لا يُغنيه شيئا، ولا أحد من جميع من في الأرض يستطيع أن ينجيه. وتتحدث السورة بعد ذلك عن جهنم وأهوالها.
ثم تتناول النفس البشر البشرية وكيف تكون في الضراء والسراء، وأن الإنسان طُبع على الهلع والجزع إذا مسه المكروه والعسر، شديد المنع والحرمان إذا أصابه الخير واليسر، إلا المؤمنين المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، فإن الله يعصمهم ويوفقهم إلى الخير. وقد أفاضت السورة في مدحهم وتعداد أوصافهم، فأولئك المؤمنون ﴿ في جنات مُكرمون ﴾ من الله تعالى.
وكذلك في السورة إنكار على الكافرين لأطماعهم الفاسدة. ثم يأتي الختام بوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتركهم على سفههم ولعبهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
ﰡ
كان زعماءُ قريش كثيراً ما يسألون الرسولَ الكريم عن موضوع القيامة، ويقولون إنّ محمداً يخوّفُنا بالعذاب، فما هذا العذاب ؟ ومتى يكون ؟ وكان النضرُ بن الحارث ومعه كثيرون يقولون، منكرين ومستهزئين : متى هذا الوعد ؟ وينكرون البعثَ والجزاءَ أشدَّ الإنكار. فردّ الله عليهم بهذه السورة الكريمة.
إن العذابَ الذي طلبه السائلون واقعٌ بهم لا محالة.
قراءات :
قرأ الجمهور : سأل سائل بالهمزة. وقرأ نافع وابن عامر : سال بغير همزة.
لن يستطيع أحدٌ ردَّه.
وسيأتيهم من الله تعالى خالقِ السموات وما فيها من مسالك،
والذي يصعَد جبريل والملائكة إليه في يومٍ طويلٍ شاقّ على الكافرين مقدارُه خمسون ألف سنة من أيامنا هذه. ويجوز أن يكون أطول، فليس المرادُ من ذِكر الخمسين تحديدَ العدد، بل بيان شدةِ ذلك اليوم وعظم هوله.
قراءات :
قرأ الجمهور : تعرج بالتاء. وقرأ الكسائي : يعرج بالياء.
فاصبرْ يا محمدُ على استهزائهم واستعجالهم العذابَ ﴿ صَبْراً جَمِيلاً ﴾.
﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾.
إن الكفار الجاحدين يرون يوم القيامة مستحيلاً لا يَقَع.
ثم ذكر وقتَ حدوث ذلك اليوم وشيئاً من أهواله فقال :
﴿ يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل ﴾
إنه يوم شديدُ الهول تذوب فيه السماءُ كالمعادن المنصهرة ويصيرُ لونُها مثل عَكْرِ الزيت.
أما الجبال فتغدو مثل الصوف المنفوش تتطاير في أرجاء الكون.
وفي ذلك الهول الشديد يصير كل إنسان مشغولاً بنفسه، لا يسألُ عن أقاربه
ولا أصدقائه.... وإنهم لَيرون بعضهم البعض لكنه لا يسال أحدٌ عن أحد.
قراءات :
قرأ الجمهور : ولا يسأل بفتح الياء. وقرأ ابن كثير : ولا يسأل بضم الياء مبنيّاً للمجهول.
وعشيرته التي ينتمي إليها.
﴿ كَلاَّ ﴾ لا يمكن أن ينجيه شيء، ولا يُقبل منه فداءٌ ولو جاء بأهل الأرض جميعا. بل إن مصيرَهُم إلى لظى جهنّم الشديدةِ الحرارة.
حتى تنزعَ جلدةَ الرأس عنه.
قراءات :
قرأ حفص وحده : نزاعة بالنصب. والباقون : نزاعة بالرفع.
وجمعوا المالَ وكدّسوه في خزائنهم، ولم يؤدوا حقّ الله فيه.
فهل هناك أكبر من هذا التهديد والوعيد لمن بَخِلَ بماله، وأعرضَ عن الله ورسوله.... فاعتبِروا يا أولي الألباب.
في هذه الآية الكريمة يبيّن اللهُ تعالى حقيقة النفس البشرية عندما يمسُّها شرّ
أو خير،
ويبين حقيقةَ الجاحدين المانعين للخير، الذين يَضْجَرون بسرعة إذا مسّهم الشر.
ويمنعون أداءَ حقِّ المال إذا أصابهم خير.
﴿ إِلاَّ المصلين ﴾
إن هؤلاء المتّصفين بهذه الصفات الطيبة.
والّذين يجعلون في أموالهم نصيباً معيّنا.
للفقراء والمساكين.
ويخافون عذابَ ربّهم.
ويتحلَّون بالعفة.
والّذين يؤدّون الأماناتِ ويحافِظون على العهود.
قراءات :
قرأ ابن كثير : لأمانتهم بالإفراد. والباقون : لأماناتهم بالجمع.
قراءات :
قرأ حفص : شهاداتهم بالجمع. وقرأ الباقون : شهادتهم بالإفراد.
مهطعين : مسرعين، والفعل أهطع : يأتي بمعنى نظر في ذلٍّ وخشوع، وبمعنى أسرع.
ما بالُ هؤلاء الّذين كذّبوا برسالتك مسرِعينَ إليك.
يجلِسُون حوالَيْك جماعاتٍ جماعات، ليسمعوا ما تتلوه عليهم من آياتِ الله، ثم يردّدونها فيما بينَهم ساخرين ! ! ولا يعون ما تُلقيه عليهم من رحمة الله وهدْيه ! ومثله قوله تعالى :﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ﴾ [ المدثر : ٤٩ ].
﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴾.
أيطمعَ هؤلاء في أن يدخلوا الجنةَ، وقد كذّبوك أيُّها الرسول ولم يؤمنوا برسالتك، وهم معرِضون عن سماع الحق ! !
﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب إِنَّا لَقَادِرُونَ على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾.
لقد أقسَم الله تعالى بربِّ المشارقِ والمغارب ( وهي مشارقُ الشمس ومغاربها ) وببقية النجوم والكواكب، فهي تُشرق كل يومٍ من مكان، وتغرب كذلك ( فمشارقُ الشمس متعدّدة وكذلك مغاربها )
إنه لَقادر على أن يُهلكَهم ويأتي بخلْقٍ خيرٍ منهم، وما هو بعاجز عن هذا التبديل.
النصُب : كل ما نصب للعبادة من دون الله، كالأصنام وما شابهها.
يوفضون : يسرعون.
في ذلك اليوم يَخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعي كأنهم يهرولون إلى النُصُب التي كانوا يعبدونها في الدنيا، ولكنّ حالَهم مختلفٌ.
قراءات :
قرأ حفص وابن عامر : نُصُب بضم النون والصاد. وقرأ الباقون : نَصَب بفتح النون والصاد، وهما لغتان. أو أن النصب بضم النون والصاد جمع نصب بفتح النون وسكون الصاد. والله أعلم.
فإنهم يأتون وأبصارُهم خاشعة أذلاَّء تعلو وجوهَهكم الكآبة والحزن.
﴿ ذَلِكَ اليوم الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾
ذلك اليوم هو يوم القيامة وما فيه من أهوال عظام هو موعدُهم، وفيه ينالون جزاءَهم، وبئس المصير.