ﰡ
مكية، وآيها: أربع وأربعون آية، وحروفها: ثمان مئة وأحد وستون حرفًا، وكلمها: مئتان وست عشرة كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١)﴾.[١] ﴿سَأَلَ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر: (سَالَ) بألف من غير همز مثل قال، فألف (سَأَلَ) بدل من الهمزة، وهو لغة في السؤال، خففت الهمزة وجعلت ألفًا، وقرأ الباقون: بهمزة مفتوحة من السؤال على الأصل (١).
﴿سَائِلٌ﴾ المعنى: استفهمَ مستفهمٌ ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ أي: عن عذاب نازلٍ على من ينزل.
[٢] فقال الله مجيبًا له: ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي - ﷺ - بالعذاب، قال بعضهم لبعض: مَنْ أهلُ هذا العذاب، ولمن هو؟ سلوا عنه محمدًا، فسألوه، فأنزل الله الآية: ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ (١) يردُّه.
...
﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣)﴾.
[٣] ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ لتعلُّق إرادته به.
﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أي: مصاعد الملائكة، جمع مَعْرَج.
...
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)﴾.
[٤] ﴿تَعْرُجُ﴾ أي: تصعد ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ الحفَظَة بأعمال بني آدم كل يوم. قرأ الكسائي: (يَعْرُجُ) بالياء على التذكير إرادة الجمع، والباقون: بالتاء على التأنيث إرادة الجماعة (٢)، وقرأ أبو عمرو: (ذِي الْمَعَارِج تَّعْرُجُ) بإدغام الجيم في التاء (٣).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٥٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٤)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٦٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٢٠).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٧٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٢٠).
﴿إِلَيْهِ﴾ [إلى محل قربته وكرامته، وهو السماء] (١).
﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ من سني الدنيا، لو صعد فيه غير الملك؛ لأن الملك يصعد من منتهى أمر الله من أسفل السفل إلى منتهى أمره من فوق السماء السابعة في يوم واحد، ولو صعد فيه بنو آدم، لصعدوه في خمسين ألف سنة.
...
﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥)﴾.
[٥] ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على أذاهم ﴿صَبْرًا جَمِيلًا﴾ هو ما لا جزع فيه، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
...
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦)﴾.
[٦] ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ﴾ يعني: العذابَ ﴿بَعِيدًا﴾ لإنكارهم البعث.
...
﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)﴾.
[٧] ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ سهلًا؛ لقدرتنا عليه؛ لأن ما هو آت قريب.
[٨] ﴿يَوْمَ﴾ ظرف لـ (قَرِيبًا) ﴿تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ وهو عكر الزيت.
...
﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)﴾.
[٩] ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ وهو الصوف المصبوغ ألوانًا.
...
﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ قرأ أبو جعفر: (يُسْأَلُ) بضم الياء مجهولًا، أي: لا يسأل قريب عن قريبه؛ أي: لا يطالِب به، وقرأ الباقون: بفتح الياء معلومًا (١)؛ أي: يسأل قريب قريبًا؛ لاشتغال كلٍّ بشأن نفسه، واختلف عن البزي، فروي عنه الوجهان.
...
﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١)﴾.
[١١] ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي: يُرونهم، يعني: يبصر الأحماء بعضهم بعضًا، ويتعارفون ولا يتكلمون، وليس في القيامة مخلوقٌ إلا وهو نصب عين صاحبه.
...
﴿وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ زوجته ﴿وَأَخِيهِ﴾.
...
﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾ عشيرته ﴿الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ ويأوي إليها. قرأ ابن كثير: (بِبَنِيِهِي) (وَأَخِيهِي) و (تُؤْوِيهِي) وشبهه بياء يصلها بهاء الكناية في الوصل حيث وقع.
...
﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ يودُّ لو يفتدي بهم جميعًا.
﴿ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ ذلك الفداء من عذاب الله.
...
﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥)﴾.
[١٥] ﴿كَلَّا﴾ لا ينجيه من عذاب الله شيء، ثم ابتدأ تعالى فقال: ﴿إِنَّهَا﴾ أي: النار ﴿لَظَى﴾ من أسماء جهنم، سميت بذلك لتلظِّيها؛ أي: لتلهبها عليهم.
[١٦] ﴿نَزَّاعَةً﴾ قرأ حفص عن عاصم: (نَزَّاعَةً) نصب على الحال من (لَظَى)؛ لما فيها من معنى التلظِّي؛ كأنه قال: إنها النار التي تتلظى نزاعةً، فهي حال مؤكدة، وقرأ الباقون: بالرفع خبر مبتدأ محذوف (١)؛ أي: هي نزاعة ﴿لِلشَّوَى﴾ جمع شواة، وهي جلدة الرأس وما ليست مقتلًا كالأطراف، تلخيصه: تقتلع النار منهم كل عضو غير مقتل، ثم يعود هكذا أبدًا.
...
﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)﴾.
[١٧] ﴿تَدْعُو﴾ قال ابن عباس: "تدعوهم بأسمائهم ثم تلتقطهم كالتقاط الطير (٢) الحبَّ" (٣)، وقيل: معناه: تعذب.
﴿مَنْ أَدْبَرَ﴾ عن الإيمان ﴿وَتَوَلَّى﴾ عن الحق.
...
﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَجَمَعَ﴾ المال ﴿فَأَوْعَى﴾ جعله في وعاء، ولم يؤدِّ حقَّ الله منه.
(٢) "الطير" سقط من "ت".
