تفسير سورة الحجر

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - قوله -عز وجل-: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ ذكرنا الكلام في هذا مستقصى في أول سورة يوسف ويونس، وكذلك في سورة الرعد. وذكرنا في سورة الرعد أن الكِتَاب هناك يجوز أن يريد به التوراة، ويجوز أن يريد به القرآن، وهاهنا أيضاً يجوز فيه الوجهان؛ أحدهما: أن يراد بالكتاب الذي كان قبل القرآن من التوراة والإنجيل، ثم عطف عليه القرآن، قال صاحب النظم: تقدير هذه الآية في الكلام: زيدٌ هذا صاحب الفرس وحمارٍ تارةً (١)، وهذا معنى قول مجاهد وقتادة (٢).
وقال آخرون: الْكِتَابِ هو القرآن (٣)، وجمع بين الوصفين لما فيهما
(١) المثبت من (ش)، (ع)، وفي (أ)، (د): (فاده)، وهذا المثال صحيح من الناحية النحوية، لكنه لا يليق التمثيل به في هذا الموضع، ولو قال: هذا زيدٌ صاحب الكتاب وقلمٍ تارةً، لكان أليق بالمقام.
(٢) أخرجه الطبري ١٤/ ١ عنهما من طريقين، وورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٧ عنهما، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٧/ ٢٧٦، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧١ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة، ولم أجده في "تفسير مجاهد".
(٣) ورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٤٧، والطوسي ٦/ ٣١٧، و"تفسير ابن عطية" ٧/ ٢٧٦، والفخر الرازي ١٩/ ١٥١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢، والخازن ٣/ ٨٨.
من الفائدتين، وإن كانا لموصوف (١) واحد؛ وذلك أن الْكِتَابَ يفيد أنه مما يُكتب ويُدون، ﴿وَقُرْآنٍ﴾ يفيد أنه بما يؤلف ويجمع بعض حروفه إلى بعض (٢)، ويكون كقوله (٣):
إلى المَلِك القَرْمِ.......... (البيت)
وقد مر (٤)، وذكرنا معنى "الْمُبِين" في فاتحة سورة يوسف.
٢ - قوله تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقُرئ ﴿رُبَمَا﴾ بالتخفيف، قال السُّكّري (٥): ربّما وربتما ورُبّ، حرف جر عند
(١) في (ش)، (ع): (بالموصوف).
(٢) انظر: "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٨٣.
(٣) لم أقف على قائله.
(٤) أورده كذلك في نهاية السورة، والبيت كاملاً هو:
إلى الملك القَرْمِ وابنِ الهُمَام ولَيْثِ الكتيبة في المُزْدَحَمْ
وقد ورد بلا نسبة في: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٥، و"تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٧، والزمخشري ١/ ٢٣، و"الإنصاف" ص ٣٧٦، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٢٧٨، و"الخزانة" ١/ ٤٥١، ٥/ ١٠٧، ٦/ ٩١، (القَرْم) السيد، (الهُمام) الملك العظيم الهمّة، (الكتيبة) جماعة الخيل، وهي الفصيل من الجيش، (المُزدَحمْ) مكان المعركة. والشاهد: أنه عطف ابن الهمام، وليث الكتيبة، على القرم، وكلها أوصاف لشيء واحد؛ هو الملك، وذلك جائز عند أهل اللغة. انظر: "الانتصاف من الإنصاف"، بهامش "الإنصاف" ٢/ ٤٧٠.
(٥) الحسن بن الحسين بن العلاء، أبو سعيد النحويّ اللغويّ، المعروف بابن السكري، أخذ عن أبي حاتم السجستاني، والرياشي، كان راوية للبصريين، وكان ثقة ديناً صادقاً، له: كتاب "الوحوش"، وكتاب "النبات"، و"أشعار هذيل" مات سنة ٢٧٥ هـ، وقيل (٢٩٠ هـ)، وكان مولده سنة (٢٠٢ هـ) انظر: "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٨٣. "الفهرست" ص ٢١٧، "نزهة الألباء" ص ١٦٠، "البلغة" ص ٢٩٦، "البغية" ١/ ٥٠٢.
530
سيبويه (١)، ويلحقها (ما) على وجهين: أحدهما: أن تكون نكرة بمعنى شيء، وذلك كقوله:
رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأمْرِ لها فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَالِ (٢)
فـ (ما) في هذا البيت اسم لما يُقَدَّر من عَوْد الذكر إليه من الصفة، المعنى: رب شيء تكره النفوس، وإذا عاد إليها الهاء كان اسمًا ولم يجز أن يكون الحرف (٣)، كما أن قوله سبحانه ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ﴾ [المؤمنون: ٥٥] ما عاد الذكر إليه علمت بذلك أنه اسم، ويدلك على أن (ما) قد تكون اسمًا إذا وقعت بعد رب وقوع (من) بعدها (٤) في نحو قوله (٥):
(١) انظر: "الكتاب" باب الجر ١/ ٤١٩.
(٢) "ديوان أمية بن أبي الصلت" ص ٤٤٤ وفيه: (تجزع) بدل (تكره)، وورد البيت في "الكتاب" ٢/ ١٠٩، ٣١٥، "اللسان" (فرج) ٦/ ٣٣٦٩، "الخزانة" ٦/ ١٠٨، ١٠/ ٩، وورد غير منسوب في "البيان والتبيين" ٣/ ٢٢٤ برواية (تجزع)، "المقتضب" ١/ ٤٢، "جمهرة اللغة" ١/ ٤٦٣، "إيضاح الشعر" ص٢٩٥، ٤٤٥، "معاني الحروف" للرماني ص ١٥٦، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٤ برواية (تجزع)، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٥٥٤، "أساس البلاغة" ٢/ ١٩١ (فرج)، "تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٧٧ "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٢ برواية "تجزع"، "إنباه الرواة" ٤/ ١٣٤، "شرح المفصل" ٣/ ٤، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٤٣، "همع الهوامع" ١/ ٢٢، ٣١٦، "شرح الأشموني" ١/ ١٩٢، (الفَرجة) بالفتح قيل: الراحة من حزن أو مرض، و (الفُرجة) بالضم: الخلل بين الشيئين، (العقال) بالكسر: الحبل الذي يشد به قوائم الإبل، والمعنى: ربّ شيء تكرهه النفوس من الأمور الحادثة الشديدة، وله فَرجة سهلة سريعة تعقب الضيقَ والشدة؛ كحل عقال الدابة.
(٣) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤٦٠ بنصه.
(٤) في جميع النسخ: (بحدها)، والمثبت هو الصحيح، وموافق للمصدر.
(٥) هو عمرو بن قميئة جاهلي.
531
يا رُبَّ مَن يُبْغِضُ أذْوادَنا رُحْنَ على بَغْضائِه واغْتدَيْنْ (١)
وكما دخلت على (مَنْ) وكانت نكرة، كذلك تدخل على (ما) فهذا ضرب، والضرب الآخر: أن تدخل (ما) كافة، نحو الآية، والنحويون يسمّون (ما) هذه الكافة؛ يريدون أنها بدخولها كفت الحرفَ عن العمل الذي كان له، وهيأته لدخوله على ما لم يدخل عليه، ألا ترى أن (رب) إنما تدخل على الاسم المفرد؛ نحو: رب رجل يقول ذلك، ولا تدخل على الفعل، فلما دخلت (ما) عليها هيأتها للدخول على الفعل كهذه الآية (٢)، فإن قيل لم قال: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ﴾ فجاء بعد ربما بفعل مستقبل، وسبيلها أن يأتي بعدها الماضي كما يقال: ربما قصدني عبد الله، ولا يكاد يستعمل المستقبل بعدها؟ قال ابن الأنباري: المستقبل في هذا بمنزلة الماضي، وإنما جاز الماضي هاهنا وهو لأمر لم يأت؛ لأن القرآن نَزَّل وعده ووعيده وما كان فيه كأنه عيان، فجرى الكلام فيما لم يكن منه كمجراه في الكائن، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ [سبأ: ٥١] كأنه ماضٍ وهو منتظَر؛
(١) ملحقات "ديوانه" ص ٨١، وورد في: "الكتاب" ٢/ ١٠٨، "الأزهية" ص ١٠١، "أمالي ابن الشجري" ٣/ ٢١٩، ٦٤، وورد بلا نسبة في: "الحيوان" ٣/ ٤٦٦، "المقتضب" ١/ ٤١، "المسائل البغداديات" ص ٥٦٦ (صدره)، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٢، "شرح المفصل" ٤/ ١١، "معجم الشعراء" ص ٢٧ وقد نسبه إلى عمرو بن لأي جاهلي. (الأذواد)، جمع ذود، وهو القطيع من الإبل ما بين الثلاث إلى الثلاثين، يعني أنهم أعزاء لا يستطيع أحد صد إبلهم عن مرعى، مما لهم من قوة ومنعة، (اغتدين) غدا يغدُو غدْوًا وغُدواً، واغتدى: بكَّر، والاغْتداء، الغُدُوُّ. "اللسان" (غدو) ٦/ ٣٢٢١.
(٢) "الحجة للقراء" ٥/ ٣٦ وهو نقل طويل مع اختصار يسير، وانظر: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٤، الفخر الرازي ١٩/ ١٥٢.
532
لصدقه، وكذلك قوله: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: ١] وقوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٤٤] وهذا معنى قول الفراء في هذه الآية (١)، وقال أبو علي الفارسي: إنما وقع ﴿يَوَدُّ﴾ في الآية على لفظ المضارع؛ لأنه حكايته لحال آتية، كما أن قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [النحل: ١٢٤] حكايته لحال آتية أيضًا، ومن حكايته الحال قول القائل (٢):
جَارِيةٌ في رَمَضَانَ الماضِي تُقَطِّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ (٣)
قال ومن زعم أن الآية على إضمار (كان) وتقديره: ربما كان يود الذين كفروا، فقد خرج بذلك عن قول سيبويه (٤)، ألا ترى (كان) لا تُضمر عنده، ولم يُجِزْ: وعبد الله المقتول، وأنت تريد: كن عبد الله المقتول، قال: ويجوز أن يكون (ما) في هذه الآية صفة بمنزلة شيء، و ﴿يَوَدُّ﴾ صفة له؛ وذلك أن (ما) لعمومها تقع على كل شيء، فيجوز أن يعني بها الودّ؛
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٢.
(٢) منسوب لرؤبة وهو في ملحقات "ديوانه" ص ١٧٦ وروايته:
لقد أتى في رمضان الماض جارية في درعها الفضفاضِ
تُقطّعُ الحديث بالإيماض أبيض من أختِ بني إباضِ
(٣) ورد غير منسوب في: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٤، "غرائب التفسير" ١/ ٥٨٥، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٨٥ "اللسان" (رمض) ٣/ ١٧٣٠، "الخزانة" ١/ ١٥٦، "الإنصاف" ص ١٢٤ برواية:
جارية في درعها الفَضْفَاض
والمعنى أن القوم كانوا يتحدثون فأومضت امرأة فتركوا الحديث واشتغلوا بالنظر إليها لبراعة جمالها.
(٤) لأن هذا ليس من مواضع إضمار كان عنده؛ فكان لا تضمر عنده إلا حيث يكون حذف مقتضيها، وفي موضع تقوى الدلالة عليها. ذكره المنتجب في "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٨٥، وانظر: "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٤٤.
533
كأنه في هذا الوجه أيضًا حكاية حال، ألا ترى أنه لم يكن بَعْدُ، انتهى كلامه. (١) وقد تلي (ربما) الأسماءُ، وكذلك (ربتما)، أنشد ابن الأعرابي (٢):
ماويَّ يَا ربَّتَما غارةٍ شَعْواءَ كاللَّذْعةِ بالِمِيسمَ (٣)
وإن قيل لِمَ (٤) لَمْ تكف (ما) (رب) عن العمل كما كفت (إنّ) في قولك: إنما الله، وإنما زيد؟! قيل الفرق بينهما أن (إنّ) حرف الابتداء، فلما سُلب العمل بالكف لم يبق للجملة معنى سوى الابتداء، وحق الابتداء الرفع، ومعنى (رب) وهو التقليل موجود في الاسم كل حال، دخل عليه (ما) أو لم يدخل فتبَيَّن أثره في الاسم، فأما قراءة من قرأه ﴿رُبَمَا﴾ بالتخفيف (٥)؛ فلأنه حرف مضاعف، والحروف المضاعفة قد تحذف
(١) "الحجة للقراء" ٥/ ٣٩ بنصه.
(٢) والبيت لضمرة بن ضمرة النهشلي (جاهلي).
(٣) ورد البيت منسوباً في: "نوادر أبي زيد" ص ٢٥٣، "المعاني الكبير" ٢/ ١٠٠٥، "الخزانة" ٩/ ٣٨٤. وورد غير منسوب في "تهذيب اللغة" (ماء) ٩/ ٣٣١٤، ٩/ ٣٨١٤ (رب) ٢/ ١٣٣٩، (موا) ٤/ ٣٤٦٧، "الحجة للقراء" ٥/ ٣٥، "الإنصاف" ص٩٠، "شرح المفصل" ٨/ ٣١، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٤١٣، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٥٢، "الخزانة" ١١/ ١٩٦، ورواية "النوادر والمعاني" و"الحجة" و"الأمالي": (بل ربتما). (ماويّ): أراد ماويّ؛ من أسماء النساء، فرخَّم، (الشعواء) الغارة الكثيرة المنتشرة؛ أراد الخيل التي تغير، (المِيسم) ما يوسم به البحير بالنار.
(٤) في (أ)، (د): (لو)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح لاستقامة المعنى به.
(٥) هما نافع وعاصم. انظر: "السبعة" ص ٣٦٦، "إعراب القراءات السبع" ١/ ٣٣٩، "علل القراءات" ١/ ٢٩٣، "الحجة للقراء" ٥/ ٣٥.
534
نحو: إنّ، وأنّ، ولكنّ، قد حذف (١) كل واحد من هذه الحروف، وليس كل المضاعف يحذف نحو (ثُمَّ)، لم يُحك فيه الحذف (٢)، قال أبو إسحاق: العرب تقول: رُبّ رجلٍ جاءني، ويخففون فيقولون: رُبَ رَجُلٍ، وأنشد (٣):
أَسُمَيَّ ما يُدْرِيكِ أن رُبَ فِتْية بَاكَرْتُ لذَّتَهُمْ بِأدْكَنَ مُتْرَعِ (٤)
ويسكنون أيضًا في التخفيف فيقولون: رُبْ رَجُلٍ، وأنشد بيت الهذلي:
أزُهَيْرُ إن يَشِبِ القَذَالُ فإنني (٥) رُبَ هَيْضلٍ مَرِسٍ لَفَفْتُ بِهَيْضَلِ (٦)
(١) في جميع النسخ: (خفف)، والمثبت هو الصحيح لاستقامة الكلام، وموافقة المصدر.
(٢) ورد في "الحجة للقراء" ٥/ ٤١ بنصه، وانظر: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٦.
(٣) للحادرة أو الحويدرة؛ واسمه قطبة بن أوس الذبياني (جاهلي).
(٤) "ديوان الحادرة" ص ٥٦، وورد في "المفضَّليات" ص ٤٦، "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧١، "علل القراءات" ١/ ٢٩٣، "شرح اختيارات المفضل" ١/ ٢٢٥، وورد بلا نسبة في "إعراب القراءات السبع" وعللها ١/ ٣٤٠وفيه: (سُخرتهم) بدل (لذتهم)، "المُنصف" (٣/ ١٢٩) وفيه: (ما أدراك)، وفي الديوان وجميع المصادر ما عدا علل القراءات بدايته برواية: (فَسُمَيَّ)، وهو تَرْخيم سُمَيَّة. (باكرتُ لذتهم) أسرعت إليهم لأمتعهم، (الأدكن المترع) الزِّق المليء بالخمر.
(٥) في جميع المصادر - ما عدا الديوان والزجاج والطوسي وابن الجوزي (فإنه).
(٦) "شرح أشعار الهذليين" ص ١٠٧٠، وورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣١٦، "أمالي ابن الشجري" ٣/ ٤٨، إيضاح شواهد الإيضاح ١/ ٢٨٧، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٠، "الخزانة" ٩/ ٥٣٧، وورد غير منسوب في: "المحتسب" (ع) ٢/ ٣٤٣، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ١٧٩، "الإنصاف" ص ٢٤٧، "شرح المفصل" ٨/ ٣١، "الممتع في التصريف" ٢/ ٦٢٧، "المقّرِب" ٨/ ٢٠٠، "رصف المباني" ص ١٤١، ٢٧٠، "الخزانة" ٩/ ٥٣٥، وفي الديوان وجميع المصادر - ما عدا "تفسير ابن =
535
والهيضل جماعة متسلِّحة، قال ويقولون: رُبَّتْ بسكون التاء، ورَبَّت بفتح الراء، ومثله: رَبَّ ورُبَمَا ورَبَّتَمَا، حكى ذلك قطرب (١)، قال أبو على: من الحروف ما دخل عليه حرف التأنيث نحو: ثُمَّ ثمَّت، ولا ولات (٢)، فأمّا معنى الآية فهو ما رواه أبو موسى أن النبيّ - ﷺ - قال: "إذا كان يوم القيامة واجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القلبة، قال الكفار لهم: ألستم مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم بفضل رحمته فيأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فيخرجون منها فحينئذ ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ وقرأ رسول الله - ﷺ - هذه الآية" (٣) وعلى هذا أكثر المفسرين؛ أبو
= الجوزي" و"المقرب" و"الرصف" و"الخزانة"- برواية (لَجِبٍ) بدل (مَرِسٍ) ولا يختلف المعنى. (زهير) مرخَّم زهيرة، وهي ابنته، (القذال) ما بين الأذن والقفا، (مَرِسٍ) ذو مَرَاسَة وشدة، (لَجِبٍ) من قولهم جيشٌ لجب؛ عرمرم، ذو جَلَبة وكثرة.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧١ بتصرف يسير.
(٢) "الحجة للقراء" ٥/ ٤١ بنصمي
(٣) أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" ٢/ ٤٠٥ بنحوه، والطبري في "تفسيره" ١٤/ ٢ بنحوه، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٤٢ بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في "البعث" ص ٩١، وأورده ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٦٠٠ - ٦٠١ وعزاه إلى الطبراني لم أقف عليه وابن أبي حاتم، وأوده الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٤٥، قال وفيه خالد بيت نافع الأشعري، قال عنه أبو داود: متروك، وبقية رجاله ثقات، وأورده السيوطي في "الدر" ٤/ ١٧٢ وزاد نسبته إلى ابن مردويه، وورد دون سند في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٧ - ٣٦٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٥٤ وهذا الحديث يدور على خالد بن نافع الأشعري، وهو ضعيف بل قال عنه أبو داود متروك، ولم يوافق الذهبي على تركه، وقال: هذا تجاوز فلا يستحق =
536
العالية ومجاهد والسدي ومقاتل وغيرهم، قالوا: أنزلت في تمني الكفار الإسلام عند خروج من يخرج من النار من أهل الإسلام (١)، قال حماد (٢): سألت إبراهيم عن هذه الآية فقال: إن الكفار يقولون لأهل التوحيد ما أغنى عنكم لا إله إلا الله، فيأمر الله الملائكة والنبيين فيشفعون لهم، فيخرجهم من النار (٣)، ونحو هذا قال ابن عباس في رواية عطاء (٤)، وروى مجاهد
= الترك وقد حدث عنه أحمد ومسدد "الميزان" ٢/ ١٦٦، ومع ذلك فالحديث ضعيف بهذا الإسناد؛ لضعف خالد الأشعري، لكن له شواهد عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهما لذلك صحح الألباني الحديث في تحقيقه لكتاب "السنة" لابن أبي عاصم ٢/ ٤٠٦.
(١) "تفسير مجاهد" ص ٣٣٩ مختصرًا، وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٥ بنحوه عن مجاهد، والطبري ١٤/ ٣ بمعناه عن مجاهد وأبي العالية، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٧ عن مجاهد، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٤ عن مجاهد وأبي العالية، "الطوسي" ٦/ ٣١٧ عن مجاهد، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨١ عن مجاهد وأبي العالية، وابن كثير ٢/ ٦٠٠ - ٦٠١ عن مجاهد وأبي العالية، ولم أقف على القول في تفسير مقاتل ولا منسوباً إليه ولا إلى السدي.
(٢) حمّاد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة، أحد الأعلام، ثقة عابد، روى عن قتادة وابن أبي مليكة وثابت، وروى عنه ابن المبارك ووكيع وابن مهدي، قال ابن معين: إذا رأيت من يقع فيه فاتهمه على الإسلام، مات سنة (١٦٧هـ)، "الجرح والتعديل" ٣/ ١٤٠، "الكاشف" ١/ ٣٤٩، "تقريب التهذيب" ص ١٧٨ رقم (١٤٩٩).
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٥ بنحوه، و"الطبري" ١٤/ ٥ بنصه وبنحوه بعدة روايات، وورد بنحوه في: "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٧، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٤، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨١.
(٤) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص ٥٥٨، والطبري ١٤/ ٥، والبيهقي في البعث ص ٨٩، كلهم من طريق القاسم بن الفضل، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨١، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٢ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
537
عن ابن عباس قال: مايزال (١) الله تعالى يرحم ويدخل الجنّة ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة، قال فذلك حين يقول: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية (٢).
وقال الضحاك: إذا احتضر الكافر وعلم أنه صائر إلى جهنم ودَّ أنه كان مسلمًا (٣)، قال الزجاج: والذي أراه والله أعلم، أن الكافر لما رأى حالاً من أحوال العذاب ورأى حالاً من أحوال المسلم، ودَّ لو كان مسلمًا (٤). فإن قيل (رب) موضوعة للتقليل وهي في التقليل نظيرة (٥) (كم) في التكثير، وإذا قال الرجل: ربما زارنا فلان، دلّ بربما على تقليل الزيارة، وتمني الكافر الإسلام يكثر ويتصل فلا يشاكله ربما؟
قال ابن الأنباري: هذا الكلام معناه من الله التهديد، والمعنى: أن هذا لو كان مما يتمنى مرة واحدة من الدهر لكانت المسارعة إليه عند الإمكان واجبة، فكيف والتمني له يتصل ويكثر (٦)، وإنما خوطبت العرب
(١) في (أ)، (د): (ما أنزل)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح.
(٢) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٥ بنصه، من طريق عطاء بن السائب "صحيحة"، وأورده الثعلبي ٢/ ١٤٥ ب بنصه، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٥١ وصححه، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ٨٩ بنصه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨١، الفخر الرازي ١٩/ ١٥٤، الشوكاني ٣/ ١٢٤ وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وهناد السريّ وابن المنذر.
(٣) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٤ بنحوه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٧، وابن الجوزي ٤/ ٣٨١، الفخر الرازي ١٩/ ١٥٤، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢، والخازن ٣/ ٨٨.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٢ بنصه.
(٥) في الجميع: (نظره)، والمثبت هو الصحيح وبه يستقيم المعنى.
(٦) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٢، وورد هذا المعنى في "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٠، والبيضاوي ١/ ٢٦٧، وابن جزي ٢/ ١٤٣.
538
في القرآن بما تعقله، والرجل يتهدَّدُ صاحبه فيقول له: لعلك ستنْدَمُ على فعلك، وهو لا يشك في أنه يندم، ويقول: ربما تندم على هذا، وهو يعلم أنه يندم كثيرًا، ولكن مجازه أن هذا لو كان يخاف منه ندم قليل، لكان تركه واجبًا، فكيف إذا لم يتيقن قلة الندم من جهته؟ والدليل على أن هذا ورد في التهدد قوله بعده: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا﴾ الآية، وهذا كله معنى قول الزجاج، قال: وجائز أن تكون أهوال القيامة تشغلهم عن التَّمَنّي، فإذا أفاقوا من سكرةٍ من سكراتِ العذاب ودّوا ذلك (١)، وعبَّر بعض أهل المعاني عن هذين الجوابين بعبارة وجيزة؛ فقال في الجواب الأول: التقليل أبلغ في التهدد، كما يقول: ربما ندمت على هذا، وهو يعلم أنه يندم ندمًا طويلًا أي: يكفيك قليلُ الندم فكيف كثيرُهُ، وقال في الجواب الثاني: إنه يشغلهم العذاب عن تمني ذاك إلا في القليل (٢)، قال أبو إسحاق: ومن قال إن (رُبَّ) يُعْنَى بها الكثير، فهو ضد ما يعرفه أهل اللغة (٣).
٣ - قوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا﴾ يقول: دع الكفار يأخذوا حظوظهم من دنياهم، فتلك خلاقهم، ولاخلاق لهم في الآخرة، وقال صاحب النظم: المعنى ذرهم ولا تَدْعُ عليهم فيهلكوا (٤)، وإذا تركهم خاضوا ولعبوا وأكلوا وتمتعوا، وهذا كقوله: ﴿يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا﴾ [الزخرف: ٨٣].
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٢ بتصرف.
(٢) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٣، والخازن ٣/ ٨٨.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٣ بنصه.
(٤) وهو قول غريب لم أجد أحدًا من المفسرين قال به، ووجه الغرابة أنه ثبت دعاؤه على الكفار في بعض المناسبات.
وقوله تعالى: ﴿وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾ يقال: لَهِيتُ عن (١) الشيء ألْهَى لُهِيًّا (٢)، وجاء في الحديث: "إن ابن الزبير كان إذا سمع صوت الرعد لَهِي عن (٣) حديثه" (٤) قال الكسائي والأصمعي: أي تركه وأعرض عنه، وكلُّ شيء تركته فقد لَهِيْتَ عنه (٥)، وأنشد ابن الأعرابي:
صرَمَتْ حِبالَكَ فالْهَ عنها زَينبُ ولَقَد أَطَلْتَ عِتَابَها لو تُعْتِب (٦)
ويقال: ألهاه الشيء، أي: شغله وأنساه وحمله على الترك والإعراض، قال المفسرون في قوله: ﴿وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾ شغلهم الأمل عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة (٧)، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وعيدٌ وتهديدٌ، أي فسوف يعلمون إذا وردوا القيامة وبال ما صنعوا.
٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ قال ابن عباس: يريد من أهل قرية (٨)، ﴿إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ يريد أجل ينتهون إليه، يعني: أن لأهل
(١) في جميع النسخ (من) والمثبت هو الصحيح وموافق لجميع المصادر.
(٢) "جمهرة اللغة" ٢/ ٩٩١، "تهذيب اللغة" (لهى) ٤/ ٣٣٠٤ "الصحاح" (لها) ٦/ ٢٤٨٨، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٤.
(٣) في جميع النسخ: (من)، والمثبت هو الصحيح وموافق لجميع المصادر.
(٤) لم أجده في كتب السنة، وورد في "تهذيب اللغة" (لهى) ٤/ ٣٣٠٤ بنصه، "الصحاح" (لها) ٦/ ٢٤٨٨، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٥.
(٥) المصادر السابقة.
(٦) ورد غير منسوب في "تهذيب اللغة" (لهى) ٤/ ٣٣٠٤، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٥.
(٧) ورد في "تفسير الطبري" ١٤/ ٥ بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٤٥ ب بنصه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٢، والفخرالرازي ١٩/ ١٥٥، والخازن ٣/ ٨٨.
(٨) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٤٤ بنصه، "تنوير المقباس" ص ٢٧٦، وورد بلا نسبة في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٩، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٢.
كل قرية أجلًا مؤقتًا قد كتب لهم، لا نهلكهم حتى يبلغوه، نزلت هذه الآية حين استعجلوه بالعذاب (١)، ألا ترى أن بعد هذه الآية لمحوله: ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا﴾ الآية.
قال الفراء: لو لم يكن في (ولها) الواو كان صوابًا، كما قال في موضع آخر، ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٢٠٨] وهو كما تقول في الكلام: ما رأيت أحدًا إلا وعليه ثياب، وإن شئت: إلا عليه ثياب (٢).
قال صاحب النظم: والفرق بينهما أن دخول الواو يقلب حال ما بعدها إلى الابتداء، وخروجها منه يدل على أن ما بعدها في موضع حال، اعتبارًا بقولك: ما أهلكنا من قرية إلا ظالمًا أهلها، فيكون نصبًا على الحال، فإذا دخلت الواو قلت: إلا وأهلها ظالمون، فقلبت الواوُ الحالَ (٣) إلى أن جعلتها مبتدأة، فانقلبت رفعًا عن النصب، وهذا فرق من حيث اللفظ، والمعنى واحد، أثبتَّ الواو أو حذفتَها.
٥ - قوله تعالى: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ﴾ (من) زائدة مؤكدة كقولك: ما جاءني من أحد، ﴿أَجَلَهَا﴾: ما ضرب لها من الوقت، قال ابن عباس: يريد ما تتقدم الوقت الذي وُقت لها، ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾: لا يتأخرون عنه، وهذا كقوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ [الأعراف: ٣٤] وقد مرَّ.
قال صاحب النظم: معنى سَبَقَ إذا كان واقعًا على شخص، جاز
(١) لم يورده المؤلف في كتابه "أسباب النزول" ولم أقف عليه في كتب الفن أو التفاسير.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢٨٣ بنصه.
(٣) ساقطة من (د).
وخَلّف، كقولك: سبق زيدٌ عمرًا، أي جاره وخلّفه وراءه فاستأخر، معناه قصر عنه ولم يبلغه، وإذا كان واقعًا على زمان كان بالعكس من هذا؛ كقولك: سبق فلانٌ الحولَ وعامَ كذا، أي مضى قبل إتيانه ولم يبلغه، ومعنى: استأخر عنه، أي: جارُه وخلّفه وراءه، فقوله: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ أي لا تقصر عنه فلا تبلغه؛ بأن تهلك قبل بلوغ الأجل ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ أي ما يتجاوزونه ويتأخر الأجل عنهم.
وقال الفراء في هذه الآية: لم يقل: تستأخر؛ لأن الأمة لفظها مؤنث، فأخرج أول الكلام على تأنيثها وآخره على معنى الرجال (١)، قال الكسائي: رجع إلى الجماع لأنه رأس آية، والآيات على النون، وتقول: انطلقت العشيرة ففعلت، وفعلوا، كلٌّ صواب (٢).
٦ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ أي: القرآن، قال ابن عباس في رواية عطاء: هذا استهزاء منهم لو أيقنوا أنه نزل عليه الذكر ما قالوا: إنك لمجنون (٣)، ولكنهم استهزؤوا، كما قال قوم شعيب لشعيب: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧]. وذكر أبو علي وجهًا آخر هو لأصحاب المعاني فقال: الذين يقولون للنبيّ - ﷺ - مجنون لا يقرون بإنزال الذكر عليه، فهذا على ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾: عنده وعند من تبعه، كما قال تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩]
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٤ بنصه.
(٢) لم أقف على قوله.
(٣) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٣، وورد بمعناه غير منسوب في "تفسير البيغوي" ٤/ ٣٦٩، والزمخشري ٢/ ٣١٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٥٨، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٤.
542
أي عند نفسك، وكما أخبر عن السحرة، ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [الزخرف: ٤٩] ومن آمن من السحرة لا يعتقدون فيه أنه ساحر، وإنما التقدير (١) فيما يذهب إليه فرعون وقومه، أو فيما يظهرون من ذلك، وقد قال زهرة اليمن (٢):
أبْلِغْ كُلَيْبًا وأَبْلِغْ عَنْك شَاعِرَها أنَّي الأغَرُّ وأنِّي زهرةُ اليَمَنِ (٣)
(وأجابه جرير:
ألَمْ يَكُنْ في وُسُومٍ قد وَسَمْتُ بِهَا مَنْ حانَ موعظةً يازهرةَ اليَمنِ) (٤) (٥)
يعني: عند نفسك، لا أنه سَلَّم (٦) له هذه التسمية.
(١) من قوله: (ادع لنا ربك) حتى هذا الموضع، ساقط من (أ)، (د).
(٢) وفي الخصائص أنه لبعض اليمانية، ولم أقف عليه.
(٣) ورد البيت في "المسائل الحلبية" ص ٨٢، ١٦١، "الخصائص" ٢/ ٤٦١، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٥، "تفسير ابن عطية" ١٣/ ٢٨٧، أبي حيان ٨/ ٤٠، "الدر المصون" ٩/ ٦٢٩، وبلا نسبة في "المسائل العسكرية" ص ٩٤.
(٤) "ديوان جرير" ص ٤٦٧، وليس فيه الشاهد لأنه برواية (ياحارث اليمن)، وورد في "المسائل الحلبية" ص ٨٢، ١٦٢، "المسائل العسكرية" ص ٩٤، "الخصائص" ٢/ ٤٦١، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٥، "تفسير ابن عطية" ١٣/ ٢٨٧، أبي حيان ٨/ ٤٠، "الدر المصون" ٩/ ٦٢٩، وفي الأخيرين برواية (كان) بدل (حان)، (وسوم) جمع وسم، وهو أثر الكي بالنار، والمراد الأثر السيء الناتج عن هجائه، (حان) أي هلك. ومعناه: ألم تكن لك موعظة في الشعر الذي هجوتك به من قبل فكان كالنار التي أكويك بها وأقضي عليك يا من تسمي نفسك زهرة اليمن، والشاهد: قوله: (يا زهرة اليمن) أي: يا من سمى نفسه زهرة اليمن، ولست عندي كذلك.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٦) في جميع النسخ: (سلمه) وقد أدى إلى اضطراب المعنى، والمثبت هو الصحيح، ولعله من تصحيف النساخ.
543
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ يقال: جُنّ فلان فهو مجنون، وقد أجَنّه الله، وبه جنون وجِنّة ومَجِنّة، وأصله من الستر، ومنه قيل للنبت الملتف مجنون؛ لأن بعضَه يستر بعضًا (١)، وهذا الحرف مذكور فيما سبق.
٧ - وقوله تعالى: ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ﴾ قال الفراء والزجاج: (لولا) و (لوما) لغتان معناهما: هلا (٢)، وذمنا الكلام في (لولا) قبل هذا، و (لوما) لغة فيه، ويستعملان في الخبر والاستفهام، فالخبرُ مِثلُ قولِك: لولا أنت لفعلت كذا، ومنه قوله: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٣١] والاستفهام كقوله: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٨] وكهذه الآية، هذا قول الفراء، قال: (ولوما) الميم فيه بدل من اللام في (لولا)، ومثله: استولى على الشيء، واستومى عليه (٣)، ومثله ماحكاه الأصمعي من قولهم: خالَمْته وخالَلْتُه، إذا صادقته، وهو خِلِّي وخِلْمي (٤)، وقال عبيد:
لَوْمَا على حُجْرِابْنِ أُم قَطَامِ تَبْكِي لا عَلَيْنا (٥)
(١) "جمهرة اللغة" ١/ ٩٢، و (جنن) في: "لمحيط في اللغة" ٦/ ٤٠٩، "الصحاح" ٥/ ٢٠٩٣.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٤ بنحوه، "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٣ بمعناه، وانظر: "معاني الحروف" للرماني ص ١٢٤.
(٣) لم أقف على مصدره، وورد في "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٩، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٤.
(٤) ورد في "تهذيب اللغة" (ولي) ٤/ ٣٩٥٨ بنصه، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٩، "اللسان" (ولي) ٨/ ٤٩٢٤، "الدر المصون" ٧/ ١٤٤.
(٥) ورد في: "الشعر والشعراء" ص ١٦٦، و"الأغاني" ٢٢/ ٨٨ برواية ليس فيها الشاهد، وهي:
هلاَّ على حُجرِ ابن أُمِ.... قَطَامِ تبكي لا علينا
وهذا في الاستفهام، وقال ابن مقبل في الخبر:
لَوْ مَا الحياءُ ولَوْ مَا الدّينُ عِبْتُكُمَا بِبَعْضِ ما فيكُمَا إِذْ عِبْتُما عَوَرِي (١)
قال ابن عباس: يريد لولا (٢) جئتنا بالملائكة حتى نصدقك (٣).
٨ - قوله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقّ﴾ هذا جواب لقولهم: ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ﴾ يقول الله تعالى: ما ننزل الملائكة إلا بالعذاب، قاله ابن عباس (٤)، وقال أبو إسحاق: أي: إنما (٥) تنزل بآجال أو بوحي من الله (٦)، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ الآية [الأنعام: ٨]
= وورد بهذه الرواية البيت في"تهذيب اللغة" (ولي) ٤/ ٣٩٥٨، "اللسان" (ولي) ٨/ ٤٩٢٤.
(١) "ديوانه" ص ٧٦ وفيه: (لولا) بدل (لو ما) في المرتين، وليس في رواية الديوان الشاهد، وورد في "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٦، و"تفسير الطبري" ١٤/ ٦، والثعلبي ٢/ ١٤٥ ب، والطوسي ٦/ ٣١٩، والزمخشري (٢/ ٣١٠، وابن عطية ٨/ ٢٨٣، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٣، و"تفسير القرطبي" ١/ ٤، "اللسان" (بعض) ١/ ٣١٣، وفي جميع النسخ (فوري) بدل (عوري) ولم يظهر لي المعنى به، ولعلها تصحفت، خاصة أنه في الديوان وجميع المصادر (عوري).
(٢) (يريد لولا) ساقط من (أ)، (د).
(٣) "تنوير المقباس" ص ٢٧٦ بمعناه، وورد غير منسوب بمعناه في "تفسير الطبري" ١٤/ ٧. "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٩، والزمخشري ٢/ ٣١٠، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٣.
(٤) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٤٤ بمعناه، "تنوير المقباس" ص ٢٧٦ بمعناه، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٩، والخازن ٣/ ٨٩.
(٥) في جميع النسخ: (ما إن)، والتصويب من المصدر.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٣ نصه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد إذا نزلت الملائكة لم يناظروا؛ أي: لم يمهلوا (١)، ونحوه قال الزجاج: أي: لو نزلت الملائكة لم ينظروا، وانقطعت التوبات (٢)، يريد أن التكليف يزول ويسقط عند عَيان الغيب.
وقال صاحب النظم: أي: إذا نزل الملك وجب العذاب من غير تأخير ولا انتظار إذا لم يؤمنوا، وذلك أن تأويل (إذا) من كلمتين من (إذ) وهو اسم بمنزلة حين، ألا ترى أنك تقول: أتيتك إذ جئتني، ثم ضم إليها (أن) بضم إذ أن، إلا أنهم استثقلوا الهمزة فحذفوها، ومجيء (أن) دليل على إضمار فعل بعده على تأويل: وما كانوا إذ أن كان ما طلبوا (٣)، وذكرنا الكلام في (إذًا) عند قوله: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ﴾ (٤) [النساء: ٥٣]
٩ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا﴾ قال ابن عباس: يريد نفسه تبارك وتعالى.
قال أهل اللغة: هذا من كلام الملوك؛ الواحد منهم إذا فعل شيئًا قال: نحن فعلنا، يريد نفسه وأتباعه، ثم صار هذا عادة للملوك في الخطاب، وإن انفرد بفعل الشيء قال: نحن فعلنا، فخوطبت العرب بما
(١) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٤٥ بنصه، "تنوير المقباس" ص ٢٧٦ بمعناه، وغير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، والماوردي ٣/ ١٤٩، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٦٩، والزمخشري ٢/ ٣١١، وابن عطية ٨/ ٢٨٤، والفخر الرازي ١٩/ ١٥٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤، والخازن ٣/ ٨٩.
(٢) "معاني القرآن واعرابه" ٣/ ١٧٣ بنصه.
(٣) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٥٩، وصديق خان ٧/ ١٤٨.
(٤) انظر: "البسيط"، [النساء: ٥٣] ومن آية [٤٢]، إلى أثناء آية [٥٣] ساقط من النسخ، والكلام عن (إذاً) من الجزء الساقط.
546
تفعل من كلامها (١).
وقوله تعالى: ﴿نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ يعني القرآن في قول عامة المفسرين (٢) ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ قال قتادة: أنزله الله وحفظه من أن يزيد الشيطان فيه باطلاً أو يسقط منه حقًا (٣).
ونحو هذا قال أبو إسحاق: أن يحفظ من أن يقع فيه زيادة أونقصان، كما قال عز وجل: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ (٤) [فصلت: ٤٢]
فإن قيل: لم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في الصحف، وقد وعد الله حفظه، وما حفظه الله (٥) فلا خوف عليه؟
الجواب أن يقال: جَمْعُهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله إياه، ولما أراد حفظه قيضهم لذلك، وقال ابن الأنباري: إنهم أرادوا تسهيل القرآن على الناس وتقريب مطلبه بالذي فعلوه، لكي يَسْهُلَ تناولُه على من أراد حفظه وقراءته إذا رأه مجموعًا في صحيفة، ولو لم يفعلوا ما كان يضيع إذ (٦) ضمِن الله حفظه.
(١) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٤.
