تفسير سورة النبأ

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة النبأ
مكية وآياتها أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً (٧) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً (٨) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (١١) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً (١٢) وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً (١٦)
شرح الكلمات:
عم١: أي عن أي شيء؟
يتساءلون: أي يسأل بعض قريش بعضا.
عن النبأ العظيم: أي ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوحيد والنبوة والبعث الآخر.
الذي هم فيه مختلفون: أي ما بين مصدق ومكذب.
سيعلمون: عاقبة تكذيبهم عند نزع أرواحهم وعند خروجهم من قبورهم.
أوتادا: أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيمة بالأوتاد.
سباتا: أي راحة لأبدانكم.
١ عم أصلها عن ما فأدغمت النون في الميم فصارت عما وحذفت الألف تخفيفاً فصارت عم فعن حرف جر وما حرف استفهام، وقدم الاستفهام لما له من حق الصدارة وأصل التركيب يتساءلون عن أي شيء؟
500
لباسا: أي ساتراً بظلامه وسواده.
وجعلنا النهار معاشا: أي وقتا للمعاش كسبا وأكلا.
شدادا: أي قوية محكمة الواحدة شديدة والجمع شداد.
سراجا وهاجا: أي ضوء الشمس وهاجا وقاداً.
المعصرات: أي السحابات التي حان لها أن تمطر كالجارية المعصر التي دنا وقت حيضها.
ثجاجا: أي صبابا.
وجنات ألفافا: أي بساتين ملتفة.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي عن أي شيء يتساءل رجال قريش فيسأل بعضهم بعضا إنهم يتساءلون عن١ النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون إنه ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوحيد والنبوة والبعث الآخر. قال تعالى ردعا لهم وتخويفا كلا سيعلمون٢ عند نزع أرواحهم عاقبة تكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا ولقائنا، ثم كلا سيعلمون٣ يوم يبعثون من قبورهم ويحشرون إلى نار جهنم حين لا ينفعهم علم ولا يجديهم إيمان. وقوله تعالى ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾ الآيات فذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة ما يوجب الإيمان به وبتوحيده ورسوله ولقائه لو كان القوم يعقلون فقال ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ٤ مِهَاداً﴾ أي فراشا ووطاء للحياة عليها؟ وهل يتم هذا بدون علم وقدرة والجبال أوتادا تثبت الأرض بها فيأمنون على حياتهم من الميدان وسقوط كل بناء وخلقناكم أزواجا الخلق مظهر من مظاهر القدرة والعلم وكونهم أزواجا مظهر٥ من مظاهر الحكمة والرحمة وجعلنا نومكم سباتا أي راحة لأبدانكم. وجعلنا الليل لباسا ساترا بظلامه. وجعلنا النهار معاشا للعيش كسبا وتمتعا به. وبنينا فوقكم سبعا شدادا وهي السموات
١ عن النبأ العظيم متعلق بمحذوف تقديره يتساءلون عن النبأ العظيم وهو الخبر الكبير وهو البعث بعد الموت إذ العرب فيه ما بين مصدق ومكذب، ويدل عليه السياق.
٢ كلا حرف ردع ومعمول سيعلمون محذوف تقديره"سيعلمون" بما فيه تكذيبهم بالبعث والنبوة والتوحيد.
٣ كلا هنا بمعنى حقاً سيعلمون صحة ما هم به مكذبوه وله منكرون.
٤ هذا الاستئناف المبدوء باستفهام تقريري جاء لعرض مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبات إيمان به وبلقائه ونبوة رسوله وعبادته وحده دون سواه.
٥ الزوج: هو مكرر الواحد وشاع إطلاق الزوج على كل من الذكر والأنثى فالرجل زوج لأنثاه والمرأة زوج لزوجها.
