ﰡ
(١) - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ يَاسِينَ تَعني يَا إِنْسَانُ.
(٢) - أُقْسِمُ بِالقُرآنِ المُحْكَمِ المُشْتَمِلِ عََلى الحِكْمَةِ والعِلْمِ النَّافِعِ، الذي لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ.
(٤) - الذِينَ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ دِيناً قَيِّماً، وَشَرْعاً مُسْتَقِيماً هُوَ الإِسْلاَمُ للهِ تَعَالَى.
(وَتَنْزِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْ نُزِّلَ تَنْزِيلاً).
(٦) - إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ لِتُنْذِرَ قَوْمَكَ العَرَبَ، الذينَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ قَبْلَكَ، فَهُمْ سَاهُونَ فِي غَفْلَةٍ عَنْ مَعْرِفَةِ الأَدْيَانِ والشَّرَائِعِ.
لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ - لَقَدْ ثَبَتَ وَوَجَبَ العِقَابُ.
(٨) - إِنَّا جَعَلْنَا هؤُلاءِ الذِينَ قَدَّرْنَا أَنَّهُمْ مِنَ الأَشْقِيَاءِ لاَ يُؤْمِنُونَ، كَمَنْ جُعِلَ فِي عُنُقِهِ قَيْدٌ (غِلٌّ)، فَجُمِعَتْ يَدَاهُ إِلى عُنُقِهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ، فَصَارَ مُقْمَحاً لاَ يَسْتَطِيعُ أًَنْ يُطأطِئَ رَأَسَهُ، وَهَكَذَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ مَغْلُولُونَ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ نَافِعٍ.
المُقَمَحُ - الرَّافِعُ رَأسَهُ إِلَى الأَعْلَى وَهُوَ غَاضُّ البَصَرِ.
الأًغْلاَلُ - قُيُودٌ تُشَدَّ بِهَا الأَيْدِي إِلَى الأَعْنَاقِ.
(٩) - وَزَينَّا لَهُمْ سُوءَ عَمَلِهِمْ، فَأْعْجِبُوا بِهِ، وَرَفَضُوا الخُضُوعَ لِمَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، فَمَثَلُهُمْ مَثَلُ مَنْ أَحَاطَ بِهِ سَدَّانِ، مِنْ أَمَامِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، فَحَجَبَا عَنْهُ الرُّؤْيَةَ، فَهُوَ لاَ يُبْصِرُ شَيئاً مِمَّا حَوْلَهُ.
سَدّاً - حَاجِزاً مَانِعاً.
فأغْشَيْنَاهُمْ - فَأَلْبَسْنَا أَبْصَارَهُمْ غِشَاوَةً تَحْجُبُ عَنْهُمُ الرُّؤْيَةَ الوَاضِحَة.
(١٠) - وَهؤُلاءِ الذينَ حَقَّ عَلَيْهِم القَوْلُ إِنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرتَهُم وَخَوَّفْتَهُمْ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى وعَذَابِهِ، أَوْ تَرَكْتَهُمْ دُونَ إِنْذَارٍ، فَإِنَّ الله تَعَالَى طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، لأَنَّ نُفُوسَهُمْ قَدْ خَبُثَتْ، واسْتِعْدَادَهُمْ للهِدَايَةِ قَدْ سَاءَ.
(١٢) - إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحْيِي المَوْتَى جَمِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَبْعَثُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيَكْتُبُ مَا عَمِلُوا فِي حَياتِهِم الدُّنْيا مِنَ الأَعْمَالِ، لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا، وَيُسَجِّلَ عَلَيْهِمْ مَا تَرَكُوْا مِنْ أَثَرٍ حَسَنٍ أَوْ سَيِّئٍ خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيَا.
(فَمَثَلُ الأَثَرِ الحَسَنِ: عِلمٌ عَلَّمُوهُ، أَوْ مُسْتَشْفَىً بَنَوْهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ خَلْقُ اللهِ، أَوْ مَدْرَسَةٌ أَنشْؤُوهَا لِيَتَعَلَّمَ فِيهَا أبنَاءُ الأُمَّةِ. وَمَثَلُ الأًثَرِ السَّيِّئِ: أَحْقَادٌ زَرَعُوهَا فِي المُجْتَمَعِ، وَفِتَنٌ وَضَلاَلاَتٌ ابْتَدَعُوهَا فَأَخَذَ بِهَا النَّاسُ).
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ. وَمَنْ سَنَّ سُنةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ.
ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ الله ﷺ هَذِهِ الآيَةَ: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ "). (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).
