تفسير سورة سورة المعارج من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس
المعروف بـتفسير ابن عباس
.
لمؤلفه
الفيروزآبادي
.
المتوفي سنة 817 هـ
ﰡ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ يَقُول دَعَا دَاع وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ نَازل
﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ على الْكَافرين وَهُوَ من الْكَافرين ﴿لَيْسَ لَهُ﴾ للعذاب ﴿دَافِعٌ﴾ مَانع فَقتل يَوْم بدر صبرا
﴿من الله﴾ يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين ﴿ذِي المعارج﴾ خَالق السَّمَوَات
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَة وَالروح﴾ يَعْنِي جِبْرِيل
﴿إِلَيْهِ﴾ إِلَى الله
﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ مِقْدَار الصعُود على غير الْمَلَائِكَة
484
﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ وَيُقَال من الله يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة وَيُقَال لَو ولي محاسبة الْخَلَائق إِلَى أحد غير الله لم يفرغ مِنْهُ خمسين ألف سنة
485
﴿فاصبر﴾ على أذاهم يَا مُحَمَّد ﴿صَبْراً جَمِيلاً﴾ بِلَا جزع وَلَا فحش وَيُقَال فاعتزل عَنْهُم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش فَأمر بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ
﴿إِنَّهُمْ﴾ كَانُوا يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿يَرَوْنَهُ﴾ يَعْنِي الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ﴿بَعِيداً﴾ غير كَائِن
﴿وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ كَائِنا لِأَن كل آتٍ كَائِن قريب
ثمَّ بيَّن عَذَابهمْ مَتى يكون فَقَالَ ﴿يَوْمَ تَكُونُ السمآء﴾ تصير السَّمَاء ﴿كَالْمهْلِ﴾ كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة
﴿وَتَكُونُ﴾ تصير ﴿الْجبَال كالعهن﴾ كالصوف المندوف
﴿وَلاَ يسْأَل حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ قرَابَة عَن قرَابَة
﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ يرونهم وَلَا يعرفونهم اشتغالاً بِأَنْفسِهِم ﴿يَوَدُّ﴾ يتَمَنَّى ﴿المجرم﴾ يَعْنِي الْمُشرك أَبَا جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال النَّضر وَأَصْحَابه ﴿لَوْ يَفْتَدِي﴾ يفادي نَفسه ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿بِبَنِيهِ﴾ أَوْلَاده
﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ زَوجته ﴿وَأَخِيهِ﴾ من أَبِيه وَأمه
﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾ وبقرابته وعشيرته ﴿الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ ينتمي إِلَيْهَا
﴿وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً﴾ وبمن فِي الأَرْض جَمِيعًا ﴿ثُمَّ يُنجِيهِ﴾ أَي الله من الْعَذَاب
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَا ينجيه الله من الْعَذَاب ﴿إِنَّهَا لظى﴾ يَعْنِي اسْما من أَسمَاء النَّار
﴿نَزَّاعَةً للشوى﴾ قلاعة لأعضاء الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَسَائِر الْأَعْضَاء وَيُقَال حراقة للبدن
﴿تدعوا﴾ إِلَى نَفسهَا إِلَيّ أَيهَا الْكَافِر وإلي أَيهَا الْمُنَافِق ﴿مَنْ أَدْبَرَ﴾ عَن التَّوْحِيد ﴿وَتَوَلَّى﴾ عَن الْإِيمَان وَلم يتب من الْكفْر
﴿وَجَمَعَ﴾ المَال فِي الدُّنْيَا ﴿فأوعى﴾ جعله فِي الْوِعَاء فَمنع حق الله مِنْهُ
﴿إِن الْإِنْسَان﴾ يعْنى الْكَافِر ﴿خلق هلوعا﴾ ضجور بَخِيلًا حَرِيصًا ممسكاً
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرّ﴾ الْفقر والشدة ﴿جَزُوعاً﴾ جازعاً لَا يصبر
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْر﴾ المَال وَالسعَة ﴿مَنُوعاً﴾ منع حق الله مِنْهُ وَلَا يشْكر
﴿إِلاَّ الْمُصَلِّين﴾ أهل الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك
ثمَّ بيَّن نعتهم فَقَالَ ﴿الَّذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ﴾ الْمَكْتُوبَة ﴿دَآئِمُونَ﴾ يديمون عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلَا يدعونها
﴿وَالَّذين فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ يرَوْنَ فِي أَمْوَالهم حَقًا مَعْلُوما غير الزَّكَاة
