تفسير سورة يوسف

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿المبين﴾ الظاهر الجلي ﴿القصص﴾ إتباعُ الخبر بعضُه بعضاً وأصلُه في اللغة المتابعة ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أي اتبعي أثَره والمراد بالقَصَص الأخبار التي قصها علينا الله في كتابه العزيز ﴿الرؤيا﴾ خاصة بالمنام وأما باليقضة فهي بالتاء الرؤية قال الألوسي: مصدر رأى الحلمية الرؤيا ومصر البصرية الرؤية ولهذا خُطّىء المتنبي في قوله «ورؤياكَ أحلى في العيون من الغَمْض» ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ الاجتباء: الاصطفاء والاختيار وأصله من جبيتُ الشيء أي حصَّلته ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة قال الفراء: ما زاد على العشرة، والعصبةُ والعصابة العشرة فصاعداً ﴿اطرحوه﴾ الطرح: رمب الشيء وإلقاؤه ﴿غيابت الجب﴾ قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر ﴿يَرْتَعْ﴾ يتسع في أكل ما لذَّ وطاب قال الراغب: الرع حقيقته في أكل البهائم ويستعار للإِنسان إذا أريد به الأكل الكثير قالت الخنساء:
36
﴿السيارة﴾ المسافرين ﴿سَوَّلَتْ﴾ زيَّنت ﴿وَارِدَهُمْ﴾ الوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن قصة يوسف وما حصل له مع إخوته من أولاد يعقوب فنزلت السورة.
التفسِير: ﴿الر﴾ إشارة إِلى الإِعجاز، فمن هذه الحروف وأمثالها تتألف آيات الكتاب المعجز ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين﴾ أي تلك الآيات التي أنزلت إليك يا محمد هي آيات الكتاب المعجز في بيانه، الساطع في حججه وبراهينه، الواضح في معانيه، الذي لا تشتبه حقائقه، ولا تلتبس دقائقُه ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي أنزلناه بلغة العرب كتاباً عربياً مؤلفاً من هذه الأحرف العربية ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي لكي تعقلوا وتدركوا أن الذي يصنع من الكلمات العادية هذا الكتاب المعجز ليس بشراً، وإنما هو إله قدير، وهذا الكلام وحيٌ منزل من رب العالمين ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص﴾ أي نحن نحدثك يا محمد ونروي لك أخبار الأمم السابقة، بأصدق كلام، وأحسن بيان ﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن﴾ أي بإِيحاءتنا إليك هذا القرآن المعجز ﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾ أي وإنَّ الحال والشأن أنك كنتَ من قبل أن نوحي إليك هذا القرآن لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تخطر ببالك، ولم تقرعْ القصة، لأنك أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾ من هنا بداية القصة، أي اذكر حين قال يوسفُ لأبيه يعقوب يا أبي إني رأيت في المنام هذه الرؤيا العجيبة، رأيت أحد عشر كوكباً من كواكب السماء خرّت ساجدةً لي ﴿والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ أي ورأيت في المنام الشمس والقمر ساجدةً لي مع الكواكب قال ابن عباس: كانت الرؤيا فيهم وحياً قال المفسرون: الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبواه، وكان سنه إذ ذاك اثنتي عشرة سنة، وبين هذه الرؤيا واجتماعه بأبيه وإخوته في مصر أربعون سنة ﴿قَالَ يابني لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ﴾ أي قال له يعقوب: لا تخبرْ بهذه الرؤيا إخوتك ﴿فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً﴾ أي فيحتالوا لإِهلاكك حيلةً عظيمة لا تقدر على ردّها ﴿إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر العداوة قال أبو حيان: فهم يعقوب من رؤيا يوسف أن الله تعالى يبلّغه مبلغاً من الحكمة، ويصطفيه للنبوة، وينعم عليه بشرف الدارين، فخاف عليه من حسد إخوته فنهاه أن يقصَّ رؤياه عليهم ﴿وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي وكما أراك مثل هذه الرؤيا العظيم كذلك يختارك ربك للنبوة ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي يعلمك تفسير الرؤيا المناميَّة ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى آلِ يَعْقُوبَ﴾ أي يتمم فضله وإنعامه عليك وعلى ذرية أبيك يعقوب ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ أي كما أكمل النعمة من قبل ذلك على جدك إِبراهيم وجدك إسحاق بالرسالة والاصطفاء ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليمٌ بمن هو أهلٌ للفضل، حكيم في تدبيره لخلقه ﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ﴾ أي لقد كان في خبر يوسف وإخوته الأحد عشر عبرٌ وعظاتٌ للسائلين عن أخبارهم ﴿إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا﴾ هذه هي المحنة
37
الأولى ليوسف عليه السلام أي حين قالوا: والله ليوسف أخوه «بنيامين» أحبُّ منَّا عند أبينا، أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه، وإنما قالوا ﴿وَأَخُوهُ﴾ وهم جميعاً إخوة لأن أمهما كانت واحدة ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي والحال نحن جماعة ذوو عدد، نقدر على النفع والضر، بخلاف الصغيرين ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي إنه في خطأٍ وخروجٍ عن الصواب بيّن واضح، لإِيثاره يوسف وأخاه علينا بالمحبة قال القرطبي: لم يريدوا ضلال الدين إذ لو أرادوه لكفروا، وإنما أرادوا أنه في خطأ بيِّن في إيثار اثنين على عشرة ﴿اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً﴾ أي أُقتلوا يوسف أو ألقوه في أرض بعيدة مجهولة ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ أي فعند ذلك يخلصْ ويصفو لكم حبُّ أبيكم، فيُقْبل عليكم قال الرازي: المعنى إن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة والميل ﴿وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ﴾ أي وتتوبوا من بعد هذا الذنب وتصبحوا قوماً صالحين ﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي قال لهم أخوهم «يهوذا» وهو أكبر ولد يعقوب: لا تقتلوا يوسف بل ألقوه في قعر الجب وغوره ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة﴾ أي يأخذه بعض المارَّة من المسافرين ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي إن كان لا بدَّ من الخلاص منه فاكتفوا بذلك، وكان رأيه فيه أهون شراً من رأي غيره ﴿قَالُواْ ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ﴾ المعنى أيُّ شيء حدث لك حتى لا تأمنا على أخينا يوسف، ونحن جميعاً أبناؤك؟ ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ أي ونحن نشفق عليه ونريد له الخير قال المفسرون: لما أحكموا العزمْ ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، ليستنزلوه عن رأيه في تخوفه منهم وكأنهم قالوا: لِمَ تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخي به! ﴿ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ أي أرسله معنا غداً إلى البادية، يتسع في أكل ما لذَّ وطاب ويلهو ويلعب بالاستباق وغيره ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي ونحن نحفظه من كل سوء ومكروه، أكّدوا كلامهم بإنَّ واللام وهم كاذبون ﴿قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ أي قال لهم يعقوب: إنه ليؤلمني فراقُه لقلة صبري عنه ﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ أي وأخاف أن يفترسه الذئب في حال غفلتكم عنه، وكأنه لقنهم الحجة قال الزمخشري: إعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقته إيّاه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم ﴿قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ اللام للقسم أي والله لئن أكله الذئب ونحن جماعة أقوياء أشداء إنا لمستحقون أن يُدعى علينا بالخسارة والدمار ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ في الكلام محذوف أي فأرسله معهم فلما أخذوه وابتعدوا به عن أبيه ﴿وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي عزموا واتفقوا على إِلقائه في غور الجب ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك بفعلهم هذا الذي فعلوه بك وهم لا يشعرون في ذلك الوقت أنك يوسف، قال الرازي: وفائدة هذا الوحي تأنيسُه، وتكسينُ نفسه، وإزالةُ الغمّ والوحشةِ عن قلبه، بأنه سيحصل له
38
الخلاص من هذه المحنة ﴿وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ﴾ أي رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليلاً وهم يبكون، روي أنه لما سمع يعقوب بكاءهم فزع، وقال: ما لكم يا بَنيَّ، وأين يوسف؟ ﴿قَالُواْ ياأبانآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نتسابق في العَدْو، أو في الرمي ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب﴾ أي تركنا يوسف عند ثيابنا وحوائجنا ليحفظها فجاء الذئب فافترسه ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أي لست بمصدّق لنا في هذه المقالة ولو كنا في الواقع صادقين، فكيف وأنت تتهمنا وغير واثق بقولنا؟ وهذا القول منهم يدل على الارتياب، وكما قيل: يكاد المريبُ يقول خذوني ﴿وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي جاءوا على ثوبه بدمٍ كاذب، وُصِفَ بالمصدر مبالغةً كأنه نفسُ الكذب وعينُه قال ابن عباس: ذبحوا شاة ولطخوا بدمها القميص فلما جاءوا يعقوب قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرقَ القميص وروي أنه قال: «ما أحلم هذا الذئب أكل ابني ولم يشق قميصه» ؟} ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنت لكم أنفسكم أمراً في يوسف وليس كما زعم أن الذئب أكله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي أمري صبرٌ جميل لا شكوى فيه ﴿والله المستعان على مَا تَصِفُونَ﴾ أي وهو سبحانه عوني على تحمل ما تصفون من الكذب ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ أي قوم مسافرون مروا بذلك الطريق قال ابن عباس: جاء قوم يسيرون من مدين إلى مصر فأخطئوا الطريق فانطلقوا يهيمون حتى هبطوا على الأرض التي فيها جب يوسف، وكان الجب في قفرة بعيدة عن العمران ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ أي بعثوا من يستقي لهم الماء ﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾ أي أرسل دلوه في البئر قال المفسرون: لما أدلى الواردُ دلوه وكان يوسف في ناحيةٍ من قعر البئر تعلَّق بالحبل فخرج فلما رأى حسنه وجماله نادى ﴿قَالَ يابشرى هذا غُلاَمٌ﴾ قاله على سبيل السرور والفرح لتبشير نفسه وجماعته قال أبو السعود: كأنه نادى البشرى وقال تعاليْ فهذا أوانك حيث فاز بنعمة جليلة ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي أخفوا أمره عن الناس ليبيعوه في أرض مصر متاعاً كالبضاعة والضمير يعود على الوارد وجماعته ﴿والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي لا يخفى عليه سبحانه أسرارهم، وما عزموا عليه في أمر يوسف ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ هذه هي المحنة الثانية في حياة يوسف الصدّيق وهي محنة الاسترقاق أي باعه أولئك المارة الذين استخرجوه من البئر بثمنٍ قليل منقوص هو عشرون درهماً كما قال ابن عباس ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين﴾ أي وكانوا في يوسف من الزاهدين الذين لا يرغبون فيه لأنهم التقطوه وخافوا أن يكون عبداً آبقاً فينتزعه سيّده من أيديهم، ولذلك باعوه بأبخس الأثمان ﴿وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي وقال الذي اشتراه من مدينة مصر لزوجته أكرمي إقامته عندنا قال ابن عباس: كان اسم الذي اشتراه «قطفير» وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر «عسى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أي عسى أن يكفينا بعض المهمات إذا بلغ أو نتبناه حيث لم يكن يولد لهما ولد ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ أي وكما نجيناه من الجب جعلناه متمكناً في أرض مصر يعيش فيها بعز وأمان ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي نوفقه لتعبير بعض المنامات {والله غَالِبٌ على
39
أَمْرِهِ} أي لا يعجزه تعلاى شيء ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون لطائف صنعه وخفايا فضله ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي بلغ منتهى شدته وقوته وهو ثلاثون سنة ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي أعطيناه حكمةً وفقهاً في الدين ﴿وكذلك نَجْزِي المحسنين﴾ أي المحسنين في أعمالهم.
