن، فلا تزال تتقوت بالعمل الظاهر شيئاً فشيئاً حتى تقوى على كمالِ غايته، ثم تنتقل إلى قوت العمل الباطن ؛ كالذكر القلبي، والتفكر والاعتبار، وجولان القلب في ميادين الأغيار، ثم دوام حضور القلب مع الحق على سبيل الاستهتار، ثم يفتح لها ميادين الغيوب، ويوسع عليها فضاء الشهود، فيكون قُوتها حينئذٍ رؤية المحبوب، وهو غاية المطلوب، فتبلغ مبلغ الرجال، وتحوز مراتب الكمال، ومن لم يبلغ هذا بقي في مرتبة الأطفال، ولا يمكن حصول هذا إلا بصحبة طبيب ماهر، يعالجها ويربيها، وينقلها من طور إلى طور، وإلاَّ بقيت الروح مريضة لا تتقوت إلا بالمحسوسات، وهي لا تُشبع ولا تُغني من جوع. وبالله التوفيق.
﴿ ثم جعلناه ﴾ أي : الجنس، باعتبار أفراده المتغايرة لآدم عليه السلام، وجعلنا نسله، على حذف مضاف، إن أُريد بالإنسان آدم، فيكون كقوله تعالى :﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ السجدة : ٧، ٨ ] أي : جعلنا نسله ﴿ نطفة ﴾ : ماءً قليلاً ﴿ في قرار مكين ﴾ أي : في مستقر -وهو الرحم- ( مكين ) : حصين، أو متمكن فيه، وَصف الرحم بصفة ما استقر فيه، مثل طريق سائر، أي : مسير فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الروح لها أطوار كأطوار البشرية، من الضعف والقوة شيئاً فشيئاً، باعتبار قوة اليقين، والترقي إلى العلم بالله ومشاهدته، فتكون أولاً صغيرة العلم، ضعيفة اليقين، تم تتربى بقوت القلوب وغذاء الأرواح ؛ فقوتُ القلوب : العمل الظاهر، وقوت الأرواح : العمل الباطن، فلا تزال تتقوت بالعمل الظاهر شيئاً فشيئاً حتى تقوى على كمالِ غايته، ثم تنتقل إلى قوت العمل الباطن ؛ كالذكر القلبي، والتفكر والاعتبار، وجولان القلب في ميادين الأغيار، ثم دوام حضور القلب مع الحق على سبيل الاستهتار، ثم يفتح لها ميادين الغيوب، ويوسع عليها فضاء الشهود، فيكون قُوتها حينئذٍ رؤية المحبوب، وهو غاية المطلوب، فتبلغ مبلغ الرجال، وتحوز مراتب الكمال، ومن لم يبلغ هذا بقي في مرتبة الأطفال، ولا يمكن حصول هذا إلا بصحبة طبيب ماهر، يعالجها ويربيها، وينقلها من طور إلى طور، وإلاَّ بقيت الروح مريضة لا تتقوت إلا بالمحسوسات، وهي لا تُشبع ولا تُغني من جوع. وبالله التوفيق.
﴿ ثم خلقنا النطفة علقة ﴾ أي : دماً جامداً، بأن جعلنا النطفة البيضاء علقة حمراء، ﴿ فخلقنا العلقة مُضغة ﴾ أي : قطعة لحم لا استبانةَ ولا تمايز فيها، ﴿ فخلقنا المضغة ﴾ أي : غالبها ومعظمها، أو كلها ﴿ عظاماً ﴾، بأن صلبناها، وجعلناها عَموداً على هيئةٍ وأوضاع مخصوصة، تقتضيها الحكمة، ﴿ فكسونا العظام ﴾ المعهودة ﴿ لحما ﴾ بأن أنبتنا عليها اللحم، فصار لها كاللباس، أو كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم، على مقدار لائق به، وهيئة مناسبة. وقرئ بالإفراد فيهما، اكتفاء بالجنس، وبتوحيد الأول فقط، وبتوحيد الثاني فحسب. ﴿ ثم أنشأناه خلقاً آخر ﴾ أي : خلقاً مبايناً للخلق الأول، حيث جعله حيواناً، وكان جماداً، وناطقاً وسميعاً وبصيراً، وكان بضد هذه الصفات، ولذلك قال الفقهاء : من غصب بيضة فأفرخت عنده ضمِّنَ البيضة، ولم يَرُدّ الفرخ ؛ لأنه خلق آخر سوى البيضة.
﴿ فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ أي : فتعالى أمره في قدرته الباهرة، وعلمه الشامل. والالتفات إلى الاسم الجليل ؛ لتربية المهابة، وإدخال الروعة، والإشعار بأنَّ ما ذكر من الأفاعيل العجيبة من أحكام الألوهية، وللإيذان بأنَّ من حق كل من سمع ما فصَّل من آثار قدرته تعالى أو لاحظه، أن يسارع إلى التكلم به، إجلالاً وإعظاماً لشؤونه تعالى، وقوله :( أحسن الخالقين ) : بدل اسم الجلالة، أو نعت، على أنَّ الإضافة محضة ؛ ليطابقه في التعريف، أو خبر، أي : هو أحسن الخالقين خلقاً، أي : أحسن المقدرين تقديراً، فحذف التمييز ؛ لدلالة الخالقين عليه.
قيل : إنَّ عبدَ اللهِ بنَ أبي سَرْح كان يَكْتُبُ الوحيَ للنبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انتهى -عليه الصلاة والسلام- إلى قوله :﴿ خلقا آخَر ﴾، سَاَرَعَ عبدُ الله إلى النُطقِ بِذَلِكَ، فَنَطَقَ بذلِكَ، قبل إِمْلاَئِهِ، فَقَالَ له رسُول الله صلى الله عليه وسلم " اكْتبْ، هَكَذَا أُنْزِلَتْ "، فَشَكَّ عبدُ الله، فَقَالَ : إنْ كانَ مُحمدٌ يُوحَى إليْهِ، فَأَنَا يُوحَى إليَّ، فارتدَّ ولَحِق بمكَّةَ كافِراً، ثم أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ. وقيل : الحكاية غير صحيحة ؛ لأن ارتداده كان بالمدينة، والسورة مكية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الروح لها أطوار كأطوار البشرية، من الضعف والقوة شيئاً فشيئاً، باعتبار قوة اليقين، والترقي إلى العلم بالله ومشاهدته، فتكون أولاً صغيرة العلم، ضعيفة اليقين، تم تتربى بقوت القلوب وغذاء الأرواح ؛ فقوتُ القلوب : العمل الظاهر، وقوت الأرواح : العمل الباطن، فلا تزال تتقوت بالعمل الظاهر شيئاً فشيئاً حتى تقوى على كمالِ غايته، ثم تنتقل إلى قوت العمل الباطن ؛ كالذكر القلبي، والتفكر والاعتبار، وجولان القلب في ميادين الأغيار، ثم دوام حضور القلب مع الحق على سبيل الاستهتار، ثم يفتح لها ميادين الغيوب، ويوسع عليها فضاء الشهود، فيكون قُوتها حينئذٍ رؤية المحبوب، وهو غاية المطلوب، فتبلغ مبلغ الرجال، وتحوز مراتب الكمال، ومن لم يبلغ هذا بقي في مرتبة الأطفال، ولا يمكن حصول هذا إلا بصحبة طبيب ماهر، يعالجها ويربيها، وينقلها من طور إلى طور، وإلاَّ بقيت الروح مريضة لا تتقوت إلا بالمحسوسات، وهي لا تُشبع ولا تُغني من جوع. وبالله التوفيق.
ثم قال تعالى :﴿ ثم إنكم بعد ذلك ﴾ أي : بعد ما ذكر من الأمور العجيبة، حسبما ينبئ عنه ما في اسم الإشارة من البُعد، المشعر بعُلُوِّ مرتبة المشار إليه وبُعد منزلته في الفضل، ﴿ لميتون ﴾ : لصائرون إلى الموت لا محالة، كما يؤذن به صيغة الصفة، وقرئ " لمائتون ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الروح لها أطوار كأطوار البشرية، من الضعف والقوة شيئاً فشيئاً، باعتبار قوة اليقين، والترقي إلى العلم بالله ومشاهدته، فتكون أولاً صغيرة العلم، ضعيفة اليقين، تم تتربى بقوت القلوب وغذاء الأرواح ؛ فقوتُ القلوب : العمل الظاهر، وقوت الأرواح : العمل الباطن، فلا تزال تتقوت بالعمل الظاهر شيئاً فشيئاً حتى تقوى على كمالِ غايته، ثم تنتقل إلى قوت العمل الباطن ؛ كالذكر القلبي، والتفكر والاعتبار، وجولان القلب في ميادين الأغيار، ثم دوام حضور القلب مع الحق على سبيل الاستهتار، ثم يفتح لها ميادين الغيوب، ويوسع عليها فضاء الشهود، فيكون قُوتها حينئذٍ رؤية المحبوب، وهو غاية المطلوب، فتبلغ مبلغ الرجال، وتحوز مراتب الكمال، ومن لم يبلغ هذا بقي في مرتبة الأطفال، ولا يمكن حصول هذا إلا بصحبة طبيب ماهر، يعالجها ويربيها، وينقلها من طور إلى طور، وإلاَّ بقيت الروح مريضة لا تتقوت إلا بالمحسوسات، وهي لا تُشبع ولا تُغني من جوع. وبالله التوفيق.
﴿ ثم إنكم يوم القيامة ﴾ أي : عند النفخة، ﴿ تبعثون ﴾ في قبوركم للحساب والمجازاة، فإن قلت : لِمَ أكدَّ الأول بإنّ واللام، وعبَّر بالاسم دون الثاني، الذي هو البعث، والمتبادر للفهم العكس ؛ لأن الموت لم ينكره أحد، والبعث أنكره الكفار والحكماء ؟ فالجواب كما قال ابن عرفة : إنه من حمَل اللفظ على غير ظاهره، مثل :
جَاءَ شَقِيقٌ عَارضاً رُمْحَه إِنَّ بني عَمِّك فِيهِمْ رِمَاحُ
فَهُم، لعصيانهم ومخالفتهم، لم يعملوا للموت، فحالهم كحال المنكر لها، ولمّا كانت دلائل البعث ظاهرة صار كالأمر الثابت الذي لا يُرتاب فيه. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الروح لها أطوار كأطوار البشرية، من الضعف والقوة شيئاً فشيئاً، باعتبار قوة اليقين، والترقي إلى العلم بالله ومشاهدته، فتكون أولاً صغيرة العلم، ضعيفة اليقين، تم تتربى بقوت القلوب وغذاء الأرواح ؛ فقوتُ القلوب : العمل الظاهر، وقوت الأرواح : العمل الباطن، فلا تزال تتقوت بالعمل الظاهر شيئاً فشيئاً حتى تقوى على كمالِ غايته، ثم تنتقل إلى قوت العمل الباطن ؛ كالذكر القلبي، والتفكر والاعتبار، وجولان القلب في ميادين الأغيار، ثم دوام حضور القلب مع الحق على سبيل الاستهتار، ثم يفتح لها ميادين الغيوب، ويوسع عليها فضاء الشهود، فيكون قُوتها حينئذٍ رؤية المحبوب، وهو غاية المطلوب، فتبلغ مبلغ الرجال، وتحوز مراتب الكمال، ومن لم يبلغ هذا بقي في مرتبة الأطفال، ولا يمكن حصول هذا إلا بصحبة طبيب ماهر، يعالجها ويربيها، وينقلها من طور إلى طور، وإلاَّ بقيت الروح مريضة لا تتقوت إلا بالمحسوسات، وهي لا تُشبع ولا تُغني من جوع. وبالله التوفيق.
ولما ذكر ابتداء الإنسان وانتهاءه، ذكره بنعمه، أو تقول : لما ذكر نعمة الإيجاد ذكر نعمة الإمداد، فقال :
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ * ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ * ﴿ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ * ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ ﴾ * ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ * ﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولقد خلقنا فوقكم سبعَ طرائق ﴾، وهي السماوات السبع، جمع طريقة ؛ لأنها طرق الملائكة وتقلباتها، وطرق الكواكب، فيها مسيرها، ﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾، أراد بالخلق السماوات، كأنه قال : خلقناها وما غفلنا عن حفظها وإمساكها، أو الناس، أي : خلقناها فوقكم ؛ لنفتح عليكم منها الأرزاق والبركات، وما كنا غافلين عنكم وعما يصلحكم، أو : خلقناها فوقكم، وما حالت بيننا وبينكم، بل نحن أقرب إليكم من كل شيء، فلا نغفل عن شيء من أمركم، قلَّ أو جلَّ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

﴿ وأنزلنا من السماء ماءً ﴾ هو المطر، وقيل : الأنهار النازلة من الجنة، وهي خمسة : سَيْحُون نهر الهند، وَجَيْحونُ نهر بلخ، ودِجْلَةُ والفُراتُ نهرا العراق، والنيل نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة. ه. وقوله تعالى ؛ ﴿ بقدَرِ ﴾ أي : بتقدير، يَسْلَمون معه من المضرة، ويصلون إلى المنفعة، أو بمقدار ما علمنا بهم من الحاجة، أو : بقدر سابق لا يزيد عليه ولا ينقص، ﴿ فأسكناه في الأرض ﴾ أي : جعلناه ثابتاً قاراً فيها، كقوله :﴿ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ﴾ [ الزمر : ٢١ ]، فماء الأرض كله من السماء، ﴿ وإنا على ذهاب به ﴾ أي : إزالته بالإفساد والتغوير، حيث يتعذر استنباطه، ﴿ لقادرون ﴾ كما كنا قادرين على إنزاله، وفي تنكير " ذهاب " : إيماء إلى كثرة طرقه، ومبالغة في الإيعاد به، ولذلك كان أبلغ من قوله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ﴾ [ الملك : ٣٠ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

ثم ذكر نتائجه، فقال :﴿ فأنشأنا لكم به ﴾ أي : بذلك الماء ﴿ جنات من نخيلِ وأعنابِ لكم فيها ﴾ أي : في الجنات، ﴿ فواكهُ كثيرةٌ ﴾ تتفكهون بها سوى النخيل والأعناب، ﴿ ومنها تأكلون ﴾ أي من الجنات تأكلون تغذياً، وتفكهاً، أو تُرزقون وتحصِّلون معايشكم، من قولهم : فلان يأكل من حرفته، وهذه الجنة وجوه أرزاقكم منها ترزقون وتتمعشون، ويجوز أن يكون الضميران للنخيل والأعناب، أي : لكم في ثمرتها أنواع من الفواكه، الرطب والعنب، والتمر والزبيب، والعصير والدِّبْسُ، وغير ذلك وطعاماً تأكلونه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

قلت :" سيناء "، مَنْ فتحها : جعل همزتها للتأنيث، فلم يصرفه ؛ للتأنيث والوصف، كحمراء، أو لألف التأنيث، لقيامه مقام علتين، ومن كسرها : لم يصرفه ؛ للتعريف والعجمة، وهذا البناء ليس من أبنية التأنيث، وإنما ألفُهُ ألف الإلحاق، كعلِباء وجِرباء.
ونبت وأنبت : لغتان بمعنى واحد وكذلك سقى وأسقى.
﴿ و ﴾ أنبتنا به ﴿ شجرةً ﴾ هي الزيتون ﴿ تخرج من طُور سَيْناء ﴾، وهو جبل موسى عليه السلام بين مصر وأيلة، وقيل : بفلسطين، ويقال : فيه طور سينين، فإمَّا أن يكون الطور اسم الجبل، وسيناء اسم البقعة أضيف إليها، أو المركب منهما عَلَمٌ له، كامرئ القيس، وتخصيصها بالخروج منه، مع خروجها من سائر البقع، إما لتعظيمها، أو لأنه المنشأ الأصلي لها ؛ لأن أصل الزيتون من الشام، وأول ما نبت في الطور، ومنه نُقل إلى سائر البلاد، ﴿ تَنْبُتُ بالدُّهن ﴾ أي : متلبسة بالدهن، أي : ما يدهن به، وهو الزيت، ﴿ وصِبْغِ للآكلين ﴾ أي : إدام لهم، قال مقاتل : جعل الله في هذه إداماً ودُهناً، فالإدام : الزيتون، والدهن : الزيت. وقيل : هي أول شجرة تنبت بعد الطوفان، وخص هذه الأنواع الثلاثة ؛ لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأنفعها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