(٢) ورد بنصه في: "تفسير الطبري" ١٤/ ٧، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، والماوردي ٣/ ١٤٩، و"تفسير البغوي" ٣/ ٤٤، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٤.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٥ بنصه، والطبري ١٤/ ٨ بنصه، وورد بنصه تقريبًا في: "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، والطوسي ٦/ ٣٢٠، والماوردي ٣/ ١٤٩، وانظر: و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٤، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥، و"الدر المنثور" ٤/ ١٧٥ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٤ بنصه.
(٥) (وما حفظه الله) ساقط من (أ)، (د) والمثبت من (ش)، (ع).
(٦) في (أ)، (د): (إن)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح.
547
قال أصحابنا: هذه الآية دلالة قوية على كون التسمية آية من كل سورة (١)؛ لأن الله تعالى قد وعد حفظ القرآن، وحقيقة حفظه أن يحفظه من الزيادة والنقصان على ما بَيَّنا، فمن لم يجعل التسمية من القرآن لم يجعل القرآن محفوظًا عن الزيادة، ولو جاز أن يُظنَّ بالصحابة أنهم زادوا التسمية جاز أن يظن بهم النقصان أيضًا، وهذا يؤدي إلى الإلحاد، وحكى الفراء جواز رجوع الكناية في (له) إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- المعنى: وإنا لمحمد حافظون (٢).
قال ابن الأنباري: ولمّا ذَكر الإنزالَ والمُنزَلَ دلَّ ذلك على المُنزَلِ عليه، فكنّى عنه كما كنّى عن القرآن في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١] من غير أن يتقدم ذكرُه لمثل هذه العلة، وقال: والقول الأول هو أوضح القولين، وأحسنها مشابهة لظاهر التنزيل، والله أعلم.
(١) بين العلماء في مسألة البسملة اتفاق واختلاف، اتفقوا جميعاً على أنها جزء من آية سورة النمل، واختلفوا هل هي آية من الفاتحة ومن كل سورة أم لا؟ على ثلاثة أقوال؛ طرفان ووسط: فذهب الحنفية إلى أنها آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور، وليست من الفاتحة، وذهب المالكية إلى أنها ليست آية لا من الفاتحة ولا من بداية السور، وذهب الشافعية إلى أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة، وهو ما أشار إليه الواحدي رحمه الله، واختلفت الرواية عن أحمد؛ فرويت عنه الأقوال الثلاثة كما في "المغني" ٢/ ١٥١ - ١٥٢، وما ذكره الحنفية أرجح وتجتمع عنده الأدلة. انظر: تفصيل المسألة مع أدلة كل فريق في: "تفسير الجصاص" ١/ ٨، وابن العربي ١/ ٢، والفخر الرازي ١/ ١٩٤، و"تفسير القرطبي" ١/ ٩٣، والألوسي ١/ ٣٩، "تفسير آيات الأحكام" للصابوني ١/ ٤٧.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٥ بنصه، انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٧، والسمرقندي ٢/ ٢١٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠.
548
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي رسلاً، فحُذف لدلالة الإرسال عليه، ﴿فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد في الأمم الأولين (١)، ونحوه قال قتادة (٢) في تفسير الشيع، وقال الحسن والكلبي: فرق (٣)، واختاره الزجاج (٤)، قال الفراء: الشيع: التُبَّاع، واحدهم شيعة، وشيعة الرجل أتباعه، والشيعة الأمة التابعة بعضهم بعضًا فيما يجتمعون عليه من أمر (٥)، وذكرنا الكلام هذ الحرف عند قوله: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: ٦٥] قال الفراء: وقوله: ﴿شِيَعِ الْأَوَّلِينَ﴾ إضافة الشيء إلى نفسه كقوله: ﴿حَقُّ الْيَقِينِ﴾ (٦) [الواقعة: ٩٥].
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٨ بلفظه، من طريق علي بن أبي طلحة أصح الطرق، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥ ب بنحوه، والطوسي ٦/ ٣٢٠ بنحوه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧٥ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وورد بلا نسبة في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٦٢.
(٢) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٨ بلفظه، وورد في الثعلبي ٢/ ١٤٥ب بلفظه، والطوسي ٦/ ٣٢٠ بنحوه، وورد غير منسوب في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، الفخر الرازي ١٩/ ١٦٢.
(٣) ورد منسوباً إلى الحسن فقط في: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥ ب بلفظه، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٦، ونسب إلى الحسن والكلبي في: تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٤٥، والألوسي ١٤/ ١٧.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٤ بلفظه.
(٥) لم أجده في معانيه، وورد بنحوه منسوباً إلى الفراء: تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٤٥، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٥، الفخر الرازي ١٩/ ١٦٢، الخازن ٣/ ٩٠، الشوكاني ٣/ ١٧٥، صديق خان ٧/ ١٥٠، "تهذيب اللغة" (شاع) ٢/ ١٨٠٧، و (شيع) في: "المحكم" ٢/ ١٥٤، و"المصباح" ١/ ٣٩٠.
(٦) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٢، و"تفسير أي حيان" ٥/ ٤٤٧، والثعلبي ٢/ ٢٠٨.
١١ - قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ قال ابن عباس: يُعَزِّي نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويُصَبِّره (١)، يريد كما استَهزأ بك قومك بعد طول إكرامهم لك، قال أهل المعاني: وإنما حمل الأمم على الاستهزاء استبعاد ما دُعوا إليه، والاستيحاش منه والاستنكار له، حتى توهموا أنه مما لا يكون ولا يصح مع مخالفته لِما كان عليه الأسلاف (٢)؛ وذلك أنهم تعجلوا الراحة بإسقاط النظرِ عن أنفسهم، والتفكرِ فيما أورده الرسول من المعجزات ليدلهم على الحق، وفي هذه الآية دليل على أن كلَّ واحدٍ من الرسل كان مبتلى بطائفة من المشركين، وما خلصت لرسولٍ دعوةً من الاستهزاء والتكبر.
١٢ - قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾، السَلْكُ إدخال الشيء في الشيء، كإدخال الخيط في المخيط، والرمح في المطعون (٣).
وقال الليث: الله يَسْلُكُ الكفارَ في جهنم؛ أي يدخلهم فيها (٤)، ومن هذا قوله ﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ [المدثر: ٤٢] وكل شيء أدخلته في شيء فقد سَلَكْتَه فيه، قال عديّ:
(١) ورد غير منسوب في: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥ ب بلفظه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٧.
(٢) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢١ بنصه تقريباً.
(٣) انظر: (سلك) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٣٨، و"الصحاح" ٤/ ١٥٩١، و"اللسان" ٤/ ٢٠٧٣.
وانظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١١، الرازي ١٩/ ١٦٢، القرطبي ١٠/ ٧، البيضاوي ١/ ٢٦٧، الخازن ٣/ ٩٠، "الدر المصون" ٧/ ١٤٨.
(٤) ورد في "تهذيب اللغة" (سلك) ٢/ ١٧٣٩ بنصه.
550
وكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ وَقَدْ سَلَكوكَ في يَوْم عَصِيبِ (١)
وذكر أبو عبيدة وأبو عبيد: سلَكْتُه وأسلكتُه بمعنى (٢)، وينشد بيت الهذلي:
حتَّى إذا أسْلَكُوهُم في قُتاَئِدهِم شَلاًّ كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا (٣)
بالوجهين، وقد حقق ابن عباس هذا التفسير فقال: يريد يسلكُ الشركَ في قلوب المكذبين، كما يسلك الخرزة في الخيط.
(١) ورد في "تفسير الطبري" ١٤/ ٩، و"الأغاني" ٢/ ١٠٣، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ أ، والطوسي ٦/ ٣٢١، وابن عطية ٧/ ٣٥٨، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٧ (عجز)، "اللسان" (سلك) ١٠/ ٤٤٢، وغير منسوب في "الدر المصون" ٧/ ١٤٨. (اللِّزاز) ما يتُرّس به الباب، (العَرْدُ) الشديد من كل شيء الصُّلْبُ المنتصب، وعرَّد الرجل تعريدا أي فرَّ، والمعنى: أي كنت إلى جانبك -يخاطب النعمان- أمنع عنك حتى في الأوقات العصيبة، ولم أحجم ولم أتراجع.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٧، بنحوه، وورد في "تهذيب اللغة" (سلك) ٢/ ١٧٣٩ بنصه عن أبي عبيد، وانظر: "جمهرة اللغة" ٢/ ٨٥٤.
(٣) "شرح أشعار الهذليين" ٢/ ٦٧٥، "مجاز القرآن" ١/ ٣٧، "جمهرة اللغة" ٢/ ٨٥٤، "الصحاح" (سلك) ٤/ ١٥٩١، "الاقتضاب" ص ٤٠٢، "أمالي ابن الشجري" ٣/ ٣٠، "الإنصاف" ص ٣٦٩، "تفسير القرطبي" ١٢/ ١١٩، "اللسان" (قتد) ٦/ ٣٥٢٥، (سلك) ٤/ ٢٠٧٣، "الخزانة" ٧/ ٣٩، وورد منسوباً إلى ابن أحمر في "تهذيب اللغة" (سلك) ٢/ ١٧٣٩، وورد غير منسوب في: "تفسير الطبري" ١٤/ ٩، "جمهرة اللغة" ١/ ٣٩١، ٤٩١، "المخصص" ١٦/ ١٠١، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٢، " أمالي ابن الشجري" ٢/ ١٢٢، "تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٨٧، "الدر المصون" ٧/ ١٤٨، "معجم البلدان" ٤/ ٣١٠.
وفي الديوان وجميع المصادر برواية (قُتائِدَةٍ) وهي: ثنية مشهورة، (شَلاًّ) معناه الطرد، (الجمَّالة) أصحاب الجمال، (الشُّرُدَا) جمع شارد، وهي الإبل النافرة، قال ابن السيد: إنه وصَف قوماً هُزمُوا حتى أُلجئوا إلى الدخول في قتائد؛ وهي ثنية ضيقة.
551
وقال أبو إسحاق: أي كما فُعِلَ بالمجرمين الذين استهزأوا بمن تقدَّم مِنَ الرُّسُلِ، كذلك نَسلُكُ الضلالَ في قلوب المجرمين (١).
واختلفوا في المُكنّى في قوله: ﴿نَسْلُكُهُ﴾؛ فذكر ابن عباس: الشرك (٢)، وهو قول الحسن (٣)، وذكر الزجاج: الضلال (٤). وقال الربيع: يعني [الاستهزاء (٥). وقال الفراء: يعني التكذيب بالعذاب (٦).
قال صاحب النظم: الهاء كناية عن الاستهزاء] (٧) ودلَّ عليه الفعل؛ كقولهم: من كذب كان شرًا له، والفعل يدل على المصدر؛ كقوله: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧] أي: الشكر، فأضمره لدلالة الفعل عليه، وذكرنا مثل هذا كثيرًا، وأما ما ذكر المفسرون من الشرك والتكذيب والضلال فكلُّه داخل في الاستهزاء، وهو من معاني الاستهزاء.
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ إيماء بهذا التشبيه إلى ما كان منهم من الكفر والاستهزاء، قال: وهذه أبين آية في ثبوت القدر لمن أذعن للحق ولم يعاند.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٤ بنصه.
(٢) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٥، وصديق خان ٧/ ١٥١.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٥ بلفظه، والطبري ١٤/ ٩ بلفظه، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٧ وابن كثير ٢/ ٦٠٢، و"الدر المنثور" ٤/ ١٧٦ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وصديق خان ٧/ ١٥١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٤ بلفظه.
(٥) لم أقف عليه منسوباً له، ونُسب إلى قتادة في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٠، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٥، وورد غير منسوب في "تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٨٧، الفخر الرازي ١٩/ ١٦٣، "تفسير القرطبي" ٧/ ١٠، "الدر المصون" ٧/ ١٤٧.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٥ بلفظه.
(٧) ما بين المعقوفين من (ش)، (ع).
552
وقال أصحابنا: أضاف الله تعالى إلى نفسه سَلْكَ الكفر في قلوب الكفار، وحَسُن ذلك منه، فمن آمن بالقرآن فليستحسنه (١)، وأراد بالمجرمين المشركين الذين كانوا يستهزئون بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
(١) يَرُدّ الواحدي -رحمه الله- بقوله هذا على المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وهي من المسائل المشهورة التي اشتد فيها النزاع بين المعتزلة والأشاعرة، وقد وقع الفريقان في طرفي النقيض وجانبا الصواب في المسألة، على النحو التالي: ذهب المعتزلة إلى أن العقل قد يُعلم به حُسنُ كثير من الأفعال وقُبحُها، ومقتضى ذلك أن يكون فاعل القبيح أو تارك الحسن آثم ومعاقب في الآخرة ولو لم يرد شرع بذلك، فيستحق العذاب لمجرد مخالفته للعقل. انظر: المحصول في "علم أصول الفقه" ١/ ١٦٠، "مجموع الفتاوى" ١١/ ٦٧٧، "المواقف في علم الكلام" ص ٣٢٣، ٣٢٦.
وذهب الأشاعرة إلى النقيض؛ فقالوا: إن العقل لا يُعلم به حُسن الفعل ولا قبحه، وبالتالي فلا يثبت عندهم حسن ولا قبح قبل ورود الشرع، وعليه فالقبيح ما قيل: لا تفعل، والحسن ما قيل فيه: افعل، أو ما أذن في فعله.
"الملل والنحل" للشهرستاني ١/ ١٠١، "مجموع الفتاوى" ١١/ ٦٧٧، "المواقف في علم الكلام" ص ٣٢٧.
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية منشأ الغلط عند الفريقين، فقال: إن الطائفتين اتفقوا على أن الحسن والقبح باعتبار الملاعمة والمنافرة قد يعلم بالعقل، وهذا الذي اتفقوا عليه حق، لكن توهموا بعد هذا أن الحُسن والقبح الشرعيَّ خارج عن ذلك، وليس الأمر كذلك، بل هو في الحقيقة يعود إلى ذلك، لكنَّ الشارع عرَّف بالموجود، وأثبت المفقود، فتحسينه: إمَّا كشفٌ وبيان، وإمَّا إثبات لأمور في الأفعال والأعيان.
انظر: "درء تعارض العقل والنقل" ٨/ ٢٢، "مجموع الفتاوى" ٨/ ٩٠.
أما المذهب الحق في هذه المسألة فقد بينه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: وعامة السلف وأكثر المسلمين على أن الظلم والشرك والكذب والفواخر ونحوها سيءٌ وقبيح قبل مجيء الرسول، لكن العقوبة لا تستحق إلا بمجيء الرسول، =
553
١٣ - قوله تعالى: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ هذا عند الزجاج ابتداء كلام؛ كأن الله تعالى أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم لا يؤمنون (١).
وقال الجرجاني: قوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ رفع موضعه نصب علي تأويل أن لا يؤمنوا به، و (أن) الخفيفة تضمر، فإذا أضمرت لم تعمل؛ كقوله تعالى: ﴿تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤] فعلى هذا قوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ تفسير للكناية في قوله: ﴿نَسْلُكُهُ﴾؛ كأنه قيل: نسلك في قلوب المجرمين ألاّ يؤمنوا به، فلما كفّ ذِكْرُ (أن) عاد الفعل إلى الرفع، وهذا معنى قول الفراء؛ لأنه قال: يجعل في قلوبهم ألاَّ يؤمنوا (٢)، والكناية في (به) تعود إلى الذكر؛ الذي هو القرآن في قول ابن عباس (٣)، وفي قول غيره يجوز أن تعود إلى الرسول (٤)، ونظير هاتين الآيتين في المعنى واللفظ قوله في الشعراء: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [الشعراء: ٢٠٠، ٢٠١].
= وعليه يدل الكتاب والسنة؛ فإن فيهما بيان أن ما عليه الكفار هو شرٌ وقبيح، وسيءٌ قبل الرسل، وإن كانوا لا يستحقون العقوبة إلا بالرسول. انظر: "مجموع الفتاوى" ٨/ ٩٠، ١١/ ٦٧٧، "أصول الدين" للبغدادي ص ٢٠٥. وفي هذه الآية ينفي المعتزلة سلكَ اللهِ الكفرَ في قلوب الكافرين، بناءً على أصلهم هذا. انظر: كلام القاضي عبد الجبار على الآية في تفسيره "متشابه القرآن" ص ٢٤٥.
(١) ليس في معانيه.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٥ بنصه.
(٣) "تنوير المقباس" ص ٢٧٦ ونُسب إليه القولان؛ هذا والذي بعده، وورد غير منسوب في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٠، و"البغوي" ٤/ ٣٧٠ وابن عطية ٨/ ٢٨٧، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٥، والخازن ٣/ ٩٠، و"الدر المنثور"، والثعالبي ٢/ ٢٠٨.
(٤) ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٥، والخازن ٣/ ٩٠، و"الدر المصون" ٧/ ١٤٧.
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾، المفسرون على أن هذا تهديد لكفار مكة (١)؛ يقول: قد مضت سنة الله بإهلاك من كذَّبَ الرسولَ في القرون الماضية.
وقال أبوإسحاق: أي: قد مضت سُنّةُ الأولين بمثل ما فعله هؤلاء، فهم يقتفون آثارهم في الكفر (٢)، وهذا أليق بظاهر اللفظ (٣).
١٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا﴾ يقال: ظل فلان نهاره يفعل كذا، إذا فعله بالنهار، ولا تقول العرب: ظل يظل، إلا لكل عمل بالنهار، كما لا يقولون: بات [يبيت، إلا بالليل، والمصدر] (٤) الظلول، فأما حذف إحدى اللامين فإنه جائز، وسنذكر اللغة فيه عند قوله: ﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ يقال: عَرج يَعْرُج عُرُوجًا، ومنه المعارج وهي المصاعد التي يصعد فيها، وفي هذه الآية قولان للمفسرين؛ أحدهما: أن قوله: ﴿فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ من صفة المشركين.
قال ابن عباس في رواية عطاء: فطفقوا فيه يصعدون، يريد ينظرون فيه إلى ملكوت الله وقدرته وسلطانه، وإلى عبادة الملائكة الذين هم من
(١) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ أ، بمعناه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، والزمخشري ٢/ ٣١١، الفخر الرازي ١٩/ ١٦٥، والخازن ٣/ ٩٠.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٣ بنصه، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٥.
(٣) والقولان متلازمان، فما ذكره الزجاج هو السبب، وماذهب إليه المفسرون هو العاقبة والمال.
(٤) ما بين المعقوفين بياض في (أ)، (د)، وفي هامش نسخة (د) كتب [سقطت من النسخة القديمة]، والمثبت من (ش)، (ع).
555
خشيته مشفقون (١)، وهذا أيضًا قول الحسن؛ قال: هذا العروج راجع إلى بني آدم، يعني فظل هؤلاء الكافرون فيه يعرجون (٢).
وشرح أبو بكر هذا القول فقال: معناه لو وَصَّلنا هؤلاء المعاندين للحق إلى صعود السماء الذي يزول معه كل شبهة لم يستشعروا إلا الكفر، وجحدوا البراهين كما سائر المعجزات؛ من انشقاق القمرِ وما خُص به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من القرآن المعجز الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله.
القول الثاني: أن هذا العروج للملائكة؛ لأنه هو المعروف المشهور، يقول: لو كُشف لهؤلاء عن أبصارهم حتى يعاينوا أبوابًا في السماء مفتحة تصعد منها الملائكة وتنزل، لصَرَفوا ذلك عن وجهه إلى أنهم سُحروا ورأوا بأبصارهم ما لا يتحقق عندهم، وهذا قول ابن عباس (٣) وابن جريج وجماعة.
(١) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٧.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ أبنحوه، وورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٣ بنحوه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠، ٣٧١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٨، والخازن ٣/ ٩٠.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٦ مختصراً عن ابن عباس من طريق قتادة، والطبري ١٤/ ١٠ بنحوه، عن ابن عباس من طريق العوفي (ضعيفة)، وعن الضحاك، وأخرجه مختصراً عن ابن عباس من طريق قتادة.
وورد مختصرًا في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٣ عن ابن عباس، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٣ عن ابن عباس وقتادة والضحاك، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٦ عن ابن عباس والضحاك، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٨ عن ابن عباس وقتادة، الخازن ٣/ ٩٠ عن ابن عباس والضحاك.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧٦ وزاد نسته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
556
قال ابن جريج: فظلت الملائكة تعرج فيه وهم ينظرون إليهم (١).
قال: وهذا راجع إلى قوله: ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾
واختار الفراء هذا القول (٢)، وأبو إسحاق ذكر القولين جميعًا، فقال: اعلم أنهم إذا وردت عليهم الآية المعجزة قالوا: سِحْر، وقالوا: ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ كما قالوا حين انشق القمر: هذا سِحْرٌ مُستمر، قال: ويصلح أن يكون ﴿يَعْرُجُونَ﴾ للملائكة والناس، وقد جاء بهما التفسير، وقال في قوله: ﴿يَعْرُجُونَ﴾ أي يصعدون فيذهبون ويجيئون (٣)، وقال الفراء: فظلت الملائكة تصعد من ذلك الباب وتنزل (٤)، فقد زاد المجيء والنزول في تفسير العروج.
١٥ - قوله تعالى: ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ قرئ بالتشديد (٥) والتخفيف (٦) أي: أُغشيت وسُدّت بالسِّحرِ، فنتخايل بأبصارنا غير ما نرى، هذا قول أهل اللغة (٧)، قالوا: وأصله من السَّكْر؛ وهو سَدُّ البَثْق لئلا ينفجر
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٠ بنحوه عن ابن جريج عن ابن عباس، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨ وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن جريج عن ابن عباس، وورد غير منسوب في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٠.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٦.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٤ مع تقديم وتأخير.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٦ بنصه.
(٥) قرأ بها القُراء السبعة ماعدا ابن كثير. انظر: "السبعة" ص ٣٦٦، "إعراب القراءات السبع" وعللها ١/ ٣٤٣، "علل القراءات" ١/ ٢٩٥، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٣، "المبسوط في القراءات" ص ٢٢٠.
(٦) قرأ بها ابن كثير وحده. المصادر السابقة.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (سكر) ٢/ ١٧١٩ بنصه
557
الماء (١)؛ فكأن هذه الأبصار مُنعت من النظر، كما يمنع السَّكْرُ الماءَ من الجري، والتشديد يوجب زيادة وتكثيرًا.
وقال أبو عمرو بن العلاء: هو مأخوذٌ من سُكْرِ الشرابِ؛ يعني أن الأبصار حارت ووقع بها من فساد النظر مثل ما يقع بالرجل السكران من تغير العقل وفساد اللب (٢)، فإذا كان هذا معنى التخفيف، فسكران بالتشديد يراد به وقوع هذا الأمر مرة بعد مرة.
وقال أبوعبيدة: ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾: غُشيت سَمَادِيرُ (٣) فذهبت وخبا نظرها، وأنشد (٤):
جاءَ الشِّتاءُ واجْثَألَّ القُبَّرُ وجَعَلَتْ عينُ الحَرُورِ تَسْكَرُ (٥)
(١) انظر: (سكر) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧١٩ بنصه ونسبه لليث، "المحيط في اللغة" ٦/ ١٨٤، "اللسان" ٤/ ٢٠٤٧، "التاج" ٦/ ٥٣٥.
(٢) ورد في "تفسير الطبري" ١٤/ ١٢ مختصراً، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٤، "تهذيب اللغة" (سكر) ٢/ ١٧١٩، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٦، الفخر الرازي ١٩/ ١٦٧، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٩، "اللسان" (سكر) ٤/ ٣٧٤.
(٣) السَّماديرُ: ضعفُ البصر وغشاوة العين، ويقال: هو الشيء الذي يتراءى للإنسان من ضعف بصره عند السُّكر من الشراب وغيره.
انظر: باب الرباعي (سمدد) في "تهذيب اللغة"، ٢/ ١٧٥١، و"المحيط في اللغة" ٨/ ٤٢٩.
(٤) للمثنى بن جندل الطُّهوي. عاش في العصر الأموي، وأخباره في "سمط اللآلي" ص ٦٤٤.
(٥) ورد في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٥، "تهذيب اللغة" (سكر) ٢/ ١٧١٩، "اللسان" (سكر) ٤/ ٢٠٤٨، (قبر) ٦/ ٣٥١٠، وورد في بعض المصادر على النحو التالي: =
558
أي: يخبو حرها ويذهب (١).
وعلى هذا القول أصله من السكون؛ يقال: سَكَرَتِ الرّيحُ، إذا سكنت، وسَكَرَ الحرُّ يسْكُرُ، وليلةٌ ساكِرَةٌ؛ لا ريحَ فيها (٢)، قال أوس:
خُذِلتُ على لَيْلهٍ سَاهِرهْ فليسَتْ بطَلْقٍ ولا ساكِرهْ (٣)
= جاء الشتاء واجْثألَّ القُنْبُرُ واستَخْفَتِ الأفْعَى وكانت تظهرُ
وطعلتْ شمشٌ عليها مِغْفَر وجعلت عينُ الحرورِ تسكرُ
وقد ورد بهذه الرواية في "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٨، و"تفسير الطوسي" ١٤/ ١٣، والطبري ٧/ ٤٩٩ ولم يذكر الشطر الثالث، الماوردي ٣/ ١٥١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٨ أوردا البيت الثاني فقط. (اجثأل) اجتمع وتقبّض، (قبّر) قال الأزهري: يقال للقْبرة قُبُّرة وقُبَّرٌ؛ وهو طائر يشبه الحُمَّرة، وجمعها قنابر، (الحَرُوْرُ) حرُّ الشمس. انظر: "تهذيب اللغة" (قبر) ٣/ ٢٨٧١، (سكر) ٢/ ١٧١٩، "المحيط في اللغة" (حر) ٢/ ٣١١، (قبر) ٥/ ٤١١، "متن اللغة" ٤/ ٤٨١.
(١) "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٧ بنصه ما عدا الشعر.
(٢) انظر: (سكر) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧١٩ بنصه، "اللسان" ٤/ ٢٠٤٨، "التاج" ٦/ ٥٣٥.
(٣) "ديوان أوس" ص ٣٤، وقد ورد بالرواية التالية:
خُذِلْتُ على ليلةٍ ساهِرَهْ بصحراء شَرْجٍ إلى ناظِرَهْ
تُزَادُ ليَاليَّ في طُولِهَا فلَيْسَتْ بِطَلْقٍ ولا ساكِرهْ
ورد في "تهذيب اللغة" (سكر) ٢/ ١٧١٩، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥١ بدايته "فصرن"، "الاقتضاب" ص ٤١٢، "شرح الجواليقي" ص ٢٣٩ ورد فيهما برواية الديوان، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٧، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٨ بدايته (فصرت)، "اللسان" (سكر) ٤/ ٢٠٤٨. يقول: خذلت على أن ليلتي ساهرة؛ أي ساهر صاحبها؛ كما تقول نهاره: صائم؛ أي يصوم فيه، والطلق: اليوم الطيب الذي لا حرّ فيه ولا برد، واستطال الليلة لما لقي فيها من الألم والشدة، وذلك أن أوس بن حجر انطلق مسافراً حتى إذا كان بأرض بني أسد بين مكانين يقال لأحدهما شرج، وللآخر ناظره، جالت به ناقته فصرعته فانكسرت فخده.
559
وهذا القول اختيار الزجاج؛ قال: يقال سَكَرَتْ عينُهُ تَسكر، إذا تَحَيَّرَتْ وسكنتْ عن النَّظر (١)، وعلى هذا معنى (سُكِّرَتْ أبصارُنا): سكنت عن النظر، ولا يتوجه على هذا القول قراءة من قرأ بالتخفيف.
قال أبو علي الفارسي: معنى ﴿سُكِّرَتْ﴾ صارت بحيث لا ينفذ نورها ولا تُدرِك الأشياءَ على حقيقتها، وكأن معنى التسكير قطع الشيء عن سننه (٢) الجاري، فمن ذلك تسكير الماء؛ هو ردُّهُ عن سيبه (٣) في الجِرْيَة، والسُّكْرُ في الشراب هو: أن يَنْقطع عما كان عليه من المَضاء في حال الصحو، فلا ينفذ رأيُه على حدّ نفاذه في صحوه، وعَبَّروا عن هذا المعنى بقولهم: سَكْرَانُ لا يَبُتُّ (٤)، ووجه التثقيل أن الفعل مسند إلى جماعة، وهو مثل: ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠]، ووجه التخفيف أن هذا النحو من الفعل المسند إلى الجماعة قد يُخَفّف، كقوله:
ما زِلتُ أُغْلِقُ أبوابًا وأفتحُها (٥)
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٥ بنحوه، ويبدو أنه نقل قول الزجاج من "تهذيب اللغة" لتطابقه، "تهذيب اللغة" "سكر" ٢/ ١٧١٩ بنصه، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٧.
(٢) في الحجة: (سببه) والصحيح سننه، ولعلها تصحيف من محقق الحجة.
(٣) في جميع النسخ: (سننه)، والمثبت هو الصحيح وموافق لما في الحجة، والسِّيْبُ: مخرج الماء من الوادي، وجمعه سُيُوبٌ، وقد ساب الماء يسيب: إذا جَرَىْ. "تهذيب اللغة" (ساب) ٢/ ١٥٨٤، "المحيط في اللغة" (سيب) ٨/ ٣٩٧.
(٤) معناه: لا يقطع أمراً، وقيل: ما يُبَيِّن كلاماً. انظر: (بن) في: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٦٩، "المحيط في اللغة" ٩/ ٤١٥.
(٥) نُسب إلى الفرزدق في كل المصادر ما عدا الحجة وليس في ديوانه، ونسب -في "الحجة" ٣/ ٤٤١ - للراعي النميري، وهو في "ديوانه" ص ٣٣ برواية:
560
وهذا على أن ﴿سُكِّرَتْ﴾ بالتخفيف قد ثبت تعدِّيه بهذه القراءة (١)،
ويجوز أن يكون من قرأ بالتخفيف أراد التثقيل، فحذفه وهو يريده؛ كما جاء ذلك في المصادر وأسماء الفاعلين؛ نحو: عَمْرَكَ الله (٢)، و:
........... دَلْوُ الدَّالِيَ (٣)
= (بعد ارتاج): بعد إغلاق، يقال: أَرْتَجْتُ الباب إرتاجاً: أي أغلقته إغلاقاً، ويقال لغلق الباب: الرتاج، ويقال للرجل إذا امتنع عليه الكلام: أُرتج عليه. وعجزه:
حتى أتيتُ أبا عمرو بنَ عمَّارِ
ورد في: "الحجة للقراء" ٥/ ٤٣، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٢، وورد في: "الكتاب" ٣/ ٥٠٦، ٤/ ٦٣، ٦٥، و"أدب الكاتب" ص ٤٦١، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٤٥٦، ٥٢٨، و"الاقتضاب" ص ٤٠٩، و"شرح الجواليقي" ص ٢٣٣، و"اللسان" (غلق) ١٠/ ٢٩١، برواية:
ما زال يفتح أبواباً ويغلقها دوني وأفتح باباً بعد ارتاجِ
ما زِلْتُ أفتحُ أبواباً وأُغلقُها حتى أتيت أبا عمرِو بْنَ عَمّار
قال أبو حاتم السجستاني: ويَقصد بأبي عمرو: أبا عمرو بن العلاء المازني النحوي، والمعنى: لم أزل أتصرف في العلم وأطويه وأنشره حتى لقيت أبا عمرو فسقط علمي عند علمه.
(١) قال أبو علي: الفعل إذا بُني للمفعول فلا بُدّ من تنزيله معدّى، فيكون تعدّيه على قراءة ابن كثير مثل: شَتِرتْ عينُهُ، وشَترْتُها.
"الحجة" ٥/ ٤٤ [الشَّتَرُ: انقلاب في جَفنِ العين الأسفل قلَّ ما يَكُونُ خِلْقَةً] "المحيط في اللغة" "شتر" ٧/ ٣٠٥، وقال المنتجب: بل هو من الأفعال التي سمُع معدى وغيرُ معدى؛ نحو: غاضَ الماء، وغاضَهُ اللهُ، وصَعِقَ زيدٌ، وصُعِقَ، وسعِدَ زيدٌ وسُعِدَ. "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩١.
(٢) الشاهد: تخفيفها؛ والأصل تشديدها، قال سيبويه: "وكأنّه حيث قال: عَمْرَك الله، وقعِدك الله، قال: عَمّرتُك الله بمنزلة نَشدتُك الله، فصارت عَمْرَك الله منصوبةً بعمَّرتُك الله.. " "الكتاب" ١/ ٣٢٢.
(٣) قطعة من بيت من رجز للعجاج يصف ماءً، وتمامه: (يكشفُ عن جَمّاتِهِ دلْوُ الدَّالْ) =
561
و ﴿الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ (١) [الحجر: ٢٢] هذا الذي ذكرنا قول أهل اللغة وأصحاب المعاني.
فأمّا التفسير فقال ابن عباس في رواية عطاء: تحيرت أبصارنا، ورُوي عنه أيضًا: سُدت (٢)، وهو قول مجاهد (٣).
وقال الحسن: سُحرت (٤)، وقال قتادة: أُخذت (٥).
= ورد في ملحقات "ديوانه" ٢/ ٣٢١، و"أدب الكاتب" ص ٦١٢، "الصحاح" (دلو) ٦/ ٢٣٣٩، وورد غير منسوب في: "المقتضب" ٤/ ١٧٩، "الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٤، "إيضاح الشعر" ص ٥٨٠. ٥٩٠، "المخصص" ٩/ ١٦٧ نسبه لأبي علي، وفي جميع المصادر: (الدَّالْ) بدل (الدَّالي) ولا فرق، (الدَّالْ): أي المُدْلِي؛ وهو المستقي، (جماته): جمع جمّة؛ وهي المكان الذي يجتمع فيه ماء البئر، والشاهد: أن الأصل (المُدْلي) فحذف الزيادة، قال ابن قتيبة: ولو قال العَجَّاجُ: (المدلي) لكان أشبهَ بما أراد، ولكنه أراد القافيةَ، وعلم أن الدالي والمُدلي يجوز أن يوصفَ بهما المستقي بالدلو. انظر: "أدب الكاتب" ص ٦١٢، "الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٤.
(١) "الحجة للقراء" ٥/ ٤٣ بتصرف يسير. والشاهد في: (لواقح) أن أصلها (ملاقح)؛ لأنها إذا أَلقَحَتْ كانت مُلقِحةً، وجمع المُلْقِحِ: ملاقح، ولواقح على حذف الزيادة. "الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٤.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ أ، بلفظه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٨، الخازن ٣/ ٩٠.
(٣) أخرجه الطبري ١٤/ ١٢ بلفظه، وورد بلفظه في: "تهذيب اللغة" (سكر) ٢/ ١٧١٩، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٣، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٦، ابن كثير ٢/ ٦٠٢، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٦ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ورد بلفظه في: "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٣٨، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٤، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٦، والثعلبي ٢/ ١٤٦ أ، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٨.
(٥) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٢ بلفظه، وورد بلفظه في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٦، والثعلبي ٢/ ١٤٦ أ، والماوردي ٣/ ١٥١، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧١، و"تفسير =
562
وقال الكلبي: أُغشيت وعُميت (١).
وقوله تعالى: ﴿بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ أي: سَحرنا محمد -صلى الله عليه وسلم-. قال الكلبي: يقولون سَحرنا فلا نبصر (٢)، ونظير هذه القصة قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا﴾ (٣) [الأنعام: ١١١] الآية، وقد مر.
١٦ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ الآية. قال الليث: البرج واحدٌ من بروج الفَلَك؛ وهي اثنا عشر برجًا؛ كل برج منها منزلان ونصف (٤) منزل للقمر، وهي ثلاثون درجة للشمس، إذا غاب منها ستة طلعت ستة، ولكل بُرج اسم على حدة؛ فأولها الحَمَلُ، وأولُ الحَملِ الشَّرَطان، وهما قَرْنا الحَمَل؛ كوكبان أبيضان، وخَلْفَ الشَّرَطَيْن البُطين،
= القرطبي" ١٠/ ٨، وقد روي هذا القول عن ابن عباس أيضًا في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٤، و"الدر المنثور" ٤/ ١٧٦ روي عن قتادة بلفظ سدّت وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، والمؤكد أن قتادة رواه عن ابن عباس، ويؤيده أن عبد الرزاق ٢/ ٣٤٦، والطبري ١٤/ ١٢ أخرجاه بلفظه عن قتادة عن ابن عباس، وكذلك أورده ابن كثير ٢/ ٦٥٢.
(١) " أخرجه الطبري" ١٤/ ١٣ بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ أ، بنحوه، والماوردي ٣/ ١٥١ بلفظه، و"تفسير البغوي" ١٤/ ٣٧١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٨، وابن كثير ٢/ ٦٠٢.
(٢) وورد غير منسوب في "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧١.
(٣) والآية كاملة هي: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ والشاهد ظاهر.
فالآية تؤكد عدم جدّية القوم في الإيمان بالرسول مهما أظهر لهم من المعجزات الحسية التي طالبوه بها.
(٤) هكذا في جميع النسخ، وفي المصدر: (ثلث) وكذا في "الممتع في شرح المقنع" ص ٦٤.
563
وهذه ثلاثة (١) كواكب، فهذان منزلان، والثريا من بُرج الحمل (٢)، وذكرنا الكلام في معنى البروج في اللغة واشتقاقها في قوله: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨]، قال ابن عباس في هذه الآية: يريد بروج الشمس والقمر؛ يعني منازلهما (٣)، وقال الحسن ومجاهد وقتادة: هي النجوم (٤).
قال أبو إسحاق: يريدون نجوم هذه البروج، وهي نجوم على صورة ما سميت به؛ نحو: الحَمَل والثَّور وغيرهما؛ فالبروج نجوم كما جاء في التفسير (٥)، وقال عطاء (٦): وقال بعضهم: قصورًا (٧)، فعلى هذا أريد
(١) في جميع النسخ: (ثلاث)، وهو خطأ نحوي ظاهر، ولعله من النساخ.
(٢) ورد في" تهذيب اللغة" (برج) ١/ ٣٠٠ بنصه، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٦٨ ورد مختصرًا، والخازن ٣/ ٩١، وصديق خان ٧/ ١٥٣.
(٣) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٧، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٩، والخان ٣/ ٩١.
(٤) "تفسير مجاهد" ص ٣٤٠ بنحوه، "أخرجه الطبري" ٤/ ١٤ عن قتادة بلفظه، وفي
رواية عن مجاهد وقتادة قال: الكواكب، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٥ بنحوه عن مجاهد، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٦ بلفظه، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٢ بلفظه عن الحسن ومجاهد، "تفسير ابن الجوزي" ٢/ ٦٠٣ عن مجاهد وقتادة، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٩ عن الحسن وقتادة، والخازن ٣/ ٩١ عنهم، وابن كثير ٢/ ٥٦٨ عن مجاهد وقتادة، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٧ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن قتادة.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٥ بنحوه.
(٦) هكذا في جميع النسخ، ويبدو أنها تصحفت عن عطية؛ لأن هذه الرواية وردت عن عطية [وهو العوفي] في المصادر التالية.
(٧) ورد بلفظه في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٦ بلا نسبة، والماوردي ٣/ ١٥٢ عن عطية. انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧١ عن عطية، وابن الجوزي ٤/ ٣٨٧ عن ابن عباس وعطية، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٠، والخازن ٣/ ٩١ عن عطية، وابن كثير ٢/ ٦٠٣ عن عطية، و"الدر المنثور" ٤/ ١٧٧ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن عطية.
564
بالبروج بيوت وقصور خلقها الله تعالى في السماء، وقيل في قوله: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج: ١] هي قصور في السماء (١)، وأصل هذا كله من الظهور وقد ذكرناه (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ أي بالشمس والقمر والنجوم، ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ أي للمعتبرين بها والمستدلين على توحيد صانعها.
١٧ - قوله تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ معنى الرجم في اللغة: الرمي بالحجارة، ثم قيل للقتل: رجم؛ لأنه يقصد به القتل، ثم قيل لكل قَتْلٍ رَجْم وإن لم يكن (٣) بالحجارة، ومنه قوله: ﴿أَنْ تَرْجُمُونِ﴾ [الدخان: ٢٠] أي تقتلون، والرجم: السب والشتم؛ لأنه رمي بالقول القبيح، ومنه قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥] أي مَرَامي (٤)، والرجم: القول بالظن ومنه قوله: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] لأنه يرمي الظن إليه، والرجم أيضاً اللعن والطرد والإبعاد والهجران (٥)، وفسر بكل ذلك الشيطان الرجيم؛ وذلك أن الرمي بالحجارة والقول القبيح يوجب هذه المعاني، فسميت رجمًا.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٠٧ بلفظه.
(٢) انظر: "البسيط" [النساء: ٧٨].
(٣) في (أ)، (د): (وإن يكن). والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح الذي يستقيم به الكلام.
(٤) في جميع النسخ: (مرامًا) والمثبت هو الصحيح، كما في "تهذيب اللغة" (رجم) ١١/ ٦٩.
