ﰡ
في السورة توكيد بوقوع عذاب الله الموعود. وتذكير بعظمة المشاهد السماوية ووصف لهول يوم القيامة وما تكون عليه حالة الكفار فيه. وتقرير لبعض طبائع الإنسان السيئة واستثناء المؤمنين المصلّين الذين يخافون الله والآخرة على اعتبار أن ذلك يحسّن هذه الطبائع ويحفّز على الخير والبرّ والعدل والحق والعفاف. وصورة من صور الهزء التي كانت تبدو من الكفّار نحو النبي، وتسلية للنبي وتنديد بالكفار بسببها.
وآيات السورة متوازنة منسجمة مما يسوغ القول بنزولها دفعة واحدة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧)
. (١) سأل: قيل إنها بمعنى دعا وقيل إنها بمعنى السؤال العادي.
(٢) المعارج: جمع معراج وهو ما يصعد عليه إلى أعلى. وهي كناية عن السموات على ما روي عن ابن عباس. وهناك من قال إنها بمعنى ذي الفضل والنعم.
في الآيات: إشارة إلى سؤال سائل عن عذاب الله الموعود وموعد وقوعه
والآية الأولى تحتمل أن يكون السؤال وقع فنزلت الآيات بمناسبته كما تحتمل أن تكون حكاية لما كان يتكرّر وقوعه من الكفار من استعجال العذاب أو التساؤل عن موعده على سبيل الإنكار والتحدّي والاستهتار على ما حكته عنهم آيات عديدة مرّت أمثلة منها. وقد احتوت الآيات ردّا تضمّن التوكيد والتنديد والبرهان المستمد من المحسوس وبخاصّة المستند إلى ما هو قائم في مشاهد الكون من عظمة الله وقدرته. بحيث لا يصح في العقل أن يستبعد عليه شيء.
ووجود الله سبحانه وعظمته وشمول قدرته وحكمه مما كان يعترف به السامعون على ما مرّت الشواهد القرآنية العديدة عليه فتكون الحجّة هنا مستحكمة فيهم.
تعليق على رواية شيعية في سبب نزول هذه الآيات
ولقد روى المفسر الشيعيّ الطبرسي عن جعفر بن محمد أحد الأئمة الاثني عشر رواية في سبب نزول هذه الآيات جاء فيها: «لما نصّب رسول الله ﷺ عليا يوم غدير خمّ وقال من كنت مولاه فعليّ مولاه طار ذلك في البلاد فقدم على النبي ﷺ النعمان بن الحرث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصّبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟ فقال والله الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله. فولّى النعمان بن الحرث وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله وأنزل الله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ وسورة كالمعارج مكيّة بدون خلاف. والحديث المرويّ عن النبي ﷺ يوم غدير خمّ صدر
تعليق على جملة تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
يروي المفسرون أقوالا عديدة ومنسوبة إلى بعض أصحاب رسول الله ﷺ وتابعيهم في صدد هذه الجملة «١». فمنها في صدد وَالرُّوحُ أنها تعني جبريل عليه السلام الذي يرجّح أنها عنته في آيات في سور أخرى سبق تفسير بعضها مثل سورتي النحل والشعراء. ومنها أنها تعني أرواح الناس حينما تنقضي آجالهم مما ذكر في حديث رويناه في سياق بعض آيات سورة إبراهيم التي سبق تفسيرها. ولقد ذكر الروح مع الملائكة في سورة القدر بأسلوب يدلّ على أنه رئيس الملائكة ويكون على رأسهم في نزولهم إلى الأرض كما ذكرت في مثل هذا المقام أو بعبارة أخرى في قيام الملائكة والروح صفّا أمام الله يوم القيامة في إحدى آيات سورة النبأ التي يأتي تفسيرها بعد قليل حيث يسوّغ الترجيح أنها هنا من هذا الباب. ومنها في صدد خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ أن الرقم هو المسافة التي بين تخوم الأرض إلى فوق السموات السبع حسب أيام الدنيا يقطعها الملائكة والروح في يوم واحد. ومنها أنها بمعنى أنه لو صعد غير الملائكة من منتهى أمر الله في أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله من فوق السماء السابعة لما صعد في أقل من خمسين سنة والملائكة يقطعونها في ساعة واحدة. ومنها أن الرقم هو يوم القيامة ومنها أنه مدة
ولقد أورد ابن كثير بسبيل تأييد كون اليوم هو يوم القيامة حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: «قيل لرسول الله ﷺ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنه ليخفّف على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا». ومع أن المفسر عقّب على هذا الحديث قائلا إن شخصين من رواته ضعيفان فإنه أورد حديثا آخر رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا عن أبي هريرة جاء فيه: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنّم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنة وإما إلى النار» «١». هذا في حين أن فحوى الآيات يتّسق مع القولين الأوّلين أكثر وأن المتبادر من هذا الفحوى هو بيان كون المسافات الشاسعة الهائلة التي يستعظمها الناس مثل ما بين الأرضين والسموات ليست شيئا بالنسبة لقدرة الله تعالى. ولسنا نرى تعارضا بين هذا وبين ما جاء في الحديث الصحيح في الوقت نفسه حيث يبدو منه أن القصد هو بيان كون يوم القيامة طويلا جدا على الناس حتى لكأنه خمسون ألف عام مما يعدونه من أيامهم.