﴿لِّلسَّآئِلِ﴾ الَّذِي يسْأَل مَالك ﴿والمحروم﴾ الَّذِي حرم أجره وغنيمته وَيُقَال هُوَ المحترف الَّذِي لَا تفي حرفته بمعيشته وقوته وَيُقَال هُوَ الْفَقِير الَّذِي لَا يسْأَل وَلَا يعْطى وَلَا يفْطن بِهِ
﴿وَالَّذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدّين﴾ بِيَوْم الْحساب بِمَا فِيهِ
﴿وَالَّذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ خائفون
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ لم يَأْتهمْ الْأمان من رَبهم
﴿وَالَّذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ يعفون عَن الْحَرَام
﴿إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ﴾ الْأَرْبَع
﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ من الولائد بِغَيْر عدد ﴿فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ وَلَا آثمين بذلك لَا يلامون بذلك الْحَلَال ﴿فَمَنِ ابْتغى وَرَآءَ ذَلِك﴾ طلب سوى مَا ذكرت من الْأزْوَاج والولائد ﴿فَأُولَئِك هُمُ العادون﴾ المعتدون من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام
﴿وَالَّذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ﴾ لما ائتمنوا عَلَيْهِ من أَمر الدّين وَغَيره ﴿وَعَهْدِهِمْ﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَو فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس وَيُقَال بحلفهم بِاللَّه ﴿رَاعُونَ﴾ حافظون لَهُ بِالْوَفَاءِ والتمام إِلَى أَجله
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ﴾ عِنْد الْحُكَّام إِذا دعوا وَلَا يكتمونها
﴿وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ على أَوْقَات صلَاتهم الْخمس يُحَافِظُونَ
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿مُّكْرَمُونَ﴾ بالثواب والتحف والهدايا
﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم ﴿قِبَلَكَ﴾ حولك ﴿مُهْطِعِينَ﴾ ناظرين إِلَيْك لَا يدنون إِلَيْك مُتَفَرّقين
﴿عَنِ الْيَمين وَعَنِ الشمَال عِزِينَ﴾ حلقا حلقا
﴿أيطمع كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ﴾ وَهُوَ رد عَلَيْهِم لَا يدخلهم وَيُقَال كلا حَقًا ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ يعْنى النُّطْفَة
﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ يَقُول أقسم ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِق﴾ مَشَارِق الشتَاء والصيف ﴿والمغارب﴾ مغارب الشتَاء والصيف وهما مشرقان ومغربان لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَثَمَانُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين وَيُقَال لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين تطلع الشَّمْس فِي سنة يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد وَكَذَلِكَ تغرب فِي يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ وَلِهَذَا كَانَ الْقسم
﴿على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ﴾ يَقُول نهلكهم ونأتي بغيرهم خيرا مِنْهُم وأطوع لله مِنْهُم ﴿وَمَا نَحن بمسبوقين﴾ بعاجزين على أَن نبدل خيرا مِنْهُم
﴿فَذَرْهُمْ﴾ اتركهم يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم ﴿يخوضوا﴾ فى الْبَاطِل ﴿ويلعبوا﴾ يهزءوا فِي كفرهم ﴿حَتَّى يُلاَقُواْ﴾ يعاينوا ﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فِيهِ الْعَذَاب
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث﴾ من الْقُبُور ﴿سِرَاعاً﴾ يَقُول خُرُوجهمْ من الْقُبُور سَرِيعا إِلَى الصَّوْت ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ أَي راية وَغَايَة وَعلم ﴿يُوفِضُونَ﴾ يمضون وينطلقون
﴿خَاشِعَةً﴾ ذليلة ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾ لَا يرَوْنَ خيرا ﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ تعلوهم وتغشاهم ﴿ذِلَّةٌ﴾ كآبة وكسوف وَهُوَ السوَاد على الْوُجُوه ﴿ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ فِيهِ الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة كوعد نوح وإنذاره
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا نوح وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَيْنِ وَأَرْبع وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وتسع وَعِشْرُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