501
السبع الشديدة القوية البناء لا تفنى ولا تزول إلى أن يأذن هو سبحانه وتعالى بزوالها، وجعلنا سراجا وهاجا هو الشمس المشرقة المضيئة. وأنزلنا من المعصرات أي السحابات التي حان لها أن تمطر تشبيهاً لها بالجارية المعصر التي قاربت الحيض ماء ثجاجا صبابا وابلا، وذلك لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا الحب كالبر والذرة لطعامكم، والنبات كالكلأ والعشب لحيواناتكم، وجنات أي بساتين ملتفة الأشجار غنًاء بالثمار المختلف الألوان، والطعوم كل هذه المذكورات مفتقرة إلى قدرة لا يعجزها شيء وعلم أحاط بكل شيء وحكمة لا يخلو منها شيء ورحمة تعم كل شيء والله وحده ذو القدرة والعلم والحكمة والرحمة فكيف ينكر توحيده ويكذب رسوله، ويستبعد بعثه للناس يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم على أعمالهم في هذه الدار وهي مختلفة منها الصالح ومنها الفاسد هل من الحكمة في شيء أن يظلم الظالمون ويفسد المفسدون، ويعدل العادلون ويصلح المصلحون ويموتون سواء ولا يكون هناك حياة أخرى يجزي فيها المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه اللهم لا لا إنه لابد من حياة أخرى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة الإلهية في كل الآيات من قوله ألم نجعل الأرض مهادا إلى قوله وجنات ألفافا.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء والنبوة والتوحيد وهي التي اختلف الناس فيها ما بين مثبت وناف، ومصدق ومكذب.
٣- سيحصل العلم الكامل بهذه المختلف فيها بين التاس عند نزع الروح ساعة الموت، ولكن لا فائدة من العلم ساعتها إذ قضي الأمر وانتهى الخلاف.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزَاءً وِفَاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا
502
لا يَرْجُونَ حِسَاباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً (٣٠)
شرح الكلمات:
إن يوم الفصل: أي الفصل بين الخلائق ليجزي كل امرىء بما كسب.
كان ميقاتا: أي ذا وقت محدد معين لدى الله عز وجل فلا يتقدم ولا يتأخر.
يوم ينفخ في الصور: أي يوم ينفخ اسرافيل في الصور.
فتأتون أفواجا: أي تأتون أيها الناس جماعات جماعات إلى ساحة فصل القضاء.
وفتحت السماء: أي لنزول الملائكة.
وسيرت الجبال: أي ذهب بها من أماكنها.
فكانت سرابا: أي مثل السراب فيتراءى ماء وهو ليس بماء فكذلك الجبال.
إن جهنم كانت مرصادا: أي راصدة لهم مرصدة للظالمين مرجعا يرجعون إليها.
لابثين فيها أحقابا: أي دهورا لا نهاية لها.
لا يذوقون فيها بردا: أي نوما ولا شرابا مما يشرب تلذذا به إذ شرابهم الحميم.
وغساقا: أي ما يسيل من صديد أهل النار، جوزوا به عقوبة لهم.
جزاء وفاقا: إذ لا ذنب أعظم من الكفر، ولا عذاب أعظم من النار.
كذابا: أي تكذيبا.
فلن نزيدكم إلا عذابا: أي فوق عذابكم الذي أنتم فيه.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى آيات قدرته على البعث والجزاء الذي أنكره المشركون واختلفوا فيه ذكر في هذه الآيات عرضا وافيا للبعث الآخر وما يجري فيه، وبدا بذكر الأحداث للانقلاب الكوني، ثم ذكر جزاء الطاغين تفصيلا فقال عز وجل ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ أي بين الخلائق كان ميقاتا١ لما أعد الله للمكذبين بلقائه الكافرين بتوحيده المنكرين لرسالة نبيه فيه، يجزيهم الجزاء الأوفى، ثم ذكر تعالى أحداثا تسبقه فقال ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ أي يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث وهي الثانية فتأتون أيها الناس أفواجا أي جماعات. ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ﴾ أي انشقت ﴿فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ لنزول الملائكة منها ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً﴾ هباء منبثا كالسراب في نظر الرائي. وقوله تعالى
١ قال القرطبي: أي وقتاً مجمعاً للأولين والآخرين لما وعد الله من الجزاء وسمي بيوم الفصل لأن الله تعالى يفصل فيه بين الخلائق.