﴿ وإنَّ لكم في الأنعام ﴾، جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم، ﴿ لَعِبْرَةً ﴾ تعتبرون بها، وتستدلون بأحوالها على عظم قدرة الله تعالى، وسابغ نعمته، وتشكرونه عليه، ﴿ نُسقيكم مما في بطونها ﴾ من الألبان سائغة للشاربين، أو مما استقر في بطونها من العلَف ؛ فإنَّ اللبن يتكون منه، ﴿ ولكم فيها منافعُ كثيرةٌ ﴾، سوى الألبان، وهي منافع الأصواف والأوبار والأشعار. ﴿ ومنها تأكلون ﴾ أي : من لحومها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

﴿ وعليها ﴾ أي : على الأنعام في البر، ﴿ وعلى الفُلك ﴾ في البحر ﴿ تُحملون ﴾ في أسفاركم ومتاجركم، والمراد بالأنعام في الحمل الإبل ؛ لأنها هي المحمول عليها في البر، فهي سفائن العرب، كما قال ذو الرمة :
سَفِينَةُ بَرِّ تَحْتَ خَدِّي زِمَامُهَا ***. . .
يريد ناقته. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل إلى المحبوب. قال الورتجبي : أوضح سبع طرائق لنا إلى أنوار صفاته السبعة. هـ. وقال القشيري : الحق -سبحانه- لا يستتر من رؤيته مُدْرَكٌ، ولا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، وإنما الحُجُبُ على أبصارِ الخَلْق وبصائرهم، والعادةُ جاريةٌ أنه لا يخلق لنا الإدراك لِمَا وراء الحُجُب، ولذلك أدخِلَت الغفلةُ القلوبَ، واستولى عليها الذهول، سدَّت بصائرها، وغيبت فهومها، ففوقها حجب ظاهِرة وباطنة، ففي الظاهر : السماوات حجبٌ تحول بيننا وبين المنازل العالية، وعلى القلوب أغشية وأغطية، كالشهوة والأمنية، والإرادات الشاغلة والغفلة المتراكمة.
ثم ذكر أن طرائق المريدين الفَتْرَة، وطرائق الزاهدين ترك عُروق الرغبة. قال : وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحيانهم وقفةٌ في تضاعيف سيرهم إلى ساحات الحقائق، فيصيرون موقوفين ريثما يتفضّلُ الحقُّ -سبحانه- عليهم بكفاية ذلك، فيجدون نفاذاً، ويدفع عنهم ما عاقهم من الطرائق، وفي جميع ذلك فالحق -سبحانه- غير تاركٍ للعبد ولا غافلٍ عن الخلق. هـ.
وقوله :﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ أي : وما كنا غافلين عن إرسال من يخرجهم من تلك الحجب القهرية، بل بعثنا الرسل، وفي أثرهم العارفين الربانيين، يُخرجون من تعلق بهم من تلك الطرائق، ويوصلونهم إلى بحر الحقائق. وأنزلنا من سماء الغيوب ماء العلم اللدني، فأسكناه في أرض النفوس والقلوب، بقدر ما سبق لكل قلب منيب، وإنا على ذهاب به من القلوب والصدور لقادرون. ولذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، فأنشأنا بذلك العلم في قلوب العارفين جنات المعارف من نخيل الأذواق والوجدان، وأعناب خمرة العيان، لكم فيها فواكه كثيرة، أي : تمتع كثير بلذة الشهود، ومنها تتقوت أرواحكم وأسراركم، وشجرة المعرفة تخرج من القلوب الصافية، التي هي محل المناجاة، كطور موسى، أي : تنبت فيها ويخرج أغصانها إلى ظاهر الجوارح، تنبت في القلب بدهن الذوق والوجد، وصبغ للآكلين، أي : المريدين الآكلين من تلك الشجرة، فتصبغ قلوبهم بالمعرفة واليقين.
وقوله تعالى :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾، قال القشيري : الإشارة فيه : أنّ الكدوراتِ الناجمةَ المتراكمةَ لا عِبْرَةَ بها ولا مبالاة، فإنَّ اللَّبنَ الخالص السائغَ يخرجُ من أخلاف الإبل والأنعام، من بين ما ينطوي حواياها عليها من الوحشة، ولكنه صافٍ لم يؤثر فيها بُحكم الجِوار، والصفا يوجد أكثره في عين الكُدروة ؛ إذ الحقيقة لا يتعلق بها حق ولا باطل. ومَنْ أَشرف على سِرِّ التوحيد تحقَّقَ بأنَّ ظهور جميع الحدثان من التقدير، فتسْقُط عنه كلفة التمييز ؛ فالأسرارُ عند ذلك تصفو، والوقت لصاحبه لا يجفو، ( ولكم فيها منافع ) لازمةٌ لكم، ومتعدية منكم إلى كلِّ متصلٍ بكم. انتهى على لحن فيه، فتأمله.

ولما ذكرهم بالنعم، ذكر من قابلها بالكفران فهلك، فقال :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ * ﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِيا آبَآئِنَا الأَوَّلِينَ ﴾ * ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ * ﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ * ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴾ * ﴿ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولقد أرسلنا ﴾ : وتالله لقد أرسلنا ﴿ نوحاً إلى قومه ﴾، وقد مرّ في الأعراف نسبه وكيفية بعثته١، ﴿ فقال ﴾ لقومه حين أُرسل إليهم، متعطفاً عليهم، ومستميلاً لهم إلى الحق :﴿ يا قوم اعبدوا الله ﴾ وحده ؛ إذ العبادة مع الإشراك لا عبرة بها، فلذلك لم يقيدها هنا، وقيدها في هود، بقوله :﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّه ﴾ [ هود : ٢٦ ] ﴿ ما لكم من إلهٍ غيرهُ ﴾ أي : ما لكم من الوجود إله يستحق أن يُعبد غيره، فالرفع على المحل، والجر على اللفظ. ﴿ أفلا تتقون ﴾ ؛ أفلا تخافون عقوبة الله، الذي هو ربكم وخالقكم، إذا عبدتم غيره مما ليس من استحقاق العبادة في شيء، أو : أفلا تخافون عذابه الذي يستوجبه ما أنتم عليه، كما يُفصح عنه قوله تعالى :﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [ الأعراف : ٥٩ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.

١ انظر تفسير الآية ٥٩ من سورة الأعراف..
﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ﴾ أي : أشرافهم لعوامهم :﴿ ما هذا إلا بشرٌ مثلكُم ﴾ في الجنس والوصف، يأكل ويشرب مثلكم، من غير فرق بينكم وبينه، ﴿ يُريد أن يتفضَّل عليكم ﴾ أي : يطلب الفضل عليكم، ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم، والعجب منهم أنهم رضوا بالألوهية والخضوع للحَجَر، ولم يرضوا بنبوة البشر. ثم قالوا :﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ﴾ أي : لو شاء الله إرسال الرسل لأرسل رسلاً من الملائكة. وإنما قال : لأنزل ولم يقل : لأرسل ؛ لأنَّ إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال، فمفعول المشيئة مطلق الإنزال، أي : لو شاء ربنا إنزال شيء من الوحي لأنزل ملائكة يرسلهم إلينا، ﴿ ما سمعنا بهذا ﴾ أي بمثل هذا الكلام، الذي هو الأمر بعبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، أو : ما سمعنا بأنَّ البشر يكون رسولاً، أو بمثل نوح عليه السلام في دعوى النبوة، ﴿ في آبائنا الأولين ﴾ أي : الماضين قبل بعثة نوح عليه السلام، وإنما قالوا ذلك ؛ إما من فرط عنادهم، أو لأنهم كانوا في فترة متطاولة، وقيل : معناه : ما سمعنا به أنه نبي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
﴿ إنْ هو ﴾ أي : ما هو ﴿ إلا رجل به جِنَّةٌ ﴾ أي جنون، أو جن يخبلونه، ولذلك يقول ما يقول :﴿ فتربصوا به حتى حين ﴾ أي : انتظروا واصبروا إلى زمان حتى ينجلي أمره، فإن أفاق من جنونه، وإلا قتلتموه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
﴿ قال ربّ انصرني بما كذَّبونِ ﴾، لمَّا أيس من إيمانهم دعا الله بالانتقام منهم، فالجملة استئناف نشأ عن سؤال، كأنه قيل : فماذا قال عليه السلام، بعدما سمع هذه الأباطيل ؟ فقيل : قال، لما رآهم قد أصروا على الكفر والتكذيب، وتمادوا في الغواية والضلال، حتى أيس من إيمانهم بالكلية وقد أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن :﴿ رب انصرني ﴾ بإهلاكهم بالمرة، فهو حكاية إجمالية لقوله :﴿ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ]. ﴿ بما كذَّبون ﴾ ؛ بسبب تكذيبهم إياي، أو بدل تكذيبهم، كقولك : هذا بذاك، أي : بدل ذاك، والمعنى : أبدلني من غم تكذيبهم سلَوة النصر عليهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
قلت : ذكر في الحاشية وجوهاً من المناسبة، فقال : لمّا استطرد ذكر الفلك ناسب ذكر نوح إثره، لقوله :( اصنع الفلك )، وأيضاً : هو أبو البشر الثاني، فَذُكِرَ كما ذكر أولاً آدم، في ذكر خلق الإنسان، وأيضاً في ذكر نجاة المؤمنين وفلاحهم، فناسب صدر السورة، وهلاك الكافر وهو ضد المؤمن، كما صرح بذلك في قوله في آخرها :( إنه لا يفلح الكافرون )، وفي النجاة في الفلك مناسبة للنعم المقررة قبل ذكره. ه.
﴿ فأوحينا إليه ﴾ ؛ أجبنا دعاءه وأوحينا إليه عند ذلك ﴿ أَنِ اصنعِ الفُلكَ بأعيننا ﴾ أي : ملتبساً بحفظنا وكلاءتنا، كأنَّ معك حُفاظنا يكلؤونك بأعينهم، لئلا يتعرض لك أحد، يفسد عملك، ومنه قولهم : عليه من الله عيون كالئة، ﴿ ووَحْينا ﴾ أي : أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها. رُوي : أنه أوحى إليه أن يصنعها مثل جُؤْجؤ الطائر. وفي القاموس جُؤجؤ -كَهُدْهُد- : الصدرُ. ﴿ فإذا جاء أَمْرُنا ﴾ أي : عذابنا بأمرنا، ﴿ وفار التنُّور ﴾ أي : فار الماء من تنور الخبز، فخرج سبب الغرق من موضع الحرق ؛ ليكون أبلغ في الإنذار والاعتبار. رُوي أنه قيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور ؛ فاركب أنت وأهلك السفينة، فلما نبع الماء من التنور ؛ أخبرته امرأته، فركب، وكان التنور تنورَ آدم، فصار إلى نوح، وكان من حجارة. واختلف في مكانه، فقيل : في مسجد الكوفة عن يمين الداخل، وقيل : بالشام، وقيل : بالهند.
فإذا فار ﴿ فاسْلُكْ فيها ﴾ : فَأَدْخِلْ في السفينة ﴿ من كل زوجين اثنين ﴾ ؛ من كل أمة اثنين مزدوجين، ذكر وأنثى. قال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما البق والدود والذباب، فلم يحمل منه شيئاً، وإنما يخرج من الطير. ه. ﴿ و ﴾ احمل في السفينة ﴿ أهلَك ﴾ ؛ نساءك وأولادك، أو من آمن معك، ﴿ إلا من سبق عليه القولُ منهم ﴾ أي : القول من الله بهلاكه، وهو ابنه وإحدى زوجتيه، وإنما جيء بعلى ؛ لكون السابق ضاراً، كما جيء باللام في قوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]،
﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ الصافات : ١٧١ ] ؛ لكونه نافعاً، ونحوه :﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]، ﴿ ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ﴾ أي : لا تسألني نجاة الذين كفروا، إنهم مقضى عليهم بالإغراق لا محالة ؛ لظلمهم بالإشراك والإصرار، ومَنْ هذا شأنه لا يُشفع له، وكأنه عليه السلام ندم على الدعاء عليهم، حين تحقق هلاكهم، فهَمَّ بمراجعة الحق فيهم ؛ شفقة ورحمة، فَنُهي عن ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
ثم قال له :﴿ فإِذا استويتَ أنت ومن معك على الفُلْك ﴾ ؛ فإذا تمكنتم عليها راكبين ﴿ فقل الحمد لله الذي نجَّانا من القوم الظالمين ﴾، أُمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم على طريق :﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنعام : ٤٥ ]. ولم يقل : فقولوا، وإن كان أهله ومن معه قد استووا معه ؛ لأنه نبيهم وإمامهم، فكان قوله قولَهم، مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
﴿ وقل ربِّ أنزلني ﴾ في السفينة، أو منها ﴿ مُنْزَلاً مباركاً ﴾ أي : إنزالاً مباركاً، أو موضع إنزال يستتبع خيراً كثيراً، ﴿ وأنت خير المُنزِلين ﴾ ؛ خير من ينزل في كل خير، أُمر عليه السلام بأن يشفع دعاءه بما يطابقه من ثنائه عليه تعالى، توسلاً به إلى إجابة دعائه، فالبركة في السفينة : النجاة فيها، وبعد الخروج منها : كثرة النسل وتتابع الخيرات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
﴿ وإن كنا لمبتلين ﴾ :" إنْ " : مخففة، واسمها : ضمير الشأن، واللام فارقة.
﴿ إِنَّ في ذلك ﴾ فيما فعل بنوح وقومه ﴿ لآياتِ ﴾ : لعبراً ومواعظ، ﴿ وإن كنا ﴾ أي : وإن الشأن والقصة كنا ﴿ لمبتلين ﴾ : مُصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد، أو : مختبرين بهذه الآيات عبادنا، لننظر من يعتبر ويذكر، كقوله :﴿ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [ القمر : ١٥ ]. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم. وقال القشيري في قوله :﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ : الإنزال المبارك : أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
ثم ذكر قصة هود أو صالح، فقال :
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ * ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ * ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ * ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ * ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ * ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ * ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ * ﴿ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾ * ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ثم أنشأنا من بعدهم ﴾ ؛ من بعد قوم نوح ﴿ قرناً ﴾ أي : قوماً ﴿ آخرين ﴾ هم عادٌ قوم هود، حسبما رُوي عن ابن عباس، ويشهد له قوله تعالى :
﴿ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [ الأعراف : ٦٩ ]، ومجيء قصة هود على إثر قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء، ونقل ابن عطية عن الطبري : أن المراد بهم ثمود قوم صالح، قال : والترتيب يقتضي قوم عاد، إلاَّ أنهم لم يُهلكوا بالصيحة، بل بالريح، قال في الحاشية : والظاهر أنهم صالح. كما قاله الطبري. وحمل الواحدي الصيحة على صيحة العذاب، فيتجه لذلك أنهم عاد قوم هود، وقد تقرر أن ثمود بعد عاد. ثم قال : وفي السيرة : عادٌ بن عوص بن إرَم بن سام بن نوح، وثمود بن عابر بن أرَم بن سام بن نوح. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ فأرسلنا فيهم ﴾، الإرسال يُعَدّى بإلى، ولم يُعَدَّ بها هنا وفي قوله :﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ ﴾ [ الرعد : ٣٠ ]، ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ ﴾ [ الأعراف : ٩٤ ] ؛ لأن الأمة والقرية جعلت موضعاً للإرسال، إيذاناً بأن المرسَل إليهم لم يأتهم من غير مكانهم، بل إنما نشأ بين أظهرهم، كما ينبئ عنه قوله :﴿ رسولاً منهم ﴾ أي : من جملتهم نسباً، وهو : هود أو صالح، فإنهما -عليهما السلام- كانا منهم. قائلاً لهم :﴿ أنِ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرهُ أفلا تتقون ﴾ عذابه، الذي يقتضيه ما أنتم عليه من الشرك والمعاصي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ وقال الملأُ من قومه ﴾، ذكر مقال قوم هود، في جوابه، في الأعراف وهود بغير " واو " ؛ لأنه على تقدير سؤال سائل، قال : فما قال قومه ؟ فقيل : قالوا : كيت وكيت، وهنا مع الواو ؛ لأنه عطفٌ لما قالوه على ما قاله الرسول ؛ ومعناه : حكاية قولهم الباطل إثر حكاية قول الرسول الحق، وليس بجواب للنبي متصل بكلامه، وجيء بالفاء في قصة نوح عليه السلام ؛ لأنه جواب لقوله، واقعٌ عَقِبَه، أي : وقال الأشراف من قومه ﴿ الذين كفروا ﴾، وُصفوا بالكفر ؛ ذَماً لهم، وتنبيهاً على غُلوِّهم فيه، ﴿ وكذَّبوا بلقاء الآخرة ﴾ أي : بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك، أو بمعادهم إلى الحياة الثانية، ﴿ وأترفناهم ﴾ : نَعَّمناهم ﴿ في الحياة الدنيا ﴾ بكثرة الأموال والأولاد، أي : قالوا لأتباعهم، مُضلين لهم :﴿ ما هذا ﴾ النبي ﴿ إلا بشرٌ مثلُكم ﴾ في الصفة والأحوال، والاحتياج إلى القِوام، ولم يقولوا : مثلنا ؛ تهويناً لأمره عليه السلام.
ثم فسر المثلية بقوله :﴿ يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ﴾ أي : منه، فحذف ؛ لدلالة ما قبله عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ ولئن أطعتم بشراً مثلكم ﴾ فيما يأمركم به وينهاكم عنه، ﴿ إنكم إذاً لخاسرون ﴾ بالانقياد لمثلكم، ومن حمقهم أنهم أبَوْا اتِّباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ أَيعدُكُمْ أنكم إِذا مِتُّم ﴾ -بالكسر والضم- ؛ من مات يُمات ويموت، ﴿ وكنتم تراباً وعظاماً ﴾ نخرة، ﴿ أنكم مُخْرَجُون ﴾، فأنكم الثانية، توكيد للأولى ؛ للفصل بينهما، والتقدير : أيعدكم أنكم مخرجون بالبعث إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ هيهات هيهاتَ ﴾، تكرير ؛ لتأكيد البُعد، وهو اسم فعل مبني على الفتح، واقع موقع بَعُد، فاعلها مضمر، أي : بعد التصديق أو الوقوع ﴿ لِما تُوعدون ﴾ من العذاب، أو فاعلها :" ما توعدون "، واللام زائدة، أي بَعُد ما تعدون من البعث، وقيل : ما توعدون من البعث. وقيل : مبتدأ، وهما اسم للبعد، و( لما توعدون ) : خبر، أي : بُعْدٌ بُعْدٌ لما توعدون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ إن ﴾ : ما ﴿ هِيَ إلا حياتنا الدنيا ﴾، والضمير لا يُعْلَمُ ما يُغْنَى به إلا بما بعده من بيانه، وأصله : إن الحياةُ إلا حياتنا، وأتى بالضمير ؛ حذراً من التكرير، أي : لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها، ودنت منها، ﴿ نموت ونحيا ﴾ أي : يموت بعضنا ويولد بعضٌ، إلى انقراض العصر، ﴿ وما نحن بمبعوثين ﴾ بَعد الموت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ إن ﴾ ؛ ما ﴿ هو إلا رجل افترى على الله كَذِباً ﴾ فيما يدَّعيه من الإرسال، وفيما يَعدنا من البعث، ﴿ وما نحن له بمؤمنين ﴾ : بمصدِّقين بما يقول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ قال ﴾ هود، أو صالح -عليهما السلام- بعدما سلك في دعوتهم كل مسلك، متضرعاً إلى الله -عز وجل- :﴿ ربِّ انصرني ﴾ عليهم، وانتقم منهم ﴿ بما كذَّبونِ ﴾ أي : بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ قال ﴾ تعالى ؛ إجابة لدعائه :﴿ عمَّا قليلٍ ﴾ أي : عن زمان قليل، زيدت " ما "، بين الجار والمجرور ؛ لتأكيد معنى القلة، أو نكرة موصوفة، أي ؛ عن شيء قليل ﴿ ليصبِحُنَّ نادمين ﴾ عما فعلوا عن التكذيب، وذلك عند معاينتهم العذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ فأخذتهم الصيحةُ ﴾، لعلهم، حين أصابتهم الريح العقيم، أُصيبوا في تضاعيفها بصيحة هائلة من صوته. أو يراد بها : صرير الريح وصوته. وقد رُوي أن شَدَّاداً حين أتم بناء إرم، سار إليها بأهله، فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء، فهلكوا، وقيل : الصيحة : العذاب المصطلِم، قال الشاعر :
صَاحَ الزَّمانُ بآلِ فُدَكٍ صيَحةً خَرُّوا ؛ لشِدَّتها، على اْلأَذْقَانِ
وإذ قلنا : هم قوم صالح، فالصيحة صيحة جبريل عليه السلام، صاح عليهم فدمرهم. وقوله :﴿ بالحق ﴾ أي : بالعدل من الله، يقال : فلان يقضي بالحق، أي بالعدل، أو : أخذتهم بالحق، أي : بالأمر الثابت الذي لا دفاع له، ﴿ فجعلناهم غُثاء ﴾ أي : كغثاء السيل، وهو ما يحمله من الورق والحشيش، شبههم في دمارهم بالغثاء، وهو ما يرميه السيل، من حيث إنهم مَرْمِي بهم في كل جانب وسَهْب. ﴿ فبُعداً ﴾ : فهلاكاً، يقال بَعُدَ بُعْداً، أي : هلك هلاكاً، وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا تظهر أفعالها، أي : فسحقاً ﴿ للقوم الظالمين ﴾، وهو إخبار، أو دعاء، واللام ؛ لبيان من دُعي عليه بالبُعد، كقوله :﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ]. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من عادة الحق -سبحانه-، إذا أكب الناس على دنياهم، واتخذوا إلههم هواهم، بعث من يذكرهم بالله، فيقول لهم : اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أي : أفردوه بالمحبة، واقصدوه بالوجهة، فما عبدَ الله من عبد هواه، فيقول المترفون، وهم المنهمكون في الغفلة، المحجوبون بالنعمة عن المنعم، الذين اتسعت دائرة حسهم : ما هذا الذي يعظكم، ويريد أن يخرجكم عن عوائدكم، ألا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، وما دَروا أنَّ وصف البشرية لا ينافي وجود الخصوصية، فإذا تمادوا في غفلتهم، وأيس من هدايتهم، ربما دعا عليهم، فأصبحوا نادمين، حين لا ينفعهم الندم، وذلك عند نزول هواجم الحِمَامِ. وبالله التوفيق.
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ﴾ * ﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾
قلت : القرن : أهل العصر، سُموا به ؛ لِقران بعضهم البعض.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ثم أنشأنا من بعدهم ﴾ أي : من بعد قوم هود، ﴿ قروناً آخرين ﴾ ؛ قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما حكى الله تعالى عن القرون الماضية والأمم السابقة، فالمراد ترهيب هذه الأمة المحمدية، وإزعاجٌ لها عن أسباب الهلاك، وإنهاض لها إلى العمل الصالح، لتكون أحاديث حِساناً بين الأمم، فكل إنسان ينبغي له أن يجتهد في تحصيل الكمالات العلمية والعملية، ليكون حديثاً حسناً لمن بعده، كما قال القائل :
مَا الْمَرءُ إلا حديثٌ من بَعدِه فَكنْ حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعَا

