تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
من ذلك؟ قالوا: لا، قال: "ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئًا من ذلك إلا ما عُلِّم"؛ قالوا: لا، قال: "ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث، وأن عيسى كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث"؟ قالوا: بلى، فقال رسول الله: "فكيف يكون هذا كما زعمتم" فعرفوا الحق وسكتوا، ثم أبوا إلا الجحود، فأنزل الله تعالى من أول السورة ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...﴾ إلى نيف وثمانين آية.
ووجه الرد عليهم فيها: أنه تعالى بدأ بذكر التوحيد لينفي عقيدة التثليث من أول الأمر، ثم وصفه بما يؤكد ذلك من كونه حيًّا قيومًا؛ أي: قامت به السموات والأرض، وهي وجدت قبل عيسى، فكيف تقوم به قبل وجوده؟ ثم ذكر أنه تعالى نزَّل الكتاب وأنزل التوراة ليبين أنه قد أنزل الوحي وشرع الشرائع قبل وجوده، كما أنزل عليه الإنجيل وأنزل على من بعده، فليس هو المنزل للكتاب على الأنبياء، وإنما هو نبي مثلهم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه هو الذي وهب العقل للبشر؛ ليفرقوا بين الحق والباطل، وعيسى لم يكن واهبًا للعقول، ثم قال: أنه لا يخفى عليه شيء مطلقًا سواء أكان في هذا العالم أم في غيره من العوالم السماوية، وعيسى لم يكن كذلك، ثم بيَّن أن الإله هو الذي يصوِّر في الأرحام ليرد على ولادة عيسى من غير أب؛ إذ الولادة من غير أب ليست دليلًا على الألوهية، فالمخلوق عبدٌ كيفما خلق، وإنما الإله هو الخالق الذي يصور الأرحام كيف يشاء، وعيسى لم يصور أحدًا في رحم أمه، ثم صرَّح بعد هذا بكلمة التوحيد وبوصفه تعالى بالعزة والحكمة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الم (١)﴾ الله أعلم بمراده به، قال القرطبي في "تفسيره": اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سرٌّ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا نحب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها وتُمرُّ
ووجه الرد عليهم فيها: أنه تعالى بدأ بذكر التوحيد لينفي عقيدة التثليث من أول الأمر، ثم وصفه بما يؤكد ذلك من كونه حيًّا قيومًا؛ أي: قامت به السموات والأرض، وهي وجدت قبل عيسى، فكيف تقوم به قبل وجوده؟ ثم ذكر أنه تعالى نزَّل الكتاب وأنزل التوراة ليبين أنه قد أنزل الوحي وشرع الشرائع قبل وجوده، كما أنزل عليه الإنجيل وأنزل على من بعده، فليس هو المنزل للكتاب على الأنبياء، وإنما هو نبي مثلهم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه هو الذي وهب العقل للبشر؛ ليفرقوا بين الحق والباطل، وعيسى لم يكن واهبًا للعقول، ثم قال: أنه لا يخفى عليه شيء مطلقًا سواء أكان في هذا العالم أم في غيره من العوالم السماوية، وعيسى لم يكن كذلك، ثم بيَّن أن الإله هو الذي يصوِّر في الأرحام ليرد على ولادة عيسى من غير أب؛ إذ الولادة من غير أب ليست دليلًا على الألوهية، فالمخلوق عبدٌ كيفما خلق، وإنما الإله هو الخالق الذي يصور الأرحام كيف يشاء، وعيسى لم يصور أحدًا في رحم أمه، ثم صرَّح بعد هذا بكلمة التوحيد وبوصفه تعالى بالعزة والحكمة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الم (١)﴾ الله أعلم بمراده به، قال القرطبي في "تفسيره": اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سرٌّ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا نحب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها وتُمرُّ
كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
قال: وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله به عزّ وجل.
وذكر سيبويه في "الكتاب" (١): أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد، طريق التلفظ بها: الحكاية فقط، ساكنة الإعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء أو مسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما علم أن مغتفر في باب الوقف فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها، ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن والأعمش وغيرهما.
وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما، وما بعدها كلام مستأنف. والله أعلم.
٢ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق منكم العبادة أيها العباد هو: الإله الذي ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا ربَّ سواه. ﴿الْحَيُّ﴾؛ أي: المتصف بالحياة الدائمة التي لا ابتداء لها ولا انتهاء ﴿الْقَيُّومُ﴾؛ أي: القائم بنفسه، المستغني عن غيره، أو القائم بتدبير خلقه ومصالحهم فيما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم. وقرأ جماعة (٢) من الصحابة كعمر وأُبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهم شذوذًا: ﴿القيام﴾، وقال خارجة (٣) رحمه الله تعالى في مصحف عبد الله رضي الله عنه: ﴿القيم﴾ وروي هذا أيضًا عن علقمة وهو شاذ.
قال: وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله به عزّ وجل.
وذكر سيبويه في "الكتاب" (١): أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد، طريق التلفظ بها: الحكاية فقط، ساكنة الإعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء أو مسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما علم أن مغتفر في باب الوقف فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها، ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن والأعمش وغيرهما.
وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما، وما بعدها كلام مستأنف. والله أعلم.
٢ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق منكم العبادة أيها العباد هو: الإله الذي ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا ربَّ سواه. ﴿الْحَيُّ﴾؛ أي: المتصف بالحياة الدائمة التي لا ابتداء لها ولا انتهاء ﴿الْقَيُّومُ﴾؛ أي: القائم بنفسه، المستغني عن غيره، أو القائم بتدبير خلقه ومصالحهم فيما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم. وقرأ جماعة (٢) من الصحابة كعمر وأُبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهم شذوذًا: ﴿القيام﴾، وقال خارجة (٣) رحمه الله تعالى في مصحف عبد الله رضي الله عنه: ﴿القيم﴾ وروي هذا أيضًا عن علقمة وهو شاذ.
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
وقال الرازي رحمه الله تعالى (١): مطلع هذه السورة عجيب؛ لأنهم لما نازعوا كأنه قيل: إما أن تنازعوا في معرفة الله، أو في النبوة، فإن كان في الأول: فهو باطل؛ لأن الأدلة العقلية دلت على أنه حيٌّ قيوم، والحي القيوم يستحيل أن يكون له ولد، وإن كان في الثاني: فهو باطل؛ لأن الطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل هو بعينه قائم هنا، وذلك هو المعجزة. انتهى.
٣ - هو سبحانه وتعالى ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن بالتدريج بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن فعَّل المضعف يدل على التكرير، وأتى (٢) هنا بذكر المنزل عليه وهو قوله: ﴿عَلَيْكَ﴾ ولم يأتِ بذكر المنزل عليه في التوراة، ولا في الإنجيل تخصيصًا له وتشريفًا بالذكر، وجاء بذكر الخطاب؛ لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة ﴿على﴾ لما فيها من الاستعلاء كأن الكتاب تجلله وتغشاه - ﷺ -.
فإن قلت (٣): إن القرآن وقت نزول هذه الآية لم يتكامل نزوله؟
قلت: إما أن يراد بالكتاب ما نزل منه إذ ذلك، أو يقال: الفعل مستعمل في الماضي والمستقبل.
وقرأ الجمهور: ﴿نَزَّلَ﴾ مشددًا ﴿الْكِتَابَ﴾ بالنصب. وقرأ النخعي والأعمش وابن أبي عبلة رحمهم الله تعالى شذوذًا: ﴿نزلَ﴾ مخففًا و ﴿الكتابُ﴾ بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين:
أحدهما: أن تكون منقطعة.
والثاني: أن تكون متصلة بما قبلها؛ أي: نزل الكتاب عليك من عنده.
٣ - هو سبحانه وتعالى ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن بالتدريج بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن فعَّل المضعف يدل على التكرير، وأتى (٢) هنا بذكر المنزل عليه وهو قوله: ﴿عَلَيْكَ﴾ ولم يأتِ بذكر المنزل عليه في التوراة، ولا في الإنجيل تخصيصًا له وتشريفًا بالذكر، وجاء بذكر الخطاب؛ لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة ﴿على﴾ لما فيها من الاستعلاء كأن الكتاب تجلله وتغشاه - ﷺ -.
فإن قلت (٣): إن القرآن وقت نزول هذه الآية لم يتكامل نزوله؟
قلت: إما أن يراد بالكتاب ما نزل منه إذ ذلك، أو يقال: الفعل مستعمل في الماضي والمستقبل.
وقرأ الجمهور: ﴿نَزَّلَ﴾ مشددًا ﴿الْكِتَابَ﴾ بالنصب. وقرأ النخعي والأعمش وابن أبي عبلة رحمهم الله تعالى شذوذًا: ﴿نزلَ﴾ مخففًا و ﴿الكتابُ﴾ بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين:
أحدهما: أن تكون منقطعة.
والثاني: أن تكون متصلة بما قبلها؛ أي: نزل الكتاب عليك من عنده.
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الجمل.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الجمل.
حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالعدل فيما خصك به من شرف النبوة، وقيل: بالعدل في أحكامه أو بالصدق في أخباره عن القرون الماضية، وفي وعده ووعيده، وقيل. معنى بالحق: بالبراهين القاطعة والحجج المحققة أنها من عند الله تعالى، أو بالقول الفصل وليس بالهزل ولا بالمعاني الفاسدة المتناقضة.
وحالة كون ذلك الكتاب ﴿مُصَدِّقًا﴾ وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (١) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.
وفائدة (٢) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: ﴿مُصَدِّقًا﴾ - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ جملة على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ جملة على عيسى بن
٤ - مريم عليهما السلام ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة ﴿لِلنَّاسِ﴾ في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه ﴿أنزل﴾؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.
وعبر فيهما بـ ﴿أنزل﴾، وفي القرآن بـ ﴿نَزَّلَ﴾ المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
وحالة كون ذلك الكتاب ﴿مُصَدِّقًا﴾ وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (١) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.
وفائدة (٢) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: ﴿مُصَدِّقًا﴾ - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ جملة على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ جملة على عيسى بن
٤ - مريم عليهما السلام ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة ﴿لِلنَّاسِ﴾ في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه ﴿أنزل﴾؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.
وعبر فيهما بـ ﴿أنزل﴾، وفي القرآن بـ ﴿نَزَّلَ﴾ المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
(١) أبو السعود.
(٢) الكرخي.
(٢) الكرخي.
173
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وبقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾، وحينئذٍ فالأَولى أن يقال: اختلاف التعبير في الموضعين للتفنن.
﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل جميع الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر الكتب الثلاثة أولًا ليعم ما عداها من بقية الكتب المنزلة، فكأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، فيكون من عطف العام على الخاص؛ حيث ذكر أولًا الكتب الثلاثة، ثم عمم الكتب كلها؛ ليختص المذكور أولًا بمزيد شرف، قاله الكرخي رحمه الله تعالى.
وقال ابن عطية رحمه الله تعالى (١): المراد بالفرقان القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله.
وقيل الفرقان: كل أمر فرق بين الحق والباطل فيما قدم وحدث، فدخل في هذا التأويل طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر وسائر أفعال الله المفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان: النصر.
وقال الفخر الرازي رحمه الله تعالى (٢): المختار أن المراد بالفرقان: هو المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة؛ لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالفرقان هي المعجزة، وقال ابن جرير: أنزل بإنزال القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل، وقيل غير ذلك.
وقال المراغي رحمه الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل العقل الذي يفرق به بين الحق والباطل في العقائد، وغيرها، وقال السدي (٣) رحمه الله
﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل جميع الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر الكتب الثلاثة أولًا ليعم ما عداها من بقية الكتب المنزلة، فكأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، فيكون من عطف العام على الخاص؛ حيث ذكر أولًا الكتب الثلاثة، ثم عمم الكتب كلها؛ ليختص المذكور أولًا بمزيد شرف، قاله الكرخي رحمه الله تعالى.
وقال ابن عطية رحمه الله تعالى (١): المراد بالفرقان القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله.
وقيل الفرقان: كل أمر فرق بين الحق والباطل فيما قدم وحدث، فدخل في هذا التأويل طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر وسائر أفعال الله المفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان: النصر.
وقال الفخر الرازي رحمه الله تعالى (٢): المختار أن المراد بالفرقان: هو المعجزات التي قرنها الله تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة؛ لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالفرقان هي المعجزة، وقال ابن جرير: أنزل بإنزال القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل، وقيل غير ذلك.
وقال المراغي رحمه الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: وأنزل العقل الذي يفرق به بين الحق والباطل في العقائد، وغيرها، وقال السدي (٣) رحمه الله
(١) ابن عطية.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) الخازن.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) الخازن.
174
تعالى: في الآية تقديم وتأخير تقديره: وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا وأنكروا وكذبوا ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الناطقة بتوحيده وتنزيهه عما لا يليق بشأنه الجليل المبشرة بنزول القرآن ومبعث رسول الله - ﷺ -، فكذبوا بالقرآن أولًا، ثم بسائر الكتب تبعًا لذلك وردوها بالباطل كوفد نصارى نجران وغيرهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: عظيم أليم بسبب كفرهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالخلود في النار.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما قرر أمر الألوهية وأمر النبوة بذكر الكتب المنزلة.. توعَّد من كفر بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها بالعذاب الشديد من عذاب الدنيا؛ كالقتل والأسر والغلبة وعذاب الآخرة؛ كالنار. والذين كفروا عامٌّ داخل فيه من نزلت الآية بسببهم، وهم وفد نصارى نجران، وغيرهم.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: منيع الجناب عظيم السلطان غالب لا يغلب ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾؛ أي: ذو عقوبة شديدة لمن كفر بآياته، والانتقام: المبالغة في العقوبة فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وذو الانتقام إشارة إلى كونه فاعلًا للعقاب.
والمعنى (٢): أن الله بقدرته ينفذ سنته، وينتقم ممن خالفها بسلطانه الذي لا يعارض.
٥ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَخْفَى﴾ ولا يستتر ﴿عَلَيْهِ﴾ ولا يغيب ولا يعزب عن علمه ﴿شَيْءٌ﴾ من الموجودات ولا أمر من أمور العالم كليًّا كان أو جزئيًّا إيمانًا كان أو كفرًا ﴿في﴾ جميع نواحي ﴿الْأَرْضِ وَلَا﴾ كائن ﴿في﴾ جميع أرجاء ﴿السَّمَاءِ﴾ فهو مطلع على كل ما في الكون لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا وأنكروا وكذبوا ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الناطقة بتوحيده وتنزيهه عما لا يليق بشأنه الجليل المبشرة بنزول القرآن ومبعث رسول الله - ﷺ -، فكذبوا بالقرآن أولًا، ثم بسائر الكتب تبعًا لذلك وردوها بالباطل كوفد نصارى نجران وغيرهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: عظيم أليم بسبب كفرهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالخلود في النار.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما قرر أمر الألوهية وأمر النبوة بذكر الكتب المنزلة.. توعَّد من كفر بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها بالعذاب الشديد من عذاب الدنيا؛ كالقتل والأسر والغلبة وعذاب الآخرة؛ كالنار. والذين كفروا عامٌّ داخل فيه من نزلت الآية بسببهم، وهم وفد نصارى نجران، وغيرهم.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: منيع الجناب عظيم السلطان غالب لا يغلب ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾؛ أي: ذو عقوبة شديدة لمن كفر بآياته، والانتقام: المبالغة في العقوبة فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وذو الانتقام إشارة إلى كونه فاعلًا للعقاب.
والمعنى (٢): أن الله بقدرته ينفذ سنته، وينتقم ممن خالفها بسلطانه الذي لا يعارض.
٥ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَخْفَى﴾ ولا يستتر ﴿عَلَيْهِ﴾ ولا يغيب ولا يعزب عن علمه ﴿شَيْءٌ﴾ من الموجودات ولا أمر من أمور العالم كليًّا كان أو جزئيًّا إيمانًا كان أو كفرًا ﴿في﴾ جميع نواحي ﴿الْأَرْضِ وَلَا﴾ كائن ﴿في﴾ جميع أرجاء ﴿السَّمَاءِ﴾ فهو مطلع على كل ما في الكون لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، ففيه إشارة إلى كمال علمه المتعلق بجميع المعلومات، فينزل لعباده من الكتب ما فيه صلاحهم إذا أقاموه، ويعلم سرهم وجهرهم، فلا يخفى عليه حال الصادق في إيمانه ولا حال الكافر ولا حال من استبطن النفاق وأظهر الإيمان، ولا حال من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وفي التعبير بعدم خفاء شيء عليه إشارة إلى أن علمه لا يوازن علم المخلوقين، بل هو الغاية في الوضوح وعدم الخفاء.
وعبر (١) عن الكون بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما وإنما قدم الأرض ترقيًّا من الأدنى إلى الأعلى؛ ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها، فهو كالدليل على كونه حيًّا.
٦ - و ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: يخلقكم في أرحام أمهاتكم ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ ويجعلكم على صور مختلفة متغايرة، وأنتم في الأرحام من النطف إلى العلق إلى المضغ، ومن ذكورة وأنوثة، ومن حسن وقبح، ومن طول وقصر، ومن سعادة وشقاوة، ومن بياض وسواد، وكمال ونقصان. والمعنى: هو الذي يصوركم في ظلمات الأرحام صورًا مختلفة في الشكل والطبع، وذلك من نطفة، وكل هذا على أتم ما يكون دِقَّة ونظامًا. ومستحيل أن يكون هذا من قبيل الاتفاق والمصادفة، بل هو من صنع عليم خبير بالدقائق، وهذه الجملة كالدليل على القيومية. وقرىء شذوذًا (٢): "تصوَّركم"، أي: صوَّركم لنفسِه وعبادته، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون
وعبر (١) عن الكون بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما وإنما قدم الأرض ترقيًّا من الأدنى إلى الأعلى؛ ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها، فهو كالدليل على كونه حيًّا.
٦ - و ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: يخلقكم في أرحام أمهاتكم ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ ويجعلكم على صور مختلفة متغايرة، وأنتم في الأرحام من النطف إلى العلق إلى المضغ، ومن ذكورة وأنوثة، ومن حسن وقبح، ومن طول وقصر، ومن سعادة وشقاوة، ومن بياض وسواد، وكمال ونقصان. والمعنى: هو الذي يصوركم في ظلمات الأرحام صورًا مختلفة في الشكل والطبع، وذلك من نطفة، وكل هذا على أتم ما يكون دِقَّة ونظامًا. ومستحيل أن يكون هذا من قبيل الاتفاق والمصادفة، بل هو من صنع عليم خبير بالدقائق، وهذه الجملة كالدليل على القيومية. وقرىء شذوذًا (٢): "تصوَّركم"، أي: صوَّركم لنفسِه وعبادته، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون
(١) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
176
بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها". متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "وكل الله بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فكتب له ذلك في بطن أمه". متفق عليه.
وقيل (١): إن هذه الآية واردة في الرد على النصارى، وذلك أن النصارى ادعوا إلهية عيسى بأمرين: بالعلم، والقدرة. فإن عيسى كان يخبر عن الغيوب، فيقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، ووضعت في دارك كذا، وكان يحيي الموتى، ويبرِىء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا، ثم إنه تعالى استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى، وفي التثليث بقوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ فالإله يجب أن يكون حيًّا قيومًا، وعيسى لم يكن كذلك، فيلزم القطع بأنه لم يكن إلهًا، ولما قالوا إن عيسى أخبر عن الغيوب.. فوجب أن يكون إلهًا ردَّ عليهم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾ والمعنى: لا يلزم من كونه عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا؛ لاحتمال أنه علم ذلك بتعليم الله تعالى ذلك، ولما قالوا: إن عيسى كان يحيي الموتى فوجب أن يكون إلهًا ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ والمعنى: إن حصول الإحياء على وفق قول عيسى في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارًا لمعجزته وإكرامًا له.
ولما قالوا: أنتم أيها المسلمون توافقونا على أن عيسى لم يكن له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا لله.. أجاب الله تعالى عن ذلك أيضًا بقوله: {هُوَ
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "وكل الله بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فكتب له ذلك في بطن أمه". متفق عليه.
وقيل (١): إن هذه الآية واردة في الرد على النصارى، وذلك أن النصارى ادعوا إلهية عيسى بأمرين: بالعلم، والقدرة. فإن عيسى كان يخبر عن الغيوب، فيقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، ووضعت في دارك كذا، وكان يحيي الموتى، ويبرِىء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا، ثم إنه تعالى استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى، وفي التثليث بقوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ فالإله يجب أن يكون حيًّا قيومًا، وعيسى لم يكن كذلك، فيلزم القطع بأنه لم يكن إلهًا، ولما قالوا إن عيسى أخبر عن الغيوب.. فوجب أن يكون إلهًا ردَّ عليهم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾ والمعنى: لا يلزم من كونه عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا؛ لاحتمال أنه علم ذلك بتعليم الله تعالى ذلك، ولما قالوا: إن عيسى كان يحيي الموتى فوجب أن يكون إلهًا ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ والمعنى: إن حصول الإحياء على وفق قول عيسى في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا لاحتمال أن الله تعالى أكرمه بذلك الإحياء إظهارًا لمعجزته وإكرامًا له.
ولما قالوا: أنتم أيها المسلمون توافقونا على أن عيسى لم يكن له أب من البشر، فوجب أن يكون ابنًا لله.. أجاب الله تعالى عن ذلك أيضًا بقوله: {هُوَ
(١) المراح.
177
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} فإن هذا التصوير إذا كان من الله تعالى إن شاء صوَّره من نطفة الأب، وإن شاء صوَّره ابتداء من غير أب، ولما قالوا للرسول - ﷺ -: ألست تقول إن عيسى روح الله وكلمته فهذا يدل على أنه ابن الله؟ أجاب الله عن ذلك: بأن هذا اللفظ من باب المتشابهات، فوجب رده إلى التأويل وذلك هو المراد بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ فظهر بذلك المذكور أن قوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ إشارة إلى أن عيسى ليس بالإله، ولا بابن الإله، وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ﴾.. فهو جواب عن الشبهة المتعلقة بالعلم، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ جواب عن تمسكهم بقدرة عيسى على الإحياء ونحوه؛ لأنه لو قدر على الإحياء لقدر على الإماتة، ولو قدر على الإماتة لأمات اليهود الذين قتلوه على زعم النصارى، فثبت أن حصول الإحياء في بعض الصور لا يدل على كونه إلهًا، وهو جواب أيضًا عن تمسكهم بأن من لم يكن له أب من البشر.. وجب أن يكون ابنًا لله، فكأنه تعالى يقول: كيف يكون عيسى ولدًا لله وقد صوَّرهُ في الرحم والمصور لا يكون أبًا للمصور؟.
وأما قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ...﴾ إلى آخر الآيات.. فهو جواب عن تمسكهم بما ورد في القرآن: أن عيسى روح الله وكلمته، ثم إنه تعالى لما أجاب عن شبهتهم.. أعاد كلمة التوحيد زجرًا لسائر النصارى عن قولهم بالتثليث فقال:
﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا رب سواه منفرد بالألوهية والربوبية ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه، فهو المنفرد بالإيجاد والتصوير، العزيز الذي لا يغلب على ما قضى به علمه، وتعلقت به إرادته، الحكيم المنزه عن العبث، فهو يوجد الأشياء على مقتضى الحكمة ومن ثَمَّ خلقكم على هذا النمط البديع الذي لا يتصور ما هو أدق منه وأحكم كما قيل: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهذا
وأما قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ...﴾ إلى آخر الآيات.. فهو جواب عن تمسكهم بما ورد في القرآن: أن عيسى روح الله وكلمته، ثم إنه تعالى لما أجاب عن شبهتهم.. أعاد كلمة التوحيد زجرًا لسائر النصارى عن قولهم بالتثليث فقال:
﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ولا رب سواه منفرد بالألوهية والربوبية ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه، فهو المنفرد بالإيجاد والتصوير، العزيز الذي لا يغلب على ما قضى به علمه، وتعلقت به إرادته، الحكيم المنزه عن العبث، فهو يوجد الأشياء على مقتضى الحكمة ومن ثَمَّ خلقكم على هذا النمط البديع الذي لا يتصور ما هو أدق منه وأحكم كما قيل: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهذا
178
إثبات لما تقدم من أن علم عيسى ببعض الغيوب وقدرته على الإحياء في بعض الصور لا يكفي في كونه إلهًا فإن الإله لا بد وأن يكون كامل القدرة وهو العزيز وكامل العلم وهو الحكيم.
٧ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن العظيم منقسمًا إلى قسمين: قسم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؛ أي: واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، أو محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المعنى المراد ﴿هُنَّ﴾؛ أي: تلك المحكمات ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أي: أصل القرآن الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات، كقوله تعالى في شأن عيسى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ وكقوله فيه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)﴾ وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله ﴿و﴾ قسم منه آيات ﴿أخر﴾ جمع أخرى ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾؛ أي: محتملات لمعانٍ متشابهة لا يتضح مقصودها؛ لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلا بنظر دقيق وتأمل أنيق.
أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد؛ كقوله تعالى في شأن عيسى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾؛ أي: ميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج عنه إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾؛ أي: فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ أي: طلب الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو
٧ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن العظيم منقسمًا إلى قسمين: قسم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؛ أي: واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، أو محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المعنى المراد ﴿هُنَّ﴾؛ أي: تلك المحكمات ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أي: أصل القرآن الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات، كقوله تعالى في شأن عيسى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ وكقوله فيه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)﴾ وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله ﴿و﴾ قسم منه آيات ﴿أخر﴾ جمع أخرى ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾؛ أي: محتملات لمعانٍ متشابهة لا يتضح مقصودها؛ لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلا بنظر دقيق وتأمل أنيق.
أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد؛ كقوله تعالى في شأن عيسى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾؛ أي: ميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج عنه إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾؛ أي: فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ أي: طلب الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو
179
حجة عليهم لا لهم، أو طلب الفتنة في الدين وهي الضلال عنه فإنهم متى أوقعوا تلك المتشابهات في الدين صار بعضهم مخالفًا لبعض، وذلك يفضي إلى الهرج والتقاتل ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: وطلب تأويل المتشابه على ما ليس في كتاب الله عليه دليل ولا بيان وطلب تحريفه على ما يريدون.
وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه عبد من عباد الله ورسول من رسله.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾؛ أي: والحال أنه ما يعلم تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وحده، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفسير القرآن على أربعة أنحاء: تفسير لا يسع لأحد جهله، وتفسير تعرفه العرب بألسنتها، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى. انتهى.
وقال المراغي قوله (١): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ معناه: فأما الذين يميلون عن الحق ويتبعون أهواءَهم الباطلة، فينكرون المتشابه وينفِّرون الناس منه، ويستعينون على ذلك بما في غرائز الناس وطبائعهم من إنكار ما لم يصل إليه علمهم، ولا يناله حسهم؛ كالإحياء بعد الموت، وجميع شؤون العالم الأخروي، ويأخذونه على ظاهره بدون نظرٍ إلى الأصل المحكم؛ ليفتنوا الناس بدعوته إلى أهوائهم.. فيقولون: إن الله روح، والمسيح روح مثله، فهو من جنسه، وجنسه لا يتجزأ فهو هو، ومعنى ابتغاء تأويله: أنهم يرجعونه إلى أهوائهم وتقاليدهم، لا إلى الأصل المحكم الذي بُني عليه الاعتقاد، فيحولون خبر الإحياء بعد الموت وأخبار الحساب والجنة والنار عن معانيها، ويصرفونها إلى معانٍ من أحوال الناس في الدنيا ليخرجوا الناس
وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ وبقوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه عبد من عباد الله ورسول من رسله.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾؛ أي: والحال أنه ما يعلم تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وحده، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: تفسير القرآن على أربعة أنحاء: تفسير لا يسع لأحد جهله، وتفسير تعرفه العرب بألسنتها، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى. انتهى.
وقال المراغي قوله (١): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ معناه: فأما الذين يميلون عن الحق ويتبعون أهواءَهم الباطلة، فينكرون المتشابه وينفِّرون الناس منه، ويستعينون على ذلك بما في غرائز الناس وطبائعهم من إنكار ما لم يصل إليه علمهم، ولا يناله حسهم؛ كالإحياء بعد الموت، وجميع شؤون العالم الأخروي، ويأخذونه على ظاهره بدون نظرٍ إلى الأصل المحكم؛ ليفتنوا الناس بدعوته إلى أهوائهم.. فيقولون: إن الله روح، والمسيح روح مثله، فهو من جنسه، وجنسه لا يتجزأ فهو هو، ومعنى ابتغاء تأويله: أنهم يرجعونه إلى أهوائهم وتقاليدهم، لا إلى الأصل المحكم الذي بُني عليه الاعتقاد، فيحولون خبر الإحياء بعد الموت وأخبار الحساب والجنة والنار عن معانيها، ويصرفونها إلى معانٍ من أحوال الناس في الدنيا ليخرجوا الناس
(١) المراغي.
180
عن دينهم، والقرآن مليء بالرد عليهم من نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. انتهى.
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؛ أي: والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه وعضوا فيه بضرس قاطع، وهذا كلام مستأنف عند الجمهور، والوقف عندهم على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وهو مبتدأ عندهم، والخبر قوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بالمتشابه أنه من عند الله، ولا نعلم معناه، وعدم التعرض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ﴿كُلٌّ﴾ من المحكم والمتشابه ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛ أي: من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه.
والراسخ في العلم (١): هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل القطعية اليقينية، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية، وعرف أنه تعالى لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا رأى شيئًا متشابهًا، ودل الدليل القطعي على أن الظاهر ليس مرادًا لله تعالى.. علم حينئذٍ قطعًا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره، ثم فوض تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، وقطع بأن ذلك المعنى على أيِّ شيءٍ كان فهو الحق والصواب؛ لأنه علم أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.
وقيل الراسخ في العلم (٢): من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس. ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: وما يتعظ بما في القرآن وما يتيقظ له ويتدبر له إلا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون إلى الأهواء الزائغة، وهذا مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.
٨ - ولما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؛ أي: والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه وعضوا فيه بضرس قاطع، وهذا كلام مستأنف عند الجمهور، والوقف عندهم على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وهو مبتدأ عندهم، والخبر قوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بالمتشابه أنه من عند الله، ولا نعلم معناه، وعدم التعرض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ﴿كُلٌّ﴾ من المحكم والمتشابه ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛ أي: من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه.
والراسخ في العلم (١): هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل القطعية اليقينية، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية، وعرف أنه تعالى لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا رأى شيئًا متشابهًا، ودل الدليل القطعي على أن الظاهر ليس مرادًا لله تعالى.. علم حينئذٍ قطعًا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره، ثم فوض تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، وقطع بأن ذلك المعنى على أيِّ شيءٍ كان فهو الحق والصواب؛ لأنه علم أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.
وقيل الراسخ في العلم (٢): من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس. ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: وما يتعظ بما في القرآن وما يتيقظ له ويتدبر له إلا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون إلى الأهواء الزائغة، وهذا مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.
٨ - ولما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
والمتشابهات.. تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم: ﴿رَبَّنَا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿لَا تُزِغْ﴾ ولا تمل ﴿قُلُوبَنَا﴾ عن الحق والهدى، كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ؛ أي: لا تمل قلوبنا عن دينك. قراءة الجمهور: بضم التاء ونصب القلوب، وقرىء شذوذًا بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾؛ أي: وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك، أو يقال: يا ربنا لا تجعل قلوبنا مائلة إلى الباطل بعد أن تجعلها مائلة إلى الحق ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾؛ أي: أعطنا من فضلك وكرمك رحمة تثبتنا بها على دينك الحق والإيمان بكتابك، أو المعنى: أعطنا من عندك نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب ونور الطاعة والعبودية والخدمة في الأعضاء، وسهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفافة في الدنيا، وسهولة سكرات الموت عند الموت، وسهولة السؤال والظلمة في القبر، وغفران السيئات وترجيح الحسنات في القيامة. ﴿إِنَّكَ أَنْتَ﴾ يا ربنا ﴿الْوَهَّابُ﴾ الهبة العظيم الخالية عن الأعواض والأغراض، فإن هذا الذي طلبنا منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلينا، لكنه حقير بالنسبة إلى كمال كرمك وغاية جودك ورحمتك. والوهاب في أسماء الله: هو الذي يعطي كل أحد على قدر استحقاقه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: "قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله - ﷺ -: " اللهم مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم.
وهذا الحديث من أحاديث الصفات، يجب الإيمان به وإمراره كما جاء من غير تعرض لتأويل ولا تكييف ولا لمعرفة معناه، بل نؤمن به كما جاء وأنه حق، ونكل علمه إلى مراد الله ورسوله - ﷺ -، وهذا القول هو مذهب أهل السنة من سلف الأمة وخلفها من أهل الحديث وغيرهم وهو الأعلم الأسلم الذي نعض
٩ - عليه بالنواجذ ويقولون أيضًا: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ﴾؛ أي؛ يا ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك في وقوعه فجازنا فيه أحسن الجزاء. {إِنَّ اللَّه
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: "قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله - ﷺ -: " اللهم مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم.
وهذا الحديث من أحاديث الصفات، يجب الإيمان به وإمراره كما جاء من غير تعرض لتأويل ولا تكييف ولا لمعرفة معناه، بل نؤمن به كما جاء وأنه حق، ونكل علمه إلى مراد الله ورسوله - ﷺ -، وهذا القول هو مذهب أهل السنة من سلف الأمة وخلفها من أهل الحديث وغيرهم وهو الأعلم الأسلم الذي نعض
٩ - عليه بالنواجذ ويقولون أيضًا: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ﴾؛ أي؛ يا ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك في وقوعه فجازنا فيه أحسن الجزاء. {إِنَّ اللَّه
182
سبحانه وتعالى ﴿لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾؛ أي: لا يترك وفاء ما وعده لعباده، وهذا من بقية كلام الراسخين في العلم؛ وذلك لأنهم لما طلبوا من ربهم أن يصونهم عن الزيغ، وأن يخصهم بالهداية وأنواع الرحمة.. فكأنهم قالوا: ليس غرضنا من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقرضة، وإنما غرضنا الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة، فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ونعلم أن وعدك بالجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار لا يكون خلفًا، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته الهداية والرحمة بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد.
تنبيهات
الأول منها: اختلفت عبارة العلماء في تفسير (١) المحكم والمتشابه على أقوال فقيل: إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، ومن القائلين بهذا القول: جابر بن عبد الله والشعبي وسفيان الثوري قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما يحتمل وجوهًا. فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي.. صار المتشابه محكمًا، وقيل: إن المحكم: ناسخة وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه، والمتشابه: منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وقيل: المحكم: الناسخ. والمتشابه: المنسوخ وبه قال: ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك. وقيل: المحكم: الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له. والمتشابه: ما فيه تصريف وتحريف وتأويل، وبه قال: مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال. وقيل: إن المحكم ما أطلع الله عباده على معناه. والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة؛ مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول
تنبيهات
الأول منها: اختلفت عبارة العلماء في تفسير (١) المحكم والمتشابه على أقوال فقيل: إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، ومن القائلين بهذا القول: جابر بن عبد الله والشعبي وسفيان الثوري قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما يحتمل وجوهًا. فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي.. صار المتشابه محكمًا، وقيل: إن المحكم: ناسخة وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه، والمتشابه: منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وقيل: المحكم: الناسخ. والمتشابه: المنسوخ وبه قال: ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك. وقيل: المحكم: الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له. والمتشابه: ما فيه تصريف وتحريف وتأويل، وبه قال: مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال. وقيل: إن المحكم ما أطلع الله عباده على معناه. والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة؛ مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول
(١) الشوكاني.
183
عيسى وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة، فجميع هذا ما استأثر الله بعلمه.
وبهذا القول اختار القرطبي والطبري، وقيل: إن المحكم: سائر القرآن. والمتشابه: هي الحروف المقطعة في أوائل السور إلى غير ذلك.
والثاني منها: ما قيل (١): إن الله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن هنا محكمًا ومتشابهًا، وجعله في موضع آخر كله محكمًا، كقوله في أول سورة هود: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾، وجعله في موضع آخر كله متشابهًا، كقوله في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ قلت: حيث جعله كله محكمًا أراد به أنه كله حق وصدق، ليس فيه عبث ولا هزل. وحيث جعله متشابهًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا في الحسن والحق والصدق. وحيث جعله هنا بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا فقد اختلفت عبارات العلماء في تفسيرهما آنفًا.
والثالث منها (٢): سؤال يخطر بالبال، وهو: لم كان في القرآن متشابه لا يعلمه إلا الله، والراسخون في العلم، ولم يكن كله محكمًا يتساوى في فهمه جميع الناس، لأنه نزل لإرشاد العباد هاديًا لهم، والمتشابه يحول دون الهداية؛ لوقوع اللبس في فهمه وفتح باب الفتنة في تأويله لأهل التأويل؟
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة:
منها: أن في إنزال المتشابه امتحانًا لقلوبنا، في التصديق به؛ إذ لو كان ما جاء في الكتاب معقولًا لا شبهة فيه لأحد.. لما كان في الإيمان به شيء من الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله.
ومنها: أن في وجود المتشابه في القرآن حافزًا لعقول المؤمنين إلى النظر
وبهذا القول اختار القرطبي والطبري، وقيل: إن المحكم: سائر القرآن. والمتشابه: هي الحروف المقطعة في أوائل السور إلى غير ذلك.
والثاني منها: ما قيل (١): إن الله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن هنا محكمًا ومتشابهًا، وجعله في موضع آخر كله محكمًا، كقوله في أول سورة هود: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾، وجعله في موضع آخر كله متشابهًا، كقوله في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ قلت: حيث جعله كله محكمًا أراد به أنه كله حق وصدق، ليس فيه عبث ولا هزل. وحيث جعله متشابهًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا في الحسن والحق والصدق. وحيث جعله هنا بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا فقد اختلفت عبارات العلماء في تفسيرهما آنفًا.
والثالث منها (٢): سؤال يخطر بالبال، وهو: لم كان في القرآن متشابه لا يعلمه إلا الله، والراسخون في العلم، ولم يكن كله محكمًا يتساوى في فهمه جميع الناس، لأنه نزل لإرشاد العباد هاديًا لهم، والمتشابه يحول دون الهداية؛ لوقوع اللبس في فهمه وفتح باب الفتنة في تأويله لأهل التأويل؟
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة:
منها: أن في إنزال المتشابه امتحانًا لقلوبنا، في التصديق به؛ إذ لو كان ما جاء في الكتاب معقولًا لا شبهة فيه لأحد.. لما كان في الإيمان به شيء من الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله.
ومنها: أن في وجود المتشابه في القرآن حافزًا لعقول المؤمنين إلى النظر
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
184
فيه؛ كيلا تضعف وتموت، إذ السهل الجلي لا عمل للعقل فيه، وإذا لم يجد العقل مجالًا للبحث.. مات. والدين أعز شيء على الإنسان فإذا ضعف عقله في فهمه.. ضعف في كل شيء، ومن ثم قال: والراسخون في العلم، ولم يقل: والراسخون في الدين؛ لأن العلم أعم وأشمل، فمن رحمته أن جعل في الدين مجالًا لبحث العقل بما أودع فيه من المتشابه؛ إذ بحثه يستلزم النظر في الأدلة الكونية والبراهين العقلية ووجوه الدلالة ليصل إلى فهمه ويهتدي إلى تأويله.
ومنها: أن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة، وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيقتها، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند فهم المحكم؛ ليكون لكل نصيبه على قدر استعداده فإطلاق كلمة الله، وروح الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة، ومن ثم فُتن النصارى بمثل هذا التعبير؛ إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾.
ومنها: أن القرآن نزل بألفاظ العرب وعلى أسلوبهم وكلامهم على ضربين:
الأول: الموجز الذي لا يخفى على سامع وهذا هو الضرب الأول.
والثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلويحات، وهذا الضرب هو المستحسن عندهم، فأنزل القرآن على الضربين ليتحقق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم. ولو نزل كله محكمًا لقالوا؛ هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا.
والرابع منها: اختلف في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فذهب الجمهور إلى أن الوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف، وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم، ويؤيد هذا القول قراءة أبي وابن عباس فيما رواه طاووس عنه شذوذًا: {إلا الله
ومنها: أن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة، وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيقتها، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند فهم المحكم؛ ليكون لكل نصيبه على قدر استعداده فإطلاق كلمة الله، وروح الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة، ومن ثم فُتن النصارى بمثل هذا التعبير؛ إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾.
ومنها: أن القرآن نزل بألفاظ العرب وعلى أسلوبهم وكلامهم على ضربين:
الأول: الموجز الذي لا يخفى على سامع وهذا هو الضرب الأول.
والثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلويحات، وهذا الضرب هو المستحسن عندهم، فأنزل القرآن على الضربين ليتحقق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم. ولو نزل كله محكمًا لقالوا؛ هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا.
والرابع منها: اختلف في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فذهب الجمهور إلى أن الوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف، وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم، ويؤيد هذا القول قراءة أبي وابن عباس فيما رواه طاووس عنه شذوذًا: {إلا الله
185
ويقول الراسخون في العلم آمنا به}، وقراءة عبد الله: (ابتغاء تأويله إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون) وهي شاذة ومعناه: إن الله استأثر بعلمه تأويل المتشابه وحينئذٍ فحال الراسخين التصديق به.
وجرى قوم على أن ﴿الراسخون﴾ معطوف على ﴿اللَّهُ﴾، ويقولون حال من الراسخون، فالوقف حينئذٍ على أولو الألباب؛ لتعلق ما قبل ذلك بعضه ببعض، وروي هذا القول: عن ابن عباس أيضًا ومجاهد والربيع بن أنس وغيرهم، والمعنى: إن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم، فالمراد ما للفكر والنظر فيه مجال.
قال البغوي: والقول الأول أقيس بالعربية وأشبه بظاهر الآية، وقال الفخر الرازي: في الثاني لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله.. لما كان لتخصيصهم بالإيمان وجه، فإنهم لما عرفوه بالدلائل.. صار الإيمان كالإيمان بالمحكم، فلا يكون في الإيمان به بخصوصه مزيد مدح.
الإعراب
﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾.
اعلم أن فواتح السور إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام؛ كأذكر أو أقرأ أو نحوهما؛ كعليك والزم كما سبق ذلك كله في مبتدأ تفسير هذه السورة، وقد تقدم الكلام في إعرابه أيضًا في أول البقرة فراجعه. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره: موجود. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء، وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: خبران آخران
وجرى قوم على أن ﴿الراسخون﴾ معطوف على ﴿اللَّهُ﴾، ويقولون حال من الراسخون، فالوقف حينئذٍ على أولو الألباب؛ لتعلق ما قبل ذلك بعضه ببعض، وروي هذا القول: عن ابن عباس أيضًا ومجاهد والربيع بن أنس وغيرهم، والمعنى: إن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم، فالمراد ما للفكر والنظر فيه مجال.
قال البغوي: والقول الأول أقيس بالعربية وأشبه بظاهر الآية، وقال الفخر الرازي: في الثاني لو كان الراسخون في العلم عالمين بتأويله.. لما كان لتخصيصهم بالإيمان وجه، فإنهم لما عرفوه بالدلائل.. صار الإيمان كالإيمان بالمحكم، فلا يكون في الإيمان به بخصوصه مزيد مدح.
الإعراب
﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾.
اعلم أن فواتح السور إن جعلت مسرودة على نمط التعديد.. فلا محل لها من الإعراب، وإن جعلت أسماء للسور.. فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام؛ كأذكر أو أقرأ أو نحوهما؛ كعليك والزم كما سبق ذلك كله في مبتدأ تفسير هذه السورة، وقد تقدم الكلام في إعرابه أيضًا في أول البقرة فراجعه. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن. ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره: موجود. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء، وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: خبران آخران
186
للاسم الشريف، أو خبران لمبتدأ محذوف؛ أي: هو الحي القيوم. وقيل: إنهما صفتان للفظ الجلالة، أو بدلان منه أو من الخبر.
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)﴾.
﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الجلالة ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية إما مستأنفة، أو خبر آخر للفظ الجلالة ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الكتاب تقديره: ملتبسًا بالحق ﴿مُصَدِّقًا﴾: حال ثانية من ﴿الْكِتَابَ﴾ مؤكدة؛ لأنه لا يكون إلا مصدقًا، وبهذا قال الجمهور، وجوز بعضهم كونه منتقلة على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره. قال أبو البقاء: وإن شئت جعلته بدلًا من موضع قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وإن شئت جعلته حالًا من الضمير في المجرور. انتهى. ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ اللام حرف جر ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر باللام متعلق بـ ﴿مُصَدِّقًا﴾ ﴿بَيْنَ﴾: منصوب على الظرفية الاعتبارية، وهو مضاف. ﴿يدي﴾: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بالمثنى نظير: لبيك، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، والظرف إما صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: الواو عاطفة. ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿نزل﴾، ﴿التَّوْرَاةَ﴾: مفعول به ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوف عليه.
﴿مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنزل﴾. ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ ﴿هُدًى﴾: حال من ﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر كما مر، ولكنه في تأويل المشتق تقديره: حالة كونهما هاديين. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق بهدى، أو صفة له. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالًا من ﴿الإنجيل﴾، ودل على حال للتوراة محذوف؛ كما يدل أحد الخبرين على الآخر. ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ الواو عاطفة ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْفُرْقَانَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿نزل﴾ كالجملة التي قبلها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)﴾.
﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الجلالة ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية إما مستأنفة، أو خبر آخر للفظ الجلالة ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الكتاب تقديره: ملتبسًا بالحق ﴿مُصَدِّقًا﴾: حال ثانية من ﴿الْكِتَابَ﴾ مؤكدة؛ لأنه لا يكون إلا مصدقًا، وبهذا قال الجمهور، وجوز بعضهم كونه منتقلة على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره. قال أبو البقاء: وإن شئت جعلته بدلًا من موضع قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وإن شئت جعلته حالًا من الضمير في المجرور. انتهى. ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ اللام حرف جر ﴿ما﴾: موصولة أو موصوفة في محل الجر باللام متعلق بـ ﴿مُصَدِّقًا﴾ ﴿بَيْنَ﴾: منصوب على الظرفية الاعتبارية، وهو مضاف. ﴿يدي﴾: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بالمثنى نظير: لبيك، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه، والظرف إما صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: الواو عاطفة. ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿نزل﴾، ﴿التَّوْرَاةَ﴾: مفعول به ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: معطوف عليه.
﴿مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنزل﴾. ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ ﴿هُدًى﴾: حال من ﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر كما مر، ولكنه في تأويل المشتق تقديره: حالة كونهما هاديين. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق بهدى، أو صفة له. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالًا من ﴿الإنجيل﴾، ودل على حال للتوراة محذوف؛ كما يدل أحد الخبرين على الآخر. ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ الواو عاطفة ﴿أنزل﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْفُرْقَانَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿نزل﴾ كالجملة التي قبلها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.
187
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَفَرُوا﴾، ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿عَذَابٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿شَدِيدٌ﴾: صفة له، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة إن مستأنفة استئنافًا نحويًّا. ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ، ﴿عَزِيزٌ﴾: خبر أول ﴿ذُو﴾: خبر ثانٍ مرفوع بالواو، وهو مضاف، ﴿انْتِقَامٍ﴾ مضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَخْفَى﴾: فعل مضارع ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿شَيْءٌ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿شَيْءٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿يَخْفَى﴾ ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾: الواو عاطفة ﴿لَا﴾: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.
﴿هُوَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير لعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي الْأَرْحَامِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، أو حال من ضمير المخاطبين؛ أي: يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، قاله العُكبَري. ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾: ﴿كَيْفَ﴾: اسم (١) شرط غير جازم لعد دخول: ﴿ما﴾ عليه في محل النصب على الحالية بـ ﴿يَشَاءُ﴾ ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول ﴿يَشَاءُ﴾: محذوف معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ فعل شرط ﴿كَيْفَ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهَ﴾ اسمها. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَخْفَى﴾: فعل مضارع ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿شَيْءٌ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿شَيْءٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿يَخْفَى﴾ ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾: الواو عاطفة ﴿لَا﴾: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾.
﴿هُوَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير لعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي الْأَرْحَامِ﴾: متعلق بـ ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، أو حال من ضمير المخاطبين؛ أي: يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، قاله العُكبَري. ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾: ﴿كَيْفَ﴾: اسم (١) شرط غير جازم لعد دخول: ﴿ما﴾ عليه في محل النصب على الحالية بـ ﴿يَشَاءُ﴾ ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول ﴿يَشَاءُ﴾: محذوف معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم، وجملة ﴿يَشَاءُ﴾ فعل شرط ﴿كَيْفَ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط
(١) الجمل.
188
معلوم مما قبله تقديره: كيف يشاء تصويركم يصوركم، وجملة ﴿كَيْفَ﴾ مستأنفة، وإن كانت في المعنى متعلقة بما قبلها نظير قولهم: أنت ظالم إن فعلت، التقدير: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم، وعند من يجيز تقديم الجزاء على الشرط الصريح يجعل: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ المتقدم هو الجزاء و ﴿كَيْفَ﴾: منصوب على الحال بالفعل بعده، والمعنى: على أي حال شاء أن يصوركم صوركم، وقال بعضهم (١): ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ في موضع الحال معمول ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾، ومعنى الحال؛ أي: يصوركم في الأرحام قادرًا على تصويركم مالكًا ذلك، وقيل التقدير: في هذه الحال يصوركم على مشيئته؛ أي: مريدًا، فيكون حالًا من ضمير اسم الله، ذكره أبو البقاء، وجوز أن يكون حالًا من المفعول؛ أي: من كاف المخاطبين؛ أي: يصوركم متقلبين على مشيئته، وقال الحوفي: يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى: يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة وكما يشاء.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿لَا﴾: نافية ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾: محذوف جوازًا تقديره: موجود، وجملة ﴿لَا﴾ مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ خبران لمبتدأ محذوف، أو بدلان من ﴿هُوَ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾.
﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: خبره، والجملة مستأنفة ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿آيَاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿آيَاتٌ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿الْكِتَابَ﴾ ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾: مبتدأ وخبر مضاف إليه، والجملة في محل الرفع صفة ثانية لـ ﴿آيَاتٌ﴾ وقال الشيخ السمين: وأخبر بلفظ المفرد - وهو ﴿أم﴾ - عن
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
﴿لَا﴾: نافية ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾: محذوف جوازًا تقديره: موجود، وجملة ﴿لَا﴾ مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿هُوَ﴾: في محل الرفع بدل من الضمير المستتر في خبر ﴿لَا﴾ بدل الشيء من الشيء ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ خبران لمبتدأ محذوف، أو بدلان من ﴿هُوَ﴾.
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾.
﴿هُوَ﴾: مبتدأ ﴿الَّذِي﴾: خبره، والجملة مستأنفة ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول به ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿آيَاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿آيَاتٌ﴾، والجملة الإسمية في محل النصب حال من ﴿الْكِتَابَ﴾ ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾: مبتدأ وخبر مضاف إليه، والجملة في محل الرفع صفة ثانية لـ ﴿آيَاتٌ﴾ وقال الشيخ السمين: وأخبر بلفظ المفرد - وهو ﴿أم﴾ - عن
(١) البحر المحيط.