(٥) انظر: (رجم) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٧٦، "الصحاح" ٥/ ١٩٢٨، "اللسان" ٣/ ١٦٠١، "المفرادات" ص ٣٤٥.
وقال أبو عبيدة رجيم: مرجوم بالنجوم (١)، بيانه قوله: ﴿رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥] قال ابن عباس: كانت الشياطين لا تحجب عن السموات، فكانوا يأخذونها ويتحرون (٢) أخبارها فليقون على الكهنة، فلما ولد عيسى منعوا من (ثلاث سموات، فلما ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعوا من) (٣) السموات كلها، فما منهم أحد يريد استراق السمع إلا ورمي بشهاب (٤)، فذلك قوله:
١٨ - ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ﴾، (بيان هذا قوله: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ الآية [الجن: ٨]. قال أبو إسحاق: موضع (من) نصب، المعنى: لكن من استرق السمع) (٥)، قال: وجائز أن يكون في موضع خفض على معني إلا ممن (٦)، قال ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ﴾ يريد
(١) "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٨ بلفظه.
(٢) في (ش)، (ع): (ويتخبرون)، من الاستخبار، والمثبت من التحرِّي وكلاهما صحيح.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٤) جزء من حديث طويل ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٦، والثعلبي ٢/ ١٤٦ أ، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٢ - ٣٧٣، والزمخشري ٢/ ٣١٢، والفخر الرازي ١٩/ ١٦٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٠، والخازن ٣/ ٩١، وهذا القول غريب، وأغلب الظن أنه من طريق الكلبي -وهي أوهى الطرق إلى ابن عباس، ويؤكده نسبة الماوردي القول للكلبي ٣/ ١٥٢، وقد ورد حديث صحيح عن ابن عباس عن الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء. انظر: "صحيح مسلم" (٤٤٩) كتاب:. الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجنّ، وطرفه: (انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب..).
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٦ بنصه.
566
الخطفة (١) اليسيرة، وذلك أن المارد من الشيطان يعلو فيُرمَى بالشهاب؛ فتُصيب جبهته أو جبينه أو حيث شاء الله منه فيحرقه ولا يقتله، ومنهم من يُخَبِّله فيصير غُولًا يُضل الناسَ في البراري (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ ذكرنا معناه عند قوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] ومعناه لحقه، والشهاب شعلة نار ساطع، ثم يُسمى الكوكبُ شهابًا والسنانُ شهابا؛ لبريقهما يُشبّهان بالنار، قال ابن عباس في قوله: ﴿شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ يريد نارًا تَبِيْن لأهل الأرض، قال المفسرون: إن الشهاب لا يخطئه أبدًا وأنهم ليُرْمَون، فإذا توارى عنكم فقد أدركه (٣).
وقال أبو إسحاق: هذا من آيات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومما حدث بعد مولده؛ لأن الشعراء قبله لم يذكروا هذا في أشعارهم، ولم يشبهوا الشيء السريع به (٤) كما شبهوا بالبرق وبالسيل، ولم يوجد في أشعارهم بيت واحد فيه (٥) ذكر الكواكب المُنْقضَّة (٦)، وقال أصحاب المعاني: إن الله تعالى سمَّى ما تُرجم به الشياطين شهابًا، وهو في اللغة النار الساطعة (٧) ونحن في رأي
(١) في (أ)، (د): (الحفظة)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح.
(٢) أخرجه الطبري ١٥/ ١٤ مختصراً، من طريق الضحاك عن ابن عباس منقطعة، وورد في تفسير الماوردي ٣/ ١٥٣ مختصراً، و"تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٩٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١١، والخازن ٣/ ٩١.
(٣) ورد في تفسير الثعلبي ٢/ ١٤٦ أبنحوه.
(٤) (به) ساقط من (أ)، (د) ويقتضيها السياق.
(٥) في جميع النسخ: (فيها) والصواب ما أثبته؛ لأن الضمير يعود إلى البيت وهو مذكر.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٦ بنحوه.
(٧) انظر: (شهب) في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٤٢، "المحيط في اللغة" ٣/ ٣٩٥، "الصحاح" ١/ ١٥٩.
567
العين نرى كأنهم يرمون بالنجوم، فيجوز أن ذلك كما نرى ثم يصير نارًا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أنهم يُرمَون بشعلة نار من الهواء، ولكن لبعده عنا يخيل إلينا أنه نجم، والله أعلم بحقيقة ذلك.
١٩ - قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ قال ابن عباس وغيره: بسطناها على وجه الماء (١)، ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ وهي الجبال الثوابت لئلا تميد بأهلها؛ كما قال: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥]، ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ اختلفوا في معنى موزون هاهنا، فذهب الأكثرون إلى أن معناه: المحصل المعلوم المقدور، ذلك (٢) أن الوزن إنما يستعمل لبيان المقدار والإشراف على حقيقته، فوُصفَ المعلومُ بالموزون وإن لم يكن هناك وزن؛ لأن أوكد ما يتحصل به معرفة المقادير الوزنُ، قال ابن الأنباري: وأنشد:
وقد كُنْتُ قبْلَ لقائِكُم ذا مِرَّةٍ (٣) عِنْدِي لكلّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُه (٤)
يعني: قدر ما يستحق أن يجاب به من الكلام.
وهذا معنى قول ابن عباس (٥) وعكرمة وسعيد بن جبير والحكم
(١) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٢، وورد غير منسوب في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ ب، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٠، والخازن ٣/ ٩٢.
(٢) في (ش)، (ع) زيادة (واو) قبل ذلك.
(٣) ساقط من (د)، والمرَّة: الشدّة. "المحيط في اللغة" (مر) ١٠/ ٢٢٥.
(٤) ورد بلا نسبة في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٤، "تفسير القرطبي" ١٥/ ١٣، "اللسان" (وزن) ٨/ ٤٨٢٩، "تفسير الشوكاني" ٣/ ١٨٠.
(٥) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٥ من طريق ابن أبي طلحة، صحيحة، ومن طريق العوفي، ضعيفة، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٧، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٣، الطوسي ٦/ ٣٢٦، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، =
568
ومجاهد؛ قال عكرمة: ﴿مَوْزُونٍ﴾: بقدر (١).
ووقال سعيد: معلوم (٢)، وقال الحكم: مقدر (٣).
وقال مجاهد: مقدور بقدر (٤).
وهذا القول اختيار أبي عبيدة (٥) والزجاج وأبي بكر، قال الزجاج: أي من كل شيء مقدور جرى على وزْنٍ مِنْ قَدَرِ الله لا يجاوز ما قدَّره الله عليه (٦)، ويشهد لهذا التأويل قوله: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨] وهذا عام في كل ما خلقه الله تعالى على وجه الأرض ما ليس من جنس الأرض بما يكون في المعادن، وذلك للفظ (٧) الإنبات؛ لأنه إنما يستعمل فيما ينبت من الأرض، ويستعمل في الحيوانات أيضًا، قال الله تعالى:
= الخازن ٣/ ٩٢، ابن كثير ٢/ ٦٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٧ وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(١) "أخرجه الطبري" ٧/ ٥٠١، بلفظه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٧، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، الخازن ٣/ ٩٢، ابن كثير ٢/ ٦٠٣، "الدر المنثور" ٢/ ٦٠٣، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٦، بلفظه، وورد بلفظه في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٣، والطوسي ٦/ ٣٢٦، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، الخازن ٣/ ٩٢، وابن كثير ٢/ ٦٠٣.
(٣) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٦ بلفظه، وانظر: تفسيرابن كثير ٢/ ٦٠٣.
(٤) "تفسير مجا هد" ص ٣٤٠ بنحوه، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ١٦ بلفظه، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٧، و"تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٦، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، والخازن ٣/ ٩٢، وابن كثير ٢/ ٦٠٣.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٨ قال: بقدر.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٦ بنصه.
(٧) في جميع النسخ: (اللفظ)، وبالمثبت يستقيم الكلام.
569
﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧] ويقال الرجل يُنَبِّتُ الجارية، أي يَغْذُوها ويُحسنُ القيامَ عليها، حكاه الليث (١)، فأما الجواهر فقد دخلت تحت قوله: ﴿وَالْأَرْضَ﴾ ولا تدخل في الإنبات.
وذهب آخرون في قوله: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ إلى حقيقة الوزن، وقال عطاء: يريد الثمار مما يكال أو يوزن (٢).
وقال الكلبي: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا﴾: في الجبال، ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ، وكل شيء يوزن وزنًا (٣)، وهذا قول ابن زيد والحسن واختيار الفراء.
قال ابن زيد: هي الأشياء التي توزن (٤)، وقال الحسن: الزعفران وما أشبهه (٥).
وقال الفراء: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾، يقول من الذهب والفضة والرَّصاص والنحاس، فذلك الموزون (٦)، فذهب بعض هؤلاء الذين ذكرنا
(١) ورد في "تهذيب اللغة" (نبت) ٤/ ٣٤٩١ بنصه.
(٢) لم أقف عليه
(٣) "تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٤٥، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، وورد غير منسوب في "تفسير الطبري" ١٤/ ١٧، "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٧، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٧، الثعلبي ٢/ ١٤٦ ب.
(٤) " أخرجه الطبري" ١٧/ ١٤ بنصه، وورد بنصه في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦ ب، والماوردي ٣/ ١٥٤، والطوسي ٦/ ٣٢٦، انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٤، وابن عطية ٧/ ٢٩٣، وابن الجوزي ٤/ ٣٩١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، والخازن ٣/ ٩٢، وابن كثير ٢/ ٦٠٣، و"الدر المنثور" ٤/ ١٧٧، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٥) لم أقف على هذا القول، والمنسوب إليه هو قول الكلبي السابق، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، الخازن ٣/ ٩٢.
(٦) "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٨٦ بنصه.
570
إلى ما يتحقق الإنبات فيه، وهو الحسن وعطاء، وعَمَّمَ ابنُ زيد: كل ما يوزن، فدخل فيه ما يتحقق الإنبات فيه كالحبوب والثمار وما لا يتحقق كالذهب والفضة، إلا أنه لا يجوز إطلاق الإنبات عليها [إلا] (١) إذا اجتمعت؛ لأن بعضها يتحقق الإنبات فيه، فاستعمل في غيره إذا اجتمع معه لاشتراكهما في الوزن، والجمع بينهما في اللفظ، والكلبي والفراء خصا جواهر المعادن، ولا يليق لفظ الإنبات بها ولا يحسن، قال أبو بكر: والقول الأول أثبت؛ لأنه يحمل الآية فيه على العموم، والقول الثاني يوجب اختصاصًا لم يأت به برهان، على أنه على بُعْدِه غير خارج عن الصواب، والله أعلم.
٢٠ - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ قال ابن عباس: يريد من الثمار والحبوب (٢)، وذكرنا الكلام في المعايش في سورة الأعراف (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد مما مَلَّكْتُكم وما أنتم له برازقين، إنما رِزْقهم عليّ وأنا خالقهم، وهذا قول مجاهد واختيار الزجاج وأبي بكر، روى ابن جريج عن مجاهد في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ قال: الدواب والأنعام (٤).
(١) زيادة يقتضيها السياق ليستقيم الكلام، ولعلها سقطت.
(٢) "تنوير المقباس" ص ٢٧٧ بنحوه.
(٣) آية: [١٠].
(٤) "تفسير مجاهد" ص ٣٤٠ بنصه عن ابن أبي نجيح، وأخرجه الطبري ١٤/ ١٧ بنصه من طريق ابن جريج وابن أبي نجيح، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٨، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٤، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٣، أبي حيان ٥/ ٤٥٠، ابن كثير ٢/ ٦٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
571
وقال الزجاج: الأجود والله أعلم أن يكون (من) هاهنا أعني في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ يراد بها العبيد والدواب والأنعام، أي: وكُفِيتُمْ مؤنة أرزاقها (١).
وقال أبو بكر: تقديره وجعلنا لكم فيها معايش وعبيدًا وإماءً يرزقهم ولا ترزقونهم.
قال أبو إسحاق: وموضع (مَنْ) نصبٌ من جهتين؛ أحديهما: العطف على ﴿مَعَايِشَ﴾: وجعلنا لكم من لستم له برازقين، وجائز أن يكون عطفًا على تأويل (لكم)؛ لأن معنى قوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾: أعشناكم، المعنى: أعشناكم ومن لستم له برازقين (٢)، أي رزقناكم ومن لستم له برازقين. (وعلى هذا الوجه يجوز أن يدخل الطير والوحش في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ (٣) لأن الله تعالى أعاشهم كما أعاشنا، وهو قول الكلبي في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ قال: يعني الوحش والطير (٤)، ونحوه قال منصور، ولا يجوز أن يفرد الوحش والطير والدواب عن الإماء والعبيد في هذه الآية؛ لأن (من) لا يكاد يكون لغير ما يعقل، فإذا جمع مع من يعقل، غلب من يعقل بفضيلة العقل، فجاز إيقاع (من) عليهم، وهذا هو الاختيار
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ١٧، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ أ، الماوردي ٣/ ١٥٤، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وفي كل هذه المصادر ورد منسوباً إلى منصور، وفسرها بالوحش فقط، ولم أقف عليه منسوباً إلى الكلبي إلا في "تفسر الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٢، والظاهر أنه نقله عن الواحدي.
572
عند جميع النحويين (١).
ووجه قول الكلبي، حيث أفرد الوحش والطير والدواب والأنعام: أن (من) لمّا (٢) وصفت بالمعاش الذي الغالب عليه أن يُوصفَ الناس به، فيقال: الآدمي يتعيش، ولا يقال: الفرس يتعيش، جرت الهَوَامُ والوَحشُ -لمَّا وُصفت بوصف الناس- مجرى الناس في التسمية، ألا ترى أن علامة جمعها جعلت كعلامة جمع الناس في قوله: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨] و ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠]، و ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] وكان وقوع (من) على غير الناس في هذا الموضع كتصيير الواو و (٣) الياء لجمع (٤) غير الناس حين وصفه بأوصاف الناس. هذا كلام أبي بكر، ومعنى قول أبي إسحاق (٥)، وذكر الفراء أن (من) يجوز أن تكون في محل خفض على تقدير: وجعلنا لكم فيها معايش ولمن، ثم قال: وقلما تَردُّ العربُ حرفًا مخفوضًا على مخفوض قد كُنِّيَ عنه (٦)، وهو جائز على قراءة من قرأ:
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩٢، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥٠، وهذا القول اختاره الطبري وصوَّبه.
انظر: "الطبري" ١٤/ ١٨.
(٢) في (ش)، (ع): (لها).
(٣) (الواو) زيادة يقضيها السياق.
(٤) في (أ)، (د): (الجميع)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو المناسب للسياق.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٦، بنصه تقريباً، وهذه مسألة خلافية بين النحويين؛ فأجازها الكوفيون ومنحها البصريون، ولكلٍ حجته في ما ذهب إليه، والصحيح جواز ذلك؛ لورود القراءة الصحيحة بذلك، والقراءة حجة يجب أن تُخضعَ لها قواعد النحو، ويحُكم بها عليها. انظر: المسألة بالتفصيل في "الإنصاف في مسائل الخلاف" مسألة رقم [٦٥] ٢/ ٤٦٣.
573
﴿تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: ١]، خفضًا (١)، وقد ذكرنا ذلك.
٢١ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾، الخزائن جمع الخزانة، وهي اسم المكان الذي يُخزن (٢) فيه الشيء أي يحفظ، والخزانة أيضًا عمل الخازن (٣)، ويقال خَزَنَ الشيءَ يَخْزِنه إذا أحرزه في خِزَانةٍ (٤)، وعامة المفسرين على أن المراد بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي من المطر (٥)؛ وذلك أنه سبب الرزق ومعايش بني آدم وغيرهم من الطيور والوحوش، فلما ذكر أنه يعطيهم المعاش بيَّن أن خزائن المطر الذي هو سبب المعاش عنده، أي: في أمره وحكمه وتدبيره.
(١) وهو حمزة وحده، وقرأ الباقون بالنصب؛ والأرْحَامَ، انظر: "السبعة" ص ٢٢٦، "الحجة في القراءات" ص ١١٨، "علل القراءات" ١/ ١٣٧.
(٢) في (أ)، (د): (يحرز)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو المتفق مع لفظ الآية، وموافق للمصدر.
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (خزن) ١/ ١٠٢٧ بنصه تقريباً، وانظر: (خزن) في "المحيط في اللغة" ٤/ ٢٧٧، "القاموس" ص ١١٩٣.
(٤) المصدر السابق بنصه، وهو قول الليث.
(٥) ورد في: "تفسير الطبري" ١٤/ ١٨، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٧، والثعلبي ٢/ ١٤٧ أ، والماوردي ٣/ ١٥٥، و"تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٩٥، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٢، والفخر الرازي ١٩/ ١٧٤، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، والخازن ٣/ ٩٣، وهذا التخصيص بالمطر فيه تحكم في اللفظ العام دون دليل قوي، وقد اعترض عليه جماعة من المفسرين المحققين، منهم: ابن عطية والفخر الرازي والشوكاني وصديق خان، يقول الشوكاني: (إنْ) هي النافية و (مِنْ) مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام؛ لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من، ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء "تفسير الشوكاني" ٣/ ١٨٢.
574
وقوله تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، قال ابن عباس: يريد ما يكفي خلقي، وقال الحكم: ما من عام بأكثرَ مطرٍ من عام، ولكنه يُمْطَرُ قومٌ ويُحْرَمُ آخرون، وربما كان البحر (١)؛ يعني أن الله تعالى ينزل المطر كل عام قدر معلوم لا ينقصه ولا يزيده، غير أنه يصرفه إلى من شاء حيث شاء كما شاء، وقال أهل المعاني في هذه الآية: خزائن الله جل وعز مَقْدُوراته (٢)؛ لأنه يُقِّدر أن يوجد ما يشاء من جميع أجناس المعاني، وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ قال: يريد أَمْلِكُ خزائنه، وأقول كن فيكون (٣)، يعني أنه تعالى ذِكْرُه لما قَدَرَ على إنشاء ما يريد كما يريد، صارت الأشياءُ كأنها عنده في خزائنها مُعَدَّةٌ، وعلى هذا معنى قوله: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ أي ما ننشئه وما نحدثه، والإنزال يكون بمعنى الإنشاء والإحداث كقوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: ٦]، وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: ٢٥] وقد مر (٤)،
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ١٩ بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ أبنصه، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٤، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، ابن كثير ٢/ ٦٠٣، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة، وقد أخرجه أبو الشيخ في العظمة ص ٣٢٤، لكن عن الحسن لا عن الحكم كما قال السيوطي.
(٢) انظر: "غرائب التفسير" ١/ ٥٨٩، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٢، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٤، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، الخازن ٣/ ٩٣.
(٣) في "تنوير المقباس" ص ٢٧٧ قال: بيدنا مفاتيحه لا بأيديكم، وعنه في الدر المنثور قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر الأخرى. "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) لعل الأولى أن يقول وسيأتي.
575
والمعنى أنّا ما نخلقه إلا بقدر معلوم لنا، ولو شئنا أن نخلق أضعاف ذلك قدرنا عليه.
٢٢ - قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾، قال ابن عباس: يريد للشجر وللسحاب (١)، وهو قول الحسن وإبراهيم وقتادة والضحاك، وأصل هذا من قولهم: لَقِحَتْ الناقةُ، وأَلْقَحَها الفحلُ إذا ألقى إليها الماءَ فحملته (٢)، فكذلك الرياح هي كالفحل للسحاب، ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود في هذه الآية؛ قال: يبعث الله الرياح لتُلقحَ السحابَ فتحمل الماءَ
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٢٢ بنصه عن ابن عباس والحسن، وعن الباقين قال: للسحاب، ورواية ابن عباس من طريق الحجاج عن ابن جريج، صحيحة.
وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة" ص ٣٥١ - ٣٥٢ عن الحسن بنصه، وعن إبراهيم بنحوه.
وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٩ بنصه عن ابن عباس والحسن، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٧ عن ابن عباس قال: للأشجار، وعن قتادة قال: للسحاب، والماوردي ٣/ ١٥٥ عن ابن عباس: للشجر، وعن الحسن وقتادة: للسحاب، والطوسي ٦/ ٣٢٩ عن قتادة وإبراهيم والضحاك قالوا: للسحاب، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٤، عن الحسن وإبراهيم، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٥ عنهم ما عدا إبراهيم، الخازن ٣/ ٩٣ عن ابن عباس والحسن وقتادة، وابن كثير ٢/ ٦٠٤ عنهم ما عدا الحسن.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧٩ وزاد نسبته إلى أبي عبيد وابن المنذر عن ابن عباس، وزاد نسبته إلى أبي عيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن الضحاك، وعن قتادة، وعن إبراهيم.
(٢) انظر: (لقح) في: "جمهرة اللغة" ١/ ٥٥٩، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٨٣، "المحيط في اللغة" ٢/ ٣٥٢. وورد في الطوسي ٦/ ٣٢٨ بنصه.
576
وتَمُجُّه في السحاب ثم تَمْريه (١) فيدُرُّ كما تَدُرُّ اللِّقحةُ (٢).
وقال عبيد بن عمير: يرسل الله المبُشَّرة فَتَقُمّ الأرضَ قَمُّا، ثم يرسل المُثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلِّفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فَتُلقِح الشجر (٣)، والأظهر في هذه الآية إلقاحها السحاب لقوله بعده: ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾، ولأن إلقاحها للسحاب ظاهر كما ذكرنا، وإلقاحها للشجر لم يذكر كيف هو (٤)، فإن قيل كيف قال (لواقح) وهي مُلْقِحة؟ والجواب ما ذهب إليه أبو عبيدة: أن لواقح هاهنا بمعنى مَلاقِح جمع مُلْقِحَة، فحذفت
(١) (تَمْريه)؛ المَرْيُ: مَسْح ضَرْع الناقة لتَدرّ، والريح تَمْرِي السحابَ مَرْياً؛ أي تجعل المطر يدرُّ منه. (اللَّقْحَةُ واللِّقْحَةُ): هي الناقة القريبة العهد بالنتاج: الحَلُوب الغزيرة اللبن، تقول: لِقحةُ فلان، ولا تقول: ناقة لَقْحة ولِقْحة، وإذا جعلتها نَعْتًا قُلت: ناقةٌ لَقُوْحٌ، والجمع لِقَحٌ ولِقاح. انظر: "تهذيب اللغة" (لقح) ٤/ ٣٢٨٣، (مرى) ٤/ ٣٣٨٣، "المحيط في اللغة" (لقح) ٢/ ٣٥٢، (مرى) ١٠/ ٢٨١، "متن اللغة" ٥/ ١٩٧.
(٢) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٢٠، بنحوه، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٣٥٣، بنحوه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٩ بنحوه، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٧ بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٤٧ أ، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٥، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٤، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٥، الخازن ٣/ ٩٣، وابن كثير ٢/ ٦٠٤، وأورده الهيثمي في "المجمع" ٧/ ٤٥ وقال: وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧٩ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي لم أقف عليه.
(٣) أخرجه الطبري ١٤/ ٢١ بنصه، وأبي الشيخ في "العظمة" ص ٣٤٤ بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ أبنصه، والماوردي ٣/ ١٥٥، انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٥، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٦، الخازن ٣/ ٩٣، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٩ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكر الطبري أن إلقاحها السحاب والشجر: عملها فيه. "تفسير الطبري" ١٤/ ٢٠.
577
الميم منه وردت إلى الأصل، وأنشد لنهشل بن حَرِّيّ (١) يرثي أخاه:
لِيُبْك يزيدُ بائسٌ ذو ضَرَاعةٍ وأشْعَثُ ممن طَوَّحتْه الطَّوائحُ (٢)
أراد: المطوحات، فرد الحرف إلى أجل الثلاثي، واحتج أيضًا بقول رؤبة:
يَخْرُجْنَ من أَجْوَازِ (٣) لَيْلٍ غاضِ (٤)
(١) نهشل بن حري بن ضَمرة بن جابر النَّهشلي، شاعر شريف مشهور، هو وأبوه وجدّه شعراء، كان حسن الشعر، عدّه الجمحي في الطبقة الرابعة من فحول شعراء الإسلام. انظر: "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٨٣، "الشعر والشعراء" ص ٤٢٤، "الخزانة" ١/ ٣١٢.
(٢) اختلف في نسبة البيت لهشل، فنُسب إلى أكثر من واحد، وقد صوّب البغدادي نسبته إلى نهشل. انظر: "الخزانة"١/ ٣١٣، وقد ورد البيت في. "تفسير الطبري" ١٤/ ٢١، وابن عطية ٨/ ٢٩٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٣، والفخر الرازي ١٩/ ١٧٥ وورد برواية:
لِيُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومةٍ ومُخْتَبِطٌ مما تُطيح الطَّوائِحُ
في: "الكتاب" ١/ ٢٨٨، ٣٦٦، "الإيضاح" ص ١١٥، "الخصائص" ٢/ ٣٥٣، "المحتسَب" ١/ ٢٣٠، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٩ "الأساس" ٢/ ٨٣، "أمالي ابن الحاجب" ٢/ ١٤٩، "شرح شواهد الإيضاح" ص ٩٤، "شرح المفصل" ١/ ٨٠، "اللسان" (طيح) ٥/ ٢٧٣٤، "الدر المصون" ٧/ ١٥٣، "معاهد التنصيص" ١/ ٢٠٣، "الخزانة" ١/ ٣٠٣، معناه: هذا الممدوح الذي هو (يزيد) كان رجلاً عظيماً يُقْصد في النَّصر وفي العطاء، فيقصده الضارع للخصومة لينصره وهو المائل إليها، ويقصده (المختبطُ): الاختباط: طلب المعروف والكسب، خبطه واختبطه، والمختبط: الذي يسألك بلا وسيلة ولا معرفة، (مما تطيح الطوائح): وهو الذي أصابته شِدَّة السنين، والطوائح: الشدائد؛ فيقصدُه هذا ليدفع عنه بالعطاء شدة ما أصابه من ذلك، فلذلك وصفه بالنَّصر والكَرم. وانظر: "المحيط في اللغة" (خبط) ٤/ ٢٩٤.
(٣) في جميع النسخ: (أزواج)، والمثبت موافق للديوان وجميع المصادر.
(٤) "ديوان رؤبة" ص ٨٢ وروايته:
بالِعيسِ فوق الشَرَكِ الرِفاض كأنَّما ينْضَحْنَ بالخَضْخاضِ
يخرجنَ من أجواز ليلٍ غاضِ نَضْوَ قِداحِ النابلِ النواضي
وورد في: "أدب الكاتب" ص ٦١٢، "شرح الجواليقي" ص ٣٠٠، "اللسان" (دلا) ٣/ ١٤١٧، (غضا) ٦/ ٣٢٦٩، وورد غير منسوب في: "المقتضب" ٤/ ١٧٩، "المخصص" ٩/ ١٦٧، (العيس) الإبل البيض، (الشَرَك) أخاديد الطريق، الواحدة: شركة، (الرفاض) المتفرقة يميناً وشمالاً، (ينضحن) يعرقن، (بالخضخاض) القطران الرقيق، شبَّه عرق الإبل به وعرقها أسود، (يخرجن) أي الإبل، (الأجْوَاز) جمع جَوْز، وهو الوسط، (غاض) مظلم، (النضْو) الخروج، شبه خروجها من الليل بخروج القداح من الرمية.
578
يريد: مُغضٍ، وبقوله:
تَكْشِفُ عن جَمَّاتِهِ دَلْوُ الدَّالي (١) (٢)
يريد: المُدْلِي، قال أبو بكر وقد قال العرب: أَبْقَلَ النبت فهو بَاقْلٌ، يجعلون باقلًا بدلاً من مُبْقِل، ففي هذا دليل على تعيين لاقح عن مُلْقِح، وإلى قريب من هذا ذهب الفراء؛ فقال: يجوز فاعل لِمَفْعَل، كما جاء
(١) وعجزه:
عَبايةً غَثْراءَ من أَجْنٍ طالْ
ورد في ملحقات "ديوان العجّاج" ٢/ ٣٢١، وورد في: "أدب الكاتب" ص ٦١٢، "شرح الجواليق" ص٣٠١، "اللسان" (دلا) ٣/ ١٤١٧، وورد غير منسوب في: "المقتضب" ٤/ ١٧٩، "المخصص" ٩/ ١٦٧. (الجمات): جمع جمّة، وجمّة البئر اجتماع مائها، (الدَّالي أو الدال) هو الجاذب للدَّلْو من البئر ليخرجها، ويقال (الدالي) صاحب الدلو، (عباءة) كساء، (غثراء) مثل غبراء؛ الكدر اللون، (أَجْن) يقال ماءٌ أَجِنٌ، وماءٌ آجِنٌ؛ هو الماء المتغير بطول المَكْث، وهو الذي غشيه العَرْمَضُ -الطُّحْلُبُ- والورق، شبه ما على الماء من الطحالب والورق بسبب طول المكث بالعباءة؛ لأنه لا يورد. انظر: "المحيط في اللغة" (أجن) ٧/ ١٩١، "شرح الجواليقي" ص ٣٠١، "اللسان" (غثر) ٦/ ٣٢١٤.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٣٤٨ بنحوه.
579
لمفعول؛ نحو: ماءٍ دافقٍ، وسرًّ كاتمٍ، وليلٍ نائمٍ، وكما قيل: المَبْرُوز في معنى المُبْرَز في قوله (١):
النَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ
وذلك أن هذه الأشياء لم يُرَدَّ البناءُ فيها إلى الفعل (٢)، واختار أبو علي أيضًا قول أبي عبيدة فقال: لواقح بمعنى مَلاقِح، على حذف الزيادة، قال: وكما حذفت الزيادة من الجمع هاهنا حذفت من المصدر في شعر أبي دُؤَاد يذكر سحابًا:
لَقِحْنَ ضُحَيُّا لِلَقْحِ الجَنُوبِ وأصبَحْنَ يُنْتَجْنَ ماءَ الحَيَاءِ (٣)
فقوله: (لِلَقْحِ الجنوب)، تقديره: لإلقاحِ الجنوب، فحذف الزيادة من المصدر (٤).
وقال الزجاج: يجوز أن يقال لها لواقح، وإن ألقحت غيرها؛ لأن معناها النسب (٥)، وشرح أبو بكر هذا القول فقال: واحد اللواقح لاقح، ومعنى لاقح ذاتُ لَقْح، كما قالوا: تأمر ولابن ونابل، وأبو الهيثم اختار أيضًا هذا، وقال هذا كما يقال: دِرْهَم وازِنٌ، أي ذو وزن، ورامحٌ وسائفٌ، ولا يقال رَمحَ ولا سافَ (٦)، وهذا الذي ذكرنا قول هؤلاء وليس هذا بمعنى؛ لأنه كان يجب أن يصح اللاقح بمعنى ذات اللقاح حتى يوافق
(١) البيت للبيد وقد سبق عزوه قريبًا في ص ٤٥٩.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٧ بتصرف.
(٣) ورد في "الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٣.
(٤) ورد في "الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٣ بتصرف يسير.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
(٦) ورد قوله في "تهذيب اللغة" (لقح) ٤/ ٣٢٨٥ بتصرف يسير.
580
قول المفسرين، فإن أرادوا بقولهم (ذات لقح) أن الريح في الحامل نفسها لم يحتج فيها إلى القول بالنسب، ويكون معناه ما ذكره الفراء فقال: جعل الريح هي التي تَلْقَح بمرورها على السحاب [و] (١) التراب والماء، فيكون هذا اللَّقَاح، فيقال: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح (٢)، واختار ابن قتيبة هذا القول، وكَرِه قولَ أبي عبيدة وقال: العرب تسمى الرياح لواقح، والريح لاقحًا، قال الطَّرِمَّاح:
قَلِقٌ لأَفْنَانِ الرِّيَاحِ لِلاَقِحٍ مِنْها وحَائِلْ (٣)
فاللاقحُ: الجنوب، والحائلُ: الشمال، يذكر بُرْدًا مَدَّه (٤) على أصحابه في الشمس يستظلون به، وُيسمّون الشمال أيضًا عقيمًا؛ لأنها لا تحمل، وإنما جعلوا الريح لاقحًا، أي حاملًا؛ لأنها تحمل السحاب وتقلبه وتُصَرِّفه، وهذا في قول أبي وَجْزَةَ (٥):
حتى سَلَكْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ في مَسَكٍ مِنْ نَسْلِ جَوَّابَةِ الآفَاقِ مِهْدَاجِ (٦)
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٧ بنصه.
(٣) ورد البيت في:"الحجة للقراء" ٢/ ٢٥٢، "الأزمنة والأمكنة" للمرزوقي ص ٥٢٤، " تفسير ابن عطية" ٨/ ٢٩٧، ابن الجوزي ٤/ ٣٩٢.
(٤) في (د): (يريد أمده).
(٥) أبو وجزة هو يزيد بن عبيد السعدي المدني، من بني سُلَيم، نشأ في بني سعد بن بكر فغلب عليه نسبهم، كان شاعراً مجيداً، ومحدّثًا ثقة، مات سنة (١٣٠ هـ). انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٦٩، "الأغاني" ١٢/ ٢٧٩، "تقريب التهذيب" ص ٦٠٣ رقم (٧٧٥٣)، "الخزانة" ٤/ ١٨٢.
(٦) ورد في: "تهذيب اللغة" (لقح) ٤/ ٣٢٨٥، (هدج) ٤/ ٣٧٢٥ "الأزمنة والأمكنة" ص ٥٢٤ وفيه: (مَسَد) بدل من (مسم)، "اللسان" (هدج) ٨/ ٤٦٣٠، (لقح) =
581
يعني الماء من نسل ريح جوابة للبلاد، فجعل الماء للريح كالولد؛ لأنها حملته في السحاب ثم مَرَت (١) السحاب حتى ألقته، قال: ومما يوضح هذا قوله جل ذكره: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا﴾ [الأعراف: ٥٧] أي حملت (٢). وهذا القول اختيار الأزهري، وقال بعد ما حكى قول ابن قتيبة: فهذا على هذا المعنى لا يحتاج أن يكون لاقِحٌ بمعنى ذات لَقْح، ولكنها حامل تحمِلُ السحاب والماء (٣)، والله أعلم.
ويؤكد هذا الوجه أن المفسرين ذكروا في إلقاحها السحاب أنها تحمل الماء، قال أبو إسحاق: وجائز أن يقال للريح لقحت إذا أتت بالخير؛ كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بخير (٤)، قال ابن الأنباري: الريح اللاقح؛ الذي يحمل الماء والسحاب على جهة التشبيه والتمثيل بالناقة التي تشتمل على ماء الفحل، والذي يتولد عن الريح من السحاب، والمطر
= ٧/ ٤٠٥٩، (مسك) ٧/ ٤٢٠٣، (سلكن الشوى): الأُتُنُ الحمير أدخلن شواهُنَّ، أي قوائمهن، (مَسَك): بالتحريك؛ الأسورة والخلاخيل من الذَّبْلِ -وهي قرون الأوْعَال- والعاج، واحدته مَسْكة، (مهداج): الهَدْجةُ: رَزْمة صوت الناقة وحنينُها على ولدها، ويقال للريح الحنون: لها هَدْجة ومِهدْج، فهو يذكر حميرًا وردت ماءً فأدخلت قوائمها في الماء، وهذا الماء من نسل جوابة الآفاق؛ أي ريح تجوب البلاد، أي هي أخرجته من الغيم واستدرَّته، فجعل الماء لها نتاجاً ولداً، فالرياح على هذا هنَّ اللواقح.
(١) أي استدرته، وجعلت المطر يدر.
(٢) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ١٧٨ بتصرف.
(٣) "تهذيب اللغة" (لقح) ٤/ ٣٢٨٥ بنصه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
582
بمنزلة الولد الذي تنتجه الناقة، وهذا كما تقول العرب: قد لقحت الحرب وقد نتجت ولدًا أنكدًا (١)، يُشبِّهون ما تشتمك عليه من (٢) ضروب الشر بما تحمله الناقة، ويُشبِّهون بما يتولد منها من القتل والنهب بما تضعه الناقة (٣)، يشهد لصحة هذا قول الشاعر (٤):
لَقَحَتْ حُرْبُ وائلٍ عن حِيالِ (٥)
والرياحُ العقيمُ غيرُ لاقح، إذا لم تحمل ما يتولد منه مطر ويصدر عنه روح وفرح (٦).
(١) الكلمة غير واضحة في جميع النسخ كأنها: أيلد، والتصويب من "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٦ والنّكدُ: الشؤم واللؤم، وكل شيٍ جر على صاحبه شرًّا فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ، وصاحبه أنْكَدُ ونَكِدٌ. "المحيط في اللغة" (نكد) ٦/ ٢١٤.
(٢) ساقطة من (أ)، (د).
(٣) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٤ ورد مختصرًا، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٦ ورد مختصرًا غير منسوب.
(٤) هو الحارث بن عباد (جاهلي).
(٥) وقدره:
قَرّبا مَرْبِطَ النعامةِ منِّي
ورد في "الأصمعيات" ص ٧١، "الحيوان" ٤/ ٣٦١، "أمالي القالي" ٢/ ١٣١، "الأزهية" ص ٢٨٠، " الاقتضاب" ص ٤٤٣، "شرح الجواليقي" ص ٢٦٦، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٦١٢، "الحماسة البصرية" ١/ ١٦، وورد بلا نسبة في: "معاني الحروف" للرماني ص ٩٥، "المنصف" ٣/ ٥٩ (النعامة) اسم فرسه، (المربط) الموضع الذي تربط فيه، (لقحت) حملت، (عن حيال) بعد حيال؛ أراد أنها هاجت بعد سكونها، يقول ابن السيد: والحيال: أن تضرب الناقة فلا تحمل، وإنما ضرب ذلك مثلاً لِمَا تولد عن العرب وأنتج منها من الأمور التي لم تكن تحتسب بعد ذلك.
(٦) خلاصة القول في (لواقح) أن فيها ثلاثة أقوال: أن الرياح ملقحة، أو لاقحة، أو =
583
وقوله تعالى: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾، قال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام ومن السماء أو نهر يجري: أسْقيْتُ، أي جعلته شُرْبًا له، وجعلت له منها مسقى، فإذا كانت السقيا لشفته قالوا: (سقاه، ولم يقولوا: أسقاه) (١)، الذي يؤكد ويبين هذا اختلاف القُراء في قوله: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] فقرأوا باللغتين، ولم يختلفوا في قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] وفي قوله: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ [الشعراء: ٧٩].
وقال أبو زيد: اللهم اسقنا إسقاءً رِوَاءً، وأسقيت فلانًا رَكِيَّتي (٢)، إذا
= ذات لقحٍ، وهذا الأخير محتمل لأحد القولين، فتؤول المسألة إلى قولين؛ إما ملقحة أو لاقحة، وهو ما رجحه الطبري ١٣/ ٢٠ وهذا القول موافق للواقع المشاهد؛ فالريح لاقح لأنها تحمل السحاب وما فيه من الماء، وتحمل اللَّقاح من الشجر الذكور إلى الإناث، وهي ملقحة لأنها تلقح السحاب بعضه ببعض؛ فيدرُّ المطر وكذا فعلها في الأشجار، ولا تعارض بين القولين، لكن السياق هنا يرجح القول بأنها ملقحة للسحاب؛ أي تلقح بعضه ببعض فيدرّ المطر، فالآية تشير إلى أثر الرياح في الجمع بين الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة في السحاب، وهو ما أثبته العلم الحديث؛ حيث تقوم الرياح بتلقيح السحاب، وذلك في عملية تتضمن إمداده بأكداس من جسيمات مجهرية صغيرة، تسمى: نوى التكاثف، ومن أهم خواص هذه النويات أنها تمتص الماء أو تذوب فيه، وتحمل الرياح كذلك بخار الماء وتلقح به السحاب لكي يمطر.
انظر: "الإسلام في عصر العلم" ص ٤٠٦، "المعجزة الخالدة" ص ٣٣٦، "مباحث في إعجاز القرآن" ص ١٨٨.
(١) "تهذيب اللغة" (سقى) ٢/ ١٧١٥، وما بين القوسين ساقط من (ش)، (ع).
(٢) الرَّكْوَةُ: شِبْهُ تَوْر من أدم، والجمع الرِّكَاءُ، والرَّكْوُ: أن تحفر حوضاً مستطيلاً، والرَّكيَّة: بئر تُحفر، وجمعها رَكِيُّ ورَكَايا انظر: (ركو) في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٦، "المحيط في اللغة" ٦/ ٣١٧.
584
جعلت له منها مَسْقًى (١).
