تفسير سورة الفرقان

إيجاز البيان
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان .
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

ومن سورة الفرقان
١ تَبارَكَ تفاعل من البركة، وهي الكثرة في كل خير «١».
وقيل: أصله الثبوت، من بروك الإبل «٢».
[٦٩/ أ] نَذِيراً: داعيا إلى الرشد وصارفا عن الغيّ، ويجوز صفة للنبي/ ﷺ وللقرآن «٣».
٦ يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: أي: أنزله على مقتضى علمه ببواطن الأمور.
٩ فَضَلُّوا: ناقضوا إذ قالوا: اختلقها وافتراها وقالوا فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ «٤».
١٣ وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً: في الحديث «٥» :«إنهم يستكرهون في
(١) عن معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٥٧.
وانظر معاني الفراء: ٢/ ٢٦٢، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١٠، وتفسير الطبري:
١٨/ ١٧٩.
(٢) ينظر المفردات للراغب: ٤٤، وتفسير الفخر الرازي: ٢٤/ ٤٤، وتفسير القرطبي: ١٣/ ١، واللسان: ١٠/ ٣٩٦ (برك).
(٣) تفسير البغوي: ٣/ ٣٦٠، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٢.
(٤) سورة الفرقان: آية: ٥.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٥٨٧ (سورة الفرقان) عن يحيى بن أبي أسيد مرفوعا وإسناده منقطع، ويحيى مسكوت عنه.
ينظر الجرح والتعديل: ٩/ ١٢٩.
وأورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تفسيره: ٦/ ١٠٥، ولم يعلق عليه، وكذا الشوكاني في فتح القدير: ٤/ ٦٦.
النار كما يستكره الوتد في الحائط».
مُقَرَّنِينَ: مصفّدين، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال «١»، أو قرنوا مع الشياطين «٢».
١٤ ثُبُوراً: هلاكا على هلاك «٣»، من ثابر على كذا: داوم.
١٦ وَعْداً مَسْؤُلًا: هو قول الملائكة: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ «٤».
أو قول المؤمنين: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا «٥».
١٨ بُوراً: هلكى «٦». أو كاسدين، من بوار التجارة، وبوار الأرض تعطيلها من الزرع «٧».
١٩ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً: صرف العذاب «٨»، أو الصّرف: الحيلة «٩»
(١) تفسير الطبري: ١٨/ ١٨٧.
(٢) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: ٣/ ١٥٠ عن يحيى بن سلام.
(٣) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١٠، وتفسير الطبري: ١٨/ ١٨٨، ومعاني القرآن للزجاج: ٤/ ٥٩، والمفردات للراغب: ٧٨، واللسان: ٤/ ٩٩ (ثبر). [.....]
(٤) من آية ٨ سورة غافر.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦٠، وتفسير الماوردي: ٣/ ١٥١، وزاد المسير: ٦/ ٧٧.
(٥) من آية ١٩٤ سورة آل عمران.
وذكر الفراء هذا القول في معانيه: ٢/ ٢٦٣، والطبري في تفسيره: ١٨/ ١٨٩، وابن الجوزي في زاد المسير: ٦/ ٧٧.
(٦) مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ٧٢، وغريب القرآن لليزيدي: ٢٧٦، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١١، وتفسير الطبري: ١٨/ ١٩٠، والمفردات للراغب: ٦٥.
(٧) تفسير الطبري: ١٨/ ١٩١، ومعاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦١، وتفسير الماوردي: ٣/ ١٥٢، والمفردات للراغب: ٦٥، واللسان: ٤/ ٨٦ (بور).
(٨) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١٨/ ١٩٢، ١٩٣) عن مجاهد، وابن زيد.
وانظر معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦١، والمفردات للراغب: ٢٧٩.
(٩) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣١١، ونقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ١٥٢ عن ابن قتيبة.
وانظر تفسير البغوي: ٣/ ٣٦٤، واللسان: ٩/ ١٨٩ (صرف).
و «الصّيرفيّ» لاحتياله في الاستيفاء إذا اتزن والتطفيف إذا وزن «١».
٢٠ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ: أي: إلّا قيل إنهم ليأكلون «٢».
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً: هو افتنان المقلّ بالمثري والضّويّ «٣» بالقويّ.