وقال آخر :
ومَا الْمَرءُ إلا كالشَّهابِ وضَوْؤهُ يَحورُ رَماداً بَعْدَما هو سَاطِعُ
ومَا المَالُ والأَهلْونَ إلا وديعةٌ ولا بُدَّ يوماً أن تُردَّ الْودَائِعُ
وبالله التوفيق.

﴿ ما تسبق من أمة ﴾، " مِنْ " صلة، أي : ما تتقدم أمة من الأمم المهلكة ﴿ أجلَها ﴾ الذي عُيِّن لهلاكها في الأزل، ﴿ وما يستأخرون ﴾ عنه ساعة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما حكى الله تعالى عن القرون الماضية والأمم السابقة، فالمراد ترهيب هذه الأمة المحمدية، وإزعاجٌ لها عن أسباب الهلاك، وإنهاض لها إلى العمل الصالح، لتكون أحاديث حِساناً بين الأمم، فكل إنسان ينبغي له أن يجتهد في تحصيل الكمالات العلمية والعملية، ليكون حديثاً حسناً لمن بعده، كما قال القائل :
مَا الْمَرءُ إلا حديثٌ من بَعدِه فَكنْ حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعَا

وقال آخر :
ومَا الْمَرءُ إلا كالشَّهابِ وضَوْؤهُ يَحورُ رَماداً بَعْدَما هو سَاطِعُ
ومَا المَالُ والأَهلْونَ إلا وديعةٌ ولا بُدَّ يوماً أن تُردَّ الْودَائِعُ
وبالله التوفيق.

و﴿ تترا ﴾ : حال، فمن قرأه بالألف فهو كسكرى، وهو من الوتر، واحداً بعد واحد، فالتاء الأولى بدل من الواو، وأصله : وَترى، كتراث وتقوى، والألف للتأنيث، باعتبار أن الرسل جماعة، ومن نَوَّنَه جعله كأرطى ومعزى، فيقال : أرطى ومعزى، وقيل : مصدر بمعنى فاعل، أي : متتابعين.
﴿ ثم أرسلنا رسلَنا ﴾، عطف على " أنشأنا "، على معنى أن إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة، وما بينهما اعتراض، والمعنى : ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين، قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولاً خاصاً به، والفصل بين الجملتين بالجملة المتعرضة الناطقة بعدم تقدم الأمم من أجلها المضروب لهلاكهم ؛ للمسارعة إلى بيان هلاكهم على وجهٍ إجمالي.
وقوله :﴿ تَتْرَى ﴾ أي : متواترين واحداً بعد واحد، أو متتابعين يتبع بعضهم بعضاً، ﴿ كلما جاء أمةً رسولها كذبوه ﴾، الرسول يلابس المرسِل والمرسلَ إليه، والإضافة تكون بالملابسة، فأضافهم أولاً إلى نون العظمة، وهنا إلى المرسل إليهم ؛ للإشعار بكمال شناعتهم وضلالتهم، حيث كذبت كلُّ أمةٍ رسولها المعين لها، وعبَّر عن التبليغ بالمجيء ؛ للإيذان بأنهم كذبوه في الملاقاة الأولى، ﴿ فأتبعنا بعضَهم بعضاً ﴾ في الهلاك، كما تبع بعضهم بعضاً في الكفر والتكذيب، الذي هو سبب الهلاك، ﴿ وجعلناهم أحاديثَ ﴾ ؛ أخبار، يُسمر بها ويُتعجب منها، أي : لم يبق منهم إلا حكايات يعتبر بها المعتبرون، والأحاديث يكون اسم جمع للحديث، ومنه : أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- ويكون جمعاً للأحدوثة، وهي ما يتحدث بها الناس ؛ تلهياً وتعجباً، وهو المراد هنا، ﴿ فبعداً لقوم لا يؤمنون ﴾ به وبرسله، اقتصر هنا على عدم إيمانهم، وأما القرون الأولى، فحيث نقل عنهم ما مرَّ من العتو وتجاوز الحد في الكفر والعدوان، وصفهم بالظلم. والله تعالى أعلم وأحكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما حكى الله تعالى عن القرون الماضية والأمم السابقة، فالمراد ترهيب هذه الأمة المحمدية، وإزعاجٌ لها عن أسباب الهلاك، وإنهاض لها إلى العمل الصالح، لتكون أحاديث حِساناً بين الأمم، فكل إنسان ينبغي له أن يجتهد في تحصيل الكمالات العلمية والعملية، ليكون حديثاً حسناً لمن بعده، كما قال القائل :
مَا الْمَرءُ إلا حديثٌ من بَعدِه فَكنْ حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعَا

وقال آخر :
ومَا الْمَرءُ إلا كالشَّهابِ وضَوْؤهُ يَحورُ رَماداً بَعْدَما هو سَاطِعُ
ومَا المَالُ والأَهلْونَ إلا وديعةٌ ولا بُدَّ يوماً أن تُردَّ الْودَائِعُ
وبالله التوفيق.

ثم ذكر رسالة موسى وهارون –عليهما السلام- فقال :
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ ﴾ * ﴿ فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ * ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾ * ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾
قلت :" هارون " : بدل من " أخاه ".
يقول الحق جل جلاله :﴿ ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ﴾ التسع ؛ من اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، ونقص الثمرات، والطاعون. ولا مساغ لعدّ فلق البحر منها ؛ إذ المراد الآيات التي كذبُوها واستكبروا عنها، بدليل ما بعدها. ﴿ وسلطانٍ مبينٍ ﴾ ؛ وحجة واضحة مُلزِمَة للخصم الإقرار بما دُعي إليه، وهي إمّا العصا، وإفرادها بالذكر مع اندراجها في الآيات ؛ لأنها أبهر آياته عليه السلام، وقد تضمنت معجزات شتى ؛ من انقلابها ثعباناً، وتلقفها ما أفكته السحرة، كما تقدم. وأما التعرض لانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر ؛ بضربها، وحراستها، وصيرورتها شمعة، وشجرة خضراء مثمرة، ودلْواً ورشاء، وغير ذلك مما ظهر منها في غير مشهد فرعون وقومه، فغير ملائم لمقتضى المقام، وإمّا ما أتى به من الحجج الباهرة، فيشمل ما تقدم وغيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه، فإنما سببه التكبر والعلو، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو، ولذلك ورد :" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ١ ". وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى. فمن تواضع، دون قدره، رَفَعَهُ الله فوق قدره، فالتواضع مصيدة الشرف، به يصطاد وينال، ومن أوصاف أهل الجنة :" كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره في قسمه٢ "، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه، أو لعدم ظهور الكرامة، وهي غير مطلوبة عند المحققين. والله تعالى أعلم.

﴿ إلى فرعون وملَئه ﴾ أي : أشراف قومه، خصهم بالذكر ؛ ليرتب عليه ما بعده من قوله :﴿ فاستكبروا ﴾ عن الانقياد وتمردوا. تكبراً وترفعاً، ﴿ وكانوا قوماً عالين ﴾ : متكبرين، متمردين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه، فإنما سببه التكبر والعلو، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو، ولذلك ورد :" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ١ ". وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى. فمن تواضع، دون قدره، رَفَعَهُ الله فوق قدره، فالتواضع مصيدة الشرف، به يصطاد وينال، ومن أوصاف أهل الجنة :" كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره في قسمه٢ "، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه، أو لعدم ظهور الكرامة، وهي غير مطلوبة عند المحققين. والله تعالى أعلم.

﴿ فقالوا ﴾، فيما بينهم، على طريق المناصحة :﴿ أنؤمن لبشَرَيْنِ مثلنا ﴾، " مثل " و " غير " يوصف بها الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، والبشر يطلق على الواحد، كقوله :
﴿ بَشَراً سَوِياًّ ﴾ [ مريم : ١٧ ]، وعلى الجمع، كقوله :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ﴾ [ مريم : ٢٦ ]، وأراد به هنا الواحد، فثناه، أي : كيف نؤمن لبشرين مثلنا في العجز والافتقار، ﴿ وقومهما لنا عابدون ﴾ أي : خادمون منقادون لنا كالعبيد، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بهما -عليهما السلام-، وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية، بناء على زعمهم الفاسد، من قياس الرئاسة الدينية على الرئاسات الدنيوية، الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية، من المال والجاه، كدأب قريش، حيث قالوا :﴿ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾ [ الأحقاف : ١١ ]. ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [ الزخرف : ٣١ ]. وعلى جهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت العلية، وإحراز الكمالات السنية، جِبِلَّةً أو اكتساباً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه، فإنما سببه التكبر والعلو، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو، ولذلك ورد :" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ١ ". وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى. فمن تواضع، دون قدره، رَفَعَهُ الله فوق قدره، فالتواضع مصيدة الشرف، به يصطاد وينال، ومن أوصاف أهل الجنة :" كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره في قسمه٢ "، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه، أو لعدم ظهور الكرامة، وهي غير مطلوبة عند المحققين. والله تعالى أعلم.

﴿ فكذبوهما ﴾ أي : فتمادوا على تكذيبهما، وأصروا، واستكبروا استكباراً، ﴿ فكانوا من المهلَكِين ﴾ بالغرق في بحر القلزم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه، فإنما سببه التكبر والعلو، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو، ولذلك ورد :" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ١ ". وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى. فمن تواضع، دون قدره، رَفَعَهُ الله فوق قدره، فالتواضع مصيدة الشرف، به يصطاد وينال، ومن أوصاف أهل الجنة :" كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره في قسمه٢ "، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه، أو لعدم ظهور الكرامة، وهي غير مطلوبة عند المحققين. والله تعالى أعلم.