وقال أبو علي: تقول: سقيته حتى روى، وأسقيته: نهرًا، جعلته شِرْبًا له، وقوله: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾: جعلناه سُقيا لكم، وربما قالوا في: أسقى سقى؛ كقول لبيد يصف سحابًا:
أَقُولُ وصَوْبُهُ مِنِّي بَعِيدٌ يَحُطُّ الشَثَّ من قُلَلِ الجِبَالِ
سَقَى قَومِي بَني مَجْدِ وأَسْقَى نُمَيْرًا والقبائلَ مِن هِلالِ (٢)
فـ (سقى قومي) ليس يريد به ما يُروي عِطَاشهم، ولكن يريد رزقَهم سَقْيًا لبلادهم يُخْصِبُون بها، وبعيدٌ أن يسألَ لقومه ما يُروي العطاش، ولغيرهم ما يُخْصِبون منه (٣)، فأما سَقْيَا السَقِيَّة، فلا يقال فيها أسقَاهُ، وأما قول ذي الرُّمَّة:
وأُسْقِيهِ حتى كادَ بما أَبُثُّهُ تُكَلِّمُني أَحْجَارُهُ ومَلاعِبُه (٤)
(١) "النوادر في اللغة" ص ٥٥٤ بمعناه، وورد في "تهذيب اللغة" (سقى) ٢/ ١٧٧ بنحوه، وأغلب الظن أنه نقل القول منه.
(٢) "شرح ديوانه" ص ٩٣، وورد البيت الثاني في "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٥، "النوادر في اللغة" ص٥٤٠، "تفسير الطبري" ١٤/ ١٣١ "الحجة للقراء" ٧٥/ ٥، "إعراب القراءات السبع" وعللها ١/ ٣٥٧، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٩٩، ابن عطية ٨/ ٣٠٠، ابن الجوزي ٤/ ٣٩٥، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٧، "اللسان" (سقي) ٤/ ٢٠٤٣، والألوسي ١٤/ ٣١، (صوبه) مصاب مطره، (الشَثَّ) شجر من شجر السراة، (قلل) أعالي، (مجد) ابنة تيم بن غالب بن فهر، وهي أم كلاب وكعب وعامر بني ربيعة بن عامر بن صعصعة.
(٣) "الحجة للقراء" ٥/ ٧٥ بتصرف.
(٤) "ديوانه" ٢/ ٨٢١، وورد في "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٠، "النوادر في اللغة" ص ٥٤٠، "تفسير الطبري" ١٤/ ٢٢، والطوسي ٦/ ٣٢٩، وابن عطية ٨/ ٣٠١، وابن =
585
فمعنى (أسقيه) أدعو له بالسُقيا، وأقول: سَقاه الله.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ لَهُ﴾ يعني لذلك الماء المنزل من السماء، ﴿بِخَازِنِينَ﴾ أي بحافظين، يقول ليست خزائنه بيدكم.
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ يعني إذا مات جميع الخلائق لم يتبق سواه؛ كقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ﴾ [مريم: ٤٠]. قال أهل المعاني: لمّا كان يزول مُلْكُ كلِّ مَلِكٍ بموته -ويكون اللهُ عَزَّ وَجَلَّ المالكَ الحيَ وَحْدَه- كان هو الوارث لجميع (١) الأملاك (٢).
ومعنى ورث: تَمَلَّك ما كان يملكه الميت قبله، وأملاك الخلائق تبطل وتزول بموتهم، ويبقى المُلك خالصًا لله وحده، فكان وارثًا من هذا الوجه.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ قال الليث: تقول: استقدم، أي: تقدم، وضده استأخر، أي: تأخر (٣)، واختلف المفسرون في هذه الآية، فقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿الْمُسْتَقْدِمِينَ﴾ يريد أهلَ طاعةِ الله، و ﴿الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ يريد عن طاعة الله (٤)، وهذا قول الحسن قال: المستقدمون في الطاعة، والمستأخرون
= الجوزي ٤/ ٣٩٥، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٧، "اللسان" (سقي) ٤/ ٢٠٤٢. (أبثه) أي أخبره بكل ما في نفسي، (ملاعبه) مواضع يُلعَبُ فيها.
(١) في (أ)، (د): جميع، والمثبت من (ش)، (ع) وهو المنسجم مع السياق.
(٢) ورد هذا المعنى في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٢٩، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٧، الخازن ٣/ ٩٤.
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (قدم) ٣/ ٢٩٠٤ بمعناه.
(٤) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٧.
586
عنها (١).
وقال في رواية مِقْسَم: المستقدمون الصف المستقدم، والمستأخرون الصف المستأخر (٢)، وهذا قول الربيع، قال: حض رسول -صلى الله عليه وسلم- على الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه فأنزل الله هذه الآية (٣)، واختار الفراء هذا القول، وقال: معنى ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا﴾ أي: إنَّا نجزيهم على نيّاتهم (٤)، فإنا نعلم جميعهم.
وقال الضحاك ومقاتل: في صف القتال (٥).
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٢٥ بنحوه، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨ بمعناه، والثعلبي ٢/ ١٤٧ ب بنحوه، وانظر: "تفسير ابن العربي" ٣/ ١١٢٧، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٧، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٩، والخازن ٣/ ٩٤، و"الدر المنثور" ٤/ ١٨١ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر.
(٢) رواه الحاكم، تفسير الحجر ٢/ ٣٥٣ بنصه عن طريق أبي الجوزاء (منقطعة بالجهالة)، وانظر: "تفسير ابن العربي" ٣/ ١١٢٧، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٨، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨ وزاد نسبته إلى ابن مردويه، وقد أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٨، والطبري ١٤/ ٢٦ بنحوه، عن طريق واحد مسندًا إلى أبي الجوزاء.
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ب بنصه، وأورده المؤلف في "أسباب النزول" ص ٢٨٢ بلا سند، وانظر: "تفسير الألوسي" ١٤/ ٣٢، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٦ عن أبي صالح عن ابن عباس، ولا يعتد بمثل هذا في أسباب النزول.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٨ بنصه.
(٥) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٨ عنهما، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٧ عن الضحاك، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٧ عن مقاتل، والخارن ٣/ ٩٤ عن مقاتل، و"الدر المنثور" ٥/ ١٨١ وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن مقاتل، والذي في تفسير مقاتل هو نفس القول الذي أخرجه الطبري عن الضحاك في الآية؛ قال: الأموات والأحياء، انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٦ ب، والطبري ١٤/ ٢٤، والماوردي ٣/ ١٥٦.
587
وقال في رواية أبي الجوزاء: (كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان قوم يتقدمون إلى الصف الأول لئلا يروها، وآخرون يتأخرون ليروها -إذا ركعوا وجافوا أيديهم لينظروا من تحت آباطهم- فأنزل الله هذه الآية) (١).
(١) أخرجه بنصه تقريبًا: أحمد ١/ ٣٠٥، والترمذي (٣١٢٢) كتاب: تفسير، باب. ومن سورة الحجر، وابن ماجه (١٠٤٦) كتاب: الصلاة، باب: الخشوع في الصلاة، وابن خزيمة: كتاب: صلاة النساء في الجماعة، باب: التغليظ في قيام المأموم في الصف المؤخر إذا كان خلفه نساء ٣/ ٩٧، والطبري ٤/ ٢٦، وابن حبان، "موارد الظمأن": التفسير، الحجر ص ٤٣٣، والطبراني في "الكبير" ١٢/ ١٧١، والحاكم: التفسير، الحجر ٢/ ٣٥٣ وصححه ووافقه الذهبي، سنن البيهقي: كتاب: الصلاة، باب: الرجل يقف في آخر صفوف الرجال ٣/ ٩٨، "أسباب النزول" للواحدي ص ٢٨١، كلهم من طريق نوح بن قيس عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وورد بنحوه في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٧، والثعلبي ٢/ ١٤٧ ب، والماوردي ٣/ ١٥٦، وابن عطية ٨/ ٣٠٢، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٦، الفخر الرازي ١٩/ ١٧٨، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٩، الخازن ٣/ ٩٤، وأبي حيان ٥/ ٤٥١، وابن كثير ٢/ ٦٠٥، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٠ وزاد نسبته إلى أبي داود الطيالسي ٢٧١٢، وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وانظر: "شرح المسند" ٢/ ٢٧٨، صحيح ابن ماجه (٢٤٧٢). اختلف العلماء في تصحيح الحديث، فصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وشاكر والألباني، وقد أَعَلَّ الترمذي الحديثَ بالإرسال؛ ورجح وقفه على أبي الجوزاء، وتبعه القرطبي وقال: هو الصحيح، واعتمده ابن كثير وقال: حديث غريب جداً وفيه نكارة شديدة، وقد ناقش الألباني المضعفين للحديث: فبيّن أن الإعلال مردود بورود الحديث موصولاً في مسند الطيالسي ورجاله ثقات، وأما الغرابة فمنفية لورورد عدة روايات للحديث -ذكرها- في أن الآية نزلت في صفوف الصلاة، أما النكارة الشديدة التي ذكرها ابن كثير، فلعه يقصد مضمون الرواية؛ أنها توهم طعنًا في الصحابة، وجوابه: إذا ورد الأثر =
588
وعلى هذا القول معنى ﴿عَلِمْنَا﴾: الوعيد والمحاسبة، وروي عنه أيضًا أنه قال: المستقدمون الأموات، والمستأخرون الأحياء (١)، وهذا قول قتادة، ومجاهد قال: من مضى من الأمم السالفة ومن بقي؛ وهم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٢)، وقال عكرمة: المستقدمون من خلق، والمستأخرون "من يخلقه بعد" (٣) (٤)، وعلى قول هؤلاء معنى ﴿عَلِمْنَا﴾ والتمدح بالعلم؛ لأن علمه شامل لأعداد من مضى ومن بقي، ومن خلقه ومن سيخلقه فيما بقي.
= بطل النظر، ولأن هذا المسلك يفتح باباً لرد كثير من الأحاديث، ويمكن دفع التهمة عن الصحابة بتخصيص الخبر على بعض المنافقين أوحديثي العهد بالإسلام. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (٢٤٧٢).
(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٨ بنحوه عن قتادة، والطبري ١٤/ ٢٣ - ٢٤ بنحوه من طريق قتادة عن ابن عباس، ومن طريق العوفي غير مرضية، وأخرجه -كذلك- عن
قتادة، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨ بمعناه عن قتادة، والثعلبي ٢/ ١٤٧ ب بنصه عن ابن عباس، وبنحوه عن قتادة، وانظر: "تفسير ابن العربي" ٣/ ١١٢٧ عن ابن عباس وقتادة، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٩ عنهما، وأبي حيان ٥/ ٤٥١ عنهما، وابن كثير ٢/ ٥٦٩ عنهما، و"الدر المنثور" ٤/ ١٨١ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن قتادة.
(٢) "تفسير مجاهد" ص ٣٤١ بنصه، وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٨ بنصه، والطبري ١٤/ ٢٥ بنصه، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨ بنحوه، والماوردي ٣/ ١٥٦ بنحوه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٧، وابن العربي ٣/ ١١٢٧، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٧، والخازن ٣/ ٩٤، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥١، وابن كثير ٢/ ٦٠٤ - ٦٠٥، و"الدر المنثور" ٤/ ١٨٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) في معظم المصادر: (من لم يخلق)، والمثبت في معناه؛ لأن من يخلقه بعد، أي في المستقبل، هو ممن لم يخلق.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٨ بنحوه، والطبري ١٤/ ٢٣ بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٤٧ ب بنصه تقريبً، والماوردي ٣/ ١٥٦ بنحوه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٧، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٦، والفخر الرازي: ١٩/ ١٧٨٩، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥١، وابن كثير ٢/ ٦٠٤ - ٦٠٥.
589
٢٦ - قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ قال ابن عباس وغيره: يعني آدم (١)، والكلام في وزن الإنسان واشتقاقه قد تقدم في أول الكتاب؛ عند قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ﴾ [البقرة: ٨].
وقوله تعالى: ﴿مِنْ صَلْصَالٍ﴾، اختلفوا في معناه، فقال قوم: هو طين حر يصلصل إذا نقر؛ لِيُبْسِه، يقال: صلَّ الحديدُ وغيرُه يَصِلُّ صليلاً، وصلصل إذا صَوَّت، ومنه قول لبيد:
كلَّ حِرباءٍ إذا أُكْرِهَ (٢) صلّ (٣)
(١) أخرجه "الطبري" ١٤/ ٢٧ بلفظه من طريق سعيد بن جبير صحيحة، والماوردي ٣/ ١٥٧ بلفظه عن أبي هريرة والضحاك، وورد بلفظه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨، والطوسي ٦/ ٣٣٠.
(٢) في جميع النسخ: (أكرم)، والمثبت موافق للديوان وجميع المصادر.
(٣) وصدره:
أَحْكَمَ الجُنْثِيُّ من عَوْرَاتِها
"شرح ديوان لبيد" ص ١٩٢، وورد في "العين" ٦/ ٩٩، "المعاني الكبير" ٢/ ١٠٣٠، "جمهرة اللغة" ١/ ١٤٣، ٣/ ١٣٢٢ وفيه: (نَعْتِها) بدل (عوراتها)، "تهذيب اللغة" (حكم) ١/ ٨٨٦، (صل) ٢/ ٢٠٤٦، "اللسان" (حرب) ٢/ ٨١٨، (جنث) ٢/ ٦٩٦، (صلل) ٤/ ٢٤٨٧، (حكم) ٢/ ٩٥٢، "التاج" (جنث) ٣/ ١٨٦ (الجُنْثيُّ) بضم الجيم وكسرها، وبالنصب وبالرفع؛ فمن قال: الجنْثِيُّ بالرفع ونصب كلاَّ أراد: الحدّادُ أو الزَّرّادُ، أي أحكم صنعة هذه الدِّرع، ومن قال: الجنْثِيَّ بالنصب ورفع كلاَّ -وهي رواية الأصمعي- أراد: السيف؛ يقول هذه الدِّرع لإحكام صنعتها تمنع السيف أن يمضي فيها، وكل شيء أحكمته فقد منعته، وأحكم هنا بمعنى رَدَّ، (عوراتها) واحدها عورة، وهىِ الفُتُوقُ والفُرَج في الدِّرع، (الحِرْبَاءُ) مسمارُ الدِّرْع، وقيل هو رأسُ المِسمار في حَلْقَةِ الدِّرْع، (صل) يقال صلّ المسمارْ يصلُّ صَليلاً، إذا ضُرب وأكره أن يدخل في الشيء فسمعت صوته.
590
وأنشد ابن الأنباري (١):
عَنْتَرِيسٌ تَعْدو إذا مَسَّها السَّوْطُ كَعَدْوِ المُصَلْصِلِ الجوَّالِ (٢)
قال يريد بالمصلصل الحمار المصوت، وهذا قول الفراء (٣) والزجاج (٤) وأبي عبيدة (٥)، ونحوه قال الأخفش، قال: وكل شيء له صوتٌ فهو صلْصالٌ من غير الطين (٦)، وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي، قال: الصلصال: الطين اليابس (٧)، وفي رواية إسرائيل (٨):
(١) البيت للأعشى.
(٢) "ديوان الأعشى" ص ١٦٥، وورد في: "اللسان" (صلل) ٤/ ٢٤٨٦ برواية (الصوت) بدل (السوط)، وفي "مجاز القرآن" ١/ ٣٥١، و"الكامل" ٣/ ١٠٠ برواية: (حُرّك) بدل (مسها)، الغريب لابن قتيبة ١/ ٢٤١ (عجزه)، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١ (عجزه)، (عنتريس)؛ العَتَرَّس: الضخم من الدواب، والمقصود: الناقة الصلبة الغليظة، الكثيرة اللحم، الوثيقةُ الخلق، وقد يُوصَف به الفرسُ. "المحيط في اللغة" (عترس) ٢/ ٢٥٠، "متن اللغة" ٤/ ٢١.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٨ بمعناه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٨ بنحوه.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٠ بنحوه
(٦) ليس في معانيه، وهو في التهذيب بنصه، والغالب أنه نقله منه. انظر: "تهذيب اللغة" (صل) ١٢/ ٢٠٤٦.
(٧) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٢٨ من طريق العوفي (ضعيفة)، وورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٥٧ بنصه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٧، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١، الخازن ٣/ ٩٤، ابن كثير ٢/ ٦٠٦، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٨) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيْعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي، أحد الأعلام، ثقة تُكُلِّم فيه بغير حجة، اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، روى عن السدي وجَدِّه أبي إسحاق، وعنه وكيع وأبو نعيم، مات سنة (١٦٢ هـ) انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٧٤، "الجرح والتعديل" ٢/ ٣٣٠، "ميزان الاعتدال" ١/ ٢٠٨، "تقريب التهذيب" ص ١٠٤ رقم (٤٠١).
591
ّالصلصال الذي إذا قُرعَ صوَّت (١) وروى عنه أبو صالح أنه الطين الحر الذي
إذا نَضَب عنه الماء تشقق، فإذا حُرك تقعقع (٢)، وهذا قول الحسن وقتادة في الصلصال.
قال المفسرون: خلق الله آدم من طين فصوَّره ومكث في الشمس أربعين سنة حتى صار صلصالًا كالخزف لا يدري أحد ما يُراد به، ولم يروا شيئًا من الصورة يشبهه إلى أن نفخ فيه الروح (٣).
(١) ورد في "تفسير الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٥٣ بنحوه، والطوسي ٦/ ٣٣٠ بمعناه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩٧، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٢ وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ أ، بنصه عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٨ عن قتادة بمعناه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٨ عن ابن عباس، الخازن ٣/ ٩٤ عن ابن عباس، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٢ وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن قتادة، ولم أقف عليه منسوباً إلى الحسن.
(٣) ما أشار إليه هنا جزء من خبر طويل مروي عن ابن عباس وبعض الصحابة، أخرجهما الطبري من طريقين، وأشار إلى التعارض بين الروايتين، ثم قال: وهذا إذا تدبره ذو فهم، علم أن أوله يفسد آخره، وأن آخره يبطل معنى أوله، وأورد ابن كثير الروايتين، وعقَّب على رواية ابن عباس -والتي فيها أنه مكث أربعين ليلة جسداً- قائلاً: هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور، وقال بعد الرواية الأخرى - والتي فيها أنه مكث أربعين سنة جسداً: فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السُّدي، ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة والله أعلم. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٠١ - ٢٠٢، وما بعدها، "العظمة" ص ٤٥٣ عن ابن زيد، "تفسير السمرقندي" ١/ ١٠٨، ابن كثير ١/ ٧٤ وما بعدها، وأورد السوطي في الدر المنثور رواية ابن عباس ١/ ٩٣ - ١٠٠، وأورد الرواية الأخرى عن ابن مسعود =
592
وقال آخرون الصلصال المنتن، من قولهم: صلَّ اللحمُ وأصلَّ، إذا (١) أنْتَن وتغيَّر، ومنه قول الشاعر (٢):
رأيْتُكمُ بَنِي الْخَذْوَاءِ لمّا دَنَى الأضْحَى وصَلَّلَتِ اللِّحَامُ (٣)
= مسعود وغيره، وزاد نسبته إلى البيهقي وابن عساكر ١/ ١١٦ ومما يؤيّد رد هذا القول -إضافة إلى انتقاد ابن جرير وابن كثير لأصل الخبر- التعارض بين الروايتين في المدة التي مكثها آدم قبل أن ينُفخ فيه الروح، فإحدى الروايتين ذكرت أنها أربعين ليلة، والأخرى ذكرت أنها أربعين سنة، والغريبُ أن قضية مُكْث أدم فترة قبل نفخ الروح فيه ثابته بالحديث الصحيح، لكن دون تعيين هذه الفترة أو مكان المُكث - في الظل أو الشمس. فعن أنس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لمّا صوَّر اللهُ آدمَ في الجنّة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يُطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عَرف أنه خُلِقَ خلقًا لا يتمالك) رواه مسلم (٢٠٦١١) كتاب: البر والصلة، باب: خلق الإنسان، ومعنى لا يتمالك: أي لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات، وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل لا يملك نفسه عند الغضب، والمراد جنس بني آدم. "صحيح مسلم بشرح النووي" ١٦/ ١٦٤.
(١) "تهذيب اللغة" (صل) ٢/ ٢٠٤٦ بنصه.
(٢) هو أبو الغُول الطُّهَوي شاعر إسلامي من بني طهيّة.
(٣) ورد في: "نوادر أبي زيد" ص ٤٣٣ وفيه: (أتى) بدل (دنى)، "تهذيب إصلاح المنطق" ص ٤١٦، "اللسان" (لحم) ٧/ ٤٠١٠، (خذا) ١٤/ ٢٢٥، (ضحا) ٥/ ٢٥٦٠، وورد بلا نسبة في: "إصلاح المنطق" ص ١٧١، ٢٩٨، ٣٦٠، "المذكر والمؤنث" للأنباري ١/ ٢٦٣، "تهذيب اللغة" (ضحا) ٣/ ٢٠٩٦، "مقاييس اللغة" ٣/ ٣٩٢ (عجز)، "مجمل اللغة" ١/ ٥٧٤ (عجز)، "الصحاح" (ضحا) ٦/ ٢٤٠٧، "المخصص" ١٣/ ٩٩، ١٧/ ٢٦. (الخذواء) المسترخية، وأصل الخذا: استرخاءُ الأذن، يقال: أذن خذواء: مسترخية، (اللحام) جمع لحم، (صلّلت) أنتنت، قال الشاعر البيت وهو يهجو قوماً، يوضحه البيت الثاني وهو:
تبَاعَدْتُمْ بِؤدكمُ وقلْتُمْ لَعَكٌّ مِنْكَ أقْربُ أو جُذَامُ
يقول لهم: لمَّا كثرت اللحوم فشبعتم واستغنيتم، توليتم بودّكم عنّي، ومعنى قوله =
593
وقال زهير:
تُلَجْلِجُ مُضْغَةً فيها أَنِيضٌ أَصَلَّتْ فهي تَحْتَ الكَشْحِ داءُ (١)
قال ابن الأنباري: والأصل في صَلْصَال صَلاَل، فأبدلت الصاد من اللام الثانية، ومنه كثير، وهو قول مجاهد، قال: الصلصال المنتن (٢)، واختاره الكسائي (٣).
= (لعكٌّ منك أقرب أو جذامُ) يريد أنهم أنكروه حين شبعوا، وأظهروا أنهم لا يعرفونه، فسألوه عن نسبه فقالوا: أأنت من جُذامٍ أم من عكٍ؟ وهما قبيلتان من قبائل اليمن، وهو من تميم، وإنما أنكروه لئلا يقوموا بحقه، فهو يصفهم بالبخل، وإن كان الشيء الذي سألهم كثيراً عندهم.
(١) "شرح ديوان زهير" ٨٢، وورد في "العين" ٧/ ٦٢، "جمهرة اللغة" ٣/ ١٢٦٠، "تهذيب اللغة" (لج) ٤/ ٢٧٣٢، (أنض) ١/ ٢١٨، "مقاييس اللغة" ١/ ١٤٥، ٥/ ٢٠١، "اللسان" (لجج) ٧/ ٤٠٠٠، (أنض) (٧/ ١١٥)، (صلل) ٤/ ٢٤٨٧، "التاج" "أنض" ١٠/ ١٠، (لجْلَج): ردّد، ومنه: لجْلج اللقمة في فِيهِ، أدارها من غير مضْغٍ ولا إساغةٍ، (أنيض) يقال: لحمٌ أنيضٌ: إذا بقي فيه نُهُوءةٍ؛ أي لم يَنْضَجْ، وآنَضْتُه إيناضاً، أي أنضَجْتُه فنضِجَ، (الكشح) قال الليث: هو ما بين الخاصرة إلى الضِّلَعِ الخَلْف، قال الأزهري: هما كشْحان؛ وهو موقع السيف من المتقَلِّد، وقيل الكشْحان جانبا البطن من ظاهر وباطن، وقيل غير ذلك، يقول: أخذت هذا المال، فأنت لا تأخذه ولا تردُّه كما يُلجلجُ الرجلُ المضغة، فلا يبتلعها ولا يلقيها. انظر: (كشح) في: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٤٦.
(٢) الذي ورد في "تفسير مجاهد" ص ٣٤١ قال: الصلصال: الطين، والحمأ المسنون: المنتن، ورواية الواحدي أخرجها الطبري ١٤/ ٢٨ بلفظها، ووردت في: "تفسير هود الهواري" ٢/ ٤٤٧ بلفظه، والثعلبي ٢/ ١٤٨ أبلفظه، والماوردي ٣/ ١٥٧ بلفظه، والطوسي ٦/ ٣٣١ بلفظه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٧، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١، والخازن ٣/ ٩٤، وابن كثير ٢/ ٦٠٦.
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ أ، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٨، ابن الجوزي ٤/ ٣٩٧، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١، الخازن ٣/ ٩٤.
594
وقوله تعالى: ﴿مِنْ حَمَإٍ﴾، قال ابن الأنباري: (من) هاهنا مفسرة لجنس الصلصال؛ كما تقول: أخذت هذا من رجل من العرب.
وأما: الحَمَأُ، فقال الليث: الحَمَأةُ بوزن فَعَلة والجميع الحَمَأُ (١)، وهو الطين الأسود المنتن (٢).
وقال أبو عبيدة والأكثرون: حَمَأ (٣) تقديرها: حَمْأة (٤)، وأنشد لأبي الأسود (٥):
(١) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٨٠، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٤٣، و"الدر المصون" ٧/ ١٥٦.
(٢) ورد في "العين" ٣/ ٣١٢ بنصه، "تفسير الطبري" ١٤/ ٢٨ بنحوه، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨ بنصه، والماوردي ٣/ ١٥٧ بنحوه، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢١، الفخر الرازي ١٩/ ١٨٠، الخازن ٣/ ٩٤، أبي حيان ٥/ ٤٤٣، "الدر المصون" ٧/ ١٥٦.
(٣) في جميع النسخ: (حمأة)، والتصويب من المصدر.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٤١٣ وعبارته: قال: (من حَمَأ) أي من طين متغير؛ وهو جميع حَمْأة، وضبطها المحقق بالتسكين، وهو الموافق للبيت الذي استشهد به، وهو القائل: ولا يُعرف في كلام العرب الحمْأة إلا ساكنة الميم؛ كما في "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٤٣، و"الدر المصون" ٧/ ١٥٦، لكن العريب أن صاحب "اللسان" نسب إليه تحريكها، فقال: وقال أبو عبيدة: واحدة الحَمَأ حَمَأة؛ كقَصَبة واحدة القَصب، وتبعه صاحب "التاج". انظر: (حمأ) في: "اللسان" ٢/ ٩٨٦، "التاج" ١/ ١٤٠ فلعلهما وَهِمَا.
(٥) أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدُّؤلي البصري التابعي، أول من أسس النحو ووضع قواعده وأول من نقط المصحف، محدثاً فقيهًا شاعراً سريع الجواب، كان ثقة في الحديث روى له البخاري ومسلم، حدّث عن علي وعمر وابن عباس -رضي الله عنه- وشهد صفين مع علي -رضي الله عنه- مات سنة (٩٩ هـ). انظر: "أخبار النحويين البصريين" ص ٣٣ "طبقات النحويين واللغويين" ص ٢١، "تهذيب الألسماء واللغات" ٢/ ١٧٥، "إنباه الرواة" ١/ ٤٨، "تقريب التهذيب" ص ٦١٩ رقم (٧٩٤٠)، "البغية" ٢/ ٢٢.
595
لَعَمْرُكَ ما المَعِيْشَةُ بالتّمَنّي ولكنْ ألْق دَلْوَكَ في الدِّلاءِ
تَجِيْءُ بِمِلاَها طَوْرًا وطَوْرًا تَجِيْءُ بِحَمْأَةٍ وقليلِ ماءِ (١)
والجمع حَمَأ، كما يقال تَمْرة وتَمْر، ونَخْلة ونَخْل، والحَمَأُ أصله المصدر، نحو الجَزَع والهَلَع، ثم يُسَمّى به، ولا يعرف في كلام العرب الحَمْأَة إلا ساكنة الميم (٢)، وهذا هو الصحيح، وقول الليث وهْم، ويُذْكر الفعل من هذا الحرف عند قوله: ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿مَسْنُونٍ﴾ قال ابن السَّكِّيت: سمعت أبا عمرو يقول في قوله: ﴿مَسْنُونٍ﴾ أي متغيِّر (٣)، قال أبو الهيثم يقال: سُنَّ الماء فهو مَسْنُون،
(١) "ديوانه" ص ١٢٦، وورد في "المذكر والمؤنث" للأنباري ١/ ٤١١ برواية:
فما طلب المعيشة بالتّمنّي تجِئْكَ بِملْئها يوماً ويوماً
وورد البيت الثاني فقط في "مجاز القرآن" ١/ ٤١٣ كرواية المذكر بخلاف (تجيء)، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٤٣ كرواية الواحدي بخلاف (يجئك بملئها)، "الدر المصون" ٧/ ١٥٦ كالواحدي بخلاف (بملئها).
(٢) انظر: "العين" (حمو) ٣/ ٣١٢، "المقصور والممدود" للفراء ص ٤٩، "المحيط في اللغة" (حمو) ٣/ ٢٢٩، "الصحاح" (حمأ) ١/ ٤٥، "المفردات" ص ٢٥٩، "الأساس" ص ١٤٠ "عمدة الحفاظ" ١/ ٥١٨،"متن اللغة" ٢/ ١٥٧، وقد وردت متحركة في "العباب الزاخر" للصغاني أ/ ٤٥ قال: الحَمَأُ والحَمَأَةُ: الطينُ الأسودُ، وكذا وردت ساكنة ومتحركة في "التاج" (حمأ) ١/ ١٤٠، ونسب تحريها إلى أبي على القالي في كتابه المقصور والممدود [لم أقف عليه]، وقال: الحَمَأُ: الطين المتغيِّر، مقصورٌ مهموزٌ، وهو جمع حَمَأَةٍ، كما يقال قَصَبَةٌ وقَصَبٌ، ومثله قال أبو عبيدة، ثم قال: وقال أبو جعفر: وقد تُسَكَّن الميمُ للضرورة في الضرورة، وهو قولُ ابنِ الأنبارىِ.
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (سن) ١٢/ ٣٠١ بنصه، الغريب أنه أورد قولين لأبي عمرو لكنه نسب عبارة التهذيب لابن السِّكِّيت -كما ذكرها الأزهري- ولم ينسب عبارة إصلاح المنطق -التالية- لابن السكيت.
596
أي: تغيِّر (١)، وقال ابن قتيبة: المسنون المتغير الرائحة (٢)، وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] قال أبو عمرو الشيباني: أي لم يتغير، من وقوله: ﴿حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ (٣) ذكرنا ذلك في سورة البقرة [: ٢٥٩].
قال الفراء: المسنون المتغيِّر؛ كأنه أخذ من: سَنَنْتُ الحَجَر على الحَجَر، إذا حككته عليه، والذي يخرج من بينهما يقال له: السَّنِين (٤)، وسُمِّي المِسَنُّ مِسَنًّا؛ لأن الحديد يتغير بِحَكِّكَ عليه (٥)، وعلى قوله يجب أن يكونَ المسنونُ المحكوكَ لا المتغيرَ، وهذا القول في الحمأ المسنون يقوي قول مجاهد في الصلصال؛ أنه المنتن، ومن قال: الصلصال الذي له صوت، قال: صُوِّرَ آدمُ من حمأ مسنون ثم جف فصار صلصالاً، هذا الذي ذكرنا أحد الأقوال في المسنون، واختار الزجاج هذا القول؛ مسنون: مُتَغَيِّر، وإنما أخذ من أنه على سُنَّةِ الطريق؛ لأنه إنما يتغير إذا قام بغير ماءٍ جارٍ (٦).
وقال أبو عبيدة: المَسْنُون المصبوب (٧)، والسَّنُّ الصبُّ يقال: سنّ الماءَ على وجهه سنًا (٨)، وقال سيبويه: المسنون المصوَّر على صورة
(١) "تهذيب اللغة" (سن) ١٢/ ٣٠١ بنصه.
(٢) "الغريب" لابن قتيبة ص ٢٣٨ بلفظه.
(٣) "إصلاح المنطق" ص ٣٥٢ بنصه.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٧٨ بنصه، وانظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٧٧٨ بنصه.
(٥) "تهذيب اللغة" (سن) ٢/ ١٧٧٨ بمعناه، وقد نسبه الأزهري للفراء، ولم أجده في معانيه.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٧٧٨ بنصه.
(٧) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥١ بلفظه.
(٨) "تهذيب اللغة" (سن) ٢/ ١٧٧٨ بنحوه.
597
ومثال، من سُنّة الوَجْه، وهي صورته (١).
وروي عن ابن عباس أنه قال: المسنون الطين الرطب (٢)، وهذا يعود إلى قول أبي عبيدة؛ لأنه إذا كان رطبًا يسيل وينبسط على الأرض فيكون مسنونًا؛ كأنه مصبوب.
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ﴾ الآية. اختلفوا في الجآن مَنْ هو؟ فقال عطاء عن ابن عباس: يريد إبليس (٣)، وهو قول الحسن وقتادة ومقاتل، وقال ابن عباس: الجآن هو أبو الجن (٤)، وهو قول عامة المفسرين، وسُمِّي جانًا لتواريه عن الأعين، كما سُمِّي الجِن جنًّا لأنهم
(١) لم أقف عليه في الكتاب، وهذه العبارة مطابقة لما في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ أوالظاهر أنه اقتبسها منه، و"تفسير الرازي" ١٩/ ١٨٠، والشوكاني ٣/ ١٨٥.
(٢) أخرجه الطبري ١٤/ ٣٠ بلفظه، من طريق علي بن أبي طلحة (أصح الطرق)، وورد في "تهذيب اللغة" (سن) ٢/ ١٧٧٨ بنحوه، البغوي ٤/ ٣٧٨ بنحوه، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٨، والرازي ١٩/ ١٨٠، والقرطبي ١٠/ ٢١، والخازن ٣/ ٩٤، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٦ب بلفظه، والثعلبي ٢/ ١٤٨ أ، عن قتادة ومقاتل، والماوردي ٣/ ١٥٨ عن الحسن "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٩ عن قتادة، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٩ عن الحسن، وقتادة ومقاتل، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٠ عنهم، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٣ عن الحسن، والخازن ٣/ ٩٥ عن قتادة، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥٣ عن الحسن وقتادة، و"الدر المنثور" ٤/ ١٨٣ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٤) ورد بنصه في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ أ، والماوردي ٣/ ١٥٨، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٩، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٩ من طريق أبي صالح، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٠، والخازن ٣/ ٩٥، وأبي حيان ٥/ ٤٥٣، و"تنوير المقباس" ص ٢٧٧، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨، وأبي السعود ٥/ ٧٤، والشوكاني ٣/ ١٨٩.
598
يتوارون عن أعين الناس، والجنين متوار في بطن أمه، ومعنى الجان في اللغة: الساتر، من قولك جنّ الشيء إذا ستره (١). فالجان الذي ذكر هاهنا يحتمل أنه سُمِّي جانًّا لأنه يستر نفسه عن أعين بني آدم، أو يكون من باب الفاعل الذي يراد به المفعول، كما يقول في: لابن وتامر، وماءٍ دافق، وعِيشة راضية، وقد ذكرنا في مواضع (٢).
وقوله تعالى: ﴿خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ﴾ قال ابن عباس: يريد من قبل خلق آدم (٣).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ اختلفوا في معنى (السموم)، فقال ابن عباس في رواية الكلبي: هي نارٌ لا دخان لها، والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء وبين الحجاب، فإذا أحدث الله أمرًا خرقت الحجاب فهوت إلى ما أُمرت، والهدَّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب (٤)، ونحو هذا القول سواء رَوَى الفراء عن الحسن (٥).
وقال آخرون: من نار الريح الحارة، وهو قول ابن مسعود، قال: هذه السموم جزء من سبعين جزءًا من السموم التي خلق منها الجان، وتلا هذه
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (حسن) ١/ ٦٧١، "المحيط في اللغة" ٦/ ٤١٠، "الصحاح" (جنن) ٥/ ٣٠٩٤.
(٢) منها عند تفسيره آية [٤٥] من سورة الإسرإء.
(٣) "تنوير المقباس" ص ٢٧٧ بنصه، وورد غير منسوب في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٦ ب، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨، والثعلبي ٢/ ١٤٨ أ، والماوردي ٣/ ١٥٨، وابن الجوزي ٤/ ٣٩٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٣، والخازن ٣/ ٩٥.
(٤) انظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٣، وورد منسوباً إلى الكلبي -نفسه- في "تفسِر الماوردي" ٣/ ١٥٩، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٧٩، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٠.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٨.
599
الآية (١).
وعلى هذا فالريح الحارة فيها نار، ولها لفح وأُوار (٢)، على ما ورد في الخبر أنها من لفح جهنم، ومعنى السموم في اللغة: الريح الحارة تكون بالنهار وقد تكون بالليل، قيل: سُميت سمومًا لدخولها بلطف في مسام البدن، وهي الخروق الخفية التي تكون في جلد الإنسان، يبرزُ منها عَرقُهُ وبُخار باطنه (٣).
قال الفراء: يقال أَسَمَّ يومنا هذا، إذا كانت فيه السموم، وإنه ليوم مُسِمٌّ، والعرب تقول: مَسْمُوْمٌ، ولا يُقَال: قد سُمّ، قال: وسمعت من يقول: قد سُمّ يومنا (٤).
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٣٠ بنصه، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٢٤٧ بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ أبنصه، والطوسي ٦/ ٣٣١، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٣، والخازن ٣/ ٩٥، وابن كثير ٢/ ٦٠٥، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٣ - ١٨٤ وزاد نسبته إلى الطيالسي والفريابي وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في الشعب، ولم أقف عليه فيهما.
هذا القول ورد موقوفاً على ابن مسعود (كما في المصادر السابقة)، وروي عنه مرفوعاً في مسند البزار "البحر الزجار" ٥/ ٢٥٠ وإسناده ضعيف كما أشار إلى ذلك الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٣٨٨، وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً كما في "تفسير الشوكاني" ٣/ ١٨٩ - ١٩٠، والألوسي ١٤/ ٣٤.
(٢) الأُوار بالضم: شدَّةُ حر الشمس ولفح النار ووهجها والعطش، وقيل الدُّخان واللهبُ. "اللسان" (أور) ١/ ١٦٩.
(٣) انظر: "المنتخب من غريب كلام العرب" ١/ ٤٢٣، "تهذيب اللغة" (سم) ٢/ ١٧٦٢، و (سمم) في "الصحاح" ٥/ ١٩٥٤، و"اللسان" ٤/ ٢١٠٢، و"عمدة الألفاظ" ٢/ ٢٥٦.
(٤) لم أجده في معانيه، وبعض هذا الكلام ورد في التهذيب منسوباً إليه. انظر: "تهذيب اللغة" (سم) ٢/ ١٧٦٢.
600
٢٩ - (١) قوله تعالى ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ قال الكلبي: يقول جصعت خلقه يعني عدلت صورته وسويته بالصورة الإنسانية (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ النفخ إجراء الريح في الشيء، والروح جسم رقيق يحيا به البدن، ونذكر الكلام فيها عند قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] إن شاء الله، ولمَّا أجرى الله -عَزَّ وَجَلَّ- الروح في بدن آدم على صفة إجراء الريح؛ كأن قد نفخ فيه الروح، وأضاف روح آدم إليه تكرمةً لِما كَرَّمه وشَرَّفه، وهي إضافة الملك.
وقوله تعالى: ﴿فَقَعُوا لَهُ﴾ أمر من الوقوع، قال الكلبي: فَخروا له ساجدين سجدة تحية ولم تكن سجدة طاعة، ونحو هذا قال جميع المفسرين (٣)، وذكرناه وجه كيفية سجود الملائكة لآدم في سورة البقرة (٤)، ومعنى سجود التحية قد ذكرناه في قوله: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف: ١٠٠]
٣٠ - قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ قال الخليل وسيبويه: (أجمعون) توكيد بعد توكيد (٥).
(١) لم يفسر الآية: [٢٨].
(٢) ورد مختصراً بلا نسبة في "تفسير الطبري" ١٤/ ٣١، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٨، والطوسي ٦/ ٣٣٢، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٠ وابن الجوزي ٤/ ٤٠٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٤، والخازن ٣/ ٩٥، والشوكاني ٣/ ١٨٦ بنحوه.
(٣) ورد غير منسوب في "تفسير الطبري" ١٤/ ٣١، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٩، والثعلبي ٢/ ١٤٨ أ، والطوسي ٦/ ٣٣٢، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٤، والخازن ٣/ ٩٥.
(٤) آية [٣٤].
