تفسير سورة التوبة

المصحف المفسّر
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب المصحف المفسّر .
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة براءة مدنية وآياتها تسع وعشرون ومائة
تفسير الألفاظ :
﴿ براءة ﴾ البراءة مصدر برأ من العهد أو المرض أي خلص منه.
تفسير المعاني :
هذه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتموهم من المشركين. تصريح منهما بأنهما بريئان من عهودهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فسيحوا في الأرض ﴾ أي فسيروا فيها سير السائحين.
تفسير المعاني :
فسيروا أيها المشركون آمنين حيث شئتم أربعة أشهر لا يتعرض لكم في خلالها أحد، فإن تبتم عن الشرك في خلالها دخلتم في عداد المسلمين، وإن توليتم، فاعلموا أنكم غير معجزي الله، ولكم في الآخرة عذاب عظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأذان من الله ورسوله ﴾ أي إعلام، وهو فعال بمعنى الإفعال. ﴿ يوم الحج الأكبر ﴾ أي يوم العيد ؛ لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه. وقيل يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة. وسمى ذلك بالحج الأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر. ﴿ بريء من المشركين ﴾ أي من عهودهم.
تفسير المعاني :
فسيروا أيها المشركون آمنين حيث شئتم أربعة أشهر لا يتعرض لكم في خلالها أحد، فإن تبتم عن الشرك في خلالها دخلتم في عداد المسلمين، وإن توليتم، فاعلموا أنكم غير معجزي الله، ولكم في الآخرة عذاب عظيم.
تفسير المعاني :
تسرى هذه البراءة على المشركين إلا الذين عاهدتموهم ثم لم ينقصوكم شيئا، ولم يظاهروا عليكم أحدا، أي لم يعينوه عليكم، فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين.
تفسير الألفاظ :
﴿ فإذا انسلخ الأشهر الحرم ﴾ أي فإذا خرجت الأشهر الحرم، الحرم جمع حرام، وهذه الأشهر هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. ﴿ كل مرصد ﴾ أي كل ممر، والمرصد الطريق.
تفسير المعاني :
فإذا مضت الأشهر الحرم " وهي الأربعة الأشهر المذكورة في قسم الألفاظ " فدم المشركين هدر، فاقتلوهم حيث وجدتموهم، وطاردوهم وحاصروهم، وترصدوا لهم في كل طريق، فإن رجعوا عن شركهم وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم. لما نزلت هذه الآيات أرسل النبي ليعلنها يوم الحج الأكبر بمكة، فكان مما قاله : أمرت بأربع، ألا يقرب البيت بعد هذا اليوم مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده.
تفسير الألفاظ :
﴿ استجارك ﴾ أي استأمنك وطلب جوارك. ﴿ فأجره ﴾ أي فأمنه. ﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾ أي ثم اجعله يبلغ موضع أمنه.
تفسير المعاني :
وإن استأمنك واحد من المشركين فأمنه واقرأ عليه القرآن ليتدبره، فإن أسلم فيها، وإلا فأبلغه موضع أمنه، ذلك بسبب أنهم قوم يجهلون.
تفسير المعاني :
كيف يكون للمشركين عهد عند الله ورسوله، إلا الذين عاهدتموهم عند المسجد الحرام فاعدلوا معهم ما عدلوا معكم.
تفسير الألفاظ :
﴿ كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ﴾ أي فكيف يكون لهم عهد وإن يظفروا بكم لا يراعوا فيكم حلفا ولا قرابة. يقال ظهر عليه يظهر ظهورا أي ظفر به. ورقب يرقب رقابة حفظ وراعي. الإل هو التحالف وقيل القرابة. ﴿ ولا ذمة ﴾ أي ولا عهدا أو حقا.
تفسير المعاني :
كيف يكون لهم عهد وإن يظفروا بكم لا يراعوا فيكم تحالفا ولا حقا ؟ يلينون لكم القول وقلوبهم تنفر منكم وأكثرهم فاسقون.
تفسير الألفاظ :
﴿ اشتروا ﴾ أي ابتاعوا وكلا هذين الفعلين يؤدي أحدهما معنى الآخر. ومعنى اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي باعوها بثمن قليل. ﴿ فصدوا عن سبيله ﴾ فمنعوا الناس عنها. يقال صد عنه يصد، ويصد صدا أي منع.
تفسير المعاني :
باعوا آيات الله بثمن قليل وهو المتاع بالأهواء والشهوات فمنعوا الناس عن دين الله فما أقبح ما كانوا يعملون.
تفسير المعاني :
لا يراعون في مؤمن تحالفا فهم معتدون.
تفسير المعاني :
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأدوا الزكاة صاروا إخوانكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم وإن نقضوا أيمانهم من بعد أن عاهدوكم وطعنوا في دينكم فقاتلوا قادة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم يرجعون.
تفسير الألفاظ :
﴿ نكثوا ﴾ أي نقضوا. يقال نكث يمينه ينكثه أي نقضه. ﴿ أيمانهم ﴾ أي أقسامهم جمع يمين. ﴿ أئمة ﴾ جمع إمام وهو القدوة. ﴿ ينتهون ﴾ أي يرجعون عن غيهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:تفسير المعاني :
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأدوا الزكاة صاروا إخوانكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم وإن نقضوا أيمانهم من بعد أن عاهدوكم وطعنوا في دينكم فقاتلوا قادة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم يرجعون.

تفسير الألفاظ :
﴿ وهموا بإخراج الرسول ﴾ أي اعتزموا إخراجه من مكة. ﴿ وهم بدءوكم أول مرة ﴾ أي بدءوكم بالقتال والعناد.
تفسير المعاني :
هلا تحاربون قوما نقضوا أيمانهم وحاولوا إخراج الرسول من موطنه وهم بدءوكم العناد والقتال أتخافونهم ؟ الله أولى أن تخافوه إن كنتم مؤمنين.
تفسير المعاني :
حاربوا المشركين يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين.
تفسير المعاني :
ويزل غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم بما كان وما سيكون، حكيم لا يعمل إلا وفق حكمته.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولما يعلم ﴾ أي ولم يعلم، فهي نافية جازمة للفعل مثل لم، إلا أن نفيها يسري على وقت التكلم. ﴿ وليجة ﴾أي بطانة.
تفسير المعاني :
أم حسبتم : أم هنا منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ. أم حسبتم أن تهملوا ولم يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دونه ولا دون رسوله ولا المؤمنين بطانة، والله خبير بما تعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ يعمر مساجد الله ﴾ أي يعمرها. يقال عمر المكان يعمره، أي عمره بمعنى سكنه وجعله أنيسا.
تفسير المعاني :
لا ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم يشهدون على أنفسهم بالكفر بإظهارهم الشرك. أولئك بطلت أعمالهم وبعد موتهم يخلدون في النار. نقول : إن قوله تعالى :﴿ أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم.. ﴾ الآية، يشير إلى أن الإيمان قول وعمل لا قول فحسب. فمن ادعى الإيمان ابتلاه الله بالعمل، فإن قام بما يجب عليه منه، عد مؤمنا حقا وكوفئ على ذلك بالتمكين له في الأرض والتوفيق للعروج إلى منازل علوية لا تعد مراتب الدنيا بجانبها شيئا، وإلا اعتراه عدم التوفيق وساورته الشرور من كل مكان حتى يلتفت إلى نقصه فيكمله. وإذا كان معيار الإيمان العمل فأين من الإسلام أمم تشيع بينها المنكرات ولا تبدي رغبة في إزالتها ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ أقام الصلاة ﴾ عدل أركانها وقومها. ﴿ وآتى الزكاة ﴾ أي وأداها في وجوهها المعروفة. ﴿ فعسى ﴾ أي فيرجى.