أَتَصْبِرُونَ: أي: على هذه الفتنة أم لا تصبرون فيزداد غمكم.
وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً: بالحكمة في اختلاف المعاش.
ويحكى أنّ بعض الصالحين تبرّم «٤» بضنك عيشه، فخرج ضجرا فرأى أسود خصيا في موكب عظيم، فوجم لذلك، فإذا بإنسان قرأ عليه: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ فتنبّه وازداد تبصّرا أو تصبّرا.
٢١ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لا يخافون «٥»، وجاز «يرجو» بمعنى يخاف لأنّ الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف.
٢٢ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً: كان الرجل في الجاهليّة يقول لمن يخافه في أشهر الحرم: حِجْراً مَحْجُوراً: أي: حراما محرّما عليك قتلي في هذا الشهر، فلا يبدأه بشرّ، فإذا كان القيامة رأى المشركون ملائكة
(١) ينظر الصحاح: ٤/ ١٣٦٨، واللسان: ٩/ ١٩٠ (صرف).
(٢) ذكره البغوي في تفسيره: ٣/ ٣٦٤، وقال: «كما قال في موضع آخر: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [سورة فصلت: آية: ٤٣].
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: ١٣/ ١٣، وغرائب التفسير للكرماني: ٢/ ٨١٢.
(٣) الضّوى: الضعيف.
النهاية: ٣/ ١٠٦، واللسان: ١٤/ ٤٨٩ (ضوا).
(٤) أي: سئم وملّ.
ينظر النهاية: ١/ ١٢١، والصحاح: ٥/ ١٨٦٩، واللسان: ١٢/ ٤٣ (برم).
(٥) ذكره الفراء في معانيه: ٢/ ٢٦٥، وقال: «وهي لغة تهامية، يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحد. من ذلك قول الله: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، أي:
لا تخافون له عظمة... »
.
العذاب فقالوا: حِجْراً مَحْجُوراً وظنوا أنّه ينفعهم «١».
٢٣ وَقَدِمْنا: عمدنا وقصدنا «٢».
مِنْ عَمَلٍ: من قرب.
٢٤ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا: موضع قائلة، ولا نوم في الجنّة إلا أنه من تمهيدها تصلح للنوم.
تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ: أي: عن الغمام، وهو نزول الملائكة منها في الغمام «٣» /.
٢٧ يَعَضُّ الظَّالِمُ: وذلك فعل النّادم والغضبان، وفي المثل: يعلك على الأرّم و «يحرق» أيضا «٤». والأرّم الأصابع.
٢٨ يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا: في عقبة «٥» بن أبي معيط، كان يجالس النّبيّ ﷺ وسمع القرآن فقال له أبيّ بن خلف: تجالسه وهو يسفّه أحلام قريش، وجهي من وجهك حرام حتى تشتمه، ففعل، فلمّا قتل من بين الأسارى قال: أأقتل من بين قريش؟!.
(١) نص الكلام السالف في زاد المسير: (٦/ ٨٢، ٨٣) عن ابن فارس.
وانظر نحوه في تفسير الطبري: ١٩/ ٣، وتفسير البغوي: ٣/ ٣٦٥، والمحرر الوجيز:
١١/ ٢٦، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٢١.
(٢) عن معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦٤، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: ١١/ ٢٧: «ومعنى الآية: وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا إذ لا نية معها، فجعلناها على ما تستحق لا تعدل شيئا، وصيرناها هباء منثورا، أي: شيئا لا تحصيل له».
(٣) تفسير الطبري: ١٩/ ٦. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٦/ ١١٤: «يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق القمر وتفطرها وانفراجها بالغمام، وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السماء يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء». [.....]
(٤) اللسان: ١٣/ ١٤ (أرم).
(٥) عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن عبد شمس، كان شديد الأذى للمسلمين في أول أمر الإسلام بمكة، أسر يوم بدر ثم قتل.
السيرة لابن هشام: ١/ ٧٠٨، والروض الأنف: ٣/ ٦٥.
فتمثّل عمر: حنّ قدح ليس منها «١»، وقال: فمن للصّبية؟ فقال عليه السلام: [النار] «٢».
٣٠ هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً: بإعراضهم عن التدبر فيه «٣»، أو بقولهم فيه بالهجر «٤».