(٥) لم أقف عليه في الكتاب، وورد في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٩ بنصه عنهما، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٨٠ بنصه عنهما، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٩ =
601
وسُئل أحمد بن يحيى عن التوكيد بكلهم ثم بأجمعين في هذه الآية، فقال: لمَّا كانت كلهم تحتمل شيئين تكون مرة اسمًا ومرة توكيدًا، جاء بالتوكيد الذي لا يكون إلا توكيدًا (١). وسُئل المبرد عنها فقال: لو جاء: فسجد الملائكة، احتمل أن يكون سجد بعضهم، فجاء بقوله: ﴿كُلُّهُمْ﴾ لإحاطة الأجزاء، ولو جاء (كلهم) من غير ذكر أجمعين، لاحتمل أن يكونوا سجدوا كلهم في أوقات مختلفة، فجاءت (أجمعون) ليدل أن السجود كان منهم كلهم في وقت واحد، فدخلت (كلهم) للإحاطة ودخلت (أجمعون) لسرعة الطاعة (٢).
وهذا معنى ما حكاه الزجاج عنه، فقال: وقال محمد بن يزيد: (أجمعون) يدل على اجتماعهم (٣) بالسجود، فسجدوا كلهم في حال واحد، ثم قال: وقول سيبويه والخليل أجود؛ لأن أجمعين معرفة، فلا تكون حالاً (٤).
= بنصه عن الخليل، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٠٩، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٢، و"الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩٦، و"تفسير الخازن" ٣/ ٩٥.
(١) في جميع النسخ: (توكيد) وهو خطأ نحوي ظاهر، وقد ورد قوله في "تهذيب اللغة" "كل" ٤/ ٣١٧٨ بنصه.
(٢) ورد في "تهذيب اللغة" (كل) ٤/ ٣١٧٨ بنصه تقريباً، وورد مختصراً في "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٩٤، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٩، و"مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٧، و"البسيط في شرح جمل الزجاجي" ١/ ٣٨٣.
(٣) في (ج): (اجماعهم).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٩ بنصه، ويؤكد هذا أنه لو كان حالاً لا تأكيداً للزمه النصب، كما أن الحال تكون نكرة و (أجمعون) معرفة. انظر: "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٧، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩٧.
602
قال النحويون: (كل) و (أجمعون) إذا أُكِّدَ بهما وجب تقديم (كل) على (أجمعين) (١)؛ لأن كلًا قد تستعمل مبتدأة كقولك: كلهم منطلقون، ولا يجوز أن يقول: أجمعون (منطلقون، فلما كانت (كل) قد استعملت مبتدأة ليس قبلها ما تتبعه، وكان أجمعون) (٢) لا تستعمل إلا تابعًا، وجب أن تتقدم الأقوى؛ أعني كل، وأجمعون من ظَرِيْفِ المعرفة؛ لأن أجمع بمنزلة زيد؛ في أن كل واحد منهما تعريفه بالوضع دون الألف واللام، ودون الإضافة ودون الإشارة، فإذا جمعته كان أيضًا معرفة؛ لأن جمعه أقيم مقام إضافته، وكان الأصل أن يقول: مررت بالقوم بأجمعهم، فحذف لفظ الضمير وأقيم الجميع (٣) بالواو والنون مقامه؛ وذلك أن أجمع على وزن أفعل، ومن شرط أفعل إذا أضيف إلى شيء أن يكون بعضه، فلو قالوا: مررت بالقوم أجمعهم، لتُوِهَّم أن (٤) أجمع بعض القوم، وإنما غرضهم أن يخبروا عن جميع القوم، فلذلك عدلوا عن إضافة أجمع في اللفظ، فأتوا بالواو والنون ليدلوا بذلك على استغراق المذكورين.
٣١ - وقوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ أجمعوا على أن إبليس كان مأمورًا بالسجود لآدم، واختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا؟ على ما ذكرنا في سورة البقرة، فمن قال: كان من الملائكة، جعل هذا الاستثناء من الجنس، ومن قال: لم يكن، جعله من الاستثناء المنقطع كما ذكرنا في
(١) انظر: "شرح ابن عقيل" ٣/ ٢٠٩، "البسيط في شرح جمل الزجاجي" ١/ ٣٨٠، "أوضح المسالك" ٣/ ٣٣١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٣) (ش)، (ع): (الجمع).
(٤) (أن) ساقطة من (أ)، (د).
سورة البقرة، ومن جنس هذا يأتي الكلام عند قوله: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] إن شاء الله.
٣٢ - قوله تعالى: ﴿مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ﴾ قال أبو إسحاق: موضع (أن) نصب بإسقاط (في) وإفضاء الناصب إلى (أن)، المعنى: أيّ شيءٍ يقع لك في أن لا تكون (١).
٣٣ - وقوله تعالى: ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ﴾ قال ابن عباس: يريد لحمًا ودمًا، وإبليس رُوحاني لا لحم ولا دم.
٣٤ - وقوله تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد من جنة عدن، وقيل من السموات (٢)، وذكرنا هذا في سورة الأعراف (٣)، ومعنى الرجيم قد مضى ذكره في هذه السورة (٤).
٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال ابن عباس: بريد يوم الجزاء، حيث يجازى العباد بأعمالهم (٥)؛ مثل قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] وقال الكلبي: يلعنك أهل السماء وأهل الأرض إلى يوم الحساب (٦)؛ لأنه أول من عصى الله، وقال أهل المعاني:
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٩ بنصه.
(٢) ورد بنصه غير منسوب في: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٨٣، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٦، الخازن ٣/ ٩٦، وهو قول غريب؛ لأن الآيات صريحة على أنهم -آدم وحواء وإبليس- كانوا في الجنة، ومنها أخرجوا وأهبطوا، لا من مطلق السماء.
(٣) آية: [١٣].
(٤) آية [١٧].
(٥) "تفسير الفخر الرازي " ١٩/ ١٨٣ بنصه، "تنوير المقباس" ص ٢٧٨ بمعناه.
(٦) ورد غير منسوب في: "تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٤٨، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨١ غير منسوب للكلبي، الخازن ٣/ ٩٦.
إن الله عَزَّ وَجَلَّ قد لعنه والمؤمنون، لعنة لازمة إلى يوم الدين، ثم يحصل حينئذ على الجزاء بعذاب النار، فمعنى التوقيت بيوم الدين، أنه يكون ملعونًا مبعدًا عن رحمة الله من غير عذاب النار إلى يوم الدين، ثم يضم له عذاب النار مع اللعنة يوم الدين.
٣٨ - قوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ قال ابن عباس: يريد النفخة الأولى حين تموت الخلائق (١)، قال الكلبي: إذا نفخ النفخة الأولى مات الخلائق كلهم ومات إبليس معهم (٢)، وإنما سمي الوقت المعلوم؛ لأنه (٣) تموت (فيه الخلائق وإبليس، واسْتَنْظر إبليس) (٤) إلى (٥) يوم القيامة لئلا يموت؛ إذ يوم القيامة لا يموت فيه أحد، فلم يُجَبْ إلى ذلك، وقيل له: (إلى يوم الوقت المعلوم)، وهو آخر أيام التكليف.
٣٩ - قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ قال أبو عبيدة: معنى الباء هاهنا القَسَم (٦)، وقال غيره: هي بمعنى السبب (٧)، أي: بكوني غاويًا
(١) ورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٦٠ بنحوه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٤ وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه، وفيهما: (إبليس) بدل (الخلائق)، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٧ بنصه، والألوسي ١٤/ ٤٨، وورد بنصه غير منسوب في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ب، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨١ غير منسوب لابن عباس، والفخر الرازي ١٩/ ١٨٤، وأبي حيان ٥/ ٤٥٣.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) في جميع النسخ (لا) فقط ولا معنى له، والمثبت تصويب من "تفسير الوسيط" ٢/ ٣٥٦.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٥) في (أ)، (د): (إذ) والمثبت من (ش)، (ع).
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥١ بنحوه، وتقديره: بالذي أغويتني.
(٧) انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣١٣، "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٤، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ١٩٨، الخازن ٣/ ٩٦، أبي السعود ٥/ ٧٨، الألوسي ١٤/ ٤٩.
لأزينن لقولك؛ بمعصيتة لَيَدْخُلُنَّ النار، وبطاعته ليدخلنّ الجنة، والكلام في الإغواء وفي هذه الباء، وأكثر هذه القصة مذكور في سورة الأعراف (١)
وقوله تعالى: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ في الْأَرْضِ﴾ يعني: لأولاد آدم، ومفعول التزيين محذوف على تقدير: لأزينن لهم الباطل حتى يقعوا فيه.
٤٠ - قوله تعالى: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾ أي الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم لك عن كل شائب يناقض الإيمان والتوحيد، ومن فتح اللام (٢) فمعناه: الذين أخلصهم الله بالهداية والتوفيق والعصمة، قال ابن عباس في هذه الآية: يريد الذين عصمتَهم وأخلصتَهم وأخلصوا لك (٣)، قال المفسرون: يعني المؤمنين (٤)؛ وذلك أنه لا سلطان لإبليس على المؤمن بالإغواء، وإنما يكون سلطانه على من عدل عن الهدى، كقوله: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ [النحل: ١٠٠] فكأن إبليس قال: لأزشن لهم ولأغوينهم أجمعين، إلا من عصمته بالإخلاص فإني لا أقدر على إغوائه.
٤١ - فقال الله تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ يعني: الإخلاص والإيمان طريق عليّ واليّ، أي: أنه يؤدي إلى جزائي وكرامتي فهو طريق عليّ، وهذا معنى قول مجاهد قال: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا
(١) آية [١٦].
(٢) هم نافع وعاصم وحمزة والكسائي. انظر: "السبعة" ص ٣٤٨، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٠٩، "المبسوط في القراءت" ص ٢٠٩، "شرح الهداية" ٢/ ٣٧٥، "الإتحاف" ص ٢٧٤.
(٣) لم أقف عليه بنصه، وفي "تنوير المقباس" قال: المعصومين مني. ص ٢٧٨.
(٤) أخرجه الطبري عن الضحاك ١٤/ ٣٣ بلفظه، وذكره الثعلبي ٢/ ١٤٨ ب، بلفظه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨١، الخازن ٣/ ٩٦.
606
يُعَرِّج على شيء (١)، ونحو هذا قال الحسن: يقول هذا صراط إليّ مستقيم (٢)، فعلى هذا الإشارة في قوله تعود إلى ذكر الإخلاص، وقال الفراء: يقول مرجعهم إليّ فأجازيهم، لقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ١٤] قال: وهذا كما يقول في الكلام: طريقك، عليّ فأنا على طريقك، لمن أوعدته (٣)، فهذا معنى قول الكلبي (٤)، والكسائي قال: فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إليّ فأجازي كلًا بأعمالهم (٥)، وعلى هذا
(١) "تفسير مجاهد" ص ٣٤١ بنصه، وأخرجه الطبري ١٤/ ٣٣ بنصه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٦، "تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٩٤، والماوردي ٣/ ١٦١، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٨، الخازن ٣/ ٩٦، "الدر المنثور" ٤/ ١٨٤ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، ومعنى (لا يعرِّج على شيء) أي لا يميل، لقولهم: عرَّج النهرَ، أي: أماله، وعرَّج عليه، أي: عَطَفَ انظر: "التاج" (عرج) ٦/ ٩٤، وقد ذكر ابن القيم قول مجاهد هذا وقال: وهذا مثل فول الحسن وأبين منه، وهو من أصح ما قيل في الآية. "التفسير القيم" ص ١٥، وقول الحسن الذي أشار إليه هو التالي لهذا القول.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ ب بنصه، وأخرجه الطبري ١٤/ ٣٤ بنحوه، وورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٦١، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٨٩، والخازن ٣/ ٩٦. ذكر ابن القيم قول الحسن ثم قال: وهذا يحتمل أمرين؛ أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض؛ فقامت أداة (على) مقام إلى، والثاني: أنه أراد التفسير على المعنى؛ وهو الأشبه بطريق السلف؛ أي صراط موصل إليّ. "التفسير القيم" ص ١٥.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٩ بتصرف يسير.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ ب بنصه، وانظر: "تفسير الشوكاني" ٣/ ١٨٨، صديق خان ٧/ ١٧٠، وأورد ابن القيم قول الفراء السابق ونسبه للكسائي، وقال إنه على التهديد والوعيد؛ تريد إعلامه أنه غير فائت لك ولا معجز، ثم ردَّه قائلًا: والسياق يأبى هذا، ولا يناسبه لمن تأمله. انظر: "التفسير القيم" ص ١٦.
607
الإشارة في قوله: ﴿هَذَا﴾ يعود إلى طريق العبودية.
وقال بعض أهل المعاني: لمَّا ذَكر إبليسُ أنه يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه، تضمن هذا الكلام تفويض الأمر إلى الله تعالى وإلى إرادته (١)، فقال الله تعالى: ﴿هَذَا﴾ أي تفويض الأمر إلى إرادتي ومشيئتي طريق عَليَّ مستقيم، ويؤكد هذا التأويل قراءة مَنْ قرأ: ﴿عُليَّ﴾ بضم الياء (٢)، وهو مدح لذلك الطريق؛ أي: أن طريق التفويض والإيمان بالقَدَر طريق رفيع مستقيم (٣).
٤٢ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ قال ابن عباس: استأثر الله عبادًا واصطنعهم لنفسه، فأخبر إبليسَ باصطناعه إيّاهم، وققال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ أي: قوة وحجة في إغوائهم ودعائهم إلى الشرك والضلال. وقال سفيان بن عيينة: هؤلاء ثنية (٤) الذين هداهم
(١) ذكر الفخر الرازي هذا الكلام بنصه قائلاً: قال بعضهم، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٨٩.
(٢) هم: قيس بن عباد، وابن سيرين، وقتادة، ويعقوب وغيرهم، والقراءة من العشر، وفي إيراد ابن جني لها في المحتسب ما قد يوهم أنها شاذة وليس كذلك. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٣٣، "المحتَسَب" ٣/ ٢، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٠، "النشر" ٢/ ٣٠١.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٣٣ مختصراً عن ابن سيرين، "علل القراءات" ١/ ٢٩٦، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٠، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٨٩ وقد نقل هذا القول بنصه ونسبه للواحدي.
(٤) أي استثناء، ومنه قول كعب: الشهداء ثنية الله في الأرض، يتأول قول الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَمَنْ في الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ الله﴾ [الزمر: ٦٨] فالذين استثناهم من الصعق -عند كعب- الشهداء. انظر: "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧.
واجتباهم (١)، وقال الكلبي: هؤلاء هم الذين استثنى إبليس (٢).
٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد إبليس وأشياعه ومن تبعه من الغاوين (٣).
٤٤ - ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ قال: يريد لها سبعة أطباق؛ طبق فوق طبق، وقال الفراء: السبعة الأبواب أطباقٌ بعضها فوق بعض (٤)، وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج (٥)، قال علي بن أبي طالب: إن الله تعالى وضع النيران بعضها فوق بعض، فأبوابها كإطباق اليد على اليد (٦)، ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ﴾ أي من أتباع إبليس جزء مقسوم، الجزء بعض الشيء، والجميع
(١) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ ب، بنصه وهو جزء من قوله؛ قال: معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء ثنية الله.. ، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٢، وابن عطية ٤/ ٤٠٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٨، والخازن ٣/ ٩٦.
(٢) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩٠.
(٣) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩٠، وورد نحوه غير منسوب في "تفسير الطبري" ١٤/ ٣٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٠.
(٤) "معاني القرآن" اللفراء ٢/ ٨٩ بنصه.
(٥) أخرجه الطبري ١٤/ ٣٥/ ٣٦ - بمعناه عن قتادة وابن جريج، وورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٣٨ عنهم، "تفسير البغوي" ٣/ ٥١، والفخر الرازي ١٩/ ١٩٠ كلاهما عن ابن جريج.
(٦) أخرجه أحمد في "الزهد" ص ١٩٢ بنحوه، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٧/ ٧٣ بنحوه، والطبري ١٤/ ٣٥ بنحوه من عدة طرق، والبيهقي في "البعث" ص ٢٦٨، بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ ب، بنحوه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٢، وابن عطية ٤/ ٤٠٣، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٠، وابن كثير ٢/ ٦٠٧، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٥ وزاد نسبته إلى ابن المبارك وهناد وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة النار، وابن أبي حاتم.
الأجزاء، وجزأته: جعلته أجزاء (١)، وهذا وعيد لأتباع الشيطان بالعذاب في جهنم بين أطباق النيران، قال الضحاك في هذه الآية: هي سبعة أدراك بعضها فوق بعض؛ فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون، والثاني فيه اليهود، والثالث فيه النصارى، والرابع فيه الصابئون، والخامس فيه المجوس، والسادس فيه مشركو العرب، والسابع فيه المنافقون (٢).
٤٥ - (قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد الخائفين من الله الموحدين الذين لم يتخذوا له شريكًا، وقال الكلبي عنه: إن المتقين للفواحش والكبائر (٣)، ﴿في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ يعني: عيون الماء والخمر) (٤) (٥).
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (جزأ) ١/ ٥٩٥، "المحيط في اللغة" (جزأ) ٧/ ١٥٢، "العباب الزاخر" أ / ٣٣، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩١ نقل هذا القول بنصه بلا نسبة.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨ ب بنصه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٢ - ٣٨٣، وابن عطية ٤/ ٤٠٣، والفخر الرازي ١٩/ ١٩٠، وابن كثير ٢/ ٦٠٧، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٦ وعزاه إلى ابن أبي حاتم. لا خلاف في أن للنار سبعة أبواب، لكنّ تقسيم أهل النار على الأبواب بهذا التفصيل يفتقر إلى خبر صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو ما لم أقف عليه، ولم يذكره القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ولا ابن رجب في التخويف من النار.
(٣) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩١، والألوسي ١٤/ ٥٦، وورد بنحوه غير منسوب في: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٢، والخازن ٣/ ٩٧.
(٤) هذا تخصيص بلا دليل، والأولى حمله على عمومه، فإن كان القصد البيان والتمثيل، فيقال. عيون من الماء والخمر.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
٤٦ - قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوهَا﴾ أي: يقال لهم ادخلوها بسلام، أي بسلامة، قال ابن عباس: سلموا من سخط الله وأَمِنُوا عذاب جهنم والموت (١).
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ يُروى أن المؤمنين يُحبَسون على باب الجنة فيقتص لبعضهم، ثم يؤمر بهم إلى الجنة وقد نُقُّوا وهُذِّبوا (٢)، فخلصت نياتُهُم من الأحقاد، وهذا مما سبق تفسيره في سورة الأعراف (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِخْوَانًا﴾ قال الزجاج: منصوب على الحال (٤)، والكلام في الإخوان ذكرناه في قوله: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: ١٠٣]
وقوله تعالى: ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾، السَّريرُ معروف، والعدد أسِرة، والجميع السُّرُر (٥)، قال أبو عبيدهَ: يقال سُرُر وسَرر بفتح الراء، وكل فعيل من المضاعف فإن جمعه فُعُل وفُعَل؛ نحو: سُرُر وجُرُر، وسُرَر وجُرَر (٦)، قال
(١) ورد في تفسيره "الوسيط" تح: سيسي ٢/ ٣٥٧ بنصه تقريباً.
(٢) يشير إلى الحديث الصحيح الوارد في ذلك؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أُذن لهم بدخول الجنة" أخرجه البخاري (٢٤٤٠) كتاب: المظالم، باب: قصاص المظالم، والطبري ١٤/ ٣٧.
(٣) آية [٤٣]، وانظر: "البسيط" تح الفايز ٢/ ٦٦٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٠ بنصه.
(٥) ورد في "تهذيب اللغة" (سر) ٢/ ١٦٧١ بنصه، وانظر: (سر) في "المحيط في اللغة" ٨/ ٢٤٠، "مجمل اللغة" ١/ ٤٥٨، "الصحاح" ٢/ ٦٨٢.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥١ بتصرف.
611
المفضل: بعض تميم وكلب (١) يفتحون؛ لأنهم يستثقلون ضمتين متواليتين في حرفين من جنس واحد، وقال بعض أهل المعاني: السرير مجلسُ سُرُوُر، قال الليث: وسَريرُ العيش: مستقرُّه الذي اطمأنَّ عليه خَفْضُه ودَعَتُه (٢)، وأنشد:
وفارَقَ منها عِيشَةً غَيْدَقِيّةً ولمْ يَخْشَ يومًا أنْ يَزُولَ سِريرُها (٣)
قال ابن عباس: يريد على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والياقوت والدُر؛ السرير مثل ما بين صنعاء إلى الجابية (٤)، وما بين
(١) قبيلة كلب هم بنو كلب بن وبرة بن تغلب، بطن من قُضاعة، من القحطانية، كانوا ينزلون دُومة الجندل، وتبوك وأطراف الشام وُلد له: ثور، وكلد، وأبو حُباحب، ومن أضخم قبائل كلب: بنو كنانة بن بكر بن عوف، ينتهي نسبهم إلى ثور بن كلب، تفرع منها بطون ضخمة هم: بنو عدي، وزُهير، وعُليم. انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص ٤٥٥، "معجم قبائل العرب" ٣/ ٩٩١.
(٢) "تهذيب اللغة" (سر) ٢/ ١٦٧١ بنصه، وانظر: "المحيط في اللغة" (سر) ٨/ ٢٤٠، (الخَفْضُ): نقيضُ الرَّفع، وعيشٌ خَفْضٌ: أي في دَعَةٍ وخِصْبٍ. انظر: "المحيط في اللغة" (خفض) ٤/ ٢٣٧.
(٣) ورد غير منسوب في: "تهذيب اللغة" (سر) ٢/ ١٦٧١، "اللسان" (سر) ٤/ ١٩٩١، "التاج" (سرر) ٦/ ٥١٥، وورد برواية: (دَغْفَلِيَّةً) بدل (غيدقية) في: "الصحاح" ٢/ ٦٨٢، "مجمل اللغة" ٣/ ٦٩٢، (غيدقية)؛ يقال: ماءٌ غدق، ومطرٌ مغدودِق: كثير، والغيدقُ: الناعم، (دغفليَّة)؛ الدغْفَلُ: الزَّمان الخَصِبُ، وريشٌ دغفلٌ: كثيرٌ، فالمعنى واحد بالروايتن. انظر: "المحيط في اللغة" (غدف) ٤/ ٥٢٨، (دغفل) ٥/ ١٦٩.
(٤) الجابية: قرية من أعمال دمشق وبينها وبين حلب ستة فراسخ، وبالقرب منها تلٌّ يسمى الجاببة، وفي هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطبته المشهورة وهو في طريقه إلى إيليا. انظر: "معجم البدان" ٢/ ٩١، "الروض المعطار" ص ١٥٣.
612
عدن إلى أيْلَة (١) (٢).
وقوله تعالى: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ التقابل: التواجه، وهو نقيض التدابر، قال ابن عباس: لا يرى (٣) بعضهم قفا بعض (٤)، حيث ما التفت رأى وجهًا يُحبُّه (٥) يقابله، وقال مجاهد: لا يرى الرجل من أهل الجنة قفا زوجته ولا زوجته قفاه (٦)؛ لأن الأسرة تدور بهم كيفما شاؤا حتى يكونوا في جميع أحوالهم متقابلين.
(١) أَيْلة: بفتح أوله، على وزن فَعْلة، مدينة على رأس خليج العقبة من البحر الأحمر - الذي تشترك فيه الحدود المصرية والفلسطينية والأردنية والسعودية، قيل هي آخر الحجاز وأول الشام، وقيل وهي مدينة اليهود الذين حرّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا، قيل: وقد سميت بأيْلة بنت مدين بن إبراهيم، وهي التي يطلق عليها اليهود اليوم: (ميناء إيلات).
انظر: "معجم ما استعجم" ١/ ٢١٦، "معجم البلدان" ١/ ٢٩٢، "أطلس العالم" ص ٢٩.
(٢) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩٣، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٣، الخازن ٣/ ٩٧، الألوسي ١٤/ ٥٩.
(٣) في (ش)، (ع): (ألا يرى)، بزيادة الألف.
(٤) أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٩ وعزاه إلى ابن المنذر وابن مردويه، وانظر: "تفسير الشوكاني" ٣/ ١٩٥.
(٥) في (ج): (يحييه).
(٦) ليس في تفسيره، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٧/ ٦٧ قال: لا ينظر بعضهم في قفا بعض، والطبري ١٤/ ٣٨، بنحوه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٨ بنحوه، وانظر: "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٥٧، وابن كثير ٢/ ٦٠٨، وأورده المسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٨٩ وزاد نسبته إلى هناد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
613
٤٨ - قوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ﴾ النّصَبُ: الإعياءُ والتعب، يقال نَصِبَ يَنْصَب، وأنْصَبَنِي هذا الأمرُ (١)، أي لا ينالهم فيها تعب، قال ابن عباس: مِثْلُ نصب الدنيا، إذا مشى نصب، وإذا جامع نصب (٢)، ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ قال: يريد خلودًا لا زوال فيه.
٤٩ - قوله تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي﴾ أثبت الهمزة الساكنة في ﴿نَبِّئْ﴾ سورة ولم يثبت في ﴿دِفْءٌ﴾ (٣) و ﴿جُزْءٌ﴾ (٤)؛ لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيرًا وتلغى حركتها على الساكن قبلها (٥)، فـ ﴿نبِّيْ﴾ في الخط على تخفيف الهمزة، وليس قبل همزة ﴿نَبِّئْ﴾ هو ساكن، فأخروها على قياس الأصل.
وقوله تعالى ﴿أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ﴾ قال ابن عباس: يريد لأوليائي، ﴿الرَّحِيمُ﴾: بهم.
٥٠ - ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ يريد لأعدائي.
٥١ - قوله تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ هذه القصة قد مضى ذكرها في سورة هود (٦) والضيف في الأصل مصدر ضاف يَضِيف؛ إذا أتى
(١) ورد بنحوه منسوباً لليث في "تهذيب اللغة" (نصب) ٤/ ٣٥٨١، وانظر: "المحيط في اللغة" (نصب) ٨/ ١٥٩، "مجمل اللغة" ٣١/ ٨٧٠.
(٢) انظر: "تفسير الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٥٨.
(٣) في قولى تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥].
(٤) في قوله تعالى: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [الحجر: ٤٤].
(٥) انظر: "أدب الكاتب" ص ٢٦٦، "الاقتضاب" ص ١٦٨، "القواعد الموحدة في الكتابه والإملاء" ص ١٧.
(٦) آية: [٦٩].
إنسانًا لطلب القِرى، ثم يسمى به، ولذلك وحد اللفظ وهم جماعة (١).
٥٢ - ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا﴾ أي: سلموا سلامًا، فقال إبراهيم: ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ مختصر، وشرحه في قوله: ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ﴾ [هود: ٦٩] إلى قوله: ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] وقد مر، والوجل: الفزع، قال الكسائي: ومثله الواجل (٢).
٥٤ - قوله تعالى: ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ معنى (على) هاهنا الحال؛ أي: على حالة الكبر، كقول النابغة:
على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبَا (٣)
أي: في ذلك الوقت، ومعنى: ﴿مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ أي: بتغييره إيّاي عن حال الشباب التي أطمع فيها الولد إلى حال الهَرَمِ.
(١) أصل الضيف مصدر بمعنى الميل؛ ومنه ضافت الشمس للغروب، أي مالت، وضاف السهم إذا عدل عن الهدف، ومنه الإضافة النحوية لأن فيها إضافة أحد الاسمين إلى الآخر على المجاز، وسمي الضيف ضيفاً لميله إلى من ينزلُ به، ولأن أصله مصدر استوى فيه الواحد والجمع، وقد يجمع فيقال: أضيافٌ وضُيوفٌ وضِيفانٌ. انظر: (ضيف) في "المحيط في اللغة" ٨/ ٥٢، "مجمل اللغة" ١/ ٥٧٠، "الصحاح" ٤/ ١٣٩٢، "المفردات" ص ٥١٣، "عمدة الألفاظ" ٢/ ٤٥٢.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) وعجزه:
وقُلتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيبُ وازعُ
"ديوان النابغة الذبياني" ص ٥٣، وورد في: "الكتاب" ٢/ ٣٣٠، "جمهرة اللغة" ٣/ ١٣١٥، "الأضداد" لابن الأنباري ص١٤٠، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٠٦، "اللسان" (وزع) ٨/ ٤٨٢٥، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨١٦، "الخزانة" ٦/ ٥٥٠، (المشيب): الشيب، (الصبا): بالكسر والقصر، اسم الصَّبوة، وهي الميل إلى هوى النفس، (أصح): من الصحو، وهو خلاف السكر، (وازع): ناهي وزاجر. يذكر الشاعر أنه بكي على الديار في حين مشيبه ومعاتبته لنفسه على طربه وصباه.
615
وقوله تعالى: ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ استفهام تعجب؛ كأنه عجيب من الولد على كبره، هذا معنى قول مجاهد (١)، وفَتْحُ النون في (تُبَشِّرُونَ) قرأه العامة (٢)، وهذه النون علامة للرفع، والفعل غير معدى إلى مفعول، وقرأ نافع بكسر النون (٣)، وذلك أنه عُدِّي إلى المضمر المنصوب؛ لأن المعنى عليه، فاجتمع نونان (٤)؛ إحداهما التي هي علامة للرفع، والثانية المتصلة بالياء التي المضمر المنصوب المتكلم، فاستثقل النونين فحذف أحدهما وأبقى الكسرة التي تدل على الياء المفعولة (٥)، وأنشد أبو عبيدة لأبي حَيّة النُّمَيريّ:
أبِالمَوْتِ الذي لا بُدّ أنّي مُلاقٍ لا أبَاكِ تُخَوِّفِينِي (٦)
(١) ونص قوله، قال: عجيب من كبره وكبر امرأته. وقد ورد في "تفسيره" ص ٤١٦، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ٤٠، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩١ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) قرأ بها: أبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. انظر: "السبعة" ص ٣٦٧، "علل القراءات" ١/ ٢٩٦، "وإعراب القراءات السبع"، وعللها ١/ ٣٤٥، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٥، "المبسوط في القراءات" ص ٢٢١، "التيسير" ص ١٣٦، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٢.
(٣) وكذا ابن كثير، لكنه شدَّد النونَ، أما نافع فخففها. انظر: المصادر السابقة.
(٤) أي أن الأصل: (تُبَشِّرُونَنِي).
(٥) انظر: "علل القراءات" ١/ ٢٩٧، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٤٤، "الكشف عن وجوه القراءات" ٢/ ٣٠، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٢.
(٦) ورد في "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٢، "شرح شواهد الإيضاح" ص ٢١١، "اللسان" (أبي) ١/ ١٨، "الدرر اللوامع" ٢/ ٢١٩، "الخزانة" ٤/ ١٠٥، وورد غير منسوب في: "الكامل" ٢/ ١٤٢، "المقتضب" ٤/ ٣٧٥، "الإيضاح العضدي" ص٢٦٠، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٦، "المنصف" ٢/ ٣٣٧، "الخصائص" ١/ ٣٤٥، "الموضع في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٢، "شرح المفصل" ٢/ ١٠٥.
616
فأسقط النون التي هي علامة التأنيث في المخاطبة (١)، وأنشد الفراء والزجاج (٢):
تراه كالثَّغَامِ يُعَلُّ مِسْكًا يَسُوءُ الفَالِياتِ إذا فَلَيْنِي (٣)
أراد فلينني، فحذف إحدى النونين، قالا: والحذف بعد إدغام إحدى النونين (في الأخرى) (٤) كقراءة ابن كثير: (تُبْشِرُون)، ثم حذفت إحداهما لثقل التضعيف كما قالوا: رُبمَّا ورُبَمَا (٥)، وكما قالوا: إنْك في إنَّك، أنشد الفراء (٦):
(١) فالأصل: (تخوفينني).
(٢) البيت لعمرو بن مَعْدِ يكَرِب الزُّبيدي ت ٢١ هـ، من أبيات ثمانية قالها في امرأةٍ لأبيه تزوجها بعده في الجاهلية.
(٣) "شعر عمرو بن معدي كرب" ص ١٨٠، وورد في: "الكتاب" ٣/ ٥٢٠، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٠، "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٢، "شرح شواهد الإيضاح" (عجز) ص ٢١٣، "الخزانة" ٥/ ٣٧٢، وورد غير منسوب في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨١، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٤٥، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٦، "المنصف" ٢/ ٣٣٧، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤١، "شرح المفصل" ٣/ ٩١. (تراه كالثغام) الضمير يعود على الزوجة، والثغام: واحده ثغامة؛ وهو نبتٌ له نَوْر أبيض يشته به الشيب، وقيل نبتٌ يكون في الجبل يَبْيَضُّ إذا يبس، (يُعلُّ) أي يطيّب شيئاً بعد شيء، وأصل العَلَلُ: الشُرْبُ بعد الشُرب، (يسوء الفاليات) يَحزُنُهن؛ لأنهن يكرهْن الشيب، و (الفاليات)؛ جمع فالنية: وهي التي تفلي الشعَّر، أي تُخْرج القمْلَ منه.
(٤) في (أ)، (د): (والأخرى).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨١ بتصرف يسير.
(٦) البيتان من قصيدة لجنوب بنت العجلان بن عامر بن هذيل [شاعرة جاهلية] ترثي أخاها عمرو؛ ذا الكلب "الخزانة" ١٠/ ٣٩٠، ونُسب -خطأً- إلى كعب بن زُهير في: "الأُزهية" ص ٦٢، و"أمالي ابن الشجري" ٣/ ١٥٣، ولم أجده في ديوانه.
617
لقد عَلِمَ الضَّيْفُ والمُرْمِلونَ إذا اغْبرَّ أُفْقٌ وهبَّتْ شَمَالا
بأنْكَ الرَّبِيعُ وغَيْثٌ مَرِيعٌ وقِدْمًا هُنَاكَ تَكونُ الثِّمَالا (١)
قال أبو علي: المحذوف النون الثانية؛ لأن التكرير بها وقع، ولم تحذف الأولى التي هي علامة للرفع، وقد حذفوا هذه النونَ في كلامهم لأنها زائدة، ولأن علامةَ الضمير الياءُ دونها، ونظيرُ حذفهم لها من المنصوب حذفهم لها من المجرور في قولهم (٢):
قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَين قَدِي (٣)
(١) ورد في "شرح أشعار الهذليين" ٢/ ٥٨٥، وفيه: (المُجْتَدُون) بدل (المرْمِلون)، وأما البيت الثاني فورد برواية:
بأنَّك كنت الربيع المُغِيثَ لِمن يَعتريك وكنت الثِّمالا
وورد البيت الثاني في "الخزانة" ١٠/ ٣٨٢، "شرح التصريح" ١/ ٢٣٢ وفيهما: (ربيع)، و (وأنْك) بدل (وقدْماً). وورد البيتين بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٠، "الإنصاف" ص ١٦٩ برواية (الصِّبْيَةُ) بدل (الضيف)، "اللسان" (أنن) ١/ ١٥٦، "الخزانة" ٥/ ٤٢٧، وورد البيت الثاني فقط وبرواية (وأنْك) في: "أوضح المسالك" ص ٦٦، "المغني" ص ٤٧، شرح الأشموني ١/ ٤٤١. (والمرملون) هو من أرمل القوم؛ إذا نفدَ زادهم، (المُجْتدون) الطالبون، (شَمالا) الشَّمال ريحٌ تهبُّ من ناحية القُطْب، وخصها بالذكر لأن وقتها تقل الأرزاق وتنقطع السُّبُل ويثقل فيه الضيف، مما يجعل الجود فيه غاية لا تدرك، (بأنْك ربيعٌ) ربيع الزَّمان، (والغيثٌ) المطر والكلاء يَنْبُت بماء السماء، (مَرِيعٌ) خَصيب كثير النَّبات، (الثِّمال) الذُّخر، وقيل: الغِياثُ.
(٢) اختلف في نسبته على أقوال، انظرها في عزو البيت.
(٣) وعجزه:
ليس الإمامُ بالشَّحيحِ المُلْحِدِ
نُسب إلى حميد بن مالك الأرقط [من شعراء الدولة الأموية] في: التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه [ملحق بأمالي القالي] ٣/ ٦١، "اللسان" (خبيب) ٢/ ١٠٨٧، =
618
فحذف وأثبت في بيت، وقال الأعشى في حذف هذه النون اللاحقة مع الياء:
فهل يَمْنَعنّي ارْتِيَادِي البلادَ.... من حَذَرِ المَوْتِ أنْ يأتيَنْ (١)
وإنّما هو يمنعَنّني (٢)، وأما ابن كثير فإنه أدغم ولم يحذف (٣).
٥٥ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ قال ابن عباس: يريد بما قضاه الله (٤)؛ يريد أن الله تعالى قضى أن يخرج من ذريته مثل ما أخرج من صلب آدم وأكثر، وذلك أن إسحاق كان هو الذي بُشّر به إبراهيم، ومن
= "شرح شواهد المغني" ١/ ٤٨٧، "الخزانة" ٥/ ٣٩٣، "الدرر اللوامع" ١/ ٢٠٧. ونُسب لحميد بن ثور في "اللسان" (لحد) ٧/ ٤٠٠٥ وليس في ديوانه.
ونسب لأبي بجدلة في: "شرح المفصل" ٣/ ١٢٤. وورد بلا نسبة في: "الكتاب" ٢/ ٣٧١، "مجاز القرآن" ٢/ ١٧٣، "النوادر" لأبي زيد ص ٥٢٧، "المحتَسَب" ٢/ ٢٢٣، "أمالي ابن الشجري" ١/ ٢٠، "رصف المباني" ص ٤٢٤، "أوضح المسالك" ص ٢٣، "شرح ابن عقيل" ١/ ١١٥، "شرح الأشموني" ١/ ١٤٨ الشاهد في: (قدني) و (قدي) أثبت نون الوقاية في الأول على الأصل، وحذفها في الثاني على الضرورة، وهو تأكيد للأول، (قدني): بمعنى حسبي، وأراد بـ (الإمام): عبد الملك ابن مروان، وعرَّض بوصف ابن الزبير بكونه شحيحًا، أي بخيلاً، وأراد بـ (الخبيبين): عبد الله بن الزبير -لأنه كان يكنى أبا خُبَيب- وأخاه مصعبًا، على التغليب.
(١) "ديوان الأعشى" ص ٢٠٥، وورد في: "الكتاب" ٣/ ٥١٣، ٤/ ١٨٧، "المحتَسَب" ١/ ٣٤٩، "شرح المفصل" ٩/ ٤٠، "الدرر اللوامع" ٥/ ١٥١، (ارتيادي)؛ الارتياد: المجيء والذهاب، أي لا يمنع من الموت التجول في آفاق الأرض حذراً منه، ولا الإقامة في الديار تقرّبه قبل وقته. "الدرر اللوامع" ٥/ ١٥٢.
(٢) "الحجة للقراء" ٥/ ٤٥ - ٤٦ بنصه.
(٣) لذلك شدّد النون.
(٤) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ١٩٧، وورد غير منسوب في "تفسير الوسيط"، تحقيق: سيسى ٢/ ٣٦٠، وابن الجوزى ٤/ ٤٠٦، والخازن ٣/ ٩٨.
نسله جميعُ بني إسرائيل على كثرتهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ أي من الآيسين، والقنوط: الإياس من الخير، وهذا يدل على يأس إبراهيم من الولد واستبعاده ذلك على الكبر.
٥٦ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ﴾ وقُرئ ﴿يَقْنَطُ﴾ بفتح النون (١)، قال أبو علي: قنط يَقْنَطُ أعلى اللغات يدل على ذلك اجتماعهم في قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ (٢) [الشورى: ٢٨]، وحكاية أبي عبيدة تدل أيضًا على أن قَنَطَ أكثر (٣)؛ لأن مضارع فَعَل (يجيء على يَفعِل ويَفعُل؛ مثل: فَسَق يَفْسِقُ يَفْسُقُ، ولا يجيء مضارع فَعِل) (٤) على يَفْعُلُ (٥).
قال ابن عباس: يريد: ومن ييئس (٦) من رحمة ربه إلا المكذبون (٧)،
(١) قرأ بها ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة انظر: "السبعة" ص ٣٦٧، "علل القراءات" ١/ ٢٩٧، " إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٤٦، "الحجة للقراء" ٦/ ٤٧، "المبسوط في القراءات" ص ٢١١، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٣.
(٢) "الحجة للقراء" ٥/ ٤٧ بنحوه، لكنه لم يجزم بأنها أعلى اللغات، بل قال: وكأنّ يقْنَطُ أعلى.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٣ وليس في كلام أبي عبيدة ما يؤيِّد دعوى الواحدي؛ إذ قال: يقال: قنَط يقنِط، وقنِط يقنَط قنوطاً، وليس في هذا ترجيح لإحدى اللغتين.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٥) هذا التعليل في "الحجة للقراء" ٥/ ٤٧ بنصه.