تفسير المعاني :
إنما يصلح لتعمير مساجد الله من آمن به إيمانا لا يشوبه شرك، وآمن باليوم الآخر، وأدى الصلاة على أكمل وجوهها، وأدى زكاة أمواله، ولم يخف عير الله وحده، فسيرجى أن يكون هؤلاء من المهتدين.
تفسير الألفاظ :
﴿ سقاية الحاج ﴾ أي وظيفة سقي الحجاج. وقد كان يتولاها بعض أشراف قريش ويفخرون بها. ﴿ وعمارة المسجد الحرام ﴾ أي وتعمير المسجد الحرام وكانت هذه من الوظائف العالية التي يتولاها بعض الأشراف أيضا.
تفسير المعاني :
أيها المشركون، أجعلتم الخطط التي تتولونها من سقي الحجاج في المواسم ومن عمارة المسجد الحرام والقيام على حفظ جدرانه، كإيمان من آمن بالله إيمانا صادقا وآمن بالدار الآخرة وعمل على التزود لها، وجاهد في سبيل الله بنفسه وبماله ؟ كلا، لا تستوي عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين.
تفسير المعاني :
الذين آمنوا بالله وهاجروا هربا بدينهم من أوطانهم وجاهدوا لإعلاء كلمة الله بأموالهم وأنفسهم، أولئك أرفع درجة عند الله من العاملين على سقي الحاج وترميم المسجد الحرام وغيرها، وأولئك هم الفائزون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ورضوان ﴾ أي ورضاء.
تفسير المعاني :
يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم.
تفسير المعاني :
خالدين فيها أبد الآبدين والله عنده أجر عظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ أولياء ﴾ أي أصدقاء وأحبابا. ﴿ ومن يتولهم ﴾ أي ومن يجعلهم أولياء له.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء توالونهم الحب والوداد إن آثروا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. تقول : إن الإسلام لا يقطع الأرحام بسبب الدين، وإنما هو يمنع الصلات التي تؤدي إلى حل جماعة المسلمين كما تدل عليه آيات كثيرة.
تفسير الألفاظ :
تفسير الألفاظ :
﴿ وعشيرتكم ﴾ أي وأقرباؤكم، مأخوذ من العشرة، قيل من العشرة، فإن العشيرة جماعة ترجع إلى عقد كعقد العشرة. ﴿ وأموال اقترفتموها ﴾ أي اكتسبتموها، واقترف ذنبا اكتسبه. ﴿ فتربصوا ﴾ أي فانتظروا. ﴿ الفاسقين ﴾ أي الخارجين عن الدين. يقال فسق يفسق فسقا أي خرج عن حدود الدين واتبع شهواته.
تفسير المعاني :
قل يا محمد للمؤمنين : إن كان آباؤكم وأبناؤكم وزوجاتكم وأموال اكتسبتموها وتجارة تخافون كسادها وديار تحبونها، أحب إليكم من الله ورسوله ومن جهاد في سبيله، فانتظروا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي الفاسقين.
تفسير الألفاظ :
﴿ مواطن ﴾ أي مواضع جمع موطن وهو الموضع. ﴿ حنين ﴾ واد بين مكة والطائف. ﴿ بما رحبت ﴾ أي بما اتسعت. يقال رحب المكان يرحب رحبا، أي اتسع. ﴿ وليتم مدبرين ﴾ أي انهزمتم.
تفسير المعاني :
لقد نصركم الله في مواقع كثيرة، ولكن يوم حنين حيث أعجبتكم كثرة عددكم فلم تنفعكم بشيء، وضاقت عليكم الأرض على سعتها ثم انهزمتم ووليتم الأدبار.
تفسير الألفاظ :
﴿ سكينته ﴾ السكينة هي سكون النفس واطمئنانها لأحكام الله.
تفسير المعاني :
ثم أنزل الله طمأنينته وهدوءه على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل من السماء جنودا لتشد أزركم في حربكم مع المشركين، وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين.
تفسير المعاني :
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء منهم بالتوفيق للإسلام، والله غفور رحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ نجس ﴾ أي قذر. ﴿ عيلة ﴾ أي فقرا. يقال : عال الرجل يعيل افتقر.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وإن خفتم الوقوع في الفقر بسبب انقطاع ما كان يسببه حجهم من الرواج فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنه عليم حكيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا يدينون دين الحق ﴾ أي ولا يأخذون بالدين الحق. يقال : دان الرجل بالإسلام يدين دينا وديانة اتخذه دينا له. ﴿ من الذين أوتوا الكتاب ﴾ أي من اليهود والنصارى. ﴿ عن يد ﴾أي عن يد مواتية، أي منقادين. ﴿ وهم صاغرون ﴾ أي أذلاء. يقال صغر يصغر صغرا وصغارا وصغرا، أي هان وذل.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إيمانا صحيحا، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون بدين الحق الذي نسخ جميع الأديان السابقة، من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية التي تقرر عليهم وهم صاغرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ عزير ﴾ نبي من أنبياء بني إسرائيل كان يحفظ التوراة عن ظهر قلب. قيل أماته الله مائة عام ثم بعثه، فلما رآه بعض اليهود قالوا ما وصل إلى هذا إلا لأنه ابن الله. ﴿ بأفواههم ﴾ الأفواه جمع الفاه أو الفوه أوالفيه وكلها بمعنى الفم. يقال فاه يفوه فوها أي نطق، والفيه الفصيح المنطيق. ﴿ يضاهئون ﴾ يشابهون ويشاكلون. ﴿ أنى يؤفكون ﴾ أي كيف ينصرفون وينقلبون.
تفسير المعاني :
وقالت اليهود : عزير ابن الله، وقالت النصارى : المسيح ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم مجردا عن البرهان، يشاكلون به قول الذين كفروا في العصور الماضية، قاتلهم الله ! كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل ؟
تفسير المعاني :
اتخذوا علماء دينهم أربابا من دون الله يحرمون لهم ويحلون بأهوائهم، وجعلوا المسيح ابنا لله وما أمروا إلا ليعبدوا الله وحده تنزه وتقدس عما يشركون.
تفسير المعاني :
يريدون أن يطفئوا حجة الله الدالة على وحدانيته بأفواههم، وقيل المراد بنور الله القرآن، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ أي ليجعله يتغلب على الأديان كلها. يقال ظهر عليه أي غلبه. وأظهره عليه أي جعله يغلبه. والدين هنا معناه الأديان لأن " أل " فيه للجنس.
تفسير المعاني :
هو الله الذي أرسل رسوله بالهداية وبدين الحق ليجعله يتغلب على جميع الأديان ولو كره المشركون ذلك.
