تفسير سورة الليل

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الليل من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله عز وجل :﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾.
هي في قراءة عبد الله «والذكرِ والأنثى » فلو خفض في قراءتنا «الذكر والأنثى » يجعل «وما خلق » كأنه قال : والذي خلق من الذكر والأنثى، وقرأه العوام على نصبها، يريدون : وخلقه الذكر والأنثى.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.
هذا جواب القسم، وقوله :«لشتى » يقول : لمختلف، نزلت في أبي بكر بن أبي قحافة رحمه الله، وفي أبي سفيان، وذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى تسعة رجال كانوا في أيدي المشركين من ماله يريد به الله تبارك وتعالى ؛ فأنزل الله جل وعز فيه ذلك :﴿ فَأَمّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ ﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ أبو بكر.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ للعود إلى العمل الصالح.
وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾.
يقول : قد خلق على أنه شقي ممنوع من الخير، ويقول القائل : فكيف قال :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ فهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في هذا إِجازته بمنزلة قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾. والبشارة في الأصل على المفرح والسار ؛ فإذا جمعت في كلامين : هذا خير : وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعا.
وقوله عز وجل :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ ﴾ سنهيئه. والعرب تقول : قد يسّرَت الغنم إذا ولدت وتهيأت للولادة : وقال الشاعر :
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسَّرت غنماها
وقوله [ ١٤١/ا ] عز وجل :﴿ إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدَى ﴾.
يقول : من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ومثله قوله :﴿ وَعلى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾ يقول : من أرادَ اللهَ فهو على السبيل القاصد، ويقال : إن علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كما قال :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ ﴾، وهي تقي الحرّ والبرد.
وقوله جل وعز :﴿ وَإِنَّ لَنا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ﴾.
لثواب هذه، وثواب هذه.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ﴾.
معناه : تتلظى فهي في موضع رفع، ولو كانت على معنى فعل ماض لكانت : فأنذرتكم نارا تلظّت.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء، قال : حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال، «فاتت عبيدَ بن عمير ركعةٌ من المغرب، فقام يقضيها فسمعته يقرأ :﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ﴾ : قال الفراء ورأيتُها في مصحف عبد الله :«تتلظّى » بتاءين.
وقوله عز وجل ﴿ لاَ يَصْلاَها إِلاَّ الأَشْقَى ﴾.
إِلاّ من كان شقيا في علم الله.
وقوله عز وجل :﴿ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾.
لم يكن كذّب بردٍّ ظاهر، ولكنه قصّر عما أمِر به من الطاعة، فجُعل تكذيبا، كما تقول : لقي فلان العدو ؛ فكذب إِذا نكَل ورجع. قال الفراء : وسمعت أبا ثَرْوان يقول : إِنّ بني نمير ليس لجدهم مكذوبة. يقول : إذا لَقُوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قول الله تبارك وتعالى :﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ﴾ يقول : هي حق.
وقوله عز وجل :﴿ وَسَيُجَنَّبُها الأَتْقَى ﴾ أبو بكر.
وقوله عز وجل :﴿ وَما لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾.
يقول : لم ينفق نفقته مكافأة ليد أحد عنده، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه، فإلاّ في هذا الموضع بمعنى ( لكن ) وقد يجوز أن تجعل الفعل في المكافأة مستقبلا، فتقول : ولم يُرد مما أنفق مكافأةً من أحد. ويكون موقع اللام التي في أحدٍ في الهاء التي [ ١٤١/ب ] خفضتها عنده، فكأنك قلت : وماله عن أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، وكلا الوجهين حسن، قال الفراء : ما أدري أي الوجهين أحسن، وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان المعنى معروفا.
وقد قال الشاعر :
لقد خفت حتى ما تزيدُ مخافتي على وعلٍ في ذي المكاره عاقِل
والمعنى : حتى ما تزيد مخافة ( وعل ) على مخافتي، ومثله من غير المخفوض قول الراجز :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
قال الفراء : حلِيت بعيني، وحلَوت في صدري والمعنى : تحلى بالعين إذا ما تجهره، ونصبُ الابتغاء من جهتين : من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر على اختلاف ما قبْلَ إلاّ وما بعدها : والعرب تقول : ما في الدار أحد إِلاَّ أكلباً وأحمرةً، وهي لغة لأهل الحجاز، ويتبعون آخر الكلام أوله فيرفعون في الرفع، وقال الشاعر في ذلك :
وبلدةٍ ليس بها أنيس إِلاّ اليعافير وإِلاّ العيس
فرفع، ولو رفع ( إلا ابتغاء وجه ربه ) رافع لم يكن خطأ ؛ لأنك لو ألقيت من : من النعمة لقلت : ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إِلا ابتغاء، فيكون الرفع على اتباع المعنى، كما تقول : ما أتاني من أحد إِلاَّ أبوك.
Icon