تفسير سورة الفاتحة

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
المقدمة
لا إله إلا الله عدة للقاء الله عز وجل رب بك أستعين
أخبرنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي الصاعدي في كتابه إلينا من نيسابور قال:
أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رضي الله عنه قال: الحمد لله الكريم بآلائه العظيم بكبريائه القادر فلا يمانع والقاهر فلا ينازع والعزيز فلا يضام والمنيع فلا يرام والمليك الذي له الأقضية والأحكام وصلواته على المبعوث بشيرا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا محمد النبي خير الورى وعلى آله وأصحابه مصابيح الهدى ما انبلج الليل عن الصباح ونادى المنادي بحي على الفلاح وسلم كثيرا
أما بعد فإن لكل زمان نشوا ولكل نشو علما يتعاطونه على قدر هممهم وأفهامهم ومددهم في العمر وأيامهم وفيما سلف من الأيام وخلا من الشهور والأعوام كانت الهمم إلى العلوم مصروفة والرغبات عليها موقوفة يتوفر عليها طلاب المراتب في الدنيا والراغبون في مثوبة العقبى ثم لم تزل على مر الليالي تنخفض الهمم وتتراجع حتى عاد وابلها قطرة ولم نشاهد مما كانت عليه ذرة ذلك قضاء الله مبرم ووعد من الرسول ﷺ محكم بانتزاع العلم وقبضه فيما أخبرناه الأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ محمش الزيادي رضي الله عنه قراءة عليه في شهور سنة تسع وأربع مائة قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ المعروف بابن الأخرم قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا جعفر بن عون عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وأن النبي ﷺ قال: [إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا]
صدق رسول الله ﷺ فقد قبضت الفحول وهلكت الوعول وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته وهزمته كرة الجهل وعلت دولته ولم يبق إلا صبابة نتجرعها وأطمار نجتابها ونتدرعها وعليها من حال فإني كنت قد ابتدأت بابداع كتاب في التفسير لم أسبق إلى مثله وطال علي الأمر في ذلك لشرائط تقلدتها ومواجب من حق النصيحة لكتاب الله تعالى تحملتها ثم استعجلني قبل إتمامه والتقصي عما لزمني من عهدة أحكامه نفر متقاصرو الرغبات منخفضو الدرجات أولو البضائع المزجاة إلى إيجاز كتاب في التفسير يقرب على من تناوله ويسهل على من تأمله من أوجز ما عمل في بابه وأعظمه فائدة على متحفظيه وأصحابه
وهذا كتاب أنا فيه نازل إلى درجة أهل زماننا تعجيلا لمنفعتهم وتحصيلا للمثوبة في إفادتهم ما تمنوه طويلا فلم يغني عنهم أحد فتيلا وتارك ما سوى قول واحد معتمد لابن عباس رحمه الله أو من هو في مثل درجته كما يترجم عن اللفظ العويص بأسهل منه وهذا حين أفتتحه فأقول: [قوله تعالى من]
85
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ أَيْ: ابدؤوا أوِ افتتحوا بتسمية الله تيمُّناً وتبرُّكاً و ﴿الله﴾ : اسمٌ تفرَّد الباري به سبحانه يجري فِي وصفه مجرى أسماء الأعلام لا يُعرف له اشتقاق وقيل: معناه: ذو العبادة التي بها يُقصد ﴿الرَّحمن الرَّحيم﴾ : صفتان لله تعالى معناهما: ذو الرَّحمة أَي: الرَّحمة لازمةٌ له وهي إرادة الخير ولا فرق بينهما مثل: ندمانٍ ونديم
88
﴿الحمدُ لله﴾ هو الثَّناء لله والشُّكرُ له بإنعامه ﴿ربِّ العالمين﴾ : مالك المخلوقات كلها
قوله تعالى ﴿الرحمن الرحيم﴾
﴿مالك يوم الدِّين﴾ مأخوذٌ من المِلْك والمِلْك مأخوذٌ من المُلْك أَيْ: قاضي يوم الجزاء والحساب لأنَّه متفرِّدٌ في ذلك اليوم بالحكم
﴿إيَّاك نعبدُ﴾ أَيْ: نخصُّك ونقصدك بالعبادة وهي الطَّاعة مع الخضوع ﴿وإيَّاك نستعين﴾ : ومنك نطلب المعونة
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ أَيْ: دُلَّنا عليه واسلكْ بنا فيه وثبِّتنا عليه
﴿صراط الذين أنعمتَ عليهم﴾ بالهداية وهم قومُ موسى وعيسى عليهما السَّلام قبل أن يُغيِّروا نعمَ الله عز وجل وقيل: هم الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله تعالى ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ الآية ﴿غير المغضوب عليهم﴾ أَيْ: غير الذين غضبتَ عليهم وهم اليهود ومعنى الغضب من الله تعالى: إرادةُ العقوبة ﴿ولا الضَّالين﴾ أَيْ: ولا الذين ضلُّوا وهم النَّصارى فكأنَّ المسلمين سألوا الله تعالى أن يهديهم طريق الذين أنعم عليهم ولم يغضب عليهم كما غضب على اليهود ولم يضلُّوا عن الحقِّ كما ضلَّت النَّصارى
Icon