البَلاَغَة: ١ - ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾ الاشارة بالبعيد لبعد مرتبته في الكمال وعلو شأنه.
٢ - ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ﴾ تشبيه مرسل مجمل.
٣ - ﴿رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر﴾ قال الشريف الرضي: هذه استعارة لأن الكواكب والشمس والقمر مما لا يعقل فكان الوجه أن يقال: ساجدة، ولكنها لما أطلق عليها فعل من يعقل جاز أن توصف بصفة من يعقل لأن السجود من فعل العقلاء.
٤ - ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ الدم لا يوصف بالكذب والمراد بدم مكذوبٍ فيه أو دمٍ ذي كذب وجيء بالمصدر على طريق المبالغة.
لطيفَة: روي أن امرأةً تحاكمت إلى شريحٍ فبكت فقال الشعبي: يا أبا أمية أما تراها تبكي؟ فقال الشعبي: لقد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمةٌ كذبة، لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق.
تنبيه: ذهب بعض المفسرين إلى أن إخوة يوسف أنبياء واستدلوا على ذلك بأنهم الأسباط المذكورون في قوله تعالى ﴿قُلْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط﴾ [آل عمران: ٨٤] والصحيح أن الأسباط ليسوا أولاد يعقوب وإنما هم القبائل من ذرية يعقوب كما نبّه عليه المحققون، ولو كان إخوة يوسف أنبياء لما أقدموا على مثل هذه الأفعال الشنيعة، فالحسد، والسعي بالفساد، والإقدام على القتل، والكذبُ، وإلقاء يوسف في الجب، كل ذلك من الكبائر التي تنافي عصمة الأنبياء، فالقول بأنهم أنبياء - مع هذه الجرائم - لا يقبله عقل حصيف، وانظر ما قاله العلامة ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ في هذا الشأن، فإِنه لطيف ودقيق.
40
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما أكرم به يوسف من الإِقامة في القصر مع عزيز مصر، ذكر هنا ما تعرّض له عليه السلام من أنواع الفتنة والإِغراء من زوجة العزيز، وصموده أمام تلك الفتنة العارمة، وما ظهر منه من العفة والنزاهة حتى آثر دخول السجن على عمل الفاحشة، وكفى بذلك برهاناً على عفته وطهارته.
اللغَة: ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ المراودة: الطلب برفقٍ ولين مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب ومنه الرائد لطلب الكلأ، يقال في الرجل: راودها عن نفسها، وفي المرأة راودته عن نفسه أي طلبت منه مضاجعتها ﴿هَيْتَ﴾ اسم فعل أمر بمعنى تعال وهلُمّ ﴿مَثْوَايَ﴾ مقامي، والثواء الإِقامة مع الاستقرار ﴿هَمَّتْ﴾ الهمُّ يأتي بمعنى العزم والقصد، ومنه ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ [غافر: ٥] ويأتي بمعنى الخاطر وحديث النفس دون عزم قال الشاعر:
ترتَعُ ما رتَعَتْ حتَّى إذا ادكرتْ فإِنَّما هيَ إقبالٌ وإدبار
41
فالهمُّ من امرأة العزيز كان هم عزمٍ وتصميم، والهمُّ من يوسف كان مجرد حديث نفس ﴿السواء﴾ المنكر، والفجور، والمكروه ﴿والفحشآء﴾ ما تناهى قبحه والمراد به الزنى ﴿قَدَّتْ﴾ القدُّ: الشق والقطع وأكثر ما يستعمل في الطول، والقطُّ يستعمل في العرض ﴿أَلْفَيَا﴾ وجدا ﴿كَيْدِكُنَّ﴾ الكيد: المكر والحيلة ﴿الخاطئين﴾ المتعمدين للذنب قال الأصمعي: خطئ الرجل فهو خاطئ إذ تعمد الذنب، وأخطأ يخطئ إذا غلط ولم يتعمد ﴿شَغَفَهَا حُبّاً﴾ وصل حبه إلى سويداء قلبها قال الزجاج: الشغاف سويداء القلب ﴿أَصْبُ﴾ أملْ يقال: صبا إلى اللهو إذا مال إليه.
