تفسير سورة عبس

الدر المصون
تفسير سورة سورة عبس من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿أَن جَآءَهُ﴾ : فيه وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ من أجلِه، وناصبُه: إمَّا «تَوَلَّى» وهو قولُ البَصْريين، وإمَّا «عَبَسَ» وهو قولُ الكوفيين. والمختارُ مذهبُ البَصْريين لعَدَمِ الإِضمارِ في الثاني، وقد عَرَفْتَ تحقيقَ هذا فيما تقدَّم مِنْ مسائلِ التنازع. والتقدير: لأَنْ جاءَه الأعمى فَعَلَ هذَيْنِ الفِعلَيْنِ. والخلافُ في موضع «أَنْ» بعد حَذْفِ الجارِّ مشهورٌ. وقيل: «أَنْ» بمعنى «إذ» نقله مكي.
وقرأ زيدُ بنُ عليّ «عَبَّس» بالتشديد. والعامَّةُ على «أنْ» بهمزةٍ واحدةٍ. وزيد بن علي وعيسى وأبو عمران الجوني بهمزتَيْن. وقال الزمخشري: «وقُرِىء آأنْ بهمزتين وبألفٍ بينهما، وُقِفَ على» عَبَس وتولَّى «ثم ابْتُدِىء على معنى: ألأَنْ جاءَه الأعمى فَعَل ذلك».
قوله: ﴿لَعَلَّهُ يزكى﴾ : الظاهرُ أجراءُ الترجِّي مُجرى الاستفهام لِما بينهما من معنى الطلبِ في التعليق؛ لأنَّ المعنى منصَبٌّ على تَسَلُّطِ الدِّراية على الترجِّي؛ إذ التقدير: لا يَدْري ما هو مترجَّى منه التزكيةُ أو التذكُّرُ. وقيل: الوقفُ على «يَدْري» والابتداءُ بما بعده على معنى: وما يُطْلِعُك على أمرهِ وعاقبةِ حالِه، ثم ابتدأ فقال: ﴿لَعَلَّهُ يزكى﴾.
قوله: ﴿فَتَنفَعَهُ﴾ : قرأ عاصم بنصبه، والباقون برفعه. فأمَّا نصبُه فعلى جوابِ الترجِّي كقوله: ﴿فَأَطَّلِعَ﴾ في سورة المؤمن [الآية: ٣٧] وهو مذهبٌ كوفيٌّ، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك. وقال ابن عطية: «في جواب التمني؛ لأنَّ قولَه» أو يَذَّكَّرُ «في حكم قولِه» لعلَّه يزَّكَّى «. قال الشيخ:» وهذا ليس تمنياً إنما هو تَرَجٍّ «. قلت: إنما يريد التمنيَ المفهومَ من الكلام، ويدلُّ له ما قال أبو البقاء:» وبالنصب على جواب التمنِّي في المعنى «وإلاَّ فالفرقُ بين التمني والترجِّي لا يَجْهَلُه أبو محمد. وقال مكي:» مَنْ نصبه جَعَلَه جوابَ «لعلَّ» بالفاء لأنه غيرُ موجَبٍ فأشبه التمنيَ والاستفهامَ، وهو غيرُ معروفٍ عند البصريين «.
686
وقرأ عاصمٌ في ورايةٍ والأعرجُ» أو يَذْكُرُ «بسكونِ الذالِ وتخفيفِ الكافِ مضومةً مضارعَ ذَكَرَ.
687
قوله: ﴿تصدى﴾ تقدَّمَتْ/ فيه قراءتا التثقيلِ والتخفيفِ، ومعناه تتعرَّضُ. يُقال: تَصَدَّى، أي: تَعَرَّضَ وأصلُه تَصَدَّدَ من الصَّدَدِ، وهو ما استقبلك وصار قُبالتَك، فأبدلَ أحدَ الأمثالِ حرفَ علةٍ نحو: تَظَنَّيْتُ وَقَصَّيْتُ أَظْفاري و:
٤٤٩٨ - تَقَضِّيَ البازِيْ............ قال الشاعر:
٤٤٩٩ - تَصَدَّى لِوَضَّاحٍ كأنَّ جَبينَه سِراجُ الدُّجى تُجْبَى إليه الأساوِرُ
وقيل: هو من الصَّدى، وهو الصوتُ المسموعُ في الأماكنِ الخاليةِ والأجرامِ الصُّلبةِ. وقيل: من الصَّدى وهو العطش، والمعنى على التعرض، ويُتَمَحَّلُ لذلك إذا قلنا: أًصلُه من الصوت أو العطش.
