تفسير سورة آل عمران

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة آل عمران مدنية اتفاقا وهي مائتا آية

٣ - ﴿بِالْحَقِّ) {بالصدق﴾ (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يخبر عما قبله خبر صدق دال على إعجازه، أو يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به. ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (٧) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (٨) ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (٩) ﴾
١١ - ﴿كدأب آل فِرْعَوْنَ﴾ كعادتهم في تكذيب الحق، أو في العقوبة على ذنوبهم. ﴿قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (١٢) قد كان لكم ءاية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشآء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (١٣) ﴾
١٢ - ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في قريش قبل بدر بسنة فأنجز الله - تعالى - وعده بمن قُتل ببدر، أو في يهود بني قينقاع لما حذرهم الرسول ﷺ ما نزل بأهل بدر، قالوا: لسنا بقريش الأغمار، أو نزلت في عامة الكفار. ﴿الْمِهَادُ﴾ ما مهدوه لأنفسهم، أو القرار.
١٣ - ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ المؤمنون ببدر. ﴿وأخرى كافرة﴾
253
قريش. ﴿يَرَوْنَهُم﴾ كان المؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر، والكفار ألف، أو ما بين تسعمائة إلى ألف، فرأى المؤمنون الكافرين مثلي عدد المؤمنين تقوية من الله - لقلوبهم، أو رأى الكافرون المؤمنين مثلي عددهم إضعافاً من الله - تعالى - لقلوبهم. ﴿زين للناس حب الشهوات من النسآء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب (١٤) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (١٥) ﴾
254
١٤ - ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ حُسِّن. والشهوة: من خلق الله - تعالى - ضرورية لا يقدر العبد على دفعها، زينها الشيطان، لأن الله - تعالى - ذمها، أو زينها الرب بما جعله في الطبع من المنازعة إليها، أو زين الله - تعالى - ما حسن وزين الشيطان ما قبح. ﴿القناطير﴾ القنطار: ألف ومائتا أوقية وهو مروي عن الرسول ﷺ أو الف دينار ومائتا دينار،
عن
254
الرسول ﷺ أيضاً، أو اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار، أو ثمانون ألفاً، من الدراهم، أو مائة رطل من الذهب، أو سبعون ألفاً، أو ملء مسك ثور ذهباً، أو المال الكثير. ﴿الْمُقَنطَرَةِ﴾ المقنطرة: المضاعفة، أو تسعة قناطر، أو المضروبة دراهم أو دنانير، أو المجعولة كذلك، لقولهم: " دراهم مدرهمة ". ﴿الْمُسَوَّمَةِ﴾ الراعية، أو الحسنة، أو المعلمة، أو المعدة للجهاد، أو من السيما مقصور وممدود. ﴿وَالأَنْعَامِ﴾ الإبل، والبقر / والغنم، ولا يفرد بعضها باسم النعم إلا الإبل. ﴿والحرث﴾ الزرع. ﴿الذين يقولون ربنآ إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (١٦) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (١٧) ﴾
255
١٧ - ﴿الصَّابِرِينَ﴾ عن المعاصي، أو الصائمين. ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعون، أو القائمون على العبادة. ﴿والمنفقين﴾ في الجهاد، أو في جميع البر. ﴿والمستغفرين﴾ المصلون، أو سائلو المغفرة بقولهم، أو الذين يشهدون الصبح في جماعة، والسحر من الليل: قبل الفجر. {شَهِدَ الله أنه لآ إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قآئماً بالقسط لآ إله إلاّ هو العزيز الحكيم (١٨) إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بئايات الله فإن الله سريع
255
الحساب (١٩) فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد (٢٠) }
256
١٨ - ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ أخبر، أو فعل ما يقوم مقام الشهادة. وشهادة الملائكة، وأولو العلم بما شاهدوه من دلائل الوحدانية ﴿بِالْقِسْطِ﴾ العدل.
١٩ - ﴿الدِّينَ﴾ هنا الطاعة أي طاعته هي الإسلام، من السلامة، لأنه يقود إليها، أو من التسليم، لأمره في العمل بطاعته. ﴿الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ اليهود، أو النصارى، أو أهل الكتب كلها. ﴿بَغْيَا﴾ عدول عن الحق بغير عناد.
٢٠ - ﴿أَسْلَمْتُ﴾ انقدت. ﴿وَجْهِىَ﴾ نفسي، انقدت بإخلاص التوحيد. ﴿الأميين﴾ الذين لا كتاب لهم، من الأمي الذي لا يكتب،
قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - " هم مشركو العرب ". ﴿أأسلمتم﴾ أمر ليس باستفهام. ﴿إن الذين يكفرون بئايات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (٢١) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (٢٢) ﴾
٢١ - ﴿يقتلون النبيين﴾
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عُبَّادهم
256
فأمروا القاتلين بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً آخر ذلك اليوم. ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون (٢٣) ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلآ أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون (٢٤) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفّيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (٢٥) ﴾
257
٢٣ - ﴿نَصِيباً﴾ حظاً، لأنهم لم يعلموا الكل. ﴿إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾ التوراة، أو القرآن لموافقته التوراة. ﴿ليحكم بينهم﴾ في نبوة محمد ﷺ أو إن الإسلام دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو في حد من الحدود.
٢٤ - ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ الأربعون التي عبدوا فيها العجل، أو سبعة أيام، أو أيام منقطعة لانقضاء العذاب فيها. ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ بقولهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] أو قولهم: ﴿لن تمسنا النار﴾. {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء
257
وتذل من تشآء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (٢٦) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشآء بغير حساب (٢٧) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلآ أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير (٢٨) قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير (٢٩) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد (٣٠) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (٣١) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (٣٢) }
258
٢٦ - ﴿مَالِكَ﴾ مالك الدنيا والآخرة، أو مالك العباد وما ملكوه، أو مالك النبوة ﴿تُؤْتِى الْمُلْكَ﴾ النبوة، أو السلطان. دعا الرسول ﷺ بأن يجعل الله - تعالى - ملك فارس والروم في أمته فنزلت ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ خص بالذكر، لأنه المعروف من فعله.
٢٧ - ﴿تولج الليل فِى النَّهَارِ﴾ تجعل كل واحد منهما بدلاًَ من الآخر، أو تدخل نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخر. ﴿وَتُخْرِجُ الْحَىَّ﴾ الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، الميْت
258
والميّت واحد، أو الميْت الذي مات وبالتشديد الذي لم يمت. ﴿إن الله اصطفىءادم ونوحاً وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين (٣٣) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (٣٤) ﴾
259
٣٣ - ﴿آل عِمْرَانَ﴾ موسى وهارون، أو المسيح - عليهم الصلاة والسلام لأن أمه بنت عمران، اصطفاهم بالنبوة، أو بتفضيلهم على أهل زمانهم، أو باختيار دينهم لهم.