503
﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً١﴾ أي إنه بعد الحساب يأتي الجزاء وهاهي ذي قد أرصدت واعدت فهي مرصاد، مرصاد لمن؟ للطاغين المتجاوزين الحد الذي حدد لهم وهو أن يؤمنوا بربهم ويعبدوه وحده ويتقربوا إليه بفعل محابه وترك مكارهه فتجاوزوا ذلك إلى الكفر بربهم والإشراك به وتكذيب رسوله وفعل مكارهه وترك محابه هؤلاء هم الطاغون الذي أرصدت لهم جهنم فكانت لهم مرصادا ومرجعا ومآبا ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً٢﴾ أي دهورا، ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً٣﴾ أي نوما لأن النوم يسمى البرد في لغة بعض العرب، ﴿وَلا شَرَاباً﴾ ذا لذة ﴿إِلَّا حَمِيماً﴾ وهو الماء الحار ﴿وَغَسَّاقاً﴾ وهو ما يسيل من صديد أهل النار ﴿جَزَاءً وِفَاقاً﴾ أي موافقا لذنوبهم لأنه لا أعظم من الكفر ذنبا ولا من النار عذابا ثم ذكر تعالى مقتضى هذا العذاب فقال ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ أي ما كانوا يؤمنون بالحساب ولا بالجزاء ولا يخافون من ذلك ﴿وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً﴾ أي بآياته وحججه تكذيبا زائدا. وقوله تعالى ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾ إذ كانت الملائكة تكتب أعمالهم وتحصيها عليهم فهم يتلقون جزاءهم العادل ويقال لهم توبيخا وتبكيتا وهم في أشد العذاب وأمرّه ﴿فَذُوقُوا ٤فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً﴾ فيعظم عندهم الكرب ويستحكم من نفوسهم اليأس. وهذا جزاء من تنكر لعقله فكفر بربه وآمن بالشيطان وعبد الهوى. والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التنديد بالطغيان وبيان جزاء الظالمين.
٢- التنديد بالتكذيب بالبعث والمكذبين به.
٣- أعمال العباد مؤمنهم وكافرهم كلها محصاة عليها ويجزون بها.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر آثارها.
٥- أبدية العذاب في الدار الآخرة وعدم إمكان نهايته.
١ قال الحسن: إن على النار رصداً لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجيء بجواز حبس والمرصاد: المكان للرصد أي الرقابة.
٢ قال القرطبي: أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب وهي لا تنقطع كلما مضى حقب جاء حقب والحقب بضمتين والأحقاب الدهور والحقبة بالكسرة السنة والجمع حقب قال الشاعر:
كنا كندماني جذيمة حقباً
من الدهر حتى قيل لنا يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالك
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
والحقب بالضم والسكون ثمانون سنة.
٣ من شواهد البرد بمعنى النوم قول العرب منع البرد البرد. أي منع البرد النوم ومنه قول الشاعر:
ولو شئت حرمت النساء سواكم
وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا
٤ قال أبو برزة سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشد آية في القرآن؟ فقال: قوله تعالى: ﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا﴾.
504
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (٣٢) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (٣٣) وَكَأْساً دِهَاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (٣٨) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً (٤٠)
شرح الكلمات:
إن للمتقين: أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي خوفا من ربهم وعذابه.
مفازا: أي مكان فوز ونجاة وهو الجنة.
حدائق وأعنابا: أي بساتين وأعنابا.
وكواعب: أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب.
أترابا: أي في سن واحدة وأتراب جمع واحدة ترب.
وكأسا دهاقا: أي خمرا كأسها ملأى بها.
لا يسمعون فيها: أي في الجنة لغوا أي باطلا ولا كذبا من القول.
عطاء حسابا: أي عطاء كثيرا كافيا يقال أعطاني فأحسبني.
يوم يقوم الروح: ملك عظيم يقوم وحده صفا والملائكة صفا وحدهم.
مآبا: أي مرجعا سليما وذلك بالإيمان والتقوى إذ بهما تكون النجاة.