التفسِير: ﴿وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ هذه هي المحنة الثالثة بعد محنة الجب والاسترقاق، والمراودةُ الطلبُ برفقٍ ولين كما يفعل المخادع بكلامه المعسول المعنى: طلبت امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها منه أن يضاجعها، ودعته برفق ولين أن يواقعها، وتوسَّلت إليه بكل وسيلةٍ ﴿وَغَلَّقَتِ الأبواب﴾ أي غلّقت أبواب البيوت عليها وعلى يوسف وأحكمت إغلاقها قال القرطبي: كانت سبعة أبواب غلّقتها ثم دعته إلى نفسها ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ أي هلُمَّ وأسرع إلى الفراش فليس ثمة ما يُخشى قال في البحر: أمرته بأن يسرع إليها ﴿قَالَ مَعَاذَ الله﴾ أي عياذاً بالله من فعل السوء قال أبو السعود: وهذا إشارة إلى أنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه، لما أراه الله من البرهان النيِّر على ما فيه من غاية القبح ونهاية السوء ﴿إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ أي إن زوجك هو سيدي العزيز الذي أكرمني وأحسن تعهدي فكيف أسيء إليه بالخيانة في حَرَمه؟ ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ أي لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومنهم الخائنون المُجازون الإِحسانَ بالسوء، ثم أخبر تعالى ان امرأة العزيز حاولت إيقاعه في شراكها، وتوسَّلت إليه بكل وسائل الإِغراء، ولولا أنَّ الله جلَّ وعلا حفظه من كيدها لهلك فقال ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أي همَّت بمخالطته عن عزمٍ وقصدٍ وتصميم، عزماً جازماً على الفاحشة لا يصرفها عنها صارف، وقصدت إجباره على مطاوعتها القوة، بعد أن استحكمت من تغليق الأبواب، ودعوته إلى الإِسراع، مما اضطره إلى الهرب إلى الباب ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ أي مالت نفسه إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وحدثته نفسُه بالنزول عند رغبتها حديث نفسٍ، دون عزمٍ وقصد، فبين الهمين فرق كبير قال الإِمام الفخر: الهمُّ خطورُ الشيء بالبال أو ميلُ الطبع، كالصائم في الصيف يرى الماء البارد فتحمله نفسُه على الميل إليه وطلب شربه، ولكنْ يمنعه دينُه عنه ﴿لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ جوابه محذوفٌ أي لولا حفظ الله ورعايتُه ليوسف، وعصمتُه له لخالطها وأمضى ما حدثته نفسه به، ولكنَّ الله عصمه بالحفظ والتأييد فلم يحصل منه شيءٌ البتَّة قال في البحر: نسب بعضُهم ليوسف ما لا يجوز نسبتُه لآحاد الفُسَّاق، والذي أختاره أن «يوسف» عليه
42
السلام لم يقع منه همٌّ البتَّة، بل هو منفيٌّ لوجود رؤية البرهان كما تقول: «فارقتَ الذنبَ لولا أن عصمك الله» وكقول العرب: «أنتَ ظالمٌ إن فعلتَ» وتقديره: إن فعلتَ فأنتَ ظالم وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها ولكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهمُّ، وأمّا أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحدٍ منهم شيءٌ من ذلك، لأنها أقوالٌ متكاذبة يناقضُ بعضُها بعضاً مع كونها قادحة في بعض فساق الملل فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة وقال أبو السعود: إن همَّه بها بمعنى ميله إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، ميلاً جبلياً، لا أنه قصدها قصداً اختيارياً، ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبئ عن كمال كراهيته له ونفرته عنه، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين، وهل هو إلا تسجيلٌ باستحالة صدور الهمّ منه تسجيلاً محكماً؟ وما قيل: إنه حلَّ الهميان، وجلس مجلس الختان، فإِنما هي خرافاتٌ وأباطيل، تمجها الآذان، وتردّها العقول والأذهان ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء﴾ أي ثبتناه على العفة أمام دوافع الفتنة والإِغراء لنصرف عنه المنكر والفجور، وهذه آيةٌ بيِّنة، وحجةٌ قاطعة على أنه عليه السلام لم يقع منه همٌّ بالمعصية، ولو كان كما زعموا لقال «لنصرفه عن السوء والفحشاء» فلما قال ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ﴾ دلَّ على أن ذلك شيء خارج عن الإرادة فصرفه الله عنه، بما منحه من موجبات العفة والعصمة ﴿والفحشآء﴾ أي لنصرف عنه الزنى الذي تناهى قبحُه ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين﴾ بفتح اللام أي الذين أخلصهم الله لطاعته، واصطفاهم واختارهم لوحيه ورسالته، فلا يستطيع أن يغويهم الشيطان.
. ثم أخبر تعالى بما حصل من المفاجأة العجيبة بقدوم زوجها وهما يتسابقان نحو الباب، ولا تزال هي في هياجها الحيواني ﴿واستبقا الباب﴾ أي تسابقا نحو باب القصر، هو للهرب، وهي للطلب ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ أي شقت ثوبه من خلف لأنها كانت تلحقه فجذبته فشقت قميصه ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب﴾ أي وجدا العزيز عند باب القصر فجأة وقد حضر في غير أوان حضوره، وبمهارة فائقة تشبه مهارة إبليس انقلب الوضع فأصبح الظالم مظلوماً، والبريء متهماً ﴿قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي ما جزاؤه إلا السجن أو الضرب ضرباً مؤلماً وجيعاً ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ أي قال يوسف مكذباً لها: هي التي دعتني إلى مقارفة الفاحشة لا أني أردت بها السوء ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ﴾ قال ابن عباس: كان طفلاً في المهد أنطقه الله، وكان ابن خالها قال في البحر: وكونُه من أهلها أوجب للحجة عليها، وأوثقُ لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة ﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ﴾ أي إن كان ثوبُه قد شُقَّ من أمام فهي صادقة وهو كاذب ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ﴾ أي وإن كان ثوبه قد شُقَّ من الوراء فهي كاذبة وهو صادق، لأن الأمر المنطقي أن يُشق الثوب من خلف إن كانت هي الطالبة له وهو الهارب ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ﴾ أي فلما رأى زوجها أن الثوب قد شُقَّ من الوراء ﴿قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾ أي إن هذا الأمر من جملة مكركن واحتيالكنَّ أيتها النسوة ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ تأكيد لما سبق ذكره أي مكركنَّ معشر النسوة واحتيالكنَّ