(٦) في جميع النسخ: (يأيس) وهو تصحيف، ولم أجده في كتب اللغة، قال أهل اللغة: يَئِسَ يَيْأَسُ وَييئِسُ لغات بمعنى القنوط. انظر: "أدب الكاتب" ص ٤٨٣، "الكامل" ٢/ ٧٥٤، "اللسان" (يأس) ٨/ ٤٩٤٥، "متن اللغة" ٥/ ٨٢٩.
(٧) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٠ بنصه، "تنوير المقباس" ص ٢٧٩ بنحوه، وورد بنصه غير منسوب في "تفسير الخازن" ٣/ ٩٨.
وهذا يدل على أن إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكةُ به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال.
٥٧ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ قال الكلبي: فما بالكم وما الذي جئتم له (١).
٥٨ - ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ يعنون: قوم لوط.
٥٩ - ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ استثنى ليس من الأول (٢)، وآلُ لوط: أتباعه والذين كانوا على دينه.
٦٠ - وقوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ استثناء من الضمير في
(١) ورد في "تفسير الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٠، وأغلب المفسرين فَسَّروه بنحوه. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٤١، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٢، والطوسي ٦/ ٣٤٣، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٥، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٦، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٦، والخازن ٣/ ٩٨.
(٢) أشار الزمخشري إلى أن الاستثناء إما أن يكون من قوم -وهو الأول- فيكون منقطعاً؛ لأن آل لوط لم يندرجوا في القوم المجرمين البتة، وعلى هذا فالإرسال خاص بالقوم المجرمين، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً، وإما أن يكون الاستثناء من الضمير المستكن في (مجرمين)، فيكون متصلاً؛ أي أجرموا كلهم إلا آل لوط، وعلى هذا التأويل يكون الإرسال إلى المجرمين وإلى آل لوط؛ أولئك لإهلاكهم، وهؤلاء لإنجائهم. انظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٥، وأبي حيان ٥/ ٤٦٠، و"الدر المصون" ٧/ ١٦٧، وقد رجح الواحدي -رحمه الله- أنه استثناء متصل، وأيَّد هذا الوجه المنتجب الهمداني وحجته: أن آله من قومه، وإن اختلفت أفعالهم، لكن الجمهور على أنه منقطع؛ لانتفاء وصف الإجرام عن آل لوط. انظر: "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٩ "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٢٩، "البيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ٧١، "الإملاء" ٢/ ٧٦، "الفريد في إعراب القرآن" ٣/ ٢٠٤، "تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٦٠.
621
﴿لَمُنَجُّوهُمْ﴾ فعادت إلى القوم المجرمين؛ لأنه استثناء بعد استثناء، فتعود إلى المستثنى منه أولاً؛ كما تقول: لفلان عليّ خمسة إلا درهمين إلا درهمًا، فيصير هذا إقرارًا بأربعة (١).
وقوله تعالى: ﴿قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ معنى التقدير في الغة: جعل الشيء على مقدار غيره، يقال: قَدِّر هذا الشيء بهذا، أي: اجعله على مقداره (٢)، وقدَّر الإلهُ الأقواتَ، أي: جعلها على مقدار الكفاية، ثم يفسر التقدير بالقضاء؛ فيقال: قضى الله عليه كذا، وقدَّره عليه؛ أي: جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر، وقيل في معنى قدّرنا هاهنا: كتبنا (٣)، وحكى الزجاج: دبَّرنا (٤)، وقيل: قضينا (٥)، وقرأ عا صم في رواية
(١) وقد وافق الزمخشري على أنه استثناء من الضمير، ولم يوافق على التعليل؛ بدعوى أن الاستثناء بعد الاستثناء إنما يصح عند اتحاد الحكم؛ كالمثال الذي ذكره الواحدي -رحمه الله- وكقول المطلق: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، أما هنا فقد اختلف الحكمان؛ لأن (آل لوط) متعلق بأرسلنا أو بمجرمين، و (إلا امرأته) قد تعلق بمنجوهم، فكيف يكون استثناء بعد استثناء؟؟! يمكن اعتباره لو قيل: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته. انظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٦، وذهب أبو البركات بن الأنباري إلى أنه استثناء من النفي؛ أي من (آل لوط) فيكون إيجاباً؛ وذلك أن الاستثناء من الإيجاب نفي، ومن النفي إيجاب، وهنا استثنى آل لوط من المجرمين، فلم يدخلوا في الإهلاك، ثم استثنى من آل لوط امرأته؛ فدخلت في الهلاك. انظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ٧١، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٦٠.
(٢) انظر: "المفردات" ص ٦٥٨، (قدر) في "اللسان" ٦/ ٣٥٧٨، "التاج" ٧/ ٣٧٠.
(٣) ورد منسوباً إلى علي بن عيسى في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٦٤، وانظر: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤٣، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٧.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨١ بلفظه.
(٥) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب بلفظه، وورد منسوباً إلى النخعي في "تفسير =
622
أبى بكر (١): ﴿قَدَّرْنَا﴾ مخففًا (٢)، يقال: قدَّرت الشيء وقدْرته، قال الهذلي:
ومفْوِهَةِ عَنْسٍ قَدَرْتُ لساقِها فخرَّتْ كما تَتَّايَعُ الرِّيحُ بالقَفْلِ (٣)
المعنى: قَدَّرْتُ ضربتي لساقها فضربتها (٤) فخرت، ومن هذا قراءة ابن كثير ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ [الواقعة: ٦٠]، خفيفًا (٥)، وقراءة الكسائي
= الماوردي" ٣/ ١٦٤، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٥، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٦، والفخر الرازي ١٩/ ١٩٩ [نقل الفقرة كلها وبنصها دون عزو]، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٧، والخازن ٣/ ٩٩، والشوكاني ٣/ ١٩٣، وصديق خان ٧/ ١٨١.
(١) شعبة بن عياش بن سالم، أبو بكر الحناظ الأسدي الكوفي، الإمام العلم راوي عاصم، اختلف في اسمه كثيراً، عرض القرآن على عاصم ثلاث مرات، قرأ عليه أبو الحسن الكسائي وغيره، توفي سنة ١٩٣ هـ، انظر: "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٣٤، "غاية النهاية" ١/ ٣٢٥، "جمال القراء" ٢/ ٤٦٥.
(٢) انظر: "السبعة" ص ٣٦٧، "علل القراءات" ١/ ٢٩٨، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٤٨، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٨، "المبسوط في القراءات" ص ٢٢١، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٤، "النشر" ٢/ ٣٠٢.
(٣) "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٩٢ وفيه: (لِرِجْلِها) بدل (لساقها)، وورد في "الحجة للقراء" ٥/ ٤٩، "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٣١، "اللسان" (تبع) ١/ ٤٦٠، (قفل) ١١/ ٥٦١، وورد غير منسوب في: "المنصف" ٣/ ٧٠، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٥، (مفرهة) هي الناقة التي تلد الفُرْهَ، النوق الجميلات، (عَنْس) الناقة القوية، شُبهت بالصخرة لصلابتها، (تَتَّابع)؛ التتايع: التهافت والإسراع، (القَفْل) بالفتح، ما يَبِس من الشجر، ومعنى البيت، يقول: قدّرت ضربتي لساق هذه الناقة القوية -التي تلد الملاح- فخرت وتهافتت كما تفعل الريح بورق الشجر اليابس.
(٤) ورد في "الحجة للقراء" ٥/ ٤٨ بنصه.
(٥) انظر: "السبعة" ص ٣٦٧، "علل القراءات" ١/ ٢٩٩، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٥٠، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٨، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٢/ ٧٢٤.
623
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ (١) [الأعلى: ٣]، والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالاً، كقوله ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠]، وقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ في موضع مفعول التقرير، والمعنى: قضينا أنها تتخلف وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون، ولا تكون ممن يسري مع لوط فينجو.
٦١ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾ قال أهل المعاني: يعني جاء لوطًا؛ كما قال في سورة هود؛ في ذكر هذه القصة: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ [هود: ٧٧] وآل الرجل يُذْكَر والمراد به الرجل، كما ذكرنا في قوله ﴿مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨]
٦٢ - وقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ أي: غير معروفين؛ لأنهم أتوه على صورة رجال مرد حِسان (٢) الوجوه فلم يعرفوهم، فلم يعرفهم لوط، وذكرنا معنى الإنكار عند قوله: ﴿نَكِرَهُمْ﴾ [هود: ٧٠].
٦٣ - وقوله تعالى: ﴿قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي: بالعذاب الذي كانوا فيه يَشُكّون في نزوله على من كَذَّبك، أن المعذب بهذا العذاب الذي جئتنا به هم لا أنت، ومعنى (بل) هاهنا نفي؛ لإنكار لوط إيَّاهم، أي: دع ذلك فإنا رسل ربك جئناك (٣) بعذابهم، فلما بَيَّنُوا له الأمر عرفهم.
(١) انظر: "السبعة" ص ٣٦٨، "إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٤٩، "الحجة للقراء" ٥/ ٤٨، "تلخيص العبارات" ص ١٦٦، "المُوضَح في وجوه القراءات" ٣/ ١٣٦٠، "النشر" ٢/ ٣٩٩.
(٢) في (ج): (حسنًا).
(٣) في (ج): (جئنا).
٦٤ - وقوله تعالى: ﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ قال الكلبي: بالعذاب (١)، وقيل باليقين (٢)، والمعنى: بالأمر الثابت الذي لا شك فيه من عذاب قومك.
٦٥ - قوله تعالى ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ مفسَّر في سورة هود (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يقول للوط أَتبع آثار بناتك وأهلك لئلا يتخلف منهم أحد فينالَه العذاب (٤)، وكذلك قيل: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ قال الكلبي: يعني لا يتخلف منكم أحد (٥)، وقال الزجاج: لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من النبلاء (٦)، وقال غيره: معناه الإسراع وترك الاهتمام لِمَا خَلَّفَ وراءه (٧)، كما يقول: امض لشأنك
(١) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠١ أورد الفقرة كلها بدون عزو، وورد منسوباً لمجاهد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣١، وورد غير منسوب في "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٢، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٢، والثعلبي ٢/ ١٤٩ ب بلفظه، والطوسي ٦/ ٣٤٥، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٦، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٦، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٨.
(٢) ورد في "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٢، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٦، والزمخشري ٢/ ٣١٦، والنسفي ٣/ ٩٩، والخازن ٣/ ٩٩، وأبي حيان ٥/ ٤٦١، والشوكاني ٣/ ١٩٤، وصديق خان ٧/ ١٨٢.
(٣) آية: [٨١].
(٤) ورد غير منسوب في "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠١.
(٥) ورد في "تنوير المقباس" ص ٢٧٩، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٢، والشوكاني ٣/ ١٩٤، وصديق خان ٧/ ١٨٣.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٢ بنصه.
(٧) انظر: "تفسير الخازن" ٣/ ٩٩، وأبي السعود ٥/ ٨٤، قال ابن عطية: ونُهوا عن النظر مخافة الغفلة وتعلق النفس بمن خَلَّفَ، وقيل: بل لئلا تتفطَّر قلوبهم من معاينة ما جرى على القرية في رفعها وطرحها. "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٣٥.
625
ولا تُعرِّج على شيء، وهذا مما تقدَّم في سورة هود (١).
وقوله تعالى: ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ قال ابن عباس: يعني الشام (٢)، وقال المفضل: حيث يقول لكم جبريل (٣)، قال الكلبي: أمرهم جبريل امضوا إلى صُغَر (٤)؛ وهي إحدى قريات لوط (٥)، ولم يكونوا يعملون مثل عمل سدوم، وهذا قول مقاتل (٦).
(١) آية: [٨١].
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ب، انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٦، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٧، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠١، والخازن ٣/ ٩٩، والألوسي ١٤/ ٦٩.
(٣) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠١، وورد غير منسوب في: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٧، والخازن ٣/ ٩٩.
(٤) في جميع النسخ: (صفر)، والمثبت أقرب للصواب، والتصويب من تفسيره "الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب، وهكذا ضبطه ياقوت، وأشار إلى القصة، بقوله: وهي على البحيرة المقلوبة وبقية مدائن لوط، وإنها نجت لأن أهلها لم يكونوا يعملون الفاحشة، وكذلك ضبطها ابن كثير؛ قال: فذكروا أنه ذهب إلى قرية (صغر) التي يقول الناس (غور زغر)، وقد ضبطت "صعرة". في: تاريخ الطبري و"الروض المعطار في خبر الأقطار"، والحق أنه قد وقع اختلاف كبير في أسماء قرى لوط -عليه السلام- ولم يتفقوا إلا في اسم كبرى هذه القرى وهي: سدوم، وتقع بأرض الشام، لذلك قال السهيلي: وسدوم أعظمها، وقد ذُكرت الأسماء الأُخر ولكن بتخليط لا يتحصل منه حقيقة. انظر: "التعريف والإعلام" ص ١٦٢، "تاريخ الطبري" ١/ ١١٨، ١٢٢، "معجم البلدان" ٣/ ٤١١، "تفسير القرطبي" ٩/ ٨١، "الكامل في التاريخ" ١/ ٦٩، "الروض المعطار" ص ٣٠٨، "تفسير ابن كثير" ٢/ ٦١٠، "البداية والنهاية" ١/ ١٨١، "الدر المنثور" ٣/ ١٨٥.
(٥) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٧.
(٦) الذي في "تفسيره" ١/ ١٩٨ أ. قال: إلى الشام، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب بمعناه، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٨.
626
٦٦ - قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ﴾ قال المفضل: أي: أوحينا إليه وألهمناه (١)، وقال بعضهم: وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر (٢)، يقال. قضيت الأمر، إذا فرغت منه وأتممته، وقد ذكرنا ذلك في قوله: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ في سورة البقرة (٣)، وقال ابن قتيبة: أي أخبرناه (٤).
وقال صاحب النظم: أي فرغنا منه (٥)، كقوله ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ [يونس: ٧١] وقد مرّ، ويقال: إن معنى ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ﴾: من الخبر؛ كقوله: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ﴾ [الإسراء: ٤] أي: أخبرناهم به.
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ أي: الأمر الذي أعلمناه إبراهيم أنّا نهلكهم، في قوله: ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾، فأومأ في قصة لوط إلى ما أخبر به إبراهيم من إهلاك قوم لوط، ثم ترجم قوله: ﴿ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ بقوله: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ قال الزجاج: موضع (أن) نصب، وهو بدل من قوله: ﴿ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ لأنه فَسّر الأمر بقوله: ﴿أَنَّ دَابِرَ﴾ (٦) المعنى: وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع، ونحو هذا قال الفراء والكسائي (٧).
(١) لم أقف عليه منسوبًا إليه، وأخرجه الطبري منسوبًا إلى ابن زيد ١٤/ ٤٣، وورد غير منسوب في: "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٢، والماوردي ٣/ ١٦٥، وأبي حيان ٥/ ٤٦١، وأبي السعود ٥/ ٨٤، والشوكاني ٣/ ١٩٤.
(٢) ورد بنصه في: "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٢، والثعلبي ٢/ ١٤٩ ب.
(٣) آية: [١١٧]، وانظر: "البسيط" [النسخة الأزهرية] ١/ ٨٣ أ.
(٤) "الغريب" لابن قتيبة ص ٢٣٨ بلفظه.
(٥) ورد غير منسوب في "تفسير الخازن" ٣/ ٩٩.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٢ بتصرف يسير.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٠ بمعناه، ولم أقف عليه منسوباً إلى الكسائي.
قال ابن عباس: يريد أن هلاكهم في الصبح (١)، ومضى الكلام في الدابر (٢).
٦٧ - قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ يعني مدينة لوط؛ وهي سدوم، ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ قال الكلبي وغيره: بعملهم الخبيث طمعًا منهم في ركوبهم الفاحشة (٣).
قال ابن عباس: قالوا نزل بلوط ثلاثة مرد ما رأينا قط أصبح منهم، فقال لهم لوط لما قصدوا أضيافه:
٦٨ - ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ﴾ يقال: فضحه يفضحه فضحًا وفضيحة، إذا أبان من أمره ما يلزمه به العار، (يقال: فضحه فافْتَضَحَ (٤)، قال الفراء) (٥): ويقال فَضَحَك الصبح، أي: بَيّنك للناس (٦)، قال المفسرون: أراد أن من حق الضيف إكرامُه، فلا تفضحوني بقصدكم إيّاه
(١) أخرجه الطبري ١٤/ ٤٣ بنحوه، من طريق الحجاج عن ابن جريج صحيحة، "تنوير
المقباس" ص ٢٧٩.
(٢) سورة الأنعام [آية: ٤٥]، أورد أقوالاً في معنى الدابر، فقال: قال الأصمعي وغيره: (الدابر الأصل؛ يقال: قطع الله دابره أي أذهب أصله)، وقال ابن بزرج: "دابر الأمر: آخره، ودابر الرجل عقبه، وقولهم: قطع الله دابره: دعاء عليه بانقطاع العقب حتى لا يبقى أحد يخلفه).
(٣) ورد في: "تنوير المقباس" ص ٢٨٥ مختصرًا، تفسيره "الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٢ بنصه غير منسوب، "تفسير البغوي" ٥/ ٣٨٧، ابن عطة ٨/ ٣٣٧، ابن الجوزي ٤/ ٤٠٧، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٣٩، الخازن ٣/ ٩٩.
(٤) انظر: "جمهرة اللغة" ١/ ٥٤٥، "اللسان" (فضح) ٦/ ٣٤٢٥، "عمدة الألفاظ" ٣/ ٢٧٩.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (د).
(٦) ليس في معانيه.
بالسوء (١)، والكريم يحافظ على ضيفه ويحامي عنه، وقال المفضل: لما دَقُّوا على لوط بابَه (٢) أشرف عليهم وقال: هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني عندهم، فيعلموا أنه ليس لي عندكم قَدْر (٣).
٦٩ - وقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ مذكور وفي سورة هود (٤).
٧٠ - فقالوا له: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ قال الكلبي وأكثر المفسرين: المعنى: أولم ننهك أن تَضِيف أحدًا من العالمين (٥)، قال الزجاج: معناه: أولم ننهك عن ضيافة العالمين (٦)، قال المفضل: أولم ننهك أن تُدخل أحدًا بيتك؛ لأنّا نريد منهم الفاحشة (٧)، والتفسير ذكره الكلبي، وتوجيه الكلام ذكره الزجاج، والمعنى ذكره المفضل، وقال ابن عباس في رواية عطاء: لا تتعرض لنا في شيء مما نريد؛ يعني أنهم قالوا
(١) ورد بنحوه في "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٣، والثعلبي ٢/ ١٤٩ ب، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٧، والخازن ٣/ ٩٩، وأبي السعود ٥/ ٨٥، والألوسي ١٤/ ٧١.
(٢) في (أ)، (د): (باب) دون الضمير، والمثبت من (ش)، (ع).
(٣) ورد نحوه غير منسوب في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٣، وأبي السعود ٥/ ٨٥، والألوسي ١٤/ ٧١.
(٤) آية: [٧٨].
(٥) ورد في "الغريب" لابن قتيبة ص ١/ ٢٤١، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ٤٣ بنصه منسوبًا إلى قتادة، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب بنصه غير منسوب، و"تفسيرالبغوي" ٤/ ٣٨٧، والخازن ٣/ ١٠٠، وابن كثير ٢/ ٦١٠، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة، ولم أقف عليه منسوبًا إلى الكلبي.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٣ بنصه.
(٧) ورد غير منسوب في "تفسير الخازن" ٣/ ١٠٠.
نهيناك أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة، فيكون التقدير على هذا المعنى: أولم ننهك عن منع العالمين أو حفظهم أو حمايتهم، فقال لهم لوط:
٧١ - ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ قال أبو إسحاق معناه: إن كنتم مريدين لهذا الشَّأن (١)؛ يعني اللذة وقضاء الوطر فعليكم بالتزويج ببناتي (٢)، قال قتادة: أراد أن يقي أضيافه ببناته (٣)، وذكرنا الكلام في هذا مستقصى في سورة هود (٤).
قال الحسن وقتادة: هؤلاء بناتي تزوجوهن (٥)، ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ كناية عن الجماع.
٧٢ - قوله تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ العَمْر والعُمْر واحد، وسمي الرجل عمر إيغالًا أن يبقى (٦)، ومنه قول ابن أحمر:
(١) في جميع النسخ: البنتان، والتصويب من المصدر.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٣ بتصرف يسير.
(٣) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٤٤ بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩ ب بنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. ويلزم من هذا القول جواز زواج الكافر من المؤمنة - في شرعه؛ كما كان جائزًا في بداية الإسلام حتى نسخ بآية الممتحنة [١٠]، ، وقيل عرضهن عليهم شريطة الإسلام قبل عقد النكاح، وقيل قصد بنات أمته؛ لأن النبىّ كالوالد لأمته، وهو قول مجاهد؛ ذكره معظم المفسرين.
(٤) آية [٧٨].
(٥) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤٧ بلفظه عنهما.
(٦) "تهذيب اللغة" "عمر" ٣/ ٢٥٦٥ بنحوه، وانظر: (عمر) في: "التاج" ٧/ ٢٥٨ وعزاه للمحكم، ولم أجده في بابه.
630
ذَهبَ الشَبَابُ وأَخْلَفَ العَمْرُ (١)
وعُمّر الرجلُ يَعْمُر عَمْرًا وعُمُرًا وعُمُرًا، فإذا أقسموا قالوا: لعَمْرُك وعَمْرِك، ففتحوا العين لا غير (٢).
قال أبو إسحاق: لأن الفتح أخف عليهم، وهم يكثرون القسم بِلَعَمْري ولعَمْرك، فلزموا الأخَفَّ عليهم (٣).
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد وعيشك يا محمد (٤).
وقال في رواية أبي الجوزاء يقول: بحياتك، وما حلف الله تعالى
(١) عجزه:
وتَغيَّرَ الإخوانُ والدَّهْر
"شعر عمرو بن أحمر الباهلي" ص٩٠، وورد في: "الاشتقاق" ص ١٣، "مقاييس اللغة" (خلف) ٢/ ٢١٢ وفيه: (وتنكَّر)، "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٣، "اللسان" (عمر) ٥/ ٣١٠٣، "التاج" (عمر) ٧/ ٢٥٨ وفيهما: (وتَبدَّل)، وورد غير منسوب في: "جمهرة اللغة" ٢/ ٧٧٢، وفي الديوان وجميع المصادر بروإية: (بان) بدل (ذهب)، والمعنى واحد، (بان): بمعنى انقضى ومضى عصره، (أخلف): تغيير، (العَمر): واحد العُمُوْر؛ اللحم الذي بين الأسنان.
(٢) انظر: "المقتضب" ٤/ ١٧٧، "غرائب التفسير" ١/ ٥٩٢، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٨، الفخر الرازي ١٩/ ٢٠٣، "شرح المفصل" ٩/ ٩٦، "البسيط في شرح جمل الزجاجي" ٢/ ٩٤٣، (عمر) في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٦٥، "المحكم" ٢/ ١٠٥، "اللسان" ٥/ ٣٠٩٩، "التاج" ٧/ ٢٥٨.
(٣) معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٣، بنصه تقريباً.
(٤) أورده البخاري -معلقاً- في "صحيحه" تفسير، الحجر ٨/ ٣٧٩ "الفتح"، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ٤٤ بنحوه، من طريق علي بن أبي طلحة، صحيحة، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٣، والماوردي ٣/ ١٦٦ و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٨، وابن كثير ٢/ ٦١١، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
631
بحياة أحد إلا بحياة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (١)، وهذا قول أكثر أهل التأويل من المفسرين وأصحاب المعاني، قال الزجاج: وفي هذا آية عظيمة في تفضيل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، جاء في التفسير أنه أقسم بحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٢). وقال بعض أهل المعاني: إذا قيل: لعَمْرك، فكأنه قيل ومدة بقائك حيًّا (٣)، وقال النحويون: ارتفع (لعمرك) بالابتداء والخبر محذوف، المعنى لعمرك قَسَمي، ولَعَمْرُك ما أُقْسِمُ به، وحُذِف الخبرُ لأن في الكلام دليلًا عليه، وباب القَسَم يحذف من الفعل نحو: باللهِ لأفعلن، والمعنى: أحلف بالله؛ فيحذف (أحلف) لعلم المخاطب بأنك حالف، فكذلك يحذف خبر الابتداء (٤).
(١) أخرجه بنحوه من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء: أبو يعلى في "مسنده" ٥/ ١٣٩، والطبري في "تفسيره" ١٤/ ٤٤، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٠ أ، وأبو نعيم في "الدلائل" ١/ ٦٣، والبيهقي في "الدلائل" ٥/ ٤٨٨، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٣، و"تفسير السمرقندى" ٢/ ٢٢٢، والماوردي ٣/ ١٦٦، و"تهذيب اللغة" (عمر) ٣/ ٢٥٦٤ بنصه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٧، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٨ وابن عطية ٨/ ٣٣٨، وابن كثير ٢/ ٦١١، وأورده عياض في "الشفا" ٢/ ٨٧، والهيثمي في "المجمع" ٧/ ٤٦ وعزاه لأبي يعلى وقال: إسناده جيد، وابن حجر في "المطالب" ٣/ ٣٤٦ وزاد نسبته للحارث ابن أبي أسامة، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٣ بنصه.
(٣) قال القاضي عياض: اتفق أهل التفسير في أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد -صلى الله عليه وسلم- انظر: "الشفا" ١/ ٨٦.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٤ بنصه تقريباً، انظر: "المقتضب" ٢/ ٣١٨، "الإيضاح العضدي" ص ٢٧٦، "شرح المفصل" ٩/ ٩٩، "البسيط في شرح جمل الزجاجي" ٢/ ٩٣٢، ٢/ ٩٤٣، "المحكم" (عمر) ٢/ ١٠٥، "زاد المسير" ٤/ ٤٠٨، الرازي ١٩/ ٢٠٣.
632
وقال قتادة في قوله: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ كلمة من كلام العرب (١)، (يقولون في الإكرام والتبجيل، قال أبو إسحاق: ولستُ أُحِبُ هذا التفسير؛ لأن قوله: كلمة من كلام العرب) (٢) لا فائدة فيه؛ لأن القرآن كله من كلام العرب فلابد أن يقال ما معناها (٣)، وحكى أبو الهيثم أن النحويين يقولون في قوله: ﴿لَعَمْرُكَ﴾: لَدِينُك الذي تعمر، وأنشد (٤):
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا........... عَمْرَكَ اللهَ كيفَ يَلْتَقِيَانِ (٥)
قال عَمْرك اللهَ، أي عبادتك الله (٦).
وقال ابن الأعرابي: عَمَرتُ ربي، أي: عبدته، وفلان عامر لربه، أي: عابد، قال: ويقال تركت فلانا يَعْمُر ربه، أي: يعبده (٧)، فعلى هذا
(١) أخرجه الطبري ١٤/ ٤٤ بنصه، وورد بنصه غير منسوب في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ أ.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٣ بنصه.
(٤) البيت لعمر بن أبي ربيعة (ت ٩٣ هـ).
(٥) "ديوانه" ص ٤٣٨، وورد في "الشعر والشعراء" ٣٧٤ وفيه (يجتمعان) بدل: يلتقيان، "الأغاني" ١/ ٢٣٢، "الصحاح" (عمر) ٢/ ٧٥٦، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ١٠٨، "الروض الأنف" ٣/ ١٣٥، "شرح المفصل" ٩/ ٩١ (عجز)، "اللسان" (عمر) ٥/ ٣١٠٠ برواية: (يجتمعان)، "الخزانة" ٢/ ٢٨، وورد غير منسوب في:
"المقتضب" ٢/ ٣٢٩، القرطبي ١٠/ ٤١، وأبي حيان ٥/ ٤٦٢، والألوسي ١٤/ ٧٣، (كيف يلتقيان): استفهام إنكاري تعجبي من تزويج الثري بنت علي بن عبد الحارث -وكانت مشهورة بالحسن والجمال- بسهيل بن عبد الرحمن الزهري - وكان معروفًا بقبح منظره.
(٦) "تهذيب اللغة" (عمر) ٣/ ٢٥٦٤ بنصه، وانظر: (عمر) في "اللسان" ٥/ ٣١٠٠، و"التاج" ٧/ ٢٥٨.
(٧) "تهذيب اللغة" (عمر) ٣/ ٢٥٦٥ بنصه، "المحكم" ٢/ ١٠٨، "اللسان" ٥/ ٣١٠٢.
633
القول: العَمْرُ كالعمارة، والعابد اللهَ عامرٌ لدينه، فسُمِّيَ العابدُ عامرًا، ومعنى قوله: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ أي لَعِبَادَتُك، والمفسرون على القول الأول (١)
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد: أن قومك في ضلالهم يتمادون (٢)، ثم رجع إلى ذكر قوم لوط في الآية الثانية، وقال الكلبي وعامة المفسرين: ﴿إِنَّهُمْ﴾ يعني: قوم لوط (٣)، ﴿لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾: في جهلهم وعماهم يمضون ولا يرجعون منه.
(١) أي أنه قسم بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم-وهو قول الجمهور كما قال ابن العربي وعياض وأبو حيان.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠ أبلفظه، دون الإشارة إلى المعني بالضمير، وانظر: "تفسير الوسيط"، ٢/ ٣٦٤، بنصه عن عطاء، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٩ مختصرًا عن عطاء، وإلى هذا ذهب الطبري، فقال: أي وحياتك يا محمد، إن قومك من قريش، لفي ضلالتهم وجهلهم يترددون، وإليه ذهب السمرقندي. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٤، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٢.
(٣) لم أقف عليه منسوبًا، وانظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٧، وابن عطية ٨/ ٣٤١، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٩ وقال: قاله الأكثرون، وتفسير أبي حيان ٥/ ٤٦٢، وابن جزي ٢/ ١٤٨، وأبي السعود ٥/ ٨٦، و"تنوير المقباس" ص ٢٨٠، وخلاصة القول في الضمائر في الآية ثلاثة أقوال: الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والضمائر تعود على كفار قريش، وهو قول الطبري والسمرقندي، وحجتهم الأثر المروي عن ابن عباس وعلى هذا القول، الآية كلها اعتراض فيما بين القصة، وانتصر لهذا القول علي القاري "شرح الشفا" ١/ ٧٢، واستدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنهما ليس فيه دلالة وليس في محل النزاع، فقول ابن عباس غايته أن القسم برسولنا -صلى الله عليه وسلم- وليس بلوط. وليس هذا مختلف مع قول الجمهور الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والضمائر لقوم لوط، وهو قول الجمهور، وحجتهم - كما ذكر ابن عطية: عدم مناسبة السباق والسياق؛ إذ يؤدي ذلك إلى انقطاع الضمائر، وعليه فالقسم بنبينا -صلى الله عليه وسلم- تشريفًا له؛ لأن القصة تُقص عليه تعجيبًا له من حال قوم لوط، وإقحام القسم أثناء الكلام وقصر القصص أسلوب عربي معروف، وهذا هو القول الراجح الخطاب للوط، =
634
وقال مجاهد: في غفلتهم يضطربون (١)، ومعنى السَّكرة هاهنا: غمور السهو والغفلة للنفس (٢)، وذكرنا أصله في اللغة عند قوله: ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٥]، ومعنى العمه مذكور في سورة البقرة (٣)، وقول ابن عباس: إن قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ إخبار عن مشركي قريش، أليق بظاهر الآية (٤)؛ لأن (٥) قول العامة نحتاج فيه أن نحمل الآية على حكاية حال ماضية (٦)؛ كقول الشاعر (٧):
جاريةٌ في رَمَضَانَ الماضي......... تُقَطِّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ (٨)
وقد ذكرنا لهذا نظائر.
= والضمائر لقومه، وانفرد به ابن العربي، فقال: ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذِكْر لوط إلى ذِكْر محمد -صلى الله عليه وسلم- وما الذي يمنع أن يُقْسِم الله بحياة لوط، ويبلغ به من الشريف ما شاء؛ فكل ما يعطى الله من فضل ويؤتيه من شرفٍ فلمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ضِعفاه؛ لأنه أكرم على الله منه.. فإذا أقسم الله بحياة لوط فحياة محمد أرفع، ولا يُخرجُ من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذِكرٌ لغير ضرورة. "تفسير ابن العربي" ٣/ ١١٣٠، وقوله محتمل لولا ما في الآية من خطاب المواجهة.
(١) ليس في تفسيره، ولم أقف عليه بنصه، وأخرج عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩، والطبري ١٤/ ٤٤ عن مجاهد قال: (يتردّدون)، وكذلك ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠ أ.
(٢) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤٨ بنصه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٨ عن الأعمش، "تفسير البقاعي" ٤/ ٢٣١.
(٣) آيه: [١٥]، وعندها قال: (ومعنى يعمهون: يتحيرون، وقد عمه يعْمَه عَمَهًا فهو عَمِه إذا حار عن الحق).
(٤) لكن أثر ابن عباس الذي يشير إليه، ضعيف لأنه من طريق عطاء وهو منقطع.
(٥) في (أ)، (د): (أن) والمثبت من (ش)، (ع) وهو الأصح.
(٦) وهذا القول هو الراجح - كما سبق.
(٧) هو رؤبة بن العجاج.
(٨) سبق عزوه.
635
٧٣ - قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ يعني صيحة العذاب، قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة أهلكتهم (١)، وقال أهل المعاني: ويجوز أن يكون جاءهم صوت عظيم من فعل الله عَزَّ وَجَلَّ (٢).
وقوله تعالى: ﴿مُشْرِقِينَ﴾ يقال: شَرَق الشَّارقُ يُشْرِق شُروقًا، لكل ما طلع من جانب الشَّرق، ومنه قولهم: ما ذَرَّ شارقٌ (٣)، أي طلع طالع، فيدخل في هذا: الفجر والكواكب والشمس والقمر، وأشرق له معان: أشرقت الشمس؛ إذا أضاءت بعد طلوعها، وأشرقت الأرض بضوء الشمس، أضاءت، ومنه أَشْرِقْ ثَبِيْرُ (٤)، وأشرق القوم: دخلوا في وقت شروق الشمس (٥)؛ مثل صَبَّحوا وأَمْسَوا، والمفسرون على هذا في قوله:
(١) ورد بنحوه في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٠٩، الفخر الرازي ١٩/ ٢٠٣، وأبي حيان ٥/ ٤٦٢، والشوكاني ٣/ ١٩٨، والألوسي ١٤/ ٧٤، وصديق خان ٧/ ١٨٧.
(٢) انظر: "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٤٨ بنصه.
(٣) مثل عربي، وورد برواية: (لا أفعل ذلك ماذَرَّ شارق)، وبرواية: (لا آتيك ما ذرَّ شارقٌ)، ومعناه: لا أفعله أبدًا، أو لا آتيك أبداً. انظر: "الألفاظ الكتابية" ص ١٨٦، "جمهرة اللغة" ٢/ ٧٣١، "جمهرة الأمثال" ٢/ ٢٨٢، "مجمل اللغة" ١/ ٥٢٧، "الصحاح" (شرق) ٤/ ١٥٠٠، "المستقصى" ٢/ ٢٤٨، "اللسان" (شرق) ٤/ ٢٢٤٥.
(٤) ثبير: جبل بمكة، وهذا مثل يضرب في الإسراع والعجلة، ونصه: (أشرق ثَبِيْرُ كَيْمَا نُغِير)، والمعنى: ادخُلْ يا ثبير في الشروق كي نُسرع إلى الإغارة. انظر: "المحيط في اللغة" (شرق) ٥/ ٢٣٥، "مجمع الأمثال" ١/ ٣٦٢، "المحكم"، (شرق) ٦/ ١٠٢ "المستقصى" ١/ ٢٠٥، "اللسان" (ثبر) ١/ ٤٧٠، (شرق) ٤/ ٢٢٤٦.
(٥) انظر: (شرق) في "جمهرة اللغة" ٢/ ٧٣١، "المحيط في اللغة" ٥/ ٢٣٤، "مجمل اللغة" ١/ ٥٢٧، "الصحاح" ٤/ ١٥٠١، "المحكم" ٦/ ١٠١، "اللسان" ٤/ ٢٢٤٤.
﴿مُشْرِقِينَ﴾ قالوا: داخلين في الإشراق (١).
وقال الزجاج: مصادفين لطلوع الشمس (٢).
فإن قيل: أليس قد قال: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ فوعدهم العذاب في وقت الصبح، وهاهنا قال: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾؟ قيل إن جماعة من أهل المعاني قالوا في معنى ﴿مُشْرِقِينَ﴾: مصبحين؛ لأنهم داخلون في شروق الفجر، وهو شارق، وأما على قول المفسرين فيقال: إن أول العذاب كان مع طلوع الفجر، ثم امتد ذلك إلى وقت شروق الشمس، فكان تمام الهلاك مع الإشراق.
٧٤ - قوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا﴾ آخر الآية، مفسَّر في سورة هود [آية: ٨٢].
٧٥ - قوله تعالى: ﴿لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ يقال: توسمت في فلان خيرًا، إذا رأيت فيه أثرًا منه، وتوسمت فيه الخير أي تَفَرَّست (٣).
واختلفت عبارة المفسرين وأهل المعاني في تفسير المتوسمين، فقال ابن عباس في رواية عطاء: للمتفرسين (٤)، وهو قول مجاهد (٥)
(١) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٥، و"تفسبر السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، والطوسي ٦/ ٣٤٨، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٦، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن عطية ٨/ ٣٤١، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٣، و"عمدة الحفاظ" ٢/ ٣٠٤.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٤ بنصه.
(٣) "تهذيب اللغة" (وسم) ٤/ ٣٨٩٣ بنصه.
(٤) ذكره في الوسيط، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٥، "تنوير المقباس" ص ٢٨٠، وورد غير منسوب في "تفسير هود" ٢/ ٣٥٣.
(٥) "تفسير مجاهد" ١/ ٣٤٢ بلفظه، وأخرجه الطبري ١٤/ ٤٥ بلفظه من عدة طرق، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٥، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، والماوردي ٣/ ١٦٧، والطوسي ٦/ ٣٤٩، و"تفسير البغوي" =
637
والفراء (١) والزجاج (٢) وابن قتيبة (٣).
وقال الضحاك: للناظرين (٤)، وقال مقاتل وابن زيد: للمتفكرين (٥).
وقال قتادة: للمعتبرين (٦)، وقال أبو عبيدة: للمتبصرين (٧)،
= ٤/ ٣٨٨، وابن عطية ٨/ ٣٤٢، وابن الجوزي ٤/ ٤٠٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٢، وابن كثير ٢/ ٦١١، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٣ وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩١ بلفظه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٤ بلفظه.
(٣) "الغريب" لابن قتيبة ٨/ ٢٤١ بلفظه.
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ٤٦ بلفظه من طريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٥، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أبلفظه، والماوردي ٣/ ١٦٧، والطوسي ٦/ ٣٤٩، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٤٢، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٣، و"تفسير أبي حيان" ٥/ ٤٦٣، وابن كثير ٢/ ٦١١، وورد منسوباً إلى ابن عباس في تفسير الطبري ١٤/ ٤٦ بلفظه، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٨، الخازن ٣/ ١٠٠، وابن كثير ٢/ ٦١١، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري ١٤/ ٤٦ بلفظه عن ابن زيد، وورد في تفسير الثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، بلفظه عن مقاتل، والماوردي ٣/ ١٦٧ عن ابن زيد، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٨ عن مقاتل، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠ عنهما، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٣ عنهما، والخازن ٣/ ١٠٠ عن مقاتل، وأبي حيان ٥/ ٤٦٣ عنهما، ولم أقف عليه في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ أ، والذي في تفسيره هو قول الضحاك.
(٦) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩ بلفظه، والطبري ١٤/ ٤٦ بلفظه من طريقين، وأبي الشيخ في "العظمة" ص ٥٠ بلفظه، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، بلفظه، والماوردي ٣/ ١٦٧، والطوسي ٦/ ٣٤٦، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٨، وابن عطية ٨/ ٣٤٢، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٣، الخازن ٣/ ١٠٠، وأبي حيان ٥/ ٤٦٣، وابن كثير ٢/ ٦١١، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٤ بلفظه.
638
وأنشد لزهير:
وفيهنّ مَلْهًى للَّطِيفِ ومنظَرٌ أنيقٌ لعَيْنِ النَّاظرِ المُتَوسِّمِ (١)
قال أبو إسحاق: وحقيقته في اللغة؛ المتوسمون النُظَّارُ المُتَثبِّتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء، فالمتوسم: الناظر في السمة الدالة، تقول توَسَّمْتُ في فلان، أي: عرفت ذلك فيه بالنظر (٢).
٧٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا﴾ يعني مدينة قوم لوط، وقد سبق ذكرها في قوله: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ [الحجر: ٦٧].