ما قدمت يداه: أي ما أسلفه في الدنيا من خير وشر.
يا ليتني كنت ترابا: أي حتى لا أعذب وذلك يوم يقول الله تعالى للبهائم كوني ترابا وذلك بعد الاقتصاص لها من بعضها بعضا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء المستلزمة لعقيدة التوحيد والنبوة بعد أن
505
ذكر تعالى حال الطغاة الفجار وبين مصيرهم غاية البيان ثًنى بذكر المتقين الأبرار وبين مصيرهم وأنه جنات تجري من تحتها الأنهار فقال وقوله الحق وخبره الصدق ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ١ مَفَازاً﴾ أي مكان فوز ونجاح وبيًنه بقوله حدائق٢ أي بساتين وأعنابا وكواعب جمع كاعب الفتاة ينكعب ثديها أي يستدير ويرتفع كالكعب وذلك عند بلوغها وقوله في وصفهن ﴿أَتْرَاباً﴾ جمع ترب أي في سن واحدة دون الثلاثين سنة ﴿وَكَأْساً ٣ دِهَاقاً﴾ أي كأس خمر ملأى ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ أي في الجنة ﴿لَغْواً وَلا كِذَّاباً﴾ لا قولا باطلا ولا كذبا. وقوله تعالى ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً﴾ أي جزاهم ربهم بذلك فجعله عطاء كافيا٤ ووصف الجبار نفسه تعليما وتذكيرا فأبدل من قوله من ربك: قوله ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي مالكها والمتصرف فيهما ﴿الرَّحْمَنِ﴾ رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها ﴿لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾ ملك عظيم لا يقادر قدره وحده صفا ﴿وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً﴾ هنا لا يملك أحد من الخلق ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ خِطَاباً﴾ وقوله ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ﴾ بين يديه ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ٥ الرَّحْمَنُ وَقَالَ﴾ قولا ﴿صَوَاباً﴾ وفي الصحيح أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول من يكلم الله عز وجل في الموقف حيث يأتي تحت العرش فيخر ساجدا فلا يزال ساجدا يحمد الله تعالى بمحامد يلهمها ساعتئذ فيقول له الرب تعالى ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ٦ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ الذي لا مرية فيه ولا شك وهو يوم الفصل وبناء عليه فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا أي مرجعا إليه بالإيمان والطاعة. وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً﴾ أي خوفناكم عذابا قريبا جدا يبتدىء بالموت ولا ينتهي أبدا، وذلك ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من خير أو شر أي يرى جزاء عمله عيانا إن كان عمله خيراً جزي بمثله وإن كان شرا جزي بمثله. ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً﴾ إنه لما يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا يتمنى الكافر وهو في عذابه أن لو كان ترابا مثل البهائم ولولا العذاب وشدته ودوامه لما تمنى أن يكون ترابا أبدا.
١ المتقون هم الذين اتقوا الله فلم يشركوا به ولم يعصوه فحافظوا بذلك على زكاة نفوسهم فاستوجبوا لذلك الجنات واستحقوها فللام للمتقين هي لام الاستحقاق.
٢ حدائق بدل بعض من كل والحدائق جمع حديقة، البستان: المحاط بجدار.
٣ دهاقا بمعنى ملأى وهذا من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فالدهاق كالدهق مصدر وأريد به المدهوق أي المملوء.
٤ كافيا: تفسير كلمة حسابا إذ من أعطي ما يكفيه يقول حسبي.
٥ الإذن اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل أو قول للمأذون، وهو مشتق من أذن له إذا استمع إليه. نحو: (وأذنت لربها وحقت)
٦ هذه الجملة كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووعيد وإنذار وتبشير سيق مساق التنويه بيوم الفصل الذي هو اليوم الحق الثابت قطعا.
506
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان كرامة المتقين وفضل التقوى.
٢- وصف جميل لنعيم الجنة.
٣- ذم الكذب واللغو وأهلهما.
٤- بيان شدة الموقف وصعوبة المقام فيه.
٥- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٦- الترغيب في العمل الصالح واجتناب العمل السيء الفاسد.
507
Icon