٣١ وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ: أي: جعلنا ببياننا أنهم أعداؤهم، كما تقول: جعله لصا «٥».
(١) ورد هذا المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد: ٢٨٥، ومجمع الأمثال للميداني: ١/ ٣٤١، والجمهرة للعسكري: ١/ ٣٧٠، والمستقصى للزمخشري: ٢/ ٦٨، واللسان: ١٣/ ١٣٠ (حنن)، ويضرب هذا المثل للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم، أو يمتدح بما لا يوجد فيه.
والهاء في «منها» راجعة إلى القداح.
(٢) في الأصل «النكد»، والمثبت في النص موافق لما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: ٣٧٦ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأشار إليه ناسخ الأصل المعتمد هنا إلى وروده في نسخة أخرى.
وورد خبر عقبة- أيضا- في السيرة لابن هشام: ١/ ٣٦١، ودلائل النبوة لأبي نعيم:
(٢/ ٦٠٦، ٦٠٧).
وأسباب النزول للواحدي: ٣٨٥، وتفسير البغوي: ٣/ ٣٦٧، والتعريف والإعلام للسهيلي: ١٢٣، الذي قال: «وكني عنه ولم يصرح باسمه لئلا يكون هذا الوعيد مخصوصا به ولا مقصورا عليه، بل يتناول جميع من فعل مثل فعليهما والله أعلم» اه.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٦/ ١١٦: «وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم... ».
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ١٩/ ٩ عن ابن زيد، ونقله الماوردي في تفسيره:
٣/ ١٥٦ عن ابن زيد أيضا.
قال الطبري رحمه الله: «وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، وذلك هجرهم إياه».
(٤) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣١٣: «والهجر الاسم، يقال: فلان يهجر في منامه، أي: يهذي، وفي معاني الزجاج: ٤/ ٦٦: «والهجر ما لا ينتفع به من القول، وكانوا يقولون إن النبي ﷺ يهجر».
(٥) ذكر الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: ٢٤/ ٧٧ عن أبي علي الجبائي، ورده بقوله: «إن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلا، لأن من بيّن لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل قدمه».
وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً: يجوز حالا وتمييزا «١».
٣٢ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ: أي: باتصال الوحي، أو لنثبته في فؤادك بالإنزال متفرقا.
وَرَتَّلْناهُ: فصّلناه، والرّتل في الثّغر أن يكون مفلّجا لا لصص فيه «٢».
والقرية التي أمطرت مطر السوء «٣» : سدوم قرية لوط «٤» عليه السلام.
٤٥ مَدَّ الظِّلَّ: أي: اللّيل لأنّه ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها.
وقيل «٥» : هو ما بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
(١) ينظر معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦٦، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٢٨، والبحر المحيط:
٦/ ٤٩٦.
(٢) جاء في لسان العرب: «وثغر رتل ورتل: حسن التنضيد مستوى النبات، وقيل: المفلّج، وقيل: بين أسنانه فروج لا يركب بعضها بعضا».
والفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة.
واللّصص: تقارب ما بين الأضراس حتى لا ترى بينها خللا».
ينظر اللسان: ٢/ ٣٤٦ (فلج)، ٧/ ٨٧ (لصص)، ١١/ ٢٦٥ (رتل).
(٣) في قوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ... [آية: ٤٠].
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ١٩/ ١٦ عن ابن جريج.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٦/ ٢٥٩، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٦٩، وتفسير الماوردي: ٣/ ١٥٨، وتفسير ابن كثير: ٦/ ١٢١، ومفحمات الأقران: ١٤٩.
(٥) ذكره الفراء في معاني القرآن: ٢/ ٢٦٨، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣١٣.
وأخرجه الطبري في تفسيره: ١٩/ ١٨ عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: ٤/ ٧٠، وتفسير البغوي: ٣/ ٣٧٠، وزاد المسير:
٦/ ٩٣.
وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً: أي: بإبطال كلتي الحركتين: الغربيّة التي بها النهار واللّيل، والشّرقية التي بها فصول السّنة.
ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا: إذ كان طول الظل وقصره بحسب ارتفاع الشّمس وانحطاطها ولأنّ الظلّ إذا لم يدرك أطرافه لم يسمّ ظلا بل ظلاما وليلا.