43
للتخلص مما دبرتُنَّ شيءٌ عظيم ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ أي يا يوسف أكتم هذا الأمر ولا تذكره لأحد، يقول سيد قطب عليه الرحمة والرضوان: وهنا تبدو صورةٌ من «الطبقة الراقية» في المجتمع الجاهلي، رخاوةٌ في مواجهة الفضائح الجنسية، وميلٌ إلى كتمانها عن المجتمع، فيلتفت العزيز إلى يوسف البريء ويأمره بكتم الأمر وعدم إظهاره لأحد، ثم يخاطب زوجُه الخائن بأسلوب اللباقة في مواجهة الحادث الذي يثير الدم في العروق ﴿واستغفري لِذَنبِكِ﴾ أي توبي واطلبي المغفرة من هذا الذنب القبيح، وكأن هذا هو المهم محافظة على الظواهر ﴿إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين﴾ أي من القوم المتعمدين للذنب، وفي هذا إشارة إلى أن العزيز كان قليل الغَيْرة حيث لم ينتقم ممن أرادت خيانته، وتدنيس فراشه بالإِثم والفجور قال ابن كثير: كان زوجها ليِّن العريكة سهلاً، أو أنه عذرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة﴾ أي قال جماعة من النساء في مدينة مصر، روي أنهن خمس نسوة: امرأة ساقي العزيز، وامرأة الحاجب، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن قاله ابن عباس وغيره، والأظهر أن تلك الواقعة شاعت في البلد، واشتهرت وتحدث بها النساء ﴿امرأة العزيز تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ أي امرأة عزيز مصر تطلب من خادمها وعبدها أن يواقعها وتخادعه وتتوسل إليه لقضاء وطرها منه قال أبو حيان: وتصريحهن بإضافتها إلى العزيز مبالغة في التشنيع، لأن النفوس أميل لسماع أخبار ذوي الجاه، وعبَّرن ب ﴿تُرَاوِدُ﴾ للدلالة على أن ذلك صار سجيَّةً لها فهي دائماً تخادعه عن نفسه لأن المضارع يفيد التجدد والاستمرار ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ أي بلغ حبُّه شَغَاف قلبها - وهو حجابه - وشقَّه حتى وصل إلى فؤادها ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي إنا لنعتقد أنها في ضلال عن طريق الرشد واضح بسبب حبها إيّاه ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ أي فلما سمعت بحديثهن، وسماه مكراً لأنه كان في خفية، كما يخفي الماكر مكره ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ أي أرسلت إليهنَّ تدعوهنَّ إلى منزلها لحضور وليمة قال المفسرون: دعت أربعين امرأةً من الذوات منهن النساء الخمس المذكورات ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً﴾ أي هيأت لهنَّ ما يتكئن عليه من الفرش والوسائد ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً﴾ في الكلام محذوف أي قدمت لهن الطعام وأنواع الفاكهة ثم أعطت كل واحدة منهنَّ سكيناً لتقطع به ﴿وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ﴾ أي وقالت ليوسف وهنَّ مشغولات بتقشير الفاكهة والسكاكين في أيديهن: اخرجْ عليهنَّ فلم يشعرن إلا ويوسف يمرُّ من بينهن ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أي فلما رأين يوسف أعظمنْه وأجللنْه، وبُهتن من جماله ودُهشن {وَقَطَّعْنَ
44
أَيْدِيَهُنَّ} أي جرحن أيديهن بالسكاكين لفرط الدهشة المفاجئة ﴿وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ﴾ أي تنزَّه الله عن صفات العجز، وتعالت عظمته في قدرته على خلق مثله ﴿مَا هذا بَشَراً﴾ أي ليس هذا من البشر ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ أي ما هو إلا مَلَك مِن الملائكة، فإن هذا الجمال الفائق، والحسن الرائع مما لا يكاد يوجد في البشر ﴿قَالَتْ فذلكن الذي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ صرَّحت عند ذلك بما في نفسها من الحب ليوسف لأنها شعرت بأنها انتصرت عليهن فقالت قولة المنتصرة: هذا الذي رأيتموه هو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتُنَّني في محبته، فانظرن ماذا لقيتنَّ منه من الافتتان والدهش والإِعجاب!! ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم﴾ أي أردت أن أنال وطري منه، وأن أقضي شهوتي معه، فامتنع امتناعاً شديداً، وأبى إباءً عنيفاً قال الزمخشري: والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين﴾ أي ولئن لم يطاوعني ليعاقبنَّ بالسجن والحبس وليكوننَّ من الأذلاء المهانين قال القرطبي: عاودته المراودة بمحضر منهنَّ، وهتكتْ جلباب الحياء، وتوعدتْ بالسجن إن لم يفعل، ولم تعد تخ٠شى لوماً ولا مقالاً، خلاف أول أمرها إذ كان ذلك سراً بينها وبينه ﴿قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ﴾ لجأ يوسف إلى ربه وجعل يناجيه في خشوع وتضرع فقال: ربّ السجن آثرُ عندي وأحبُّ إلى نفسي من اقتراف الفاحشة، وأسند الفعل إليهن لأنهن جميعاً مشتركات في الدعوة بالتصريح أو التلويح، وقيل إنها لما توعدته نصحته وزيَّن له مطاوعتها، ونهينه عن إلقاء نفسه في السجن ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ أي وإن لم تدفع عني شرهن وتعصمني منهن ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ أي أملْ إلى إجابتهن بمقتضى البشرية ﴿وَأَكُن مِّنَ الجاهلين﴾ أي بسبب ما يدعونني إليه من القبيح، وهذا كله على سبيل التضرع والاستغاثة بجناب الله تعالى كعادة الأنبياء والصالحين ﴿فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾ أي أجاب الله دعاءه فنجّاه من مكرهن، وثبَّته على العصمة والعفة ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع﴾ أي لدعاء الملتجئين إليه ﴿العليم﴾ بأحوالهم وما انطوت عليه نياتهم.