تفسير الألفاظ :
﴿ الأحبار ﴾ العلماء وغلب على علماء اليهود، جمع حبر أو حبر.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون إن كثيرا من علماء اليهود ورهابنة النصارى ليغتالون أموال الناس من طريق الرشا وبيع الرحمة ويصدونهم عن اتباع دينه الصحيح، فبشر الذين يكنزون الأموال ولا يبذلونها في سبيل الله بعذاب أليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ هذا ما كنزتم ﴾ أي ويقال لهم هذا ما كنزتم.
تفسير المعاني :
يوم يحمى على هذه الأموال في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، ويقال هذا ما ادخرتم لأنفسكم فذوقوا عذاب ما كنتم تدخرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ حرم ﴾ جمع حرام أي يحرم فيها القتال. وهي واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. ﴿ ذلك الدين القيم ﴾ أي تحريم هذه الشهور هو الدين القيم، ومعنى تحريمها : تحريم القتال فيها. ﴿ كافة ﴾ أي جميعا وهي مصدر كف عن الشيء.
تفسير المعاني :
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في حكم كتاب الله، وهو أمر ثابت منذ خلق الله الأجرام والأزمنة، من هذه الشهور أربعة حرم، وإن تحريمها لهو الدين القيم، فلا تظلموا فيها أنفسكم بهتك حرمتها. وقاتلوا المشركين جميعا متساندين كما يقاتلونكم جميعا متعاونين، واعلموا أن الله مع المتقين. نقول : إن تحريم القتال في هذه الشهور الأربعة قد نسخ.
تفسير الألفاظ :
﴿ النسيء ﴾ أي تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، فقد كانوا إذا هل شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر. يقال نسأه ينسؤه نسئا ومنسأة أخره. ﴿ ليواطئوا ﴾ أي ليوافقوا، ومنه التواطؤ أي التوافق على أمر.
تفسير المعاني :
إن الذي يسميه المشركون بالنسيء، وهو إبدالهم أياما عادية بأيام من الأشهر الحرم ليستمروا في القتال والتناحر، إنما هو زيادة في الكفر يضل الشيطان به الذين كفروا، يجعلونه حلالا عاما وحراما عاما آخر، وقد زينت لهم أعمالهم السيئة والله لا يهدي الكافرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ انفروا ﴾ أي اخرجوا إلى الحرب. تقول نفر من الحرب أي هرب منها، ونفر إلى الحرب أي خرج إليها، كما يقال فزع منه أي خاف منه، وفزع إليه أي توجه إليه. ﴿ اثاقلتم ﴾ أي تثاقلتم بمعنى تباطأتم. ﴿ من الآخرة ﴾ أي بدل الآخرة. ﴿ متاع ﴾ أي تمتع. ﴿ في الآخرة ﴾ أي في جنب الآخرة.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون ما لكم إذا جد الجد وقيل لكم : اخرجوا فقاتلوا نفي سبيل الله. تثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة ؟ فما تمتع الحياة الدنيا في جنب التمتع في الآخرة إلا قليل لا يذكر.
تفسير المعاني :
إن لا تنفروا يسلط عليكم الجوائح المهلكة ويستبدل بكم رجالا آخرين يطيعونه فيما يأمر به ولا يضره إهلاككم شيئا والله على كل شيء قدير.
تفسير الألفاظ :
﴿ ثاني اثنين ﴾ أي وهو واحد من اثنين. ﴿ الغار ﴾ الكهف، وقيل كالبيت في الجبل، وقيل كل مطمئن من الأرض، جمعه أغوار وغيران. ﴿ سكينته ﴾ السكينة هي هدوء النفس واطمئنانها إلى الله.
تفسير المعاني :
إن لا تنصروا محمدا فقد تولاه الله ومنحه النصر إذ أخرجه الكافرون من مكة وهو أحد الرجلين، فأويا إلى الغار وهو يقول لصاحبه من فرط الثقة بربه : لا تحزن إن الله معنا. فأنزل الله طمأنينته على قلبه، وأيد رسوله بجنود من الملائكة لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا أي الشرك هي السفلى، وجعل كلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ خفافا ﴾ أي نشيطين أو مشاة أو صحاحا. ﴿ وثقالا ﴾ أي ركبانا أو مرضى. ويؤيده ما روى أن ابن أم مكتوم، وكان كفيف البصر، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أعلي أن أنفر ؟ قال : نعم. فنزل قوله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾، فمنعه.
تفسير المعاني :
اخرجوا للحرب مشاة وركبانا أو صحاحا ومراضا لا يثنيكم عنها شيء، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل دين الله، ذلكم خير لكم من القعود لأن فيه عزكم وسلطانكم إن كنتم تعلمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ لو كان عرضا قريبا ﴾ أي لو كان ما يدعون إليه نفعا دنيويا سهل المأخذ. ﴿ وسفرا قاصدا ﴾ أي وسفرا متوسطا. والقصد التوسط. ﴿ الشقة ﴾ المسافة.
تفسير المعاني :
لو كان ما تدعوهم إليه نفعا دنيويا قريب المأخذ وسفرا متوسطا لاتبعوك. ولكنهم رأوا المسافة بعيدة فتثبطوا وسيجيئونك يحلفون لك قائلين : لو كنا نستطيع الخروج لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم بالتخلف عن الجهاد، والله يعلم إنهم لكاذبون في اعتذارهم.
تفسير الألفاظ :
سورةالتوبة﴿ لم أذنت لهم ﴾ أي لم أذنت لهم في القعود حين تعللوا بالأكاذيب. ﴿ صدقوا ﴾ أي في الاعتذار.
تفسير المعاني :
سامحك الله يا محمد لم أذنت لهم في التخلف عن الخروج معك، هلا توقفت حتى يتضح لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ؟
تفسير المعاني :
ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا، فإن المخلصين منهم يسارعون إليه بغير استئذان فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف عنه.
تفسير الألفاظ :
﴿ وارتابت ﴾ أي وشكت، من الريب وهو الشك.
تفسير المعاني :
إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله ولا بالدار الآخرة، وشكت قلوبهم فهم في شكهم يتحيرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ لأعدوا له عدة ﴾ لهيئوا له أهبة. ﴿ انبعاثهم ﴾ أي نهوضهم.
تفسير المعاني :
ولو كانوا أرادوا الخروج لا تخذوا له أهبة، ولكن كره الله نهوضهم فحبسهم بالجبن والكسل وقيل اقعدوا مع القاعدين.
تفسير الألفاظ :
﴿ خبالا ﴾ أي فسادا. ﴿ ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ﴾ أي ولأسرعوا بينكم بالنميمة أو الهزيمة، يطلبون لكم الفتنة بالخلاف في الآراء أو بالرعب. يقال أوضع البعير أي أسرع. وخلالكم أي بينكم. يبغونكم أي يطلبون لكم، يقال بغى الشيء يبغيه بغية أي طلبه.
تفسير المعاني :
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا فسادا وشرا، ولأسرعوا في التدخل بينكم يطلبون لكم الوقوع في أمر يخدلكم كالتخالف أو التخاذل، وفيكم ضعفاء يسمعون لهم والله عليهم بالظالمين.
تفسير الألفاظ :
﴿ وقلبوا لك الأمور ﴾ أي ودبروا لك المكايد. ﴿ حتى جاء الحق ﴾ أي النصر. ﴿ وظهر أمر الله ﴾ أي وغلب دين الله.
