تفسير سورة الإنشقاق

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " : اسم جليل جلاله لا بالأشكال، وجماله لا على احتذاء أمثال، وأفعاله لا بأغراض وأعلال، وقدرته لا باجتلاب ولا احتيال، وعلمه لا بضرورة ولا استدلال، فهو الذي لم يزل ولا يزال، ولا يجوز عليه فناء ولا زوال.

قوله جلّ ذكره :﴿ إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ ﴾.
﴿ انشَقَتْ ﴾ : انصدعت.
أي قابَلَتْ أمرَ ربِّها بالسمع والطاعة. . . وحقَّ لها أن تفعل ذلك.
بُسِطَت باندكاك آكامها وجبالِها حتى صارت ملساء، وألقت ما فيها من الموتى والكنوز وتخلَّت عنها. . . وقابلت أمر ربها بالسمع والطاعة.
وجواب هذه الأشياء في قوله :﴿ فَمُلاَقِيهِ ﴾ أي يَلْقَى الإنسانُ ما يستحقه على أعماله.
قوله جلّ ذكره :﴿ يا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ﴾.
﴿ يا أَيُّهَا الإِنسَانُ ﴾ : يأيها المُكلَّفُ. . . إنَّك ساعٍ بما لَكَ سَعْياً ستلقى جزاءَه ؛ بالخير خيراً وبالشَّرِّ شَرّاً.
وهو المؤمن المحسن.
أي حساباً لا مَشقَّة فيه. ويقال :﴿ حِسَاباً يَسِيراً ﴾ أي يُسْمِعُه كلامَه - سبحانه - بلا واسطة، فيُخَفِّفُ سماعُ خطابِه ما في الحساب من عناءٍ.
ويقال :﴿ حِسَاباً يَسِيراً ﴾ : لا يُذَكِّرُه ذنوبَه. ويقال : يقول : ألم أفعل كذا ؟ وألم أفعل كذا ؟ يعُدُّ عليه إحسانَه. . . ولا يقول : ألم تفعل كذا ؟ لا يُذكِّرُه عصيانَه.
أي بالنجاة والدرجات، وما وَجَدَ من المناجاة، وقبول الطاعات، وغفران الزَّلاّت.
ويقال : بأن يُشفِّعَه فيمن يتعلَّق به قلبُه. ويقال : بألا يفضحه.
ويقال : بأن يَلْقى ربَّه ويُكَلِّمَه قبل أَنْ يُدْخِلَه الجنة فيَلْقى حَظِيَّتَه من الحورِ العين.
قوله جلّ ذكره ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴾.
وهو الكافر.
أي وَيْلاً.
جهنم.
من البَطَرِ والمدح.
أنه لن يرجعَ إلينا، ولن يُبْعَثَ.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾.
بالحُمْرَةِ التي تعقب غروبَ الشمس.
وما جَمَعَ وضمَّ.
تَمَّ واستوى واجتمع.
ويقال : الشَّفَقُ حين غربت شمسُ وصالهم، وأُذيقوا الفراقَ في بعض أحوالهم، وذلك زمانُ قبضٍ بعد بَسْطٍ، وأوانُ فَرْقٍ عُقَيْبَ جَمْعٍ. ﴿ وَالَّليْلِ وَمَا وَسَقَ ﴾ : ليالي غيبتهم وهم بوصف الاستياقِ ؛ أو ليالي وصالهم وهم في روح التلاقي، أو ليالي طَلَبِهم وهم بنعتِ القَلَبِ والاحتراقِ.
﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾ : إذا ظَهَرَ سلطانُ العرفان على القلوب فلا بَخْسَ ولا نُقْصان.
قوله جلّ ذكره :﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ ﴾.
أي حالاً بعد حال. وقيل : من أطباق السماء. ويقال : شِدَّةً بعد شدَّة.
ويقال : تاراتُ الإنسانِ طفلاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً.
ويقال : طالباً ثم واصلاً ثم مُتَّصِلاً.
ويقال : حالاً بعد حالٍ، من الفقر والغِنَى، والصحة والسَقّم.
ويقال : حالاً بعد حالٍ في الآخرة.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
أي فما الكُّفَّارِ أُمَّتِكَ لا يُصَدِّقون. . . وقد ظهرت البراهين ؟
﴿ يُوعُونَ ﴾ أي تنطوي عليه قلوبُهم - من أَوْعَيْتُ المتاعَ في الظَّرْفِ أي جعلته فيه.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعِمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ فإنهم ليسوا منهم، ولهم أجرٌ غيرُ مقطوع.
Icon