﴿ ولقد آتينا ﴾ بعد إهلاكهم، وإنجاء بني إسرائيل من مِلكِهم واسترقاقهم، ﴿ موسى الكتابَ ﴾ : التوراة، ولَمَّا نزلت لإرشاد قومه جُعلوا كأنهم أوتوها، فقيل :﴿ لعلهم يهتدون ﴾ إلى الحق بالعمل بما من الشرائع والأحكام، وقيل : على حذف مضاف، أي : آتينا قوم موسى، كقوله :﴿ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ﴾ [ يونس : ٨٣ ]، أي : من آل فرعون وملئهم. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من طُرد وأُبعد عن ساحة رحمة الله تعالى والوصول إليه، فإنما سببه التكبر والعلو، وكل من قرب ووصل إلى الله فإنما سببه التواضع والحنو، ولذلك ورد :" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كان في قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ١ ". وحقيقة الكِبرِ : بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ، أي : إنكار الحق واحتقار الناس، وفي مدح التواضع والخمول ما لا يخفى. فمن تواضع، دون قدره، رَفَعَهُ الله فوق قدره، فالتواضع مصيدة الشرف، به يصطاد وينال، ومن أوصاف أهل الجنة :" كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره في قسمه٢ "، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكل من أنكر على أهل الخصوصية فسببه إما الحسد، أو الجهل بأن الخصوصية لا تنافي أوصاف البشرية، أو قياس الرئاسة الباطنية الدينية على الرئاسة الدنيوية، فأسقط من لا رئاسة له في الظاهر ولا جاه، أو لعدم ظهور الكرامة، وهي غير مطلوبة عند المحققين. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر عيسى عليه السلام، فقال :
﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وجعلنا ابنَ مريَم وأمه آيةً ﴾ دالة على كمال قدرتنا ؛ بولادته منها من غير مسيس بشر، ووحَّدها ؛ لأن الأعجوبة فيهما واحدة. أو المراد : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية، فحذفت الأولى ؛ لدلالة الثانية عليها، أي : وجعلنا ابن مريم وحده، من غير أن يكون له أب، آية، وأمه، من حيث أنها وَلدت من غير ذَكَر، آية، وتقديمه عليه السلام ؛ لأصالته فيما ذَكَر من كونه آية، كما أن تقديم أمه في قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ]، لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ.
﴿ وآويناهما ﴾ أي : جعلنا مأويهما ومنزلهما ﴿ إلى ربوةٍ ﴾ أي : أرض مرتفعة، وهو بيت المقدس ؛ فإنها كبد الأرض، وأقرب الأرض إلى السماء، بمعنى أنه يزيد علوها على علو الأرض، فينتقصُ بُعدها عن السماء عن بُعد غيرها منها بثمانية عشر ميلاً، كما جاء، ولعل ذلك سر كونها أرض الحشر، وكون الإسراء وقع منها. قاله المحشي، وقيل : دمشق، وقيل : فلسطين، والرملة. ﴿ ذات قرارٍ ﴾ ؛ مستقر من الأرض، مستوية منبسطة، سهلة، أو ذات ثمار، يستقر ؛ لأجل ثمارها، ساكنوها فيها، ﴿ ومَعِين ﴾ أي : ماء معين، ظاهر، جارٍ، فقيل : من معن، إذا جرى، أو مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه أو من الماعون وهو النفع ؛ لأنه نفاع لظهوره وجريه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كان عيسى عليه السلام منقطعاً عن هذا العالم، متبتلاً زاهداً، لم يتخذ في هذه الدنيا قراراً، ولم يبن فيها مسكناً ولا داراً، فكان آية للعباد والزهاد من الرجال. كما أن أمه كانت آية للنساء العابدات، في التبتل والانقطاع، فآواهما إلى ربوة التقريب والاصطفاء، ذات قرار وتمكين ومصافاة ووفاء، وجعل، جل جلاله، أولياءه على قدم أنبيائه، فمنهم على قدم نوح عليه السلام في القوة ونفوذ الهمة، مهما دعا على أحد هلك. ومنهم على قدم إبراهيم عليه السلام في الشفقة والرحمة وعلو الهمة، وتحقيق التوحيد، وإمام أهل التفريد، ومنهم على قدم موسى عليه السلام في المناجاة والمكالمة والقوة والعزم، ومنهم على قدم عيسى عليه السلام في الزهد والانقطاع، ومنهم على قدم نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- ؛ وهو الجامع لما افترق في غيره، وهو قطب الدائرة، نفعنا الله بهم جميعاً.
ولما كان جل الأنبياء بالشام، التي هي ذات قرار وأنعام، أمرهم بالأكل من تلك النعم، والشكر بالعمل الصالح، فقال :
﴿ يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ * ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ * ﴿ فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ * ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ * ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾ * ﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ يا أيها الرسل كُلوا من الطيبات ﴾، هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما ؛ لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى : الإعلام بأنَّ كل رسول في زمانه نُودي بذلك، ووصي به ؛ للإيذان بأن إباحة الطيبات شرعٌ قديم، جرى عليه جميع الرسل -عليه الصلاة والسلام- وَوُصّوا به، أي : وقلنا لكل رسول : كُلْ من الطيبات واعمل صالحاً. فعبَّر عن تلك الأوامر المتعددة المتعلقة بالرسل بصيغة الجمع ؛ للإيجاز، وفيه من الدلالة على بطلان ما عليه الرهابنة من رفض الطيبات ما لا يخفى. قاله أبو السعود. وقيل : خطاب لعيسى عليه السلام ؛ لاتصال الآية به، وكان يأكل من غزل أمه، وهو من أطيب الطيبات، وقيل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لفضله وقيامه مقام الكل، وكان يأكل من الغنائم، وما رزقه الله من غير اختيار على الله، والجمع : للتعظيم فيهما، والطيبات : ما يُستطاب ويُستلذ من مباحات المآكل والفواكه، حسبما يُنبئ عنه سياق النظم الكريم.
﴿ واعملوا ﴾ عملاً ﴿ صالحاً ﴾، فإنه المقصود منكم ؛ شكراً لما أُسدي إليكم، ولا تشتغلوا بالنعم عن طاعة المنعم وشهوده، ﴿ إني بما تعملون ﴾ من الأعمال الظاهرة والباطنة، ﴿ عليم ﴾، فأجازيكم عليه، وفيه تهديد للمذكورين، فما بالك بغيرهم ممن ألهته النعم عن شهود المنعم وشكره ؟ !
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

قلت :( وإن هذه ) : مَن كسره استأنف، ومَن فتحه حذف اللام، أي : فاتقون ؛ لأنَّ هذه، أو معطوف على ما قبله :( بما تعملون عليم )، وبأن هذه، أو بتقدير : واعلموا أن هذه.
﴿ وإن هذه أمتكم ﴾ أي : ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها ﴿ أمةً واحدة ﴾ أي : ملة واحدة، متحدة في أصول الشرائع، التي لا تُبدل بتبدل الأعصار، وهو التوحيد وما يتبعه من أصول العقائد. ﴿ وأنا ربكم ﴾ من غير أن يكون لي شريك في الربوبية، ﴿ فاتقون ﴾ : فخافوا عتابي في مخالفتكم أمري، أو في شق العصا، والمخالفة بالإخلال بمواجب ما ذكر من اختصاص الربوبية بي.
والخطاب للرسل والأمم جميعاً، على أن الأمر في حق الرسل للتهييج، وفي حق الأمم للتحذير. قيل : وجاء هنا :" فاتقون "، الذي هو أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء :﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾ [ الأنبياء : ٩٢ ] ؛ لأن هذه جاءت عقب إهلاك طوائف كثيرين، وفي الأنبياء، وإن تقدمت أيضاً قصة نوح وما قبلها، فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام، في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم، فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

و( زُبُراً ) : حال من :" أَمْرهم "، أو من " واو " ( تقطعوا )، و( نُسارع ) : خبر " أن "، و " ما " : موصولة.
ثم قال تعالى :﴿ فتقطَّعوا أمرهم ﴾ أي : فتفرقوا في أمر دينهم مع اتحاده، وجعلوه قطعاً متفرقة، وأدياناً مختلفة، ﴿ بينهم زُبراً ﴾ أي : قطعاً -جمع زَبور، بمعنى الفرقة، ويؤيده قراءة من قرأ :( زُبَراً ) بفتح الباء، جمع زُبْرة ؛ كغُرْفة، أي : قطعاً مختلفة، كلٌّ ينتحل كتاباً، وقيل : جمع زَبور، بمعنى كتاب، أي : كل فريق يزعم أن له كتاباً يتمسك به.
وعن الحسن : قطعوا كتاب الله قطعاً وحرَّفوه، والأول أقرب، أي : تفرقوا في أصل الدين فرقاً، وتحزبوا أحزاباً، ﴿ كل حزب ﴾ من أولئك المتحزبين ﴿ بما لديهم ﴾ من الدين الذي اختاروه، أول من الهوى والرأي، ﴿ فَرِحُون ﴾ : مُعجبُون، يعتقدون أنه الحق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

﴿ فذَرهم في غمرتهم ﴾ ؛ في جهالتهم وغفلتهم، شبَّه ما هم فيه من الجهالة بالماء الذي يغمر القامة ؛ لأنهم مغمورون فيها، سابحون في بحر الجهالة، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ إيذاناً بأنهم مطبوع على قلوبهم، أي : اتركهم على حالهم ﴿ حتى حين ﴾ : حتى نأمرك فيهم بما شئتُ من الجهاد أو غيره، أو : إلى أن يُقتلوا أو يموتوا على الكفر، أو : إلى وقت حلول العذاب بهم. فهو تهديد وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهى عن استعجال عذابهم، وفي التنكير والإبهام ما لا يخفى من التهويل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

﴿ أيحسبون أنما نُمِدُّهم به ﴾ أي : نعطيهم إياه ونجعله مدداً لهم، ﴿ من مالٍ وبنين ﴾ ؛ " من " : بيان، أي : أيظنون أن الذي نمدهم به من الأموال والبنين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

﴿ نُسارعُ لهم ﴾ بذلك ﴿ في الخيرات بل لا يشعرون ﴾ أنه استدراج، قيل : استدراك لقوله :﴿ أيحسبون ﴾ أي : بل هم أشباه البهائم، لا شعور لهم حتى يتأملوا في ذلك، هل هو استدراج أو مسارعة في الخيرات ؟ وحاصل المعنى : أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجاً لهم إلى المعاصي، وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات، ومعاملة لهم بالثواب، جزاء على حسن صنيعهم.
وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح ؛ لأنهم يقولون : إن الله -تعالى- لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين، وقد أخبر أن ذلك لا خير لهم فيه ولا صلاح، والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : تناول الطيبات وما تشتهيه النفس من أنواع الملذوذات، مباح في الشرع قديماً وحديثاً، إن كان من وجه مباح وقارنه الشكر ؛ لأن الحق تعالى ما خلق ذلك إلا لعباده ؛ ليشكروه ويحمدوه، ويتذكروا بذلك نعيم الجنان، الذي لا يفنى ولا يزول، وما هذا النعيم الدنيوي إلا أنموذج من نعيم الآخرة، قال تعالى :
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ]. هذا باعتبار عامة المسلمين، وأما الخاصة ؛ من العُبَّاد والزهاد والمريدين السائرين، فهم يجتنبون ما تجنح إليه النفس، ويتعلق به القلب ؛ خوفاً من الاشتغال بذلك عن العبادة أو السير ؛ لأن القلب إذا توجه لأمر أعرض عن الآخر، فإذا توجه إلى طلب الشهوات أعرض عن الله، وتَفَتَّر عن السير، وتَكَبَّل عن النهوض إلى الحضرة. ولذلك قال في الحِكَم :" كيف يشرق قلب : صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته ؟ أم كيف يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " وقال بعضهم : لَدغُ الزنابير على الأجسام المَقرحة، أيسر من لدغ الشهوات على القلوب المتوجهة.
وأما خاصة الخاصة ؛ وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم ؛ لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم... ﴾ إلخ، الاختلاف، إن كان التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- :" اختلاف أمتي رحمة "، وقال بعض الصوفية : ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر -في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض ؛ إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾، أما أهل الحق فهم فرحون ؛ لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ؛ ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق -تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله -تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول :( لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، ﴿ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ﴾. والله تعالى أعلم وأحكم.

ثم ذكر أهل القرب، إثر بيان أهل البعد، فقال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ * ﴿ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ * ﴿ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾
قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
يقول الحق جل جلاله :﴿ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ﴾ أي : من عذابه خائفون حذرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
﴿ والذين هم بآيات ربهم ﴾ المنصوبة والمُنَزَّلة، ﴿ يؤمنون ﴾ بتصديق مدلولها، وبكتب الله كلها، لا يُفرقون بين كتبه، كالذين تقطعوا أمرهم بينهم -وهم أهل الكتاب وغيرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
﴿ والذين هم بربهم لا يشركون ﴾ شركاً جلياً ولا خفياً، بخلاف مشركي العرب والعجم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
﴿ والذين يُؤتون ما آتَوْا ﴾ أي : يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات. وقرئ :( يأَتُونَ مَا أَتَواْ ) بالقصر، أي : يفعلون من الطاعات، ﴿ وقلوبهم وَجِلةٌ ﴾ : خائفة ألاَّ تُقبل منهم ؛ لتقصيرهم ؛ بأن لا يقع على الوجه اللائق، فيُؤخذوا به ويُحرموا ثوابه ؛ لأنهم ﴿ إلى ربهم راجعون ﴾ فيعاتبهم، أو من مرجعهم إليه، وهو يعلم ما يحيق عليهم، والمصولات الأربعة عبارة عن طائفة واحدة متصفة بما ذكر، في حَيِّزِ صِلاتِهَا من الأوصاف الأربعة، لا عن طوائف، كل واحدة منها متصفة بواحد من الأوصاف المذكورة، كأنه قيل : إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، وبآيات ربهم يؤمنون. . . إلخ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
وإنما كرر الموصول ؛ إيذاناً باستقلال كل واحد من تلك الصفات بفضيلة باهرة على حِيالها، وتنزيلاً لاستقلالها منزلة استقلال الموصوف بها، وخبر " إنّ " :﴿ أولئك يسارعون ﴾، أشار إليهم بالجمع باعتبار اتصافهم بتلك النعوت، مع أنَّ الموصول واقع على الجمع.
ومعنى البُعد ؛ للإشعار ببُعد رُتبتهم في الفضل، أي : أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجليلة يسرعون ﴿ في الخيرات ﴾ أي : يرغبون في الطاعات أشد الرغبة، فيبادرون إليها. أو يسارعون في نيل الخيرات العاجلة والآجلة الموعودة على الأعمال الصالحات ؛ كما في قوله تعالى :﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ [ آل عمران : ١٤٨ ]، وقوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [ النحل : ١٢٢ ]، فقد أثبت لهم ما نفى عن أضدادهم، غير أنه غيّر الأسلوب، حيث لم يقل : أولئك نسارع لهم في الخيرات ؛ بل أسند المسارعة إليهم ؛ إيماءاً إلى كمال استحقاقهم نيل الخيرات لمحاسن الأعمال. وإيثار كلمة " في "، عن كلمة " إلى " ؛ إيذانا بأنهم مُتَقلِّبون في فنون الخيرات، لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها، كما في قوله تعالى :﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ] الآية.
﴿ وهم لهم ﴾ أي : لأجل نيل تلك الخيرات، ﴿ سابقون ﴾ الناس إلى الطاعات، أو : وهم إياها سابقون، واللام زائدة ؛ لتقوية العامل، كقوله :﴿ وهم لها عاملون ﴾ أي : ينالونها قبل الآخرة، فتُعجل لهم في الدنيا، وعن ابن عباس :﴿ هم لها سابقون ﴾ أي : سبقت لهم من الله السعادة، فلذلك سارعوا في الخيرات. ه. فهو إشارة إلى تيسير كلِّ لما خُلِق له، وأنه يَسَّرهمُ القدرُ لما وصفهم به من الخير، كما أن الكفار أُمدوا بما يدعو للغفلة والإعجاب، مما هو استدراج ومكر من حيث لا يشعرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