وقوله تعالى: ﴿لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ قال ابن عباس: على طريق قومك إلى الشام (٣)، يريد لبسبيل معروف، وقال قتادة ومجاهد والضحاك: بطريق واضح (٤)، ومعناه: طريق لا يَنْدَّرس ولا يخفى، فهو طريق مقيم
(١) "شرح ديوان زهير" ص ٣٧، وورد في: "شرح القصائد السبع الطوال" ص ٢٥٢، وورد برواية: (للصديق) بدل (للطيف) في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٦٧، و"أشعار الشعراء الستة الجاهليين" ١/ ٢٨٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٣. (ملهى) اللهو أو موضعه، (اللطيف) يعني نفسه، يتلطف في الوصول إليهن، (أنيق) المعجِب، (المتوسم) المتثبت، وقيل: الناظر الذي يتفرّس في نظره، كأنه يطلب شيئًا من سِمته، يعرفها به، والوسامة: الحُسن.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٤ بتصرف يسير.
(٣) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٠، وورد غير منسوب في "تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٥، وهو قول مقاتل ١/ ١٩٨ أ.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩ بلفظه عن قتادة، والطبري ١٤/ ٤٧ بلفظه عن قتادة، وبنحوه عن مجاهد والضحاك، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٦، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٤، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٠، عن قتادة، الخازن ٣/ ١٠٠ عن مجاهد، وأبي حيان ٥/ ٤٦٣ عن مجاهد وقتادة، وابن كثير ٢/ ٦١١ عنهم، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٣ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
للسابلة (١) والمارة، ومعنى الآية: أن الاعتبار بها ممكن لأن الآثار التي يُسْتَدل بها مقيمة ثابتة بها.
٧٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ابن عباس: لعبرةً للمصدقين (٢)، يريد أن أصحاب النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- اعتبروا وصدقوا.
٧٨ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ﴾ قال المفسرون: هم قوم شعيب (٣) كانوا أصحابَ غِيَاض (٤) فكذبوا شعيبًا فأهلكوا بعذاب يوم الظلة، وقد ذُكرتْ قصتهم في سورة الشعراء (٥)، والأيْك الشجر الملتف، يقال: أيْكة وأيْك، كشجرة وشجر (٦).
قال ابن عباس: الأيك هو شجر المُقْل، وهي التي يقال لها الدَّوْم (٧).
(١) السّابِلَةُ: الطريق المسلوكة، والناس المختلفون عليها في حوائجهم. انظر: (سبل) في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٢٢، "المعجم الوسيط" ١/ ٤١٤.
(٢) وهو قول مقاتل ١/ ١٩٨ أبنصه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٩٨ب، والطبري ١٤/ ٤٨ عن ابن جريج، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، والماوردي ٣/ ١٦٨، والطوسي ٦/ ٣٥٠، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٨، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠.
(٤) جمع غيْضَة؛ أي الأجَمَة: وهي مجتمع الشجر في مغيض ماء. [المغيض: مصدر، اسم مكان، انظر: "جمهرة اللغة" ٢/ ٩٥٧، "الصحاح" (غيض) ٣/ ١٠٩٧.
(٥) الآيات: [١٧٦ - ١٨٩].
(٦) انظر: "جمهرة اللغة" ٣/ ١٢٩٤، "تهذيب اللغة" (أيك) ١/ ٢٣٩، "عمدة الحفاظ" ١/ ١٦٢، "المصباح المنير" ص١٣.
(٧) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٤، وورد غير منسوب بنحوه في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ب، والثعلبي ٢/ ١٥٥ أ، والماوردي ٣/ ١٦٨، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٨، وأخرج الطبري عن ابن عباس قال: الأيكة ذات آجام -جمع أجَمَة- وشجر كانوا فيها. "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٨، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٣ وزاد نبته إلى ابن المنذر.
وقال الكلبي: الأيكة الغَيْضَة (١).
وقال أبو إسحاق: هؤلاء أهل موضع كان ذا شجر (٢)، ومعنى (إن) و (اللام) التوكيد، و (إن) هاهنا هي المخففة من الثقيلة.
٧٩ - قوله تعالى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ قال المفسرون: أخذها الحَرّ أيامًا، ثم اضطرم عليهم المكان نارًا فهَلَكوا عن آخرهم (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمَا﴾ يعني الأيكة ومدينة قوم لوط (٤).
﴿لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾: لبطريق واضح في قول عامة المفسرين (٥).
قال الفراء والزجاج: إنما جعل الطريق إمامًا؛ لأنه يُؤَمُّ ويُتَّبع (٦).
(١) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٣٠٤، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ٤٨ بلفظه عن الضحاك، وكذلك في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٦، وورد غير منسوب في: "تفسير هود" ٢/ ٣٥٤، والطوسي ٦/ ٣٥٠، والخازن ٣/ ١٠٠.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥ بلفظه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ ب، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، و"تفسير البغوي" ٢/ ٣٨٩، وابن عطية ٨/ ٣٤٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٤، والخازن ٣/ ١٠٠.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٤٨، و"هود الهواري" / ٣٥٤، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠ وقال: قاله الأكثرون.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩ عن قتادة، والطبري ١٤/ ٤٩ عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
وانظر: "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٧، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، والماوردي ٣/ ١٦٨، و"تفسير البغوي" ٢/ ٣٨٩، والزمخشري ص ١٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٠، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٤، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٥، وابن كثير ٢/ ٦١١.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩١، بنصه، "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥، بنحوه..
وقال ابن قتيبة: لأن المسافر يَأتَمُّ به حتى يصير إلى الموضع الذي يريد (١).
وقال أبو عبيدة: الإمام كل ما ائتممت (٢) به واهتديت به (٣)، ومن هذا [قيل] (٤) للحبل الذي يَمُدُّه البَنَّاء: الإمام (٥).
قوله تعالى: (مُبِينٍ) يحتمل أنه مبين في نفسه، ويحتمل أنه بَيِّنٌ لغيره؛ لأن الطريق يهدي إلى المقصد.
٨٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ﴾ قال المفسرون: الحِجْر اسم وادٍ (٦) كان يسكنه ثمود (٧).
وقوله تعالى: ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ قال ابن عباس والكلبي وعامة المفسرين: يعني صالحًا وحده (٨)، وقال أهل المعاني: من كذَّب نبيه الذي بُعث إليه،
(١) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٤١. بنصمى
(٢) في جميع النسخ: ما تيممت به، والتصويب من المصدر.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٤ بنصه.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٤٧.
(٦) في (أ)، (د): (إذا)، والمثبت من (ش)، (ع) وهو الصحيح.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩، والطبري ١٤/ ٤٩ عن قتادة، وانظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ ب، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٧ عن قتادة، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، والماوردي ٣/ ١٦٩ عن قتادة، والطوسي ٦/ ٣٥١.
(٨) لم أقف عليه منسوباً، وورد في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ ب، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٣، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٩، وابن الجوزي ٤/ ٤١١، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٦، والخازن ٣/ ١٠١.
فكأنه كذَّب جميع الأنبياء؛ لأنهم مبعوثون بدين واحد، ولا يجوز التفريق بينهم بالتصديق، فعلى هذا يحسن وصفهم بتكذيب المرسلين (١).
٨١ - قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا﴾ قال ابن عباس: يريد الناقة، فكأن في الناقة آيات؛ لخروجها من الصخرة، ودُنُوِّ نِتَاجِها عند خروجها، وعِظَم خلقها؛ حتى لم تشبها ناقة أخرى، وكثرة لبنها؛ حتى كان يكفيهم جميعًا، إلى غير ذلك مما فيها من الآيات (٢)، وأضاف الإيتاء إليهم وإن كانت الناقة آية لصالح؛ لأنها آيات رسولهم، فلو صدقوا بها كانت آيات لهم على من خالفهم.
٨٢ - وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ قد ذكرنا نحتهم للجبال في سورة الأعراف (٣).
وقوله تعالى: ﴿آمِنِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد من عذاب الله (٤)، وقال الفراء وابن قتيبة: آمنين أن يقع عليهم (٥).
(١) انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٩، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن عطية ٨/ ٣٤٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١١، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٤٦، وابن كثير ٢/ ٦١٢، والبقاعي ٤/ ٢٣٣، وأبي السعود ٥/ ٨٧، صديق خان ٧/ ١٩١.
(٢) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١١، و"تنوير المقباس" ص٢٨٠، وورد غير منسوب في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ ب، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٩، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٣، والخازن ٣/ ١٠١.
(٣) آية: [٧٤].
(٤) "تنوير المقباس" ص ٢٨٠، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤، والماوردي ٣/ ١٦٩، والطوسي ٦/ ٣٥١، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٣.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩١ بمعناه، "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٤١ بلفظه.
٨٤ - وقوله تعالى: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ﴾ أي ما دفع عنهم الضر، ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد من الأموال والأنعام والثمار (١).
وقال الكلبي: ما كانوا يعملون (٢).
قال المفسرون: أي من أعمالهم القبيحة (٣).
٨٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ قال ابن عباس: يريد الثواب والعقاب، وقال في قوله: ﴿مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [يونس: ٥] يريد بالعدل والثواب والعقاب، يفسر ذلك العدل الذي ذكره. قال أهل المعاني: يعني أن الأمم التي ذكرها كفروا بالله وكذبوا رسله فأهلكهم؛ لأنه خلق السموات والأرض بالحق، أي بالعدل، وهو أن يثيب المصدق ويعذب المكذب (٤).
ثم قال لنبيه: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ﴾ قال ابن عباس: يريد عن المشركين. ﴿الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾، قال الكلبي: يقول أعرض إعراضًا جميلًا بغير فحش ولا جزع (٥)، كأنه يقول: إن القيامة تأتي فَيُجازَوْنَ بقبيح أعمالهم فاصفح الآن.
(١) ورد غير منسوب في: "تفسير الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٣، وابن كثير ٢/ ٦١٢، وصديق خان ٧/ ١٩٢.
(٢) "تنوير المقباس" ص ٢٨٠ بنحوه.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٥١، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٩، والخازن ٣/ ١٠١، وصديق خان ٧/ ١٩٢.
(٤) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٢، والخازن ٣/ ١٠١، والبقاعي ٤/ ٢٣٤.
(٥) "تنوير المقباس" ص ٢٨٠ بنصه، وورد بنحوه وبمعناه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٦، والبقاعي ٤/ ٢٣٤، وأبي السعود ٥/ ٨٨.
644
قال المفسرون: والصفح منسوخ بآية السيف (١).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ب، والطبري ١٤/ ٥١ عن قتادة والضحاك ومجاهد وسفيان بن عيينة، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٤٨٢ عن ابن عباس وقتادة، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٧، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٤، والثعلبي ٢/ ١٥٠ ب، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص ٣٢٩ عن قتادة، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧٠، والطوسي ٦/ ٣٥٢، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٠، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن عطية ٨/ ٣٤٩، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ١٨٤ عن مجاهد وقتادة، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٤، وابن كثير ٢/ ٦١٢، ذكر القائلون بالنسخ في هذه الآية، أنها نُسخت بآيات السيف والقتال وبراءة. ودعوى النسخ بآية السيف -كما مرّ في الدراسة- قد توسع فيها المفسرون، فنسخوا بها كثيرًا من الآيات التي تظهر سماحة الإسلام، ومداراة أهل الكفر والنفاق، والحث على الصبر وتحمل الأذى عند الضعف، ومن ذلك هذه الآية، وفي دعوى نسخها نظر؛ لعدم ثبوته عن الصحابة بطريق صحيح، فلم يَنسبه إلا النحاس إلى ابن عباس، ومع كونه من المبالغين في دعاوى النسخ -كما قال الزرقاني- فقد أورد الخبر بصيغة التمريض، ويؤيد القول ببطلان دعوى النسخ في هذه الآية، أنه لا تعارض بين الدعوة إلى الصفح الجميل والقتال -كما قال الجمل- لأن مورد الآيتين مختلف، فالمسالمة مطلوبة عند الضعف، والمسايفة مطلوبة عند القوة، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدماً، فانتفاء الحكم لانتفاء علته لا يعد نسخاً، بل حتى مع توفر القوة فإن العفو عند المقدرة والصفح الجميل مع الأعداء خُلق محمود، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح مع كفار قريش، ولهذا أنكر الفخر الرازي النسخ في هذه الآية، وقال: وقيل هو منسوخ بآية السيف، وهو بعيد؛ لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخاً؟! انظر: "البرهان في علوم القرآن" ٢/ ٤٠ - ٤٣، "تفسير الفخر الرازي" ١٩١/ ٢٠٦، "حاشية الجمل على الجلالين" ٢/ ٥٥٣، "مناهل العرفان" ٢/ ١٥٠.
645
٨٦ - ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ (قال ابن عباس: يريد العلم) (١) بما خلق (٢).
٨٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ الآية. اختلفوا في السبع المثاني ما هي؟ فأكثر أهل التفسير والأثر أنها فاتحة الكتاب (٣)، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة (٤) والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير والربيع والكلبي وقتادة (٥)، وروي ذلك
(١) ما بين القوسين ساقط من (ش)، (ع).
(٢) ورد هذا المعنى غير منسوب في "تفسير البيضاوي" ٣/ ١٧٣، والخازن ٣/ ١٠١، وأبي السعود ٥/ ٨٨.
(٣) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ ب، وهود الهواري ٢/ ٣٥٥، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤.
(٤) أخرجه بلفظه: عبد الرزاق ٢/ ٣٥٠ عن أبي هريرة، والطبري ١٤/ ٥٥ عن علي وابن مسعود بعدة روايات، والدارقطني ١/ ٣١٣ عن علي، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٨ عن علي وأبي هريرة، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤ عن علي وابن مسعود، والثعلبي ٢/ ١٥٠ ب عنهم، والطوسي ٦/ ٣٥٣ عن ابن مسعود، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٥ وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن عمر، وزاد نسبته -كذلك- إلى الفريابي وسعيد بن منصور وابن الضريس وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي، وزاد نسبته -كذلك- إلى ابن الضريس وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود، وزاد نسبته -كذلك- إلى ابن الضريس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٤٩ بلفظه عن قتادة، والطبري ١٤/ ٥٦ عنهم ماعدا الضحاك والكلبي، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٨ عن مجاهد وقتادة، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠ ب بلفظه عنهم ماعدا قتادة، والماوردي ٣/ ١٧٠ عن الربيع وأبي العالية والحسن، والطوسي ٦/ ٣٥٣ عن الحسن، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٠ عن الحسن وسعيد وقتادة، وابن عطية ٨/ ٣٥٠ عن الحسن، وابن الجوزي ٤/ ٤١٣ عن الحسن وسعيد ومجاهد وقتادة، الفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧ =
646
مرفوعًا أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قرأ الفاتحة فقال: "هي السبع المثاني" (١) رواه أبو هريرة، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء وسعيد بن جبير (٢)، واختيار الفراء (٣) والزجاج (٤)، وعلى هذا سميت الفاتحة السبع المثاني لأنها (٥) سبع آيات، وهي تُثَنى في كل صلاة؛ تقرأ في كل ركعة، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والربيع (٦).
= عنهم ماعدا الربيع والكلبي، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٤ عن الحسن وأبي العالية والربيع، الخازن ٣/ ١٠١ عن الحسن وسعيد ومجاهد وقتادة، وابن كثير ٢/ ٦١٣ عن الحسن ومجاهد وقتادة، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٦ وعزاه إلى ابن الضريس عن مجاهد، وزاد نسبته إلى ابن الضريس عن قتادة، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي العالية.
(١) أخرجه البخاري (٤٧٠٤) كتاب: التفسير، باب: الحجر بنصه، وأبو داود (١٤٥٧) كتاب: الوتر، باب: فاتحة الكتاب بنحوه، والنسائي: كتاب: الافتتاح، باب: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني بنحوه، والطبري ١٤/ ٥٨ بنصه بعدة روايات، والدارقطني: كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ١/ ٣١٢ بنحوه، والحاكم: كتاب: التفسير، باب: الحجر (٢/ ٣٥٤) بنحوه، وقال على شرط مسلم، والشعبي ٢/ ١٥٠ ب. بنصه.
(٢) أخرجه الطبري ١٤/ ٥٦ بنحوه وبروايتين، من طريق الحجاج عن ابن جريج عن سعيد (صحيحة)، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٥٠، وابن الجوزي ٤/ ٤١٣، والخازن ٣/ ١٠١، وابن كثير ٢/ ٦١٣، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٧ ونسبه إلى ابن مردويه من طريق سعيد.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥.
(٥) في (أ)، (د): (أنها) والمثبت من (ش)، (ع).
(٦) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١أ، بنصه عنهم، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤ عن قتادة، والطوسي ٦/ ٣٥٣، عن الحسن، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٠ عنهم ماعدا الربيع، وابن الجوزي ٤/ ٤١٣ عن ابن عباس، الخازن ٣/ ١٠٢ عنهم ماعدا =
647
وقال أبو إسحاق: لأنه يثنى بها في كل ركعة مع ما يقرأ من القرآن (١)، قال أبو الهيثم أي يجعل اثنين، من قولك: ثَنَيْتُ الشيء ثنيًا؛ أي: عطفته أو ضممت إليه آخر (٢)، ومنه يقال لركبتي الدابة ومرفقيه: مثاني؛ لأنها تثنى بالفخذ والعضد (٣)، قال امرؤ القيس:
ويَخْدِي على صُمٍّ صِلاَبٍ مَلاَطِسٍ شَدِيداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثَانِي (٤)
ومثاني الوادي مجانبُه ومعاطفُه (٥)، فالفاتحة وآياتها مثاني؛ لأنها تُثَنَّى في كل صلاة بإعادتها في كل ركعة على قول الأكثرين، وعلى ما قال الزجاج: تثنى بغيرها مما يقرأ معها (٦)، (وقال بعض أهل المعاني: آيات
= الربيع، وابن كثير ٢/ ٦١٣ عن قتادة، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٦ وزاد نسبته إلى البيهقي في الشعب عن ابن عباس [لم أقف عليه]، وزاد نسبته -أيضاً- إلى ابن الضريس عن قتادة.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥ بنصه.
(٢) لم أقف عليه منسوبًا إليه.
وانظر: (ني) في: "الصحاح" ٦/ ٢٢٩٤، "اللسان" ١/ ٥١١، "عمدة الحفاظ" ١/ ٣٣٣.
(٣) ورد في "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧ بنحوه.
(٤) "ديوانه" ص ١٦٦، وفيه: (وَيرْدي) بدل (ويَخدي)، (عفر) بدل (عقد)، و (مثان) بدون ياء.
وورد في: "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧، "اللسان" (ثنى) ١/ ٥١٦. (ويخدي) من الوخدان، وهو ضرب من السير، (صم صلاب) حوافر صلبة مصمتة، (ملاطس) معاول، شبههما بها لأنها تكسر ما تقع عليه من حجر وغيره، (شديدات عقد): يريد أن حوافره شديدات عقد الأرساغ، (المثاني) المفاصل.
(٥) ورد في "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧ بنصه.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥ بنحوه.
648
الفاتحة سميت مثاني؛ لأنها) (١) قُسِمَتْ قِسْمَيْن اثنين (٢)؛ بيانه ما رُوي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-قال: "يقول الله تعالى: قَسَمْتُ الصلاةَ بَيْنِي وبينَ عَبْدي نِصْفَيْنِ.. " الحديث مشهور (٣).
وقال بعضهم: هي مثاني؛ لأنها قسمان اثنان؛ ثناء ودعاء (٤)، وهذا كالقول الأول؛ لأن الذي روي في الخبر أن الله تعالى يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي..) (٥) معناه هذا، وهو أن المصلي يقرأ الفاتحة ونصفها حق الربوبية من الثناء على الله، ونصفها حظ العبودية من الدعاء والسؤال، وقال الحسين بن الفضل: سميت مثاني؛ لأنها نزلت مرتين اثنتين؛ مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن، ومرة بالمدينة (٦).
(١) ما بين القوسين من (ش)، (ع) وساقط من (أ)، (د).
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١ أبنحوه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٣، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧.
(٣) أخرجه بنصه: مالك في الموطأ [شرح الزرقاني] كتاب: الصلاة، باب: القراءة خلف الإمام ١/ ١٧٥، وأحمد ٢/ ٢٨٥، ومسلم (٣٩٥): كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة عن أبي هريرة، أبو داود (٨٢١) كتاب: الصلاة، باب: من ترك قراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، والترمذي (٢٩٥٣) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومِنْ سورة فاتحة الكتاب، النسائي: كتاب الصلاة، باب: ترك قراءة البسملة في الفاتحة.
(٤) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١ب بنصه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩١، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧، والخازن ٣/ ١٠٢.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د) والمثبت من (ش)، (ع).
(٦) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١ب بنصه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩١، وابن الجوزي ٤/ ٤١٤، والخازن ٣/ ١٠٢، الفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧ بلا نسبة. والقول بنزولها مرتين انفرد به الحسين بن الفضل ولم أقف عليه منسوبًا إلى غيره، والذين ذكروه - بلا نسبة -أوردوه بصيغة التمريض- كما في "تفسير البغوي" ١/ ٤٩، وابن كثير =
649
قال أبو إسحاق: ويجوز -والله أعلم- أن يكون من المثاني: أي مما أُثني به على الله؛ لأن فيها حَمْدَ الله وتوحيدَه، وذِكرَ ملائكته يوم الدين (١)، المعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يُثْنَى بها على الله (٢)، وقيل سميت آيات الفاتحة مثاني؛ لأن كلماتها مُثَنَّاة؛ مثل الرحمن الرحيم، إيّاك وإيّاك، الصراط وصراط، عليهم وعليهم (٣)، وفي قراءة عمر: وغير وغير (٤)، وهذه الآية على هذا القول تدل على فضيلة الفاتحة؛ لأن الله
= ١/ ١٠ وغيرهما- وقد نقل عنه ما يخالف ما انفرد به، ففي أسباب النزول للواحدي (ص ٢٢) قال: وعند مجاهد أن الفاتحة مدنية، قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد لأنه تفرّد بهذا القول والعلماء على خلافه. والصحيح أن مجاهد لم ينفرد بالقول أنها مدنية، بل روي -كذلك- عن أبي هريرة وعطاء بن يسار والزهري. "تفسير ابن الجوزي" ١/ ١٠، "تفسير القرطبي"١٠/ ١١٥، وابن كثير ١/ ١٠ ولعل الحسين رجع عن القول بأنها نزلت مرتين إلى ما ذهب إليه أكثر المفسرين أنها نزلت بمكة. وهذا هو الراجح لأمرين: أن سورة الحجر مكية بالإجماع، وورد فيها هذه الآية، وما كان الله ليمتنّ على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة. أن الصلاة فرضت بمكة، وما حفظ أنه كان في الإسلام قط صلاة بغير الفاتحة - كما قال (: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) ولا يصح القول أنه النبى -صلى الله عليه وسلم- أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة، فهذا مما لا تقبله العقول. انظر: "أسباب النزول" للواحدي ص ٢١.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥ بنصه.
(٢) "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧ بنصه.
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١ ب، بنصه، وذكره الطبري ١٤/ ٦٠ مختصرًا، ونسبه إلى أهل العربية وضعفه، وأورده الماوردي ٣/ ١٧٠ مختصرًا، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٤، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧، والخازن ٣/ ١٠٢.
(٤) بَيَّنَ ذلك الفخر الرازي ١٩/ ٢٠٧ فقال وفي قراءة عمر: (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) ولم أقف علي هذه القراءة، ولو ثبتت عنه فهي شاذة، ولعلى من قبيل التفسير.
650
تعالى امتن على رسوله بهذه السورة كما امتن عليه بجميع القرآن، فأما دخول (مِنْ) قال أبو إسحاق: فهي على ضربين تكون للتبعيض من القرآن؛ أي: ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يُثْنَى بها على الله، وآتيناك القرآن النبي، قال: ويجوز (من) للصفة، والمعنى آتيناك سبعًا، هي المثاني كما قال: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] المعنى: اجتنبوا الأوثان، لا أنَّ بعضها رِجْسٌ (١).
وقال ابن عباس في رواية مجاهد وسعيد بن جبير: المثاني السبع الطوال (٢)، وهذا قول ابن عمر وسعيد بن جبير في بعض الروايات ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح، وهي سبع سور من أول القرآن؛ البقرة وآل عمران
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٥ بتصرف يسير.
(٢) أخرجه أبو داود (٧٨٦) كتاب: الصلاة، باب من جهر بها، بنحوه من طريق سعيد، والنسائي: الافتتاح، ولقد آتيناك سبعًا من المثاني ٢/ ١٤٠ بنصه من طريق سعيد، والطبري ١٤/ ٥٢، ٥٣ بلفظه بعدة روايات من الطريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٨ من طريق مجاهد.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (١١/) بنصه من طريق مجاهد، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤ من طريق مجاهد.
وأخرجه الحاكم: كتاب: التفسير، الحجر ٢/ ٣٥٥ بنحوه من طريق سعيد، وقال على شرط الشيخين، والثعلبي ٢/ ١٥١ ب، بلفظه من الطريقين، وورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧٠، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩١ من طريق سعيد، وابن عطية ٨/ ٣٥٠، وابن الجوزي ٤/ ٤١٤، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥ من طريق سعيد، والخازن ٣/ ١٠٢، وابن كثير ٢/ ٦١٣، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٦ - ١٩٧ وزاد نسبته إلى الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس، وزاد نسبته -كذلك- إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي من طريق سعيد.
651
والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة معًا (١) وهذه السور سميت مثاني لأن الفرائض والحدود والأمثال والعبر والأخبار ثُنِّيت فيها، قاله ابن عباس (٢)، وأنكر الربيع هذا القول، فقال: لا أدري كيف يكون هذا القول وهذه الآية نزلت بمكة ولم ينزل من الطِّوَل شيء (٣) وقال من نَصَّ (٤) هذا القول: إن الله تعالى أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا وحكم بإنزاله عليه، فهو من جملة ما آتاه وإن لم ينزل عليه بعد (٥).
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٥٢ عن سعيد بن جبير، وانظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١ ب، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤، والماوردي ٣/ ١٧٠، وقد اختلف في السورة السابعة؛ فقيل: إنها التوبة والأنفال معًا، وقيل: إنها سورة يونس، وهذان القولان مشهوران، لكنهما لا يسلمان من الاعتراض؛ أما الأول: فلأن كلًّا من الأنفال والتوبة سورة قائمة بذاتها فعدهما سورة واحدة خلاف المعقول، وعدهما سورتين -كما هما- يجعل الطوال ثمانية لا سبعًا، وأما القول الثاني: فيعارض بأن سورة يونس يشبهها سور كثيرة في الطول، بل منها ما هو أطول منها كالنحل، لذلك فالأرجح أن السورة السابعة هي سورة التوبة منفردة أفادني به الدكتور فضل عباس، وقد أشار قبله السخاوي إلى احتمال أنها التوبة - دون مناقشة. انظر: "جمال القُراء" ١/ ٣٤، "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٢٤٤، "الإتقان في علوم القرآن" ١/ ٢٠١، "مناهل العرفان" ١/ ٣٤٥، "المدخل لدراسة القرآن الكريم" ص ٣٢٨، "إتقان البرهان" لفضل عباس ١/ ٤٤٨.
(٢) ورد في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧١، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٤، الخازن ٣/ ١٠٢، وورد بلا نسبة في: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٨، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥.
(٣) أخرجه الطبري ١٤/ ٥٥ بنحوه، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٨، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٦ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم والبيهقي في "الشعب" عن الربيع، وورد بلا نسبة في: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥، والخازن ٣/ ١٠٢.
(٤) هكذا وردت في جيمع النسخ بتشديد الصاد، ولعل مقصوده من نصّ على هذا القول؛ أي نصره.
(٥) "تفسير الفخر الرازى" ١٩/ ٢٠٨، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥، والخازن ٣/ ١٠٢.
652
وروي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: المثاني السور التي هي دون الطِّوَل والمئين، وفوق المُفَصَّل (١)، واختار أبو الهيثم هذا القول، قال: روي ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم عن ابن مسعود وعثمان وابن عباس (٢)، يدل على صحة هذا ما روى ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوارة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضلني ربي بالمفصل" (٣)، والقول في تسمية هذه السورة (٤) مثاني كالقول في تسمية الطول مثاني (٥).
(١) لم أقف عليهم.
(٢) ورد في "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٧ بنصه.
(٣) أخرجه أحمد ٤/ ١٠٧ بنصه، عن واثلة بن الأسقع، وأبو داود الطيالسي ص ١٣٦ بنحوه، وأخرجه "الطبري" ١/ ٤٤ بنصه، من طريقين عن أبي قلابة وعن واثلة، وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" ٢/ ١٥٤ بنحوه عن واثلة، وأخرجه الطبراني في "الكبير" ٢٢/ ٧٥ بنصه، من طريقين عن واثلة، وأخرجه الثعلبي ٢/ ١٥١ب بنصه، عن ثوبان، وأورده الزركشي في "البرهان" ١/ ٢٤٤، وقال هو حديث غريب -ولا يقصد الغرابة الاصطلاحية؛ لوروده من عدة طرق- قال: وفيه سعيد بن بشير لين، وأورده الهيثمي في "المجمع" ٧/ ٤٦ عن واثلة وعزاه إلى أحمد وقال فيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات، وأورده - كذلك ٧/ ١٥٨ عن أبي أمامة وعزاه إلى الطبراني، وقال: وفيه ليث بن أبي سليم وقد ضعفه جماعة ويعتبر بحديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقد ذكر أحمد شاكر أن رواية أبي قلابة مرسلة، وتوقف في رواية واثلة، والحديث ضعيف في كل طرقه، لكنه ضعف منجبر كما أشار الهيثمي، وقد حسن الألباني رواية أحمد؛ حيث تابع عمران، سعيد بن بشير، وقال: الحديث صحيح بمجموع طرقه. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (١٤٨٠).
(٤) أي سورة الفاتحة.
(٥) وهو قول ابن عباسٌ، وقد أنكره الربيع.
653
وقال ابن عباس في رواية عطية: القرآن كله مثاني (١) وهو قول طاوس (٢) وأبي مالك (٣)، ودليل هذا القول قوله تعالى: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣]، فَسمَّى القرآن كله مثاني، قال أبو عبيد (٤): وسُمِّي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص ثُنِّيت (٥) فيه (٦)، وعلى هذا القول المراد بالسبع، أقسام القرآن، وهي سبعة أسباع، فالقرآن سبعة أقسام (٧)، ويجوز
(١) أخرجه الطبري ١٤/ ٥٧ بنحوه من طريق العوفي (غير مرضية)، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أبلفظه، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢٠٩ عن ابن عباس وطاوس، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥.
(٢) انظر: المصادر السابقة، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٢، وابن الجوزي ٤/ ٤١٤، والخازن ٣/ ١٠٢.
(٣) انظر: المصادر السابقة، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٤.
(٤) في جميع النسخ أبو عبيدة، والمثبت هو الصحيح، وهو: أبو عبيد القاسم بن سلاَّم الهروي (ت ٢٢٤) صاحب الغريب.
(٥) في جميع النسخ: بُيِّنَتْ، والمثبت هو الصحيح.
(٦) غريب الحديث له ١/ ٤٤٣ بنصه، وانظر: "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٦ بنصه، ويبدو أنه اقتبسه من التهذيب للتطابق، وورد بلا نسبة في: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أ، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٢، الخازن ٣/ ١٠٢.
(٧) ورد بنحوه في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أ، والماوردي ٣/ ١٧١، انظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٢، وابن الجوزي ٤/ ٤١٥، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٥. وهذه الأقسام قد أشار إليها العلماء عند حديثهم عن نزول القرآن على سبعة أحرف، يقول أبو شامة: هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، أنزله الله على هذه الأصناف، لم يقتصره على صنف واحد منها كغيره من الكتب. وقد اختلف كثيرًا في ماهية هذه الأقسام، فذكر السيوطي نقلاً عن ابن النقيب عن ابن حبان سبع عشرة قولاً، وأشهر هذه الأقوال أنها تدور حول: الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحلال والحرام، والمحكم والمتشابه، والأمثال. انظر: "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٢١٦، "الإتقان في علوم القرآن" ١/ ٢٧٤ - ٢٧٧، "الأحرف السبعة" لعتر ص ١٣٧.
654
أن يكون المراد بالسبع الفاتحة؛ لأنها سبع آيات من القرآن الذي هو مثاني (١).
وقوله تعالى: ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ على هذا القول هوالسبع المثاني، إلا أنه أدخل الواو فيه لاختلاف اللفظين (٢)، كقوله (٣):
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمَام ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ
وقد ذكرنا نظائر هذا كثيرًا.
٨٨ - قوله تعالى: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ﴾ الآية. قال ابن عباس: نهى الله رسوله عن الرغبة في الدنيا، فحظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها (٤)، وقال في رواية عطاء: ولا تتمنّ ما فضلنا به أحدًا من متاع الدنيا، ولا يقع في قلبك حلاوتها ولا شيء من زينتهم (٥)، فدل هذا التفسير
(١) وهذا القول اختاره الطبري، وهو قول ابن عباس ومجاهد وطاوس وأبي مالك. "تفسير الطبري" ١٤/ ٥٧.
(٢) لعل توجيه الزمخشري أحسن؛ إذ قال: فإن قلت كيف صحّ عطف القرآن العظيم على السبع؟ وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه؟! قلت: إذا عُني بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن؛ لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل، ألا ترى إلى قوله: ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ يعني سورة يوسف، وإذا عَنَيْت الأسباع فالمعنى: ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم؛ أي الجامع لهذين النعتين؛ وهو الثناء أو التثنية والعظم. "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣١٩، وهناك توجيهات أخرى، انظرها في "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٦.
(٣) سبق عزوه.
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ٦١ بمعناه من طريق العوفي (غير مرضية)، وورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧٠ بنصه، وانظر: "تفسير ابن كثير" ٢/ ٦١٤، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٧ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٥) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٠.
655
على أن المراد بنهيه من مد العين نهيه عن التطلع إليه رغبة فيه، وإنما يكون مادًا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه، وإدامة النظر إلى الشيء يدل على استحسانه وتمنِّيه، ولهذا فسره ابن عباس بالنهي عن التمني، فكان -صلى الله عليه وسلم- لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا، حتى رُوي أنه نظر إلى نَعَم بني المُصْطَلِق (١) وقد عَبِست في أبوالها وأبعارها، (فَتَقَنَّع بثوبه وقرأ هذه الآية) (٢)، قال أهل المعاني: وذلك أن يجف أبعارُها وأبوالُها على أفخاذها إذا نزلت من العمل أيام الربيع، فيكثر شحومُها ولحومُها وهي أحسن ما تكون (٣).
وقوله تعالى: ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ قال الزجاج: أي أمثالًا في النِّعَم (٤)، يعني أن الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى والنعمة فهي أزواج، وقال ابن قتيبة: أي أصنافًا منهم (٥)، والزوج في اللغة الصنف (٦)، وقد ذكرنا
(١) قبيلة بني المصطلق بطن من خزاعة، من القحطانية، وهم بنو المصطلق، واسمه جَذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة، وقد غزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في شعبان سنة ست من الهجرة، ولقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، فهزمهم الله، وقُتل من قُتل، ونفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبنائهم ونسائهم وأموالهم، فأفائهم عليه. انظر: "الروض الأنف" ٤/ ٦، "معجم قبائل العرب" ٣/ ١١٠٤.
(٢) ورد في: "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٣٨٠ بنحوه، و"تهذيب اللغة" (عبس) ٣/ ٢٣٠٧ بنصه، وانظر: "النهاية" لابن الأثير ٣/ ١٧١، "الدر المنثور" ٤/ ١٩٧ وزاد نسبته إلى ابن المنذر، "تفسير الألوسي" ١٤/ ٨١.
(٣) ورد بنحوه في: غريب الحديث ١/ ٣٨٠، و"تهذيب اللغة" (عبس) ٧/ ٢٣٠٣، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٠ بنصه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٦ بنصه.
(٥) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٤١ بلفظه.
(٦) انظر: (زوج) في: "المحكم" ٧/ ٣٦٥، و"اللسان" ٣/ ١٨٨٦.
656
ذلك؛ يعني أصناف الكفار من المشركين واليهود وغيرهم، وقال المفضل: ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أي رجالا ونساءً أغنيناهم، فلا تمدنّ عينيك إلى ما أعطيناهم (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس: يريد على ما فاتك من الدنيا، قال أهل المعاني: معناه: لا تحزن لما أنعمت عليهم دونك، وقال الحسن: لا تحزن عليهم بما يصيرون إليه من العذاب بكفرهم (٢)، ونحو هذا قال الكلبي: لا تحزن على كفار قريش إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب (٣)، ثم نزل يوم بدر.
وقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخفض معناه في اللغة: نقيض الرفع، ومنه قوله تعالى في صفة القيامة: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ [الواقعة: ٣] أي: أنها تخفض أهلَ المعاصي وترفع أهلَ الطاعة (٤)، فالخفض معناه الوضع، والجناح من الإنسان يده، قال الليث: يد الإنسان جناحاه (٥)، ومنه قوله: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] والعرب تقول: فلان خافض الجناح، وخافض الطير، إذا كان وقورًا ساكنًا (٦) ومعنى الآية: كأنه يقول لِن واسْكُنْ لهم.
(١) لم أقف عليه.
(٢) ورد بنحوه غير منسوب في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٧.
(٣) انظر: تفسيره "الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧٠ بنصه، وورد بنحوه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٦.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" "خفض" ١/ ١٠٦٦ بنصه.
(٥) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١١.
(٦) ورد في "تهذيب اللغة" (خفض) ١/ ١٠٦٦ بنصه، وانظر: "تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٧.
657
قال ابن عباس: يقول: ألِن لهم الموعظة وارفق بهم ولا تغلظ عليهم (١).
وقال الزجاج: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾: ألِن جانبك (٢)، ونحوه قال المفضل (٣)، فعلى هذا جناح الإنسان جانبه، ومنه قوله: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ [طه: ٢٢] والعرب تقول: فلان لين الجانب، إذا كان سهل الخلق منبسطًا، كما تقول في ضده: فلان منيع الجانب، ومنه قوله: ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [فصلت: ٥١]
٨٩ - قوله تعالى: ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد أُنذركم سطواتِ اللهِ وسخطه وعذابه، وأبين لكم ما يقربكم إلى الله ويبعدكم من الله.
٩٠ - ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ اختلفوا في المقتسمين من هم؟ فقال ابن عباس في رواية عطاء: هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والإيمان به، وهم ما بين ثمانية وثلاثين إلى الأربعين (٤)، وقال مقاتل بن سليمان: كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عِقابَ (٥) مكة وطرقها، يقولون لمن سلكها: لا تغتروا
(١) انظر: تفسيره "الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧٠ بنحوه، وابن الجوزي ٤/ ٤١٦، و"تنوير المقباس" ص ٢٨١ بنحوه، وورد بنحوه غير منسوب في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٩ أ، والطبري ١٤/ ٦١، والثعلبى ٢/ ١٥٢ أ.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٦ بلفظه.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١١.
(٥) العَقَبَة: طريق وعر في الجبل، والجمع عَقَب وعِقاب. انظر: (عقب) في "جمهرة اللغة" ١/ ٣٦٤، "المحيط في اللغة" ١/ ١٩٧.
658
بالخارج منا والمدعي النبوة فإنه مجنون، فكانوا يُنَفّرون النُزَّاعَ إليه بأنه ساحر وأنه كاهن وأنه شاعر (١)، وهذا القول اختيار الفراء قال: سُمُّوا مقتسمين لأنهم اقتسموا طُرُقَ مكة (٢)، فأنزل الله بهم جَرَبًا فماتوا شر ميتة، وقال في معنى الآية: يقول: أنذرتكم ما نزل بالمقتسمين، قال صاحب النظم المعنى: إني أنذرتكم ما أنزلناه على المقتسمين (٣)، وتكون الكاف زائدة؛ وزيادة الكاف قد توجد في مواضع من الكلام (٤)؛ كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، وقول رُؤبة:
لَوَاحِقُ الأقْرَابِ فيها كالمَقَقْ (٥)
قال النحويون: الكاف التي هي حرف جار قد تكون زائدة مؤكدة
(١) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٩ أ، بنحوه، وانظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أ، بنحوه، وورد بنحوه غير منسوب في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩١، ومعظم الذين ذكروا هذا القول نسبوه للفراء، ومقاتل سابق للفراء.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٢ بنصه.
(٣) وهو كقول الفراء؛ قال: يقول أنذرتكم ما أُنزل بالمقتسمين ٢/ ٩١.
(٤) انظر: التعليق على القول بالزيادة في القرآن، عند الآية [١٠] من سورة إبراهيم.
(٥) "ديوانه" ص ١٠٦، وورد في: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٩٥، "شرح ابن عقيل" ٣/ ٢٦، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٧٦٤، و"الخزانة" ١/ ٨٩، وبلا نسبة في "المقتضب" ٤/ ٤١٨، و"المسائل البغداديات" ص ٤٠٠، و"الإنصاف" ص ٢٥٧، "شرح الأشموني" ٢/ ٤٠٩، (اللواحق) جمع لاحقة، وهي الهزيلة الضامرة، (الأقراب) جمع قُرْب؛ وهي الخاصرة، (المقق) هو الطُّولُ، وقيل الطول الفاحش في دقة، والمعنى: هذه الخيول أو الأُتن خماص البطون، قد أصابها الهزال وضمرت بطونها مع ما بها من طول فاحش.