. وهكذا اجتاز يوسف محنته الثالثة بلطف الله ورعايته ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ﴾ هذه بداية المحنة الرابعة وهي الأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف الصّديق وهي «محنة السجن» وكل ما بعدها فرخاء والمعنى ثم ظهر للعزيز وأهله ومن استشارهم بعد الدلائل القاطعة على براءة يوسف، سجنه إلى مدة من الزمن غير معلومة، روي ان امرأة العزيز لما استعصى عليها يوسف وأيست منه، احتالت بطريق آخر، فقالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يقول لهم إني راودته عن نفسه وأنا لا أقدر على إظهار عذري، فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه، فعند ذلك بدا له سجنه قال ابن عباس: فأمر به فحمل على حمار، وضُرب بالطبل، ونُودي عليه في أسواق مصر، إن يوسف العبراني أراد سيدته فجزاؤه أن يسجن، قال أبو صالح ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلى بكى ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ﴾ أي أُدخل يوسف السجن واتفق أنه أُدخل حينئذٍ آخران من خدم الملك
45
الخاص أحدهما خبازه، والآخر ساقيه، أُتهما بأنهما أرادا أن يسماه فحبسهما ﴿قَالَ أَحَدُهُمَآ إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً﴾ أي قال الساقي إني رأيت في المنام أني أعصر عنباً يئول إلى خمر وأسقي منه الملك ﴿وَقَالَ الآخر إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ﴾ أي وقال الخباز: إني رأيت في منامي أني أحمل على رأسي طبقاً فيه خبز، والطيرُ تأكل من ذلك الخبز ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أخبرنا بتفسير ما رأينا إنا نراك من الذين يحسنون تفسير الرؤيا، أخبراه عن رؤياهما لما علما أنه يجيد تفسير الرؤيا ﴿قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا﴾ أي لا يأتيكما شيء من الطعام إلا أخبرتكما ببيان حقيقته وماهيته وكيفيته قبل أن يصل إليكما، أخبرهما بمعجزاته ومنها معرفة «المغيبات» توطئةً لدعائهما إلى الإيمان قال البيضاوي: أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الدين القويم قبل أن يسعفهما إلى ما سألاه عنه، كما هو طريقة الأنبياء في الهداية والإرشاد، فقدَّم ما يكون معجزة له من الإِخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير ﴿ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي﴾ إن ذلك الإِخبار بالمغيبات ليس بكهانة ولا تنجيم، وإنما هو بإِلهامٍ ووحيٍ من الله ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله﴾ أي خصني ربي بذلك العلم لأني من بيت النبوة وقد تركت دين قومٍ مشركين لا يؤمنون بالله ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي يكذبون بيوم القيامة، نبّه على أصلين عظيمين: الإِيمان بالله، والإِيمان بدار الجزاء، إذ هما أعظم أركان الإيمان، وكرر لفظه ﴿هُمْ﴾ على سبيل التأكيد ﴿واتبعت مِلَّةَ آبآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ أي اتبعت دين الأنبياء، لا دين أهل الشرك والضلال، والغرضُ إظهار أنه من بيت النبوة، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق بكلامه ﴿مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ﴾ أي ما ينبغي لنا معاشر الأنبياء أن نشرك بالله شيئاً مع اصطفائه لنا وإنعامه علينا ﴿ذلك مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس﴾ أي ذلك الإيمان والتوحيد من فضل الله علينا حيث أكرمنا بالرسالة، وعلى الناس حيث بعث الرسل لهدايتهم وإرشادهم ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي لا يشكرون فضل الله عليهم فيشركون به غيره.
.. ولما ذكر عليه السلام ما هو عليه من الدين الحنيف الذي هو دين الرسل، تلطَّفَ في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام فقال ﴿ياصاحبي السجنءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار﴾ أي يا صاحبيَّ في السجن أآلهة متعددة لا تنفع ولا تضر ولا تستجيب لمن دعاها كالأصنام، خيرٌ أم عبادة الواحد الأحد، المتفرد بالعظمة والجلال؟! ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ﴾ أي ما تعبدون يا معشر القوم من دون الله إلا أسماءً فارغة سميتموها آلهة وهي لا تملك القدرة والسلطان لأنها جمادات ﴿مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ أي ما أنزل الله لكم في عبادتها من حجة أو برهان ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ أي ما الحكم في أمر العبادة والدين إلا لله رب العالمين ﴿أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أي أمر سبحانه بإفراد العبادة له، لأنه لا يستحقها إلا من له العظمة والجلال ﴿ذلك الدين القيم﴾ أي ذلك الذي أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي يجهلون عظمة الله فيعبدون ما لا يضر ولا
46
ينفع.. تدرّج عليه السلام في دعوتهم وألزمهم الحجة بأن بيَّن لهم أولاً رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة المتعددة، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها من دون الله لا تستحق الألوهية والعبادة، ثم نصَّ على ما هو الحق القويم والدين المستقيم وهو عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد، وذلك من اسلوب الحكيم في الدعوة إلى الله، حيث قدَّم الهداية والإرشاد، والنصيحة والموعظة، ثم شرع في تفسير رؤياهما فقال ﴿ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخر فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ﴾ أي يا صاحبيَّ في السجن أمّا الذي رأى أنه يعصر خمراً فيخرج من السجن ويعود إلى ما كان عليه من سقي سيده الخمر، وأمّا الآخر الذي رأى على رأسه خبز فيُقتل ويُعلَّق على خشبة فتأكل الطير من لحم رأسه، قال المفسرون: روي أنه لما أخبرهما بذلك جحدا وقالا ما رأينا شيئاً فقال ﴿قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ أي انتهى وتمَّ قاء الله صدقتما أو كذبتما فهو واقع لا محالة ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا﴾ أي قال يوسف للذي اعتقد نجاته وهو الساقي ﴿اذكرني عِندَ رَبِّكَ﴾ أي اذكرني عند سيّدك وأخبره عن أمري لعلّه يخلصني ممّا ظُلمتُ به ﴿فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف للملك ﴿فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ﴾ أي مكث يوسف في السجن سبع سنين، قال المفسرون: وإنما لبث في السجن بضع سنين، لأنه اعتمد ووثق بالمخلوق، وغفل أن يرفع حاجته إلى الخالق جل وعلا قال القرطبي: قال وهب ابن منبه: أقام أيوب في البلاء سبع سنين، وأقام يوسف في السجن سبع سنين.