٤٦ ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا: [هو] «١» من الغداة إلى الظهيرة، والظلّ هو المخصوص بالقبض «٢» كما أنّ الفيء مخصوص بالبسط وهذه الإضافة لأنّ غاية قصر الظل عند غاية تعالي الشمس، والعلو موضع الملائكة وجهة السّماء التي فيها أرزاق العباد، ومنها نزول الغيث والغياث، وإليها ترتفع أيدي الراغبين وتشخص أبصار الخائفين.
قَبْضاً يَسِيراً: خفيا سهلا «٣» لبطء حركة الظل بالقرب من نصف النهار.
[٧٠/ أ] و «النّشور» «٤» : الانتشار/ للمعايش «٥»، و «السبات» : قطع العمل «٦».
و «الأناسي» «٧» : جمع أنسي. ك «كرسي»، و «كراسيّ»، أو كان
(١) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٢) معاني القرآن للفراء: ٢/ ٢٦٨، وتفسير الطبري: ١٩/ ٢٠، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٣٧. [.....]
(٣) في تفسير الطبري: ١٩/ ٢٠: «وقيل: إنما قيل: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب كله دفعة، ولا يقبل الظلام كله جملة، وإنما يقبض ذلك الظل قبضا خفيا، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه جزء من الظلام».
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للفراء: ٢/ ٢٦٨، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١٣، وتفسير الماوردي: ٣/ ١٥٨.
(٤) من قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً [آية: ٤٧].
(٥) المفردات للراغب: (٤٩٢، ٤٩٣).
(٦) تفسير الماوردي: ٣/ ١٥٩، والمفردات: ٢٢١، واللسان: ٢/ ٣٨ (سبت).
(٧) من قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً [آية: ٤٩].
«أناسين» جمع «إنسان»، فعوّضت الياء من النون «١».
٥٠ وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا: أي: المطر مرّة هاهنا ومرة هناك «٢».
وعن ابن عباس «٣» رضي الله عنه: ما عام بأمطر من عام ولكنّ الله يصرّفه كيف يشاء.
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً: يقولون مطرنا بنوء كذا «٤».
٥٣ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: مرج وأمرج: خلّى «٥»، كأنّه أرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج.
حِجْراً مَحْجُوراً: لا يفسد أحدهما الآخر «٦».
٥٥ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً: على أولياء ربّه معينا يعاديهم «٧».
(١) عن معاني القرآن للفراء: ٢/ ٢٦٩، وانظر تفسير الطبري: ١٩/ ٢١، ومعاني الزجاج:
٤/ ٧١.
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ١٩/ ٢٢ عن ابن زيد، وأخرج نحوه عن مجاهد.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣١٤.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره: ١٩/ ٢٢، والحاكم في المستدرك: ٢/ ٤٠٣، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أيضا- البيهقي في السنن الكبرى: ٣/ ٣٦٣، كتاب صلاة الاستسقاء، باب «كثرة المطر وقلته».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٦/ ٢٦٤، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) ينظر تفسير الطبري: ١٩/ ٢٢، ومعاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧١، وتفسير الماوردي:
٣/ ١٦٠، وتفسير البغوي: ٣/ ٣٧٣.
(٥) في «ج» : خلط. وفي معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧٢: «معنى «مرج» خلّى بينهما، تقول:
مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى... ».
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ٧٧، وغريب القرآن لليزيدي: ٢٧٨، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١٤، وتفسير الطبري: ١٩/ ٢٣، واللسان: ٢/ ٣٦٤ (مرج).
(٦) معاني القرآن للفراء: ٢/ ٢٧٠، وتفسير الطبري: ١٩/ ٢٤، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٥٩.
(٧) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ١٦٢، وابن الجوزي في زاد المسير: ٦/ ٩٧ دون عزو.
قال الماوردي: «مأخوذ من المظاهرة، وهي المعونة».
﴿ وسبح بحمده ﴾ [ بالحق في صفته، أو سبح بحمده ]١احمده منزها له عما لا يجوز عليه.
١ سقط من أ..
أو كان هيّنا عليه لا وزن له «١»، من قولك: ظهرت بحاجتي إذا لم تعن بها.
٥٩ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً: سل بسؤالك إياه خبيرا، وسل به عارفا يخبرك بالحق في صفته.
٥٨ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ: احمده منزّها له عما لا يجوز عليه.