189
الجمع وهو هن، إما لأن المراد أن كل واحدة منهن ﴿أُمُّ﴾، وإما لأن المجموع بمنزلة أم واحدة، كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ وإما لأنه مفرد واقع موقع الجمع، وقيل: لأنه بمعنى أصل الكتاب، والأصل يوحد ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾: الواو عاطفة ﴿وَأُخَرُ﴾: معطوف على ﴿آيَاتٌ﴾، ولكنه على حذف موصوف تقديره: ومنه آيات أخر ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾: صفة لـ ﴿أخر﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
﴿فَأَمَّا﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت انقسام، الكتاب إلى نوعين، وأردت بيان أقسام من يتبعه.. فأقول لك ﴿أما﴾: حرف شرط، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم ﴿زَيْغٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها ﴿يتبعون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، والجملة الإسمية جواب ﴿أما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿أما﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا ﴿مَا تَشَابَهَ﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يتبعون﴾. ﴿تَشَابَهَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير الفاعل ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال، من فاعل ﴿تَشَابَهَ﴾ ﴿ابْتِغَاءَ﴾: مفعول لأجله وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾: مضاف إليه ﴿وَابْتِغَاءَ﴾: معطوف على ﴿ابْتِغَاءَ﴾ الأول، وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾ مضاف إليه، تأويل مضاف، والهاء: مضاف إليه.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
﴿وَمَا يَعْلَمُ﴾ الواو حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهُ﴾ فاعل،
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
﴿فَأَمَّا﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدَّر تقديره: إذا عرفت انقسام، الكتاب إلى نوعين، وأردت بيان أقسام من يتبعه.. فأقول لك ﴿أما﴾: حرف شرط، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ. ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم ﴿زَيْغٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها ﴿يتبعون﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، والجملة الإسمية جواب ﴿أما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿أما﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا ﴿مَا تَشَابَهَ﴾ ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يتبعون﴾. ﴿تَشَابَهَ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير الفاعل ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور حال، من فاعل ﴿تَشَابَهَ﴾ ﴿ابْتِغَاءَ﴾: مفعول لأجله وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾: مضاف إليه ﴿وَابْتِغَاءَ﴾: معطوف على ﴿ابْتِغَاءَ﴾ الأول، وهو مضاف ﴿تَأْوِيلِهِ﴾ مضاف إليه، تأويل مضاف، والهاء: مضاف إليه.
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
﴿وَمَا يَعْلَمُ﴾ الواو حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهُ﴾ فاعل،
190
والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير في قوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾. ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾: الواو استئنافية ﴿الراسخون﴾: مبتدأ ﴿فِي الْعِلْمِ﴾: متعلق به ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة، وإن شئت قلت: الواو عاطفة ﴿الراسخون﴾: معطوف على الجلالة، وجملة ﴿يَقُولُونَ﴾ حال من ﴿الراسخون﴾. ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾: مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿آمَنَّا﴾، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿كُلٌّ﴾: مبتدأ ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾: جار ومجرور ومضافان إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. ﴿وَمَا﴾ الواو استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿يَذَّكَّرُ﴾: فعل مضارع. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فاعل ومضاف إليه مرفوع بالواو، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)﴾.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ مقول محكى لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿لَا تُزِغْ﴾: ﴿لَا﴾: دعائية ﴿تُزِغْ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿قُلُوبَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول القول على كونها جوابًا للنداء. ﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿إِذْ﴾: حرف زائد بين المضاف والمضاف إليه لا معنى له ﴿هَدَيْتَنَا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدَ﴾ ﴿وَهَبْ لَنَا﴾ الواو عاطفة، ﴿هب﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تُزِغْ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿هب﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾. ﴿مِن﴾ حرف جر، ﴿لدن﴾ ظرف مكان بمعنى: عند في محل الجر بـ ﴿مِن﴾ مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًّا. ﴿لدن﴾ مضاف، والكاف: مضاف إليه والظرف متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿رَحْمَةً﴾: مفعول به. ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها. ﴿أَنْتَ﴾: ضم
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)﴾.
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ مقول محكى لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول ﴿لَا تُزِغْ﴾: ﴿لَا﴾: دعائية ﴿تُزِغْ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿قُلُوبَنَا﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول القول على كونها جوابًا للنداء. ﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿إِذْ﴾: حرف زائد بين المضاف والمضاف إليه لا معنى له ﴿هَدَيْتَنَا﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدَ﴾ ﴿وَهَبْ لَنَا﴾ الواو عاطفة، ﴿هب﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَا تُزِغْ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿هب﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾. ﴿مِن﴾ حرف جر، ﴿لدن﴾ ظرف مكان بمعنى: عند في محل الجر بـ ﴿مِن﴾ مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًّا. ﴿لدن﴾ مضاف، والكاف: مضاف إليه والظرف متعلق بـ ﴿تُزِغْ﴾ ﴿رَحْمَةً﴾: مفعول به. ﴿إِنَّكَ﴾: إنَّ حرف نصب، والكاف اسمها. ﴿أَنْتَ﴾: ضم
191
فصل أو مؤكد لاسم إن ﴿الْوَهَّابُ﴾: خبر إن، والجملة في محل النصب مقول القول.
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿إِنَّكَ﴾: حرف نصب واسمها ﴿جَامِعُ النَّاسِ﴾ خبر ﴿إن﴾ ومضاف إليه، وجملة (إن) جواب النداء في محل النصب مقول القول ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَامِعُ﴾، واللام فيه بمعنى: في ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: ﴿لَا﴾ نافية ﴿رَيْبَ﴾ في محل النصب اسمها ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لَا﴾ تقديره: لا ريب موجود فيه وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿لَا يُخْلِفُ﴾: ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يُخْلِفُ﴾؛ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْمِيعَادَ﴾: مفعول به وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ أو مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
واختلف في: عمران الذي سميت به هذه السورة، فقيل المراد به: أبو موسى وهارون، فآله: هم موسى وهارون، وقيل المراد به: أبو مريم فالمراد بآله: مريم وابنها عيسى، ويرجح هذا القول ذكرُ قصتهما إثر ذكره وبين عمران أبي موسى وهارون، وعمران أبي مريم ألف وثمان مئة عام.
﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أم لا لكونهما أعجميين؟ فذهب جماعة إلى الأول، فقالوا: التوراة مشتقة من قولهم: وري الزند يري إذا قدح فخرج منه نار، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور.. سمي هذا الكتاب بالتوراة. فأصلها (١): وورية فأبدلت الواو
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿إِنَّكَ﴾: حرف نصب واسمها ﴿جَامِعُ النَّاسِ﴾ خبر ﴿إن﴾ ومضاف إليه، وجملة (إن) جواب النداء في محل النصب مقول القول ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَامِعُ﴾، واللام فيه بمعنى: في ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: ﴿لَا﴾ نافية ﴿رَيْبَ﴾ في محل النصب اسمها ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿لَا﴾ تقديره: لا ريب موجود فيه وجملة ﴿لَا﴾ من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد، ولفظ الجلالة اسمها ﴿لَا يُخْلِفُ﴾: ﴿لَا﴾: نافية، ﴿يُخْلِفُ﴾؛ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿الْمِيعَادَ﴾: مفعول به وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ أو مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
واختلف في: عمران الذي سميت به هذه السورة، فقيل المراد به: أبو موسى وهارون، فآله: هم موسى وهارون، وقيل المراد به: أبو مريم فالمراد بآله: مريم وابنها عيسى، ويرجح هذا القول ذكرُ قصتهما إثر ذكره وبين عمران أبي موسى وهارون، وعمران أبي مريم ألف وثمان مئة عام.
﴿التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾: واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أم لا لكونهما أعجميين؟ فذهب جماعة إلى الأول، فقالوا: التوراة مشتقة من قولهم: وري الزند يري إذا قدح فخرج منه نار، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنار من الظلام إلى النور.. سمي هذا الكتاب بالتوراة. فأصلها (١): وورية فأبدلت الواو
(١) العكبري.
192
الأولى تاء وأبدلت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها. وقال الفراء: أصلها تورية على وزن تفعلة كتوصية من وري في كلامه تورية، ثم أبدلت من الكسرة الفتحة، فانقلبت الياء ألفًا كما قالوا في ناصية: ناصاة. ويجوز إمالتها؛ لأن أصل ألفها ياء.
﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: إفعيل من النجل، وهو التوسعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ووسعته، ومنه عين نجلاء، أي: واسعة الشق فسمي الإنجيل بذلك؛ لأنَّ فيه توسعة لم تكن في التوراة؛ إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة فيها، والصحيح أنهما ليسا مشتقين بل اسمان عبرانيان، وقرأ الحسن شذوذًا: (الأنجيل) - بفتح الهمزة - ولا يعرف له نظير؛ إذ ليس في الكلام أفعيل إلا أن الحسن ثقة فيجوز أن يكون سمعها.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: فعلان من الفرق وهو في الأصل مصدر، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق، أو المفروق، ويجوز أن يكون التقدير: ذا الفرقان.
﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ الانتقام: افتعال من النقمة، وهي السطوة والانتصار، وقيل: هي المعاقبة على الذنب مبالغة في ذلك، ويقال: نقم ونقم إذا أنكر وانتقم إذا عاقبه بسبب ذنب تقدم منه.
﴿يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ يقال: صوَّره إذا جعل له صورة، والصورة الهيئة التي يكون عليها الشيء بالتأليف وهو بناء مبالغة من صاره إلى كذا يصوره إذا أماله إليه، فالصورة مائلة إلى هيئة وشبه مخصوص، وقال المروزي: التصوير ابتداء مثال من غير أن يسبقه نظير.
و ﴿الأرحام﴾: جمع رحم مشتق من الرحمة؛ لأنه مما يتراحم به.
﴿زَيْغٌ﴾. الزيغ مصدر زاغ يزيغ زيغًا من باب باع، ومعناه: الميل ومنه: زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين.
﴿ابتغاء تأويله﴾ التأويل مصدر أوَّل من باب: فعَّل المضعف، ومعناه آخر
﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾: إفعيل من النجل، وهو التوسعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ووسعته، ومنه عين نجلاء، أي: واسعة الشق فسمي الإنجيل بذلك؛ لأنَّ فيه توسعة لم تكن في التوراة؛ إذ حلل فيه أشياء كانت محرمة فيها، والصحيح أنهما ليسا مشتقين بل اسمان عبرانيان، وقرأ الحسن شذوذًا: (الأنجيل) - بفتح الهمزة - ولا يعرف له نظير؛ إذ ليس في الكلام أفعيل إلا أن الحسن ثقة فيجوز أن يكون سمعها.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: فعلان من الفرق وهو في الأصل مصدر، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق، أو المفروق، ويجوز أن يكون التقدير: ذا الفرقان.
﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ الانتقام: افتعال من النقمة، وهي السطوة والانتصار، وقيل: هي المعاقبة على الذنب مبالغة في ذلك، ويقال: نقم ونقم إذا أنكر وانتقم إذا عاقبه بسبب ذنب تقدم منه.
﴿يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ يقال: صوَّره إذا جعل له صورة، والصورة الهيئة التي يكون عليها الشيء بالتأليف وهو بناء مبالغة من صاره إلى كذا يصوره إذا أماله إليه، فالصورة مائلة إلى هيئة وشبه مخصوص، وقال المروزي: التصوير ابتداء مثال من غير أن يسبقه نظير.
و ﴿الأرحام﴾: جمع رحم مشتق من الرحمة؛ لأنه مما يتراحم به.
﴿زَيْغٌ﴾. الزيغ مصدر زاغ يزيغ زيغًا من باب باع، ومعناه: الميل ومنه: زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين.
﴿ابتغاء تأويله﴾ التأويل مصدر أوَّل من باب: فعَّل المضعف، ومعناه آخر
193
الشيء ومآله ﴿الراسخون﴾: جمع راسخ اسم فاعل من رسخ - من باب خضع - يرسخ رسوخًا، والرسوخ: الثبوت.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة والفصاحة أنواعًا كثيرة (١):
منها: حسن الإبهام؛ وهو فيما افتتحت به لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومنها: مجاز التشبيه في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾؛ لأن حقيقة التنزيل طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثبت في اللوح المحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل، فشبِّه به وأُطلق عليه لفظ التنزيل.
وعبر أيضًا عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إيذانًا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، كأنه الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
وفي قوله: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ شبَّه القرآن المصدق لما تقدمه من الكتب بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئًا فشيئًا.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرًا؛ أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، وشبه الإنجيل لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النبلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد الطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ لأنه شبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين.
وفي قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ شبه أمره بقوله: كن، أو تعلق إرادته بكونه جاء
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة والفصاحة أنواعًا كثيرة (١):
منها: حسن الإبهام؛ وهو فيما افتتحت به لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومنها: مجاز التشبيه في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾؛ لأن حقيقة التنزيل طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثبت في اللوح المحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل، فشبِّه به وأُطلق عليه لفظ التنزيل.
وعبر أيضًا عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إيذانًا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، كأنه الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
وفي قوله: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ شبَّه القرآن المصدق لما تقدمه من الكتب بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئًا فشيئًا.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرًا؛ أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، وشبه الإنجيل لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النبلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد الطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ لأنه شبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين.
وفي قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ شبه أمره بقوله: كن، أو تعلق إرادته بكونه جاء
(١) البحر المحيط.
194
على غاية من الأحكام والصنع بمصوِّر يمثِّل شيئًا فيضم جرمًا إلى جرم ويصور منه صورة.
وفي قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه، وفي غير ذلك، وقيل: هذه كلها استعارات ولا تشبيه فيها؛ لأنه لم يصرح فيها بذكر أداة التشبيه.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ على تفسير من فسَّره بالزبور، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل؛ لأن أصحاب الكتب، إذ ذاك المؤمنون واليهود والنصارى. وفي قوله: ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ خصهما بالذكر؛ لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا. وفي قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم وفي قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز والنظر والاعتبار وفي قوله: ﴿لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ اختص القلوب؛ لأن بها صلاح الجسد وفساده وليس كذلك بقية الأعضاء؛ ولأنها محل الإيمان، إلى غير ذلك ومنها الالتفات في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
وفي قوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه، وفي غير ذلك، وقيل: هذه كلها استعارات ولا تشبيه فيها؛ لأنه لم يصرح فيها بذكر أداة التشبيه.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ على تفسير من فسَّره بالزبور، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل؛ لأن أصحاب الكتب، إذ ذاك المؤمنون واليهود والنصارى. وفي قوله: ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ خصهما بالذكر؛ لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا. وفي قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم وفي قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز والنظر والاعتبار وفي قوله: ﴿لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ اختص القلوب؛ لأن بها صلاح الجسد وفساده وليس كذلك بقية الأعضاء؛ ولأنها محل الإيمان، إلى غير ذلك ومنها الالتفات في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
195
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
المناسبة
لما حكى الله تعالى عن المؤمنين دعاءهم أن يثبتهم الله على الإيمان.. حكى عن الكافرين سبب كفرهم وهو: اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال والبنين، وبين أنها لن تدفع عنهم عذاب الله كما لم تغنِ عنهم شيئًا في الدنيا. وضرب على ذلك الأمثال بغزوة بدر حيث التقى فيها جند الرحمن بجند الشيطان، وكانت النتيجة اندحار الكافرين مع كثرتهم وانتصار المؤمنين مع قلتهم، فلم تنفعهم الأموال ولا الأولاد، ثم أعقب تعالى ذلك بذكر شهوات الدنيا، ومُتع الحياة التي يتنافس الناس فيها، ثم ختمها بالتذكير بأن ما عند الله خير للأبرار.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ...﴾ سبب نزوله (١): ما روى
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
المناسبة
لما حكى الله تعالى عن المؤمنين دعاءهم أن يثبتهم الله على الإيمان.. حكى عن الكافرين سبب كفرهم وهو: اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال والبنين، وبين أنها لن تدفع عنهم عذاب الله كما لم تغنِ عنهم شيئًا في الدنيا. وضرب على ذلك الأمثال بغزوة بدر حيث التقى فيها جند الرحمن بجند الشيطان، وكانت النتيجة اندحار الكافرين مع كثرتهم وانتصار المؤمنين مع قلتهم، فلم تنفعهم الأموال ولا الأولاد، ثم أعقب تعالى ذلك بذكر شهوات الدنيا، ومُتع الحياة التي يتنافس الناس فيها، ثم ختمها بالتذكير بأن ما عند الله خير للأبرار.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ...﴾ سبب نزوله (١): ما روى
(١) لباب النقول.
196
أبو داود في "سننه" والبيهقي في "الدلائل" من طريق أبي إسحاق عن محمَّد ابن أبي محمَّد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - ﷺ - لما أصاب قريشًا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال لهم: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشًا فقد عرفتم أني نبي مرسل، فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال - يعني: جهالًا لا علم لهم بالحرب - إنك والله لو قاتلتنا.. لعرفت أنا نحن الرجال، وأنك لم تلقَ مثلنا، فأنزل الله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ الآية إلى قوله: ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
وأخرج ابن جرير (١) عن ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، وكان المشركون مثليهم ست مئة وستة وعشرين، فأيد الله المؤمنين.
التفسير وأوجه القراءة
١٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا ما قد عرفوه من نبوة محمَّد - ﷺ - سواء كانوا من بني إسرائيل، أم من كفار العرب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾؛ أي: لن تدفع عنهم ولن تنجيهم، ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ الذين يتناصرون ويتفاخرون بهم في مهام أمورهم ويعولون عليهم في الخطوب النازلة ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللَّهِ شَيْئًا﴾ وقد كانوا يقولون نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين، فرد الله عليهم بقوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ ﴿وَأُولَئِكَ﴾ الكفرة ﴿هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: حطب النار الذي تسجر
وأخرج ابن جرير (١) عن ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، وكان المشركون مثليهم ست مئة وستة وعشرين، فأيد الله المؤمنين.
التفسير وأوجه القراءة
١٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا ما قد عرفوه من نبوة محمَّد - ﷺ - سواء كانوا من بني إسرائيل، أم من كفار العرب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾؛ أي: لن تدفع عنهم ولن تنجيهم، ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ الذين يتناصرون ويتفاخرون بهم في مهام أمورهم ويعولون عليهم في الخطوب النازلة ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللَّهِ شَيْئًا﴾ وقد كانوا يقولون نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين، فرد الله عليهم بقوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ ﴿وَأُولَئِكَ﴾ الكفرة ﴿هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: حطب النار الذي تسجر
(١) الشوكاني.
وتسعر به؛ أي: سيكونون يوم القيامة حطبًا لجهنم التي تُسعَّر بهم.
وقيل: المراد بهؤلاء الكفرة: وفد نجران، وذلك لأن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه كرز: إني لأعلم أن محمدًا رسول الله حقًّا، وهو النبي الذي كنا ننتظره، ولكني إن أظهرت إيماني بمحمد أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال الكثير والجاه، فالله تعالى بين أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة.
وقرأ أبو عبد الرحمن ﴿لن يغني﴾ بالياء على تذكير العلامة، وقرأ علي: (لن تغني) بسكون الياء، وقرأ الحسن ﴿لن يغني﴾ بالياء أولًا وبالياء الساكنة آخرًا وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع، وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة وينبغي أن لا يخص بها إذ كثر ذلك في كلامهم وكل هذه القراءة شاذ عدا قراءة الجمهور ﴿تغنيَ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقُودُ﴾ بفتح الواو بمعنى: الحطب الذي توقد به النار، وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف شذوذًا: ﴿وُقُود﴾ بضم الواو وهو مصدر: وقدت النار تقد وقودًا، ويكون على حذف مضاف؛ أي: أهل وقود النار أو حطب وقود النار، أو جعلهم نفس الحطب مبالغة، وقد قيل في المصدر أيضًا: وَقود بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو فيحتاج إلى تقدير مضاف؛ أي: هم أهل وقود النار.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن من كفر وكذب بالله، مآله إلى النار، ولن يغني عنه ماله ولا ولده.. ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله - ﷺ - وترتب العذاب على كفرهم كشأن من تقدم من كفار الأمم الماضية وأخذوا بذنوبهم وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون؛ لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخرًا إلى النار وظهور بني إسرائيل عليهم وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول الله - ﷺ - ولمن
١١ - آمن به: أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاستئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون؛ أُهلكوا في الدنيا وصاروا إلى النار، فقال: {كَدَأْبِ آلِ
وقيل: المراد بهؤلاء الكفرة: وفد نجران، وذلك لأن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه كرز: إني لأعلم أن محمدًا رسول الله حقًّا، وهو النبي الذي كنا ننتظره، ولكني إن أظهرت إيماني بمحمد أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال الكثير والجاه، فالله تعالى بين أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة.
وقرأ أبو عبد الرحمن ﴿لن يغني﴾ بالياء على تذكير العلامة، وقرأ علي: (لن تغني) بسكون الياء، وقرأ الحسن ﴿لن يغني﴾ بالياء أولًا وبالياء الساكنة آخرًا وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع، وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة وينبغي أن لا يخص بها إذ كثر ذلك في كلامهم وكل هذه القراءة شاذ عدا قراءة الجمهور ﴿تغنيَ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿وَقُودُ﴾ بفتح الواو بمعنى: الحطب الذي توقد به النار، وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف شذوذًا: ﴿وُقُود﴾ بضم الواو وهو مصدر: وقدت النار تقد وقودًا، ويكون على حذف مضاف؛ أي: أهل وقود النار أو حطب وقود النار، أو جعلهم نفس الحطب مبالغة، وقد قيل في المصدر أيضًا: وَقود بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو فيحتاج إلى تقدير مضاف؛ أي: هم أهل وقود النار.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن من كفر وكذب بالله، مآله إلى النار، ولن يغني عنه ماله ولا ولده.. ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله - ﷺ - وترتب العذاب على كفرهم كشأن من تقدم من كفار الأمم الماضية وأخذوا بذنوبهم وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون؛ لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخرًا إلى النار وظهور بني إسرائيل عليهم وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول الله - ﷺ - ولمن
١١ - آمن به: أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاستئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون؛ أُهلكوا في الدنيا وصاروا إلى النار، فقال: {كَدَأْبِ آلِ
فِرْعَوْنَ}؛ أي: شأن هؤلاء الكفرة في تكذيبهم محمدًا - ﷺ - وكفرهم بشريعته وصنيعهم وعادتهم، كدأب آل فرعون، أي: كشأن فرعون وقومه وعادتهم في تكذيبهم موسى وشريعته ﴿وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾؛ أي: وكدأب الأمم الذين من قبل قوم فرعون من كفار الأمم الماضية في تكذيبهم أنبياءهم كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم إبراهيم وغيرهم ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: قد كذب آل فرعون ومن قبلهم بآياتنا ومعجزاتنا الدالة على صدق رسلنا وأنكروها، ومتى كذبوا بها. فقد كذبوا الأنبياء بلا شك ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: عاقب الله آل فرعون ومن قبلهم ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾؛ أي: أهلكهم بتكذيبهم المعجزات الدالة على صدق الرسل، وإنكارها، ونَصَر الرسل ومن آمن معهم ولم يجدوا من بأس الله محيصًا ولا مهربًا؛ إذ عقابه أثر طبيعي لاجتراح الذنوب وارتكاب الموبقات. وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾؛ إلى آخرها تفسير لدأبهم مما فعلوا أو فعل بهم.
وإنما استعمل الأخذ في العقاب؛ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ الذي لا يقدر على التخلص ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؛ أي: أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فلما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم.. فكذا لن تنفع هؤلاء، وفي هذه الجملة إشارة إلى شدة سطوة الله على من كفر بآياته وكذب
١٢ - بها، ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: ﴿قُل﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ليهود المدينة ومشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يغلبكم المسلمون عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي - ﷺ - في يوم واحد ست مئة، جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها، وبإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على أهلها وبالأسر على بعض ولله الحمد. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾؛ أي: تجمعون وتساقون ﴿إلى﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾؛ أي: قبح المهاد والفراش الذي مهدتموه وفرشتموه لأنفسكم، والمخصوص بالذم نار جهنم، ودلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار.
وإنما استعمل الأخذ في العقاب؛ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ الذي لا يقدر على التخلص ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؛ أي: أليم العذاب شديد البطش، والغرض من الآية أن كفار قريش كفروا كما كفر أولئك المعاندون من آل فرعون ومن سبقهم، فلما لم تنفع أولئك أموالهم ولا أولادهم.. فكذا لن تنفع هؤلاء، وفي هذه الجملة إشارة إلى شدة سطوة الله على من كفر بآياته وكذب
١٢ - بها، ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: ﴿قُل﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ليهود المدينة ومشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يغلبكم المسلمون عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي - ﷺ - في يوم واحد ست مئة، جمعهم في سوق بني قينقاع وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها، وبإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على أهلها وبالأسر على بعض ولله الحمد. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾؛ أي: تجمعون وتساقون ﴿إلى﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾؛ أي: قبح المهاد والفراش الذي مهدتموه وفرشتموه لأنفسكم، والمخصوص بالذم نار جهنم، ودلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف (١): ﴿سيغلبون ويحشرون﴾ بالياء على الغيبة. وقرأ باقي السبعة: بالتاء خطابًا؛ أي: قل لهم في خطابك إياهم ستغلبون وتحشرون. فتكون الجملتان مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾، وعلى قراءة الياء لا تكون الجملة محكية بـ ﴿قُلْ﴾ بل محكية بقول آخر تقديره: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة.
والفرق بينهما (٢): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
١٣ - وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال ﴿فِئَةٌ﴾؛ أي: فرقة منهما ﴿تُقَاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله - ﷺ - وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة: ﴿فِئَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: ﴿فئةٍ﴾ بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿فئة﴾ بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل
والفرق بينهما (٢): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
١٣ - وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال ﴿فِئَةٌ﴾؛ أي: فرقة منهما ﴿تُقَاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله - ﷺ - وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة: ﴿فِئَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: ﴿فئةٍ﴾ بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿فئة﴾ بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
200
في سبيل الله، وأذم أخرى كافرة. وقرأ الجمهور: ﴿تُقَاتِلُ﴾ بالتاء على تأنيث الفئة، وقرأ مجاهد ومقاتل شذوذًا: ﴿يقاتل﴾ بالياء على التذكير نظرًا لكون الفئة بمعنى القوم ﴿و﴾ فرقة ﴿أخرى كافرة﴾ كافرة بالله ورسوله وهم مشركوا مكة، وكانوا تسع مئة وخمسين رجلًا من المقاتلة، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان فيهم مئة فرس، وكانت معهم من الإبل سبع مئة وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وكان في الرجال دروع سوى ذلك، وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله - ﷺ - بعد الهجرة ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي: يرى المشركون المؤمنين بعد ما شرعوا في القتال ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾؛ أي: مثلي عدد المشركين قريبًا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفًا وعشرين ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾؛ أي: في رأي العين؛ أي: رؤية ظاهرة محققة بالعين لا بالوهم والخيال، وذلك أنه تعالى كَثَّر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا ويجبنوا عن قتالهم ولا يعارض هذا ما قال في سورة الأنفال: ﴿ويقللكم في أعينهم﴾؛ لأنهم قللوا أولًا في أعينهم حتى اجترؤوا على قتالهم، فلما اجتمعوا. كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المجمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى لها: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾، ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
وهذا (١) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب ﴿ترونهم﴾ بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة ﴿تُرَونهم﴾ بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.