وَقِيلَ أيضاً إنَّ المُرَادَ بِآثَارِهِمْ هُوَ آثَارُ خُطَاهُمْ إِلى الطَّاعَةِ والمَعْصِيَةِ. (وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلَمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْقُلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ ﷺ: يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَاركُمْ تَكْتبُ آثَاركُمْ، دِيَاركُمْ تكْتبُ آثَاركُم. فَلَمْ يَنْتَقِلُوا "). (أَخْرَجَهُ ابْنُ أبي حَاتِمٍ وَالتِّرْمذيُّ).
وَجَمِيعُ مَا فِي الكَوْنِ مِنْ أَشْيَاءَ وَمَخْلُوقَاتٍ، وَجَميِعُ مَا يَعْمَلُهُ البَشَرُ مَسْطُورٌ فِي كِتَابِ اللهِ، وَهُوَ أُمُّ الكِتَابِ.
(وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا قَريَةُ أَنْطَاكِيَةَ، وَإِنَّ الرُّسُلَ هُمْ رُسُلُ اللهِ إِلَى أَهْلِهَا، تَأييداً لعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَلِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ مِنْ شَرِيعَةٍ. وَلَكِنْ هُنَاكَ مَنْ ضَعَّفَ هَذَا القَوْلَ، وَقَالَ إِنَّ الله لَمْ يُهْلِكْ بَعْدَ إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ قَريةً لِكُفْرِهَا).
فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ - فَقَوَّيْنَاهُمَا وَشَددنَاهُمَا بِرَسُولٍ ثَالِثٍ.
(١٧) - وَقَالَ الرُّسُلُ: إِنّ َمَهَمَّتَهُمْ تَنْحَصِرُ فِي إِبْلاَغِ رِسَالَةِ اللهِ تَعَالَى إِلى أَهْلِ القَرْيَةِ، فَإِنْ أَطَاعُوا فَازُوا بِرِضَا اللهِ وَجَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَإِنْ تَوَلُّوْا وأَعْرَضُوا وأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ فَإِنَّ اللهَ سَيَجْزِيِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الجَزَاءَ الأَوْفَى.
(١٨) - فَقَالَ أهَلُ القَرْيَةِ لِلرُّسُلِ: إِنَّهُمْ تَشَاءَمُوا (تَطَيَّرُوا) مِنْ وُجُودِهِمْ فِي القَرْيَةِ، لِمَا أَحْدَثُوهُ فِيهَا مِنْ الانْقِسَامِ والشِّقَاقِ والاخْتِلاَفِ حَوْلَ الدَّعْوَةِ، إِذ اتَّبَعَهُمْ أَنَاسٌ مِنْهُمْ، وَتَفَرَّقَتْ الكَلِمَةُ. ثُمَّ هَدَّدُوهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَكُفُّوا عَنْ بَثِّ الدَّعْوَةِ بَيْنَهُمْ قَتَلُوهُمْ رَجماً بِالحِجَارَةِ، أو أَلْحَقُوا بِهِم الأَذَى والعَذَابَ الأَلِيمَ.
تَطَيَّرْنَا بِكُمْ - تَشَاءَمْنَا مِنْكُمْ.
(١٩) - فَقَالَ الرُّسُلُ لأَهْلِ القَرْيَةِ الذِينَ يُجَادِلُونَهُمْ: إِنَّ كُفْرَكُم وَأَفْعَالَكُم القَبِيحَةَ هِيَ سَبَبُ شُؤْمِكُم، أَمَّا نَحْنُ فَلا شُؤْمَ مِن قِبَلِنَا، فَنَحْنُ لَمْ نَفْعَلْ غَيْرَ الدَّعْوَةِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَوْحِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ، وَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ وَبَرَكَةٌ.
أَتُقَابِلُونَنَا بِمِثْلِ هَذَا الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ، لأَنَّنا وَعَظْنَاكُمْ وَدَعَوْنَاكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ؟ إِنَّكُمْ بِلاَ شَكٍّ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ مُتَجَاوِزُونَ الحَدَّ فِي الضَّلاَلَةِ والطُّغْيَانِ..
طَائِركُمْ مَعَكُمْ - شُؤْمُكُمْ هُوَ كُفْرُكُمُ المُصَاحِبُ لَكُمْ.
أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ - تَطَيَّرتُمْ بِسَبَبِ مَا وُعِظْتُمْ بِهِ.
(٢٠) - وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَطْرَافِ المَدِينَةِ يَسْعَى مُسْرِعاً إِلَى حَيْثُ كَانَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ وَهُمْ يُحَاوِرُونَ الرُّسُلَ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اتِّبِعُوا رُسُلَ اللهِ إِلَيْكُمْ.
يَسْعَى - يُسْرِعُ المَشْيَ.