تفسير المعاني :
لقد طلبوا تشتيت أمرك قبل اليوم ودبروا لك المكايد حتى جاءك النصر وغلب دين الله وهم كارهون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا تفتني ﴾أي ولا توقعني في الفتنة، وهي هنا العصيان. ﴿ ألا في الفتنة سقطوا ﴾ أي أن الفتنة هي التي هم فيها.
تفسير المعاني :
ومنهم من يقول لك : ائذن لي في التخلف ولا توقعني في العصيان، وهل العصيان إلا ما هم فيه ؟ وإن جهنم لمحيطة بالكافرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ قد أخذنا أمرنا من قبل ﴾ أي قد احتطنا لأنفسنا من قبل.
تفسير المعاني :
إن تنلك حسنة من عند الله تسؤهم، وإن تصبك مصيبة من هزيمة أو غيرها يقولوا : لقد احتطنا لأنفسنا من قبل بالتخلف عن الخروج، ويتولوا وهم فرحون.
تفسير المعاني :
قل لن يصيبنا إلا ما قدره الله علينا هو متولي أمرنا وعليه فليتوكل المؤمنون.
تفسير الألفاظ :
﴿ تربصون بنا ﴾ أي تنتظرون بنا. ﴿ إلا إحدى الحسنيين ﴾ أي إلا إحدى العاقبتين الحسنيين، والحسنى مؤنث الأحسن. ﴿ فتربصوا ﴾ أي فاصبروا.
تفسير المعاني :
قل لهم : هل تنتظرون بنا إلا واحدة من العاقبتين الحسنيين ؛ وهما النصرة أو الشهادة في سبيل الله ؟ أما نحن فننتظر بكم أن يصيبكم الله بقارعة من السماء أو يبطشة منا فانتظروا إنا معكم منتظرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ كرها ﴾ أي مكرهين.
تفسير المعاني :
قال : أنفقوا أيها المنافقون أموالكم في سبيل الله طوعا أو كرها لن يتقبلها الله منكم إنكم قوم خارجون عن الدين.
تفسير الألفاظ :
﴿ كسالى ﴾ جمع كسلان أي متثاقل. يقال كسل عن الشيء يكسل كسلا أي تثاقل عنه.
تفسير المعاني :
وما الذي يمنع أن تقبل نفقاتهم غير كفرهم بالله وبرسوله، وإذا صلوا صلوا كسالى ولا يبذلون أموالهم إلا كارهين !
تفسير الألفاظ :
﴿ وتزهق أنفسهم ﴾ أي وتموت أنفسهم. يقال زهق يزهق زهوقا أي اضمحل وبطل وهلك.
تفسير المعاني :
فلا يعجبك ما هم فيه من كثرة الأموال والأولاد، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا لما تستلزمه تربية الأولاد من المشاق، وما يستدعيه حفظ المال من المتاعب، ثم يموتون وهم كافرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ يفرقون ﴾ أي يخافون. يقال فرق الرجل يفرق فرقا : فزع.
تفسير المعاني :
ويحلفون بالله إنهم منكم وقد كذبوا، وما يحملهم على هذا الكذب إلا أنهم خائفون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ملجأ ﴾ أي حصنا يلجئون إليه. يقال لجأ به يلجأ لجأ. ولجئ يلجأ لجأ أي لاذ به واعتصم به، واللجأ الحصن. ﴿ مدخلا ﴾ أي نفقا تحت الأرض ينجحرون فيه، وهو مفتعل من الدخول. ﴿ يجمحون ﴾ أي يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح.
تفسير المعاني :
لو يجدون ملجأ يعتصمون به منكم، أو مغارات تحميهم من بطشكم، أو نفقا يخفيهم عن أعينكم، لأهرعوا إليه وهم يسرعون.
تفسير الألفاظ :
﴿ يلمزك ﴾ أي يعيبك. يقال لمزه يلمزه لمزا أي عابه.
تفسير المعاني :
ومنهم من يعيب قسمتك للصدقات، فإن أعطوا نصيبا منها رضوا وإن لم يعطوا منها رأيتهم يسخرون. نزلت هذه الآية الأخيرة في أبي الجواظ المنافق، قال : ألا ترون صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل ؟ وقد بين الله سبب سخطه.
تفسير الألفاظ :
﴿ حسبنا الله ﴾ أي كفانا الله. يقال حسبك هذا القدر، وبحسبك هذا القدر أي كفاك.
تفسير المعاني :
ولو أن الذين لم ترضهم قسمة غنيمة بدر رضوا ما أعطاهم الله ورسوله، وقالوا : كفانا ربنا سيؤتينا من فضله وسيؤتينا رسوله، إنا إلى الله راغبون لكان خيرا لهم. " في الآية جواب الشرط محذوف وهو : لكان خيرا لهم ".
تفسير الألفاظ :
﴿ للفقراء والمساكين ﴾ الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا في حاجته، مشتق من الفقار وهو سلسلة الظهر كأنه أصيب فقاره. والمسكين من له كسب لا يكفيه، مشتق من السكون كأن العجز أسكنه، وقيل العكس. ﴿ والعاملين عليها ﴾ أي العاملين على تحصيلها. ﴿ والمؤلفة قلوبهم ﴾ قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فتستألف بها قلوبهم. ﴿ وفي الرقاب ﴾ أي وللصرف في فك رقاب الأرقاء. ﴿ والغارمين ﴾ أي المديونين لأنفسهم في غير معصية. ﴿ وفي سبيل الله ﴾ أي في الجهاد. ﴿ وابن السبيل ﴾ المسافر المنقطع عن ماله.
تفسير المعاني :
ثم سرد الجهات التي يجب أن تصرف فيها الصدقات.
تفسير الألفاظ :
﴿ هو أذن ﴾ أي يصدق كل ما يقال له، وسمى بعضو السمع للمبالغة. ﴿ ويؤمن للمؤمنين ﴾ أي ويصدقهم.
تفسير المعاني :
ثم قال : ومن هؤلاء الضعيفي الإيمان من يؤذون النبي ويقولون : إنه يسمع ما يقال له ويصدقه. قل : إنه يسمع ولكنه يسمع الخير ويقبله، يصدق بالله ويصدق المؤمنين، وهو رحمة لهم، والذين يؤذونه لهم عذاب أليم.
تفسير المعاني :
يحلفون لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا يؤمنون به.
تفسير الألفاظ :
﴿ يحادد ﴾ يشاقق، مفاعلة من الحد.
تفسير المعاني :
ألم يعلموا أنه من يشاقق الله ورسوله يرمى به في جهنم خالدا فيها ؟ ذلك الخزي العظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ مخرج ﴾ أي مظهر ومبرز.
تفسير المعاني :
يخشى المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوبهم : استهزئوا ما شئتم إن الله مظهر ما تخشون من إفشائه.
تفسير المعاني :
وإن سألتهم في ذلك قالوا : كنا نخوض في الكلام ونلعب. قل : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟.
تفسير الألفاظ :
﴿ إن نعف عن طائفة منكم ﴾ لتوبتهم وإخلاصهم.
تفسير المعاني :
لا تعتذروا اليوم قد كفرتم بعد إيمانكم بإيذاء الرسول والطعن فيه، فإن نعف عن طائفة منكم لتوبتهم وإخلاصهم ووفائهم، نعذب طائفة بسبب أنهم كانوا مجرمين.