وهذا (١) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب ﴿ترونهم﴾ بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة ﴿تُرَونهم﴾ بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.
(١) البحر المحيط.
201
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ويقوي ﴿بِنَصْرِهِ﴾ وعونه ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ ويريد نصره على عدوه ولو بدون الأسباب العادية ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ النصر لمحمد - ﷺ - وأصحابه يوم بدر مع قلتهم عَدَدًا وعُدَدًا أو رؤية القليل كثيرًا، أو في غلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظيمة؛ أي: لعظة عظيمة ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾؛ أي: لأصحاب العقول الكاملة والأفكار السليمة المستقيمة والمعنى: إن في هذا النصر مع قلة عددهم وكثرة عدوهم عظةٌ لمن عقل وتدبر فعرف الحق وثلج قلبه ببرد اليقين.
ووجه (١) نظم هذه الآية أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله - ﷺ - لما دعاهم إلى الإِسلام.. أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا، فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة.. فإنكم ستغلبون، ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
١٤ - وروي أنه - ﷺ - لما دعا اليهود إلى الإِسلام بعد غزوة بدر.. أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبين الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾؛ أي: حسن لجنس الناس والآدميين. قرأ الجمهور: ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمفعول. وقرأ الضحاك: ﴿زَيَّنَ﴾ بالبناء للفاعل، والشهوات: جمع شهوة وهو توقان النفس إلى الشيء المشتهى، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ أي: حسن لهم حب المشتهيات المذكورة، سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾، والمزيِّن لها هو الله تعالى عند أهل السنّة لا الشيطان كما قالت المعتزلة؛ لأنه
ووجه (١) نظم هذه الآية أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله - ﷺ - لما دعاهم إلى الإِسلام.. أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا، فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة.. فإنكم ستغلبون، ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
١٤ - وروي أنه - ﷺ - لما دعا اليهود إلى الإِسلام بعد غزوة بدر.. أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبين الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾؛ أي: حسن لجنس الناس والآدميين. قرأ الجمهور: ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمفعول. وقرأ الضحاك: ﴿زَيَّنَ﴾ بالبناء للفاعل، والشهوات: جمع شهوة وهو توقان النفس إلى الشيء المشتهى، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ أي: حسن لهم حب المشتهيات المذكورة، سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾، والمزيِّن لها هو الله تعالى عند أهل السنّة لا الشيطان كما قالت المعتزلة؛ لأنه
(١) المراح.
202
تعالى خالق كل شيء ولا شريك له في ملكه، ولعله زينه ابتلاءً، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى، ولأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع الإنساني. وتزيين الله: عبارة عن جعل القلوب متعلقة بها مائلة إليها، وتزيين الشيطان ووسوسته وتحسينه الميل إليها حالة كون تلك المشتهيات ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾، والإماء داخلة فيها وإنما بدأ بذكر النساء؛ لأن الالتذاذ بهن أكثر، والاستئناس بهن أتم، ولأنهن حبائل الشيطان وأقرب إلى الافتتان ﴿و﴾ من ﴿البنين﴾: جمع ابن، وإنما خص البنين بالذكر؛ لأن حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى؛ لأنه يتكثر به ويعضده، ويقوم مقامه، وقد جعل الله تعالى في قلب الإنسان حب الزوجة والولد لحكمة بالغة، وهي بقاء التوالد. ولولا تلك المحبة لما حصل ذلك ﴿و﴾ من ﴿القناطير﴾؛ أي: ومن الأموال الكثيرة والكنوز الوفيرة ﴿الْمُقَنْطَرَةِ﴾؛ أي: المجموعة أو المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير، وإنما كانا محبوبين؛ لأنهما جعلا ثمن جمع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء، وقوله: ﴿مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ بيان للقناطير، أو حال منه، والواو فيه بمعنى: أو المانعة الخلو فتجوز الجمع. قيل: سُمي الذهب ذهبًا؛ لسرعة ذهابه بالإنفاق، والفضة فضة لأنها تنفض؛ أي: تتفرق بالإنفاق، والفض: التفرق ﴿و﴾ من ﴿الخيل المسومة﴾؛ أي: المرعية في المروج والمسارح، يقال: سامت الدابة إذا سرحت ورعت، والمقصود أنها إذا رعت زاد حسنها، أو المعلمة بعلامة خلقية بأن تكون غرًّا محجلة، أو بعلامة طارئة لتتميز عن غيرها كالكي، وقيل: الحسان المعدة للجهاد ﴿و﴾ من ﴿الأنعام﴾ جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم؛ لأن منها المركب والمطعم والزينة ﴿و﴾ من ﴿الحرث﴾؛ أي: ومن المزروع والمغروس وهو مصدر بمعنى: المحروث الشامل للمغروس؛ لأن فيه تحصيل أقواتهم ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الأصناف السابقة ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما يتمتع ويتنعم به مدة الحياة الدنيا، ثم يذهب ولا يبقى ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾؛ أي: المآب الحسن؛ أي؛ المرجع الحسن الدائم الذي لا يفنى في الآخرة وهو الجنة، لمن ترك ذلك. وفيه تزهيد من الدنيا وترغيب في الآخرة، وقيل: فيه إشارة إلى
203
أن من آتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها فيما يكون فيه صلاحه في الآخرة؛ لأنها السعادة القصوى.
إيضاح معنى الآية: معنى تزيين حب الشهوات للناس: أن حبها مستحسن لديهم، لا يرون فيه قبحًا ولا غضاضة، ومن ثمَّ لا يكادون يرجعون عنه، وهذا أقصى مراتب الحب، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحًا أو ضارًّا، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به وقد يحب الإنسان شيئًا وهو يراه شيئًا لا زينًا، وضارًّا لا نافعًا، كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيه منه، ومن أحب شيئًا ولم يزين له يوشك أن يرجع عنه يومًا ما، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.
والمعنى: أن الله تعالى فطر الناس على حب هذه الشهوات الستة المبينة في الآية وغيرها كآلات الملاهي:
فأولها: النساء: وهي موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ الآية، وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدهم وجدهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهن له الأثر العظيم في شؤون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهن قد يزول وحب الأولاد لا يزول؛ لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلو والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا فوق الواحدة أفرطو في حب واحدة وقلوا أخرى وأهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق، وقد وسعوه على أولاد المحبوبة. وكم من غني عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب عندها وابتغاء الزلفى إليها.
وثانيها: البنون: والمراد بهم الأولاد مطلقًا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
إيضاح معنى الآية: معنى تزيين حب الشهوات للناس: أن حبها مستحسن لديهم، لا يرون فيه قبحًا ولا غضاضة، ومن ثمَّ لا يكادون يرجعون عنه، وهذا أقصى مراتب الحب، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحًا أو ضارًّا، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به وقد يحب الإنسان شيئًا وهو يراه شيئًا لا زينًا، وضارًّا لا نافعًا، كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيه منه، ومن أحب شيئًا ولم يزين له يوشك أن يرجع عنه يومًا ما، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.
والمعنى: أن الله تعالى فطر الناس على حب هذه الشهوات الستة المبينة في الآية وغيرها كآلات الملاهي:
فأولها: النساء: وهي موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ الآية، وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدهم وجدهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهن له الأثر العظيم في شؤون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهن قد يزول وحب الأولاد لا يزول؛ لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلو والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا فوق الواحدة أفرطو في حب واحدة وقلوا أخرى وأهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق، وقد وسعوه على أولاد المحبوبة. وكم من غني عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب عندها وابتغاء الزلفى إليها.
وثانيها: البنون: والمراد بهم الأولاد مطلقًا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
204
وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، وفي الحديث: "الولد مجبنة مبخلة".
والعلة في حب الزوجة والولد واحدة: وهي تسلسل النسل وبقاء النوع، وهي حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.
وحب البنين أقوى من حب البنات لأسباب كثيرة:
ومنها: أنهم عمود النسب الذي به تتصل سلسلة النسل، وبه يبقى ما يحرص عليه الإنسان من بقاء الذكر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ومنها: أمل الوالد في كفالتهم له حين الحاجة إليهم لضعف أو كبر.
ومنها؛ أنه يرجي بهم من الشرف ما لا يرجي الإناث كنبوغ في علم أو عمل أو رياسة أو قيادة جيش للدفاع عن الوطن وحفظ كيان الأمة.
ومنها: الشعور بأن الأنثى حين الكبر تنفصل من عشيرتها، وتتصل بعشيرة أخرى.
وثالثها: القناطير المقنطرة من الذهب والفضة: والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد، وقد جرت عادتهم بأن يصفوا الشيء بما يشتق منه مبالغة، كما قالوا: ألوف مؤلفة، وظل ظليل، وليل أليل وهذا التعبير يشعر بالكثرة التي تكون مظنة الافتتان، والتي تشغل القلب للتمتع بها وتستغرق في تدبيرها الوقت الكثير حتى لا يبقى بعد ذلك منفذ للشعور بالحاجة إلى نصرة الحق والاستعداد لأعمال الآخرة.
ومن ثمَّ كان الأغنياء في كل الأمم لدى بعثة الرسل أول الكافرين المستكبرين عن تلبية دعوتهم وإن أجابوها وآمنوا.. فهم أقل الناس عملًا وأكثرهم بعدًا عن هدي الدين انظر إلى قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾.
وحب المال مما أودع في غرائز البشر واختلط بلحمهم ودمهم، وسر هذا: أنه وسيلة إلى جلب الرغائب وسبيل إلى نيل اللذات والشهوات، ورغبات الإنسان
والعلة في حب الزوجة والولد واحدة: وهي تسلسل النسل وبقاء النوع، وهي حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.
وحب البنين أقوى من حب البنات لأسباب كثيرة:
ومنها: أنهم عمود النسب الذي به تتصل سلسلة النسل، وبه يبقى ما يحرص عليه الإنسان من بقاء الذكر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ومنها: أمل الوالد في كفالتهم له حين الحاجة إليهم لضعف أو كبر.
ومنها؛ أنه يرجي بهم من الشرف ما لا يرجي الإناث كنبوغ في علم أو عمل أو رياسة أو قيادة جيش للدفاع عن الوطن وحفظ كيان الأمة.
ومنها: الشعور بأن الأنثى حين الكبر تنفصل من عشيرتها، وتتصل بعشيرة أخرى.
وثالثها: القناطير المقنطرة من الذهب والفضة: والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد، وقد جرت عادتهم بأن يصفوا الشيء بما يشتق منه مبالغة، كما قالوا: ألوف مؤلفة، وظل ظليل، وليل أليل وهذا التعبير يشعر بالكثرة التي تكون مظنة الافتتان، والتي تشغل القلب للتمتع بها وتستغرق في تدبيرها الوقت الكثير حتى لا يبقى بعد ذلك منفذ للشعور بالحاجة إلى نصرة الحق والاستعداد لأعمال الآخرة.
ومن ثمَّ كان الأغنياء في كل الأمم لدى بعثة الرسل أول الكافرين المستكبرين عن تلبية دعوتهم وإن أجابوها وآمنوا.. فهم أقل الناس عملًا وأكثرهم بعدًا عن هدي الدين انظر إلى قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾.
وحب المال مما أودع في غرائز البشر واختلط بلحمهم ودمهم، وسر هذا: أنه وسيلة إلى جلب الرغائب وسبيل إلى نيل اللذات والشهوات، ورغبات الإنسان
205
غير محدودة، ولذاته لا عد لها ولا حصر، وكلما حصل على لذة طلب المزيد منها، وما وصل إلى غاية في جمع المال إلا تاقت نفسه إلى ما فوقها حتى يبلغ به النهم في جمعه أن ينسى أن المال وسيلة لا مقصد، فيتفنن في الوصول إليه الفنون المختلفة والطرق التي تعن له، ولا يبالي أمن حلال كسب أم من حرام؟
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قوله - ﷺ -: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" ولقد أعمَّتْ فتنة المال كثيرًا من الناس، فشغلتهم عن حقوق الله وحقوق الأمة والوطن، بل عن حقوق من يعاملهم، بل عن حقوق بيوتهم وعيالهم، بل عن أنفسهم، ومنهم من يقصر في النفقة على نفسه وعياله بالقدر الذي يزري بمروءته، فيظهر بمظهر المسترذل بين الناس في مأكله ومشربه وملبسه، ومنهم من يثلم بشرفه ويفتح ثغره للطاعنين والقائلين فيه بالحق وبالباطل؛ لأجل المال ومن ثم قالوا: المال ميّال.
ورابعها: ﴿الخيل المسومة﴾ التي ترعى في الأودية يقال: سام الدابة: رعاها وأسامها أخرجها إلى المرعى وكل من الخيل الراعية التي تقتنى للتجارة والمعلمة التي يقتنيها العظماء والأغنياء، من المتاع الذي يتنافس فيه الناس ويتفاخرون حتى لقد يتغالى بعضهم في ذلك إلى حد هو أشبه بالجنون.
وخامسها: ﴿الأنعام﴾: وهي مال أهل البادية، ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم، وبها تفاخرهم وتكاثرهم، وقد امتن الله بها على عباده بقوله: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)﴾ إلى قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وسادسها: ﴿الحرث﴾ وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الأنواع السالفة، والانتفاع به أتم منها، لكنه أخر عنها لأنه لما عم الارتفاق به.. كانت زينته في القلوب أقلَّ، وقلما يكون الانتفاع به صادرًا عن الاستعداد لأعمال الآخرة، أو مانعًا من نصرة الحق.
وهناك ما هو أعم نفعًا وأعظم فائدة في الحياة وهو: الضوء والهواء، فلا
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قوله - ﷺ -: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" ولقد أعمَّتْ فتنة المال كثيرًا من الناس، فشغلتهم عن حقوق الله وحقوق الأمة والوطن، بل عن حقوق من يعاملهم، بل عن حقوق بيوتهم وعيالهم، بل عن أنفسهم، ومنهم من يقصر في النفقة على نفسه وعياله بالقدر الذي يزري بمروءته، فيظهر بمظهر المسترذل بين الناس في مأكله ومشربه وملبسه، ومنهم من يثلم بشرفه ويفتح ثغره للطاعنين والقائلين فيه بالحق وبالباطل؛ لأجل المال ومن ثم قالوا: المال ميّال.
ورابعها: ﴿الخيل المسومة﴾ التي ترعى في الأودية يقال: سام الدابة: رعاها وأسامها أخرجها إلى المرعى وكل من الخيل الراعية التي تقتنى للتجارة والمعلمة التي يقتنيها العظماء والأغنياء، من المتاع الذي يتنافس فيه الناس ويتفاخرون حتى لقد يتغالى بعضهم في ذلك إلى حد هو أشبه بالجنون.
وخامسها: ﴿الأنعام﴾: وهي مال أهل البادية، ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم، وبها تفاخرهم وتكاثرهم، وقد امتن الله بها على عباده بقوله: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)﴾ إلى قوله: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وسادسها: ﴿الحرث﴾ وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الأنواع السالفة، والانتفاع به أتم منها، لكنه أخر عنها لأنه لما عم الارتفاق به.. كانت زينته في القلوب أقلَّ، وقلما يكون الانتفاع به صادرًا عن الاستعداد لأعمال الآخرة، أو مانعًا من نصرة الحق.
وهناك ما هو أعم نفعًا وأعظم فائدة في الحياة وهو: الضوء والهواء، فلا
206
يستغني عنهما حي من الأحياء، ومع ذلك قلما يلتفت الإنسان إليهما، ولا يفكر في غبطته بهما.
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: هذا الذي ذكر من الأصناف الستة المتقدمة هو ما يتمتع به الناس قليلًا في هذه الحياة الفانية، ويجعلونه وسيلة في معايشهم وسببًا لقضاء شهواتهم، وقد زين لهم حبها في عاجل دنياهم. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ في الحياة الآخرة التي تكون بعد موتهم وبعثهم، فلا ينبغي لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الآجل، وفي هذه الجملة دلالة على أنه ليس فيما عدد عاقبة محمودة، فعلى المؤمن أن لا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه، والشغل الشاغل له عن آخرته، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال، ووقف عند حدود الله.. سَعِد في الدارين، ووفق لخير الحياتين كما قال: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
١٥ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد للكفار أو للناس عامة، وهو أمر للنبي - ﷺ - بتفصيل ما أجمل أولًا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾. ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾؛ أي: هل أخبركم أيها الناس بشيء أفضل من ذلكم المذكور من النساء والبنين إلى آخره. وجيء بالكلام على صورة الاستفهام التشبيثي لتوجيه النفوس إلى الجواب، وتشويقها إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: ﴿أأنبئكم﴾ - بتحقيق الهمزة الأولى، وتسهيل الثانية -. والباقون: بالتحقيق فيهما، مع زيادة مد بينهما لبعضهم، وبدون زيادة لبعض آخر فالقراءات ثلاث، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ما هنا، وما في ص: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾، وما في اقتربت: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾. وقوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾ يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها، ولا شك في ذلك؛ إذ هي من أجل النعم التي أنعم الله بها على الناس، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها، فما مثل المسرف في حب النساء حتى يعطي امرأته حق غيرها، أو يهمل لأجلها تربية أولاده.. إلا مثل من يستعمل عقله في استنباط الحيل ليبتز
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: هذا الذي ذكر من الأصناف الستة المتقدمة هو ما يتمتع به الناس قليلًا في هذه الحياة الفانية، ويجعلونه وسيلة في معايشهم وسببًا لقضاء شهواتهم، وقد زين لهم حبها في عاجل دنياهم. ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ في الحياة الآخرة التي تكون بعد موتهم وبعثهم، فلا ينبغي لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الآجل، وفي هذه الجملة دلالة على أنه ليس فيما عدد عاقبة محمودة، فعلى المؤمن أن لا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه، والشغل الشاغل له عن آخرته، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال، ووقف عند حدود الله.. سَعِد في الدارين، ووفق لخير الحياتين كما قال: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
١٥ - ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد للكفار أو للناس عامة، وهو أمر للنبي - ﷺ - بتفصيل ما أجمل أولًا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾. ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾؛ أي: هل أخبركم أيها الناس بشيء أفضل من ذلكم المذكور من النساء والبنين إلى آخره. وجيء بالكلام على صورة الاستفهام التشبيثي لتوجيه النفوس إلى الجواب، وتشويقها إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: ﴿أأنبئكم﴾ - بتحقيق الهمزة الأولى، وتسهيل الثانية -. والباقون: بالتحقيق فيهما، مع زيادة مد بينهما لبعضهم، وبدون زيادة لبعض آخر فالقراءات ثلاث، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ما هنا، وما في ص: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾، وما في اقتربت: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾. وقوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾ يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها، ولا شك في ذلك؛ إذ هي من أجل النعم التي أنعم الله بها على الناس، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها، فما مثل المسرف في حب النساء حتى يعطي امرأته حق غيرها، أو يهمل لأجلها تربية أولاده.. إلا مثل من يستعمل عقله في استنباط الحيل ليبتز
207
حقوق الناس ويؤذيهم فسلوك الناس في الانتفاع بالنعم لا يدل على أنها هي في ذاتها شرٌّ، ولا كون حبها شرًّا مع القصد والاعتدال والوقوف عند حدود الشريعة. ثم أجاب عن هذا الاستفهام على نظير قولك: هل أدلك على تاجر عظيم في السوق يصدق في المعاملة، ويرخص السعر، ويفي بالوعد هو: فلان، فقال: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ هذه الجملة مستأنفة لبيان ما هو خير؛ أي: للذين اجتنبوا الشرك والمعاصي والشهوات النفسانية، وتبتلوا إلى طاعة الله، وأعرضوا عما سواها.. فلا تشغلهم الزينة عن طاعة الله تعالى، بساتينُ مؤبدة، وحدائق منضدة حالة كونها مدخرة لهم عند ربهم. وقرأ يعقوب: ﴿جناتٍ﴾ بالجر بدلًا من قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾. ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾؛ أي: تسيل وتطرد من تحت أشجارها ومساكنها أنهار الخمر والعسل واللبن والماء حالة كونهم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها ﴿و﴾ لهم فيها ﴿أزواج مطهرة﴾؛ أي: زوجات منظفة مهذبة من الحيض والنفاس والبصاق والمني وتشويه الخلقة وسوء العشرة والأخلاق الذميمة وسائر ما يستقذر لا يغوطن ولا يتبولن ولا يحضن ولا ينفسن ولا يعتريهن ما يعتري نساء الدنيا ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: ولهم فيها رضا ربهم أكبر ما فيهم، فيه من النعيم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". متفق عليه.
وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه.. كان أتم لسروره وأعظم لفرحه.
وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". متفق عليه.
وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه.. كان أتم لسروره وأعظم لفرحه.
وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
208
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)}، وقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ الآية.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن: ﴿رُضوان﴾ بضم الراء ما عدا الثاني في سورة المائدة وهو قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ففيه عنه خلاف. وقرأ باقي السبعة: بالكسر، وهما لغتان.
وخلاصة المعنى: أن للذين اتقوا وأخبتوا إلى ربهم، وأنابوا إليه نوعين من الجزاء:
أحدهما: جسماني: وهو الجنات وما فيها من النعيم والخيرات والأزواج المبرأة من العيوب التي في نساء الدنيا خَلْقًا وخُلُقًا.
وثانيهما: روحاني عقلي: وهو رضوان الله الذي لا يشوبه سخط، ولا يعقبه غضب، وهو أعظم اللذات كلها في الآخرة عند المتقين.
وفي الآية إيماء إلى أن أهل الجنة مراتب وطبقات، كما نرى ذلك في الدنيا، فمنهم من لا يفقه لرضوان الله معنى، ولا يكون ذلك باعثًا له على فعل الخير وترك الشر، وإنما يفقه اللذات الحسية التي جربها في الدنيا ففي مثلها يرغب.
ومنهم من ارتقى إدراكه وعظم قربه من ربه، فيتمنى رضاه، ويجعله الغاية القصوى والسعادة التي ليس وراءها سعادة.
وقد نبه بهذه الآية على نعمه، فأدناها متاع الدنيا، وأعلاها رضوان الله تعالى؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وأوسطها الجنة ونعيمها.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: بصير بأعمالهم مطلع عليها عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا، فيجازي كلًّا بعمله، فيثيب ويعاقب على قدر
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن: ﴿رُضوان﴾ بضم الراء ما عدا الثاني في سورة المائدة وهو قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ففيه عنه خلاف. وقرأ باقي السبعة: بالكسر، وهما لغتان.
وخلاصة المعنى: أن للذين اتقوا وأخبتوا إلى ربهم، وأنابوا إليه نوعين من الجزاء:
أحدهما: جسماني: وهو الجنات وما فيها من النعيم والخيرات والأزواج المبرأة من العيوب التي في نساء الدنيا خَلْقًا وخُلُقًا.
وثانيهما: روحاني عقلي: وهو رضوان الله الذي لا يشوبه سخط، ولا يعقبه غضب، وهو أعظم اللذات كلها في الآخرة عند المتقين.
وفي الآية إيماء إلى أن أهل الجنة مراتب وطبقات، كما نرى ذلك في الدنيا، فمنهم من لا يفقه لرضوان الله معنى، ولا يكون ذلك باعثًا له على فعل الخير وترك الشر، وإنما يفقه اللذات الحسية التي جربها في الدنيا ففي مثلها يرغب.
ومنهم من ارتقى إدراكه وعظم قربه من ربه، فيتمنى رضاه، ويجعله الغاية القصوى والسعادة التي ليس وراءها سعادة.
وقد نبه بهذه الآية على نعمه، فأدناها متاع الدنيا، وأعلاها رضوان الله تعالى؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وأوسطها الجنة ونعيمها.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: بصير بأعمالهم مطلع عليها عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا، فيجازي كلًّا بعمله، فيثيب ويعاقب على قدر
209
الأعمال، فلا تخفى عليه خافية من أمرهم، وهو المجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
وقد ختم سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة؛ ليحاسب الإنسانُ نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعد متقيًا، وإنما
١٦ - المتقي من يعلم منه ربه التقوى، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الجنة للمتقين.. ذكر شيئًا من صفاتهم فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى وأساسه فقال: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يقولون في الدنيا ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ وصدقنا بك وبرسولك إجابةً لدعوتك ﴿فَاغْفِرْ﴾ اللهم ﴿لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ واسترها وتجاوز عنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾؛ أي: وادفع عنا عذاب النار بفضلك وكرمك إنك أنت الغفور الرحيم، وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة؛ لأن من زحزح عن النار
١٧ - يومئذٍ.. فقد فاز بالنجاة وحسن المآب، ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به عن غيرهم، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال: أمدح ﴿الصَّابِرِينَ﴾ على تكاليف امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾ في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾؛ أي: المطيعين لربهم المواظبين على العبادات وقيل هم المصلون. ﴿المنفقين﴾؛ أي: الباذلين أموالهم في وجوه الخير، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾؛ أي: الطالبين من ربهم مغفرة الذنوب في أواخر الليل؛ لأنها وقت إجابة الدعاء، ووقت الخلوة والفراغ. قال لقمان لابنه: يا بني لا يكن الديكُ أكيس منك ينادي بالأسحار، وقيل: المصلين التهجد: في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم، ويشق فيه القيام، وتكون النفس فيه أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: مَنْ يدعوني.. فأستجيب له، مَنْ يسألني.. فأعطيه، مَنْ يستغفرني.. فأغفر له" متفق
وقد ختم سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة؛ ليحاسب الإنسانُ نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعد متقيًا، وإنما
١٦ - المتقي من يعلم منه ربه التقوى، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الجنة للمتقين.. ذكر شيئًا من صفاتهم فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى وأساسه فقال: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يقولون في الدنيا ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ وصدقنا بك وبرسولك إجابةً لدعوتك ﴿فَاغْفِرْ﴾ اللهم ﴿لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ واسترها وتجاوز عنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾؛ أي: وادفع عنا عذاب النار بفضلك وكرمك إنك أنت الغفور الرحيم، وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة؛ لأن من زحزح عن النار
١٧ - يومئذٍ.. فقد فاز بالنجاة وحسن المآب، ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به عن غيرهم، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال: أمدح ﴿الصَّابِرِينَ﴾ على تكاليف امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾ في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾؛ أي: المطيعين لربهم المواظبين على العبادات وقيل هم المصلون. ﴿المنفقين﴾؛ أي: الباذلين أموالهم في وجوه الخير، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾؛ أي: الطالبين من ربهم مغفرة الذنوب في أواخر الليل؛ لأنها وقت إجابة الدعاء، ووقت الخلوة والفراغ. قال لقمان لابنه: يا بني لا يكن الديكُ أكيس منك ينادي بالأسحار، وقيل: المصلين التهجد: في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم، ويشق فيه القيام، وتكون النفس فيه أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: مَنْ يدعوني.. فأستجيب له، مَنْ يسألني.. فأعطيه، مَنْ يستغفرني.. فأغفر له" متفق
210
عليه. وفي لفظ مسلم: "فيقول: أنا الملك أنا الملك مَنْ ذا الذي يدعوني... " الحديث، وله في رواية أخرى: "فيقول: هل من سائل فيُعطى، هل من داعٍ فيستجابَ له، هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح". وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فمذهب السلف فيه الإيمان به وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية عنه، وهو الأسلم الأعلم، وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم.. أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح. رواه ابن أبي حاتم.