قال في الحاشية : لمّا ذكر تعالى غفلةَ الكفار ووعيدهم، عقَّب ذلك بوصف المؤمنين بضد ذلك ويقينهم بالرُّجْعَى، وإشفاقهم من جلال الحق وقهره. هـ.
قال تعالى :﴿ ولا نُكلِف نفساً إلا وُسْعَها ﴾ أي : طاقتها، فهو تحريض على تحصيل ما وُصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الخيرات ؛ ببيان سهولته، وأنه غير خارج عن حد الوسع والطاقة، أي : عادتنا جارية بأنْ لا نكلف نفساً من النفوس إلا ما في طاقتها، فإن لم يبلغوا في فعل الطاعة مراتب السابقين، فلا عليهم، بعد أن يبذلوا طاقتهم ويستفرغوا وسعهم.
﴿ ولدينا كتابٌ ﴾ أي : صحائف الأعمال التي يرونها عند الحساب، حسبما يُعرب عنه قوله :﴿ ينطِق بالحق ﴾، كقوله :﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] أي : عندنا كتاب أثبت فيه أعمال كل أحد على ما هو عليه، أو أعمال السابقين والمقتصدين جميعاً، وقوله :( بالحق ) : يتعلق بينطق، أي : يُظهر الحق المطابق للواقع على ما هو عليه، أو يظهره للسامع، فيظهر هناك جلائل أعمالهم ودقائقها، ويرتب عليها أجزيتها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرٌ، وقيل : المراد بالكتاب : اللوح المحفوظ، وهو مناسب لتفسير ابن عباس بسبق السعادة، وقوله :﴿ وهم لا يظلمون ﴾، بيان لفضله تعالى وعدله في الجزاء، إثر بيان لطفه في التكليف وكتب الأعمال، أي : لا يظلمون في الجزاء ؛ بنقص الثواب أو بزيادة عذاب، بل يُجزون بقدر أعمالهم التي كُلّفوها، ونطقت بها صحائف أعمالهم، أو : لا يُظلمون بتكليف ما لا وسع فيه، أو : لا ينقصون مما سبق لهم في اللوح المحفوظ شيئاً، والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها : الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني : الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث : التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع : السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي. فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات.
قال في الحاشية : والمسارعة إلى الخيرات إنما هو بقطع الشرور، وأول الشرور : حب الدنيا ؛ لأنها مزرعة الشيطان، فمن طلبها وعمرها فهو حراثه وعبده، وشر من الشيطان من يُعين الشيطان على عمارة داره، وما ذلك إلا أنه لم يهتم بأمر معاده ومنقلبه، لما جرى عليه في السابقة من الحكم، ولا كذلك من وصفه في الإشفاق من المؤمنين ؛ إجلالاً لربهم، ورجوعاً لحكمه فيهم غيباً، فلا يأمنون مكره بحال، ولا يركنون إلى أعمال، بل عمدتهم ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل : أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له ؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله :" ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده "، أي : لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة ؛ لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر من اتصف بضد الأوصاف المتقدمة، فقال :
﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذالِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾ * ﴿ لاَ تَجْأَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ ﴾ * ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ * ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾
قلت :" بل " إضراب عما قبله من أوصاف المؤمنين، وانتقال إلى أضدادهم من الكافرين، والضمير للكفرة.
يقول الحق جل جلاله :﴿ بل قلوبُهم ﴾ أي : الكفرة المستدرج بهم، وهم لا يشعرون، ﴿ في غَمْرَةٍ ﴾ ؛ في غفلة غامرة لها، مما عليه هؤلاء الموصوفون بما تقدم من الخشية وما بعده، أو مما بيَّن في القرآن من أن لديه كتاباً ينطق بالحق، ويُظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد، فيُفضحون بها، كما ينبئ عنه ما بعده من قوله ﴿ قد كانت آياتي تتلى عليكم. . ﴾. ﴿ ولهم أعمال من دون ذلك ﴾ أي : ولهم أعمال خبيثة كثيرة، متجاوزة لذلك الذي وصف به المؤمنون، من الأعمال الصالحات، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم، ﴿ هم لها عاملون ﴾، وعليها مقيمون، مستمرون عليها، حتى يأخذهم الله بالعذاب، كما قال :﴿ حتى إذا أخذنا مُتْرَفِيهم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه، عاكفاً على جمع دنياه، لا يطمع في دخول حضرة مولاه، ولو صلى وصام ألف سنة. قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة، فأمَّا من شُغل بدنياه، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه. هـ. وفي الحديث :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ١ ".
و " حتى " : ابتدائية مختصة بالدخول على الجُمل.
﴿ حتى إذا أخذنا مُتْرَفِيهم ﴾ أي : منعميهم ﴿ بالعذاب ﴾ أي : عذاب الدنيا، وهو القحط سبع سنين، حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :" اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، واجعلها عَلَيْهمَ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ١ "، فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام. أو : القتل يوم بدر. والحق : إنه العذاب الأخروي ؛ إذ هو الذي يُفاجأون عنده بالجؤار، فيجابون بالرد والإقناط عن النصر، وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٧٦ ] فإنَّ المراد به ما جرى عليهم يوم بدر كما يأتي. وأما الجوع فإن أبا سفيان، وإن تضرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه بالإقناط، بل دعا لهم فكشف عنهم. وقوله تعالى :﴿ إذا هم يجأرون ﴾ أي : يصرخون ؛ استغاثة، والجؤار : الصراخ باستغاثة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه، عاكفاً على جمع دنياه، لا يطمع في دخول حضرة مولاه، ولو صلى وصام ألف سنة. قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة، فأمَّا من شُغل بدنياه، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه. هـ. وفي الحديث :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ١ ".

١ تقدم الحديث مع تخريجه..
فيقال لهم :﴿ لا تجأروا اليوم ﴾ ؛ فإن الجؤار غيرُ نافع لكم، ﴿ إنكم منا لا تُنصرون ﴾ أي : لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه، عاكفاً على جمع دنياه، لا يطمع في دخول حضرة مولاه، ولو صلى وصام ألف سنة. قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة، فأمَّا من شُغل بدنياه، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه. هـ. وفي الحديث :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ١ ".
﴿ وقد كانت آياتي ﴾ القرآنية ﴿ تُتلى عليكم ﴾ في الدنيا، ﴿ فكنتم على أعقابكم تَنكصُونَ ﴾ أي : ترجعون القهقرى، وتعرضون عن سماعها أشد الإعراض، فضلاً عن تصديقها والعمل بها، والنكوص : الرجوع القهقرى، وهي أقبح المشية ؛ لأنه لا يرى ما وراءه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه، عاكفاً على جمع دنياه، لا يطمع في دخول حضرة مولاه، ولو صلى وصام ألف سنة. قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة، فأمَّا من شُغل بدنياه، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه. هـ. وفي الحديث :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ١ ".
﴿ مستكبرين به ﴾، الظاهر أن الضمير للقرآن ؛ لتقدم ذكر آياته، والباء بمعنى " عن " أي : متكبرين عن سماعه والإذعان له، أو سببية، أي : فكنتم بسبب سماعه مستكبرين عن قبوله، وعمن جاء به، أو ضَمَّن مستكبرين معنى مُكذبين، وقيل : يعود إلى البيت الحرام، أو الحرم، وأضمر ولم يذكر ؛ لأنه من السياق. والمعنى : أنهم يستكبرون بسبب المسجد الحرام ؛ لأنهم أهله وأهل ولايته، وكانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد ؛ لأنا أهل الحرم، وقيل : تتعلق الباء بقوله :﴿ سامراً ﴾ أي : تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه، وفي النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به، و " سامراً " : مفرد بمعنى الجمع، وقرئ سُمَّاراً، ﴿ تهجرون ﴾، إما من الهَجر بالفتح، بمعنى الهذيان، أي : تهذون في شأن القرآن كما يهذو الحالم أو السكران. أو من الترك، أي : تتركونه وتفرون منه، أو تهجرون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أو من " الهجر " بالضم، وهو الفحش، ويؤيده قراءة من قرأ :" تُهجِرون "، من أهجر في منطقه : إذا أفحش. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من كان قلبه في غمرة حظوظه وهواه، عاكفاً على جمع دنياه، لا يطمع في دخول حضرة مولاه، ولو صلى وصام ألف سنة. قال القشيري : لا يَصلُحُ لهذا الشأنِ إلا من كان فارغاً من الأعمال كلها، لا شغلَ له في شأن الدنيا والآخرة، فأمَّا من شُغل بدنياه، وعلى قلبه حديثٌ من عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاه. هـ. وفي الحديث :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهمَا كَثِيرٌ مِنَ الناس : الِّصحَّةُ والفَرَاغُ١ ".
ثم أمر بالتدبر والنظر، لعله يقع التيقظ، فقال :
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأَوَّلِينَ ﴾ * ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ * ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ * ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ * ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ * ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
قلت : الهمزة للإنكار، والفاء للعطف على محذوف، أي : أَفعلوا ما فعلوا من النكوص والاستكبار فلم يتدبروا القرآن، و " أم " : منقطعة، فيها معنى الإضراب والتوبيخ في الجميع.
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَفَلَمْ يدّبروا القولَ ﴾ ؛ يتدبروا القرآن ليعرفوا، بما فيه من إعجاز النظم وصحة المدلول، والإخبار عن المغيبات الماضية والمستقبلة، أنه الحق، فيؤمنوا به، ويُذعنوا لمن جاء به، ﴿ أم جاءهم ﴾ ؛ بل أَجاءهم من الكتاب ﴿ ما لم يأتِ آباءهم الأولين ﴾، حتى استبعدوه واستبدعوه، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ أم لم يعرفوا رسولهم ﴾ أي : بل ألم يعرفوه -عليه الصلاة والسلام- بالأمانة والصدق، وحسن الأخلاق، وكمال العلم من غير تعلم ولا مدارسة، وغير ذلك مما حازه من الكمالات اللائقة بالأنبياء قبله، بل عرفوه بذلك ﴿ فهم له منكِرون ﴾ بغياً وحسداً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ أم يقولون به جِنَّة ﴾ ؛ جنون، وليس كذلك ؛ لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلاً، وأثقبهم ذهناً، وأتقنهم رأياً، وأوفرهم رزانة، ولقد شهد له بذلك كل من رآه من الأعداء والأحباب، ﴿ بل جاءهم بالحق ﴾ أي : ليس الأمر كما زعموه في حق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وما جاء به من القرآن، بل جاءهم بالحق الأبلج والصراط المستقيم، وبما خالف أهواهم، من التوحيد الخالص والدين القيم، ولم يجدوا له مرداً ولا مدفعاً، فلذلك نسبوه إلى الجنون، ﴿ وأكثرُهُم للحقِّ ﴾ من حيث هو حق، لا لهذا بعينه، فلذلك أظهر في موضع الإضمار، ﴿ كارهون ﴾ ؛ لِمَا في جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ؛ ولذلك كرهوا هذا الحق الأبلج، وزاغوا عن الطريق الأبهج، وفي التعبير بالأكثر دليل على أن أقلهم ما كان كارهاً للحق بل كان تاركاً للإيمان به، أنفةً واستنكافاً من توبيخ قومه، أو لقلة فطنته وعدم تفكره، كأبي طالب وأضرابه. قال أبو السعود : وأنت خبير بأن التعرض لعدم كراهة بعضهم للحق، مع اتفاق الكل على الكفر به، مما لا يساعده المقام أصلاً. ه. فحمل الأكثر على الكل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ ولو اتبع الحقُّ أهواءهم ﴾ بأن كان في الواقع آلهة شتى ؛ ﴿ لفسدتِ السماواتُ والأرضُ ومن فيهن ﴾ كما تقدم في قوله :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ]، فالاتباع هنا مجاز، أي : لو جاء الوحي على ما يشتهون لفسدت السماوات، فالحق هنا هو المذكور في قوله :﴿ بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ﴾، والمعنى : لو كان ما كرهوه من الحق، الذي من جملته ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، موافقاً لأهوائهم الباطلة ؛ لفسد نظام العالم، وتخصيص العقلاء بالذكر حيث عبَّر بمن ؛ لأنَّ غيرهم تبع.
﴿ بل أتيناهم بذكْرهم ﴾ : بشرفهم، وهو القرآن الذي فيه فخرهم وشرفهم، كما قال تعالى :
﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] ؛ لأن الرسول منهم، والقرآن لغتهم، أو بتذكيرهم ووعظهم، أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه، ويقولون :﴿ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأَوَّلِينَ ﴾ [ الصافات : ١٦٨ ]، ﴿ فهم عن ذِكْرِهم معرضون ﴾ أي : فهم، بما فعلوا من النكوص، عن فخرهم وشرفهم معرضون، وهذا مما جُبِلَتْ عليه النفوس الأَمّارة ؛ الإعراض عما فيه خيرها، والرغبة فيما فيه هلاكها، إلا من عصم الله، وفي إسناد الإتيان إلى نون العظمة، بعد إسناده إلى ضميره عليه الصلاة والسلام، ومن التنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. انظر أبا السعود.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ أم تسألُهُم خَرْجاً ﴾، هذا انتقال من توبيخهم بما ذكر من قولهم :﴿ أم يقولون به جِنَّة ﴾، إلى التوبيخ بوجه آخر، كأنه قال : أم يزعمون أنك تسألهم عن أداء الرسالة ﴿ خَرْجا ﴾ أي : جُعلاً، فيتهمونك، أو يثقل عليهم فلذلك لا يؤمنون، ﴿ فخراجُ ربك خيرٌ ﴾ أي : رزقه في الدنيا، وثوابه في الآخرة، خير لك من ذلك ؛ لدوامه وكثرته، أي : لا تسألهم ذلك ؛ فإن ما رزقك الله في الدنيا والعقبى خير لك من ذلك ؛ وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره -عليه الصلاة والسلام-، من تعليل الحكم وتشريفه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
والخَرْج والخراج واحد، وهو : الأجر المأخوذ على العمل، ويطلق على الغلة والضريبة، كخراج العبد والأرض، وقال النضر بن شُميل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفراق بين الخراج والخَرْج، فقال : الخراج ما لزمك، والخرج مَا تَبَرَّعْتَ به، وقيل : الخرج أخص من الخراج ؛ لأنَّ الخراج يطلق على كل ما يستفيده المرء من غلة، أو أجرة، أو زكاة، والخرج خاص بالأجرة، وفي الخراج إشعار بالكثرة، فلذلك عبَّر به في جانبه -تعالى- والمعنى : أم تسألهم، على هدايتك لهم، قليلاً من عطاء الخلق، فالكثير من عطاء الخالق خير، ﴿ وهو خير الرازقين ﴾ : أفضل المعطين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ﴾ تشهد العقول السليمة باستقامته، ليس فيه شائبة اعوجاج، توجب اتهامهم لك بوجه من الوجوه، ولقد ألزمهم الله -تعالى- الحجة، وأزاح عِللهم في هذه الآيات، حيث حصر أقسام ما يؤدي إلى الإنكار والاتهام من قوله :﴿ أم لم يعرفوا رسولهم. . . ﴾ إلى هنا، وبيَّن انتفاءها، ولم يبق إلا كراهة الحق وعدم الفطنة أو العناد أو المكابرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