تفسير الألفاظ :
﴿ المنافقون والمنافقات ﴾ المنافق هو الذي يدعى الإيمان ظاهرا ويبطن الكفر باطنا.
تفسير المعاني :
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، أي متشابهون في النفاق والبعد عن الإيمان كأبعاض الشيء الواحد، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم عن المبار " وقبض اليد كناية عن الشح "، أغفلوا ذكر الله فأغفل ذكرهم، إن المنافقين هم الخارجون عن حدود الشريعة.
تفسير المعاني :
وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها، فهي كافيتهم ولعنهم الله، أي أبعدهم عن رحمته، ولهم عذاب مقيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فاستمتعوا بخلاقهم ﴾ أي فتمتعوا بنصيبهم، والمراد نصيبهم من ملاذ الدنيا. ﴿ وخضتم ﴾ أي ودخلتم في الباطل. ﴿ حبطت ﴾ أي بطلت. يقال حبط عمله يحبط حبوطا أي يبطل.
تفسير المعاني :
كالذين من قبلكم، أي أنكم تفعلون مثل ما كان يفعل الذين قبلكم، كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فتمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا، وتمتعتم بنصيبكم منها كما تمتع الذين من قبلكم، ودخلتم في الباطل كما دخلوا فيه، أولئك بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة، أي لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين، وأولئك هم الخاسرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ نبأ ﴾ أي خبر. ﴿ والمؤتفكات ﴾ وهي قرى قوم لوط، سميت بذلك لأنها ائتفكت بأهلها، أي انقلبت فصار عاليها سافلها. ﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات. ﴿ أنفسهم يظلمون ﴾ أي يظلمون أنفسهم.
تفسير المعاني :
ألم يجئهم خبر الذين كانوا من قبلهم قوم نوح أغرقوا بالطوفان، وعاد أهلكوا بالريح، وثمود أهلكوا بالرجفة، وقوم إبراهيم هلك نمرود وهلك أصحابه، وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار، وقرى قوم لوط انقلبت بأهلها فصار عاليها سافلها.. كل هذه الأمم أتتهم رسلهم بالآيات الواضحات فلم يكن الله ليظلمهم ولكنهم كانوا يظلمون أنفسهم بتعريضها لسخط الله بالكفر والجحود.
تفسير الألفاظ :
﴿ أولياء ﴾ جمع ولي وهو الناصر والصديق. ﴿ بالمعروف ﴾ المعروف ما استحسنه الشرع وندب إليه. ﴿ المنكر ﴾ المنكر ما استقبحه الشرع ونهى عنه.
تفسير المعاني :
أما المؤمنون والمؤمنات فبعضهم يتولى بعضا، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعدلون أركان الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيدخلهم الله في رحمته إن الله عزيز حكيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ جنات عدن ﴾ عن النبي صلى الله عليه وسلم : عدن دار الله التي لم ترها عين قط ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير النبيين والصديقين والشهداء. ﴿ ورضوان ﴾ أي رضاء.
تفسير المعاني :
وعد المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، ومساكن تستطيبها نفوسهم في جنات عدن، ولهم فوق ذلك رضوان الله ذلك هو الفوز المبين.
تفسير الألفاظ :
﴿ واغلظ عليهم ﴾ أي وكن شديدا عليهم. يقال غلظ يغلظ غلظا، أي اشتد وفظع ﴿ ومأواهم ﴾ أي ومنزلهم. يقال أوى إلى داره يأوي أويا سكن فيها.
تفسير المعاني :
يا أيها النبي حارب الكفار والمنافقين الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، واشتد عليهم، ومنزلهم في الآخرة جهنم وبئس المآل.
تفسير الألفاظ :
﴿ قالوا كلمة الكفر ﴾ أي أظهروا الكفر. ﴿ وهموا بما لم ينالوا ﴾ أي اعتزموا أمرا لم ينالوه، وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم. ﴿ وما نقموا ﴾ أي وما أنكروا. يقال نقم ينقم ونقم ينقم أي عاب وأنكر. ﴿ يتولوا ﴾ أي يدبروا ويعرضوا.
تفسير المعاني :
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه قرآن في النعي على من تخلف عنه من أصحابه، فقال الجلاس بن سويد : لئن كان ما يقول محمد لإخواننا حقا لنحن شر من الحمير، فاستحضره فحلف بالله ما قاله، فنزل قول الله تعالى :﴿ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ﴾، الآية. فتاب الجلاس وصحت توبته.
تفسير المعاني :
قوله تعالى :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ﴾، الآية، نزل في ثعلبة بن حاطب، طلب إلى رسول الله أن يدعو الله له بالغني فدعا له، فلما اغتنى ما طل في دفع الزكاة، فنزلت هذه الآية. فلما بلغت ثعلبة جاء بالصدقة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ثعلبة يحثو التراب على رأسه، فقال له رسول الله : هذا جزاء عملك. فلما تولى أبو بكر ثم عمر جاءهما ثعلبة راجيا قبول زكاته فلم يقبلاها، ومات في زمن عثمان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:تفسير المعاني :
قوله تعالى :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ﴾، الآية، نزل في ثعلبة بن حاطب، طلب إلى رسول الله أن يدعو الله له بالغني فدعا له، فلما اغتنى ما طل في دفع الزكاة، فنزلت هذه الآية. فلما بلغت ثعلبة جاء بالصدقة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ثعلبة يحثو التراب على رأسه، فقال له رسول الله : هذا جزاء عملك. فلما تولى أبو بكر ثم عمر جاءهما ثعلبة راجيا قبول زكاته فلم يقبلاها، ومات في زمن عثمان.

تفسير الألفاظ :
﴿ فأعقبهم نفاقا ﴾ أي فجعل الله عاقبة أمرهم نفاقا في قلوبهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:تفسير المعاني :
قوله تعالى :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ﴾، الآية، نزل في ثعلبة بن حاطب، طلب إلى رسول الله أن يدعو الله له بالغني فدعا له، فلما اغتنى ما طل في دفع الزكاة، فنزلت هذه الآية. فلما بلغت ثعلبة جاء بالصدقة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ثعلبة يحثو التراب على رأسه، فقال له رسول الله : هذا جزاء عملك. فلما تولى أبو بكر ثم عمر جاءهما ثعلبة راجيا قبول زكاته فلم يقبلاها، ومات في زمن عثمان.

تفسير الألفاظ :
﴿ نجواهم ﴾ أي وما يتناجون به في نواديهم، ومعناه : ما يتكلمون به في نواديهم. يقال ناجيته أي ساررته، وأصله أن تخلو بصاحبك في نجوة من الأرض، وهو ما ارتفع منها.
تفسير المعاني :
ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم ما يكتمونه في أنفسهم وما يتكلمون به في مجالسهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ يلمزون ﴾ أي يطعنون. يقال لمزه يلمزه لمزا كسره وطعن عليه. ومنه اللمزة، أي كثير الطعن في أعراض الناس. ﴿ المطوعين ﴾ أي المتطوعين ﴿ لا يجدون إلا جهدهم ﴾ أي لا يجدون إلا طاقتهم. ﴿ فيسخرون ﴾ أي فيستهزئون. يقال سخر منه يسخر سخرا أي استهزأ به.