البَلاَغة: ١ - بين ﴿صَدَقَتْ﴾ و ﴿كَذَبَتْ﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾ و ﴿الكَاذِبِينَ﴾ طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
٢ - ﴿مِنَ الخاطئين﴾ من باب تغليب الذكور على الإِناث.
٣ - ﴿سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ استعير المكر للغيبة لشبهها له في الإِخفاء.
٤ - ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ كذلك فيه استعارة حيث استعار لفظ القطع عن الجرح أي جرحن أيديهن.
٥ - ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ مجاز مرسل باعتبار ما يكون أي عنباً يئول إلى خمر.
فَائِدَة: روي أن جبريل جاء إلى يوسف وهو في السجن معاتباً له فقال له: يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي إخوتك؟ قال: الله تعالى، قال: فمن أخرجك من الجب؟ قال: الله تعالى، قال: فمن عصمك من الفاحشة؟ قال: الله تعالى، قال: فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال: الله تعالى، قال: فكيف تركتَ ربك فلم تسأله ووثقت بمخلوق!؟ قال: يا رب كلمةٌ زلَّتْ مني أسألك يا إله إبراهيم وآله والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني فقال له جبريل: فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين.
تنبيه: قال العلماء في قوله تعالى ﴿واستبقا الباب﴾ هذا من اختصار القرآن المعجز، الذي يجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وذلك أنها لما راودته عن نفسه وأبى، عزمت على أن
47
تجبره بالقسر والإكراه، فهرب منها فتسابقا نحو الباب هي لترده إلى نفسها وهو يهرب منها فاختصر القرآن ذلك كله بتلك العبارة البليغة ﴿واستبقا الباب﴾.
(شطحات بعض المفسرين في تفسير الهمّ)
لقد شطَّ القلم، وزلقت القدم ببعض المفسرين حين زعموا أن يوسف عليه السلام قد همَّ بمقارفة الفاحشة، وشُحنت بعضُ كتب التفسير بكثير من الروايات الإِسرائيلية الواهية، بل المنكرة الباطلة في تفسير «الهمّ» و «البرهان» حتى زعم بعضهم أن يوسف حلَّ رباط السروال، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، ثم رأى صورة أبيه «يعقوب» عاضاً على أصبعه، فقام عنها وتركها خجلاً من أبيه إلى غير ما هنالك من أقوال واهية، لا زمام لها ولا خطام. ولستُ أدري كيف دخلت تلك الروايات المنكرة إلى بعض كتب التفسير، وتقبّلها بعضهم بقبول حسن، وكلُّها - كما يقول العلامة أبو السعود - خرافات وأباطيل، تمجّها الآذان، وتردها العقول والأذهان ﴿؟ ثم كيف غاب عن أولئك المفسرين أن «يوسف الصدّيق» نبيٌ كريم، ابن نبيٍ كريم، وأن العصمة من صفات الأنبياء﴾ ﴿يا قوم اعقلوا وفكروا، ونزّهوا هذه الكتب عن أمثال هذه التَّرهات والأباطيل، فإن الزنى جريمة من أبشع الجرائم فكيف يرتكبها نبيٌ من الأنبياء المكرمين؟ وهاكم الأدلة أسوقها من كتاب الله فقط على عصمته عليه السلام من عشرة وجوه:
الأول: امتناعه الشديد ووقوفُه أمامها بكل صلابه وعزم {قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..﴾
.
الثاني: فراره منها بعد أن غلَّقت الأبواب وشدّدت عليه الحصار ﴿واستبقا الباب وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ... ﴾.
الثالث: إيثاره السجن على الفاحشة ﴿قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ... ﴾.
الرابع: ثناء الله تعالى عليه في مواطن عديدة ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين﴾ ﴿حُكْماً وَعِلْماً﴾ فهل يكون مخلصاً لله من همَّ بفاحشة الزنى؟
الخامس: شهادة الطفل الذي أنطقه الله وهو في المهد بالحجة الدامغة ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ... ﴾ الآية.
السادس: اعتراف امرأة العزيز ببراءته وعفته ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم... ﴾.
السابع: استغاثته بربه لينجيه من كيد النساء ﴿فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ..﴾.
الثامن: ظهور الأمارات الواضحة والبراهين الساطعة على براءته وإِدخالِهِ السجن لدفع مقالة الناس ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ﴾.