٣٤ - ﴿بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ بالتناصر دون النسب، أو بالنسب، لأنهم من ذرية آدم ثم من ذرية نوح ثم من ذرية إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام -. ﴿إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم (٣٥) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتهآ أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (٣٦) ﴾
٣٥ - ﴿مُحَرَّرًا﴾ مُخلَصاً للعبادة، أو خادماً للبيعة، أو عتيقاً من أمر الدنيا لطاعة الله - تعالى -.
٣٦ - ﴿وَضَعْتُهَا أُنثَى﴾ اعتذرت بذلك لعدوله عن نذرها. ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾ إذ لا تصلح لخدمة بيت المقدس، ولصيانتها عن التبرج. ﴿وَإِنِّى أُعِيذُهَا﴾ من طعن الشيطان الذي يستهل به المولود، أو من إغوائه ﴿الرَّجِيمِ﴾ المرجوم بالشهب. {فَتَقَبَّلَهَا ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلّها زكريا كلما دخل عليها زكريا
259
المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشآء بغير حساب (٣٧) }
260
٣٧ - ﴿مًّحْكَمَاتٌ﴾ المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ، أو
251
المحكم: ما أحكم بيان حلاله وحرامه فلم يشتبه، والمتشابه: ما اشتبهت معانيه، أو المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً والمتشابه: ما احتمل أوجهاً، أو المحكم: ما لم يتكرر لفظه، المتشابه ما تكرر لفظه، أو المحكم: ما فهمه العلماء، والمتشابه ما لا طريق لهم إلى فهمه، كقيام الساعة، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وطلوع الشمس من مغربها، وجعله محكماً ومتشابهاً استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر. / ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾ آيات الفرائض والحدود، أو فواتح السور التي يستخرج منها القرآن. ﴿زَيْغٌ﴾ ميل عن الحق، أو شك. ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ الأجل الذي أرادت اليهود [أن] تعرفه من حساب الجُمَّل، أو معرفة عواقب القرآن في العلم بورود النسخ قبل وقته، أو نزلت في وفد نجران حاجوا الرسول ﷺ في المسيح عليه الصلاة والسلام فقالوا للرسول: أليس هو كلمة الله - تعالى - وروحه، فقال: بلى، فقالوا: حسبنا. ﴿الْفِتْنَةٍ﴾ الشرك، أو اللبس، أو الشبهة التي حاج بها وفد نجران. ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ تأويل جميع المتشابه، لأن في الناس من يعلم تأويل بعضه، أو يوم القيامة لما فيه من الوعد والوعيد. ﴿الراسخون﴾ الثابتون العاملون. {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً واولئك هم وقود
252
النار (١٠) كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذّبوا بئاياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (١١) }
253
٣٧ - ﴿فَتَقَبَّلَهَا﴾ رضيها في النذر. ﴿وَأَنبَتَهَا﴾ أنشأها إنشاء حسناً في غذائها وحسن تربيتها. ﴿الْمِحْرَابَ﴾ أكرم موضع في المجلس. ﴿رِزْقًا﴾ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، أو لم تُلقم ثدياً حتى تكلمت في المهد، وكان يأتيها رزقها من الجنة، وكان ذلك بدعوة زكريا - عليه الصلاة والسلام -. أو توطئة لنبوة المسيح عليه الصلاة والسلام ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ يأتيها الله - تعالى - به أو بعض الأولياء، بتسخير الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ من قول الله تعالى، أو من قول مريم - عليها السلام -. ﴿هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعآء (٣٨) فنادته الملآئكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين (٣٩) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشآء (٤٠) قال رب اجعل لي ءاية قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار (٤١) ﴾
260
٣٨ - ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ بإذنه له في ذلك، لأنه معجز فلا يطلب إلا بإذن، أو لما رأى خرق العادة في رزق مريم طمع في الولد من عاقر فدعا ﴿طَيِّبةَ) {مباركة﴾ (سَمِيعُ الدُّعَآءِ} مجيب الدعاء، لأن الإجابة بعد السماع.
٣٩ - ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ جبريل - عليه السلام -، أو جماعة من الملائكة.
260
﴿يحيي﴾ سماه الله - تعالى - " يحيى " قبل ولادته، قيل: لأنه حَيَا بالإيمان ﴿بِكَلِمَةٍ﴾ كتاب، أو بالمسيح، سمي بالكلمة، لأنه يُهتدى به كما يُهتدى بكلام الله - تعالى -، أو لأنه خلق بالكلمة من غير أب. ﴿وَسَيِّدًا﴾ حليماً، أو تقياً، أو شريفاً، أو فقيهاً عالماً، أو رئيساً على المؤمنين. ﴿وَحَصُورًا﴾ عنينا لا ماء له، أو لا يأتي النساء، أو لم يكن له ما يأتي به النساء لأنه كان كالنواة.
261
٤٠ - ﴿بَلَغَنِىَ الْكِبَرُ﴾، لأنه بمنزلة الطالب له. ﴿عَاقِرٌ﴾ لا تلد، وإنما قال ذلك بعد البشارة تعجباً من قدرة الله - تعالى - وتعظيماً لأمره، أو أراد [أن] يعلم على أي حال يكون؟ بأن يردا إلى شبابهما، أو على حال الكبر.
٤١ - ﴿أيه﴾ علامة لوقت الحمل لتعجيل السرور به. ﴿رَمْزًا﴾ تحريك الشفتين، أو الإشارة أو الإيماء. ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ﴾ منع من الكلام ولم يمنع من الذكر. ﴿بِالْعَشِيَ﴾ أصله الظلمة فسمي ما بعد الزوال عشياً لاتصاله بالظلام. / والعشا: ضعف البصر. ﴿الإبكار﴾ من الفجر إلى الضحى أصله التعجيل، لأنه تعجيل للضياء. ﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسآء العالمين (٤٢) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (٤٣) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (٤٤) ﴾
٤٢ - ﴿اصْطَفَاكِ﴾ لولادة المسيح، أو على عالمي زمانك. ﴿وطهرك﴾ من الكفر، أو من أدناس الحيض والنفاس. ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾ تأكيد للأصطفاء [أو]
261
الأول للعبادة، والثاني لولادة المسيح عليه الصلاة والسلام.
262
٤٣ - ﴿اقْنُتِى﴾ أَخلصي لربك، أو أديمي طاعته، أو أطيلي القيام في الصلاة. ﴿وَاسْجُدِى﴾ كان السجود في شرعهم مقدماً على الركوع، أو " الواو " لا ترتيب فيها، فكلمتها الملائكة معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام، أو توكيداً لنبوة المسيح - عليه الصلاة والسلام -، أصل السجود: الانخفاض الشديد، والركوع: دونه. ﴿مَعَ الرَّاكعِينَ﴾ افعلي كفعلهم، أو صلي في جماعة.
٤٤ - ﴿أنباء الغيب﴾ البشارة بالمسيح - عليه الصلاة والسلام - أصل الوحي: إلقاء المعنى إلى صاحبه، فيلقى إلى الرسل بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة ﴿فأوحى إِلَيْهِمْ﴾ [مريم: ١١].