تفسير المعاني :
إن الطاعنين على المتطوعين الذين لبوا دعوة الرسول لما حثهم على الصدقة وعلى الذين لا يجدون من المال إلا طاقتهم فيستهزئون بهم، جازاهم الله على استهزائهم ولهم عذاب أليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ الفاسقين ﴾ أي الخارجين عن حدود الشرع.
تفسير المعاني :
روى أن عبد الله بن عبد الله بن أبي سأل رسول الله أن يستغفر لوالده وهو مريض فاستغفر له، فنزل قوله تعالى :﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾. فقال عليه السلام : لأزيدن على السبعين، فنزل قوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ المخلفون ﴾ الذين تخلفوا عن الذهاب مع الرسول في غزوة تبوك. ﴿ خلاف رسول الله ﴾ أي بعده. ﴿ لا تنفروا ﴾ أي لا تخرجوا إلى الجهاد.
تفسير المعاني :
ثم قال تعالى ما معناه : فرح الذين تخلفوا عن رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم، وقالوا للناس : لا تخرجوا للحرب في الحر، فقل لهم : نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفهمون.
تفسير المعاني :
فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء لهم على ما كانوا يقترفون.
تفسير الألفاظ :
﴿ الخالفين ﴾ أي المتخلفين يقال خلف يخلف خلفا، أي تأخر لقصور أو نقصان.
تفسير المعاني :
فإن ردك الله إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلفين فاستأذنوك للخروج إلى غزوة أخرى بعد غزوة تبوك المار ذكرها، فقل لهم : لن تخرجوا معي أبدا، ولن تقاتلوا معي عدوا، إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع المتخلفين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا تقم على قبره ﴾ أي ولا تقف على قبره للدفن أو الزيارة. ﴿ فاسقون ﴾ أي خارجون عن الدين.
تفسير المعاني :
ولا تصل على من مات منهم أبدا ولا تقف على قبره لدفنه نأو زيارته لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم خارجون عن الدين.
تفسير المعاني :
ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فإن الله آتاهم إياها ليعذبهم بها في الدنيا لما تقتضيه من المشاق والتكاليف، ثم تخرج أرواحهم وهم كافرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أن آمنوا ﴾ أي بأن آمنوا. ﴿ أولو الطول ﴾ أي أصحاب الغنى والسعة. ﴿ ذرنا ﴾ أي اتركنا. هذا الفعل لا يستعمل إلا في المضارع والأمر. ﴿ مع القاعدين ﴾ أي الذين قعدوا لعذر.
تفسير المعاني :
وإذا أنزلت سورة وفيها دعوة للإيمان بالله والجهاد مع رسوله استأذنك أهل الغنى منهم وقالوا : اتركنا مع القاعدين.
تفسير الألفاظ :
﴿ الخوالف ﴾ النساء جمع خالفة. وأصل الخالفة عمود الخيمة المتأخر، ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين. ﴿ وطبع ﴾ أي وختم. والشيء الذي يختم عليه يكون مغلقا فيكون المعنى : وأغلقت قلوبهم عن الفهم. ﴿ لا يفقهون ﴾ لا يفهمون.
تفسير المعاني :
رضوا بأن يكونوا مع النساء، وقد أغلق الله قلوبهم عن الإدراك فهم لا يفهمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ الخيرات ﴾ جمع خير وهي منافع الدنيا والآخرة.
تفسير المعاني :
لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم فاستحقوا خيرات الدنيا والآخرة وأولئك هم الفائزون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أعد ﴾ هيأ.
تفسير المعاني :
هيأ الله للرسول والذين آمنوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز المبين.
تفسير الألفاظ :
﴿ المعذرون ﴾ أي المقصرون أو المعتذرون. وهذا اللفظ مشتق إما من عذر في الأمر أي قصر فيه، وإما من اعتذر بإدغام التاء في الذال. ﴿ الأعراب ﴾ أي أهل البادية واحدة أعرابي، وهذا غير العربي الذي معناه المنتسب إلى بلاد العرب. ﴿ كذبوا الله ورسوله ﴾ أي كذبوا فيما ادعوه لهما. يقال سألته فكذبني أي لم يصدقني.
تفسير المعاني :
وجاء المعتذرون من الأعراب، وهم بنو أسد وبنو غطفان، معتذرين بالجهد وكثرة العيال ليؤذن لهم في القعود. وقعد الذين كذبوا الله ورسوله في ادعاء الإيمان. سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ حرج ﴾ أي ضيق أو إثم في التأخر.
تفسير المعاني :
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون نفقة يخرجون بها معك من إثم في التخلف إذا نصحوا لله ورسوله بالإيمان والطاعة ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل.
تفسير المعاني :
ولا لوم أيضا على الذين يطلبون إليك أن تعطيهم مطايا توصلهم إلى ميدان الجهاد. فإذا قلت لهم : ليس لدى مطايا. خرجوا وأعينهم فائضة بالدموع حزنا من عدم وجدانهم ما ينفقون على خروجهم للجهاد.
تفسير الألفاظ :
﴿ الخوالف ﴾ النساء، جمع خالفة، وأصل الخالفة عمود الخيمة المتأخر، سميت به المرأة لتخلفها عن المرتحلين. ﴿ وطبع ﴾ أي وختم وهما بمعنى الإغلاق، والمعنى : أنه قد أغلق قلوبهم فهي لا تعي ولا تفهم
تفسير المعاني :
إنما السبيل بالمعاتبة على الذين يستأذنونك في التخلف وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع النساء، وأغلق الله قلوبهم فهم لا يعلمون عاقبة ما يفعلون.
تفسير الألفاظ :
﴿ قد نبأنا ﴾ قد أخبرنا. ﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ الشهادة الحضور مع المشاهدة، وعالم الغيب والشهادة أي عالم بما غاب عن العقول والأبصار، وبما يشهده النظار. ﴿ فينبئكم ﴾ أي فيخبركم.
تفسير المعاني :
يعتذرون إليكم إذا عدتم إليهم، قل : لا تعتذروا بالمعاذير الكاذبة فلن نصدقكم، قد كشف الله لنا بعض أخباركم وسيرى الله عملكم ويراه رسوله أيضا، أتتوبون عن الكفر أم تستمرون عليه ؟ ثم ترجعون بالموت إلى عالم الغيب والشهادة فيخبركم بما كنتم تعملون ويعاقبكم عليه.
تفسير الألفاظ :
﴿ إذا انقلبتم إليهم ﴾ أي إذا عدتم إليهم. ﴿ رجس ﴾ أي إثم أو كفر جمعه أرجاس. ﴿ ومأواهم ﴾ أي ومسكنهم. يقال أوى إليه يأوي أويا.
تفسير المعاني :
سيحلفون بالله لكم إذا رجعتم إليهم لتتركوهم بلا معاتبة، فاتركوهم إنهم أقذار ومسكنهم في الآخرة جهنم جزاء لهم على ما كسبوه من الآثام.
تفسير المعاني :
يحلفون لكم لترضوا عنهم، ولكن رضاءكم لا يستلزم رضاء الله، فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الخارجين عن الدين.
تفسير الألفاظ :
فقوله تعالى :﴿ الأعراب أشد كفرا ونفاقا ﴾ ليس معناه العرب أشد كفرا وإنما معناه سكان البوادي الجفاة. ﴿ الأعراب ﴾ أهل البادية، ضد أهل الحضر. ﴿ وأجدر ﴾ أي وأولى الناس.