ومهما يكن من أمر فالخبر الذي احتوته الجملة القرآنية من المغيبات المتصلة بسرّ الله وملائكته. ومن الواجب الوقوف عنده موقف التصديق دون التخمين مع واجب تنزيه الله تعالى عن المكان والحدود الجسمانية ومع واجب الإيمان بأنه لا
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٨ الى ١٨]
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)
وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨)
. (١) المهل: عكر الزيت.
(٢) العهن: الصوف.
(٣) يبصرونهم: بمعنى يرونهم أو يعرفونهم والضمير راجع إلى الأصدقاء الحميمين أو الأقارب المذكورين في الآيات.
(٤) صاحبته: كناية عن الزوجة.
(٥) فصيلته: أسرته الخاصة، مثل عشيرته.
(٦) تؤويه: تضمه أو تجيره.
(٧) لظى: متقدة أو شديدة الالتهاب.
(٨) نزاعة للشوى: قرئت نزاعة بالضم وبالفتح. وفي حالة الضم تكون خبر (لأنها) وفي حالة الفتح تكون حالا أو ظرفا أو مفعولا لفعل مقدر وهو (أعنيها) والشوى جمع شواة وهي بشرة الجسم أو أطراف الجسم غير المقاتلة، والجملة تعني أن النار تنزع من شدّتها بشرة الجسم أو أطرافه.
(٩) أوعى: كنز وادّخر.
والآيات كما هو واضح متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا. وفيها تأييد لما قلناه في سياق الآيات السابقة وكونها للإنذار والتأكيد بوقوع العذاب الموعود وقربه.
وقد تضمنت وصفا مرعبا من شأنه إثارة الخوف والهلع في الكفار وهو مما استهدفته الآيات هنا كما استهدفته الآيات السابقة والمماثلة بالإضافة إلى المقصد الأخروي الواجب الإيمان به. ولقد روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبي ﷺ حديثا فيه تفسير للمهل قال: «إنه كعكر الزيت إذا قرّب إلى الوجه سقطت فروته من شدّة حرارته» «١».
تعليق على اختصاص جمع المال وكنزه بالتنديد
وكما قلنا في صدد اختصاص عدم الحضّ على طعام المسكين في الآيات السابقة نقول هنا في صدد اختصاص جمع المال وكنزه بالتنديد من حيث إنه ليس من قبيل الحصر. ولكنه ينطوي على تلقين قرآني جليل مستمر المدى في صدد تقبيح كنز المال والشحّ به عن سبل البرّ والخير ومساعدة المحتاجين.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١٩ الى ٣٥]
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
. (١) هلوعا: سريع التأثر والتّهيج مما يلمّ به أو سريع الضجر والتبرّم.
(٢) جزوعا: شديد الخوف والاضطراب.
في الآيات الثلاث الأولى إشارة إلى ما انطبع عليه الإنسان من أنانية وحرص وسرعة تأثر: فهو سريع التهيج مما يلمّ به. وهو أناني لا يفكر إلّا في نفسه فإذا أصابه شرّ جزع واضطرب وإذا انفرجت أموره ونال خيرا أمسك وبخل.