والشاهد: (كالمقق) حيث جاءت الكاف زائدة، لا تدل على معنى التشبيه، إذ المقق: الطول، ولا يقال في الشيء كالطُّول، وإنما يقال: فيه طُول. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٩٢، "الانتصاف من الإنصاف" بهامشه ١/ ٣٠٠.
659
بمنزلة الباء في خبر ليس (١)، وذكر صاحب النظم وجهًا آخر، هو أن يكون التأويل: ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾: عذابًا ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾، وعلى هذا: المفعول محذوف وهو المشبه، ودل عليه المشبه به، وهذا كما تقول في الكلام: رأيت كالقمر في الحُسْنِ (٢)، أي: رجلاً، وما تريد (٣). وقال ابن عباس في رواية أبي ظبيان: (المقتسمين) هم اليهود والنصارى (٤).
واختلفوا لم سُمّوا مقتسمين؟ قال ابن عباس في هذه الرواية: لأنهم جعلوا القرآن عضين؛ آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وقال عكرمة: لأنهم اقتسموا القرآن استهزاءً به، فقال بعضهم سورة كذا لي، وقال بعضهم سورة كذا لي (٥).
(١) انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٩١ بنصه، "المقتضب" ٤/ ٤١٨، "شرح ابن عقيل" ٣/ ٢٦.
(٢) نقل الفخر الرازي قول صاحب النظم وتوضيح الواحدي له بنصه دون عزو. "تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٢.
(٣) يقصد تقديره: رجلاً أو ما تريد أن تقدّره.
(٤) أخرجه البخاري (٤٧٠٥) التفسير، كتاب: الحجر، باب: قوله تعالى ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ بنصه، والطبري ١٤/ ٦١ بنصه، وورد بنصه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٣، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٦، والثعلبي ٢/ ١٥٢ أ، والماوردي ٣/ ١٧٢، والطوسي ٦/ ٣٥٤، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٣، وابن عطية ٨/ ٣٥٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٧، والفخر الرازي ١٩/ ٢١٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٨، والخازن ٣/ ١٠٣.
(٥) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٦٢ بنحوه، ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أ، بنحوه، والماوردي ٣/ ١٧٢ بنحوه، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٥٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٧، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٨، والخازن ٣/ ١٠٣.
660
وقال مجاهد: لأنهم قسموا كتابهم فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه (١).
وقال مقاتل بن حيان: أقتسموا القرآن؛ فقال بعضهم: سحر (وقال بعضهم: شعر) (٢) وقال بعضهم: كذب، وقال بعضهم: أساطير الأولين (٣).
وقال ابن زيد: المقتسمون هم قوم صالح تقاسموا، من القَسَم لا من القِسْمة (٤)، ونحوًا من هذا قال ابن قتيبة؛ جعل المقتسمين: الذين تحالفوا على تكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم-وأن يذيعوا ذلك [بـ] (٥) كل طريق (٦)، كما ذكرنا في القول الأول (٧).
(١) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٦٣ بنحوه، ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥ لكنه قال: فرقوا القرآن، والصحيح كما في كل الروايات فرقوا كتبهم، والثعلبي ٢/ ١٥٢أبمعناه، والماوردي ٣/ ١٧٢ بمعناه، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٥٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٧، والخازن ٣/ ١٠٣.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أبنصه، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٢ بنصه.
(٤) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٦٣ بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ أبنحوه، والماوردي ٣/ ١٧٢ بمعناه، والطوسي ٦/ ٣٥٤ بمعناه، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٥٥، وابن الجوزي ٤/ ٤١٨، والفخر الرازي ١٩/ ٢١٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٨، وابن كثير ٢/ ٦١٤.
(٥) إضافة يقتضيها السياق؛ كما في المصدر.
(٦) "الغريب" لابن قتيبة ص ٢٤١ بنصه.
(٧) وقد لخّص الطبري الأقوال الواردة في المقتسمين، فقال: هم قوم صالح أو أهل الكتاب أو كفار قريش، ثم ذكر أن النص محتمل لأي من الفرق الثلاث ما دام أنه لم يخصص، فوجب حمله على كل من اقتسم كتابًا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٦٣ - ٦٤
661
٩١ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾، ﴿الَّذِينَ﴾ من صفة المقتسمين، إلا على قول ابن زيد، فإنه يكون ابتداءً وخبره في (لنسألنهم)، وذكر أهل اللغة في واحد عضين قولين، أحدهما: أن واحدها عِضَة؛ مثل: عزة ونزة وثبة، وأصلها عِضْوة من: عضَّيتُ الشيء، إذا فرَّقته (١)، وكل قطعة عضة، وهي مما نقص منها واوٌ؛ وهي لام الفعل -مثل قِلَة وعِزَة- وبابها، والتعضية التجزئة والتفريق، ورواه أبو ظبيان عن ابن عباس في عضين ما ذكرناه في المقتسمين، ويقال: عضيت الشاة والجزور تعضية، إذا جعلتها أعضاءً وقسمتها.
وفي الحديث: "لا تَعْضية في ميراثٍ إلا فيما حمل القَسْمَ" (٢) أي: لا تجزئة فيما [لا]، (٣) يحتمل القَسْم؛ كالجوهرة والسيف وغيرهما، وهذا معنى قول المفسرين وأكثر أهل المعاني؛ قال ابن عباس في قوله: {جَعَلُوا
(١) انظر: (عضه) في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٧٧، "الصحاح" ٦/ ٢٢٤١، "عمدة الحفاظ" ٣/ ١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ ب.
(٢) أخرجه الدارقطني كتاب: الأقضية والأحكام، باب: المرأة تقتل إذا ارتدت ٤/ ٢١٩ بنحوه بروايتين عن أبي بكر، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب: آداب القاضي، باب: مالا يحتمل القسمة ١٠/ ١٣٣ بنحوه بروايتين، وورد في "النهاية" ٣/ ٢٥٦، و"الكنز" ١١/ ٩، والحديث ضعيف كما قال الشافعي: قال ولا يكون مثل هذا الحديث حجة لأنه ضعيف، وهو قول من لقينا من فقهائنا، وقال البيهقي: وإنما ضعفه لانقطاعه، وهو قول الكافة، وعلة أخرى أن الحديث يدور على صديق بن موسى، وهو ليس بحجة كما في "الميزان" ٣/ ٢٨، وقد أشار إلى ذلك الآبادي في ذيل "سنن الدارقطني" ٤/ ٢١٩.
(٣) في جميع النسخ بدوك (لا)، ولا يستقيم المعنى إلا بها؛ لأن المراد النهي عن تفريق ما يكون تفريقه ضررًا علي الورثة؛ كأن تقسم جوهرة نفيسة أو ثوب نفيس فتنقص بذلك قيمته.
662
الْقُرْآنَ عِضِينَ} يريد جَزَّؤُوهُ أجْزاءً، فقالوا: سحر، وقالوا: أساطير الأولمِن، وقالوا: مفترى (١)، وهذا قول قتادة واختيار الزجاج (٢) وأبي العباس (٣) وأبي عبيدة (٤)، ولكون المعنى على هذا: جعلوا القول في القرآن عضين حين اختلفت أقوالهم وتفرقت في وصف القرآن.
القول الثاني: أنها عِضَة، وأصلها عِضْهة، فاستثقلوا الجمعَ بين هاءين، فقالوا: عِضَة؛ كما قالوا: شَفَة والأصل شَفْهة (٥)، بدليل قولك: شافهت مشافهة، وسَنَة وأصلها سَنْهة في أحد القولين (٦)، وعلى هذا؛ الهاء
(١) أخرجه البخاري (٤٧٠٥) كتاب: التفسير، باب: الحجر بنحوه عن ابن عباس، والطبري ١٤/ ٦٤ - ٦٦ عنهما بنحوه، وورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥ عنهما، والحاكم: كتاب: التفسير، باب: الحجر ٢/ ٣٥٥ بنحوه، والماوردي ٣/ ١٧٣ عن ابن عباس، والطوسي ٦/ ٣٥٤ عن قتادة، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٨ عنهما، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٩، والخازن ٣/ ١٠٣، وابن كثير ٢/ ٦١٤، و"تنوير المقباس" ص ٢٨١، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٨ وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق، عن ابن عباس.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٦ بنحوه، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٩.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٥ بمعناه.
(٥) انظر: (عضة) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٧٨، مجمل اللغة ٢/ ٦٧٣، "الصحاح" ٦/ ٢٢٤١، "شرح الفصيح" للزمخشري ٢/ ٦١١، "عمدة الحفاظ" ٣/ ١١١، "تفسير الطبري" ١٤/ ٦٥، الثعلبي ٢/ ١٥٢ب.
(٦) ذكر أبو علي الفارسي أن لام الكلمة المحذوفة يجوز أن تكون واوًا أو هاءً، لقولهم في (سنة) (أسْنَتُوا) -أجدبوا- ومنها؛ (سنوات)، أصلها واو، وفي قولهم: (ساناه) -عامله بالسنة- ومنها: (نخلة سَنْهاء) -أصابتها السنة- أصلها هاء، وقولهم في (عضه): (عِضوات) أصلها واو، وفي قولهم: (عِضاه، وبعير عاضه، وناقة =
663
لام وهي من العضة بمعنى الكذب، ومنه الحديث: "إيَّاكم والعِضَة" (١).
وقال ابن السكيت: العَضِيْةُ أن يَعْضِه الإنسانَ ولقول فيه ما ليس فيه (٢)، وهذا معنى قول عكرمة واختيار الكسائي (٣)، وقول الخليل فيما روى عنه الليث (٤). قال عكرمة: العضه السحر بلسان قريش، وهم يقولون للساحر: عاضِه (٥).
= عاضهة) أصلها هاء. انظر: "المسائل الحلبيات" ص ٣٤٥، "المسائل البغداديات" ص ١٥٨، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤١٨، "المحكم" (عضه) ١/ ٥٩.
(١) جزء من حديث طويل يتكون من عدة فقرات، كهجر المسلم، والصدق والكذب، وأحسن الكلام.. ، وقد أخرجه عبد الرزاق في المصنف: باب القدر ١١/ ١١٦ بنصه، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٩٨ بنصه، قال محقق "المعجم الكبير": (قال شيخ الإسلام في إقامة الدليل ص ٥٩: رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم بأسانيد جيدة إلى محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأحوص عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال.. فذكره، وهذا إسناد جيد، لكن المشهور أنه موقوف على ابن مسعود. وأفاد كذلك المحقق أن الألباني ضعفه - دون أن يذكر أين. وورد برواية: ألا أُنبِّئكم ما العَضْه؟ هي النميمةُ القالةُ بين الناس)، أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: تحريم النميمة.
(٢) إصلاح المنطق ص ٣٥٣ بنصه، وانظر: "تهذيب اللغة" (عضه) ٣/ ٢٤٧٧ بنصه، وفيهما: (العَضِيْهَةُ) بدل (العضية).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (عضه) ٣/ ٢٤٧٧، "تفسير ابن عطية" ٨/ ٣٥٦.
(٤) كتاب "العين" ١/ ٩٩ بمعناه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٥٠ بنصه، والطبري ١٤/ ٦٦ بنصه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٣، و"تهذيب اللغة" (عضه) ٣/ ٢٤٧٧ بنصه، و"تفسير الماوردي" ٣/ ١٧٣، وانظر: "تفسير الزمخشري" ٢/ ٣٢٠، وأبن عطية ٨/ ٣٥٧، وابن الجوزي ٤/ ٤١٩، وابن كثير ٢/ ٦١٤، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٨ وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.
664
وقال ابن الأعرابي: العضة والتُّوَلة (١) السحر (٢). وذكر الفراء القولين جميعًا في المصادر والمعاني (٣)، وعلى هذا القول معنى قوله: ﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ جعلوه سحرًا مفترى، وجمعت العضة جمع ما يعقل لِمَا لحقها من الحذف؛ فجعل الجمع بالواو والنون عوضًا مما لحقها من الحذف، وقد ذكرنا شرح هذا عند قوله: ﴿ثُبَاتٍ﴾ (٤) [النساء: ٧١] وفي جمع أرض (٥).
قال الفراء: ومن العرب من يجعلها بالياء على كل حال، ويعرب نونها فيقول: عِضِينُك، ومررت بعِضِينِك، وأنشد: (٦)
دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فإنَّ سِنينَه.... لَعِبْنَ بَنا شِيبًا وشيَّبْنَنَا مُرْدا (٧)
(١) التُّولة والتِّوَلة: شيءٌ يُشبه السحر، يُحببُ المرأة إلى زوجها. "المحيط في اللغة" (تول) ٩/ ٤٦٢.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٢ مختصرًا، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٣ نقلهما عن الواحدي بنصه بلا نسبة.
(٤) واحد الثُبات: ثُبَةٌ، انظر: " لغريب" لابن قتيبة ١/ ١٢٧، "تهذيب اللغة" (ثاب) ١/ ٤٦٥، "عمدة الحفاظ" ١/ ٣١٧.
(٥) لم أقف على الآية التي أشار أنه تعرض فيها لجمع أرض، وقد جمعت (أرضون)، والقياس يقتضي جمعها (أرضات) لأنها مؤنث، فلما حذفت الهاء -أي من أرضة- عوضوا عنها في الجمع بالواو والنون، فقالوا (أرضون) وفتحوا الراء في الجمع ليدخل الكلمة ضرب من التغيير تميزًا لها لمخالفة الأصل، وليعلم أن سبيلها لو جمعت بالتاء أن يفتح راؤها، فيقال: (أرَضات). انظر: "شرح المفصل" ٥/ ٥.
(٦) البيت للصمة بن عبد الله القُشَيْري ت ٩٥ هـ.
(٧) ورد في:"تكملة الإيضاح" العضدي ص ٢٠٧، "شرح شواهد الإيضاح" ص ٥٩٧، "شرح المفصل" ٥/ ١١، "شرح التصريح" ١/ ٧٧، "الخزانة" ٨/ ٥٨، وورد بلا =
665
قال وأنشدني بعضُ بني أسد (١):
مِثْل المَقَالِي ضُرِبَتْ قُلِينُها (٢)
قال وإنما يجوز هذا فيما نقص لامها؛ لأنهم توهموا أن النون أصلية وأن الحرف على فعيل، ألا ترى أنهم لا يقولون هذا في الصالحين والمسلمين! وكذلك قولهم: الثبات واللغات، ربما أعربوا التاء منها بالنصب والخفض فيتوهَّمون أنها هاء وأن الألف قبلها من الفعل، وأنشد (٣):
= نسبة في "المخصص" ٩/ ٦٦، "الاقتضاب" ص ١٩٣، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٢٦١، "اللسان" (نجد) ٧/ ٤٣٤٦، (سنه) ٤/ ٢١٢٧، "أوضح المسالك" ص ١٤ (صدر)، "شرح ابن عقيل" (١/ ٦٥، وفي بعض هذه المصادر (ذراني) بدل (دعاني)، والمعنى واحد، وهو أمر ومعناه: اتركاني من ذكر نجد، (سنينه): جمع سنة، وهي هنا إما بمعنى العام وإما بمعنى القحط. (شِيباً): جمع أشيب، وهو الذي ابيضَّ شعره، (مُردًا) جمع أمرد، وهو الذي لا شعر بعارضيه. والشاهد قوله: (سِنينَه) بإثبات النون ولم تسقط للإضافة، وعلامة نصبه الفتحة لا الياء وإلا لقال: (سِنِيْه) بحذف النون للاضافة وهذه لغة بني عامر، فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات الثلاث على النون مع لزوم الياء؛ لأنها أخف عليهم، ولأن النون قامت مقام الذاهب من الكلمة، ولو كان الذاهب موجودًا لكان الإعراب فيه كسائر المفردات، وكذلك يكون ما قام مقامه. انظر: "شرح التصريح على التوضيح" ١/ ٧٧.
(١) لم أقف على القائل، وفي المصدرين -الذين وقفت عليهما- نُسب إلى الفراء.
(٢) ورد في: "تهذيب اللغة" (قلا) ٣/ ٣٠٢٥، "اللسان" (قلا) ٦/ ٣٧٣٢، القُلَة والمِقْلَى والمِقلاء: عودان يلعب بهما الصبيان، فالمِقلى العود الكبير الذي يُضرب به، والقُلَة الخشبة الصغيرة التي تُنصب، وهي قَدر ذراع، وجمع المقلى المقالي، الشاهد: (قُلِينُها) حيث جعل النون كالأصلية فرفعها، وذلك على التوهم، ووجه الكلام فتح النون لأنها نون الجمع.
(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي (جاهلي).
666
إذا ما جَلاَهَا بالإِيَام تَحَيَّزَتْ........ ثُبَاتًا عليها ذُلُّها واكْتِئَابُها (١)
ولا يجوز ذلك في: الصالحات والأخوات؛ لأنها تامة لم يُنقص من واحدها شيء، قال وما كان من حرف نُقِص من أوّله مثل: زِنة ولِدة (٢) ودِية فإنه لا يقاس على هذا؛ لأن نقصه من أوَّله لا من لامه، فما كان منه مؤنَّثًا أومذكَّرًا فأجْرِه على التمام؛ مثل: الصالحين والصالحات، تقول: (رأيت
(١) "ديوان الهذليين" ص ٧٩، "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٥٣ وفيهما برواية: (فلمِّا اجتلاها)، وورد في: "أدب الكاتب" ص ٤٤١، "جمهرة اللغة" ١/ ٢٤٨، ٣/ ١٣٣٤ وفيهما (ثباتٍ) بكسر التاء، "المنصف" ٣/ ٦٣، "المحتسب" ٨/ ١١١، الاقتضاب ص ٤٠٣، "شرح الجواليقي" ص ٢٢٦، "اللسان" (أيم) ١/ ١٩٢، وورد بلا نسبة في: "الخصائص" ٤/ ٣٠٣، "المخصص" ٨/ ١٨٢، ٤٠/ ١١، "شرح المفصل" ٥/ ٤.
(اجتلاها): كشفها وأبرزها وأخرجها، (الإِيام): الدُّخان؛ وجمعُه أُيُم، وآمَ الدُّخانُ يَئيم إياماً: دخَّن، وآمَ الرجُلُ إيامًا إذا دَخَّن على النَّحْل ليَخرج من الخلِيَّة فيأخذ ما فيها من العسل، وقيل: الإيامُ: عُود يجعل في رأسه نارٌ ثم يُدخَّنُ به على النحل ليُشْتارَ العَسَلُ، (تحيزت): اجتمع بعضها إلى بعض، ويقال: تفرَّقت؛ صارت فِرقًا في كلِّ حيّز شيء، وُيروى (تحيرت) من الحَيرة؛ أي بقيت لا تدري إلى أين تذهب، (ثبات): جمع ثُبَةٍ؛ وهو القطعة من القوم ومن كل شيء، (الاكتئاب): الحزن. والشاهد: (ثباتًا) حيث نُصبت بالفتحة وحقها الكسرة -كما هو الأصل في جمع المؤنث السالم- وحجة من نصبها أن لام الكلمة محذوف ولم تُرَد إليه في الجمع كما حكى الكسائي: سمعت لغاتَهم بفتح التاء؛ لأن أصل ثُبَةٍ ثُبْوَة، وأصل لُغَة لُغْوَة.
انظر: "شرح المفصل" ٥/ ٨.
(٢) ساقطة من (د)، ولِدَةُ الرجل: تِرْبُهُ، قال الجوهري: والهاء عوضٌ من الواو الذاهبة من أوله؛ لأنه من الولادة، وهما لِدَان، والجمع لِداتٌ ولِدُون.
انظر: (ولد) في "المحيط في اللغة" ٩/ ٣٥٧، "الصحاح" ٢/ ٥٥٤، "اللسان" ٨/ ٤٩١٥.
667
لِدَاتِك) (١) [ولِدِيكَ] (٢) ولا تقل (٣): لِدِينَك، ولا: لِداتَك (٤).
٩٢، ٩٣ - قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عباس: عما كانوا يفترون ثم أجازيهم بأعمالهم (٥)، وقال الكلبي: عن ترك لا إله إلا الله والإيمان برسله (٦).
قال أهل المعاني: وهذا السؤال توبيخ وتقريع، يُسألون يوم القيامة فيقال لهم: لم عضيتم القرآن وما حجتكم في ذلك؟ فيظهرُ خِزيُهم وفضيحتُهم عند تعذر جواب يصح (٧)، وهذا معنى قول ابن عباس فيما روى عنه الوالبي في الجمع بين هذه الآية وبين قول: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩] قال: لا يُسألون سؤال استفهام؛ لأنه علم ما عملوا، ولكن يُسألون سؤال تقريع؛ فيقال لهم: لم عملتم كذا وكذا (٨)؟
(١) ما بين القوسين كتب على هامش أ.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق، وهي ثابتة في المصدر.
(٣) في جميع النسخ: (ولا هتك) ولم يتبين لي معناها، ولعلها من تصحيفات النساخ، والتصويب من المصدر.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٢ - ٩٣ وهو نقل طويل نقله بتصرف واختصار.
(٥) وهذا القول أولى الأقوال، لكونه عامًا وشاملًا لجميع الافتراءات والمعاصي غير مقيد بنوع من المعاصي كما ذكر بعضهم.
(٦) انظر: تفسيره "الوسيط" تحقيق: سيسي ٢/ ٣٧١، وورد في "تنوير المقباس" ص ٢٨١ بنصه، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥.
(٧) ورد بنصه تقريبًا في: تفسيره "الوسيط" تح: سيسي ٢/ ٣٧١، والطوسي ٦/ ٣٥٥، و"تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٩.
(٨) "أخرجه الطبري" ١٤/ ٦٧ بنحوه، من طريق علي بن أبي طلحة (صحيحة)، ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ب بنحوه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٤، وابن عطية ٨/ ٣٥٨، وابن الجوزي ٤/ ٤٢٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٦١، والخازن ٣/ ١٠٤، وابن كثير ٢/ ٦١٥، رأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٩ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم =
فقوله: ﴿لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ﴾ أي: سؤال استعلام واستخبار، (وقوله: ﴿لَنَسْأَلَنَّهُمْ﴾ أي سؤال تقريع وتوبيخ، وهذا قول قطرب) (١) (٢).
٩٤ - قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ معنى الصَّدْع في اللغة: الشَّقُّ والفَرْقُ والفَصْلُ (٣)، أنشد ابن السِّكِّيت لجرير:
هُو الخَليفهُ فارْضَوْا ماقَضى لَكُمُ.... بالحَقّ يَصْدَعُ ما في قَوْلِهِ جَنَفُ (٤)
يصدع: يفصل، وأنشد الفراء (٥):
وأنْحَرُ لِلشَّرْبِ الكرامِ مَطِيَّتي وأَصْدَعُ (٦) بين القَيْنَتَيْن رِدَائِيا (٧)
= والبيهقي في البعث، وروي عن ابن عباس توفيقاً آخر للآيتين؛ هو أن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف، فيسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. انظر: "تفسيرالخازن" ٣/ ١٠٤، ونُسب لعكرمة في: "وضح البرهان في مشكلات القرآن" ١/ ٤٩٧، والصحيح أن عكرمة رواه عن ابن عباس، كما في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ ب، وورد غير منسوب في: "كشف المعاني في المتشابه من المثاني" ص ٢٢٤، "فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن" ص٣٠٠.
(١) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ب، بنصه تقريباً، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٤ - ٣٩٥، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٦١، الخازن ٣/ ١٠٤.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ش)، (ع).
(٣) انظر: (صدع) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٨٧، "المحيط في اللغة" ١/ ٣٢٤، "الصحاح" ٣/ ١٢٤١.
(٤) "ديوان جرير" ص ٣٠٨، وورد في "تهذيب اللغة" (صدع) ٢/ ١٩٨٧، و"تفسير الفخر الرازي" ١٩/ ٢١٤.
(٥) ليس في معانيه، والبيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي (جاهلي).
(٦) ساقطة من (د).
(٧) ورد في "المفضليات" ص ١٥٨، "جمهرة اللغة" ٢/ ٦٥٣، "الأغاني" ١٦/ ٣٦٢، "ذيل أمالي القالي" ٣/ ١٣٣، "الخزانة" ٢/ ٢٠١، (الشرب) جمع شارب، (المطية) البعير، (القينة) المغنية، يريد أن يعطي كل منها شطر ردائه.
669
أي: أشقُّ، وتَصَدَّع القومُ، إذا تفرقوا، ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣]، قال الفراء: يتفرقون (١)، فأما معنى الآية فقال ابن عرفة: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي فرق بين الحق والباطل (٢)، وروى أبو العباس (٣) عن ابن الأعرابي في قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي شُقّ جماعتَهم بالتوحيد (٤)؛ كأنه يقول: ادعهم إلى التوحيد لتفرق جماعتهم؛ بإجابة بعضهم إيّاك فيكون ذلك تَفَرُّقَ كلمتهم، هذا معنى قول ابن الأعرابي، فالصدع على هذا يعود إلى صدع جماعة المشركين، وقال غيرُه: فَرّق القول فيهم (٥)، وعلى هذا: الصَّدع يعود إلى دعوة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو أن يفرقها في الناس فيذيعها فيهم وقال أبو إسحاق: يقول أظهر ما تؤمر به؛ أُخذَ من الصِّدِيع وهو الصبح، وقال: وتأويل الصَّدْع في الزُّجَاج، أن يَبِيْنَ بعضُه من بعض (٦)، وهذا الذي ذكره أبو إسحاق يعود إلى الشَّق أيضًا، قال الأزهري: وسُمّي الصبحُ صديعًا كما سُمّي فلقًا، وقد انصدع وانفلق وانفجر الصبح (٧)، وقال ابن قتيبة: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي: أظهر ذلك،
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٢٥ بلفظه.
(٢) "تهذيب اللغة" "صدع" ٢/ ١٩٨٨ بنصه.
(٣) في جميع النسخ: (ابن عباس)، وهو تصحيف، والتصحيح من التهذيب.
(٤) "تهذيب اللغة" "صدع" ٢/ ١٩٨٨ بنصه وورد غير منسوب فى "تفسير القرطبى" ١٠/ ٦١.
(٥) "تهذيب اللغة" "صدع" ٢/ ١٩٨٨ بنصه وورد فى "تفسير الماوردى" ٣/ ١٧٤ عن النقاش.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٦ بتصرف يسير، "تهذيب اللغة" (صدع) ٢/ ١٩٨٧ بنصه، ويبدو أنه نقله مز التهذيب لا المعاني.
(٧) "تهذيب اللغة" (صدع) ٢/ ١٩٨٨ بنصه.
670
قال: وأصله الفَرْق والفتحُ، أي: اصدع بحقِّك الباطلَ (١)، وهذا قولُ أهل اللغة والمعاني، وقال ابن عباس: أظهر (٢)، وقال الأخفش وأبو عبيدة: افرق (٣)، وقال المؤرج: افصل (٤).
وقوله تعالى: ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر، و (ما) مع الفعل بمنزلة المصدر، وكذلك لم يعد إليه عائد من الصلة كقولك: ما أحسنَ ما ينطلق؛ لأنك تريد: ما أحسنَ انطلاقك، وما أحسنَ ما تأمر، أي: أمرك، ومثله قوله: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: ١٠٢] كأنه قيل له: افعل الأمر الذي تؤمر، قال ويجوز أن يكون المعنى: بما تؤمر به،
(١) "الغريب" لابن قتيبة ص ٢٤٠ بنصه.
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ ب، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥، الخازن ٣/ ١٠٤، "تنوير المقباس" ص ٢٨١ بلفظه، وهذه الرواية أوهى الطرق؛ لأنها من طريق محمد بن مروان عن الكلبي، أخرجها أبو نُعيم في "الدلائل" ص ٢٧٠، وقد رويت عن الكلبي -نفسه- في "تفسير هود" ٢/ ٣٥٨، والماوردي ٣/ ١٧٤، والغريب إيراد الواحدي -رحمه الله- الأقوال الضعيفة عن ابن عباس وتركه للروايات الصحيحة والمشهورة في بعض المواضع، ففي هذه الآية مثلاً؛ ثبت عن ابن عباس تفسيرها بـ: أمضه، وافعل ما تؤمر. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٦٧ من طريق ابن أبي طلحة (صحيحة)، والثعلبي ٢/ ١٥٢ ب، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥، وابن الجوزي ٤/ ٤٢٠، وابن كثير ٢/ ٦١٥، و"الدر المنثور" ٤/ ١٩٩ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، ولعل سبب إيراده للروايات الضعيفة عن ابن عباس -مع ورود الروايات الصحيحة- أنه نظر إليها من جهة اللغة والمعنى لا من جهة السند، فاختارها -على القوية سندًا- لهذه الحيثية، والمعروف عن الواحدي -رحمه الله- أنه يغلب عليه الاهتمام باللغة والعناية بها في تفسيره.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥٥ بلفظه، ولم أجده في معاني الأخفش، وورد منسوبًا للأخفش في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ ب بلفظه، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥.
(٤) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢ ب بلفظه.
671
فحذف الجار؛ لأن العرب قد تقول: إني لآمرك وآمر بك، وأكفرك وأكفر بك، وأنشد (١):
إذا قَالَتْ حَذَامِ فأنْصِتُوها فإنّ الأمْرَ ما قَالَتْ حَذَامِ (٢)
قال: يريد فأنصتوا لها.
وقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ (٣) [هود: ٦٨]، وقال مجاهد في قوله: ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي بالقرآن، قال: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة (٤)، فعلى هذا المراد بالصدع الجهر والإظهار، والباء في ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ من صلة معنى الصدع، لا لفظه؛ وهو الجهر، وما تؤمر هو القرآن؛ لأنه إنما تؤمر بما في القرآن، و (ما) في هذا القول موصولة، وليست بمعنى المصدر، وتكون مع الجار في موضع نصب، وأكثر المفسرين على أن
(١) البيت لِلُجَيْم بن صعْب، وحَذَامُ امرأتُه، وهي بنتُ الريَّان، سميت بذلك لأن ضرَّتها حذمت -قطعت- يدها بشفرة.
(٢) في نسخة (أ) أثبت عجز البيت في الهامش. ورد البيت في: "العقد الفريد" ٣/ ٨٤، ٣٦٥، "اللسان" (رقش) ٦/ ٣٠٦، (نصت) ٢/ ٩٩، "شرح التصريح" ٢/ ٢٢٥، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٥٩٦، وورد غير منسوب في: "ما ينصرف وما لا ينصرف" ص ١٠١، "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٥٥، "شرح المفصل" ٤/ ٦٤ "أوضح المسالك" ٤/ ١٣١، وفي جميع المصادر: (فصدقوها) بدل (فأنصتوها) و (القول) بدل (الأمر).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٩٤ بتصرف يسير. والشاهد: أي كفروا بربهم.
(٤) "تفسير مجاهد" ص ٤١٩ بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٥١ مختصرًا، والطبري ١٤/ ٦٨ بنحوه من عدة روايات، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٤ بنحوه، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٨ بنحوه، و"تهذيب اللغة" (صدع) ٢/ ١٩٨٧ مختصرًا، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٣أبنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٩ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
672
المعنى: اجهر بالأمر؛ أي بأمرك، يعني إظهار الدعوة، قالوا: ومازال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مستخفيًا حتى نزلت هذه الآية (١).
وقوله تعالى: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لائمتهم إياك على إظهار الدعوة ولا تسمعها، قال المفسرون: هذا منسوخ بآية القتال (٢)؛ يعنون الإعراض عنهم وتركهم وما هم فيه، فإن جعلنا معنى الإعراض عنهم ترك المبالاة بهم، لا يكون منسوخًا (٣).
٩٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾: بك، وهم خمسة نفر من المشركين (٤): الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعَدِيّ بن قيس،
(١) ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥ بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٥٢ ب، بنصه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥، و"ابن الجوزي" ٤/ ٤٢٠، والفخر الرازي ١٩/ ٣١٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٦٢، والخازن ٣/ ١٠٤، وابن كثير ٢/ ٦١٥، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٩٩.
(٢) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٩ أ، بنحوه، و"أخرجه الطبري" ١٤/ ٦٨ بنحوه عن ابن عباس من طريق العوفي (غير مرضية)، وأخرجه كذلك عن الضحاك بنحوه، وورد في:"الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٤٨٣ بصيغة التمريض، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٨ بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٥٣ أ، والماوردي ٣/ ١٧٥ بنحوه عن ابن عباس، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥، وابن عطية ٨/ ٣٥٩، وابن الجوزي ٤/ ٤٢١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٦٢، والخازن ٣/ ١٠٤، وأبي حيان ٥/ ٤٧٠، "الدر المنثور" ٤/ ١٩٩ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي داود في ناسخه عن ابن عباس.
(٣) وهذا القول هو الأولى من دعوى النسخ، وانظر: التعليق على دعوى النسخ بآية السيف، عند الآية [٨٥١] من هذه السورة.
(٤) المشهور أنهم خمسة، وورد أنهم ثمانية، وسبعة كذلك. انظر:"تفسير الطبري" ١٤/ ٦٨ - ٦٩، وابن الجوزي ٤/ ٤٢١، وأبي حيان ٥/ ٤٧٠، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٢٠٠ وزاد نسبته إلى الطبراني [ليس في روايته الشاهد] وابن مردويه، وكما اختلف في العدد اختلف في صفة إهلاكهم ووقته وما جرى لكل واحد منهم.
والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد (١) يغوث، سلط الله عليهم جبريل حتى قتل كلَّ واحد منهم؛ أي بآفة وكفى نبيه شرهم، هذا قول عامة المفسرين (٢).
٩٨ - قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ رُوي عن ابن عباس: فصَلّ (٣)، والمعنى: صَلّ حمدًا لله تعالى، والتسبيح يكون بمعنى الصلاة؛ لأن الصلاة لله تعالى تنزيه له عن الشريك.
وقال في رواية عطاء: يقول: أحمد ربك سَيَسُرُّك فيهم، وعلى هذا معناه: سبحه بالتحميد؛ أي: احمده ونزهه عن أن يستحق الحمد غيرُه.
وقال الضحاك: أي قل سبحان الله وبحمده (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد من المصلين (٥)؛ لأن العبد أقرب ما يكون من الله إذا سجد، ويؤيد هذا ما روي
(١) (عبد) ساقطة من (ش)، (ع).
(٢) أخرجه بنحوه: عبد الرزاق ٢/ ٣٥١، والطبري ١٤/ ٧٠ بعدة روايات، والطبراني [مجمع البحرين] ٦/ ٤٦، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٦، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٨، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٥، والثعلبي ٢/ ١٥٣ أ، والماوردي ٣/ ١٧٥، والطوسي ٦/ ٣٥٦، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٥، والزمخشري ٢/ ٣٢٠، وابن الجوزي ٤/ ٤٢١، والفخر الرازي ١٩/ ٢١٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٦٢، والخازن ٣/ ١٠٤، وأبي حيان ٥/ ٤٧٠، وابن كثير ٢/ ٦١٦.
(٣) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٣ ب، بلفظه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٧، الخازن ٣/ ١٠٥، "تنوير المقباس" ص ٢٨١.
(٤) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٣ب، بنصه، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٧، وابن الجوزي ٤/ ٤٢٣.
(٥) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٢٣، وورد غير منسوب في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٠ أ، "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٧، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٦، وهود الهواري =
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (١).
٩٩ - قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ قال ابن عباس: يريد الموت (٢)، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة والجميع (٣)، وسُمّي
= ٢/ ٣٥٨، والثعلبي ٢/ ١٥٣ ب بلفظه، والماوردي ٣/ ١٧٦، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٧، وابن عطية ٨/ ٣٦١، الخازن ٣/ ١٠٥.
(١) "أخرجه الطبري" ١/ ٢٦٠ بنصه عن حذيفة، وورد في "تفسير الزمخشمري" ١/ ٦٦، وابن عطية ١/ ٢٧٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٧١، وابن كثير ١٤/ ٦١٦، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ١٦٣، وورد برواية: كان إذا حزبه أمر صلى، أخرجها أحمد ٥/ ٣٨٨، وأبو داود (١٣١٩) كتاب: التطوع، باب: وقت قيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، والطبري ١٤/ ٧٣، وورد في فيض القدير ٥/ ١٢٠، والكنز ٧/ ٦٩، والحديث مشهور، وقد حسّنه الألباني في "صحيح أبي داود" (١١٩٢)، و"صحيح الجامع الصغير" (٤٧٠٣) وأوضح من هذا الشاهد حديث "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، رواه مسلم (٤٨٢) كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وأبو داود (٨٧٥) كتاب: الصلاة، باب: الدعاء في الركوع والسجود عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٢٣، الفخر الرازي ١٩/ ٢١٦، "تنوير المقباس" ص ٢٨١.
(٣) "تفسير مجاهد" ص ٤١٩ بلفظه، وورد في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٠ أ، وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٥٢ بلفظه عن قتادة، والطبري ١٤/ ٧٤ بلفظه عنهم، وأورده البخاري في "الفتح" ٨/ ٣٨٣ معلقًا بصيغة الجزم عن سالم بن عبد الله، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٧ عن مجاهد، "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٦، و"هود الهواري" ٢/ ٣٥٨ عن مجاهد، والثعلبي ٢/ ١٥٣ ب، والماوردي ٣/ ١٧٦ عنهم، والطوسي ٦/ ٣٥٦ عنهم، "تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٧، والزمخشري ٢/ ٣٢٠، وابن العربي ٣/ ١١٣٩، وابن عطية ٨/ ٣٦٢ عنهم، وابن الجوزي ٤/ ٤٢٣ عن مجاهد، "تفسير القرطبي" ١٠/ ٦٤ عنهم، الخازن ٣/ ١٠٥، وابن كثير ٢/ ٦١٦ - ٦١٧ عنهم، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٢٠٣ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
675
الموت اليقين؛ لأنه مُوْقِن به جميعُ العقلاء، فاليقين بمعنى المُوْقَنُ به، ولم يعرف الأصمعي فعيلًا بمعنى مُفْعَل، حتى قَرَّرَ له ذلك ابن الأعرابي، واحتج عليه بقولهم: شيء متربّصٌ وتَرَبُّص (١)، وليل مُبْهَم وبَهِيْم، وشراب مُنْقَعٌ ونَقِيْع (٢)، فإن قيل: أي فائدة لهذا التوقيت ولا عبادة على الميت؟ وإذا كانت العبادة تنقطع بالموت، فلم قال حتى الموت، وهو مقطع بالموت لا محالة؟!
قال أبو إسحاق: مجاز هذا الكلام مجاز أبدًا؛ المعنى: اعبد ربك أبدًا؛ لأنه لو قيل: اعْبُدْ ربك بغير توقيت، لجاز إذا عبد الإنسانُ مدةً أن يكون مطيعًا، فإذا قال: ﴿حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ أي: أبدًا وما دمت حيًّا، فقد أُمر بالإقامة على العبادة (٣).
(١) هكذا في جميع النسخ، والقياس يقتضي أن تكون: مُرْبَص ورَبِيْصٌ.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٨٧ بنصه، وفي هذا رد على أهل الضلال الذين جعلوا للعبادة أجلاً تنتهي عنده؛ لذلك فسروا اليقين بالمعرفة، فإذا وصل أحدهم إلى مقام المعرفة سقط عنه التكليف!. انظر: "تفسير ابن كثير" ٢/ ٦١٧، والألوسي ١٤/ ٨٧، والقاسمي ١٠/ ٧٥.
676
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة النحل إلى آخر سورة الإسراء
تحقيق
د. عبد الرحمن بن عبد الجبار بن صالح هوساوي
من أول سورة الكهف إلى آية (٣١)
تحقيق
د. عبد الرحمن بن محمد اليحيى
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركى بن سهو العتيبي
الجزء الثالث عشر
1
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[١٣]
2
ح/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨ هـ)./ عبد الرحمن بن عبد الجبار بن صالح
هوساوي؛ عبد العزيز بن محمد اليحيى، الرياض ١٤٣٠ هـ
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٣ - ٨٧٠ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٣)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٣ - ٨٧٠ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٣)
3
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة النحل إلى آخر سورة الإسراء
تحقيق
د. عبد الرحمن بن عبد الجبار بن صالح هوساوي
من أول سورة الكهف إلى آية (٣١)
تحقيق
د. عبد الرحمن بن محمد اليحيى
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركى بن سهو العتيبي
الجزء الثالث عشر
4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

5
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة النحل إلى آخر سورة الإسراء
تحقيق
د. عبد الرحمن بن عبد الجبار بن صالح هوساوي
6
Icon