(٢١) - اتَّبِعُوا الذِينَ لا يَطْلُبُونَ أَجْرَاً عَلَى تَبْلِيِغِهِمْ رِسَالَةَ رَبِّهِمْ، وَلاَ يَطْلُبُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً، وَهُمْ مُهْتَدُونَ إِلَى سَبِيلِ اللهِ القَوِيمِ، فَإِذَا اتَّبَعْتمُوهُم اهْتَدَيْتُمْ بِهُدَاهُمْ.
فَطَرَني - خَلَقَنِي وَأَبْدَعَنِي.
(٢٣) - وَهَلْ تُرِديدُونَنِي أَنْ أَعْبُدَ آلِهَةً غَيْرَ اللهِ تَعَالَى لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ الرَّحْمَنُ أَنْ يُنْزِلَ بِي ضُرّاً لَمْ تَنْفَعْنِي تِلْكَ الآلِهَةُ شَيْئاً، وَلَمْ تَشْفَعْ لِي عِنْدَهُ، وَلَمْ تُنْقِذْنِي مِنْ عَذَابِهِ.
لا تُغْنِ - لاَ تَدْفَع عَنِّي وَهُوَ جَوَابُ الشَّرطِ.
(٢٤) - إِنِّي إِنْ اتَّخَّْذْتُ تِلْكَ الأَصْنَامُ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللهِ، كُنْتُ فِي ضَلاَلٍ بَيِّنٍ، وَاضِحٍ.
(٢٥) - ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ لِلرُّسُلِ الكِرامِ: إِنِّي آمَنْتُ بِربِّكُم الذي أَرْسَلَكُمْ، وَاتَّبَعْتُكُمْ، فَاشْهَدُوا لِي بِذَلِكَ، عِنْدَ رَبِّكُمْ الكَّرِيمِ.
(وَهُنَاكَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِنَّمَا خَاطَبَ قَوْمَهُ، قَائِلاً إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذِي كَفَرْتُمْ أَنْتُمْ بِهِ).
(٢٦) - وَيُرْوَى أَنَّ القَوْمَ وَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَلَم يَجِدْ مَنْ يَدَافِعُ عَنْهُ بَيْنَهُمْ، فَأَدْخَلَهُ اللهُ تَعَالَى الجَنَّةَ، وَأَكْرَمَهُ عَلَى حُسْنِ إِيْمَانِهِ وَثِقَتِهِ بِرَبِّهِ. وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ جَزَاءً لَكَ عَلَى مَا قَدَّمْتَ مِنْ إِيْمَانٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ، وَمَا أَسْلَفْتَ مِنْ إِحْسَانٍ. فَلَمَّا دَخَلَهَا، وَعَايَنَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ بِسَبَبِ إِيْمَانِهِ وَصَبْرِهِ، قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا أَنَا فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، والخَيْرِ العَمِيمِ، بِسَبَبِ إِيْمَانِي بِرَبِّي، وَتَصْدِيقي بِمَا جَاءَ بِهِ رُسُلُه الكِرَامُ.
(٢٩) - فَأَرْسََلَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً أَهْلَكَتْهُمْ جَميعاً، وَأَخْمدَتْ أَنْفَاسَهُمْ، وَلَمْ يُبِقِ مِنْهُمْ أَحَداً عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ.
صَيْحَةً - صَوْتاً مُهْلِكاً مِنَ السَّمَاءِ (خَبَرُ كَانَ واسْمُها مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ إِنْ كَانِتِ الصَّيْحَةُ إِلاَّ صَيْحَةً).
خَامِدُونَ - مَيِّتونَ كَمَا تَخْمُدُ النَّارُ.
(٣٠) - يَا حَسْرَةَ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ، وَيَا نَدَامَتَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَمَا يُعَايِنُونَ العَذَابَ الذِي أَعَدَّهُ اللهُ لِلْكَافِرِينَ المُكَذِّبِينَ، فَإِنَّهُمْ مَا جَاءَهُمْ مِنْ رَسُولٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَى العَمَلِ الصَّالِحِ إِلاَّ اسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَكَذَّبُوا، وَجَحَدُوا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنَ الحَقِّ.
يا حَسْرَةً - يَا وَيْلَتَا وَيَا نَدَامَتَا وَيَا خَسَارَتَا.
كَمْ أَهْلَكْنَا - كَثِيراً مَا أَهْلَكْنَا.
القُرُونِ - الأُمَمِ.
لَمَّا جَمِيعٌ - إِلاَّ مَجْمُوعُونَ.
مُحْضَرُونَ - نُحْضِرُهُمْ لِلْحِسَابِ والجَزَاءِ.