وخلاصة الكلام: أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات المذكورة التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة، وبها نالوا هذا الوعد وهي خمسة:
إحداها: الصبر، وأكمل أنواعه: الصبر على أداء الطاعات، وترك المحرمات، فإذا هبت أعاصير الشهوات، وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي، فلا سبيل لردعها إلا بالصبر، فهو الذي يثبت الإيمان ويقف بها عند حدود الشرع، وهو الحافظ لشرف الإنسان في الدنيا عند المكاره، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدي المطامع، وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.
ثانيتها: الصدق، وهو منتهى الكمال، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤)﴾.
وثالثتها: القنوت، وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبُّ العبادة وروحها وبدونه تكون العبادة جسمًا بلا روح وشجرة بلا ثمرة.
ورابعتها: الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة فالإنفاق في وجوه الخير جميعًا مما حث عليه الشارع وندب إليه.
وخلاصة الكلام: أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات المذكورة التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة، وبها نالوا هذا الوعد وهي خمسة:
إحداها: الصبر، وأكمل أنواعه: الصبر على أداء الطاعات، وترك المحرمات، فإذا هبت أعاصير الشهوات، وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي، فلا سبيل لردعها إلا بالصبر، فهو الذي يثبت الإيمان ويقف بها عند حدود الشرع، وهو الحافظ لشرف الإنسان في الدنيا عند المكاره، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدي المطامع، وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.
ثانيتها: الصدق، وهو منتهى الكمال، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤)﴾.
وثالثتها: القنوت، وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبُّ العبادة وروحها وبدونه تكون العبادة جسمًا بلا روح وشجرة بلا ثمرة.
ورابعتها: الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة فالإنفاق في وجوه الخير جميعًا مما حث عليه الشارع وندب إليه.
211
وخامستها: الاستغفار بالأسحار؛ أي: التهجد في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم ويشق القيام وتكون النفس فيه أصفى والقلب فارغًا والاستغفار المطلوب: هو ما يقرن بالتوبة النصوح والعلم على ميزان الشرع، ولا يكفي الاستغفار باللسان مع الإدمان على فعل المنكر، فإن المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزىء بربه، ولا يغتر بمثل هذا الاستغفار إلا جاهل بدينه أو غر في معاملته لربه، ومن ثمَّ أثر عن بعضهم قوله: إنَّ استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
الإعراب
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿لَن﴾: حرف نصب ونفي. ﴿تُغْنِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿لَن﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ معطوف على ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من شيئًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿أولئك﴾): مبتدأ أول ﴿هُمْ﴾ مبتدأ ثانٍ، أو ضمير فصل، ﴿وَقُودُ النَّارِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة مقررة لعدم الإغناء، أو معطوفة على خبر (أن) وعلى كلا الاحتمالين ففيها تعيين للعذاب الذي بين أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئًا، ذكره أبو السعود.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
﴿كَدَأْبِ آلِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، آل مضاف، ﴿فِرْعَوْنَ﴾: مضاف إليه، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأبهم كدأب
الإعراب
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠)﴾.
﴿إنَّ﴾: حرف نصب وتوكيد ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب اسمها ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿لَن﴾: حرف نصب ونفي. ﴿تُغْنِيَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿لَن﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ معطوف على ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من شيئًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ الواو استئنافية أو عاطفة. ﴿أولئك﴾): مبتدأ أول ﴿هُمْ﴾ مبتدأ ثانٍ، أو ضمير فصل، ﴿وَقُودُ النَّارِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة مقررة لعدم الإغناء، أو معطوفة على خبر (أن) وعلى كلا الاحتمالين ففيها تعيين للعذاب الذي بين أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئًا، ذكره أبو السعود.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
﴿كَدَأْبِ آلِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، آل مضاف، ﴿فِرْعَوْنَ﴾: مضاف إليه، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأبهم كدأب
212
آل فرعون، والجملة مستأنفة ﴿وَالَّذِينَ﴾ في محل الجر معطوف على ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة الموصول.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
﴿كَذَّبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾، والجملة الفعلية جملة مفسِّرة لـ (دأب آل فرعون)، أو في محل النصب حال من ﴿آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ولكنه على تقدير: قد، ويحتمل كون ﴿الذين من قبلهم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾ خبره، والجملة مستأنفة، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ الفاء عاطفة سببية (أخذهم الله): فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ (أخذهم). ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مفيدة لتعليل ما قبلها، والإضافة فيه من إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها والأصل: والله شديد عقابه.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾.
﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: جار ومجرور وصلة الموصول متعلق بـ ﴿قُل﴾ ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُل﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾: فعل مغير الصيغة، ونائب فاعله، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ جملة فعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ﴾: ﴿إِلَى﴾: حرف جر ﴿جَهَنَّمَ﴾: مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى: الطبقة، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿تحشرون﴾. ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: الواو عاطفة، أو استئنافية. ﴿بئس﴾: فعل ماضٍ، وهو من أفعال الذم ﴿الْمِهَادُ﴾: فاعل، والجملة في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف هو المخصوص بالذم تقديره: بئس المهاد جهنم، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، أو جملة مستأنفة.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
﴿كَذَّبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾، والجملة الفعلية جملة مفسِّرة لـ (دأب آل فرعون)، أو في محل النصب حال من ﴿آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ولكنه على تقدير: قد، ويحتمل كون ﴿الذين من قبلهم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿كَذَّبُوا﴾ خبره، والجملة مستأنفة، ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ الفاء عاطفة سببية (أخذهم الله): فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ (أخذهم). ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مفيدة لتعليل ما قبلها، والإضافة فيه من إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها والأصل: والله شديد عقابه.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾.
﴿قُل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: جار ومجرور وصلة الموصول متعلق بـ ﴿قُل﴾ ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُل﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾: فعل مغير الصيغة، ونائب فاعله، والجملة في محل النصب مقول القول. ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ جملة فعلية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ﴾: ﴿إِلَى﴾: حرف جر ﴿جَهَنَّمَ﴾: مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى: الطبقة، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿تحشرون﴾. ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: الواو عاطفة، أو استئنافية. ﴿بئس﴾: فعل ماضٍ، وهو من أفعال الذم ﴿الْمِهَادُ﴾: فاعل، والجملة في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف هو المخصوص بالذم تقديره: بئس المهاد جهنم، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، أو جملة مستأنفة.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
213
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، أو تام ﴿آيَةٌ﴾ اسمها مؤخر، أو فاعل ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبرها مقدم على اسمها أو متعلق بـ ﴿كَانَ﴾. ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿آيَةٌ﴾، ولكنه على تقدير مضاف تقديره: في قصة فئتين، أو متعلق بـ ﴿كَانَ﴾، والتقدير على كونها ناقصة: قد كانت آية حاصلة في قصة فئتين كائنة لكم، وعلى كونها تامة: قد كان وحصل لكم في فئتين آية دالة على صدق ما أقول لكم من قول: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾، وجملة ﴿كَانَ﴾ من اسمها وخبرها، أو من الفعل والفاعل: جواب لقسم محذوف لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾، والتقدير: قل لهم يا محمَّد: واللهِ قد كان لكم آية في فئتين... إلى آخر الآية. ﴿الْتَقَتَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر صفة لـ ﴿فِئَتَيْنِ﴾ تقديره: فئتين ملتقيتين.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾.
﴿فِئَةٌ﴾: مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، ﴿تُقَاتِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿فِئَةٌ﴾ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُقَاتِلُ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فئة مقاتلة في سبيل الله، والجملة الإسمية في محل الجر بدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾ بدل تفصيل من مُجمل، وأما على قراءة الجر فبدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾، وعلى قراءة النصب فمنصوب على المدح بفعل محذوف. ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾: الواو عاطفة ﴿أخرى﴾: مبتدأ، ولكنه على حذف موصوف تقديره: وفئة أخرى. ﴿كَافِرَةٌ﴾: خبره، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ على كونها بدلًا من ﴿فِئَتَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى بصرية. ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾: حال من مفعول (يرون) منصوب بالياء، والضمير مضاف إليه، ولكنه على تأويله بمشتق
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾.
﴿فِئَةٌ﴾: مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل، ﴿تُقَاتِلُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿فِئَةٌ﴾ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُقَاتِلُ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: فئة مقاتلة في سبيل الله، والجملة الإسمية في محل الجر بدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾ بدل تفصيل من مُجمل، وأما على قراءة الجر فبدل من ﴿فِئَتَيْنِ﴾، وعلى قراءة النصب فمنصوب على المدح بفعل محذوف. ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾: الواو عاطفة ﴿أخرى﴾: مبتدأ، ولكنه على حذف موصوف تقديره: وفئة أخرى. ﴿كَافِرَةٌ﴾: خبره، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ على كونها بدلًا من ﴿فِئَتَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾.
﴿يَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى بصرية. ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾: حال من مفعول (يرون) منصوب بالياء، والضمير مضاف إليه، ولكنه على تأويله بمشتق
214
تقديره: حالة كون الفرقة المسلمة مماثلين للفرقة الكافرة، وجملة (يرون) (١) من الفعل والفاعل خبر ثانٍ لقوله: ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ أو صفة له، أو نعت لقوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهذه الاحتمالات على قراءة الياء التحتية، وأما على قراءة التاء الفوقية، فتكون الجملة مستقلة ومستأنفة راجعة لقوله: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾، وأيًّا ما كان. فالقصد من هذا الوصف تقرير الآية التي في الفئتين وفي التقائهما واجتماعهما. تأملْ ذكره في "الفتوحات الإلهية". ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: مصدر مؤكد لعامله منصوب على المفعولية المطلقة بـ (يرون) و ﴿الْعَيْنِ﴾ مضاف إليه.
﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿الله﴾: مبتدأ. ﴿يُؤَيِّدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿قَدْ كَانَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، ﴿بِنَصْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يُؤَيِّدُ﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَن﴾، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: يشاؤه، وهو العائد على ﴿مَن﴾ الموصولة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ مقدم على اسمها. ﴿لَعِبْرَةً﴾ اللام حرف ابتداء، عبرةً: اسم ﴿إِنَّ﴾ مؤخر وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة ﴿لَعِبْرَةً﴾ تقديره: إن عبرة كائنة لأولي الأبصار لكائنة في ذلك المذكور.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.
﴿زُيِّنَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق
﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
﴿وَاللَّهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿الله﴾: مبتدأ. ﴿يُؤَيِّدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿قَدْ كَانَ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قُل﴾، ﴿بِنَصْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾: ﴿مَن﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يُؤَيِّدُ﴾. ﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة ﴿مَن﴾، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: يشاؤه، وهو العائد على ﴿مَن﴾ الموصولة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ مقدم على اسمها. ﴿لَعِبْرَةً﴾ اللام حرف ابتداء، عبرةً: اسم ﴿إِنَّ﴾ مؤخر وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة ﴿لَعِبْرَةً﴾ تقديره: إن عبرة كائنة لأولي الأبصار لكائنة في ذلك المذكور.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.
﴿زُيِّنَ﴾: فعل ماضٍ مغير الصيغة. ﴿لِلنَّاسِ﴾: جار ومجرور متعلق
(١) الجمل.
215
بـ ﴿زُيِّنَ﴾ ﴿حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: نائب فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الشَّهَوَاتِ﴾ ﴿وَالْبَنِينَ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾ ﴿وَالْقَنَاطِيرِ﴾: معطوف على النساء أيضًا، ﴿الْمُقَنْطَرَةِ﴾ صفة لـ ﴿قناطير﴾ ﴿مِنَ الذَّهَبِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿القناطير﴾ ﴿وَالْفِضَّةِ﴾: معطوف عليه. ﴿وَالْخَيْلِ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾ ﴿الْمُسَوَّمَةِ﴾: صفة للخيل ﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: معطوف على ﴿النِّسَاءِ﴾، وكذا قوله: ﴿وَالْحَرْثِ﴾: معطوف عليه جريًا على القاعدة المشهورة عند النحاة: أن المعطوفات إذا كثرت، وكان العطف بغير مرتب.. يكون العطف على الأول لا غير. كما ذكرته في "الباكورة الجنية على متن الآجرومية".
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ﴾: خبر ومضاف إليه ﴿الدُّنْيَا﴾ صفة لـ ﴿الحياة﴾، والجملة مستأنفة، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ أول ﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾ مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ الثاني تقدير الكلام: والله حسن المآب كائن عنده، والجملة مستأنفة.
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلتَ: ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح، ولكن ليس (١) المراد هنا بالتقرير: طلب الإقرار والاعتراف من المخاطبين، كما هو معنى الاستفهام التقريري في الأصل، بل المراد به هنا: التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين؛ أي: تحقيق خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا، (أنبئكم): فعل
﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ﴾: خبر ومضاف إليه ﴿الدُّنْيَا﴾ صفة لـ ﴿الحياة﴾، والجملة مستأنفة، ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ أول ﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾ مبتدأ ثانٍ، ومضاف إليه. ﴿عِنْدَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه خبر المبتدأ الثاني تقدير الكلام: والله حسن المآب كائن عنده، والجملة مستأنفة.
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإنْ شئت قلتَ: ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ﴾: الهمزة للاستفهام التقريري مبنية على الفتح، ولكن ليس (١) المراد هنا بالتقرير: طلب الإقرار والاعتراف من المخاطبين، كما هو معنى الاستفهام التقريري في الأصل، بل المراد به هنا: التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين؛ أي: تحقيق خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا، (أنبئكم): فعل
(١) الجمل.
216
مضارع ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾ ﴿بِخَيْرٍ﴾: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثانٍ لـ ﴿نبأ﴾، ونبأ هنا (١) تعدَّتْ إلى مفعولين: أحدهما: بنفسه، والآخر: بحرف الجر، قاله أبو حيان في "النهر" ﴿مِنْ ذَلِكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بِخَيْرٍ﴾ ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم ﴿اتَّقَوْا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر - أعني قوله: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ - ويجوز أن يكون الظرف حالًا من ﴿جَنَّاتٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فتنصب حالًا ﴿جَنَّاتٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية جواب للاستفهام السابق في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾.
ويقرأ شذوذًا (٢): ﴿جناتٍ﴾ بكسر التاء، وفيه حينئذٍ وجهان:
أحدهما: هو مجرور بدلًا من (خير)، فيكون: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ على هذا صفة لـ (خير).
والثاني: أن يكون منصوبًا على إضمار: أعني، أو بدلًا من موضع ﴿بِخَيْرٍ﴾، ويجوز أن يكون الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جنات.
﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الآتي، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿جَنَّاتٌ﴾ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾ أو حال من فاعل ﴿تَجْرِي﴾؛ أي: تجري الأنهار حالة كونها كائنة تحتها. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من ﴿الذين اتقوا﴾، والعامل فيها الاستقرار المحذوف. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿وَأَزْوَاجٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾: صفة لـ ﴿أزواج﴾، وكذا قوله؛ ﴿وَرِضْوَانٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رضوان﴾. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾: الواو استئنافية ﴿اللَّهِ﴾: مبتدأ. ﴿بَصِيرٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْعِبَادِ﴾ متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾.
ويقرأ شذوذًا (٢): ﴿جناتٍ﴾ بكسر التاء، وفيه حينئذٍ وجهان:
أحدهما: هو مجرور بدلًا من (خير)، فيكون: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ على هذا صفة لـ (خير).
والثاني: أن يكون منصوبًا على إضمار: أعني، أو بدلًا من موضع ﴿بِخَيْرٍ﴾، ويجوز أن يكون الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو جنات.
﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الآتي، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿جَنَّاتٌ﴾ ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾ أو حال من فاعل ﴿تَجْرِي﴾؛ أي: تجري الأنهار حالة كونها كائنة تحتها. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من ﴿الذين اتقوا﴾، والعامل فيها الاستقرار المحذوف. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿وَأَزْوَاجٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾: صفة لـ ﴿أزواج﴾، وكذا قوله؛ ﴿وَرِضْوَانٌ﴾: معطوف على ﴿جَنَّاتٌ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رضوان﴾. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾: الواو استئنافية ﴿اللَّهِ﴾: مبتدأ. ﴿بَصِيرٌ﴾: خبره، والجملة مستأنفة، ﴿بِالْعِبَادِ﴾ متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾.
(١) النهر.
(٢) العكبري.
(٢) العكبري.
217
﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: في محل الجر بدل من (الذين اتقوا)، أو نعت له ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئتَ قلتَ: ﴿رب﴾: منادى مضاف و ﴿نا﴾ مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾. ﴿إِنَّنَا﴾: (إنَّ) حرف نصب، ونا اسمها، ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول القول. ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾: الفاء عاطفة. ﴿اغفر﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾. قال الكرخي: وفي ترتيب هذا السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كافٍ في استحقاق المغفرة، وفيه ردٌّ على أهل الاعتزال؛ لأنهم يقولون: إن استحقاق المغفرة لا يكون بمجرد الإيمان. انتهى. ﴿ذُنُوبَنَا﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿وَقِنَا﴾: الواو عاطفة ﴿قِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها؛ لأنه من وقى يقي، وفاعله ضمير يعود على الله و ﴿نا﴾: مفعول أول ﴿عَذَابَ﴾: مفعول ثانٍ ﴿النَّارِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾.
﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
﴿الصَّابِرِينَ﴾: نعت ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أو لـ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ مجرور بالياء، وقوله: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ﴾ كلها معطوفات على ﴿الصَّابِرِينَ﴾. ﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: متعلق بـ ﴿المستغفرين﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾: من أغنى الرباعي يغني إغناءً، والإغناء: الدفع والنفع، وفلان عظيم الغنى؛ أي: الدفع والنفع. ﴿وَقُودُ﴾: الوقود؛ بفتح الواو على قراءة الجمهور اسم لما توقد به النار من الحطب، وبضمها مصدر: وقدت
﴿الَّذِينَ﴾: في محل الجر بدل من (الذين اتقوا)، أو نعت له ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، وإن شئتَ قلتَ: ﴿رب﴾: منادى مضاف و ﴿نا﴾ مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾. ﴿إِنَّنَا﴾: (إنَّ) حرف نصب، ونا اسمها، ﴿آمَنَّا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول القول. ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾: الفاء عاطفة. ﴿اغفر﴾: فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَنَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنَّا﴾. قال الكرخي: وفي ترتيب هذا السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كافٍ في استحقاق المغفرة، وفيه ردٌّ على أهل الاعتزال؛ لأنهم يقولون: إن استحقاق المغفرة لا يكون بمجرد الإيمان. انتهى. ﴿ذُنُوبَنَا﴾: مفعول به، ومضاف إليه. ﴿وَقِنَا﴾: الواو عاطفة ﴿قِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والكسرة قبلها دليل عليها؛ لأنه من وقى يقي، وفاعله ضمير يعود على الله و ﴿نا﴾: مفعول أول ﴿عَذَابَ﴾: مفعول ثانٍ ﴿النَّارِ﴾: مضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾.
﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.
﴿الصَّابِرِينَ﴾: نعت ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أو لـ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ مجرور بالياء، وقوله: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ﴾ كلها معطوفات على ﴿الصَّابِرِينَ﴾. ﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: متعلق بـ ﴿المستغفرين﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾: من أغنى الرباعي يغني إغناءً، والإغناء: الدفع والنفع، وفلان عظيم الغنى؛ أي: الدفع والنفع. ﴿وَقُودُ﴾: الوقود؛ بفتح الواو على قراءة الجمهور اسم لما توقد به النار من الحطب، وبضمها مصدر: وقدت
218
النار تَقدُ وقودًا إذا اتقدت.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾: والدأب: الاجتهاد، وهو مصدر: دأب الرجل في عمله يدأب - من بابي: قطع وخضع - دأبًا ودؤبًا، إذا جدَّ واجتهد وتعب فيه، وغلب استعماله في العادة والشأن والحال، والمراد به هنا: كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾: تثنية: فئة، والفئة: الجماعة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: فئات، وقد تجمع بالواو والنون جبرًا لما نقص، وسميت الجماعة من الناس فئة؛ لأنها يفاء إليها عند الشدة؛ أي: يرجع إليها في وقت الشدة.
﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: هو مصدر مؤكد ورأى هنا بصرية. ﴿يُؤَيِّدُ﴾؛ أي: يقوي، مضارع أيده تأييدًا إذا نصره وأعانه. ﴿لَعِبْرَةً﴾: العبرة: الاتعاظ، وهو اسم مصدر لاعتبر اعتبارًا، والاعتبار: الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم، واشتقاقها من العبور، وهي مجاوزة الشيء إلى الشيء ومنه: عبور النهر، وفي "الخازن": العبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدية إلى العلم، وأصلها من العبور كالجلسة من الجلوس، كأنه طريق يعبرونه، فيوصلهم إلى مرادهم، وقيل: العبرة: هي التي يعبر عنها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم. انتهى.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: والتزيين: تحسين الشيء وتجميله في أعين الناس، والشهوات: جمع شهوة: اسم مصدر من اشتهى اشتهاءً، والشهوة: ثوران النفس وميلها إلى الشيء المشتهى، فالمصدر هنا بمعنى: اسم المفعول، عبر به عنه مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبًا فيها كأنها نفس الشهوات.
﴿القناطير﴾: جمع قنطار: وهو في الأصل عقد الشيء وإحكامه، يقال: قنطرتُ الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة؛ أي: المحكمة الطاق، وفي نونه قولان:
أحدهما: وهو قول جماعة أصلية، فوزنه فعلال كقرطاس.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾: والدأب: الاجتهاد، وهو مصدر: دأب الرجل في عمله يدأب - من بابي: قطع وخضع - دأبًا ودؤبًا، إذا جدَّ واجتهد وتعب فيه، وغلب استعماله في العادة والشأن والحال، والمراد به هنا: كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾: تثنية: فئة، والفئة: الجماعة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها: فئات، وقد تجمع بالواو والنون جبرًا لما نقص، وسميت الجماعة من الناس فئة؛ لأنها يفاء إليها عند الشدة؛ أي: يرجع إليها في وقت الشدة.
﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: هو مصدر مؤكد ورأى هنا بصرية. ﴿يُؤَيِّدُ﴾؛ أي: يقوي، مضارع أيده تأييدًا إذا نصره وأعانه. ﴿لَعِبْرَةً﴾: العبرة: الاتعاظ، وهو اسم مصدر لاعتبر اعتبارًا، والاعتبار: الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم، واشتقاقها من العبور، وهي مجاوزة الشيء إلى الشيء ومنه: عبور النهر، وفي "الخازن": العبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدية إلى العلم، وأصلها من العبور كالجلسة من الجلوس، كأنه طريق يعبرونه، فيوصلهم إلى مرادهم، وقيل: العبرة: هي التي يعبر عنها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم. انتهى.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾: والتزيين: تحسين الشيء وتجميله في أعين الناس، والشهوات: جمع شهوة: اسم مصدر من اشتهى اشتهاءً، والشهوة: ثوران النفس وميلها إلى الشيء المشتهى، فالمصدر هنا بمعنى: اسم المفعول، عبر به عنه مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبًا فيها كأنها نفس الشهوات.
﴿القناطير﴾: جمع قنطار: وهو في الأصل عقد الشيء وإحكامه، يقال: قنطرتُ الشيء إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة؛ أي: المحكمة الطاق، وفي نونه قولان:
أحدهما: وهو قول جماعة أصلية، فوزنه فعلال كقرطاس.
219
الثاني: أنها زائدة فوزنه: فنعال، والمراد به هنا: المال الكثير، واختلفوا فيه هل هو محدود أم لا؟ على قولين، وعلى الأول اختلفوا في حده، فقيل: هو مئة رطل، وقيل: ألف ومئتا أوقية، وقيل: أننا عشر ألف أوقية، وقيل: ألف ومئتا دينار، وكل هذه الأقوال رويت عن النبي - ﷺ -، وعلى الثاني قال أبو عبيدة: القنطار وزن لا يحد، وقال ابن عطية: القنطار معيار يوزن به كما أن الرطل معيار.
﴿وَالْخَيْلِ﴾: والخيل فيه قولان:
أحدهما: أنه جمع لا واحد له من لفظه، بل مفرده: فرس، فهو نظير قوم ورهط ونساء.
والثاني: أن مفرده: خائل، فهو نظير ركب وراكب وتاجر وتجر وطائر وطير، وفي اشتقاقها وجهان:
أحدهما: من الاختيال، وهو العجب سميت بذلك لاختيالها في مشيتها بطول أذنابها.
والثاني: من التخيل، قيل: لأنها تتخيل في صورة من هو أعظم منها.
﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: جمع نعم، والنعم اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو يذكر ويؤنَّث، ويطلق على الإبل والبقر والغنم، وجمعه على: أنعام باعتبار أنواعه الثلاثة ﴿وَالْحَرْثِ﴾: مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: المحروث، والمراد به المزروع سواء كان جوباص أم بقلًا أم ثمرًا، ولم يجمع كما جمعت أخواته نظرًا لأصله وهو المصدر يقال: حرث الرجل حرثًا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع، وقال ابن الإعرابي: الحرث: التفتيش.
﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾: المآب (١): فعَل - بفتح العين - من آب يؤوب من باب: قال؛ أي: رجع، والأصل: المَأْوَب فنقلت حركة الواو إلى الهمزة الساكنة
﴿وَالْخَيْلِ﴾: والخيل فيه قولان:
أحدهما: أنه جمع لا واحد له من لفظه، بل مفرده: فرس، فهو نظير قوم ورهط ونساء.