والآيات التالية استثنت من ذلك المصلّين المداومين على الصلاة: فهؤلاء يعرفون ما عليهم في أموالهم من حقّ واجب للسائل والمحروم. ويؤمنون باليوم الآخر. ويخافون من عذاب ربهم الجدير بالخشية. ويرعون ما يقطعونه من عهد.
ويلتزمون في صلاتهم الجنسية مجالهم المشروع من زوجات وملك يمين حافظين فروجهم عن غير هذا المجال، لأن الذين يتجاوزونه يكونون معتدين. ويحتفظون بما اؤتمنوا عليه من أمانات. ويؤدون ما عندهم من شهادات على وجهها الحقّ.
ويحافظون على صلاتهم في أوقاتها. فلهؤلاء عند الله التكريم في الجنات.
تعليق على الآيات إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إلى الآية ٢٥ وما ينطوي فيها من تلقينات
والآيات متصلة بسابقاتها. والمناسبة قائمة خاصة بينها وبين الآية الأخيرة السابقة لها مباشرة. وقد انطوت على تقرير أثر الإيمان وعبادة الله في نفس الإنسان
وهي من روائع المجموعات القرآنية المنطوية على جليل التلقينات الأخلاقية والاجتماعية المستمرة المدى.
واختصاص المصلّين بالذكر في الاستثناء وتكرار التنويه بالدوام على الصلاة والمحافظة عليها في أول المجموعة وآخرها آت- كما هو المتبادر- من كون الصلاة هي مظهر رئيسي من مظاهر الإيمان بالله أولا ووسيلة مستمرة للتذكير بالله وأوامره التي فيها كل خير ونواهيه التي تنهى عن كل شرّ ثانيا. وهذا مما يجعل المصلّي يندفع في عمل الحق والعدل والخير ويمتنع عن الإثم والفواحش. وعلى هذا فإذا صدر من مصلّ آثام ومنكرات وتغلبت فيه الأنانية والجزع والبخل والمنع فلا يكون في الحقيقة مصليا لأن صلاته لا تكون صادرة عن إيمان صحيح فلا تفيد في تصفية روحه وتنقية قلبه على ما شرحناه في سياق تفسير سورة لعلق شرحا يغني عن التكرار.
ومع أن الآيات انطوت كما قلنا على تقرير أثر الصلاة في المصلي الصادق فإن من الممكن أن يكون فيها أيضا صورة لما كان عليه المؤمنون الأولون في العهد المكي من أخلاق وما كان للصلاة والإيمان فيهم من أثر عظيم مما احتوت تقريره آيات عديدة في سور عديدة على ما ذكرناه في سياق الآيات الأولى من سورة (المؤمنون).
وإذا صح هذا- ونرجو ذلك- فإن في الآيتين وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ قرينة على أن الزكاة كانت مفروضة على المؤمنين ومعينة المقدار.
ولقد روى الطبري عن مجاهد والشعبي وغيرهما من علماء التابعين أن جملة وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ تعني غير الزكاة أيضا. ومع أن هناك آيات عديدة حثّت على التصدّق بصورة عامة بحيث يدخل في ذلك الصدقات التطوعية فإنّ المتبادر من روح العبارة هو كما قلنا قصد المقدار المحدد
ولقد روى البخاري حديثا جاء فيه: «أتي النبيّ مالا فأعطى قوما ومنع آخرين فبلغه أنهم عتبوا فقال إني أعطي الرجل وأدع الرجل. والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي. أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع. وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير. منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو ما أحبّ أن لي بكلمة رسول الله ﷺ حمر النعم» «١». حيث ينطوي في الحديث معالجة نبوية نفسانية لمختلف فئات المسلمين تورد على هامش بعض ما جاء في هذه الآيات. وفيها تلقين رفيع نفساني للمسلمين وبخاصة لأولي الأمر منهم.