(٣٣) - وَمِنَ الدَّلاَئِل عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى، وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ عَلَى إِحْيَاءِ المَوْتَى، أَنَّ الأَرْضَ تَكُونَ مَيْتَةً هَامِدَةً لاَ نَبَاتَ فِيهَا وَلاَ حَيَاةَ، فَيُنْزِلُ اللهُ المَطَرَ عَلَيْهَا فَتَرْتَوي، وَتَهْتَزُّ تُرْبَتُهَا، وَتَعْلُو بِمَا يَتَحَرَّكُ فِي بَاطِنِها مِنْ بُذُورِ النَّبَاتَاتِ الآخِذَةِ فِي النَّبتِ والنُّمُوِّ، ثُمَّ يُخْرِجُ اللهُ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ حَبّاً يَأْكُلُهُ النَّاسُ والأَنْعَامُ.
(٣٤) - وَأَنْشَأَ اللهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ التي أَحْيَاهَا بِالمَطَرِ بَسَاتِينَ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ، وَفَجَّرَ العُيُونَ فِيهَا فَأَخَذَتِ المِيَاهُ تَنْسَابُ فِي جَنَبَاتِهَا.
فَجَّرْنَا فِيهَا - شَقَقْنَا وَأَجْرَيْنَا فِي الأَرْضِ.
(٣٦) - تَنَزَّهَ اسْمُ اللهِ الذِي خَلَقَ هَذِهِ الأَصْنَافَ والأَنْوَاعَ كُلَّهَا عَلَى سُنَّةِ الذُّكُورَةِ والأُنُوثَةِ: مِنَ النَّبَاتِ وَمِنَ الأَنْفُسِ، وَمِمَّا لا يَعْلَمُهُ النَّاسُ.
الأَزْوَاجُ - الأَنْوَاعُ والأَصْنَافُ.
(٣٧) - وَمِنَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى وَعَلَى قُدْرَتِهِ: خَلْقُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، هَذَا بِظَلاَمِهِ، وَذَاكَ بِضِيَائِهِ، وَجَعْلُهُمَا يَتَعَاقَبَانِ، وَيَتَنَاوَبَانِ الطُّولَ والقِصَرَ، فَيَنزِعُ النَّهَارَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَأْتِي الظُّلَمَةُ، وَتَلُفُّ الكَوْنَ، فَيَهْدَأُ الخلْقُ وَيَنَامُونَ.
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ - ننزعُ مِنْ مَكَانِهِ الضَّوْءَ.
(٣٩) - وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِسَيرِ القَمَرِ مَنَازِلَ يَنْزِلُ فِيهَا كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ أَيَامِ دَوَرَانِهِ حَوْلَ الأَرْضِ، وَبِمَوْجِبِ حَرَكَتِهِ هَذِهِ فَإِنَّ صَفَحَاتِهِ تَتَبَدَّلُ فَيَكُونُ بَدْراً، ثُمَّ يَتَنَاقَصُ حَتَّى يُصْبحَ دَقِيقاً كَعُودِ عِذْقِ النَّخْلِ القِدِيمِ اليَابِسِ (العُرْجُونِ).
قَدَّرْنَاهُ مُنَازِلَ - قَدَّرْنَا سَيْرَهُ فِي مَنَازِلَ، وَمَسَافَاتٍ.
العُرْجُونِ القَدِيمِ - عُودِ عِذْقِ النَّخْلَةِ القِدِيمِ اليَابِسِ.
َ (٤٠) - لاَ يَتَأَتَّى لِلشَّمْسِ، وَلاَ يَسْهُلُ عَلَيْهَا (لاَ يَنْبَغِي لَهَا) أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ فِي مَسِرَتِهِ، لأَنَّ لِكُلِّ مِنْهُمَا مَسَاراً مُسْتَقِلا، وَهُمَا مَسَارَانِ مُتَبَاعِدَانِ لاَ مَجَالَ لاِلتِقَائِهِمَا، وَلِذَلِكَ فَلاَ مَجَالَ لِلقَوْلِ إِن الليلَ سَابِقٌ لِلنَّهَارِ، أَوْ إِنَّ النَّهَارَ سَابِقٌ لِليلِ، وَكُلِ مِنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ وَغَيرِهِمَا يَسْبَحُ فِي الفَضَاءِ فِي فَلَكٍ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ أبداً.
يَسْبَحُونَ - يَسِيرُونَ أَوْ يَدُورُونَ.
(٤١) - وَمِنْ آيَاتِهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ أَنَّهُ جَعَلَ البَشَرَ يَرْكَبُونَ السُّفُنَ المُحَمَّلَةَ بالبَضَائِعِ، التي يَنْقُلُونَهَا مِن قُطْرٍ إِلى قُطْرٍ آخَرَ، لِيَنْتَفِعَ بِهَا خَلْقُ اللهِ فِي الأَقْطَارِ التي لا تُنْتَجُ فِيهَا هَذَهِ المُنْتَجَاتُ، وَلِيَسْتَفِيدُوا مِنْهَا بِالتِّجَارَةِ والمُبَادَلَةِ.