(................. أوحى لها القرار فاستقرت)
﴿يلقون أقلامهم﴾ قالو نحن أحق بكفالتها، لأنها ابنة إمامنا وعالمنا وقال زكريا: " أنا أحق لأن خالتها عندي "، فاقترعوا على ذلك بأقلامهم وهي القداح - فأُصعد قلم زكريا في جرية الماء، وانحدرت أقلامهم مع الجرية، فقرعهم فكفلها، أو كفلها زكريا بغير قرعة، ثم أصابتهم أزمة ضعف بها عن مؤنتها فقال: ليأخذها أحدكم فتدافعوها فاقترعوا فقرعهم زكريا عليه الصلاة والسلام.
262
﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقّربين (٤٥) ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين (٤٦) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون (٤٧) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل (٤٨) ورسولاً إلى بني إسرآءيل أني قد جئتكم بئاية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (٤٩) ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بئاية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (٥٠) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (٥١) ﴾
263
٤٥ - ﴿الْمَسِيحُ﴾، لأنه مسح بالبركة، أو مسح بالتطهير من الذنوب.
٤٦ - ﴿الْمَهْدِ﴾ من التمهيد، تكلم فيه تبرئة لأمه، أو لظهور معجزته، وكان في المهد نبياً، لظهور المعجزة، أو لم يكن حينئذ نبياً وكان كلامه تأسيساً لنبوته. ﴿وَكَهْلاً﴾ حليماً، أو كهلاً في السن، والكهولة أربع وثلاثون سنة، أو فوق حال الغلام ودون حال الشيخ، أخذ من القوة، اكتهل النبت إذا طال وقوي، يريد يكلمهم كهلاً بالوحي، أو يتكلم صغيراً بكلام الكهل في السن. {فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون (٥٢) ربنآ ءامنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (٥٣) ومكروا ومكر الله والله خير
263
الماكرين (٥٤) }
264
٥٢ - ﴿أَنصَارِى إِلَى اللهِ﴾ مع الله، أو في السبيل إلى الله، أو من ينصرني إلى نصر الله. ﴿الْحَوَارِيُّونَ﴾ لبياض ثيابهم، أو كانوا قَصَّارين يبيّضون الثياب، أو هم خواص الأنبياء، لنقاء قلوبهم من الحور، وهو شدة البياض، ومنه الحواري من الطعام، استنصرهم ليمنعوه من قتل الذين أرادوا قتله، أو ليتمكن من إقامة الحجة وإظهار الحق، أو ليميز المؤمن من الكافر.
٥٣ - ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ثبت أسماءنا مع أسمائهم لننال مثل كرامتهم، أو صل ما بيننا وبينهم بالإخلاص على التقوى.
٥٤ - ﴿ومكروا﴾ بالمسيح - عليه الصلاة والسلام -، ليقتلوه فمكر الله - تعالى - بهم بالخيبة بإلقاء شَبَهه / على غيره، أو مكروا بإضمار الكفر ومكر الله لمجازاتهم بالعقوبة، وذكر ذلك للازدواج، كقوله - تعالى - ﴿فاعتدوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] وأصل المكر الالتفاف، الشجر المتلف مكر، فالمكر احتيال على الإنسان، لإلقاء المكروه به، والفرق بينه وبين الحيلة أنه لا يكون إلا لقصد الإضرار، والحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إضرار. ﴿إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (٥٥) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (٥٦) وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (٥٧) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (٥٨) ﴾
٥٥ - ﴿متوفيك﴾ قابضك إلى السماء من غير وفاة بموت، أو وفاة نوم
264
للرفع إلى السماء، أو مميتك، أو فيه تقديم معناه: رافعك ومتوفيك بعد ذلك. ﴿الي﴾ إلى سمائي، أو كرامتي. ﴿ومطهرك﴾ بإخراجك من بينهم، أو بمنعهم من قتلك. ﴿فوق الذين كفروا﴾ بالحجة، أو بالعز والغلبة.
﴿الذين اتبعوك﴾ الذين آمنوا بك فوق الذين كذبوا عليك، أو النصارى فوق، إذ النصارى أعز من اليهود فلا مملكة لليهود بخلاف الروم. ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (٥٩) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (٦٠) فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين (٦١) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (٦٢) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (٦٣) ﴾
265
٦١ - ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ﴾ الضمير لعيسى عليه الصلاة والسلام، أو للحق [ ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ﴾ ] المدعو للمباهلة نصارى نجران. ﴿نَبْتَهِلْ﴾ نلتعن، أو ندعو بالهلاك.
(................. نظر الدهر إليهم فابتهل)
أي دعا عليهم بالهلاك، لما نزلت أخذ الرسول ﷺ بيد علي وفاطمة وولديها - رضي الله تعالى عنهم - ثم دعاهم إلى المباهلة فقال بعضهم لبعض:
265
" إن باهلتموه اضطرم عليكم الوادي ناراً فامتنعوا ". ﴿قل يآ أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (٦٤) ﴾
266
٦٤ - ﴿تَعَالَوْاْ﴾ خطاب لنصارى نجران، أو ليهود المدينة، ﴿أرْبَابًا﴾ هو سجود بعضهم لبعض، أو طاعة الأتباع للرؤساء. {يآ أهل الكتاب لم تحآجون في إبراهيم ومآ أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (٦٥) هآأنتم هؤلآء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحآجون فيما
266
ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (٦٦) ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين (٦٧) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين (٦٨) }
267
٦٦ - ﴿حاججتم﴾ فيما وجدتموه في كتبكم، ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ﴾ في شأن إبراهيم ﴿والله يعلم﴾ شأنه وأنتم لا تعلمونه. {ودت طآئفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلآ أنفسهم وما يشعرون (٦٩) يآ أهل الكتاب لم تكفرون بئايات الله وأنتم تشهدون (٧٠) يآ أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (٧١) وقالت طآئفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون (٧٢) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل مآ
267
أوتيتم أو يحآجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله واسع عليم (٧٣) يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم (٧٤) }
268
٦٧ - ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ﴾ لما اجتمعت اليهود والنصارى عند الرسول ﷺ فقالت النصارى: لم يكن إبراهيم إلا نصرانياً، وقالت اليهود: لم يكن إلا يهودياً فنزلت....
٧١٠ - ﴿وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ بما يدل على صحة الآيات من كتابكم المبشر بها، أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء، أو تشهدون بما عليكم فيه الحجة.
٧١ - ﴿تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد - عليه الصلاة والسلام -، أو تحريف التوراة والأنجيل، أو الدعاء إلى إظهار الإسلام أول النهار والكفر آخره، طلباً لتشكيك الناس فيه. ﴿وتكتمون﴾ صفة محمد ﷺ وأنتم تعلمونها من كتبكم.