﴿ وإنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط ﴾ ؛ عن طريق الحق ﴿ لناكِبُون ﴾ أي : لعَادلون عن هذا الصراط المذكور، وهو الصراط المستقيم، وصفهم بعدم الإيمان بالآخرة، تشنيعاً لهم بما هم عليه من الانهماك في الدنيا، وزعمهم ألاَّ حياة إلاَّ حياة الدنيا، وإشعاراً بعِلّيّة الحُكم ؛ فإن الإيمان بالآخرة وخوف ما فيها من الدواهي من أمور الدعاوي إلى طلب الحق وسلوك سبيله. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من أنكر على أهل الخصوصية، ولم يعرف خصوصيتهم ؛ فسببه ثلاثة أمور : إما أنه لم يصحبهم ولم يتدبر ما يقولون، ولا ما يأمرون به وينهون عنه، وإنما يرميهم رجماً بالغيب، وإما أنه حسدهم وخاف على جاهه أن يتنقل لغيره، وإما أنهم أتوا بخرق عوائد النفوس التي لم تكن لآبائهم الأولين، فقالوا :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمِ مُّقْتَدُونَ ﴾، وإنما جاءهم بالحق، وأكثرهم للحق كارهون، وكيف تُخرق للعبد العوائد، وهو لم يخرق من نفسه العوائد ؟.
﴿ وَلَوِ اْتَّبَعَ اْلحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾، بأن كانت التربية على طريق العوائد، والاستمرار معها لفسد النظام، ولبقي الكون كله ظلمة لجميع الأنام ؛ إذ لا يمكن أن يصير الكون نوراً، بظهور الحق فيه، إلا بخرق عوائد النفوس، وإخراجها عن هواها، فحينئذٍ تخرق له ظلمة الكَون، فيفضي إلى شهود المكَوّن، ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي : بشرفهم، بمعرفة الحق على نعت العيان، ﴿ وهم عن ذكرهم معرضون ﴾ ؛ حيث انهمكوا في عوائدهم، ولم يقبلوا من يخرجهم عنها ويعرفهم بالله لله، من غير خراج ولا طمع.
قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- :﴿ أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾. قال القشيري : أي : إنَّكَ لا تُطالبهم على تبليغ الرسالة بأجرة، ولا بإعطاءِ عِوَض، حتى تكون في موضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة، أم لعلك تريد أن يَعْقدُوا لك الرئاسة، ثم قال : والذي لَكَ من الله -سبحانه- من جزيل الثواب، وحسن المآب، يُغْنيك عن التصدي لنيلِ ما يكون في حصوله منهم مطمع. هذه كانت سُنَّة الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ؛ عملوا لله فلم يطلبوا عليه أجراً من غير الله، والعلماء ورثة الأنبياء في التنزه من التَّدَنُّس بالأطماع، والأكل بالدين، فإنه ربا مُضِرٌّ بالإيمان، إن كان العملُ لله فالأجر مُنتظرٌ من الله، وهو موعودٌ مِن قبل الله. هـ. وراجع ما تقدم في سورة هود ؛ فإنه أوفى من هذا١.
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، هو طريق الوصول إلى شهود الذات الأقدس، من طريق التربية، التي هي مخالفة الهوى والخروج عن العوائد. وقال القشيري : الصراطُ المستقيمُ : هو شهودُ الحقِّ بنعت الإنفراد في جميع الأشياء، والإيجاف، والاستسلام لقضايا الإلزام، بمواطأة القلب من غير استكراه الحُكمْ. هـ. وقال الورتجبي عن بعضهم : لولا أن الله - تعالى - أمر بمخالفة النفوس ومباينتها، لاتَّبع الخلق أهواءهم في شهوات النفوس، ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله، وأعرضوا عن طاعته، ولزموا المخالفة، ألا ترى الله يقول :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾.
ثم بيَّن سبحانه أن حبيبه - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى تلك المشاهدة بقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٧٣ ) ﴾ أي : مما أوضحه أنوار جماله وشاهَدْتَه، وهي طريق معرفته في قلوب الصِّدّيقين للأرواح القدسية. وتلك الطريقة منتهاها المحبة، وبدايتها الأسوة والمتابعة ؛ لقوله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣١ ]. هـ. قلت : المراد بالمحبة محبة الحق لعبده ؛ بدليل الآية التي ذكر. وقال ابن عطاء : إنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك، ولا يوفق له إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا مع الله ولم يطلبوا معه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاماً. هـ.
قوله تعالى :﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ أي : لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وهي حياة النفوس بالمعرفة العيانية، بعد موتها بالجهل والوقوف مع الحس والعوائد، ممن لا يصدق بهذه الحياة، وأنكر وجود من يوصل إليها عن طريق الحق الموصلة إليه، لناكبون، فهم في الحيرة والتلف تائهون، عائذاً بالله من ذلك.

ثم ذكر انهماكهم في الغفلة ؛ لسبق القضاء عليهم، فقال :
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ * ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضُرّ ﴾، كقحط وجدب، ﴿ لَلَجُّوا ﴾ : لتمادَوا ﴿ في طغيانهم ﴾ : إفراطهم في الكفر والعتو والاستكبار وعداوة الرسول - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين، ﴿ يعمهون ﴾ : يترددون عامهين عن الهدى. قال ابن عباس : لما أَسْلَمَ ثُمَامَةُ بن أَثالٍ الحنفي، ورجع إلى اليَمَامَةِ، مَنَعَ المِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّة، وَأَخَذَهُمُ الله تعالى بالسنين حَتَّى أَكلَّوا العِلْهِزَ، جَاءَ أبو سُفْيانَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أَنْشدُك الله والرَّحِمَ، ألسْتَ تزعمُ أَنّك بُعثْتَ رَحْمَة للعالَمين ؟ قال : بَلَى، قال : قتلتَ الآباءَ بالسَّيف، والأبنَاءَ بالجوعِ، فنزلت١. قال ابن جُزي : وفيه نظر ؛ فإن الآية مكية باتفاق، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بعد الهجرة، حسبما ورد في الحديث. ه.
قلت : والتحقيق : أن القحط نزل بهم مرتين، أحدهما قبل الهجرة، حين دعا عليهم - صلى الله عليه وسلم - بقوله :" اللهم أَعنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف "، فأخذتهم سَنَةٌ حصدت كل شيء، حتى أكلوا الميتة والعظام، وكانوا يرون كهيئة الدخان من الجوع، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادعُ الله يغيثنا، فدعا لهم. . الحديث. وفيه نزل الله تعالى :﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الدخان : ١٠ ] الآية، وقوله هنا :﴿ ولو رحمناهم وكشفنا. . . ﴾ الآية. ومرة أخرى بالمدينة ؛ حين استغاثوا به عليه السلام وهو يخطب، ولعله هو الذي ذكره ابن عباس في إسلام ثمامة، ولعل قوله :" فنزلت الآية " سهو ؛ لأنها نزلت قبل الهجرة، إلاّ أن تكون الآية مدنية في السورة المكية، وقول ابن جزي :" دعا عليهم بعد الهجرة "، التحقيق، أنه دعا عليهم قبلُ وبعدُ. والله أعلم.
والمعنى : لو رحمناهم، وكشفنا ما بهم من القحط والهزال ؛ برحمتنا إياهم، ووجدوا الخصب، لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والاستكبار، ولذهب عنهم هذا الخلق والتعلق بك، وهذا كقوله تعالى في الدخان :﴿ إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾ [ الدخان : ١٥ ]، قيل : المراد بالضر : العذاب الأخروي، فيكون كقوله :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾
[ الأنعام : ٢٨ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أهل الغفلة والبُعد لا يرجعون إلى الله في السراء ولا في الضراء ؛ لانهماكهم في الغفلة والقساوة، وأهل اليقظة يرجعون إلى الله في السراء والضراء، في السراء بالحمد والشكر، وفي الضراء بالصبر والرضا والتسليم، مع التضرع والابتهال ؛ عبوديةً، والمقتصدون يرجعون إليه - تعالى - في الضراء، ويغفلون عن الشكر في السراء، والأول ظالم لنفسه، والثاني سابق، والثالث مقتصد. وبالله التوفيق.

١ أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، تفسير سورة المؤمنون..
﴿ ولقد أخذناهم بالعذاب ﴾، وهو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر، وهو قوله - تعالى - في الدخان ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ [ الدخان : ١٦ ]. ﴿ فما استكانُوا لربهم ﴾ بذلك، أي : لم يخضعوا ولم يتذللوا. و " استكانوا " : افتعل من السكون، والألف زائدة، أو استفعل من الكون، أي : انتقل من كون إلى كون، كاستحال، إذا انتقل من حالٍ إلى حال ؛ لأن الخاضع ينتقل من كون إلى كون ﴿ وما يتضرعون ﴾ أي : وليس من حالهم التضرع إليه تعالى، وعبَّر بالمضارع، ليدل على الاستمرار، أي : ليس شأنهم التضرع في هذه الحالة وغيرها، أو : فما استكانوا فيما مضى، وما يتضرعون فيما ينزل بهم في المستقبل، والمعنى : تالله لقد أخذناهم بالعذاب، وقتلناهم بالسيوف، وما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم، فما وُجدت، بعد ذلك، منهم استكانة ولا تضرع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أهل الغفلة والبُعد لا يرجعون إلى الله في السراء ولا في الضراء ؛ لانهماكهم في الغفلة والقساوة، وأهل اليقظة يرجعون إلى الله في السراء والضراء، في السراء بالحمد والشكر، وفي الضراء بالصبر والرضا والتسليم، مع التضرع والابتهال ؛ عبوديةً، والمقتصدون يرجعون إليه - تعالى - في الضراء، ويغفلون عن الشكر في السراء، والأول ظالم لنفسه، والثاني سابق، والثالث مقتصد. وبالله التوفيق.
﴿ حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذابٍ شديد ﴾، وهو عذاب الآخرة، ﴿ إذا هم فيه مبلسون ﴾ : متحيرون آيسون من كل خير، وهذا هو الصواب من حمل العذاب على عذاب الآخرة، بدليل وصفه بالشدة والإياس. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أهل الغفلة والبُعد لا يرجعون إلى الله في السراء ولا في الضراء ؛ لانهماكهم في الغفلة والقساوة، وأهل اليقظة يرجعون إلى الله في السراء والضراء، في السراء بالحمد والشكر، وفي الضراء بالصبر والرضا والتسليم، مع التضرع والابتهال ؛ عبوديةً، والمقتصدون يرجعون إليه - تعالى - في الضراء، ويغفلون عن الشكر في السراء، والأول ظالم لنفسه، والثاني سابق، والثالث مقتصد. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل قدرته –تعالى- وفي ضمنه استدعاؤهم إلى الرجوع إليه تعالى بالشكر، فقال :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ * ﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ * ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ * ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وهو الذي أنشأ ﴾ : خلق ﴿ لكم السمع والأبصار ﴾ ؛ لتشاهدوا بها عجائب مصنوعاته ودلائل قدرته، أو لتتوصلوا إلى شهود آياته الكونية والتنزيلية، ﴿ والأفئدة ﴾ ؛ لتتفكروا بها فيما تشاهدونه منها وتعتبروا، وخصها بالذكر ؛ لأنه يتعلق بها من بالمنافع ما لا يتعلق بغيرها، وقدَّم السمع ؛ لأنَّ أكثر العلوم إنما تُنال به، ﴿ قليلاً ما تشكرون ﴾ أي : شكراً قليلاً غير معتد به تشكرون تلك النعم الجليلة ؛ لأن العمدة في الشكر : صرف تلك القوى - التي هي في أنفسها نِعمَ باهرة - إلى ما خلقت له، وأنتم تنتحلون بها ضلالاً عظيماً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
﴿ وهو الذي ذرأكم في الأرض ﴾ أي : خلقكم وبثكم فيها بالتناسل، ﴿ وإليه تُحشرون ﴾ أي : تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم، فيجازيكم على إحسانكم وإساءتكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
﴿ وهو الذي يُحيي ويميت ﴾، من غير أن يشاركه في ذلك أحد ولا شيء من الأشياء، ﴿ وله اختلافُ الليل والنهار ﴾ أي : المؤثر في اختلافهما، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ فتعرفون بالنظر والتأمل أن الكل منا، وأن قدرتنا تعم جميع الممكنات، التي من جملتها البعث والحساب، وقُرئ " يعقلون " ؛ بالغيب، على الالتفات ؛ لحكاية سوء حال المخاطبين، ﴿ بل قالوا ﴾ عطف على مضمر يقتضيه المقام، أي : فلم يعقلوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
﴿ بل قالوا مثلَ ما قال الأولون ﴾ أي : آباؤهم ومن دان دينهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
﴿ قالوا أئذا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون ﴾، هو تفسير لما أبهم قبله، أي : قالوا : أُنبعث بعد هذه الحالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
﴿ لقد وُعِدْنَا نحن وآباؤنا هذا ﴾ البعث ﴿ من قبل ﴾ : متعلق بالفعل من حيث إسناده إلى آبائهم لا إليهم، أي : وُعِدَ هذا آباؤنا من قبلُ، أو حال من آبائنا، أي : كائنين من قبل، ﴿ إنْ هذا ﴾ أي : ما هذا ﴿ إلا أساطير الأولين ﴾ أي : أكاذيبهم التي سطروها، وهي جمع أسطورة كأُحدوثة وأُعجوبة، أو جمع أسطار، جمع سطر، فيكون جمع الجمع. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. ( وهو الذي يحيي ويميت ) ؛ يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل ما أنكروه من البعث، فقال :
﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ قل ﴾ يا محمد لمن أنكر البعث :﴿ لِمن الأرضُ ومن فيها ﴾ من المخلوقات ؛ عاقلاً أو غيره، أي : من أوجدها، ودبر أمرها، ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ شيئاً ؟ والجواب محذوف، أي : فأخبروني ؛ فإن ذلك كاف في الجواب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

﴿ سيقولون لله ﴾ ؛ لأنهم مُقرُّون بأنه الخالق، فإن أقروا بذلك ﴿ فقل أفلا تذكرون ﴾ فتعلمون أنَّ من قدر على خلق السماوات والأرض وما فيهن، كيف لا يقدر على إعادة الخلق بعد عدومها ؟ فإن الإعادة أهون من البدء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

﴿ قل من ربُّ السماوات السبع وربُّ العرش العظيم ﴾، أعيد الرب ؛ تنويهاً لشأن العرش، ورفعاً لمحله ؛ لئلا يكون تبعاً للسماوات والأرض، وجوداً وذكراً، ولقد روعي في الأمر بالسؤال الترقي من الأدنى إلى الأعلى، فإن سألتهم ( سيقولون لله ) أي : هي لله، كقولك : مَن رب هذا الدار ؟ فتقول : هي لفلان، وقال الشاعر :
إذَا قِيل : مَن رَبُّ الْمَزالِفِ والْقِرَى *** ورَبُّ الْجِياد الجُرْدِ ؟ قيل : لخَالِدِ
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

وقال الأخَفش : اللام زائدة، أي : هو الله، وبعدمه قرأ أهل البصرة، فيه وفيما بعده، واتفقوا على إثباته في الأول، ليطابق السؤال، فإن أجابوا بذلك ﴿ فقل أفلا تتقون ﴾ أي : أتعلمون ذلك، ولا تتقون عذابه في كفركم وجحودكم قدرته على البعث ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

﴿ قل من بيده ملكوت كل شيء ﴾ أي : التصرف التام في كل شيء بقهره وسلطانه، فالملكوت، في أصل اللغة، مبالغة في الملك، زيدت الواو والتاء ؛ للمبالغة، كالجبروت ؛ مبالغةً في الجبر، وفي عرف الصوفية، الملكوت : ما بطن من أسرار المعاني القائمة بالأواني، أو نقول : ما غاب في عالم الشهادة من أسرار الذات، فحس الأواني مُلك، ومعانيها ملكوت، والجبروت : ما خرج عن دائرة الأكوان من بحر الأسرار، الفائض بأنوار الملكوت، وهذه أسماء لمسمى واحد، وهو بحر الوحدة.
ثم قال تعالى :﴿ وهو يُجير ﴾ أي : يغيث، يقال : أجرت فلاناً على فلان : إذا أغثته منه، يعني : وهو يغيث من شاء ممن شاء، ﴿ ولا يُجار عليه ﴾ : ولا يغيث أحد عليه، أي : لا يمنع أحدٌ أحداً بالنصر عليه. ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ شيئاً ما، أو تعلمون ذلك، فأجيبوني ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

﴿ سيقولون لله ﴾ أي : لله ملكوت كل شيء، وهو يُجير ولا يُجار عليه، ﴿ قلْ فأنى تُسحرون ﴾ أي : فمن أين تُخدعون وتُصرفون عن الرشد، وعن توحيد الله وطاعته ؟ فإنَّ من لا يكون مسحوراً مختل العقل لا يكون كذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

قال تعالى :﴿ بل أتيناهم بالحق ﴾ الذي لا محيد عنه ؛ من التوحيد والوعد بالبعث، ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ فيما قالوا من الشرك وإنكار البعث. وبالله التوفيق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قل : لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل : سيقولون : لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل : من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح ؛ بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري : أولاً قال :( أفلا تذكرون )، ثم قال بعده :( أفلا تتقون ) ؛ قدَّمَ التذكرَ على التقوى ؛ لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال :( فأنى تُسْحَرون ) ؟ أي : بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟. هـ.