تفسير المعاني :
الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأخلق أن يجهلوا حدود ما أنزله الله على رسوله من الشرائع والأصول والله عليم حكيم " المراد بالأعراب أهل البوادي لا الجنس العربي ".
تفسير الألفاظ :
﴿ مغرما ﴾ أي غرامة. ﴿ ويتربص بكم الدوائر ﴾ أي وينتظر بكم دوائر الزمان ونوبه لينقلب الأمر عليكم فيتخلص من الإنفاق. ﴿ عليهم دائرة السوء ﴾ دعاء عليهم بمثل ما يطلبون للمسلمين.
تفسير الأعراب :
منهم من يتخذ ما يبذله في سبيل الله غرامة عليه وينتظر أن تحل بكم الكوارث، رد الله عليهم تلك الكوارث وهو السميع العليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ قربات ﴾ أي ما يتقرب بها إلى الله، جمع قربة. ﴿ وصلوات الرسول ﴾ أي دعوات الرسول، فإنه كان يدعو للمتصدقين ويستغفر لهم.
تفسير المعاني :
ومن الأعراب رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفقه وسيلة قرب إلى الله، ووسيلة لدعوات الرسول له لأنه كان يدعو للمتصدقين. نعم إن ما ينفقونه هو قربة لهم وسيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأعد لهم ﴾ أي وهيأ لهم.
تفسير المعاني :
والسابقون إلى الإسلام من المهاجرين الذين هاجروا مع النبي من مكة، والأنصار الذين نصروه من أهل المدينة ومن اتبعهم بإحسان، أولئك رضي الله عنهم بقبول طاعتهم، ورضوا عنه بما نالوه من نعمه الدنيوية والأخروية، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ الأعراب ﴾ أهل البادية، جمع أعرابي، وهذا غير العربي الذي معناه المنتسب إلى الجنس العربي. ﴿ ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ﴾ أي وبعض أهل المدينة تمرنوا على النفاق، يقال مرد يمرد مرودا، أقدم وعتا أو تمرن على الشيء.
تفسير المعاني :
وبعض الذين حولكم من أهل البادية منافقون، وبعض أهل المدينة مرنوا على النفاق، لا تعرفهم، نحن نعرفهم، سنعذبهم مرتين بالفضيحة وأخذ الزكاة منهم ثم يردون في الآخرة إلى عذاب عظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ عسى ﴾ فعل جامد معناه يرجى ويتوقع.
تفسير المعاني :
وهناك رجال آخرون اعترفوا بذنوبهم في التخلف عن الغزو معك في تبوك، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فيرجى أن يتوب الله عليهم إن الله غفور رحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ وتزكيهم ﴾ أي تطهرهم. ﴿ سكن لهم ﴾ أي تسكن إليها نفوسهم.
تفسير المعاني :
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وصل عليهم، أي وادع لهم، إن دعاءك يسكن اضطراب نفوسهم والله سميع عليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ويأخذ الصدقات ﴾ أي يقبلها قبول من يأخذ ليؤدي بدله.
تفسير المعاني :
ألم يعلم التائبون أن الله يقبل التوبة عن عباده ويقبل صدقاتهم ليثيبهم عليها ؟ إنه هو التواب الرحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ وقل اعملوا ﴾ أي اعملوا ما شئتم.
تفسير المعاني :
وقل لهم يا محمد : اعملوا ما شئتم فسيرى الله عملكم ويراه رسوله والمؤمنون وسترجعون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة فيخبركم بما كنتم تعملون. ﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ أي ما خفي وما ظهر. الغيب ما احتجب عن الأبصار والعقول، والشهادة هي الحضور والشهود.
تفسير الألفاظ :
﴿ وآخرون مرجون ﴾ أي وآخرون من المتخلفين مرجئون أي مؤخرون، من أرجأه يرجئه إرجاء أي أخره.
تفسير المعاني :
وهناك متخلفون آخرون غزوة تبوك المتقدمة مؤجل أمرهم إلى الله، فإما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ضرارا ﴾ أي مضارة للمؤمنين. وضرارا هذا مصدر ضاره أي أضره. ﴿ وإرصادا ﴾ أي ترقبا. ﴿ إلا الحسنى ﴾ أي إلا الفعلة الحسنى، وهي مؤنث الأحسن.
تفسير المعاني :
قوله تعالى :﴿ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ﴾ سبب نزوله أن بنى عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلى فيه، ففعل. فحسدهم أخوالهم بنو غنم بن عوف، فبنوا لهم مسجدا خاصا وانتظروا أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فنزلت هذه الآية تشير إلى أنهم بنوه مضارة للمسلمين وتفريقا لوحدتهم وترصدا لحضور من حارب الله ورسوله وهو أبو عامر الراهب، وليحلفن بانوه أنهم ما أرادوا إلا الخير وإنهم لكاذبون.
تفسير العاني :
فلا تقم فيه أبدا فإن مسجدا يؤسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ خير ﴾ أي أخير، وإنما تحذف الهمزة منها ومن أشر لأن ذلك أفصح. ﴿ على شفا ﴾ أي على حرف، والشفا حرف كل شيء، تثنيته شفوان وجمعه أشفاء. ﴿ جرف ﴾ الجرف الجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر كل حين يسقط شيء منه. ﴿ هار ﴾ أي ضعيف ساقط. يقال هار البناء يهور هورا انهدم. وهاره يهوره هورا هدمه. ﴿ فانهار ﴾ أي فسقط.
تفسير المعاني :
أيهما أفضل : الذي أسس بنيانه على تقوى الله ورضوانه، أم الذي أسسه على جرف شط متساقط فهوى به في نار جهنم ؟ والله لا يهدي القوم الظالمين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ريبة في قلوبهم ﴾ أي شكا ونفاقا.
تفسير المعاني :
لا يزال مسجد بنى غنم بن عوف الذي بنون ليؤمهم فيه أبو عامر الراهب شكا ونفاقا في قلوبهم حتى بعد أن هدمه رسول الله إلا أن تقطع قلوبهم تقطيعا بحيث لا تصلح للإدراك.
تفسير الألفاظ :
﴿ وعدا عليه حقا ﴾ مصدر مؤكد لما دل عليه الاشتراء في قوله تعالى :﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ﴾.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم في مقابل الجنة، يجاهدون في سبيله وينصرون دعوته، وذلك هو الفوز العظيم.
تفسير الألفاظ :
وقوله :﴿ التائبون العابدون ﴾ إلخ. صفات للمؤمنين، رفعت على المدح وإن كان محلها الجر. ﴿ السائحون ﴾ أي الصائمون لقول رسول الله : سياحة أمتي الصوم. وقيل هم المسافرون للجهاد أو لطلب العلم. ﴿ بالمعروف ﴾ المعروف ما استحسنه الشرع وندب إليه. ﴿ المنكر ﴾ ما أنكره الشرع ونهى عنه.
تفسير الألفاظ :
﴿ أولى قربى ﴾ أي ذوي قربى، والقربى القرابة. ﴿ الجحيم ﴾ أي جهنم، والجحمة شدة تأجج النار.
تفسير المعاني :
ما كان ينبغي للنبي والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا ذوي قرباهم من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، نزلت هذه الآية لما قال النبي لعمه أبي طالب، وقد أبى عليه الإسلام : لا أزال استغفر الله ما لم أنه عنه.