وقرأ أبو جعفر «تُصَدَّى» بضمِّ التاءِ وتخفيفِ الصادِ، أي:
687
تَصَدِّيك يُحَرِّضُك على إسلامِه. يقال: تَصَدِّي الرجلِ وتَصْدِيَتُه. وقال الزمخشري: «وقُرِىء» تُصَدَّى «بضم التاء، أي: تُعَرَّضُ، ومعناه: يَدْعوك داعٍ إلى التَّصَدِّي له من الحِرْصِ والتهالُكِ على إسلامِه».
688
قوله: ﴿أَلاَّ يزكى﴾ : مبتدأٌ خبرُه عليك، أي: ليس عليك عَدَمُ تَزْكيتِه.
قوله: ﴿يسعى﴾ : حالٌ مِنْ فاعل «جاءكَ» وقوله «وهو يَخْشى» جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعلِ «يَسْعى»، فهو حالٌ مِنْ حالٍ. وجَعْلُها حالاً ثانية معطوفةً على الأولى ليس بالقويِّ.
وقوله " وهو يَخْشى " جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعلِ " يَسْعى "، فهو حالٌ مِنْ حالٍ. وجَعْلُها حالاً ثانية معطوفةً على الأولى ليس بالقويِّ.
قوله: ﴿تلهى﴾ : أًصلُه تَتَلَهَّى مِنْ لَهِيَ يَلْهى بكذا، أي: اشتغل، وليس هو من اللهوِ في شيءٍ. وقال الشيخ: «ويمكنُ أن يكونَ منه؛ لأنَّ ما يُبْنى على فَعِل من ذواتِ الواو تَنْقَلِبُ واوه ياءً لانكسارِ ما قبلَها نحو: شَقِي يَشْقى. فإن كان مصدرُه جاء بالياءِ فيكونُ مِنْ مادةٍ غيرِ مادةِ اللهو». قلت: الناسُ إنما لم يَجْعلوه من اللهو لأَجْلِ أنه مُسْنَدٌ إلى ضمير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يَليق بمَنْصِبه الكريم أَنْ يَنْسُبَ اللَّهُ تعالى إليه التفعُّلَ من اللهو بخِلاف الاشتغال، فإنه يجوزُ أَنْ يَصْدُرَ منه في بعض الأحيان، ولا ينبغي أَنْ يُعْتَقَدَ غيرُ هذا، وإنما سَقَط الشيخ.
688
وقرأ ابن كثير في روايةِ البزِّي عنه «عَنْهو تَّلهَّى» بواوٍ هي صلةٌ لهاءِ الكناية وتشديدِ التاءِ، والأصل تَتَلَهَّى فأدغم، وجاز الجَمْعُ بين ساكنَيْن لوجود حرفِ علةٍ وإدغامٍ، وليس لهذه الآيةِ نظيرٌ: وهو أنه إذا لقي صلةَ هاءِ الكناية ساكنٌ آخرُ ثَبَتَتِ الصلةُ بل يجبُ الحَذْفُ. وقرأ أبو جعفر «تُلَهَّى» بضم التاء مبنياً للمفعولِ، أي: يُلْهِيْكَ شأنُ الصَّناديد. وقرأ طلحة «تَتَلَهَّى» بتاءَيْن وهي الأصلُ، وعنه بتاءٍ واحدةٍ وسكونِ اللام.
689
قوله: ﴿إِنَّهَا﴾ : الضمير للسورةِ أو للآيات.
قوله: ﴿ذَكَرَهُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ الضميرُ لله تعالى؛ لأنه مُنَزِّلُ التذكِرَة، وأن تكونَ للتذكرة، وذكَّر ضميرَها لأنها بمعنى الذِّكْر والوَعْظ.
قوله: ﴿فَي صُحُفٍ﴾ : صفةٌ ل «تَذْكِرة» فقوله ﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ جملةٌ معترضةٌ بين الصفةِ وموصوفِها. ونحوُها: ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ ويجوز أَنْ يكون «في صُحُف» خبراً ثانياً ل «إنَّها»، والجملةُ معترضةٌ بين الخبرَيْن.