٦٢ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً: خلفا عن صاحبه فمن فاته من عمل في أحدهما قضاه في الآخر «٢»، أو إذا مضى أحدهما خلفه صاحبه «٣».
يقال: الأمر بينهم خلفة، أي: نوبة كل واحد يخلف صاحبه «٤»،
(١) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ٢/ ٧٧.
وأورده القرطبي في تفسيره: ١٣/ ٦٢، وقال: «هذا معنى قول أبي عبيدة».
وذكره الطبري في تفسيره: ١٩/ ٢٧، وعقب عليه بقوله: «وكأن «الظهير» كان عنده «فعيل» صرف من مفعول إليه من مظهور به، كأنه قيل: وكان الكافر مظهورا به... ».
وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٢٤/ ١٠٢: «وقياس العربية أن يقال «مظهور»، أي مستخف به متروك وراء الظهر، فقيل فيه «ظهير» في معنى «مظهور»، ومعناه: هين على الله أن يكفر الكافر وهو- تعالى- مستهين بكفره» اه.
(٢) ذكره الفراء في معانيه: ٢/ ٢٧١، وأخرجه الطبري في تفسيره: (١٩/ ٣٠، ٣١) عن عمر ابن الخطاب، وابن عباس، والحسن رضي الله تعالى عنهم.
ونقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ١٦٣ عن عمر رضي الله عنه، والحسن رحمه الله تعالى.
وأورد السيوطي في الدر المنثور: ٦/ ٢٧٠ رواية أبي داود الطيالسي عن الحسن: أن عمر أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: إنه بقي عليّ من وردي شيء وأحببت أن أتمه أو أقضيه. وتلا هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً... الآية، ولم أقف على هذا الخبر في مسند الطيالسي المطبوع. [.....]
(٣) ذكره الفراء في معانيه: ٢/ ٢٧١، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: ٢/ ٧٩، واليزيدي في غريب القرآن: ٢٧٩، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣١٤، وأخرجه الطبري في تفسيره: ١٩/ ٣١ عن مجاهد، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: ٧٧٢ (سورة الفرقان).
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٦/ ٢٧٠، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) المفردات للراغب: (١٥٥، ١٥٦)، واللسان: ٩/ ٨٦ (خلف).
والقوم خلفة، أي: مختلفون.
٦٣ وَعِبادُ الرَّحْمنِ: مرفوع إلى آخر السورة على الابتداء، وخبره:
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ «١».
هَوْناً: بسكينة ووقار دون مرح واختيال.
وقيل «٢» : حلماء علماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم.
قالُوا سَلاماً: تسلما منكم، أي: نتارككم ولا نجاهلكم «٣».
وقيل «٤» : سلما: سدادا من القول.
٦٥ غَراماً: هلاكا لازما «٥».
٦٨ أَثاماً: عقوبة وجزاء.
٦٩ يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ: عذاب الدنيا والآخرة، وجزمه على البدل لأن مضاعفة العذاب هي لقيّ الآثام «٦».
(١) من الآية: ٧٥، من سورة الفرقان، وهذا القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧٤.
ونقله النحاس في إعراب القرآن: ٣/ ١٦٧ عن الزجاج، وكذا مكي في مشكل إعراب القرآن: ٢/ ٥٢٤.
قال الزجاج: «ويجوز أن يكون قوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ رفعا بالابتداء، وخبره الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: ٦/ ٥١٢: «والظاهر أن وَعِبادُ مبتدأ، والَّذِينَ يَمْشُونَ الخبر»
اه.
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ١٩/ ٣٤ عن عكرمة، والحسن.
(٣) عن معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧٤.
(٤) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣١٥، وتمامه: «لا رفث فيه، ولا هجر».
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: ١٩/ ٣٥ عن مجاهد.
(٥) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ٨٠، وغريب القرآن لليزيدي: ٢٧٩، وتفسير الطبري:
١٩/ ٣٥، والمفردات للراغب: ٣٦٠.
(٦) هذا قول سيبويه في الكتاب: ٣/ ٨٧، وهو في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧٦، وإعراب القرآن للنحاس: ٣/ ١٦٨، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٧٧ عن سيبويه أيضا.
وقراءة الجزم لنافع، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم يضاعف بالرفع.
السبعة لابن مجاهد: ٤٦٧، والتبصرة لمكي: ٢٧٦، والتيسير للداني: ١٦٤.