تعليق على مدى الآية وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ
والآية كما هو المتبادر تعتبر القيام بالشهادة من صفات المؤمنين الصادقين وتنوّه بمن يفعل ذلك. وهناك آيات فيها حثّ على ذلك منها آية سورة النساء هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [١٣٥] وآية سورة المائدة هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [٨] وآية سورة الأنعام هذه وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
[١٥٢] وآية سورة الطلاق هذه وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [٢] وهناك نهي عن كتمان الشهادة وإنذار لكاتميها كما هو في آية البقرة هذه وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [٢٨٣] ونهي عن مضارة الشهداء كما هو في آية البقرة
وهناك أحاديث نبويّة عديدة متساوقة مع التلقين القرآني وفي بعضها تحذير من شهادة الزور وتعظيم لإثمها. منها حديث رواه الخمسة إلّا البخاري عن زيد بن خالد عن النبي ﷺ قال: «ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» «١» وحديث رواه الترمذي وأبو داود عن خريم بن فاتك قال: «صلّى النبيّ ﷺ صلاة الصبح فلمّا انصرف قام قائما فقال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ... [الحج: ٣٠- ٣١] » «٢». وحديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي بكرة عن النبي ﷺ قال: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور. قال فما زال يقولها حتى قلنا ليته سكت» «٣» وحديث رواه ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: «لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار» «٤».
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤).
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه. [.....]
(٢) عزين: جماعات جماعات.
(٣) ربّ المشارق والمغارب: جمهور المفسرين على أن العبارة تعني مطالع الشمس والقمر ومغاربهما. وبعضهم قال إن الجمع بسبب تغير هذه المطالع والمغارب يوميا بالنسبة للقمر في كل شهر وبالنسبة للشمس في كل سنة.
(٤) مسبوقين: هنا بمعنى عاجزين أو مقصرين عن اللحاق بهم. والكلمة في صدد تعبير السبق. فالمسبوق في المباراة يكون عاجزا أو مقصرا.
(٥) نصب: مفرد الأنصاب. وهو ما ينصب للعبادة. ويمكن أن تعني الأصنام.
(٦) يوفضون: يسرعون.
في الآيات:
١- سؤال فيه معنى الإنكار والتنديد عما يريده الكفار من إسراعهم نحو النبي ووقوفهم جماعات جماعات عن يمينه وشماله وعمّا إذا كانوا يطمعون أن يدخلوا الجنة.
٢- ونفي جازم لذلك.
٣- وتقرير وقسم يتضمنان معنى الإنذار بأن الله الذي خلقهم مما يعرفون قادر على إهلاكهم متى شاء واستبدالهم بخير منهم وليس هو عاجزا عنه ولن يستطيعوا الإفلات منه.
٤- وأمر للنبي ﷺ بأن لا يعبأ بهم وأن يدعهم في خوضهم ولهوهم إلى أن يلقوا اليوم الذي يوعدون وينالهم العذاب المعدّ لهم فيه، ففي ذلك اليوم يخرجون
والآيات متصلة بالآيات التي سبقت فصل المصلين كأنما جاء هذا الفصل للاستدراك ثم عاد الكلام فاتصل في صدد الكفار.
وروح الآيات عامة والآية [٤٢] بخاصة تلهم أن ما حكته الآيتان [٣٦ و ٣٧] من التفاف الكفار حول النبي يمينا وشمالا كان من قبيل إقبال الساخر المستخفّ.
ولذلك انطوت الآيات على التنديد والإنذار والوعيد والتذكير بقدرة الله على تنفيذ وعيده من جهة وانطوت على تسليته للنبي وتطمين له من جهة أخرى.
وهكذا تكون الآيتان [٣٦ و ٣٧] احتوتا صورة من صور الخبث والمكر والاستخفاف التي كانت تصدر عن الكفار نحو النبي ﷺ في بعض مواقف وعظه وإرشاده وتلاوته للقرآن حيث كانوا ينظرون إليه نظر الهازئ المنكر ويقفون حوله جماعات جماعات مادّين بأعناقهم إليه وقوف الساخر الجاحد. والتنديد والإنذار اللذان تضمنتهما الآيات قويان لاذعان ومتناسبان مع الصورة الخبيثة التي انطوت فيهما.
وقد جاءت الآيات خاتمة للسورة. والآية الأخيرة مما ختم بما يماثله بعض السور الأخرى أيضا.