٧٣ - ﴿وَلا تُؤْمِنُوَاْ إِلآَّ﴾ قاله اليهود بعضهم لبعض، أو قاله يهود خيبر ليهود المدينة، نهوا عن ذلك لئلا يكون طريقاً لعبدة الأوثان إلى تصديقه، أو لئلا يعرفوا به فيلزمهم الدخول فيه. ﴿الْهُدَى هُدَى اللهِ﴾ أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون فحذف: لا "، أو ﴿الْهُدَىَ هُدَى اللهِ﴾ / فلا تجحدوا أ [ن] يؤتى ﴿أَوْ يُحَآجُّوكُمْ﴾ ولا تؤمنوا أن يحاجوكم إذ لا حجة لهم، أو يكون " أو " بمعنى حتى تبعيداً كقولك " لا يلقاه أو تقوم الساعة "
268
قاله الكسائي والفراء.
269
٧٤ - ﴿بِرَحْمَتِهِ﴾ النبوة، أو القرآن والإسلام، وهل تكون النبوة جزاء على عمل، أو تفضلاً؟ فيه مذهبان. ﴿ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قآئماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (٧٥) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (٧٦) ﴾
٧٥ - ﴿بِقِنطَارٍ﴾ " الباء " فيه، وفي الدينار لإلصاق الأمانة به، أو بمعنى " على " ﴿قَآئِمًا﴾ بالاقتضاء، أو ملازماً، أو قائماً على رأسه. ﴿الأميين﴾ العرب، قالوا لا سبيل علينا في أموالهم لإشراكهم، أو لتحولهم عن الدين الذي عاملناهم عليه، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " كذب أعداء الله ما شيء كان في الجاهلية
269
إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر ". ﴿إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (٧٧) وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (٧٨) ﴾
270
٧٧ - ﴿بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ أمره ونهيه، أو ما جعل في العقل من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق. ﴿لا خَلاقَ﴾ من الخَلْق وهو التقدير أي لا نصيب، أو من الخُلُق أي لا نصيب لهم مما يوجبه الخلق الكريم. ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ﴾ بما يسرهم بل بما يسوؤهم عند الحساب، لقوله تعالى: ﴿عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٦] أو لا يكلمهم أصلاً بل يكل حسابهم إلى الملائكة. ﴿وَلا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ لا يراهم، أو لا يمن عليهم. ﴿وَلا يُزَكِّيهِمْ﴾ لا يقضي بزكاتهم، نزلت فيمن حلف يميناً فاجرة لينفق بيع سلعته، أو في
270
الأشعث نازع خصماً في أرض فقام ليحلف فنزلت فنكل الأشعث واعترف بالحق، أو في أربعة من أحبار اليهود، كتبوا كتاباً وحلفوا أنه من عند الله فيما ادّعوا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل.
271
﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (٧٩) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (٨٠) ﴾
272
٧٩ - ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ قالت طائفة من اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم: أتدعونا إلى عبادتك كما دعا المسيح النصارى؟ فنزلت ﴿ربانيين﴾ فقهاء علماء، أو حكماء أتقياء، أو الولاة الذين يربون أمور الناس، أخذ الرباني ممن يرب الأمور بتدبيره ولذلك قيل للعالم رباني، لأنه يدبر الأمور بعلمه، أو الرباني مضاف إلى علم الرب. ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (٨١) فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (٨٢) ﴾
٨١ - ﴿ميثاق النبيين﴾ أن يؤمنوا بالآخرة، أو يأخذوا على قومهم تصديق محمد ﷺ ﴿ثم جاءكم رسول﴾ محمد ﷺ ﴿مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة
272
والإنجيل. ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى﴾ قبلتم عهدي، [أ] ووأخذتم على متبعكم عهدي ﴿فَاشْهَدُواْ﴾ على أممكم، وأنا من الشاهدين عليكم وعليهم. ﴿أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون (٨٣) قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (٨٤) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين (٨٥) كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجآءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين (٨٦) أولئك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (٨٧) خالدين فيها لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (٨٩) ﴾
273
٨٣ - ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ أسلم المؤمن طوعاً، والكافر عند الموت كرهاً، أو أقروا بالعبودية وإن كان فيهم المشرك فيها، أو سجود المؤمن طوعاً وسجود ظل الكافر كرهاً، أو طوعاً بالرغبة في الثواب، وكرهاً لخوف السيف، أو إسلام الكاره يوم أخرج الذر من ظهر آدم، أو استسلم بالانقياد والذلة. {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم
273
الضآلون (٩٠) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين (٩١) }
274
٩٠ - ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ اليهود كفروا بالمسيح. ﴿ثُمَّ ازْدَادُواْ كفراً﴾ بمحمد ﷺ /. ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ عند الموت، أو أهل الكتاب لا تقبل توبتهم من ذنوبهم مع إصرارهم على كفرهم، أو هم مرتدون عزموا على إظهار التوبة تورية فأطلع الله - تعالى - الرسول ﷺ على سرهم أو اليهود والنصارى كفروا بمحمد ﷺ بعد إيمانهم به قبل بعثه، ثم ازدادوا كفراً إلى حضور آجالهم. ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم (٩٢) ﴾
٩٢ - ﴿الْبِرَّ﴾ ثواب الله - تعالى -، أو فعل الخير الذي يستحق به الثواب، أو الجنة. ﴿تُنفِقُواْ﴾ الصدقة المفروضة، أو الفرض والتطوع، أو الصدقة وغيرها من وجوه البر. ﴿كُلًّ الطَّعَامِ كَانَ حلاً لبني إسرآءيل إلا ما حرم إسرآءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوهآ إن كنتم صادقين (٩٣) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (٩٤) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (٩٥) ﴾
٩٣ - ﴿كُلًّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ﴾ لما أنكرت اليهود تحليل النبي ﷺ لحوم الإبل أخبر الله - تعالى - أنه أحلها إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه، لما
274
أصابه وجع النسا نذر تحريم العروق على نفسه وأحب الطعام إليه، وكانت لحوم الإبل من أحب الطعام إليه، ونذر ذلك بإذن الله - تعالى -، أو باجتهاده، فحرمت اليهود ذلك اتباعاً لإسرائيل على الأصح، أو نزلت التوراة بتحريمها. ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين (٩٦) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (٩٧) ﴾
275
٩٦ - ﴿أُوَّلَ بَيْتٍ﴾ اتفقوا أنه أول بيت وضع للعبادة، وهل كانت قبله بيوت؟ أو لم تكن قبله؟ مذهبان. ﴿بِبَكَّةَ﴾ ومكة واحد، أو بكة المسجد، ومكة الحرم كله، أو بكة بطن مكة، أخذت بكة من الزحمة، تَبَاكَّ القوم ازدحموا، أو تَبُك أعناق الجبابرة، إذا ظلموا فيها لم يمهلوا. ﴿مُّبَارَكاً﴾ بحصول الثواب لقاصده، أو يأمن داخله حتى الوحش.