المَشْحُونِ - المَمْلُوءِ بِالبَضَائِعِ.
(٤٤) - وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يُسَيِّرُ العِبَادَ فِي البَحْرِ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَيَحْفَظُهُمْ مِنَ الغَرَقِ، وَيُمَتِّعُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِلَى أَنْ تَحِينَ آجَالُهُمُ المُحَدَّدَةُ لَهُمْ.
(٤٦) - فَكَانُوا كُلَّّمَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، بَادَرُوا إِلَى تَكْذِيبهَا، وَالإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَلَمْ يُكَلِّفُوا أنْفُسَهُمْ عَنَاءَ النَّظَرِ والتَّعَمُّقِ فِيهَا.
(٤٧) - وَإِذَا أُمِرُوا بِالإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُم اللهُ عَلَى الفُقَرَاءِ والمُحْتَاجِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ، قَالُوا لِمَنْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ.
أَتأمُروننا بِأَنْ نُنْفِقَ أَمْوَالَنَا عَلَى أُنَاسٍ لَوْ شَاءَ الله لأَغْنَاهُمْ، وَأَطْعَمَهُمْ مِنْ رِزْقِهِ، فَنَحْنُ فِي عَدَمِ الإِنْفَاقِ إِنَّمَا نُوافِقُ مَشيئَةَ اللهِ التي اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ فَقَرَاءَ، وَأَنْتُمْ بِأْمْرِكُمِ إِيَّانَا بالإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ فِي ضَلاَلٍ وَجَهَالَةٍ وَاضِحَيْنِ لأَنَّكُمْ تَأْمُرُونَنَا بِمُعَانَدَةِ مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَذَرَّعَ هَؤُلاَءِ بِهِذِهِ الحُجَجِ الوَاهِيَةِ مِنْ الشبَه لِيَسْتُرُوا بُخْلَهُمْ بِأْمْوَالِهِمْ أَنْ يُنْفِقُوهَا فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ اللهُ، وَفِي مُوَاسَاةِ عِبَادِ اللهِ، واللهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَ جَمِيعَ خَلْقِهِ. وَلَكِنَّهُ يَبْتَلِي الخَلْقَ بالأَوَامِر والزَّوَاجِرِ لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُ أمرَهُ، وَيَمْتَثِلُ لِمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ يُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ.
(٤٨) - وَيَقُولُونَ لِلْمُؤِمِنِينَ، اسْتِهْزَاءً وَإِنْكَاراً لِقِيَامِ السَّاعَةِ والحِسَابِ وَالجَزَاءِ: مَتَى يَقَعُ البَعْثُ الذِي تُخَوِّفُونَنَا بِهِ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا تَقُولُونَ؟
(٤٩) - وَيَرُدُّ اللهُ تََعَالَى عَلَى سُؤَالِ هَؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ المُسْتَهْزِئينَ بِالرُّسُلِ: إِنَّهُمْ لاَ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ نَفْخَةً وَاحِدَةً في الصُّورِ فَتَأخُذُ جَمِيعَ من فِي الأَرْضِ مِنَ الخَلاَئِقِ بَغْتَةً، وَهُمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ، يَتَجَادَلُونَ وَيَتَخَاصَمُونَ فِي شُؤُونِ الدُّنْيَا، فَتَصْعَقُ الخَلاَئِق جَمِيعاً.
صَيْحَةً وَاحِدَةً - نَفْخَةَ المَلَكِ فِي الصُّورِ التي تَصْعَقُ أَهْلَ الأَرْضِ يَخِصِّمُونَ - يَتَخَاصَمُونَ فِي أُمُورِهِمْ وَهُمْ غَافِلُونَ.
الأَجْدَاثِ - القُبُورِ.
يَنْسِلُونَ - يُسْرِعُونَ فِي الخُرُوجِ والمَشْيِ.
(٥٢) - فَيَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ بَعَثَنا مِنْ قُبُورِنَا التي كُنَّا نَرْقُدُ فِيهَا بَعْدَ حَيَاتِنَا الدُّنْيا (فَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا كَانُوا لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَيُبَعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِذَلِكَ يَسْتَغِرِبُونَ بَعْثَهُمْ هَذَا).
وَيَردُّ عَلَيْهِم المُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ: هَذَا البَعْثُ الذِي تَرَوْنَهُ هُوَ الذِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ بِهِ عِبَادَهُ، وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ فِي إِخْبَارِهِمْ عَنْهُ.
(أَوْ أَنَّ هَذَا القَوْلَ يَقُولُهُ المُتَسَائِلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ).