قوله: ﴿سَفَرَةٍ﴾ : جمعُ سافِر وهو الكاتبُ، ومثلُه كاتِب وكَتَبة. وسَفَرْتُ بين القومِ أَسْفِر سَِفارة: أَصْلَحْتُ بينهم. قال:
689
٤٥٠٠ - فما أَدَعُ السَّفارة بين قومي وما أَسْعلى بغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ
وأَسْفَرَتِ المرأةُ: كَشَفَتْ نِقابها.
690
قوله: ﴿مَآ أَكْفَرَهُ﴾ : إمَّا تعجبٌ، وإمَّا استفهامُ تعجبٍ.
قوله: ﴿ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ الضميرُ للإِنسانِ. والسبيل ظرفٌ، أي: يَسَّر للإِنسان الطريقَ، أي: طريق الخيرِ والشرِّ كقولِه: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ١٠]. وقال أبو البقاء: «ويجوز أن ينتصِبَ بأنه مفعولٌ ثانٍ ل يَسَّره، والهاء للإِنسان، أي: يَسَّره السبيلَ، أي: هداه له». قلت: فلا بُدَّ مْن تضمينِه معنى أَعْطى حتى يَنْصِبَ اثنين، أو يُحْذفُ حرفُ الجرِّ، أي: يَسَّره للسبيل، ولذلك قَدَّره بقولِه: هداه له. ويجوزُ أَنْ يكون «السبيل» منصوباً على الاشتغال بفعلٍ مقدرٍ، والضميرُ له، تقديره: ثم يَسَّر السبيلَ يَسَّره، أي: سَهَّله للناسِ كقوله: ﴿أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى﴾ [طه: ٥٠]، وتقدَّم مثلُه في قولِه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل﴾ [الإِنسان: ٣].
قوله: ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ : أي: جَعَلَ له قَبْراً. يُقال:
690
قَبَرَه إذا دَفَنَه وأَقْبَره، أي: جَعَلَه بحيث يُقْبَرُ، وجَعَلَ له قبراً، والقابِرُ: الدافنُ بيده. قال الأعشى:
691
قوله: ﴿شَآءَ﴾ : مفعولُه محذوفٌ، أي: شاءَ إنْشارَه. وأَنْشَرَه: جوابُ «إذا». وقرأ شعيبُ بن أبي حمزة نَشَره ثلاثياً، ونقلها أبو الفضلِ أيضاً وقال: «هما لغتان بمعنى الإِحياء».
قوله: ﴿مَآ أَمَرَهُ﴾ :«ما» موصولةٌ. قال أبو البقاء: «بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ، أي: ما أمره به». قلت: وفيه نظرٌ من حيث إنَّه قَدَّر العائدَ مجروراً بحرفٍ لم يَجُرَّ الموصولَ: ولا أمره به. فإنْ قلت: «أمرَ» يتعدَّى إليه بحَذْفِ الحرفِ فأُقَدِّرُه غيرَ مجرورٍ. قلت: إذا قَدَّرْتَه غيرَ مجرورٍ: فإمَّا أَنْ تقدِّرَه متصلاً أو منفصلاً، وكلاهما مُشْكِلٌ؛ لِما قَدَّمْتُ في أولِ البقرة عند قوله تعالى: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣].
قوله: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً﴾ : قرأ الكوفيون «أنَّا» بفتح الهمزة غيرَ ممالةِ الألف. والباقون بالكسر. والحسنُ بن عليّ بالفتحِ والإِمالةِ. فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها بدلٌ مِنْ «طعامِه» فتكونُ في محلِّ جر. استشكل بعضُهم هذا الوجهَ، وَرَدَّه: «بأنه ليس الأولَ فيُبْدَلَ منه؛ لأنَّ الطعامَ ليس صَبَّ الماءِ. ورُدَّ على هذا بوجهَيْن، أحدهما: أنَّه بدلُ كلٍّ مِنْ كلّ بتأويلٍ: وهو أنَّ المعنى: فَلْيَنْظُرِ الإِنسانُ إلى إنعامِنا في طعامِه فصَحَّ البدلُ، وهذا ليسَ بواضح. والثاني: أنَّه مِنْ بدلِ الاشتمالِ بمعنى: أنَّ صَبَّ الماءِ سببٌ في إخراجِ الطعامِ فهو مشتملٌ عليه بهذا التقدير. وقد نحا مكي إلى هذا فقال: لأنَّ هذه الأشياءَ مشتملةٌ على الطعامِ، ومنها يتكوَّنُ؛ لأنَّ معنى» إلى طعامه «: إلى حدوثِ طعامهِ كيف يتأتَّى؟ فالاشتمالُ على هذا إنما هو من الثاني على الأولِ؛ لأنَّ الاعتبارَ إنما هو في الأشياءِ التي يتكوَّن منها الطعامُ لا في الطعامِ نفسِه».