والثاني: أن مفرده: خائل، فهو نظير ركب وراكب وتاجر وتجر وطائر وطير، وفي اشتقاقها وجهان:
أحدهما: من الاختيال، وهو العجب سميت بذلك لاختيالها في مشيتها بطول أذنابها.
والثاني: من التخيل، قيل: لأنها تتخيل في صورة من هو أعظم منها.
﴿وَالْأَنْعَامِ﴾: جمع نعم، والنعم اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو يذكر ويؤنَّث، ويطلق على الإبل والبقر والغنم، وجمعه على: أنعام باعتبار أنواعه الثلاثة ﴿وَالْحَرْثِ﴾: مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: المحروث، والمراد به المزروع سواء كان جوباص أم بقلًا أم ثمرًا، ولم يجمع كما جمعت أخواته نظرًا لأصله وهو المصدر يقال: حرث الرجل حرثًا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع، وقال ابن الإعرابي: الحرث: التفتيش.
﴿حُسْنُ الْمَآبِ﴾: المآب (١): فعَل - بفتح العين - من آب يؤوب من باب: قال؛ أي: رجع، والأصل: المَأْوَب فنقلت حركة الواو إلى الهمزة الساكنة
(١) الفتوحات الإلهية.
220
قبلها، فقلبت الواو ألفًا وهو هنا اسم مصدر بمعنى الرجوع، وقد يستعمل اسم مكان أو زمان تقول: آب يؤوب أوبًا وإيابًا، فالأوب والإياب مصدرين، والمآب اسم لهما، ذكره السمين.
﴿وَرِضْوَانٌ﴾ بكسر الراء وضمها مصدران لـ (رضي) فهما بمعنى واحد، وإن كان الثاني سماعيًّا، والأول قياسيًّا، ونظير الكسر كالإتيان والقربان ونظير الضم كالشكران والكفران، فالكسر لغة أهل الحجاز والضم لغة تميم وبكر وقيس وغيلان وقيل الكسر للاسم ومنه: رضوان خازن الجنة، والضم للمصدر.
﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: جمع سَحَر بفتح الحاء وسكونها، وقال قوم منهم الزجاج: السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر، ومنه يقال: سحر إذا أكل في ذلك الوقت، واستسحر إذا سار فيه.
البلاغة
﴿مِنَ اللَّهِ﴾: فيه مجازٌ بالحذف، والأصل من عذاب الله. ﴿شَيْئًا﴾: التنكير فيه للتقليل؛ أي: لن تنفعهم نفعًا ما ولو قليلًا. ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: أتى بالجملة الإسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه، وفيها التشبيه؛ لأنه شبههم بالحطب الذي لا ينتفع به إلا في الوقود، وفيها التأكيد؛ لأنه أكدها بلفظة ﴿هُمْ﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ فيه التفات عن الحاضر إلى الغيبة، والأصل: فأخذناهم.
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: فيه ذكر العام وإرادة الخاص على قول عامة المفسرين: إن المراد بهم اليهود، وهذا من تكوين الخطاب.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ الأصل: آية لكم وقدم للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والتنكير في آية للتفخيم والتهويل؛ أي: آية عظيمة.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ في هذا الكلام من المحسنات البديعية شبه احتباك، وهو أن يحذف من أحد متقابلين نظير ما اشتبه
﴿وَرِضْوَانٌ﴾ بكسر الراء وضمها مصدران لـ (رضي) فهما بمعنى واحد، وإن كان الثاني سماعيًّا، والأول قياسيًّا، ونظير الكسر كالإتيان والقربان ونظير الضم كالشكران والكفران، فالكسر لغة أهل الحجاز والضم لغة تميم وبكر وقيس وغيلان وقيل الكسر للاسم ومنه: رضوان خازن الجنة، والضم للمصدر.
﴿بِالْأَسْحَارِ﴾: جمع سَحَر بفتح الحاء وسكونها، وقال قوم منهم الزجاج: السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر، ومنه يقال: سحر إذا أكل في ذلك الوقت، واستسحر إذا سار فيه.
البلاغة
﴿مِنَ اللَّهِ﴾: فيه مجازٌ بالحذف، والأصل من عذاب الله. ﴿شَيْئًا﴾: التنكير فيه للتقليل؛ أي: لن تنفعهم نفعًا ما ولو قليلًا. ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾؛ أي: أتى بالجملة الإسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه، وفيها التشبيه؛ لأنه شبههم بالحطب الذي لا ينتفع به إلا في الوقود، وفيها التأكيد؛ لأنه أكدها بلفظة ﴿هُمْ﴾.
﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ فيه التفات عن الحاضر إلى الغيبة، والأصل: فأخذناهم.
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾: فيه ذكر العام وإرادة الخاص على قول عامة المفسرين: إن المراد بهم اليهود، وهذا من تكوين الخطاب.
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ الأصل: آية لكم وقدم للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والتنكير في آية للتفخيم والتهويل؛ أي: آية عظيمة.
﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ في هذا الكلام من المحسنات البديعية شبه احتباك، وهو أن يحذف من أحد متقابلين نظير ما اشتبه
221
في الآخر، والأصل (١): فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبت مقابله في الثانية، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى، فذكر في الأولى لازم الإيمان وهو: القتال في سبيل الله، وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان: وهو الكفر.
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: فيه من المحسنات البديعية: التجنيس المغاير والاحتراس في ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ قالوا: لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن ومن ضروب البلاغة: الإبهام في قوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾، وفي إيقاع التزيين على حب مسامحة، لأجل المبالغة. والمزين حقيقة: هو المشتهيات، قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة، كأنها نفس الشهوات وتبنيها على خستها؛ لأن الشهوة رذيلة عند الحكماء وفي قوله: ﴿وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ﴾، من المحسنات: التجنيس المماثل.
﴿بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم. ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾: التنكير فيه للتفخيم. ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ﴾ إدخال الواو في مثل هذه الصفات للتفخيم؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة يمدح الموصوف بها، وللدلالة على كماله في كل واحدة منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾: فيه من المحسنات البديعية: التجنيس المغاير والاحتراس في ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ قالوا: لئلا يعتقد أنه من رؤية القلب، فهو من باب الحزر وغلبة الظن ومن ضروب البلاغة: الإبهام في قوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾، وفي إيقاع التزيين على حب مسامحة، لأجل المبالغة. والمزين حقيقة: هو المشتهيات، قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة، كأنها نفس الشهوات وتبنيها على خستها؛ لأن الشهوة رذيلة عند الحكماء وفي قوله: ﴿وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ﴾، من المحسنات: التجنيس المماثل.
﴿بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم. ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾: التنكير فيه للتفخيم. ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ﴾ إدخال الواو في مثل هذه الصفات للتفخيم؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة يمدح الموصوف بها، وللدلالة على كماله في كل واحدة منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) البحر المحيط.
222
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
المناسبة
لما مدح الله تعالى المؤمنين، وأثنى عليهم بقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾.. أردفه ببيان أن دلائل الإيمان ظاهرة جلية فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ثم بيَّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأمر الرسول بأن يعلن باستسلامه لله، وانقياده لدين الله، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب، واختلافهم في أمر الدين اختلافًا كبيرًا، وإعراضهم عن قبول حكم الله.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ...﴾ سبب نزول هذه الآية: أن حبرين (١) من أحبار الشام قدما على النبي - ﷺ -، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي - ﷺ -.. عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمَّد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم، قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أنت أخبرتنا به.. آمنا
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
المناسبة
لما مدح الله تعالى المؤمنين، وأثنى عليهم بقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾.. أردفه ببيان أن دلائل الإيمان ظاهرة جلية فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ثم بيَّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأمر الرسول بأن يعلن باستسلامه لله، وانقياده لدين الله، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب، واختلافهم في أمر الدين اختلافًا كبيرًا، وإعراضهم عن قبول حكم الله.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ...﴾ سبب نزول هذه الآية: أن حبرين (١) من أحبار الشام قدما على النبي - ﷺ -، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي - ﷺ -.. عرفاه بالصفة فقالا له: أنت محمَّد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم، قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أنت أخبرتنا به.. آمنا
(١) خازن وقرطبي.
223
بك وصدقناك، قال: اسألاني، قالا: فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عزّ وجلّ، فأنزل الله هذه الآية، فأسلم الحبران.
وقيل (١): إن هذه الآية نزل في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾ سبب نزولها: لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية.. ردَّ الله عليهم فقال: إن الدين عند الله الإِسلام، وقال الكلبي: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (دخل رسول الله - ﷺ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دينٍ أنت يا محمَّد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه، قالا: إن إبراهيم كان يهوديًّا، فقال رسول الله - ﷺ -: هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: ﴿يَفْتَرُونَ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١٨ - ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾؛ أي: أخبر الله سبحانه وتعالى، وأعلم وبيّن لعباده بالدلائل السمعية والآيات العقلية ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن والحال ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿و﴾ شهدت ﴿الملائكة﴾ كلهم وأقرَّت بتوحيد الله تعالى بما عاينوا من عظيم قدرته تعالى
وقيل (١): إن هذه الآية نزل في نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾ سبب نزولها: لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية.. ردَّ الله عليهم فقال: إن الدين عند الله الإِسلام، وقال الكلبي: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (دخل رسول الله - ﷺ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دينٍ أنت يا محمَّد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه، قالا: إن إبراهيم كان يهوديًّا، فقال رسول الله - ﷺ -: هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: ﴿يَفْتَرُونَ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١٨ - ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾؛ أي: أخبر الله سبحانه وتعالى، وأعلم وبيّن لعباده بالدلائل السمعية والآيات العقلية ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن والحال ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿و﴾ شهدت ﴿الملائكة﴾ كلهم وأقرَّت بتوحيد الله تعالى بما عاينوا من عظيم قدرته تعالى
(١) الخازن والقرطبي.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
224
﴿و﴾ شهد ﴿أولو العلم﴾؛ أي: أقر أصحاب العلم بذلك التوحيد، وهم الذين عرفوا وحدانية الله تعالى بالدلائل القاطعة؛ لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونًا بالعلم، والمراد بهم المؤمنون كلهم، فمعنى شهادة الله لتوحيده: أنه خلق الدلائل الدالة على توحيده وشهادة الملائكة وأولي العلم هي: إقرارهم بتوحيده تعالى وهذه الآية تدل على أن الدرجة العالية، والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول.
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقَرنه الله تعالى باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وقوله - ﷺ -: "أن العلماء ورثة الأنبياء"، ولقد أجاد من قال في بيان فضل العلم:
عِلْمُ الْعَلِيْمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا... مَنْ ذَا الَّذِيْ مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا
فَالْعِلْمُ قَالَ: أَنَا أَحْرَزْتُ غَايَتَهُ... وَالْعَقْلُ قَالَ: أَنَا الرَّحْمنُ بِي عُرِفَا
فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إِفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ:... بِأَيِّنَا اللهُ في فُرْقَانِهِ اتَّصَفَا
فَبَانَ لِلْعَقْلِ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ... فَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا
وقوله: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ حال لازمة من لفظ الجلالة، والعامل فيه معنى جملة: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: تفرد سبحانه وتعالى حالة كونه قائمًا ومتصفًا بالقسط والعدل في تدبير أمور خلقه من الأرزاق والآجال والإحياء والإماتة والرفع والخفض والثواب والعقاب، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته، وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود إلا هو سبحانه وتعالى، كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد، وقيل: إن الأول: وصف وتوحيد والثاني: رسم تعليم؛ أي: قولوا لا إله إلا هو، وقيل: فائدة تكرارها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه، ففيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها.. فقد اشتغل بأفضل العبادات. ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فالعزة تلائم الوحدانية، والحكمة تلائم القيام
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقَرنه الله تعالى باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه - ﷺ -: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وقوله - ﷺ -: "أن العلماء ورثة الأنبياء"، ولقد أجاد من قال في بيان فضل العلم:
عِلْمُ الْعَلِيْمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا... مَنْ ذَا الَّذِيْ مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا
فَالْعِلْمُ قَالَ: أَنَا أَحْرَزْتُ غَايَتَهُ... وَالْعَقْلُ قَالَ: أَنَا الرَّحْمنُ بِي عُرِفَا
فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إِفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ:... بِأَيِّنَا اللهُ في فُرْقَانِهِ اتَّصَفَا
فَبَانَ لِلْعَقْلِ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ... فَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا
وقوله: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ حال لازمة من لفظ الجلالة، والعامل فيه معنى جملة: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: تفرد سبحانه وتعالى حالة كونه قائمًا ومتصفًا بالقسط والعدل في تدبير أمور خلقه من الأرزاق والآجال والإحياء والإماتة والرفع والخفض والثواب والعقاب، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته، وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود إلا هو سبحانه وتعالى، كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد، وقيل: إن الأول: وصف وتوحيد والثاني: رسم تعليم؛ أي: قولوا لا إله إلا هو، وقيل: فائدة تكرارها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه، ففيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها، فإنه من اشتغل بها.. فقد اشتغل بأفضل العبادات. ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فالعزة تلائم الوحدانية، والحكمة تلائم القيام
225
بالقسط، فأتى بهما لتقرير الأمرين على ترتيب ذكرهما.
وفي "المدارك" (١): "من قرأ هذه الآية عند منامه وقال بعدها: أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدًا، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة".
وعن عبد الله بن مسعود (٢): قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ عبدي عهد إليَّ، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة".
وقرأ أبو الشعثاء (٣): ﴿شُهِد﴾ بضم الشين مبنيًّا للمفعول، فيكون: ﴿أَنَّهُ﴾ في موضع البدل؛ أي: شهد وحدانية الله وألوهيته. وارتفاع الملائكة على هذه على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والملائكة وأولو العلم يشهدون، وحذف الخبر لدلالة المعنى عليه.
وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار: ﴿شهداءَ الله﴾ على وزن فعلاء جمعًا منصوبًا على الحال من الضمير في المستغفرين، وهو إما جمع شهيد، كظرفاء وظريف، أو جمع شاهد، كعلماء وعالم.
وروي عنه وعن أبي نهيك: ﴿شهداءُ الله﴾ بالرفع؛ أي: هم شهداء الله، وفي هاتين القراءتين: شهداء مضاف إلى لفظ الجلالة.
وذكر الزمخشري أنه قرأ: ﴿شهداءُ لله﴾ برفع الهمزة ونصبها وبلام الجر داخلة على اسم الله، فوجه النصب على الحال من المذكورين والرفع على إضمارهم، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفًا على الضمير المستكن في شهداء، وجاز ذلك لوقوع الفاصل بينهما.
وروي عن أبي المهلب: ﴿شُهُدًا﴾ بضم الشين والهاء جمع شهيد، كنذير
وفي "المدارك" (١): "من قرأ هذه الآية عند منامه وقال بعدها: أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدًا، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة".
وعن عبد الله بن مسعود (٢): قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ عبدي عهد إليَّ، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة".
وقرأ أبو الشعثاء (٣): ﴿شُهِد﴾ بضم الشين مبنيًّا للمفعول، فيكون: ﴿أَنَّهُ﴾ في موضع البدل؛ أي: شهد وحدانية الله وألوهيته. وارتفاع الملائكة على هذه على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والملائكة وأولو العلم يشهدون، وحذف الخبر لدلالة المعنى عليه.
وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار: ﴿شهداءَ الله﴾ على وزن فعلاء جمعًا منصوبًا على الحال من الضمير في المستغفرين، وهو إما جمع شهيد، كظرفاء وظريف، أو جمع شاهد، كعلماء وعالم.
وروي عنه وعن أبي نهيك: ﴿شهداءُ الله﴾ بالرفع؛ أي: هم شهداء الله، وفي هاتين القراءتين: شهداء مضاف إلى لفظ الجلالة.
وذكر الزمخشري أنه قرأ: ﴿شهداءُ لله﴾ برفع الهمزة ونصبها وبلام الجر داخلة على اسم الله، فوجه النصب على الحال من المذكورين والرفع على إضمارهم، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفًا على الضمير المستكن في شهداء، وجاز ذلك لوقوع الفاصل بينهما.
وروي عن أبي المهلب: ﴿شُهُدًا﴾ بضم الشين والهاء جمع شهيد، كنذير
(١) المراح.
(٢) ابن كثير.
(٣) البحر المحيط.
(٢) ابن كثير.
(٣) البحر المحيط.
226
ونذر، وهو منصوب على الحال، واسم الله منصوب.
وذكر النقَّاش: أنه قرئ كذلك بضم الدال وبفتحها مضافًا لاسم الله في القراءتين.
وقراءة الجمهور: ﴿شَهِدَ اللهُ﴾ على أنه فعل وفاعل فجملة القراءات في: ﴿شهد﴾ تسعة مع قراءة الجمهور، وكلها شاذة عدا قراءة الجمهور.
وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه بإدغام واو ﴿هُوَ﴾ في واو ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾.
وذكر ابن جرير (١) أن ابن عباس قرأ: ﴿شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن الدين عند الله الإِسلام﴾ بكسر: إنه، وفتح: أن الدين الإِسلام؛ أي: شهد هو والملائكة وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإِسلام، وتكون جملة قوله: أنه لا إله إلا هو جملةٌ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهي. قراءة شاذة والجمهور قرؤوها بكسر همزة: إن الدين، وفتح همزة: أنه، وكلا المعنيين صحيح، ولكن المعنى على قراءة الجمهور أظهر والله أعلم.
وقرأ أبو حنيفة: ﴿قَيِّمًا بالقسط﴾ وقرأ ابن مسعود: ﴿القائم﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو القائم بالقسط، وكلا القراءتين شاذتان.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾؛ أي: إن الشرع المرضي المقبول عند الله تعالى هو الإِسلام والانقياد لأمر الله ونهيه، واعتقاد ما جاءت به الرسل من صفات الله تعالى والبعث والجزاء، فلا دين مرضيًّا لله تعالى سوى الإِسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها الرسل عليهم السلام.
وتقدم لك قريبًا أن الجمهور قرؤوا بكسر همزة: أن، على أن الجملة مستأنفة، وقال الكسائي (٢): أنا أفتحهما جميعًا يعني قوله: ﴿شهد الله أنه﴾،
وذكر النقَّاش: أنه قرئ كذلك بضم الدال وبفتحها مضافًا لاسم الله في القراءتين.
وقراءة الجمهور: ﴿شَهِدَ اللهُ﴾ على أنه فعل وفاعل فجملة القراءات في: ﴿شهد﴾ تسعة مع قراءة الجمهور، وكلها شاذة عدا قراءة الجمهور.
وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه بإدغام واو ﴿هُوَ﴾ في واو ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾.
وذكر ابن جرير (١) أن ابن عباس قرأ: ﴿شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن الدين عند الله الإِسلام﴾ بكسر: إنه، وفتح: أن الدين الإِسلام؛ أي: شهد هو والملائكة وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإِسلام، وتكون جملة قوله: أنه لا إله إلا هو جملةٌ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهي. قراءة شاذة والجمهور قرؤوها بكسر همزة: إن الدين، وفتح همزة: أنه، وكلا المعنيين صحيح، ولكن المعنى على قراءة الجمهور أظهر والله أعلم.
وقرأ أبو حنيفة: ﴿قَيِّمًا بالقسط﴾ وقرأ ابن مسعود: ﴿القائم﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو القائم بالقسط، وكلا القراءتين شاذتان.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾؛ أي: إن الشرع المرضي المقبول عند الله تعالى هو الإِسلام والانقياد لأمر الله ونهيه، واعتقاد ما جاءت به الرسل من صفات الله تعالى والبعث والجزاء، فلا دين مرضيًّا لله تعالى سوى الإِسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها الرسل عليهم السلام.
وتقدم لك قريبًا أن الجمهور قرؤوا بكسر همزة: أن، على أن الجملة مستأنفة، وقال الكسائي (٢): أنا أفتحهما جميعًا يعني قوله: ﴿شهد الله أنه﴾،
(١) ابن كثير.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
227
١٩ - وقوله: ﴿أن الدين الإِسلام﴾ بمعنى شهد الله أنه كذا، وأن الدين الإِسلام. قال ابن كيسان: أن الثانية بدل من الأولى، وهذه رواية شاذة عن الكسائي رحمه الله تعالى.
وخلاصة معنى هذه الجملة (١): أن جميع الملل والشرائع التي جاءت بها الأنبياء والرسل روحها الإِسلام، والانقياد والخضوع. وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال، وبه كان الأنبياء يوصون، فالمسلم الحقيقي مَنْ كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان من أي ملة كان، وفي أي زمان وجد، وهذا هو المراد بقوله جلَّ ذكره: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وذلك أن الله شرع الدين لأمرين:
أحدهما: تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات، بها تستطيع التصرف في الكائنات؛ لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.
وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله.
وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي؛ ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله وهو: دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءَه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
وخطب علي رضي الله عنه قال: الإِسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه، إن المؤمن
وخلاصة معنى هذه الجملة (١): أن جميع الملل والشرائع التي جاءت بها الأنبياء والرسل روحها الإِسلام، والانقياد والخضوع. وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال، وبه كان الأنبياء يوصون، فالمسلم الحقيقي مَنْ كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان من أي ملة كان، وفي أي زمان وجد، وهذا هو المراد بقوله جلَّ ذكره: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وذلك أن الله شرع الدين لأمرين:
أحدهما: تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات، بها تستطيع التصرف في الكائنات؛ لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.
وثانيهما: إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله.
وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي؛ ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله وهو: دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءَه، لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
وخطب علي رضي الله عنه قال: الإِسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه، إن المؤمن
(١) المراغي.
228
يعرف إيمانه في عمله، والكافر يعرف كفره بإنكاره، أيها الناس دينَكُم دينَكُم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره؛ إن السيئة فيه تغفر وأن الحسنة في غيره لا تقبل.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ وتفرق ﴿الَّذِينَ أُوتُوا﴾ وأعطوا ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ﴾ وحصل لهم ﴿الْعِلْمُ﴾ والمعرفة بصدق محمَّد - ﷺ - بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.
وقال الأخفش (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا - ﷺ - نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.
وقيل معنى الآية (٢): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه.. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،
﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ وتفرق ﴿الَّذِينَ أُوتُوا﴾ وأعطوا ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد - ﷺ -، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ﴾ وحصل لهم ﴿الْعِلْمُ﴾ والمعرفة بصدق محمَّد - ﷺ - بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.
وقال الأخفش (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا - ﷺ - نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.
وقيل معنى الآية (٢): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه.. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
229
ولكن واأسفًا وقعنا فيما وقع فيه السالفون، وتفرقنا طرائق قددًا، وأصابنا من الخذلان والذل بسبب هذا التفرق ما لا نَزَال نَئِنَّ منه، ونرجو أن يشملنا الله بعفوه ورحمته ويمدنا بروح من عنده، فيسعى أهل الإيمان الصادق في نبذ الاختلاف والشقاق، والعودة إلى الوحدة والاتفاق حتى يعود المسلمون إلى سيرتهم الأولى في عهد النبي - ﷺ - وخلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان.
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، أي: ومن ينكر بالآيات الدالة على أن الدين المرضي عند الله هو الإِسلام بأن لم يعمل بمقتضاها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾؛ أي: المجازاة له على كفره؛ أي: فإنه يحاسبه على كفره ويجازيه عليه قريبًا، ولا يخفى ما فيه من الوعيد والتهديد.
وخلاصة هذا الكلام: ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ويترك الإذعان لها.. فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات، والله سريع الحساب. والمراد بآيات الله هنا: هي آياته التكوينية في الأنفس والآفاق، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفُها عن وجهها؛ لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد. وآياتهُ التشريعية التي أنزلها على رسله. والله أعلم.
٢٠ - ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: خاصمك يا محمَّد أهل الكتاب اليهود والنصارى أو غيرهم في أن الدين عند الله هو الإِسلام بعد قيام الحجة عليهم ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: أسلمت ذاتي من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو أخلصت عملي وعبادتي ﴿لِلِّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا أشرك به في ذلك غيره ﴿و﴾ أسلم ﴿من اتبعنِ﴾ وجوهُهم لله تعالى، فهو معطوف على التاء في ﴿أَسْلَمْتُ﴾، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول، والمعنى: أنه - ﷺ - أسلم وجهه لله، وهم أسلموا وجوههم لله تعالى. وأثبت (١) الياء في: ﴿اتَّبَعَنِ﴾ نافع وأبو عمرو وصلًا، وحذفاها وقفًا، وأثبتها يعقوب وصلًا ووقفًا، والباقون حذفوها وقفًا ووصلًا
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، أي: ومن ينكر بالآيات الدالة على أن الدين المرضي عند الله هو الإِسلام بأن لم يعمل بمقتضاها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾؛ أي: المجازاة له على كفره؛ أي: فإنه يحاسبه على كفره ويجازيه عليه قريبًا، ولا يخفى ما فيه من الوعيد والتهديد.
وخلاصة هذا الكلام: ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ويترك الإذعان لها.. فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات، والله سريع الحساب. والمراد بآيات الله هنا: هي آياته التكوينية في الأنفس والآفاق، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفُها عن وجهها؛ لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد. وآياتهُ التشريعية التي أنزلها على رسله. والله أعلم.
٢٠ - ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: خاصمك يا محمَّد أهل الكتاب اليهود والنصارى أو غيرهم في أن الدين عند الله هو الإِسلام بعد قيام الحجة عليهم ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾؛ أي: أسلمت ذاتي من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو أخلصت عملي وعبادتي ﴿لِلِّهِ﴾ سبحانه وتعالى وحده لا أشرك به في ذلك غيره ﴿و﴾ أسلم ﴿من اتبعنِ﴾ وجوهُهم لله تعالى، فهو معطوف على التاء في ﴿أَسْلَمْتُ﴾، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول، والمعنى: أنه - ﷺ - أسلم وجهه لله، وهم أسلموا وجوههم لله تعالى. وأثبت (١) الياء في: ﴿اتَّبَعَنِ﴾ نافع وأبو عمرو وصلًا، وحذفاها وقفًا، وأثبتها يعقوب وصلًا ووقفًا، والباقون حذفوها وقفًا ووصلًا
(١) الجمل.