(٥٣) - وَلَمْ يَحْتَجِ الأَمَرُ فِي بَعْثِهِمْ وَإِعَادَتِهِمْ إِلَى الحَيَاةِ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَفْخَةٍ فِي الصُّورِ، فَإِذَا جَمِيعُ الخَلاَئِقِ قَدْ أُحْضِرُوا بَيْنَ يَدَي اللهِ تَعَالَى لِلْحَسَابِ والجَزَاءِ.
مُحْضَرُونَ - نُحْضِرُهُمْ لِلْحِسَابِ والجَزَاءِ.
(٥٥) - وَيَكُونُ أَصْحَابُ الجَنَّةِ فِي ذَلِكَ اليَومِ فَرحِينَ سُعَدَاءَ يَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّاتِهَا، وَيَكُونُونَ فِي شُغَلٍ بِذَلِكَ النَّعِيمِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ.
الفَاكِهُ - الفَرِحُ المُسْتَبْشِرُ، الضَّحُوكُ، الهَادِئُ النَّفْسِ.
(٥٦) - وَيَكُونُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ وَارِفَةٍ لاَ يُصِيبُهم فِيهَا لَفْحُ الشَّمْسِ، وَهُمْ جَالِسُونَ عَلَى الأَرَائِكِ، وَمُتَّكِئُونَ عَلَيْهَا فِي وَضْعِ المُنعَّمِ المُرْتَاحِ فِي جَلْسَتِهِ.
الأَرَائِكِ - السُرُرِ.
(٥٧) - وَلَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ، وَكُلُّ مَا يَتَمَنَّوْنَهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ.
يَدَّعُونَ - يَتَمَنَّوْنَ أَوْ يَطْلُبُونَ.
(٥٨) - وَيُقَالُ لَهُم: سَلاَمٌ قَوْلاً صَادِراً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ.
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " بَينَا يَكُونُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِي نَعِيمهِمْ إِذْ سَطَعَ عَلَيْهِمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَلاَمٌ قَولاً مِنْ رَبٍّ رَحِيم). قَالَ فَيْنظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتجِبَ عَنْهُم، وَيَبْقَى نُورُهَ وَبَرَكَتهُ عَلَيْهِمْ وَفِي دِيَارِهِمْ ") (أَخْرَجَهُ ابنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ).
وَقَولاً - مَصْدَرٌ - أَيْ يَقُولُ اللهُ ذَلِكَ قَوْلاً.
(٥٩) - وَيُؤْمَرُ المُجْرِمُونَ بِالامْتِيَازِ عَنِ المُؤْمِنِينَ فِي مَوْقِفِهِمْ، وَبِاعْتِزَالِهِمْ وَبِدُخُولِ النَّارِ.
امتَازُوا - تَمَيَّزُوا وانْفَردُوا عَنِ المُؤْمِنِينَ.
(٦٠) - أَلَمْ أُوْصِكُم يَا بَني آدَمَ أَنْ تَتْرُكُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِيمَا يُوَسْوِسُ لَكُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ رَبِّكُمْ، وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، لأَنَّهُ عَدُوٌّ لَكُمْ ظَاهِرُ العَدَاوَةِ، وَكَانَ عَدُواً لأَبِيكُم آدَمَ مِنْ قَبْلُ. فَقَدْ خَلَقْتُ لَكُمُ العُقُولُ لِتُدْرِكُوا بِهَا الأَشْيَاءَ، وَتَفَرِّقُوا بَيْنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، والحَسَنِ والقَبِيحِ، وَنَصَبْتُ لَكُم الأَدْلَّةَ، فِي الأَنْفِسِ والآفَاقِ عَلَى وُجُودِ خَالِقِكُم، وَعَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَرْسَلْتُ لَكُم الأَنْبِيَاءَ، وَأَنْزَلْتُ عَلِيْكُمْ الكُتُبَ وَفِيهَا الشَّرَائِعُ وَأُمُورُ الدِّينِ، لِيَعِظُوكُمْ بِهَا، وَلِيَدْعُوكُم إِلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ لَكُمْ.
أَلَمْ أَعْهَدْ - أَلَمْ أُوْصِكُمْ وَأُكَلِّفْكُمْ.
(٦١) - وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِعِبَادَتِي وَحْدِي، وَبِإِطَاعَةِ أَمْري، وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ. وَهَذَا الذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَتِي، والذِي نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ إِطَاعَةِ الشَّيْطَانِ، هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ المُوصِلُ إِلَيَّ، وَلَكِنَّكُمْ سَلَكْتُم غَيْرَه، واتَّبَعْتُمْ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ فَضَلَلْتُم، وَكَانَتْ عَاقِبَتُكُمْ سَيِّئَةً.
جِبلاًّ - خَلْقاً أَوْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً.