٩٧ - ﴿آيات بينات﴾ أثر قدمي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في المقام: وهو حجر صلد وفي غير المقام أمن الخائف، وهيبة البيت، وتعجيل عقوبة من عتا فيه وقصة أصحاب الفيل. ﴿وَمَن دَخَلَهُ﴾ في الجاهلية من الجناة أمن، وفي الإسلام يأمن من النار، أو من القتال، فإنه محظور على داخليه، ويقام الحد على من جنى [فيه] وإن دخله الجاني ففي إقامة الحد عليه مذهبان؟ ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ﴾ بالزاد والراحلة، أو بالبدن وحده، أو بالمال والبدن. ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ بفرض الحج، أو لم يَرَ حَجَّهُ بِراً وتركه [إثماً]، أو نزلت في
275
اليهود لما نزل قوله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه﴾ [٨٥] قالوا نحن مسلمون، فأُمروا بالحج فامتنعوا فنزلت.... ﴿قل يآ أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون (٩٨) قل يآ أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهدآء وما الله بغافل عما تعملون (٩٩) ﴾
276
٩٩ - ﴿تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ هم اليهود أغَروْا بين الأوس والخزرج بتذكيرهم حروباً كانت بينهم في الجاهلية، ليفترقوا بذلك، أو هم اليهود والنصارى صدوا الناس بإنكارهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿شُهَدَآءُ﴾ على صدكم، أو على عنادكم، أو عقلاء. ﴿يآ أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (١٠٠) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم (١٠١) ﴾
١٠٠ - ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ الأوس والخزرج. ﴿إِن تُطِيعُواْ﴾ اليهود. ﴿يَرُدُّوكُم﴾ إلى الكفر بإغرائهم بينكم. {يآ أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (١٠٢) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم.
276
فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (١٠٣) }
277
١٠٢ - ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أن يطاع فلا يُعصى، ويُذكر ولا يُنسى، ويشكر ولا يكفر، أو اتقاء جميع المعاصي، أو الاعتراف بالحق في الأمن والخوف، أو طاعته / فلا يُتَّقَى في تركها أحد سواه، وهي محكمة، أو منسوخة بقوله تعالى ﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ [التغابن: ١٦].
١٠٣ - ﴿بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ القرآن، أو الإسلام، أو العهد، أو الإخلاص له بالتوحيد، أو الجماعة، سمي ذلك حبلاً؛ لنجاة المتمسك به كما ينجو المتمسك بالحبل من بئر أو نحوها. ﴿وَلا تَفَرَّقُواْ﴾ عن دين الله تعالى، أو عن رسوله ﷺ ﴿كُنتُمْ أَعْدَآءً﴾ للأوس والخزرج لحروب تطاولت بهم مائة وعشرين سنة إلى أن تآلفوا بالإسلام، أو لمشركي العرب لما كان بينهم من الطوائل. {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (١٠٤) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جآءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (١٠٥) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (١٠٦) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون (١٠٧) تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين (١٠٨) ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور (١٠٩)
١٠٦ - ﴿تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ المؤمنين لإسفارها بالثواب. ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ أهل النار لانكسافها بالحزن. ﴿أَكَفَرْتُم بَعْدَ﴾ إظهار الإيمان بالنفاق، أو الذين ارتدوا بعد الإسلام، أو الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد ﷺ بعد بعثه، وكانوا قبل ذلك به مؤمنين، أو جميع من كفر بعد الإيمان يوم الذر. ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (١١٠) لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون (١١١) ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (١١٢) ﴾
١١٠ - ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ﴾ أي كنتم في اللوح المحفوظ أوخلقتم، أو أراد التأكيد لأن المتقدم مستصحب بخلاف المستأنف، أو أشار إلى ما قدمه من البشارة بأنهم خير أمة، {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون ءايات الله ءاناء الليل وهم يسجدون (١١٣) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (١١٤) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (١١٥) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم
278
ولآ أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيه خالدون (١١٦) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (١١٧) }
279
١١٣ - ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً﴾ لما أسلم عبد الله بن سلام مع جماعة قالت أحبار اليهود: ما آمن بمحمد إلا شرارنا فنزلت ﴿قَآئِمَةٌ﴾ عادلة أو قائمة بطاعة الله، أو ثابتة على أمره. ﴿آناء الليل﴾ ساعاته، أو جوفه، يريد صلاة العتمة، أو الصلاة بين المغرب والعشاء. ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ في الصلاة أو عبّر عن الصلاة بالسجود، أو أراد وهم مع ذلك يسجدون.
١١٧ - ﴿مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ﴾ نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر، أو في نفقة المنافقين في الجهاد رياء وسمعة. ﴿صِرٌّ﴾ برد شديد، أو صوت لهيب النار التي تكون في الريح قاله الزجاج، وأصل الصِّر: الصوت من الصرير. ﴿ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بزرعهم في غير موضع الزرع، وفي غير وقته، أو أهلك ظلمهم زرعهم. {يآ أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد
279
بدت البغضآء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (١١٨) هآ أنتم أولآء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور (١١٩) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط (١٢٠) }
280
١١٨ - ﴿بِطَانَةً﴾ نزلت في بعض المسلمين صَافَوا بعض اليهود والمنافقين لصحبة كانت بينهم في الجاهلية، فنهوا عن ذلك، والبطانة: خاصتك الذين يستبطنون أمرك من البطن، وبطانة الثوب، لأنها تلي البطن. ﴿لا يَأْلُونَكُمْ﴾ لا يقصرون في أمركم. ﴿خَبَالاً﴾ أصله الفساد، ومنه الخبل للجنون، ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ أي ضلالكم عن دينكم، أو أن تعنتوا في دينكم فتحملوا فيه على المشقة، وأصل العنت: المشقة. ﴿مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ بدا منها ما يدل على البغضاء. ﴿وإِذْ غَدَوْتَ من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم (١٢١) إذ همت طآئفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (١٢٢) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (١٢٣) ﴾
١٢١ - ﴿وإِذْ غَدَوْتَ﴾ يوم أُحُد، أو يوم الأحزاب. ﴿تبوىء﴾ تتخذ منزلاً ترتبهم في مواضعهم. ﴿سَمِيعٌ﴾ لقول المنافقين. ﴿عَلِيمٌ﴾ بما أضمروه من
280
التهديد أو ﴿سَمِيعٌ﴾ لقول المؤمنين ﴿عَلِيمٌ﴾ بإخلاص نياتهم، أو ﴿سَمِيعٌ﴾ لقول المشيرين ﴿عَلِيمٌ﴾ بنصح المؤمن وغش الغاوي.
281
١٢٢ - ﴿طَّآئِفَتَانِ﴾ بنو سَلَمة، وبنو حارثة /، أو قوم من المهاجرين والأنصار همتا بذلك، لان ابن أُبي دعاهما إلى الرجوع عن القتال، أو اختلفوا في المقام والخروج إلى العدو حتى هموا بالفشل والجبن.