ثم أبطل دعوى الولد والشريك عليه تعالى، فقال :
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ * ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ما اتخذَ الله من ولدٍ ﴾، خلاف ما يقوله النصارى، والعرب التي قالت : للملائكة بنات الله، تعالى عن قولهم علواً كبيراً، ﴿ وما كان معه من إلهٍ ﴾ يُشاركه في ألوهيته، كما يقول عبدة الأوثان وغيرهم، ﴿ إذاً لذهب كل إله بما خلق ﴾ أي : لو كان معه آلهة، كما يزعمون، لذهب كل واحد منهم بما خلقه واستبد به ؛ ليتميز ملكه من ملك الآخر، ووقع بينهم التغالب والتحارب، كما هو الجاري بين الملوك، ﴿ ولعلا بعضُهم على بعضٍ ﴾ : ولغلب بعضهم على بعض، وارتفع عليه، كما ترون حال ملوك الدنيا ؛ ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، وحين لم تروا أثراً لتمايز الممالك والتغالب ؛ فاعلموا أنما هو إله واحد.
قال ابن جُزَيّ : وليس هذا البرهان بدليل التمانع، كما فهم ابن عطية وغيره، بل بدليل آخر. وقال في قوله :﴿ لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا ﴾ : قال كثير من الناس : إنه دليل التمانع الذي أورده المتكلمون، والظاهر من اللفظ أنه استدلال آخر أصح منه. ه قال النسفي : ولا يقال :" إذاً " لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، وهو هنا وقع لذهب ؛ جزاءً وجواباً، ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل ؛ لأن الشرط هنا محذوف، تقديره : لو كان معه آلهة كما يزعمون لذهب. . . إلخ، دل عليه :( وما كان معه من إله )، وهو جواب لمن حاجّه من المشركين. ه.
﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ من الأنداد والأولاد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ثلاثة إذا تعددت فسد النظام : الإله، والسلطان، والطبيب ؛ فلو تعدد الإله لفسد نظام العالم، ولو تعدد الْملك لفسدت الرعية بالهرج والفتن، ولو تعدد الطبيب لفسد العلاج. والطبيب على قسمين : طبيب الأبدان، وطبيب القلوب، وهو شيخ التربية، فإذا تعدد على مريد واحد فسدت تربيته ؛ لانقسام محبته واختلاف علاجه، فالمريد، إذا علق قلبه بغير شيخه، لا ينهض نهوض من جمع همته على شيخه، بل لا يجيء منه شيء. والله تعالى أعلم.
قال القشيري : كل أمر نِيطَ بين اثنين انتفى عنه النظام وصحةُ التربية. هـ. وقال الورتجبي : نزه الحق - سبحانه - ذاته عن مخايل الزنادقة، وكان منزهاً عن أباطيل إشارة المشبهة، وذاته ممتنعة بكمال أحديته، عن زعم الثنوية، كيف يجوز أن يكون القِدم محل الحوادث ؛ إذ القديم المنزه، إذا تجلى بنعت القدم للحدثان، صار معدوماً كالعدم، تعالى الله عن كل وهْم وإشارة. هـ.

﴿ عالِمِ الغيبِ والشهادةِ ﴾ أي : السر والعلانية، أو ما ظهر من حس الأكوان، وما غاب فيها وعنها، فمن جرّ " عالم " ؛ فبدل من الجلالة، أو صفة له، ومن رفعه ؛ فخبر عن مضمر، أي : هو عالم. ﴿ فتعالى عمّا يُشركون ﴾ من الأصنام وغيرها، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ فإنَّ تفرده تعالى بالألوهية والعلم المحيط، موجب لتعاليه عن أن يكون له شريك. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ثلاثة إذا تعددت فسد النظام : الإله، والسلطان، والطبيب ؛ فلو تعدد الإله لفسد نظام العالم، ولو تعدد الْملك لفسدت الرعية بالهرج والفتن، ولو تعدد الطبيب لفسد العلاج. والطبيب على قسمين : طبيب الأبدان، وطبيب القلوب، وهو شيخ التربية، فإذا تعدد على مريد واحد فسدت تربيته ؛ لانقسام محبته واختلاف علاجه، فالمريد، إذا علق قلبه بغير شيخه، لا ينهض نهوض من جمع همته على شيخه، بل لا يجيء منه شيء. والله تعالى أعلم.
قال القشيري : كل أمر نِيطَ بين اثنين انتفى عنه النظام وصحةُ التربية. هـ. وقال الورتجبي : نزه الحق - سبحانه - ذاته عن مخايل الزنادقة، وكان منزهاً عن أباطيل إشارة المشبهة، وذاته ممتنعة بكمال أحديته، عن زعم الثنوية، كيف يجوز أن يكون القِدم محل الحوادث ؛ إذ القديم المنزه، إذا تجلى بنعت القدم للحدثان، صار معدوماً كالعدم، تعالى الله عن كل وهْم وإشارة. هـ.

ولما توعدهم بالعذاب على كفرهم، أمر نبيه –عليه الصلاة والسلام- بالدعاء بالنجاة منه إذا نزل بهم، فقال :
﴿ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ * ﴿ رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾ * ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ * ﴿ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ ﴾ * ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ * ﴿ لَعَلِّيا أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ قل ربّ إِما تُرِيَنَّي ﴾ أي : إذا كان لا بد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل في الدنيا أو عذاب الآخرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

﴿ ربِّ فلا تجعلني في القوم الظالمين ﴾ أي : قريباً لهم فيما هم فيه من العذاب، وفيه إيذان بفظاعة ما وُعدوه من العذاب، وأنه يجب أن يستعيذ منه مَن لا يكاد أن يحيق به، وردٍّ لإنكارهم إياه واستعجالهم على طريقة الاستهزاء، وقيل : أمر به صلى الله عليه وسلم هضماً لنفسه، وقيل : إن شؤم الكفرة قد يحيق بمن وراءهم ؛ كقوله تعالى :
﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً. . . ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ] إلخ، ورُوي عن الحسن ( أنه - تعالى - أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمر بهذا الدعاء ) ويجوز أن يسأل النبيُّ المعصوم ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله ؛ إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. والفاء : جواب " إما " الشرطية، أي : إن نزلت بهم النقمة فاجعلني خارجاً عنهم، وتكرير النداء، وتصدير كل من الشرط والجزاء به - أي : بالدعاء - ؛ لإبراز كمال الضراعة والابتهال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

قال تعالى :﴿ وإِنا على أن نُّرِيَكَ ما نَعِدُهم ﴾ من العذاب ﴿ لقادرون ﴾، ولكنا نؤخره ؛ لعلمنا بأن بعضهم، أو بعض أعقابهم، سيؤمنون، أو : لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، وقيل : قد أراهم ذلك، وهو ما أصابهم يومَ بدر وفتح ومكة، وهو بعيد ؛ لأن المبادر أن يكون ما استحقوه من العذاب الموعود عذاباً هائلاً مستأصلاً لا يظهر على يديه صلى الله عليه وسلم ؛ للحكمة الداعية إليه، وكانوا يضحكون، استهزاءً بهذا الوعد، وإنكاراً له، فقال لنبيه - عليه الصلاة والسلام - :﴿ ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

﴿ ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ ﴾ أي : ادفع الخصلة السيئة بالخصلة التي هي أحسن، وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها، لكن بحيث لا يؤدي إلى وَهَنٍ في الدين وإهانةٍ له. وقيل : السيئة : الشرك، والتي هي أحسن : كلمة التوحيد، وقيل : السيئة : المنكر، والتي هي أحسن : النهي عنه، وقيل : هي منسوخة بآية السيف، وقيل : محكمة ؛ إذ المداراة مأمور بها. قال ابن عطية : أمر بمكارم الأخلاق، وما كان منها بهذا المعنى، فهو محكم باق في الأمة أبداً، وما كان بمعنى المواعدة فمنسوخ بآية القتال. ه.
وهذا التركيب أبلغ من " ادفع بالحسنة السيئة " ؛ لما فيه من التنصيص على التفضيل، وتقديم الجار والمجرور على المفعول ؛ للاهتمام. ﴿ نحن أعلم بما يصفون ﴾ من الشرك والولد، أو بما يصفك به، مما أنت على خلافه، من السحر وغيره، فسنجازيهم عليه، وفيه وعيد لهم، وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإرشاد له إلى تفويض أمره إليه تعالى والاكتفاء بعلمه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

﴿ وقل ربِّ أعوذُ بك من هَمَزاتِ الشياطين ﴾ أي : وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت من المحاسن، التي من جملتها دفع السيئة بالحسنة، وأصل الهمز : النخس، ومنه : مهماز الرائض، شبه حثهم للناس على المعاصي بهمز الرائض الدوابَّ على الإسراع والوثب. وجَمَعَ همزات ؛ لتنوُّع الوساوس وتعدد المضاف إليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

﴿ وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون ﴾، أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه، والتعوذ من أن يحضروه أصلاً في حال من الأحوال ؛ مبالغة في التحذير من ملابستهم، أو أن يحضروه عند التلاوة أو الصلاة، أو عند النزع ؛ تشريعاً. وإعادة الفعل، مع تكرير النداء ؛ لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

ولا تزال الكفرة تصف الحق بما لا يليق به من الشرك، ﴿ حتى إذا جاء أحدَهم الموتُ ﴾ أي : لا يزالون مشركين حتى يموتوا، فحتى، هنا، ابتدائية، دخلت على جملة الشرط، وهي متعلقة بيصفون، وما بينهما اعتراض مؤكد للإغضاء، لكن لا بمعنى أنه العامل فيه ؛ لفساد المعنى، بل بمعنى أنه معمول لمحذوف دل عليه ذلك، أي : تنزيهاً له تعالى عما يصفون، ويستمرون على الوصف المذكور، حتى إذا جاء أحداً منهم الموت الذي لا مرد له، وظهرت له أحوال الآخرة، ﴿ قال ﴾ ؛ تحسراً على ما فَرَّطَ فيه من الإيمان والطاعة :﴿ ربِّ ارجعون ﴾ أي : ردني إلى الدنيا، والواو ؛ لتعظيم المخاطب، كخطاب الملوك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.

﴿ لعلي أعملُ صالحاً فيما تركت ﴾ أي : في الإيمان الذي تركته، أو في الموضع الذي تركت فيه الإيمان والطاعة ؛ وهو الدنيا ؛ لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى.
قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا عشيرة، ولكن ليتدارك ما فرط.
وعنه، صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إِذَا عَايَنَ المؤمن المَلائِكَةَ قَالُوا له : نُرجِعُكَ إلى الدُّنْيا ؟ فَيَقُولُ : إِلَى دارِ الهُمومِ والأحْزانِ ؟ بَلْ قُدُوماً إلى اللهِ تبارك، وتعالى، وأمَّا الكافر فَيقُولُ : ارجعون لعلي أعملَ صالحاً١. . . " وقال القرطبي : ليس سؤالُ الرجعة مختصاً بالكافر، فقد يسألها المؤمن، كما في آخر سورة المنافقين٢، ودلت الآية على أن أحداً لا يموت حتى يعرف : أهو من أولياء الله أم من أعداء الله، ولولا ذلك لما سأل الرجعة، فيعلم ذلك قبل نزول الموت وذواقه. ه. قال المحشي الفاسي : ولعل محمل الحديث في المؤمن الكامل غير المقصِّر، والآية في غيره. والله أعلم. ه.
﴿ كَلاَّ ﴾ أي : لا رجوع له أصلاً، وهو ردع عن طلب الرجعة، واستبعاد لها، ﴿ إِنها ﴾ أي : قوله :( رب ارجعون )، ﴿ كلمةٌ ﴾، والمراد : طائفة من الكلام، وهو ( ربِّ ارجعون. . . ) إلخ، ﴿ هو قائلها ﴾، ولا فائدة له فيها، ولا حقيقة لها ؛ لعدم حصول مضمونها، أو هو قائلها لا محالة ؛ لتسليط الحسرة والندم عليه، فلا يقدر على السكوت عليها، ( ومن ورائهم ) أي : أمامهم، والضمير للجماعة ؛ لأن أحدهم بمعنى كلهم، ﴿ برزخٌ ﴾ : حائل بينهم وبين الرجعة، ﴿ إلى يوم يُبعثون ﴾ : يوم القيامة، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا، لما علِم أنه لا رجعة يوم القيامة إلى الدنيا، وإنما الرجوع فيه إلى الحياة الأخروية. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.


١ أخرجه الطبري في تفسيره ١٨/٥٢..
٢ انظر تفسير الآية ١٠ من سورة المنافقين..
ثم ذكر أهوال ذلك اليوم الموعود، فقال :
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ * ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ * ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ * ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ * ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ فإذا نُفخ في الصور ﴾ لقيام الساعة، وهي نفخة البعث والنشور، وقيل : فإذا نفخ في الأجسادِ أرواحها، على أن الصور جمع صورة، ويؤيده القراءة بفتح الواو مع الضم، وبه مع كسر الصاد. ﴿ فلا أنساب بينهم يومئذٍ ﴾ تنفعهم، لزوال التراحم والتعاطف بينهم ؛ من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة، بحيث يفر المرءُ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. قال ابن عباس :( لا يفتخرون بالأنساب والأحساب في الآخرة، كما كانوا يفتخرون في الدنيا ) ﴿ ولا يتساءلون ﴾ لا يسأل بعضهم بعضاً ؛ لاشتغال كل منهم بنفسه، ولا يناقضه قوله تعالى :﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٧ ] ؛ لأن هذا - أي : سكوتهم - عند ابتداء النفخة الثانية، وذلك بعدها ؛ لأن يوم القيامة ألوان، تارة يبهتون ولا يتساءلون، وتارة يفيقون، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وقال ابن عباس : إنما عنى النفخة الأولى، حين يصعق الناس، ( فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون )، ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [ الزمر : ٦٨ ]، ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾. نقله الثعلبي.
﴿ فمن ثَقُلَتْ موازينهُ ﴾ أي : موزونات حسناته من العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة، ﴿ فأولئك هم المفلحون ﴾ ؛ الفائزون بكل مرغوب، الناجون من كل مرهوب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال الترمذي الحكيم : الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. هـ. وقال الورتجبي : عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشيء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون ؛ شغلاً بما هم فيه. هـ.
ومعنى كلام الشيخين : أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التي تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى ؛ لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته، فهي عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمان، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء ؛ لمنزلتهم عند الله. قال عليه الصلاة والسلام : لما سئل عنهم :" هم رجال من قبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته " أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث. والله تعالى أعلم.

﴿ ومن خفت موازينهُ ﴾ أي : ومن لم يكن له من العقائد والأعمال ما يوزن - وهم الكفار - لقوله :﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ [ الكهف : ١٠٥ ]، وتقدم ما فيه. ﴿ فأولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾ : ضيعوها بتضييع زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها، ﴿ في جهنم خالدون ﴾، وهو خبر ثان لأولئك، أو بدل من الصلة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :( يؤخذ بيد العبدِ أو الأمة يوم القيامة، فينصب على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد : هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على ابنها، أو على زوجها، أو على أبيها، أو على أخيها، ثم قرأ ابن مسعود :﴿ فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ﴾، ثم يقول الرب تعالى : آت هؤلاء حقوقهم، فيقول ربِّ، فنيت الدنيا ؛ فمن أين آتيهم ؟ فيقول للملائكة : خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلْبته. . . ) إلخ الحديث، انظر النسفي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال الترمذي الحكيم : الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. هـ. وقال الورتجبي : عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشيء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون ؛ شغلاً بما هم فيه. هـ.
ومعنى كلام الشيخين : أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التي تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى ؛ لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته، فهي عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمان، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء ؛ لمنزلتهم عند الله. قال عليه الصلاة والسلام : لما سئل عنهم :" هم رجال من قبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته " أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث. والله تعالى أعلم.

قال تعالى :﴿ تلفح وجوهَهُم النار ﴾ ؛ تحرقها، واللفح كالنفخ، إلاَّ أنه أشد تأثيراً منه، وتخصيص الوجوه بذلك ؛ لأنها أشرف الأعضاء. ﴿ وهم فيها كالحون ﴾ : عابسون من شدة الإحراق، والكلوح : تقلص الشفتين من الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم في كالحون :" تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقلَّص شَفَتَهُ العُلْيَا، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأَسِهِ، وَتَسْتَرخِي السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّته١ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى - كما أمره الحق تعالى - يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول : ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي : لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله - كما هو شأن أهل الخصوصية - يقال له : ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٠ ]، وفي الأثر :" ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب ". أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل :
السِّباقَ، السِّباقَ، قولاً وفِعْلاً حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ :﴿ قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً... ﴾ الآية، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.