اصْلَوْهَا - ادْخُلُوهَا وَقَاسُوا حَرَّهَا.
(٦٥) - وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ يُنْكِرُ الكُفَّارُ والمُجْرِمُونَ ما اجْتَرَحُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ كُفْرٍ وَتَكْذِيبٍ وَآَثَامٍ، وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ رَبِّهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُمْ مَا فَعَلُوا مَا وَجَدُوهُ فِي صُحَفِ أَعْمَالِهِمْ... فَيَخْتِمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَفْوَاهِهِمْ كَيْلاَ تَنْطِقِ، وَيَسْأَلُ جَوَارِحَهُمْ (أَيْدِيَهمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَأَعْيُنهمْ) عَمّا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الفُسُوقِ والمَعَاصِي.. فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ.
(٦٦) - وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى لَعَاقَبَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ فَجَعَلَهُمْ عُمْياً لاَ يُبْصِرُونَ طَرِيقاً، وَلاَ يَهْتَدُونَ إِلَى سَبِيلٍ، فَيَاْخُذُونَ فِي التَّدَافَعِ، مُتَزَاحِمِينَ عَلَى الصِّرَاطِ لِيَعْبُرُوهُ، فَيَتَسَاقَطُونَ عَنْهُ فِي النَّارِ.
(وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: وَلَوْ نَشَاءُ لأَضْلَلْنَاهُمْ عَن الهُدَى فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟)
لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ - لَصَيَّرْنَاهَا مَمسُوخَةً لاَ يُرَى لَهَا فَتْحَةٌ.
فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ - ابْتَدَرُوا الطَرِيقَ لِيَجُوزُوهُ.
فَأَنَّى يُبْصِرُونَ - فَكَيْفَ يُبْصِرُونَ الطَّرِيقَ وَقَدْ طُمِسَت أَعْيُنُهُمْ.
(٦٧) - وَلَوْ نَشَاءُ تَغيِيرَ صُوَرِهِمْ لَغَيَّرنَا خَلْقَهُمْ، مِنْ حَالِهِمْ تِلْكَ، إِلَى حَالٍ أَسْوأَ وَأَقْبَحَ، فَجَعَلْنَاهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ أَوْ حِجَارَةً فَيَلْزَمُونَ حَالاً وَاحِدةً، لاَ يَتَقَدَّمُونَ عَنْهَا، وَلاَ يَتَأَخَّرُونَ.
(أَوْ فَيَلْزَمُونَ أَمَاكِنَهُمْ التي هُمْ فِيها لا يَتَقَدَّمُونَ إِلى الأَمَامِ، ولا يَتَأَخَّرونَ إِلى الوَرَاءِ).
نُعَمِّرهُ - نُطِيلُ عُمرَهُ.
نُنَكِّسُهُ فِي الخَلْقِ - نَرُدُّهُ إِلَى أَرْذَلِ العُمْرِ.
(٦٩) - وَمَا عَلَّمْنَا رَسُولَنَا الشِّعْرَ، وَمَا يَصِحُّ لَهُ، وَلاَ يَلِيقُ بِهِ، بِسَبَبِ مَكَانَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، أَنْ يَكُونَ شَاعِراً، وَإِنَّ الشِّعْرَ لاَ يَصْلُحُ لَهُ، لأَنَّ الشِّعْرَ تُثِيرُهُ فِي النَّفْسِ أَهْوَاءٌ وَضَغَائِنُ، والشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ، وَالدِّيَانَاتُ، تَتَنَزَّهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ الذِي يَجْرِي عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمدٍ ﷺ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ وَاضِحٌ، مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لاَ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ.
(٧٠) - لِيَنْتَفِعَ بِذِكْرِهِ وَإِنْذَارِهِ مَنْ كَانَ حَيَّ القَلْبِ، مُسْتَنيرَ البَصِيرَةِ، فَيَرْشُدَ بِهَديِهِ. أَمَّا الكَافِرُونَ الذينَ هُمْ فِي حُكْمِ الأَمْوَاتِ فَإِنَّ كَلِمَةَ العَذَابِ تَحِقُّ عَلَيْهِمْ لِقِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَالقُرْآنُ رَحْمَةٌ لِلمُؤْمِنينَ، وُحُجَّةٌ عَلَى الكَافِرِينَ.
(٧١) - أَوَ لَمْ يُشَاهِدْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ أَنَّنَا خَلَقْنَا لَهُمْ بِأَيْدِينَا أَنْعَاماً: مِنَ الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ، يُصَرِّفُونَهَا كَيْفَ شَاؤُوا.