230
موافقة للرسم، وحسَّن ذلك أيضًا كونها فاصلة ورأس آية نحو: ﴿أكرمن﴾ و ﴿أهانن﴾ وقال بعضهم: حذف هذه مع نون الوقاية خاصة فإن لم تكن نون.. فالكثير إثباتها، ومعنى الكلام: فإن جادلك أهل الكتاب أو غيرهم - وقد كان النبي - ﷺ - يدعوا اليهود في المدينة إلى ترك ما أحدثوه في دينهم، وتعودوه من التحريف والتأويل، والرجوع إلى حقيقة الدين وإسلام الوجه لله، والإخلاص له بعد أن أقيمت عليهم البراهين والبينات - وجئتهم بالحق، فقل لهم: أقبلت بعبادتي على ربي مخلصًا له معرضًا عما سواه أنا ومن اتبعني من المؤمنين.
والخلاصة: أنه لا فائدة في الجدل مع مثل هؤلاء؛ لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة وبطلت شبهات الضالين، فهو مكابرة وعناد، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.
﴿وَقُلْ﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾؛ أي: لليهود والنصارى ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾؛ أي: مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا أولًا بالدعوة ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾؛ أي: أتسلمون بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام كما أسلمت أنا ومن اتبعني، أم تصرون على كفركم وعنادكم. وهذه الجملة صورته استفهام تقريري، ومعناه: أمر؛ أي: أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإِسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتًا لهم وتصغيرًا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق، وتعييرًا لهم بالبلادة وجمود القريحة ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ كما أسلمتم.. ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ للفوز والنجاة في الآخرة؛ أي: ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾، أي: أعرضوا عن الإِسلام وقبول الحق والاتباع لدينك.. فلن يضروك شيئًا. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾؛ أي: ما عليك إلا إبلاغ ما أنزل إليك إليهم، وقد أدَّيته على أتم وجه وأكمله، ولست عليهم بمسيطر، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، فيجازي كلًّا منهم بعمله؛ أي:
والخلاصة: أنه لا فائدة في الجدل مع مثل هؤلاء؛ لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة وبطلت شبهات الضالين، فهو مكابرة وعناد، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.
﴿وَقُلْ﴾ يا محمَّد ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾؛ أي: لليهود والنصارى ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾؛ أي: مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا أولًا بالدعوة ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾؛ أي: أتسلمون بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام كما أسلمت أنا ومن اتبعني، أم تصرون على كفركم وعنادكم. وهذه الجملة صورته استفهام تقريري، ومعناه: أمر؛ أي: أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإِسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتًا لهم وتصغيرًا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق، وتعييرًا لهم بالبلادة وجمود القريحة ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ كما أسلمتم.. ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ للفوز والنجاة في الآخرة؛ أي: ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾، أي: أعرضوا عن الإِسلام وقبول الحق والاتباع لدينك.. فلن يضروك شيئًا. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾؛ أي: ما عليك إلا إبلاغ ما أنزل إليك إليهم، وقد أدَّيته على أتم وجه وأكمله، ولست عليهم بمسيطر، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾؛ أي: عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، فيجازي كلًّا منهم بعمله؛ أي:
231
فهو تعالى أعلم بمن طمس على قلبه وجعل على بصره غشاوة فوقع اليأس من اهتدائه، وبمن يُرجى له الهداية والتوفيق بعد البلاغ.
روي (١) أن رسول الله - ﷺ -: لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال - ﷺ - لليهود: "أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده، ورسوله"، فقالوا: معاذ الله، وقال - ﷺ - للنصارى: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله"، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدًا، وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
٢١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: بالقرآن، وبما جاء به محمَّد - ﷺ - من اليهود والنصارى وغيرهم. فالآية وإن كانت قد نزلت في فريق من اليهود والنصارى إلا أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أي: بغير جرم ولا شبهة لديهم، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقرأ الحسن شذوذًا: (ويقتّلون النّبيين) بالتشديد، والتشديد فيه للتكثير وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (٢) حال مؤكدة؛ لأن قتل الأنبياء لا يكون حقًّا. ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ الدعاة ﴿الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ الناس ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل وينهونهم عن ارتكاب المعاصي والمنكر حال كون أولئك الدعاة ﴿مِنَ﴾ بعض ﴿النَّاسِ﴾. وقرأ حمزة (٣) وجماعة من غير السبعة: ﴿ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط﴾ بالألف. وقرأها الأعمش شذوذًا: (وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط). وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبي شذوذًا أيضًا: ﴿يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط﴾.
ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع؛ لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة لمن وقع عليه الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالقسط من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان، وقيل غير ذلك.
روي (١) أن رسول الله - ﷺ -: لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال - ﷺ - لليهود: "أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده، ورسوله"، فقالوا: معاذ الله، وقال - ﷺ - للنصارى: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله"، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدًا، وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
٢١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: بالقرآن، وبما جاء به محمَّد - ﷺ - من اليهود والنصارى وغيرهم. فالآية وإن كانت قد نزلت في فريق من اليهود والنصارى إلا أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أي: بغير جرم ولا شبهة لديهم، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقرأ الحسن شذوذًا: (ويقتّلون النّبيين) بالتشديد، والتشديد فيه للتكثير وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (٢) حال مؤكدة؛ لأن قتل الأنبياء لا يكون حقًّا. ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ الدعاة ﴿الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ الناس ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل وينهونهم عن ارتكاب المعاصي والمنكر حال كون أولئك الدعاة ﴿مِنَ﴾ بعض ﴿النَّاسِ﴾. وقرأ حمزة (٣) وجماعة من غير السبعة: ﴿ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط﴾ بالألف. وقرأها الأعمش شذوذًا: (وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط). وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبي شذوذًا أيضًا: ﴿يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط﴾.
ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع؛ لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة لمن وقع عليه الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالقسط من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان، وقيل غير ذلك.
(١) أبو السعود.
(٢) النسفي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) النسفي.
(٣) البحر المحيط.
روي أن اليهود قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًّا في أول النهار، فقام مئة رجل من عباد بني إسرائيل من أتباع الأنبياء فنصحوهم وذكروهم، فقتلوهم من آخر النهار جميعًا، ففيهم نزلت هذه الآية: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾؛ أي: أخبرهم يا محمَّد وأعلمهم ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: بعذاب مؤلم موجع مهين.
وعن (١) أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة، قال: "رجل قتل نبيًّا، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة وسبعون رجلًا من بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعًا في آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ".
٢٢ - ﴿أُولَئِكَ﴾ المتصفون بالصفات المذكورة القبيحة هم ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بطلت محاسن أعمالهم في الدارين. أمَّا بطلانها في الدنيا فبإبدال المدح بالذم، والثناء باللعن، وبما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ المال منهم غنيمةً والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم. وأما بطلانها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب، وقيل: بطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا؛ ولا يجازى عليه في الآخرة. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ من عذاب الله في إحدى الدارين؛ أي: ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.
٢٣ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ استفهام تعجيب للنبي، أو لكل من تتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ أي: ألم تنظر يا محمَّد إلى سوء صنيع الذين أوتوا وأعطوا نصيبًا في الكتاب؛ أي: حظًّا عظيمًا من علم التوراة،
وعن (١) أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة، قال: "رجل قتل نبيًّا، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة وسبعون رجلًا من بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعًا في آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ".
٢٢ - ﴿أُولَئِكَ﴾ المتصفون بالصفات المذكورة القبيحة هم ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾؛ أي: بطلت محاسن أعمالهم في الدارين. أمَّا بطلانها في الدنيا فبإبدال المدح بالذم، والثناء باللعن، وبما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ المال منهم غنيمةً والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم. وأما بطلانها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب، وقيل: بطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا؛ ولا يجازى عليه في الآخرة. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ من عذاب الله في إحدى الدارين؛ أي: ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.
٢٣ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ استفهام تعجيب للنبي، أو لكل من تتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ أي: ألم تنظر يا محمَّد إلى سوء صنيع الذين أوتوا وأعطوا نصيبًا في الكتاب؛ أي: حظًّا عظيمًا من علم التوراة،
(١) ابن كثير.
وهم أحبار اليهود. والمراد بذلك النصيب: ما بُيِّن لهم في التوراة من العلوم والأحكام التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي - ﷺ - وحقيقة الإِسلام. والتعبير عنه بالنصيب للإشعار بكمال اختصاصه بهم وكونه حقًّا من حقوقهم التي تجب مراعاتها والعمل بموجبها حال كونهم ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾؛ أي: التوراة ﴿لِيَحْكُمَ﴾ ذلك الكتاب ﴿بَيْنَهُمْ﴾ والداعي لهم هو محمَّد - ﷺ -، وقرىء شذوذًا: (ليُحكَم) بالبناء للمفعول. ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: ثم يُدبر جماعة منهم عن مجلس النبي - ﷺ - ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم معرضون بقلوبهم عن قبول حكم ذلك الكتاب مكذبون له، وذلك أنهم أنكروا آية الرجم من التوراة، وسألوا النبي - ﷺ - عن حد المحْصَنَين إذا زنيا، فحكم بالرجم، فقالوا: جُرت يا محمَّد، فقال: بيني وبينكم التوراة، ثم أتوا بابن صوريا، فقرأ التوراة، فلما أتى على آية الرجم سترها بكفه عنها، وقرأها على رسول الله - ﷺ - وعلى اليهود فإذا فيها: "إن المحصن والمحصنة إذا زنيا، وقامت عليهما البينة.. رُجما، وإن كانت المرأة حبلى.. تتربص حتى تضع ما في بطنها". فأمر رسول الله - ﷺ - باليهوديين، فرُجما، فغضبت اليهود لذلك وانصرفوا، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ...﴾ إلخ. والقصة مذكورة في "صحيح البخاري" في كتاب التفسير.
٢٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ التولي والإعراض ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾؛ أي؛ لن تصيبنا النار في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؛ أي: أيامًا قلائل ومدة يسيرة - أربعين يومًا مدة عبادتهم العجل - ثم يخرجون منها ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾؛ أي: في ثباتهم على دينهم اليهودية ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي؛ يختلقون من الكذب من قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، وإن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
وخلاصة ذلك: أنهم استخفوا بالعقوبة واستسهلوها اتكالًا على اتصال نسبهم بالأنبياء، واعتمادًا على مجرد الانتساب إلى هذا الدين، واعتقدوا أن هذا كافٍ في نجاتهم. ومن استخف بوعيد الله زعمًا منه أنه غير نازل حتمًا بمن يستحقه.. تزول من نفسه حرمة الأوامر والنواهي، فيقدم بلا مبالاة على انتهاك
٢٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ التولي والإعراض ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾؛ أي؛ لن تصيبنا النار في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؛ أي: أيامًا قلائل ومدة يسيرة - أربعين يومًا مدة عبادتهم العجل - ثم يخرجون منها ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾؛ أي: في ثباتهم على دينهم اليهودية ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي؛ يختلقون من الكذب من قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، وإن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
وخلاصة ذلك: أنهم استخفوا بالعقوبة واستسهلوها اتكالًا على اتصال نسبهم بالأنبياء، واعتمادًا على مجرد الانتساب إلى هذا الدين، واعتقدوا أن هذا كافٍ في نجاتهم. ومن استخف بوعيد الله زعمًا منه أنه غير نازل حتمًا بمن يستحقه.. تزول من نفسه حرمة الأوامر والنواهي، فيقدم بلا مبالاة على انتهاك
حرمات الدين، ويتهاون في أداء الطاعات. وهكذا شأن الأمم حين تفسق عن دينها ولا تبالي باجتراع السيئات. وقد ظهر ذلك في اليهود والنصارى، ثم في المسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أن المسلم المرتكب للكبائر والإثم والفواحش؛ إما أن تدركه الشفاعات، أو تنجيه الكفارات؛ وإما أن يمنح العفو والمغفرة إحسانًا من الله وفضلًا، فإن فاته ذلك.. عُذِّب على قدر خطيئته، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة، وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار مهما كانت أعمالهم.
والقرآن قد ناط أمر الفوز والنجاة من النار بالإيمان الذي ذكر الله علاماته وصفات أهله، وبالعمل الصالح، والخُلُق الفاضل، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما جعل المغفرة لمن لم تحط به خطيئته.
أما الذين صار همهم إرضاء شهواتهم، ولم يبق للدين سلطان على نفوسهم.. فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
٢٥ - ﴿فَكَيْفَ﴾ حالهم ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: جمعنا الخلائق للمجازاة ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ﴾؛ أي: في يوم لا شك في مجيئه ووقوع ما فيه وهو يوم القيامة ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ﴾؛ أي: وتوفى وتنال فيه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ بَرَّةٍ، أو فاجرةٍ جزاء ﴿مَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: عملت من خير أو شر. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يظلمون في المجازاة بزيادة في سيئاتهم ونقصان في حسناتهم، فلا ينقص أحد من ثواب الطاعات، ولا يزاد على عقاب السيئات. والضمير عائد لكل نفس على المعنى؛ لأنه في معنى كل إنسان.
وهناك العدل الكامل والقضاء الفاصل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾.
الإعراب
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
والقرآن قد ناط أمر الفوز والنجاة من النار بالإيمان الذي ذكر الله علاماته وصفات أهله، وبالعمل الصالح، والخُلُق الفاضل، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما جعل المغفرة لمن لم تحط به خطيئته.
أما الذين صار همهم إرضاء شهواتهم، ولم يبق للدين سلطان على نفوسهم.. فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
٢٥ - ﴿فَكَيْفَ﴾ حالهم ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: جمعنا الخلائق للمجازاة ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ﴾؛ أي: في يوم لا شك في مجيئه ووقوع ما فيه وهو يوم القيامة ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ﴾؛ أي: وتوفى وتنال فيه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ بَرَّةٍ، أو فاجرةٍ جزاء ﴿مَا كَسَبَتْ﴾؛ أي: عملت من خير أو شر. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يظلمون في المجازاة بزيادة في سيئاتهم ونقصان في حسناتهم، فلا ينقص أحد من ثواب الطاعات، ولا يزاد على عقاب السيئات. والضمير عائد لكل نفس على المعنى؛ لأنه في معنى كل إنسان.
وهناك العدل الكامل والقضاء الفاصل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)﴾.
الإعراب
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
235
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)}.
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أن: حرف نصب ومصدر، والهاء ضمير الشأن في محل النصب اسمها. ﴿لَا﴾ نافية تعمل عمل إن ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره موجود. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ، ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر (لا)، وجملة (لا) من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لشهد تقديره: شهد الله وبين عدم وجود معبود بحق سواه. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على لفظ الجلالة ﴿وَأُولُو﴾: معطوف أيضًا على الجلالة، وهو مضاف. ﴿الْعِلْمِ﴾: مضاف إليه. ﴿قَائِمًا﴾: حال من الضمير الواقع بعد ﴿إِلَّا﴾ أو من لفظ الجلالة ﴿بِالْقِسْطِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾. وجملة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ بدل من جملة قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ الأولى بدلُ كلٍّ من كل كرره تأكيدًا. ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في إعرابه (١) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من ﴿هُوَ﴾.
الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف.
الثالث: أنه نعت لـ ﴿هُوَ﴾، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب الكسائي، فإنه يرى وصف الضمير الغائب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿الدِّينَ﴾: اسمها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الدين ﴿الْإِسْلَامُ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾، والجملة مستأنفة.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أن: حرف نصب ومصدر، والهاء ضمير الشأن في محل النصب اسمها. ﴿لَا﴾ نافية تعمل عمل إن ﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر ﴿لَا﴾ محذوف جوازًا تقديره موجود. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ، ﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر (لا)، وجملة (لا) من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لشهد تقديره: شهد الله وبين عدم وجود معبود بحق سواه. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على لفظ الجلالة ﴿وَأُولُو﴾: معطوف أيضًا على الجلالة، وهو مضاف. ﴿الْعِلْمِ﴾: مضاف إليه. ﴿قَائِمًا﴾: حال من الضمير الواقع بعد ﴿إِلَّا﴾ أو من لفظ الجلالة ﴿بِالْقِسْطِ﴾ متعلق بـ ﴿قَائِمًا﴾. وجملة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ بدل من جملة قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ الأولى بدلُ كلٍّ من كل كرره تأكيدًا. ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في إعرابه (١) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من ﴿هُوَ﴾.
الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف.
الثالث: أنه نعت لـ ﴿هُوَ﴾، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب الكسائي، فإنه يرى وصف الضمير الغائب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿الدِّينَ﴾: اسمها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الدين ﴿الْإِسْلَامُ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾، والجملة مستأنفة.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
(١) الجمل.
236
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ﴾ الواو استئنافية. ﴿ما﴾: نافية، ﴿اخْتَلَفَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿أُوتُوا﴾: فعل ماضٍ مغير، والواو نائب فاعل وهو المفعول الأول؛ لأن آتى بمعنى: أعطى ﴿الْكِتَابَ﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿مِنْ بَعْدِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اخْتَلَفَ﴾، ﴿ما﴾: مصدرية ﴿جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿بَعْدِ﴾، ﴿بَغْيًا﴾: مفعول لأجله، والعامل فيه ﴿اخْتَلَفَ﴾، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لـ ﴿بَغْيًا﴾.
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، وفي خبره (١) الأقوال الثلاثة أعني: فعل الشرط وحده، أو الجواب وحده، أو كليهما، وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدَّر؛ أي: سريع الحساب له. والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة، ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَكْفُرْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿إنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الله﴾ اسمها، ﴿سَرِيعُ﴾: خبرها. ﴿الْحِسَابِ﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿إنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وفي الحقيقة: هذه الجملة قائمة (٢) مقام الجواب علة، وتقدير الجواب: فإن الله يجازيه ويعاقبه عن قرب فإنه سريع الحساب.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن جواب
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، وفي خبره (١) الأقوال الثلاثة أعني: فعل الشرط وحده، أو الجواب وحده، أو كليهما، وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدَّر؛ أي: سريع الحساب له. والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة، ﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿من﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يَكْفُرْ﴾، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿إنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الله﴾ اسمها، ﴿سَرِيعُ﴾: خبرها. ﴿الْحِسَابِ﴾: مضاف إليه، وجملة ﴿إنَّ﴾ من اسمها وخبرها في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وفي الحقيقة: هذه الجملة قائمة (٢) مقام الجواب علة، وتقدير الجواب: فإن الله يجازيه ويعاقبه عن قرب فإنه سريع الحساب.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن جواب
(١) السمين.
(٢) أبو السعود.
(٢) أبو السعود.
237
شرط مقدر تقديره؛ إذا عرفت أن الدين المرضي عند الله الإِسلام، وأردت بيان ما تقول لمن حاجك فيه.. فأقول لك ﴿إن﴾: حرف شرط جازم ﴿حَاجُّوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه فعل شرط لإنْ. ﴿فَقُلْ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إنْ﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية في محل الجزم بـ (إنْ) على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، يعود على محمد، وجملة (إنْ) الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا الشرطية المقدرة، وجملة إذا الشرطية مستأنفة. ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾: مقول محكي لـ ﴿قل﴾ منصوب بفتحة مقدرة، وإن شئت قلتَ: ﴿أَسْلَمْتُ﴾: فعل وفاعل، ﴿وَجْهِيَ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَسْلَمْتُ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾، ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾: الواو عاطفة ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع على الفاعلية معطوف على تاء ﴿أَسْلَمْتُ﴾، ﴿اتبع﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة تشبيهًا لهذه الكلمة برؤوس الآي: كـ ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾، ﴿أهانن﴾ - في محل النصب مفعول به.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قل﴾. ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: فعل ماضٍ مغير، ونائب فاعل، ومفعول ثان؛ لأن أتى بمعنى: أعطى، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب. ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾: معطوف على الموصول. ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾: مقول محكى لـ ﴿قل﴾، وإنْ شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريري، ولكن فيه معنى الأمر كما مرَّ ﴿أسلمتم﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا امتثلت أمرنا بالقول لهم، وأردت بيان ما يترتب على ذلك القول.. فأقول لك
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿قل﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قل﴾. ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: فعل ماضٍ مغير، ونائب فاعل، ومفعول ثان؛ لأن أتى بمعنى: أعطى، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب. ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾: معطوف على الموصول. ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾: مقول محكى لـ ﴿قل﴾، وإنْ شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريري، ولكن فيه معنى الأمر كما مرَّ ﴿أسلمتم﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قل﴾.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿فَإِنْ﴾ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا امتثلت أمرنا بالقول لهم، وأردت بيان ما يترتب على ذلك القول.. فأقول لك
238
﴿إن أسلموا﴾: ﴿إن﴾: حرف شرط جازم، ﴿أَسْلَمُوا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿فَقَدِ﴾: الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لاقترانه بـ ﴿قد﴾. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿اهْتَدَوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾: الواو عاطفة، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه شرطًا لها. ﴿فَإِنَّمَا﴾ الفاء رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية، ﴿إنما﴾: أداة حصر بمعنى: ما النافية وإلا المثبتة. ﴿عَلَيْكَ﴾: جار ومجرور خبر مقدَّم ﴿الْبَلَاغُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة. ﴿وَاللَّهُ﴾: الواو استئنافية ﴿الله﴾: مبتدأ ﴿بَصِيرٌ﴾: خبر ﴿بِالْعِبَادِ﴾: متعلق به، والجملة مستأنفة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿يَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿يقتلون﴾؛ أي: حال كونهم ملتبسين بغير حق. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿يَأْمُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿بِالْقِسْطِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْمُرُونَ﴾. ﴿مِنَ النَّاسِ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿يَأْمُرُونَ﴾ تقديره: حالة كونهم كائنين من بعض الناس، فهي حال مؤكدة؛ لأن من المعلوم أنهم من جملة الناس. ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾: الفاء رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿يَكْفُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَكْفُرُونَ﴾، ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿يقتلون﴾؛ أي: حال كونهم ملتبسين بغير حق. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴿يَأْمُرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿بِالْقِسْطِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَأْمُرُونَ﴾. ﴿مِنَ النَّاسِ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿يَأْمُرُونَ﴾ تقديره: حالة كونهم كائنين من بعض الناس، فهي حال مؤكدة؛ لأن من المعلوم أنهم من جملة الناس. ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾: الفاء رابطة لخبر ﴿إن﴾ باسمها
239
جوازًا؛ لما في الموصول من العموم. وعبارة السمين: ولما ضُمّن هذا الموصول معنى الشرط في العموم.. دخلت الفاء في خبره، وهو قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾. وخالف الأخفش فمنع دخولها، والسماع حجة عليه كهذه الآية. ﴿بشر﴾: فعل أمر ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة. ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: جار ومجرور وصفة، متعلق بـ ﴿بشرهم﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور ومعطوف، متعلق بـ ﴿حَبِطَتْ﴾، ﴿وَمَا لَهُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿ما﴾ أو لمبتدأ مؤخر، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: اسم ﴿ما﴾ مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على جملة حبطت على كونها صلة الموصول.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تر﴾، ورأى هنا علمية مضمنة معنى الانتهاء لتصح التعدية بإلى، والمعنى: ألم تعلم يا محمَّد منتهيًا علمك إلى قصة الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، ذكره السمين. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل مغير ونائب فاعل. ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾. ﴿يُدْعَوْنَ﴾ فعل مضارع مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الَّذِينَ﴾. ﴿إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾.
﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢)﴾.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الجمع ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور ومعطوف، متعلق بـ ﴿حَبِطَتْ﴾، ﴿وَمَا لَهُمْ﴾: الواو عاطفة ﴿ما﴾: حجازية أو تميمية. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿ما﴾ أو لمبتدأ مؤخر، ﴿مِنْ﴾: زائدة ﴿نَاصِرِينَ﴾: اسم ﴿ما﴾ مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية معطوفة على جملة حبطت على كونها صلة الموصول.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾.
﴿أَلَمْ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم. ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تر﴾، ورأى هنا علمية مضمنة معنى الانتهاء لتصح التعدية بإلى، والمعنى: ألم تعلم يا محمَّد منتهيًا علمك إلى قصة الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، ذكره السمين. ﴿إِلَى الَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿أُوتُوا﴾: فعل مغير ونائب فاعل. ﴿نَصِيبًا﴾: مفعول ثانٍ، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿نَصِيبًا﴾. ﴿يُدْعَوْنَ﴾ فعل مضارع مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من ﴿الَّذِينَ﴾. ﴿إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾.
﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
240
﴿لِيَحْكُمَ﴾: اللام حرف جر وتعليل. (يحكم): منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام (كي)، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْكِتَابِ﴾، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يحكم﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿أن﴾ المضمرة، ﴿أن﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل تقديره: لحكمه، ﴿بَيْنَهُمْ﴾: الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُدْعَوْنَ﴾، ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿يَتَوَلَّى فَرِيقٌ﴾: فعل وفاعل، ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿فَرِيقٌ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُدْعَوْنَ﴾، ﴿وَهُم﴾: الواو واو الحال ﴿هم معرضون﴾: مبتدأ وخبر، والجملة حال من ﴿فَرِيقٌ﴾، وصح مجيء الحال منه لوصفه بالجار والمجرور.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، والهاء: اسمها. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿قَالُوا﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: بأنهم قائلون، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالياء تقديره: ذلك بقولهم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك التولي والإعراض كائن بسبب قولهم، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة. ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿لَن﴾: حرف نفي ونصب. ﴿تَمَسَّنَا النَّارُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، منصوب بـ ﴿لَن﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾ ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَيَّامًا﴾: منصوب على الظرفية، ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾: صفة لأيامًا، والظرف متعلق بـ ﴿تَمَسَّنَا﴾، ﴿وَغَرَّهُمْ﴾: الواو عاطفة. ﴿غر﴾: فعل ماضٍ، الهاء: مفعول به. ﴿فِي دِينِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿غرهم﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يَفْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾ تقديره: ما كانوا مفترين، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يفترونه، وجملة (غرهم) في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾ على كونها خبر ﴿أَنَّ﴾.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّهُمْ﴾: الباء حرف جر، ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، والهاء: اسمها. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿قَالُوا﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: بأنهم قائلون، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالياء تقديره: ذلك بقولهم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره: ذلك التولي والإعراض كائن بسبب قولهم، والجملة من المبتدأ والخبر مستأنفة. ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾: مقول محكي، وإنْ شئت قلت: ﴿لَن﴾: حرف نفي ونصب. ﴿تَمَسَّنَا النَّارُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، منصوب بـ ﴿لَن﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾ ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَيَّامًا﴾: منصوب على الظرفية، ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾: صفة لأيامًا، والظرف متعلق بـ ﴿تَمَسَّنَا﴾، ﴿وَغَرَّهُمْ﴾: الواو عاطفة. ﴿غر﴾: فعل ماضٍ، الهاء: مفعول به. ﴿فِي دِينِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿غرهم﴾، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿يَفْتَرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كان﴾ تقديره: ما كانوا مفترين، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يفترونه، وجملة (غرهم) في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾ على كونها خبر ﴿أَنَّ﴾.
241
﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾.
﴿فَكَيْفَ﴾: الفاء بمعنى الواو الاستئنافية. (كيف): اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم، مبني على الفتح؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، حالهم: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿إِذَا﴾: ظرف مجرد عن الشرط، والظرف متعلق بالمبتدأ المحذوف. ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذا، ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾. ﴿لا﴾: نافية، ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾. وفي "الفتوحات" (١): قوله: ﴿فَكَيْفَ﴾ ردٌّ لقولهم المذكور، وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيقع لهم، وتهويل لما يحيق بهم من الأهوال. و ﴿كيف﴾: خبر مبتدأ محذوف قدَّره بقوله: حالهم. وعبارة السمين: ويجوز أن يكون ﴿كيف﴾ خبرًا مقدمًا، والمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم؟ وقوله: ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ ظرف محض من غير تضمين شرط، والعامل فيه هو العامل في ﴿كيف﴾ إن قلنا: إنها منصوبة بفعل، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر، وهي منصوبة انتصاب الظرف.. كان العامل في إذا: الاستقرار العامل في ﴿كيف﴾؛ لأنها كالظرف، وإن قلنا: إنها اسم غير ظرف بل لمجرد السؤال.. كان العامل فيها نفس المبتدأ الذي قدرناه؛ أي: كيف حالهم في وقت جمعهم، وقوله: ﴿ليوم﴾ متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: لقضاء يوم أو لجزاء يوم و ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: صفة للظرف. انتهى. ﴿وَوُفِّيَتْ﴾: الواو عاطفة. ﴿وُفي﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، التاء علامة التأنيث؛ لاكتساب الفاعل التأنيث من المضاف إليه. ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿لَا رَيْبَ﴾ على كونها صفة لـ ﴿يوم﴾، والرابط محذوف تقديره: وتوفى فيه كل نفس. ﴿مَا كَسَبَتْ﴾: ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثانٍ
﴿فَكَيْفَ﴾: الفاء بمعنى الواو الاستئنافية. (كيف): اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم، مبني على الفتح؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، حالهم: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿إِذَا﴾: ظرف مجرد عن الشرط، والظرف متعلق بالمبتدأ المحذوف. ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذا، ﴿لِيَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾. ﴿لا﴾: نافية، ﴿رَيْبَ﴾: في محل النصب اسمها. ﴿فِيهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لَا﴾، وجملة ﴿لَا﴾ في محل الجر صفة لـ ﴿يوم﴾. وفي "الفتوحات" (١): قوله: ﴿فَكَيْفَ﴾ ردٌّ لقولهم المذكور، وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيقع لهم، وتهويل لما يحيق بهم من الأهوال. و ﴿كيف﴾: خبر مبتدأ محذوف قدَّره بقوله: حالهم. وعبارة السمين: ويجوز أن يكون ﴿كيف﴾ خبرًا مقدمًا، والمبتدأ محذوف تقديره: فكيف حالهم؟ وقوله: ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ ظرف محض من غير تضمين شرط، والعامل فيه هو العامل في ﴿كيف﴾ إن قلنا: إنها منصوبة بفعل، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر، وهي منصوبة انتصاب الظرف.. كان العامل في إذا: الاستقرار العامل في ﴿كيف﴾؛ لأنها كالظرف، وإن قلنا: إنها اسم غير ظرف بل لمجرد السؤال.. كان العامل فيها نفس المبتدأ الذي قدرناه؛ أي: كيف حالهم في وقت جمعهم، وقوله: ﴿ليوم﴾ متعلق بـ ﴿جَمَعْنَاهُمْ﴾؛ أي: لقضاء يوم أو لجزاء يوم و ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: صفة للظرف. انتهى. ﴿وَوُفِّيَتْ﴾: الواو عاطفة. ﴿وُفي﴾: فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، التاء علامة التأنيث؛ لاكتساب الفاعل التأنيث من المضاف إليه. ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿لَا رَيْبَ﴾ على كونها صفة لـ ﴿يوم﴾، والرابط محذوف تقديره: وتوفى فيه كل نفس. ﴿مَا كَسَبَتْ﴾: ﴿مَا﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثانٍ
(١) الجمل.
242
لـ ﴿وفيت﴾. ﴿كَسَبَتْ﴾: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: كسبته ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾: الواو حالية ﴿هم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَا يُظْلَمُونَ﴾: خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حل من قوله: ﴿كل نفس﴾.
وذكر (١) ضمير ﴿هم﴾ وجمعه باعتبار معنى كل نفس؛ لأنه في معنى كل الناس، كما اعتبر المعنى في قولهم: ثلاثة أنفس، بتأويل الأناس.
التصريف ومفردات اللغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: يقال: شهد الشيء يشهد شهادةً من باب: علم، إذا بين وأعلم وأخبر. قال الزجاج: الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبيِّنه، فقد دلَّنا الله على وحدانيته بما خلق وبيَّن.
﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾: القسط: العدل يُجمع على أقساط، يقال: قسط قسطًا من باب: ضرب ونصر، وقسط الوالي وأقسط إذا عدل في حكمه.
﴿الْحَكِيمُ﴾ وعدل (٢) عن صيغة الحاكم إلى الحكيم؛ لأجل المبالغة، ولمناسبة العزيز. ومعنى المبالغة تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع أن الدين عند الله هو الإِسلام؛ إذ حكم في كل شريعة بذلك.
﴿الدِّينَ﴾: الجزاء، ويطلق على الملة وهو المراد هنا، وسُمّي الدِّين دِينًا؛ لأن الشخص يدان به.
﴿الْإِسْلَامُ﴾: الاستسلام والانقياد التام، ويقال: أسلم زيد إذا تدين بدين الإِسلام، وأخلص عمله لله. فالإِسلام إخلاص العمل والعقيدة لله تعالى.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: جادلوك ونازعوك، يقال: حاجَّه حجاجًا ومحاجَّةً إذا خاصمه.. فحَجَّه وغلبه، ويقال: تحاجَّا إذا تخاصما.
وذكر (١) ضمير ﴿هم﴾ وجمعه باعتبار معنى كل نفس؛ لأنه في معنى كل الناس، كما اعتبر المعنى في قولهم: ثلاثة أنفس، بتأويل الأناس.
التصريف ومفردات اللغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾: يقال: شهد الشيء يشهد شهادةً من باب: علم، إذا بين وأعلم وأخبر. قال الزجاج: الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبيِّنه، فقد دلَّنا الله على وحدانيته بما خلق وبيَّن.
﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾: القسط: العدل يُجمع على أقساط، يقال: قسط قسطًا من باب: ضرب ونصر، وقسط الوالي وأقسط إذا عدل في حكمه.
﴿الْحَكِيمُ﴾ وعدل (٢) عن صيغة الحاكم إلى الحكيم؛ لأجل المبالغة، ولمناسبة العزيز. ومعنى المبالغة تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع أن الدين عند الله هو الإِسلام؛ إذ حكم في كل شريعة بذلك.
﴿الدِّينَ﴾: الجزاء، ويطلق على الملة وهو المراد هنا، وسُمّي الدِّين دِينًا؛ لأن الشخص يدان به.
﴿الْإِسْلَامُ﴾: الاستسلام والانقياد التام، ويقال: أسلم زيد إذا تدين بدين الإِسلام، وأخلص عمله لله. فالإِسلام إخلاص العمل والعقيدة لله تعالى.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾؛ أي: جادلوك ونازعوك، يقال: حاجَّه حجاجًا ومحاجَّةً إذا خاصمه.. فحَجَّه وغلبه، ويقال: تحاجَّا إذا تخاصما.
(١) الكرخي.
(٢) النهر.
(٢) النهر.
243
﴿غرهم﴾ فتنهم، يقال: غر يغر غرورًا إذا خدع، فهو من المضاعف المعدَّى، والغِرُّ: الصغير، والغريرة: الصغيرة، سميا بذلك؛ لأنهما ينخدعان بالعجلة، والغرة منه يقال: أخذه على غرة؛ أي: تغفل وخداع.
البلاغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ قال الزمخشري (١): شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آيته الناطقة بالتوحيد، كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما، بشهادة الشاهد في البيان والكشف على طريق الاستعارة التصريحية، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. انتهى.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: كرر التهليل للتوكيد، أو لأن (٢) الأول: قول الله، والثاني: حكاية قول الملائكة وأولي العلم، أو لأن الأول جرى مجرى الشهادة، والثاني جرى مجرى الحكم بصحة ما شهد به الشهود. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ الجملة معرفة الطرفين، فتفيد الحصر؛ أي: لا دين إلا الإسلام.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في التعبير (٣) عن اليهود والنصارى بقوله: ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ زيادة تقبيح لهم وتشنيع عليهم، فإن الاختلاف بعد إيتاء الكتاب أقبح، وقوله: ﴿إلا من بعد﴾ الخ زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيدُ في القباحة، وقوله: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ زيادة ثالثة؛ لأنه في حيز الحصر، فكأنه قال: وما اختلفوا إلا بغيًا؛ أي: لا لشبهة ولا لدليل، فيكون أزيد في القباحة ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ﴾ إظهار الاسم الجليل مع كون المقام للإضمار؛ لتربية المهابة، وإدخال الروعة في النفس.
البلاغة
﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ قال الزمخشري (١): شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آيته الناطقة بالتوحيد، كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما، بشهادة الشاهد في البيان والكشف على طريق الاستعارة التصريحية، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. انتهى.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: كرر التهليل للتوكيد، أو لأن (٢) الأول: قول الله، والثاني: حكاية قول الملائكة وأولي العلم، أو لأن الأول جرى مجرى الشهادة، والثاني جرى مجرى الحكم بصحة ما شهد به الشهود. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ الجملة معرفة الطرفين، فتفيد الحصر؛ أي: لا دين إلا الإسلام.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ في التعبير (٣) عن اليهود والنصارى بقوله: ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ زيادة تقبيح لهم وتشنيع عليهم، فإن الاختلاف بعد إيتاء الكتاب أقبح، وقوله: ﴿إلا من بعد﴾ الخ زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيدُ في القباحة، وقوله: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ زيادة ثالثة؛ لأنه في حيز الحصر، فكأنه قال: وما اختلفوا إلا بغيًا؛ أي: لا لشبهة ولا لدليل، فيكون أزيد في القباحة ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ﴾ إظهار الاسم الجليل مع كون المقام للإضمار؛ لتربية المهابة، وإدخال الروعة في النفس.
(١) البحر المحيط.
(٢) الكرخي.
(٣) الجمل.
(٢) الكرخي.
(٣) الجمل.
244
﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾: فيه إطلاق الجزء وإرادة الكل، ففيه مجاز مرسل علاقته الكلية، وإنما خص الوجه؛ لشرفه ولاشتماله على معظم القوى والمشاعر، ولأنه معظم ما تقع به العبادة من السجود والقراءة، وبه يحصل التوجه إلى كل شيء.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: وضع (١) الموصول موضع الضمير؛ لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطفين؛ لأن الأميين يقابلون بالذين أوتو الكتاب.
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: الأصل في البشرة أن تكون في الخير، واستعمالها في الشر؛ للتهكم، ويسمَّى هذا: الأسلوب التهكمي؛ حيث نزل الإنذار منزلة البشارة السارة، كقوله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)﴾، وهو أسلوب مشهور.
قال أبو حيان (٢): ومن ضروب البلاغة في هذه الآيات:
منها: الاستفهام الذي يرد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
ومنها: الطباق المقدَّر في قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ ووجهه أن الإِسلام: الانقياد إلى الإِسلام والإقبال عليه، والتولي ضد الإقبال، والتقدير: وإن تولوا.. فقد ضلوا، والضلالة ضد الهداية.
ومنها: الحشو الحسن في قوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فإنه لم يقتل قطٌّ نبي بحق، وإنما أتى بهذه الحشوة؛ ليتأكد قبح قتل الأنبياء ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ تأكيدًا لقبح ذلك الفعل.
ومنها: الزيادة في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ زاد الفاء إيذانًا بأن الموصول ضمن معنى الشرط.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾: وضع (١) الموصول موضع الضمير؛ لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطفين؛ لأن الأميين يقابلون بالذين أوتو الكتاب.
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: الأصل في البشرة أن تكون في الخير، واستعمالها في الشر؛ للتهكم، ويسمَّى هذا: الأسلوب التهكمي؛ حيث نزل الإنذار منزلة البشارة السارة، كقوله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)﴾، وهو أسلوب مشهور.
قال أبو حيان (٢): ومن ضروب البلاغة في هذه الآيات:
منها: الاستفهام الذي يرد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
ومنها: الطباق المقدَّر في قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ ووجهه أن الإِسلام: الانقياد إلى الإِسلام والإقبال عليه، والتولي ضد الإقبال، والتقدير: وإن تولوا.. فقد ضلوا، والضلالة ضد الهداية.
ومنها: الحشو الحسن في قوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فإنه لم يقتل قطٌّ نبي بحق، وإنما أتى بهذه الحشوة؛ ليتأكد قبح قتل الأنبياء ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ﴾ تأكيدًا لقبح ذلك الفعل.
ومنها: الزيادة في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ زاد الفاء إيذانًا بأن الموصول ضمن معنى الشرط.
(١) أبو السعود.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
245
ومنها: الاستفهام الذي أريد به التعجيب من حالهم والاستعظام لمقالتهم في قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾، وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب، وكذا أكثر استفهامات القرآن؛ لأنها من عالم الشهادة، وإنما استفهامه تعالى تقريع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
246
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة دلائل التوحيد والنبوة، وصحة دين الإِسلام، وحال النبي - ﷺ - مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب، فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل.. أردف بذكر هذه الآيات الآتية تسليةً للنبي - ﷺ - في مقام عناد المنكرين، ومكابرة الجاحدين، وتذكيرًا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه، وكأنه يقول له: إذا توَلَّى هؤلاء الجاحدون عنك، ولم يقنعهم البرهان؛ فظل المشركون على جهلهم، وأهل الكتاب في غرورهم.. فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها.. ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.
المناسبة
لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة دلائل التوحيد والنبوة، وصحة دين الإِسلام، وحال النبي - ﷺ - مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب، فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل.. أردف بذكر هذه الآيات الآتية تسليةً للنبي - ﷺ - في مقام عناد المنكرين، ومكابرة الجاحدين، وتذكيرًا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه، وكأنه يقول له: إذا توَلَّى هؤلاء الجاحدون عنك، ولم يقنعهم البرهان؛ فظل المشركون على جهلهم، وأهل الكتاب في غرورهم.. فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها.. ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة
247
الخلق، وكانت الآيات السابقة في الكفار، فنهوا عن موالاتهم، وأمروا بالرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه؛ إذ هو تعالى مالك الملك.
أسباب النزول
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ روى (١) الواحد عن ابن عباس وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: أنه لما افتتح رسول الله - ﷺ - مكة.. وعد أمته مُلك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمدٍ ملك فارس والروم، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدًا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟!، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله - ﷺ -: سأل ربه عز وجلّ أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله هذه الآية، وقيل: إن اليهود قالوا: والله لا نطيع رجلًا جاء بنقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الآية.
وروي (٢) أنه - ﷺ -: لما خط الخندق في عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، وأخذوا يحفرون.. خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم، لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى النبي - ﷺ - ليخبره، فذهب إليه، فجاء رسول الله، وأخذ المعول من سلمان، فلما ضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها؛ أي: المدينة، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر وكبّر المسلمون، وقال - ﷺ -: "أضاء لي منها قصور الحيرة، كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة على كلها، فأبشروا"، فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيكم يعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما
أسباب النزول
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ روى (١) الواحد عن ابن عباس وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: أنه لما افتتح رسول الله - ﷺ - مكة.. وعد أمته مُلك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمدٍ ملك فارس والروم، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدًا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟!، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله - ﷺ -: سأل ربه عز وجلّ أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله هذه الآية، وقيل: إن اليهود قالوا: والله لا نطيع رجلًا جاء بنقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الآية.
وروي (٢) أنه - ﷺ -: لما خط الخندق في عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، وأخذوا يحفرون.. خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم، لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى النبي - ﷺ - ليخبره، فذهب إليه، فجاء رسول الله، وأخذ المعول من سلمان، فلما ضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها؛ أي: المدينة، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر وكبّر المسلمون، وقال - ﷺ -: "أضاء لي منها قصور الحيرة، كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة على كلها، فأبشروا"، فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيكم يعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
248
تحفرون من الخوف، فنزلت هذه الآية.
وروي أنها نزلت في شأن قريش لقولهم لرسول الله - ﷺ -: كسرى ينام على فرش الديباج، فإن كنت نبيًّا فأين ملكك؟
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ سبب نزولها (١): ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.
وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبي وأصحابه، كانوا يتولون المشركين واليهود، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
وقيل: إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله، إن معي خمس مئة من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...﴾ قيل: نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى؛ حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، فنزلت هذه، فعرضها رسول الله - ﷺ - عليهم، فلم يقبلوها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقف رسول الله - ﷺ - على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون
وروي أنها نزلت في شأن قريش لقولهم لرسول الله - ﷺ -: كسرى ينام على فرش الديباج، فإن كنت نبيًّا فأين ملكك؟
قوله تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...﴾ سبب نزولها (١): ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.
وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أُبي وأصحابه، كانوا يتولون المشركين واليهود، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك.
وقيل: إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله، إن معي خمس مئة من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...﴾ قيل: نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى؛ حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، فنزلت هذه، فعرضها رسول الله - ﷺ - عليهم، فلم يقبلوها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقف رسول الله - ﷺ - على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون
(١) الخازن.
249
لها، فقال: يا معشر قريش، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، فقالت قريش: إنما نعبدها حبًّا لله؛ لتقربنا إلى الله زلفى، فنزلت هذه الآية.
وقيل: إنَّ نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حبًّا لله وتعظيمًا له، فأنزل: قل يا محمَّد إن كنتم تحبون الله.
التفسير وأوجه القراءة
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد معظمًا لربك وشاكرًا له ومفوضًا إليه ومتوكلًا عليه ﴿اللَّهُمَّ﴾؛ أي: يا إلهي ويا معبودي ويا ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ ويا صاحب السلطنة والغلبة العامة لجميع الكائنات، وقيل: يا مالك الخلق من العرش إلى الفرش، ومدبرهم ومصرفهم، وقيل: يا مالك الدنيا والآخرة أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى، والتصرف التام في تدبير الأمور، وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات، فأنت ﴿تُؤْتِي﴾ وتعطي ﴿الْمُلْكِ﴾ الخاص والسلطنة والغلبة ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد إيتاءه وإعطاءه له من خلقك، فتملكه وتسلطه على من تشاء، أو تعطي النبوة من تشاء، كمحمد - ﷺ -؛ لأنها أعظم مراتب الملك؛ وذلك لأن النبي - ﷺ - له الأمر على الخلائق من جهة مالك الملوك، لا بالسياسة والأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾؛ أي: تسلب الملك ﴿مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ أن تسلبه منه؛ إما بالموت، أو إزالة العقل، أو إزالة القوى والحواس، أو بورود التلف على الأموال، أو بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك؛ من العدل، وحسن السياسة، وإعداد القوة بقدر المستطاع؛ كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم؛ بظلمهم وفسادهم، أو تنزع النبوة ممن تشاء، وتؤتيها من تشاء. ومعنى: نَزْعِها: نقلها من قومٍ إلى قومٍ؛ كما نقلها من بني إسرائيل إلى العرب، فأعطاها محمدًا - ﷺ - فإنه لا نبي بعده، ولم يشركه في نبوته ورسالته أحد. ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إعزازه بإعطائه الملك والسلطنة، وتنصره على عدوه، أو بالإيمان والحق وبالأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وبإلقاء الهيبة في قلوب الناس، أو بالنبوة والرسالة، كمحمد - ﷺ - ﴿وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إذلاله بسلب ملكه، وتسليط عدوه عليه، أو بالكفر والباطل، أو بنزع النبوة منهم وضرب الجزية عليهم؛ كاليهود، فأنت
وقيل: إنَّ نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حبًّا لله وتعظيمًا له، فأنزل: قل يا محمَّد إن كنتم تحبون الله.
التفسير وأوجه القراءة
﴿قُلْ﴾ يا محمَّد معظمًا لربك وشاكرًا له ومفوضًا إليه ومتوكلًا عليه ﴿اللَّهُمَّ﴾؛ أي: يا إلهي ويا معبودي ويا ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ ويا صاحب السلطنة والغلبة العامة لجميع الكائنات، وقيل: يا مالك الخلق من العرش إلى الفرش، ومدبرهم ومصرفهم، وقيل: يا مالك الدنيا والآخرة أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى، والتصرف التام في تدبير الأمور، وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات، فأنت ﴿تُؤْتِي﴾ وتعطي ﴿الْمُلْكِ﴾ الخاص والسلطنة والغلبة ﴿مَنْ تَشَاءُ﴾ وتريد إيتاءه وإعطاءه له من خلقك، فتملكه وتسلطه على من تشاء، أو تعطي النبوة من تشاء، كمحمد - ﷺ -؛ لأنها أعظم مراتب الملك؛ وذلك لأن النبي - ﷺ - له الأمر على الخلائق من جهة مالك الملوك، لا بالسياسة والأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾؛ أي: تسلب الملك ﴿مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ أن تسلبه منه؛ إما بالموت، أو إزالة العقل، أو إزالة القوى والحواس، أو بورود التلف على الأموال، أو بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك؛ من العدل، وحسن السياسة، وإعداد القوة بقدر المستطاع؛ كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم؛ بظلمهم وفسادهم، أو تنزع النبوة ممن تشاء، وتؤتيها من تشاء. ومعنى: نَزْعِها: نقلها من قومٍ إلى قومٍ؛ كما نقلها من بني إسرائيل إلى العرب، فأعطاها محمدًا - ﷺ - فإنه لا نبي بعده، ولم يشركه في نبوته ورسالته أحد. ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إعزازه بإعطائه الملك والسلطنة، وتنصره على عدوه، أو بالإيمان والحق وبالأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وبإلقاء الهيبة في قلوب الناس، أو بالنبوة والرسالة، كمحمد - ﷺ - ﴿وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ إذلاله بسلب ملكه، وتسليط عدوه عليه، أو بالكفر والباطل، أو بنزع النبوة منهم وضرب الجزية عليهم؛ كاليهود، فأنت
250
المعطي (١) وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله محمَّد - ﷺ -، وعلى هذه الأمة؛ لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن، الذي جمع الله فيه محاسن مَن كان قبله، وخصه بخصائص لم يعطها نبيًّا من الأنبياء ولا رسولًا من الرسل، في العلم بالله، وشريعته، وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع. فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار.
واعلم: أن للعزة آثارًا وللذل مثلها؛ فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكًا للقلوب بجاهه أو علمه، النافع للناس مع بسطة في الرزق، وإحسان إلى الخلق.
والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من الاجتماع والاتفاق والتعاون على نشر دعوة الحق، ومقاومة الباطل، إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة، واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي - ﷺ - والمؤمنين، ولكن لم يغنِ ذلك عنهم شيئًا كما قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ الآية.
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الأرمية في شرق إفريقيا، على كثرة عدد كل شعب منها كيف استأمرها، وتحكم فيها ملوك الحبشة، على قلة عددهم. وما ذلك إلا لفشو الجهل، وتفرق الكلمة، والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته،
واعلم: أن للعزة آثارًا وللذل مثلها؛ فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكًا للقلوب بجاهه أو علمه، النافع للناس مع بسطة في الرزق، وإحسان إلى الخلق.
والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من الاجتماع والاتفاق والتعاون على نشر دعوة الحق، ومقاومة الباطل، إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة، واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي - ﷺ - والمؤمنين، ولكن لم يغنِ ذلك عنهم شيئًا كما قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ الآية.
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الأرمية في شرق إفريقيا، على كثرة عدد كل شعب منها كيف استأمرها، وتحكم فيها ملوك الحبشة، على قلة عددهم. وما ذلك إلا لفشو الجهل، وتفرق الكلمة، والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته،
(١) ابن كثير.
251
والسعي في إزالة طغيانه وتحكمه في الرقاب والبلاد، هذه مصيبة ما أعظمها. فإنا لله وإنا إليه راجعون، فنسأل الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم، ويردَّ إليهم أراضيهم بتوفيقهم كلمة الحق. آمين.
﴿بِيَدِكَ﴾ يا إلهي لا بيد غيرك ﴿الْخَيْرُ﴾ كله من الإعزاز والنصرة والغنيمة، وكذا بيدك الشر من الإذلال والخذلان والهزيمة، فهو من باب الاكتفاء. إلا أنه خص الخير بالذكر؛ لأنه المنتفع به والمرغوب فيه، ولأنه المناسب للمقام، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي، وضعف أتباعه، وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز والنصر، وأن يذكره بأن الخير كله بيده فلا يعجزه أن يعطي نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطنة ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم، كما قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)﴾.
واليد صفة ثابتة له تعالى نؤمن بها ولا نكيفها ولا نمثلها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ كما هو المذهب الأعلم الأسلم الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ تريده من إيتاء الملك لمن تشاء
﴿بِيَدِكَ﴾ يا إلهي لا بيد غيرك ﴿الْخَيْرُ﴾ كله من الإعزاز والنصرة والغنيمة، وكذا بيدك الشر من الإذلال والخذلان والهزيمة، فهو من باب الاكتفاء. إلا أنه خص الخير بالذكر؛ لأنه المنتفع به والمرغوب فيه، ولأنه المناسب للمقام، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي، وضعف أتباعه، وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز والنصر، وأن يذكره بأن الخير كله بيده فلا يعجزه أن يعطي نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطنة ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم، كما قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)﴾.
واليد صفة ثابتة له تعالى نؤمن بها ولا نكيفها ولا نمثلها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ كما هو المذهب الأعلم الأسلم الذي عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ﴿إِنَّكَ﴾ يا إلهي ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ تريده من إيتاء الملك لمن تشاء