١٢٣ - ﴿بِبَدْرٍ﴾ اسم ماء سمي باسم صاحبه ((بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة))، أو سمي بذلك من غير إضافة إلى صاحب. ﴿أَذِلَّةٌ﴾ ضعفاء عن مقاومة العدو، أو قليل عددكم ضعيف حالكم، كان المهاجرون يومئذ سبعة وسبعين، وكانت الأنصار مائتين وستة وثلاثين، والمشركون ما بين تسعمائة وألف. {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين (١٢٤) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (١٢٥) وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا
281
من عند الله العزيز الحكيم (١٢٦) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (١٢٧) ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (١٢٨) ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم (١٢٩)
282
١٢٤ - ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يوم بدر. ﴿أَلَن يَكْفِيَكُمْ﴾ الكفاية: قدر سد الخَلَّة، والاكتفاء: الاقتصار عليه. ﴿يُمِدَّكُمْ﴾ الإمداد: إعطاء الشيء حالاً بعد حال، من الإمداد: وهو الزيادة، ومنه مد الماء.
١٢٥ - ﴿فَوْرِهِمْ﴾ وجههم، أو غضبهم من فور القِدْر وهو غليانها، ومنه فور الغضب. ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ بالفتح أرسلوا خيلهم في المرعى، وبالكسر سوموها بعلائم في نواصيها وأذنابها، أو نزلوا على خير بلق وعليهم عمائم صفر. وكانوا خمسة آلاف عند الحسن، وعند غيره ثمانية آلاف قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
١٢٧ - ﴿لِيَقْطَعَ﴾ يوم بدر ﴿طَرَفاً﴾ منهم بقتل صناديدهم وقادتهم إلى الكفر، أو يوم أُحد قُتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وقال: ﴿طَرَفاً﴾، لأنهم كانوا أقرب إلى المؤمنين من الوسط. ﴿يَكْبِتَهُمْ﴾ يخزيهم، أو الكبت: الصرع على الوجه قاله الخليل ﴿خَآئِبِينَ﴾ الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل الأمل.
١٢٨ - ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ﴾ في عقابهم واستصلاحهم، او فيما نفعله في أصحابك وفيهم، بل إلى الله - تعالى - التوبة عليهم، أو الانتقام منهم، أو قال قوم بعد كسر رباعية الرسول ﷺ كيف يفلح من فعل هذا
282
بالرسول ﷺ مع حرصه على هدايتهم فنزلت أو استأذن الرسول ﷺ في الدعاء عليهم فنزلت يمنعه، لان في علمه - سبحانه وتعالى - أن فيهم من يؤمن. {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (١٣٠) واتقوا النار التي أعدت للكافرين (١٣١) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (١٣٢) وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (١٣٣) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (١٣٤) والذين إذا فعلوا فاحشة أو
283
ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (١٣٥) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (١٣٦)
284
١٣٠ - ﴿أَضْعَافًا مًّضَاعَفَةً﴾ أن يقول عند الأجل (إما أن تعطي، وإما أن تُربي)) فإن لم يعطه ضاعف عليه، ثم يفعل ذلك عند حلول أجله من بعد فيتضاعف بذلك.
١٣١ - ﴿النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ نار آكل الربا كنار الكفرة عملاً بالظاهر، أو نار الربا والفجرة أخف من نار الكفرة لتفاوتهم في المعاصي.
١٣٥ - ﴿فَاحِشَةً﴾ الكبائر، أو الزنا. ﴿ظَلَمُوَاْ﴾ بالصغائر. ﴿ذَكَرُواْ الله﴾ بقلوبهم فحملهم ذكره على التوبة والا استغفار، أو ذكروه بقولهم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا. ﴿يُصِرُّواْ﴾ الثبوت على المعصية، أو مواقعتها إذا هَمَّ بها /، أو ترك الاستغفار منها. ﴿وَهُمْ يعلمون﴾ أنهم قد أتوا معصيته، أو يعملون الحجة في أنها معصية. {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (١٣٧) هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين (١٣٨) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
284
الأعلون إن كنتم مؤمنين (١٣٩) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين (١٤٠) وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (١٤٠) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين (١٤٢) ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (١٤٣)
285
١٣٧ - ﴿سُنَنٌ﴾ من الله بإهلاك من سلف، أو أهل سنن في الخير والشر، وأصل السُّنة: الطريقة المتبعة في الخير والشر، ومنه سُّنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
١٣٨ - ﴿هَذَا﴾ القرآن ﴿بَيَانٌ﴾، أو المذكور من قوله ﴿قدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ﴾ نور وأدب.
١٤٠ - ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ﴾ يوم أُحُد ﴿قَرْحٌ﴾ فقد مسهم يوم بدر مثله، واللمس: مباشرة وإحساس، والمس: مباشرة بغير إحساس. ﴿قَرْحٌ﴾ وقَرح: واحد، أو بالفتح الجراح، وبالضم: ألم الجراح قاله الأكثر ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ مرة لقوم، ومرة لآخرين، والدولة: الكرة، أدال الله فلاناً من فلان جعل له الكرة عليه.
١٤١ - ﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾ وليبتلي، أو يخلصهم من الذنوب، وأصل التمحيص: التخليص، أو وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ﴿وَيَمْحَقَ﴾ ينتقص.
١٤٣ - ﴿تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ تمنى الجهاد من لم يحضر بدراً ثم أعرض كثير
285
منهم عنه يوم أحد فعوتبوا. (رَأَيْتُمُوهُ} علمتموه، أو رأيتم أسبابه. ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (١٤٤) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (١٤٥) وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (١٤٦) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (١٤٧) فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (١٤٨) ﴾
286
١٤٤ - ﴿وما محمد إلا سول﴾ لما شاع يوم أحد أن الرسول ﷺ قُتل قال أناس: لو كان نبياً ما قُتل، وقال آخرون: نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به. ﴿انقَلَبْتُمْ﴾ رجعتم كفاراً.
١٤٥ - ﴿وَمَن يُرِدْ﴾ بجهاده ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ الغنيمة، أو من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له منها من غير حظ في الآخرة، أو من أراد ثواب الدنيا بالتعرض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا دون الآخرة.
١٤٦ - ﴿رِبِّيُّونَ﴾ يعبدون الرب واحدهم رِبَّي، أو جماعات كثيرة، أو
286
علماء كثيرون، أو الرِّبيون: الأتباع والرعية والرَّبانيون: الولاة، قال الحسن: ما قتل نبي قط في المعركة. ﴿فَمَا وَهَنُواْ﴾ الوهن: الانكسار بالخوف، والضعف: نقص القوة، والاستكانة: الخضوع ((لم يهنوا بقتل نبيهم، ولا ضعفوا عن عدوهم، ولا استكانوا لما أصابهم))، قاله أبن إسحاق.
287
١٤٨ - ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ النصر على العدو، أو الغنيمة. {ثواب الآخرة) الجنة إجماعا. {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (١٤٩) بل الله مولاكم وهو خير الناصرين (١٥٠) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين (١٥١) ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين (١٥٢) إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون (١٥٣)
١٥٢ - ﴿تَحُسُّونَهُم﴾ تقتلونهم اتفاقاً، حسه يحسه حساً: قتله لأنه أبطل حسه. ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بلطفه، أو بمعونته.