تفسير الألفاظ :
﴿ موعدة ﴾ أي وعد. ﴿ لأواه ﴾ أي لكثير الترديد لقول آه تحسرا على ما يراه من أحوال الناس.
تفسير المعاني :
نهيناكم عن الاستغفار لذوي قرباكم إن ماتوا كافرين. فإن قلتم : فكيف ساغ لإبراهيم أن يستغفر لأبيه ؟ قلنا لكم : إن استغفاره له كان برا بوعده إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، إن إبراهيم لكثير التأوه حليم.
تفسير المعاني :
وما كان الله ليسمى قوما ضالين أو يؤاخذهم مؤاخذة الضالين حتى يبين لهم خطر ما يجب عليهم اتقاؤه إنه بكل شيء عليم.
تفسير المعاني :
إن الله له ملك السموات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دونه من صديق ولا نصير.
تفسير الألفاظ :
﴿ الذين اتبعوه في ساعة العسرة ﴾ أي في وقت العسرة وهي حالهم في غزوة تبوك. ﴿ يزيغ ﴾ أي يميل.
تفسير المعاني :
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة والضيق بعد ما كاد يزيغ قلوب جماعة منهم، قيل المراد المتخلفون عن الخروج مع الرسول ومكثوا بالمدينة، ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم.
تفسير المعاني :
وتاب على الثلاثة الذين تخلفوا عن السفر مع النبي في تلك الغزوة، فإنهم رأوا من شدة الندم ما لا يمكن وصفه، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي على رحبها، بسبب إعراض الناس عنهم، وضاقت عليهم أنفسهم من فرط الوحشة والغم، واعتقدوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم.
نقول : لقد بلغ من ضيق هؤلاء الثلاثة أن أحدهم شد نفسه على سارية المسجد حالفا أنه لا ينزل حتى يتوب الله عليه أو يموت فمكث على تلك الحالة سبعة أيام ثم تاب الله عليه.
تفسير الألفاظ :
﴿ أن يتخلفوا ﴾ أي أن يتأخروا. ﴿ ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ﴾ أي ولا يصونوا أنفسهم عما لم يصن نفسه عنه، ويكابدوا معه ما يكابده من الشدائد. ﴿ ظمأ ﴾ أي عطش. يقال ظمئ يظمأ ظمأ أي عطش ﴿ ولا نصب ﴾ أي ولا تعب. يقال نصب ينصب نصبا أي تعب. ﴿ ولا مخمصة ﴾ أي ولا مجاعة تجعل الرجل خميص البطن أي ضامره. ﴿ ولا يطئون موطئا ﴾ أي ولا يدوسون مكانا. يقال وطئ المكان يطؤه وطئا أي داسه. ﴿ ولا ينالون من عدو نيلا ﴾ أي ولا يصيبون منه شيئا كالقتل أو الأسر أو الغنم.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون خافوا الله وكونوا مع الصادقين في إيمانهم وعهودهم.
تفسير المعاني :
لا ينبغي لأهل المدينة ومن حولهم من البدو أن يتأخروا عن رسول الله إذا خرج لحرب، ولا أن يضنوا بأنفسهم عما لا يضن بنفسه عنه، ذلك بأنه لا يصيبهم أي أذى ولا يفوزون بأقل مزية في سبيل الله إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا يقطعون واديا ﴾ أي ولا يخترقون واديا، وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل، وهو اسم فاعل من ودي أي سال فشاع في الأرض. ويقال للمفرج بين الجبلين واد أيضا.
تفسير المعاني :
ولا يبذلون من أموالهم قليلا ولا كثيرا ولا يخترقون واديا إلا سجل لهم ليجزيهم الله جزاء أحسن أعمالهم. ولا يحسن بالمؤمنين أن يخرجوا جميعا لنحو طلب علم أو غزو عدو، ولا أن يكسلوا جميعا فإن ذلك يخل بجماعتهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ لينفروا ﴾ أي ليخرجوا إلى الحرب. ﴿ فلولا نفر ﴾ أي فهلا خرج للحرب. ﴿ ليتفقهوا ﴾ أي ليتكلفوا الفقاهة فيه أي الفهم فيه.
تفسير المعاني :
فلولا خرج من كل جماعة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ويرشدوا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون مما ينذرون منه.
تفسير الألفاظ :
﴿ الذين يلونكم ﴾ أي الذين يقربون منكم. يقال وليه يليه وليا، قرب منه. ﴿ وليجدوا فيكم غلظة ﴾ أي شدة وصبرا.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون قاتلوا الكافرين القريبين منكم، " قيل هم طائفة من اليهود وقيل الروم لأنهم كانوا يسكنون الشام " وليجدوا فيكم شدة وصبرا، وثقوا أن الله مع المتقين.
تفسير المعاني :
وإذا نزلت سورة من القرآن قال المنافقون استهزاء : أيكم زادته هذه إيمانا ؟ أما المؤمنون فتزيدهم إيمانا وهم يستبشرون بها.
تفسير الألفاظ :
﴿ رجسا ﴾ أي إثما. والمراد بالرجس هنا الكفر.
تفسير المعاني :
وأما الذين في قلوبهم مرض النفاق فتزيدهم كفرا على كفرهم ويموتون وهم كافرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أنهم يفتنون ﴾ أي يبتلون. ﴿ ولا هم يذكرون ﴾ أي ولا هم يعتبرون.
تفسير المعاني :
ألا يرى أولئك المنافقون أنهم يبتلون بالجهاد مع رسول الله في كل عام مرة أو مرتين فيشاهدون آثار النبوة فيه أفلا يعتبرون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ صرف الله قلوبهم ﴾ أي صرفها عن الإيمان، يحتمل أن يكون دعاء عليهم أو إخبارا عنهم. ﴿ لا يفقهون ﴾ أي لا يفهمون.
تفسير المعاني :
وإذا نزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض وقالوا : هل يراكم أحد ؟ فإن كان يراهم أحد مكثوا وإن لم يكن يراهم أحد قاموا فانصرفوا خشية أن تفضحهم، صرف الله قلوبهم عن الإيمان فهم لا يفهمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ رسول من أنفسهم ﴾ أي من جنسكم عربي مثلكم. وقرئ من أنفسكم أي من أشرفكم. ﴿ عزيز عليه ما عنتم ﴾ أي شديد على نفسه عنتكم ولقاؤكم المكروه. يقال عنت الشيء يعنت عنتا فسد، وعنت فلان وقع في أمر شاق، وعنت الرجل اكتسب إثما.
تفسير المعاني :
لقد جاءكم أيها الناس رسول من جنسكم يشق عليه أن تقعوا في الشدائد والمكاره، حريص على إيمانكم، بالمؤمنين رءوف رحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فإن تولوا ﴾ فإن أعرضوا عن الإيمان بك. ﴿ فقل حسبي الله ﴾ أي كفايتي الله. ﴿ رب العرش العظيم ﴾ العرش لغة : شيء مسقف ويكنى به عن الملك العظيم فيكون المعنى : رب الملك العظيم. وقيل العرش جسم عظيم محيط بالكون تنزل منه الأحكام والمقادير، ولكن القول الأول هو الموافق للغة وللعقل معا.
تفسير المعاني :
فإن أعرضوا فقل : الله كفايتي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب الملك العظيم.
Icon