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٤٧٠)، و"تفسير القرطبي" (١٨/ ٢٨٩).
...
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)﴾.
[١٩] ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ هو عامٌّ ﴿خُلِقَ هَلُوعًا﴾ حال مقدرة، والهلع: أشد الجزع وهو اضطراب يعتري الإنسان عند المخاوف وعند المطامع ونحوها، تفسيره ما بعده.
...
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠﴾.
[٢٠] وهو ﴿إِذَا مَسَّهُ﴾ أصابه ﴿الشَّرُّ﴾ الفقرُ والمرض ﴿جَزُوعًا﴾ حال مقدرة.
...
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ﴾ المالُ والصحة ﴿مَنُوعًا﴾ لحقِّ الله تعالى منه.
...
﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ استثناء من الإنسان.
[٢٣] ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ لا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، ولا يُخِلُّون بالمكتوبة في أوقاتها.
...
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ هو الزكاة.
...
﴿لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿لِلسَّائِلِ﴾ الذي يسأل ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾ المتعفف عن السؤال، فيحرم لذلك.
...
﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ الجزاء.
...
﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ خائفون.
...
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ نزولُه، اعتراض يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذاب الله، وإن بالغ في طاعته.
[٢٩] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾.
...
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿إِلَّا عَلَى﴾ و (على) بمعنى (من) ﴿أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾.
...
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ تقدم تفسيره في سورة المؤمنين.
...
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ حافظون، وتقدم تفسيره.
واختلاف القراء في (لِأَمانَاتِهِمْ) في سورة المؤمنين أيضًا [الآية: ٨].
...
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ﴾ قرأ يعقوب، وحفص عن عاصم: (بِشَهَادَاتِهِمْ) بألف بعد الدال على الجمع؛ لاختلاف الأنواع، والباقون: بغير ألف على الإفراد (١).
قال - ﷺ -: "إذا علمتَ مثلَ الشمس، فاشهدْ، وإلَّا فَدَعْ" (١).
وتقدم معنى الشهادة في أول سورة المنافقين، وتقدم حكم تحمُّل الشهادة وأدائها وأخذ الأجرة عليها ومذاهب الأئمة في ذلك في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا﴾ [الآية: ٢٨٢].
...
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ يداومون. واتفق القراء على الإفراد في (صَلاَتِهِمْ) هنا، وفي الأنعام (٢)؛ بخلاف الحرف المتقدم في المؤمنين؛ لأنه لم يكتنفها فيهما ما اكتنفها في المؤمنين قبل وبعد، من تعظيم الوصف في المتقدم، وتعظيم الجزاء في المتأخر، فناسب لفظ الجمع، ولذلك قرأ به أكثر القراء، ولم يكن ذلك في غيرها، فناسب الإفراد، والله أعلم، وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولًا وآخرًا باعتبارين: للدلالة على فضلها، وإنافتها على غيرها.
(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٨)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٩٧٤) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف. انظر: "التلخيص الحبير" (٤/ ١٩٨).
(٢) "وفي الأنعام" زيادة من "ت".
[٣٥] ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ بثواب الله.
...
﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وتقدم اختلاف القراء فيه في سورة الكهف عند قوله تعالى: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ) ﴿قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ نحوك مسرعين مديمي النظر إليك. نزلت في جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي - ﷺ - يستمعون كلامه، ويستهزئون به فقال الله لهم: ما لهم ينظرون إليك، ويجلسون عندك، وهم لا ينتفعون بما يسمعون (١)؟!
...
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ فرقًا شتى.
...
﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ نزلت لأن بعض الكفار قال: إن كان ثم آخرة وجنة، فنحن أهلها وفيها؛ لأن الله لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك إلا لرضاه عنا. قراءة العامة: (يُدْخَلَ) بضم
...
﴿كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿كَلَّا﴾ ردٌّ لقولهم وطمعهم؛ أي: ليس الأمر كذلك، ثم أخبر عن خلقهم فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ من النطف والعلق والماء المهين، وهم كافرون، فبم يفتخرون؟!
...
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ تقدم نظيره في سورة الواقعة، وهو ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ يعني: مشرق كل يوم من السنة ومغربه، وتقدم الكلام على قوله ﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ [الصافات: ٥] و ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧] في أول سورة الصافات، وهو قسم جوابه: ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾.
...
﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ أي: نهلكهم ونأتي بقوم أمثلَ منهم.
...
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا﴾ في باطلهم ﴿وَيَلْعَبُوا﴾ في دنياهم ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾ قرأ أبو جعفر: (يَلْقَوْا) بفتح الياء وإسكان اللام وفتح القاف من غير ألف قبلها، وقرأ الباقون: بضم الياء وفتح اللام وألف بعدها وضم القاف (١).
﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فيه العذاب، ونسختها آية القتال.
...
﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)﴾.
[٤٣] وتبدل من ﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ القبور ﴿سِرَاعًا﴾ إجابة الداعي ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: بضم النون والصاد، جمع نَصْب، وهي الأوثان، وقرأ الباقون: بفتح النون وإسكان الصاد، مفرد (نَصْب) (٢)، وهو ما نُصب فعبد [من] دونِ الله ﴿يُوفِضُونَ﴾ يسرعون.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٥١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٤)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٧٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٢٥ - ٢٢٦).
[٤٤] ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ حال من ضمير ﴿يَخْرُجُونَ﴾؛ أي: ذليلة خاضعة.
﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ تظهر عليهم ﴿ذِلَّةٌ﴾ هوان ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ في الدنيا، والله أعلم.