١٥٣ - ﴿تُصْعِدُونَ﴾ الإصعاد يكون في مستوىً من الأرض، والصعود في ارتفاع، وروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنهم صعدوا إلى الجبل فراراً. ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ يقول يا عباد الله أرجعوا. ﴿غَمَّا بِغَمٍ﴾ على غم، أو مع غم، الغم الأول: القتل والجرح، والثاني: الإرجاف بقتل الرسول ﷺ أو غم يوم أُحد بغم يوم بدر. ﴿مَا فَاتَكُمْ﴾ من الغنيمة وما أصابكم من الهزيمة. {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طآئفة منكم وطآئفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (١٥٤) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (١٥٥) يآ أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون
288
بصير (١٥٦) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون (١٥٧) ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون (١٥٨) }
289
١٥٤ - ﴿أَمَنَةً / نُعَاسًا﴾ لما توعد الكفار المؤمنين يوم أُحُد بالرجوع تأهب للقتال أبو طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم تحت حُجَفهم فناموا حتى أخذتهم الأَمنة. ﴿وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُم﴾ بالخوف فلم يناموا، لظنهم ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ في التكذيب بوعد الله. ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ﴾ ما خرجنا أي أُخرجنا كَرْهاً، أو الأمر: النصر أي ليس لنا من الظفر شيء كما وعدنا تكذيباً منهم بذلك. ﴿لَبَرَزَ) {لخرج﴾ (الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} منكم ولم ينجهم قعودهم، أو لو تخلفتم لخرج المؤمنون ولم يتخلفوا بتخلفكم. ﴿وَلِيَبْتَلِىَ اللهُ﴾ يعاملكم معاملة المبتلي، أو ليبتلي أولياؤه فأضافه إليه تفخيماً.
١٥٥ - ﴿تَوَلَّوْاْ﴾ عن المشركين بأُحد، أو من قرب من المدينة وقت الهزيمة. ﴿بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ﴾ محبة الغنائم والحرص على الحياة، أو استزلهم بذكر خطايا أسلفوها فكرهوا القتل قبل أن يتوبوا منها. ﴿عَفَا اللهُ عَنْهُمْ﴾ لم يعاجلهم بالعقوبة، أو غفر خطيئتهم ليدل على إخلاصهم التوبة، وقيل الذين بقوا مع الرسول ﷺ لم ينهزموا ثلاثة عشر. ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (١٥٩) إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون (١٦٠) وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (١٦١) أفمن اتبع رضوان الله كمن بآء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (١٦٢) هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون (١٦٣) لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (١٦٤) ﴾
١٥٩ - ﴿فَظًّا﴾ الفظ: الجافي، والغليظ: القاسي القلب، معناهما واحد، فجمع بينهما تأكيداً. ﴿وَشَاوِرْهُمْ﴾ في الحرب، لتسفر عن الرأي الصحيح فيه، أو أمر بالمشاورة تأليفاً لقلوبهم، أو أَمَره بها لما علم فيها من الفضل، أو أُمر بها ليقتدي به المؤمنون، وكان غنياً عن المشاورة.
١٦١ - ﴿يَغُلَّ﴾ فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال قوم: أخذها الرسول
290
فنزلت، أو وجه الرسول ﷺ طلائع في جهة ثم غنم الرسول ﷺ فلم يقسم للطلائع فنزل ما كان لنبي أن يخون في القسم فيعطي فرقة ويدع أخرى، أو ما كان لنبي أن يكتم الناس ما أرسل به لرغبة أو رهبة قاله ابن إسحاق. ﴿يَغُلَّ﴾ يتهمه أصحابه ويُخَوِّنونه، أو أن يغله أصحابه ويَخُونُونه، والغلول من الغلل، وهو دخول الماء خلال الشجر فسميت الخيانة غلولاً لوقوعها خفية، والغِل: الحقد، لجريانه في النفس مجرى الغلل.
291
١٦٤ - ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمؤْمِنِينَ﴾ بكون الرسول ﷺ ﴿مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ لما فيه من شرفهم، أو لتسهيل تعلم الحكمة عليهم لأنه بلسانهم، أو ليظهر لهم علم أحواله بالصدق والأمانة والعفة والطهارة. ﴿ويُزَكِّيهِمْ﴾ يشهد بأنهم أزكياء
291
في الدين، أو يدعوهم إلى ما يتزكون به، أو يأخذ زكاتهم التي تطهرهم. ﴿أو لمآ أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير (١٦٥) ومآ أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين (١٦٦) وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (١٦٧) الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين (١٦٨) ﴾
292
١٦٥ - ﴿مُّصِيبَةٌ﴾ التي أصابتهم يوم أُحُد، والتي أصابوها يوم بدر. ﴿هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ بخلافكم في الخروج يوم أحد " لأن الرسول ﷺ أمرهم أن يتحصنوا بالمدينة "، أو بأختياركم / الفداء يوم بدر، وقد قيل لكم إن فعلتم ذلك قتل منكم مثلهم، أو مخالفة الرماة للرسول ﷺ يوم أحد في ملازمة موضعهم.
١٦٦ - ﴿بإذن اللَّهِ﴾ بتمكينه، أو بعلمه. ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ليراهم، أو ليميزهم من المنافقين.
١٦٧ - ﴿أَوِ ادْفَعُواْ﴾ بتكثير السواد إن لم تقاتلوا، أو بالمرابطة على الخيل إن لم تقاتلوا. ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً﴾ قال عبد الله بن عمرو بن حرام علام نقتل
292
أنفسنا ارجعوا بنا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم. ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم﴾ يظهرون من الإسلام ما ليس في قلوبهم، ﴿بِأَفْوَاهِهِم﴾ تأكيد، أو لأن القول ينسب إلى الساكت تجوزاً إذا رضي به.
293
١٦٨ - ﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ﴾ لما انخذل ابن أُبي وأصحابه - وهم نحو من ثلاثمائة - وتخلف عنهم من قُتل منهم قالوا لو أطاعونا وقعدوا معنا ما قُتلوا. ﴿صَادِقِينَ﴾ في أنهم لو أطاعوكم ما قُتلوا، أو محقين في تثبيطكم عن الجهاد فراراً من القتل. ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيآء عند ربهم يرزقون (١٦٩) فرحين بمآ ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (١٧٠) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (١٧١) الذين استجابوا لله والرسول من بعد مآ أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (١٧٢) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (١٧٣) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (١٧٤) إنما ذالكم الشيطان يخوف أوليآءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (١٧٥) ﴾
﴿ أمواتا بل أحياء ﴾ أحياء في البرزخ، وأما في الجنة فإن حالهم معلومة لجميع المؤمنين. ﴿ عند ربهم ﴾ بحيث لا يملك أحد لهم ضراً ولا نفعاً سوى ربهم، أو يعلم أنهم أحياء دون غيره.
١٧٠ - ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ يقولون إِخواننا يُقتلون كما قُتلنا فيُكرمون بما أُكرمنا، أو يؤتى الشهيد بكتاب يذكر فيه من يقدم عليه من إخوانه بشارة فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه.