١ أخرجه أحمد في المسند ٣/٨٨..
فيقال لهم - تعنيفاً وتذكيراً لما به استحقوا ما ابتلوا به :﴿ ألم تكن آياتي ﴾ أي : القرآن ﴿ تُتْلَى عليكم ﴾ في الدنيا ﴿ فكنتم بها تُكذِّبون ﴾ حينئذٍ، فذوقوا وبال ما كنتم به تكذبون.
نسأل الله التوفيق والهداية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال الترمذي الحكيم : الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. هـ. وقال الورتجبي : عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشيء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون ؛ شغلاً بما هم فيه. هـ.
ومعنى كلام الشيخين : أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التي تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى ؛ لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته، فهي عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمان، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء ؛ لمنزلتهم عند الله. قال عليه الصلاة والسلام : لما سئل عنهم :" هم رجال من قبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته " أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر جواب أهل النار، فقال :
﴿ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ ﴾ * ﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾ * ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ * ﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ * ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعَآدِّينَ ﴾ * ﴿ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ قالوا ﴾ أي : أهل النار ﴿ ربنا غلبت علينا ﴾ أي : ملكتنا ﴿ شِقْوَتُنا ﴾ : شقاوتنا التي اقترفناها بسوء اختيارنا، كما يُنبئ عنه إضافتها إلى أنفسهم، أي : شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها، ولا يصح حمله على الشقاوة الأزلية ؛ لأنهم غير مكلفين بصرفها عنهم ؛ إذ ليس في اختيارهم. ﴿ وكنا قوماً ضالِّين ﴾ عن الحق، ولذلك فعلنا ما فعلنا من التكذيب، وهذا، كما ترى، اعتراف منهم بأن ما أصابهم إنما أصابهم بسوء صنعهم، وأمَّا ما قيل : من أنه اعتذار منهم بغلبة ما كتب عليهم من الشقاوة الأزلية، فلا يصح ؛ لأن الله تعالى ما كتب عليهم الشقاء حتى علم أنهم يفعلونه باختيارهم، بحسب الظاهر في عالم الحكمة، فيكون اعترافهم إنما هو بما كان في اختيارهم، لا بما كتب عليهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

ثم قالوا :﴿ ربنا أَخْرِجْنَا منها فَإِن عُدْنا فإِنا ظالمون ﴾ أي : أخرجنا من النار، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه من الكفر والمعاصي، فإنا متجاوزون الحد في الظلم، ولو كان اعتقادهم أنهم مجبورون على ما صدر عنهم لما سألوا الرجعة إلى الدنيا، ولما وَعَدوا بالطاعة والإيمان. قال القرطبي : طلبوا الرجعة إلى الدنيا كما طلبوها عند الموت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

ثم يجيبهم الحق تعالى، بعد ألف سنة، بقوله :﴿ قال اخسؤوا فيها ﴾ أي : اسكتوا في النار سكوت ذل وهوان، وانزجروا انزجار الكلاب، يقال : خسأت الكلب، إذا زجرته، فخسأ، أي : انزجر. ﴿ ولا تُكَلِّمونِ ﴾ باستدعاء الإخراج من النار والرجوع إلى الدنيا، أو في رفع العذاب عنكم ؛ فإنه لا يرفع ولا يخفف، روي أنه آخر كلام يتكلمون به، ثم لا كلام بعد ذلك إلاَّ الشهيق والزفير، ويصير لهم عُواء كعُواء الكلاب لا يفهمون ولا يُفهمون. قيل : ويرده الخطابات الآتية، وقد يجاب : بأنها قبل هذه الكلمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

ثم علل استحقاقهم لذلك العذاب بقوله :﴿ إنه ﴾ أي : الأمر والشأن ﴿ كان فريق من عبادي ﴾ وهم المؤمنون، أو الصحابة، أو أهل الصفة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - ﴿ يقولون ﴾ في الدنيا :﴿ ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

﴿ ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا ﴾ أي : هزواً، وهو مصدر سخر، زيدت فيه ياء النسب ؛ للمبالغة، وفيه الضم والكسر. وقال الكوفيون : المكسور بمعنى الهزء، والمضموم من السخرة، بمعنى الانقياد للخدمة، ولذلك اتفق عليه في الزخرف١، أي : اتخذتموهم ؛ مهزواً بهم، وتشاغلتم بهم ﴿ حتى أَنْسَوْكم ذكري ﴾، من فرط اشتغالكم بالاستهزاء بهم، ولم تخافوني في أوليائي، ﴿ وكنتم منهم تضحكون ﴾، وذلك غاية الاستهزاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.


١ انظر تفسير الآية ٣٢ من سورة الزخرف..
قال تعالى :﴿ إني جَزَيْتُهُم اليوم ﴾ جزاء على صبرهم على أذاكم، ﴿ أنهم همُ الفائزون ﴾ بكل مطلوب دونكم، فأنهم : مفعول " جزيتهم " ؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين، وقرأ حمزة بالكسر ؛ على الاستئناف ؛ تعليلاً للجزاء، وبياناً أنه في غاية الحسن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

﴿ قال كم لبثتم ﴾، القائل هو الله تعالى، أو الملك، وقرأ المكي وحمزة :" قل " ؛ التي بلفظ الأمر للملك، يسألهم : كم لبثوا، ﴿ في الأرض ﴾ التي دعوا الله أن يردهم إليها، ﴿ عدد سنين ﴾، وهو تمييز، أي : كم لبثتم في الأرض عدد السنين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

﴿ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ﴾، استقصار لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى خلودهم، ولِمَا هم فيه من عذابها ؛ لأن الممتحن يستطيل أيام محنته، ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة، ﴿ فاسْئَل العادِين ﴾ أي : المتمكنين من العد ؛ فإنا بما دُهمنا من العذاب بمعزل من العد، أو الملائكة العادين لأعمار العباد وأعمالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

﴿ قال ﴾ الله تعالى، أو الملك، تصديقاً لهم في مقالهم :﴿ إن لبثتم إلاَّ قليلاً ﴾ : ما لبثتم إلا زماناً قليلاً، أو لبثاً قليلاً بالنسبة لما بعده، ﴿ لو أنكم كنتم تعلمون ﴾ شيئاً، أو : لو كنتم من أهل العلم لعلمتم قلة لبثكم فيها، فالجواب محذوف. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا تميز المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله ومحبته وطلب معرفته، وعُرفوا بأنوارهم وأسرارهم، وانحازوا إلى ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، ورآهم البطالون المنكرون عليهم، وهم في حسرة الحساب، يقولون بلسان الحال أو المقال :( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ؛ حيث لم نصحب هؤلاء الأولياء، وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا من هذه الحسرة، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى البطالة والإنكار عليهم فإنا ظالمون، فيقال لهم : اخسؤوا فيها ؛ فقد فات الإبان، إنه كان فريق من عبادي، وهم المنتسبون من أهل التجريد، المتزيون بزي الصوفية أهل التفريد، يقولون : ربنا آمنا بطريق الخصوصية ودخلنا فيها، فاغفر لنا، أي : غط مساوئنا، وارحمنا رحمة تضمنا إلى حضرتك، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، وانشغلتم بالوقوع فيهم، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم، بما صبروا، أنهم هم الفائزون بشهود ذاتي، والقرب من أحبابي، المتنزهون في كمال جمالي، في درجات المقربين من النبيين والصديقين.
قال القشيري : الحق ينتقم من أعدائه بما يُطَيَّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خَصْمَةُ الحق، فيقول لهم : كان فريقٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً، فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم. هـ.
قوله تعالى :﴿ قال كم لبثتم... ﴾ إلخ، اعلم أن أيام الدنيا كلها تقصر عند انقضاء عمر العبد، فتعود كيوم واحد، أو بعض يوم، فإن أفضى إلى الراحة بعد الموت نسي أيام التعب، وغاب عنها، فتصير كأضغاث أحلام، وإن أفضى إلى التعب، نسي أيام الراحة، كأنها طيف منام. قال في الحاشية : الأشياء، وإن كانت كثيرة، فقد تنقص وتقل بالإضافة إلى ما يرجّى عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض، إن كانوا في الراحة فقد تقل، بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شديدة فقد تتلاشى في جنب رؤية ذلك اليوم ؛ لما فيه من أليم تلك العقوبات المتوالية. هـ.

ثم تمم توبيخهم يوم القيامة بقوله :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ * ﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ * ﴿ وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾
قلت :( أفحسبتم ) : المعطوف محذوف، أي : ألم تعلموا شيئاً فحسبتم، و( عبثاً ) : حال، أو مفعول من أجله.
يقول الحق جل جلاله :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً ﴾ أي : عابثين، أو للبعث من غير حكمة في خلقكم وإظهاركم حتى أنكرتم البعث، ﴿ وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ للحساب والجزاء، بل خلقناكم للتكليف، ثم للرجوع إلينا، فنُثيب المحسن، ونعاقب المسيء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أظهر الله الكائنات إلا ليُعرف بها، ويُظْهِرَ فيها أسرار ذاته وأنوار صفاته، وفي الأثر القدسي :" كنت كنزاً لم أُعرف، فأحببتُ أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت لهم، فبي عرفوني ". وفي إيجاد المخلوقات حِكَم بليغة وأسرار عجيبة، لا يحصيها إلا من خلقها ودبّرها. فمن المخلوقات من خلقهم ليظهر فيهم أثر رحمته وكرمه وإحسانه، وهم أهل الإيمان والطاعة، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم حلمه وعفوه، وهم أهل العصيان، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم عدله وقهره ونقمته، وهم أهل الكفر والطغيان. وقال الحكيم الترمذي رضي الله عنه : إن الله خلق الخلق عبيداً ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها، فإنْ عبدوه فهم اليوم له عبيد، أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار السلام، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُباق، سُقاط، لئام، أعداء في السجون بين أطباق النيران. هـ.
وقال بعضهم : إنما أظهر الله الكون لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم تشريفاً له، فهو من نوره. قال ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ابن مريم ؛ آمن بمحمد، ومُر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار... الحديث.
قال القشيري : حسابُه على الله في آجله، وعذابُه من الله له في عاجله، وهو ما أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ أنْ يَعْبُدَ معه غيره، لقوله :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [ الزمر : ٣ ]، كلامٌ حاصلٌ عن غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ ونقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان. هـ وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق - وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.

﴿ فتعالى الله ﴾ أن يخلق شيئاً عبثاً، وهو استعظام له تعالى ولشؤونه التي يُصَرِّف عليها عباده ؛ من البدء والإعادة، والإثابة والعقاب، بموجب الحكمة، أي : ارتفع بذاته، وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعاله، وعن خلو أفعاله عن الحِكَم والمصالح والغايات الحميدة.
﴿ الملك الحق ﴾ ؛ الذي يحق له الملك على الإطلاق، إيجاداً وإعداماً، وإحياء وإماتة، عذاباً وإثابة، وكل ما سواه مملوك له، مقهور تحت ملكوته، ﴿ لا إله إلا هو ﴾، فإنَّ كل ما عداه عبيده، ﴿ ربُّ العرش الكريم ﴾، فكيف بما تحته من الموجودات، كائناً ما كان، ووصفه بالكرم : إمّا لأنه منه ينزل الوحي الذي منه القرآن الكريم، والخير والبركة، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أظهر الله الكائنات إلا ليُعرف بها، ويُظْهِرَ فيها أسرار ذاته وأنوار صفاته، وفي الأثر القدسي :" كنت كنزاً لم أُعرف، فأحببتُ أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت لهم، فبي عرفوني ". وفي إيجاد المخلوقات حِكَم بليغة وأسرار عجيبة، لا يحصيها إلا من خلقها ودبّرها. فمن المخلوقات من خلقهم ليظهر فيهم أثر رحمته وكرمه وإحسانه، وهم أهل الإيمان والطاعة، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم حلمه وعفوه، وهم أهل العصيان، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم عدله وقهره ونقمته، وهم أهل الكفر والطغيان. وقال الحكيم الترمذي رضي الله عنه : إن الله خلق الخلق عبيداً ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها، فإنْ عبدوه فهم اليوم له عبيد، أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار السلام، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُباق، سُقاط، لئام، أعداء في السجون بين أطباق النيران. هـ.
وقال بعضهم : إنما أظهر الله الكون لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم تشريفاً له، فهو من نوره. قال ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ابن مريم ؛ آمن بمحمد، ومُر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار... الحديث.
قال القشيري : حسابُه على الله في آجله، وعذابُه من الله له في عاجله، وهو ما أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ أنْ يَعْبُدَ معه غيره، لقوله :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [ الزمر : ٣ ]، كلامٌ حاصلٌ عن غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ ونقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان. هـ وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق - وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.

﴿ ومن يدعُ مع الله إلهاً آخر ﴾، يعبده فرداً أو اشتراكاً، من صفته ﴿ لا برهان له به ﴾ على صحة عبادته. وفيه تنبيه على أن التدين بما لا دليل عليه باطل، فكيف بما شهدت بديهة العقول بخلافه ؟ ﴿ فإنما حسابُه عند ربه ﴾، فهو مُجازٍ له على قدر ما يستحقه، ﴿ إنه ﴾ أي : الأمر والشأن ﴿ لا يُفلح الكافرون ﴾ ؛ لا فوز لهم ولا نجاة.
بدئت السورة الكريمة بتقرير فلاح المؤمنين، وختمت بنفي فلاح الكافرين ؛ تحريضاً على الإيمان، وعلى ما يوجب بقاءه وتنميته، من التمسك بما جاء به التنزيل، وبما جاء به النبي الجليل، ليقع الفوز بالفلاح الجميل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أظهر الله الكائنات إلا ليُعرف بها، ويُظْهِرَ فيها أسرار ذاته وأنوار صفاته، وفي الأثر القدسي :" كنت كنزاً لم أُعرف، فأحببتُ أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت لهم، فبي عرفوني ". وفي إيجاد المخلوقات حِكَم بليغة وأسرار عجيبة، لا يحصيها إلا من خلقها ودبّرها. فمن المخلوقات من خلقهم ليظهر فيهم أثر رحمته وكرمه وإحسانه، وهم أهل الإيمان والطاعة، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم حلمه وعفوه، وهم أهل العصيان، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم عدله وقهره ونقمته، وهم أهل الكفر والطغيان. وقال الحكيم الترمذي رضي الله عنه : إن الله خلق الخلق عبيداً ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها، فإنْ عبدوه فهم اليوم له عبيد، أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار السلام، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُباق، سُقاط، لئام، أعداء في السجون بين أطباق النيران. هـ.
وقال بعضهم : إنما أظهر الله الكون لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم تشريفاً له، فهو من نوره. قال ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ابن مريم ؛ آمن بمحمد، ومُر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار... الحديث.
قال القشيري : حسابُه على الله في آجله، وعذابُه من الله له في عاجله، وهو ما أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ أنْ يَعْبُدَ معه غيره، لقوله :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [ الزمر : ٣ ]، كلامٌ حاصلٌ عن غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ ونقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان. هـ وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق - وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.

ثم علَّمنا سؤال المغفرة والرحمة ؛ لأن شؤم المعاصي يؤدي إلى سوء الختام، فقال :﴿ وقل ربِّ اغفرْ وارحمْ وأنت خير الراحمين ﴾، وفيه إيذان بأنهما من أهم الأمور الدينية، حيث أمر به من قد غفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بمن عداه ؟ نسأل الله - تعالى - المغفرة الشاملة، والرحمة الكاملة، لنا ولإخواننا ولجميع المسلمين. . آمين.
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه مرَّ بمصابٍ مبتلى، فقرأ في أذنه :﴿ أفحسبتم أنما. . . ﴾ إلخ السورة، فبرئ من حينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ماذا قرأت في أذنه ؟ " فأخبره، فقال :" والذي نفسي بيده لو أن رجلاً مؤمناً قرأها على جبل لزال١ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أظهر الله الكائنات إلا ليُعرف بها، ويُظْهِرَ فيها أسرار ذاته وأنوار صفاته، وفي الأثر القدسي :" كنت كنزاً لم أُعرف، فأحببتُ أن أعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت لهم، فبي عرفوني ". وفي إيجاد المخلوقات حِكَم بليغة وأسرار عجيبة، لا يحصيها إلا من خلقها ودبّرها. فمن المخلوقات من خلقهم ليظهر فيهم أثر رحمته وكرمه وإحسانه، وهم أهل الإيمان والطاعة، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم حلمه وعفوه، وهم أهل العصيان، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم عدله وقهره ونقمته، وهم أهل الكفر والطغيان. وقال الحكيم الترمذي رضي الله عنه : إن الله خلق الخلق عبيداً ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة، ويعاقبهم على تركها، فإنْ عبدوه فهم اليوم له عبيد، أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار السلام، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُباق، سُقاط، لئام، أعداء في السجون بين أطباق النيران. هـ.
وقال بعضهم : إنما أظهر الله الكون لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم تشريفاً له، فهو من نوره. قال ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ابن مريم ؛ آمن بمحمد، ومُر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار... الحديث.
قال القشيري : حسابُه على الله في آجله، وعذابُه من الله له في عاجله، وهو ما أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ أنْ يَعْبُدَ معه غيره، لقوله :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [ الزمر : ٣ ]، كلامٌ حاصلٌ عن غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ ونقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان. هـ وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق - وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.


١ أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١/٧، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص ٢٩٨..
Icon