قال مكي في مشكل إعراب القرآن: ٢/ ٥٢٦: «من جزم جعله بدلا من يَلْقَ لأنه جواب الشرط ولأن لقاء الأثام هو تضعيف العذاب والخلود فأبدل منه، إذ المعنى يشتمل بعضه على بعض، وعلى هذا المعنى يجوز بدل الأفعال بعضها من بعض، فإن تباينت معانيها لم يجز بدل بعضها من بعض».
وانظر حجة القراءات: ٥١٤، والكشف لمكي: ٢/ ١٤٧، والبيان لابن الأنباري:
٢/ ٢٠٩.
٧٠ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ: يغيّر أعمالهم أو يبدلها بالتوبة والندم على فعلها حسنات.
٧٢ مَرُّوا كِراماً: أي: مرّ الكرماء الذين لا يرضون باللّغو ومخالطة أهله.
٧٣ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها: لم يسقطوا عليها.
صُمًّا وَعُمْياناً: بل سجّدا وبكيا.
[٧٠/ ب] وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً: توحيده على المصدر «١»، أمّ إماما/ كقام قياما أو هو جمع آم كقائم وقيام، أو إمام نفسه جمع إمام، وإن كان على لفظه كقولهم: درع دلاص «٢» وأدرع دلاص، وناقة هجان «٣» ونوق هجان،
(١) ينظر هذا المعنى في الكشاف: ٣/ ١٠٤٠، والتبيان للعكبري: ٢/ ٩٩٢، وتفسير القرطبي:
١٣/ ٨٣.
(٢) درع دلاص: براقة ملساء لينة بينة الدّلص، ويقال: درع دلاص وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد».
انظر الصحاح: ٣/ ١٠٤٠، واللسان: ٧/ ٣٧ (دلص).
(٣) الهجان من الإبل: البيض الكرام ويستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، يقال: بعير هجان وناقة هجان.
وفي اللسان: ١٣/ ٤٣١ (هجن) عن ابن سيده: «الهجان من الإبل البيضاء الخالصة اللون».
وانظر تهذيب اللغة: ٦/ ٥٨، والصحاح: ٦/ ٢٢١٦ (هجن).
وفقهه أنه يكسر فعيل على فعال كثيرا، فيكسر فعال على فعال أيضا لأنّ فعيلا وفعالا أختان كلاهما ثلاثي الأصل وثالثة حرف لين، وقد اعتقبا أيضا على الشيء الواحد، نحو عبيد وعباد، وكليب وكلاب.
٧٧ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ: ما يصنع بكم «١»، أو أيّ وزن يكون لكم «٢» ؟.
لَوْلا دُعاؤُكُمْ: رغبتكم إليه وطاعتكم له، أو دعاؤه إياكم إلى طاعته.
وقيل «٣» : ما يصنع بعذابكم لولا ما تدعون من دونه.
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ: على القول [الأول] «٤» قصّرتم في طاعتي «٥».
لِزاماً: عذابا لازما.
(١) هذا قول الفراء في معانيه: ٢/ ٢٧٥، وذكره الطبري في تفسيره: ١٩/ ٥٥.
ونقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ١٦٩ عن مجاهد، وابن زيد.
ونقل الفخر الرازي في تفسيره: ٢٤/ ١١٦ عن الخليل: «ما أعبأ بفلان، أي: ما أصنع به.
كأنه يستقله ويستحقره»
.
(٢) في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٧٨: «وتأويل: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان، أي: ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك: عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض»
.
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ٨٢، وتفسير الطبري: ١٩/ ٥٥، والكشاف: ٣/ ١٠٣، والمفردات: ٣٢٠.
(٣) ذكر نحوه ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ٤٣٨، فقال: «في هذه الآية مضمر، وله أشكلت، أي: ما يعبأ بعذابكم ربي لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضح ذلك قوله: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، أي: يكون العذاب لمن كذب ودعا من دونه إلها لازما» اه.
وأشار الطبري في تفسيره: ١٩/ ٥٧ إلى قول ابن قتيبة فقال: «وقد كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تدعون من دونه من الآية والأنداد.
وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل»
. [.....]
(٤) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».
(٥) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ١٦٩، وقال: «مأخوذ من قولهم: قد كذب في الحرب، إذا قصّر».
Icon