والوجه الثاني: أنَّها على تقديرِ لامِ العلةِ، أي: فلينظُرْ لأِنَّا، ثم حُذِفَ الخافضُ فجرى الخلافُ المشهورُ في محلِّها. والوجهُ الثالث: أنَّها في محلِّ رفعٍ خبراً لمبتدأ محذوفٍ، أي: هو أنَّا صَبَبْنا، وفيه ذلك النظرُ المتقدِّم؛ لأنَّ الضميرَ إنْ عاد على الطعام فالطعامُ ليس هو نفسَ الصَّبِّ، وإنْ عاد على غيرِه فهو غيرُ معلومٍ، وجوابُه ما تقدَّمَ.
692
وأمّا القراءةُ الثانية فعلى الاستئنافِ تعديداً لِنِعَمِه عليه. وأمَّا القراءةُ الثالثةُ فهي «أنَّى» التي بمعنى «كيف» وفيها معنى التعجبِ، فهي على هذه القراءةِ كلمةٌ واحدةٌ، وعلى غيرِها كلمتان.
693
قوله: ﴿وَقَضْباً﴾ : القَضْبُ هنا قيل: الرُّطَبُ لأنه يُقْضَبُ من النخلِ، أي: يُقْطَعُ. ورجَّحه بعضُهم بذِكْرِه بعد قوله: «وعِنَباً» وكثيراً ما يَقْترنان. وقيل: القَتُّ، كذا يُسَمِّيه أهلُ مكة. وقيل: كلُّ ما يُقْضَبُ من البُقولِ لبني آدم. وقيل: هو الرَّطْبَةُ. والمقاضِبُ: الأرضُ التي تُنْبِتُها. قال الراغب: «والقَضيب كالقَضْب، لكنَّ القضيبَ من فروع الشجرِ، والقَضْبَ في البَقْلِ. والقَضْبُ أي: بالفتح قَطْعُ القَضْبِ والقَضيبِ، وعنه عليه السلام:» أنه كان إذا رأى في ثوبٍ تَصْليباً قَضَبَه «وسيفٌ قاضِبٌ وقَضيبٌ، أي: قاطعٌ، فقضيب هنا بمعنى فاعِل، وفي الأولِ بمعنى مَفْعول، وناقة قَضِيب لِما يُؤْخَذُ من بين الإِبلِ ولم تُرَضْ، وكلُّ ما لم يُهَذَّبْ فهو مقتضَبٌ، ومنه» اقتضابُ الحديثِ «
693
لِما لم يُتَرَوَّ ويُهَذَّبْ. وقال الخليل:» القضيب: أغصانُ الشجرِ ليُتَّخَذَ منها قِسِيٌّ/ أو سِهامٌ.
694
قوله: ﴿غُلْباً﴾ : جمعُ أَغْلَب وغَلْباء كحُمْر في أَحْمر وحَمْراء. يقال: حديقةٌ غَلْباءُ، أي: غليظةُ الشجرِ ملتفَّتُه، واغْلَوْلَبَ العُشْبُ، أي: غَلُظَ. وأصلُه في وصفِ الرِّقاب. يقال: رجلٌ أغلبُ، وامرأةٌ غَلْباءُ، أي: غليظا الرَّقَبةِ. قال عمرو بن معدي كرب:
٤٥٠١ - لو أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِها عاشَ ولم يُنْقَلْ إلى قابِرِ
٤٥٠٢ - يَسْعَى بها غُلْبُ الرِّقابِ كأنَّهُمْ بُزْلٌ كُسِيْنَ من الكُحَيْلِ جِلالا
والغَلَبَةُ: القَهْرُ، أن تَنالَ وتُصيبَ غَلَبَةَ رقبتِه، هذا أصله.