١٧٣ - ﴿النَّاسُ﴾ الأول: أعرابي جعل له على ذلك جُعْل، أو نعيم بن مسعود الأشجعي، ﴿النَّاسَ﴾ الثاني: أبو سفيان وأصحابه أراد ذلك بعد رجوعه من أُحد سنة ثلاث فوقع في قلوبهم الرعب فكفوا، أو في بدر الصغرى سنة أربع بعد أُحد بسنة.
١٧٥ - ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُ﴾ يخوف المؤمنين من أوليائه الكفار، أو يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن الجهاد. {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم (١٧٦) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم (١٧٧) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين (١٧٨) ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشآء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (١٧٩) ولا يحسبن الذين يبخلون بمآ ءاتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون
294
ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (١٨٠) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنيآء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق (١٨١) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (١٨٢) الذين قالوا إن الله عهد إلينآ ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جآءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين (١٨٣) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جآءو بالبينات والزبر والكتاب المنير (١٨٤) }
295
١٧٦ - ﴿الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فَى الْكُفْرِ﴾ المنافقون، أو قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام. ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أن لا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًا﴾ أي يحكم، أو سيريد في الآخرة أن يحرمهم الثواب لكفرهم، أو يريد إحباط أعمالهم بذنوبهم.
١٧٩ - ﴿يَمِيزَ الْخَبِيثَ﴾ المنافق، أو الكافر، و ﴿الطَّيِّبِ﴾ المؤمن غير المنافق بتكليف الجهاد، والكافر بالدلالات التي يستدل بها عليهم. ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ قال قوم من المشركين: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا بمن يؤمن ومن يكفر فنزلت، السدي: ما أَطلع الله - تعالى - نبيه ﷺ على الغيب، ولكن اجتباه فجعله رسولاً.
١٨٠ - ﴿الذين يبخلون﴾ ما نعو الزكاة، أو أهل الكتاب بخلوا ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ بطوق من نار، أو شجاعاً أقرع.
295
﴿كل نفس ذآئفة الموت وإنما توفون إجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيآ إلا متاع الغرور (١٨٥) لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتو الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (١٨٦) ﴾
296
١٨٦ - ﴿لَتُبْلَوُنَ فِى أَمْوَالِكُمْ﴾ بالزكاة والنفقة في الطاعة ﴿وَأَنفُسِكُمْ﴾ بالجهاد والقتل. ﴿أَذًى كَثِيرًا﴾ الكفر كقولهم / عُزير ابن الله، والمسيح ابن الله، أو هجو كعب بن الأشرف للرسول ﷺ والمؤمنين، وتحريضه عليهم للمشركين، أو قول فنحاص اليهودي لما سئل الإمداد قال: احتاج ربكم إلى أن نمده. ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون (١٨٧) لا تحسبن الذين يفرحون بمآ أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (١٨٨) ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير (١٨٩) ﴾
١٨٧ - ﴿مِيثَاقَ﴾ هو اليمين. ﴿الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ اليهود، أو اليهود والنصارى، أو كل من أوتي علم شيء من الكتب، أخذ أنبياؤهم ميثاقهم لتبيننه للناس. ﴿لتبيننه﴾ لتبين الكتاب الذي فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، أو لتبينن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
١٨٨ - ﴿يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ﴾ اليهود فرحوا باتفاقهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، وإخفاء أمره، وأحبوا ﴿أن يُحْمَدُواْ﴾ بأنهم أهل علم ونسك، أو
296
المنافقون فرحوا بقعودهم عن الجهاد، وأحبوا ﴿أَن يُحْمَدُواْ﴾ بما ليس فيهم من الإيمان به. ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيات لأولي الألباب (١٩٠) الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار (١٩١) ربنآ إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (١٩٢) ربنآ إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فئامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (١٩٣) ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (١٩٤) ﴾
297
١٩٣ - ﴿مناديا﴾ النبي صلى الله عليه وسلم، أو القرآن، لأن كل الناس لم يسمع النبي ﷺ ﴿لِلإِيمَانِ﴾ إلى الإيمان ﴿الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا﴾ [الأعراف: ٤٣] وقال:
١٩٤ - ﴿وآتنا مَا وَعَدتَّنَا﴾ المقصود منه - مع العلم بأنه لا يخلف وعده - الخضوع بالدعاء والطلب، أو طلبوا التمسك بالعمل الصالح، أو طلبوا تعجيل النصر وإنجاز الوعد، أو معناه اجعلنا ممن وعدته ثوابك.
297
﴿فاستجاب لهم ربهم أني لآ أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب (١٩٥) ﴾
298
١٩٥ - ﴿مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ قالت أم سلمة: يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء فنزلت ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ الإناث من الذكور والذكور من الإناث. {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد (١٩٦) متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد (١٩٧) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً
298
من عند الله وما عند الله خير للأبرار (١٩٨) }
299
١٩٦ - ﴿أمْوَاتاً بَلْ أَحْيَآءٌ﴾ أحياء في البرزخ، وأما في الجنة فإن حالهم
293
معلومة لجميع المؤمنين. ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ بحيث لا يملك أحد لهم ضراً ولا نفعاً سوى ربهم، أو يعلم أنهم أحياء دون غيره.
294
١٩٦ - ﴿لا يَغُرَّنَّكَ﴾ تأديباً له وتحذيراً، أو هو خطاب لكل من سمعه أي لا يغرنك أيها السامع. ﴿تَقَلُّبُ﴾ تقلبهم في نعم البلاد، أو تقلبهم غير مأخوذين. ﴿وَإِنَّ مِنْ أهْلِ الكتاب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بئايات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (١٩٩) يآ أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (٢٠٠) ﴾
299
١٩٩ - ﴿وَإِنَّ مِنْ أهْلِ﴾ عبد الله بن سلام ومسلمي أهل الكتاب أو نزلت في النجاشي لما صلى عليه الرسول ﷺ قال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط.
٢٠٠ - ﴿اصْبِرُواْ﴾ على طاعة الله تعالى ﴿وَصَابِرُواْ﴾ أعداءه ﴿وَرَابِطُواْ﴾ في سبيله، أو ﴿اصْبِرُواْ﴾ على دينكم ﴿وَصَابِرُواْ﴾ الوعد الذي وعدتكم ﴿وَرَابِطُواْ﴾ عدوكم، أو ﴿اصبروا﴾ على الجهاد ﴿وصابروا﴾ العدو ﴿رابطوا﴾ بملازمة الثغر، من ربط النفس، ومنه ربط الله على قلبه بالصبر، أو ﴿رابطوا﴾ بانتظار الصلوات الخمس واحدة بعد واحدة
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط ".
300
(سورة النساء)
مدنية إلا آية ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا﴾ [٥٨] فإنها نزلت بمكة لما أراد الرسول / ﷺ أن يأخذ مفاتيح الكعبة من عثمان بن طلحة فيسلمها إلى العباس.

(بسم الله الرحمن الرحيم)

﴿يآ أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً (١) ﴾
301
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت)