تفسير سورة المعارج

التفسير الميسر
تفسير سورة سورة المعارج من كتاب التفسير الميسر .
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( ١ ) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ( ٢ ) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ( ٣ ) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( ٤ ) ﴾
دعا داع من المشركين على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم، وهو واقع بهم يوم القيامة لا محالة،
ليس له مانع يمنعه
من الله ذي العلو والجلال،
تصعد الملائكة وجبريل إليه تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا، وهو على المؤمن مثل صلاة مكتوبة.
﴿ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ( ٥ ) ﴾
فاصبر -يا محمد- على استهزائهم واستعجالهم العذاب، صبرًا لا جزع فيه، ولا شكوى منه لغير الله.
﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ( ٦ ) وَنَرَاهُ قَرِيباً ( ٧ ) ﴾
إن الكافرين يستبعدون العذاب ويرونه غير واقع،
ونحن نراه واقعًا قريبًا لا محالة.
﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ( ٨ ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ( ٩ ) ﴾
يوم تكون السماء سائلة مثل حُثالة الزيت،
وتكون الجبال كالصوف المصبوغ المنفوش الذي ذَرَتْه الريح.
﴿ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ( ١٠ ) ﴾
ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه ؛ لأن كل واحدٍ منهما مشغول بنفسه.
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( ١١ ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( ١٢ ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ ( ١٣ ) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ ( ١٤ ) ﴾
يرونهم ويعرفونهم، ولا يستطيع أحد أن ينفع أحدًا. يتمنى الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأبنائه،
وزوجه وأخيه،
وعشيرته التي تضمه وينتمي إليها في القرابة،
وبجميع مَن في الأرض مِنَ البشر وغيرهم، ثم ينجو من عذاب الله.
﴿ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى ( ١٥ ) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ( ١٦ ) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ( ١٧ ) وَجَمَعَ فَأَوْعَى ( ١٨ ) ﴾
ليس الأمر كما تتمناه- أيها الكافر- من الافتداء، إنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب،
تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن،
تنادي مَن أعرض عن الحق في الدنيا، وترك طاعة الله ورسوله،
وجمع المال، فوضعه في خزائنه، ولم يؤدِّ حق الله فيه.
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ( ١٩ ) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ( ٢٠ ) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ( ٢١ ) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ( ٢٢ ) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ( ٢٣ ) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ( ٢٤ ) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( ٢٥ ) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ( ٢٦ ) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ( ٢٧ ) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ( ٢٨ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( ٢٩ ) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( ٣٠ ) ﴾
إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص،
إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى،
وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك،
إلا المقيمين للصلاة
الذين يحافظون على أدائها في جميع الأوقات، ولا يَشْغَلهم عنها شاغل،
والذين في أموالهم نصيب معيَّن فرضه الله عليهم،
وهو الزكاة لمن يسألهم المعونة، ولمن يتعفف عن سؤالها،
والذين يؤمنون بيوم الحساب والجزاء فيستعدون له بالأعمال الصالحة،
والذين هم خائفون من عذاب الله.
إن عذاب ربهم لا ينبغي أن يأمنه أحد.
والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرَّم الله عليهم،
إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين.
﴿ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ( ٣١ ) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( ٣٢ ) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ( ٣٣ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( ٣٤ ) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ( ٣٥ ) ﴾
فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فأولئك هم المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
والذين هم حافظون لأمانات الله، وأمانات العباد، وحافظون لعهودهم مع الله تعالى ومع العباد،
والذين يؤدُّون شهاداتهم بالحق دون تغيير أو كتمان،
والذين يحافظون على أداء الصلاة ولا يخلُّون بشيء من واجباتها.
أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة مستقرُّون في جنات النعيم، مكرمون فيها بكل أنواع التكريم.
﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ( ٣٦ ) عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ ( ٣٧ ) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ( ٣٨ ) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾
فأيُّ دافع دفع هؤلاء الكفرة إلى أن يسيروا نحوك -يا محمد- مسرعين، وقد مدُّوا أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك،
يتجمعون عن يمينك وعن شمالك حلقًا متعددة وجماعات متفرقة يتحدثون ويتعجبون ؟
أيطمع كل واحد من هؤلاء الكفار أن يدخله الله جنة النعيم الدائم ؟
ليس الأمر كما يطمعون، فإنهم لا يدخلونها أبدًا. إنَّا خلقناهم مما يعلمون مِن ماء مهين كغيرهم، فلم يؤمنوا، فمن أين يتشرفون بدخول جنة النعيم ؟
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ( ٤٠ ) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ( ٤١ ) ﴾
فلا أقسم برب مشارق الشمس والكواكب ومغاربها، إنا لقادرون
على أن نستبدل بهم قومًا أفضل منهم وأطوع لله، وما أحد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده.
﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ ( ٤٢ ) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ( ٤٣ ) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ( ٤٤ ) ﴾
فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب،
يوم يخرجون من القبور مسرعين، كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة مِن دون الله، يهرولون ويسرعون،
ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض، تغشاهم الحقارة والمهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون.
Icon