تفسير سورة نوح

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة نوح من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " اسم لمن قامت السماوات والأرض بقدرته واستقامت الأسرار والقلوب بنصرته. . دلت الأفعال على جلال شأنه، وذلت الرقاب عند شهود سلطانه. أشرقت الأقطار بنوره في العقبى، وأشرقت الأسرار بظهوره في الدنيا، فهو المقدس بالوصف الأعلى.

قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
أرسلنا نوحاً بالنبوَّةِ والرسالة. ﴿ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ﴾ أي بأن أنذرهم وإرسالُ الرُّسُل من الله فضلٌ، وله بحق مُلْكه أن يفعل ما أراد، ولم يجبْ عليه إرسالُ الرُّسُلِ لأن حقيقته لا تقبل الوجوب.
وإرسالُ الرسلِ إلى مَنْ عَلِمَ أنه لا يَقْبَل جائز، وتكليفُهم من ناحية العقل جائز فنوحٌ - عَلِمَ منهم أَنهم لا يقبلون. . ومع ذلك بَلَّغ الرسالة وقال لهم :﴿ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾.
قوله جلّ ذكره :﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ مِنْ هنا للجنس لا للتبعيض كقوله تعالى :﴿ فَاجْتَنِبُواْ الرِّجسَ مِنَ الأَوْثَانِ ﴾ [ الحج : ٣٠ ].
ويقال : ما عملوه دون ما هو معلوم أنهم سيفعلونه ؛ لأنه لو أخبرهم بأنه غفر لهم ذلك كان إغراءً لهم. . وذلك لا يجوز. فأبوا أن يَقْبَلوا منه، فقال :
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِي إِلاَّ فِرَاراً ﴾.
بَيّنَ أَنّ الهداية ليست إليه، وقال : إنْ أَرَدْتَ إِيمانَهم فقلوبُهم بقدرتك - سبحانك.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً ﴾.
وإِنِّي ما ازدَدْتُ لهم دعاءً إلا ازدادوا إصراراً واستكباراً.
ويقال : لمَّا دام بينهم إصرارُهم تَولَّدَ من الإصرار استكبارُهم، قال تعالى :
﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُبُهُمْ ﴾ [ الحديد : ١٦ ].
قوله جلّ ذكره :﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدرَاراً وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾.
ليعلمَ العالِمون : أَن الاستغفار قَرْعُ أبوابِ النعمة، فمن وقعت له إلى اللَّهِ حاجةُ فلن يَصِلَ إلى مرادِه إلاّ بتقديم الاستغفار.
ويقال : مَنْ أراد التَّفَضُّل فعليه بالعُذْرِ والتنصُّل.
قوله :﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عََلَيْكُمْ ﴾ : كان نوح عليه السلام كلمّا ازداد في بيان وجوه الخير والإحسان زادوا هم في الكفر والنسيان.
قوله جلّ ذكره :﴿ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾.
ما لَكْم لا تخافون للَّهِ عَظَمَةً ؟ وما لكم لا ترجون ولا تؤمِّلون على توقيركم للأمرِ من اللَّهِ لُطْفاً ونعمة ؟.
ثم نَبَّهَهُم إلى خَلْقِ السماوات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة، وعلى أنَّ خالقَها يستحقُّ صفاتِ العُلُوِّ والعِزَّة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:ثم نَبَّهَهُم إلى خَلْقِ السماوات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة، وعلى أنَّ خالقَها يستحقُّ صفاتِ العُلُوِّ والعِزَّة.
ثم شكا نوحٌ إلى الله وقال :﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَونِي وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً ﴾.
يعني كبراءَهم وأغنياءَهم الذين ضلُّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:ثم شكا نوحٌ إلى الله وقال :﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَونِي وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً ﴾.
يعني كبراءَهم وأغنياءَهم الذين ضلُّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة.

وذلك بتعريفِ اللَّهِ تعالى إيَّاه أَنَّه لن يؤمِنَ من قومك إلاّ من قد آمن. فاستجاب الله فيهم دعاءَه وأهلكهم.
Icon