قوله: ﴿وَأَبّاً﴾ : الأبُّ للبهائم بمنزلةِ الفاكهةِ للناس. وقيل: هو مُطْلَقُ المَرْعى. قال بعضُهم يمدح النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
694
وقيل: الأبُّ يابِسُ الفاكهةِ، وسُمِّي المَرْعى أبَّاً لأنه يُؤَمُّ ويُنْتَجَعُ، والأَبُّ والأَمَّ بمعنىً. قال:
٤٥٠٣ - له دَعْوَةٌ مَيْمونَةٌ ريحُها الصَّبا بها يُنْبِتُ اللَّهُ الحَصيدةَ والأَبَّا
٤٥٠٤ - جِذْمُنا قَيْسٌ ونَجْدٌ دارُنا ولنا الأَبُّ بِها والمَكْرَعُ
وأبَّ لكذا، أي: تَهَيَّأ، يَؤُبُّ أبَّاً وأَبابة وأَباباً. وأبَّ إلى وطنِهِ، إذا نَزَعَ إليه نُزوعاً، تَهَيَّأَ لِقَصْدِه، وكذا أبَّ لِسَيْفِه، أي: تهيَّأ لِسَلِّه. وقولُهم: «إبَّانَ ذلك» هو فِعْلان منه، وهو الزمانُ المُهَيَّأُ لفِعْلِه ومجيئِه.
695
قوله: ﴿الصآخة﴾ : الصَّيحَةُ التي تَصُخُّ الآذانَ، أي: تَصُمُّها لشِدَّةِ وَقْعَتِها. وقيل: هي مأخوذةٌ مِنْ صَخَّه بالحجَرِ، أي: صَكَّه به. وقال الزمخشري: «صَخَّ لحديثِه مثلَ أصاخ فوُصِفَتِ النَّفْخَةُ بالصاخَّة مجازاً؛ لأنَّ الناسَ يَصِخُّون لها». وقال ابن العربي: «الصَّاخَّة: التي تُوْرِثُ الصَّمَمَ، وإنها لَمُسْمِعَةٌ، وهذا مِنْ بديع الفصاحة كقوله:
695
وقال:
٤٥٠٥ - أصَمَّهُمْ سِرُّهُمْ أيَّامَ فُرْقَتِهمْ فهل سَمِعْتُمْ بسِرٍ يُوْرِث الصَّمَما
٤٥٠٦ - أَصَمَّ بك النَّاعي وإنْ كانَ أَسْمَعا .........................
وجوابُ» إذا «محذوفٌ، يَدُلُّ عليه قولُه ﴿لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، أي: التقديرُ: فإذا جاءَتِ الصَّاخةُ اشتغلَ كلُّ أحدٍ بنفسِه.
696
قوله: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ﴾ : بدلٌ مِنْ «إذا»، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ «يُغْنِيْه» عاملاً في «إذا» ولا في «يومَ» لأنه صفةٌ لشَأْن، ولا يتقدَّمُ معمولُ الصفةِ على موصوفِها. والعامَّةُ على «يُغْنيه» من الإِغناء، وابن محيصن والزُّهريُّ وابن أبي عبلة وحميد وابن السَّمَيْفَع «يَعْنِيه» بفتح الياء وبالعينِ المهملةِ، مِنْ قولِهم: عَناني الأمرُ، أي: قَصَدني.
قوله: ﴿غَبَرَةٌ﴾ : الغَبَرَةُ: الغُبارُ، والقَتَرَةُ: سَوادٌ كالدُّخان. وقال أبو عبيدة: «القَتَرُ في كلامِ العربِ: الغبارُ جمعُ القَتَرة». قال الفرزدق:
696
قلت: وفي عطفِه على الغَبَرة ما يَرُدُّ هذا، إلاَّ أَنْ يقولَ: لَمَّا اختلفَ اللفظانِ حَسُن العطفُ كقولِه:
٤٥٠٧ - مُتَوَّجٌ برِداءِ المُلْكِ يَتْبَعُه مَوْجٌ ترى فوقَه الراياتِ والقَتَرا
٤٥٠٨ -.................... ...................... كَذِباً ومَيْنا
وقوله:
٤٥٠٩ -...................... ............ النَّأْيُ والبُعْدُ
وهو خلافُ الأصلِ. والعامَّةُ على فتحِ التاءِ مِنْ «قَتَرة»، وأَسْكنها ابنُ أبي عبلة.
697
Icon