(٧٢) - وَأَخْضَعْنَاهَا لَهُمْ، فَجَعَلنَاهَا لَهُمْ، فَجَعَلنَاهَا مُنقَادَةً يَرْكَبُونَها، وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا، وَيَنْحَرُونَها، وَيَأْكُلُونَ مِن لُحُومِها.
ذلَّلْنَاهَا لَهُمْ - صَيَّرْنَاهَا مُسَخَّرَةً مُنْقَادَةً لَهُمْ.
(٧٤) - واتَّخَذَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللهِ، طَمَعاً فِي أَنْ تَنْصُرَهُمْ، وَتَدْفَعَ عَنْهُم العَذَابَ، وَأَنْ تُقَرِّبَهم إِلَى اللهِ زُلْفَى.
وَقَدْ كَانَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ كَالجُنْدِ حَوْلَ هَذِهِ الآلِهَةِ يَذُبُّونَ عَنْهَا، وَيَدْفَعُونَ عَنْهَا مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِهَا شَرّاً، وَهِيَ فِي الآخِرَةِ لاَ تَنْفَعُهُمْ وَلاَ تَنْصُرُهُمْ.
جُنْدٌ مُحْضَرُونَ - الأَصْنَامُ جُنْدٌ مُعَدُّونَ لِلْكُفَّارِ، وَنُحْضِرُهُمْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ.
(٧٧) - جَاءَ أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ، أَخَذ َيَفُتُّه وَيَذْرُوه بِيدَيهِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ ﷺ:
أَتَزْعمُ أنَّ اللهَ يَبْعَثُ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
نَعَمْ يُمِيتُكَ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ والتي تَلِيهَا.
وَالآيَةُ عَامَّةٌ فِيهَا رَدٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ البَعْثَ بِالبَدْءِ عَلَى الإِعَادَةِ؟ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفَةٍ حَقِيرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا شَيْئاً يُذْكَرُ، ثُمَّ جَعَلَهُ بَشَراً سَوِيّاً، فَأَخَذَ يُخَاصِمُ رَبَّهُ، وَيُنْكِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى إِحْيَاءِ العِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ بَالِيَةٌ؟
(٧٨) - وَذَكَرَ أَمْراً عَجِيباً يَنْفِي بِهِ قُدْرَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الخَلْقِ، بَعْدَ أَنْ يَمُوتُوا، وَتَبْلَى عِظَامَهُمْ، وَتُصْبحَ رَمِيماً، فَقَالَ: مَنْ يُحْيي العِظَامَ حِينَما تُصْبحُ رَمِيماً؟
وَنَسِيَ هَذَا الإِنْسَانُ الخَصِيمُ خَلْقَ اللهِ لَهُ مِنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفةٍ مَهِينَةٍ، ثُمَّ جَعْلَهُ بَشَراً سَوياً. وَمَنْ فعَلَ ذَلِكَ لاَ يُعْجِزُهُ أَنْ يُعِيدَ الأَمْوَاتَ إِلَى الحَيَاةِ.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " إِنَّ رَجُلاً حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ وآيَسَ مِنَ الحَيَاةِ، فَأَمَرَ بَنِيهِ أَنْ يَحْرِقُوهُ، ثُمَّ يَسْحَقُوهُ، ثُمَّ يَدرُوا نِصْفَه فِي البَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ فِي يَومٍ رَائِحٍ (شَدِيدِ الرِّيحِ)، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فَيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَمَا تَلاَهُ أَنْ غَفَرَ لَهُ ") (رواه الإِمَام أحمد).
(٨١) - يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى الكَافِرِينَ المُنْكِرِينَ قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِ العِظَام بَعْدَ أَنْ تُصْبِحَ رَمِيماً، إِلَى أَنْ خَلْقَ مِثْلِ هَذِهِ العِظَامِ الرَّمِيمِ لَيسَ بِأَعْظَم مِنْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنْ عَجَائِبَ وَمَخْلُوقَاتٍ وَكَوَاكِبَ.. وإِذَا كَانَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَهُوَ الأَعْظَمُ، لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْجِزْهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى، فَإِنَّ إِعَادَةَ بَعْثِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ الأَسْهَلُ، لَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ.
بَلَى إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَدُّهُ هُوَ الخَلاَّقُ، الذِي خَلَقَ كُلَّ مَا فِي الوُجُودِ، العَلِيمُ بِخَلْقِهِ وَأَحوَالِهِمْ، وَمَا يَتَفَتَّتُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، وَيَتَبَعْثَرُ فِي التُّرَابِ، وَلاَ يَفُوتُهُ شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ.
بَلَى - إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مِثْلِهِمْ.
(٨٣) - تَنَزَّهَ اللهُ رَبُّنَا الذِي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ. وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً.
مَلَكُوتُ - المُلْكُ التَّامُّ العَظِيمُ.