التاسع: عدم قبوله الخروج من السجن حتى تبرأ ساحته من التهمة ﴿ارجع إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ... ﴾ ؟.
العاشر: الاعتراف الصريح من امرأة العزيز والنسوة ببراءته ﴿قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾. وكفى بذلك برهاناً على عفته ونزاهته} ! والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.
48
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﰿ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
المنَاسَبَة: لما أراد الله الفرج عن يوسف وإخراجه من السجن، رأى ملك مصر رؤيا عجيبة أفزعته، فجمع السحرةَ والكهنة والمنجمين وأخبرهم بما رأى في منامه، وسألهم عن تأويلها فأعجزهم الله جميعاً ليكون ذلك سبباً في خلاص يوسف من السجن.
اللغَة: ﴿عِجَافٌ﴾ هزيلة ضعيفة جمع أعجف والأنثى عجفاء ﴿تَعْبُرُونَ﴾ التعبير: معرفة تفسير الرؤيا المنامية ﴿أَضْغَاثُ﴾ جمع ضِغث وهو الحزمة من الحشيش اختلط فيها اليابس بالرطب ﴿أَحْلاَمٍ﴾ جمع حُلم وهو ما يراه النائم ومعناه أخلاط منامات اختلط فيها الحق بالباطل ﴿وادكر﴾ تذكّر بعد النسيان ﴿دَأَباً﴾ الدَّأب: الاستمرار على الشيء يقال: دأب على عمله فهو دائب أي استمر عليه ﴿تُحْصِنُونَ﴾ تحرزون وتدخرون ﴿حَصْحَصَ﴾ ظهر وبان ﴿مَكِينٌ﴾ ذو مكانة رفيعة ﴿رِحَالِهِمْ﴾ جمع رحل وهو ما على ظهر المركوب من متاع الراكب وغيره ﴿نَمِيرُ﴾ نأتي لهم بالميرة وهي الطعام ﴿يُحَاطَ بِكُمْ﴾ تهلكوا جميعاً.
التفِسير: ﴿وَقَالَ الملك إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ أي قال ملك مصر إني رأيت في منامي سبع بقرات سمانٍ خرجت من نهرٍ يابسٍ، وفي أثرها سبع بقراتٍ هزيلة في غاية الهُزال فابتلعت العجافُ السمانّ ﴿وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾ هذا من تتمة الرؤيا أي ورأيتُ أيضاً سبع سنبلاتٍ خضر قد انعقد حبُّها وسبعاً آُخر يابسات قد استحصدت، فالتوتْ اليابسات على الخضر فأكلنهنَّ ﴿ياأيها الملأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ﴾ أي يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي أخبروني عن تفسير هذه الرؤيا ﴿إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ أي إن كنتم تجيدون تعبيرها وتعرفون مغزاها ﴿قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ أي أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها قال الضحاك: أحلامٌ كاذبة ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ﴾ أي ولسنا نعرف تأويل مثل هذه الأحلام الكاذبة ﴿وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أي وقال نجا من السجن وهو الساقي وتذكّر ما سبق له مع يوسف بعد مدة طويلة ﴿أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ أي أنا أخبركم عن تفسير هذه الرؤيا ممن عنده علم بتأويل المنامات ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ أي فأرسلوني إليه لآتيكم بتأويلها، خاطب الملك بلفظ التعظيم قال ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة ولهذا قال فأرسلون ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق﴾ في الكلام محذوف دلَّ عليه السياق وتقديره: فأرسلوه فانطلق الساقي إلى السجن ودخل على يوسف وقال له: يا يوسف يا أيها الصِّديق وسمّاه صديقاً لأنه كان قد جرب صدقه في تعبير الرؤيا التي رآها في السجن، والصدّيق مبالغةٌ من الصدق ﴿أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾ أي أخبرنا عن
50
تأويل هذه الرؤيا العجيبة ﴿لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لأرجع إلى الملك وأصحابه وأخبرهم بها ليعلموا فضلك وعلمك ويخلصوك من محنتك قال الإِمام الفخر: وإنما قال ﴿لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس﴾ لأنه رأى عجز سائر المعبّرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز هو أيضاً عنها فلهذا السبب قال لعلّي ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً﴾ أي تزرعون سبع سنين دائبين بجدٍ وعزيمة ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ﴾ أي فما حصدتم من الزرع فاتركوه في سنبله لئلا يسوّس ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أي إلا ما أردتم أكله فادرسوه واتركوا الباقي في سنبله ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ أي ثمَّ يأتي بعد سنيّ الرخاء سبع سنين مجدبات ذات شدة وقحط على الناس ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي تأكلون فيها مما ادخرتم أيام الرخاء ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ أي إلا القليل الذي تدخرونه وتخبئونه للزراعة ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي ثم يأتي بعد سنيّ القحط والجدب العصيبة عام رخاء، فيه يُمطر الناس ويُغاثون، وفيه يعصرون الأعناب وغيرها لكثرة خصبه، قال الزمخشري: تأول عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشّرهم بأن العام الثامن يجيء مباركاً خصيباً، كثير الخير، غزير النعم، وذلك من جهة الوحي ﴿وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ﴾ أي ولما رجع الساقي إلى الملك وعرض عليه ما عبَّر به يوسف رؤياه استحسن ذلك فقال: أحضروه لي لأسمع منه تفسيرها بنفسي ولأبصره ﴿فَلَمَّا جَآءَهُ الرسول﴾ أي فلما جاء رسول الملك يوسف ﴿قَالَ ارجع إلى رَبِّكَ﴾ أي قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك الملك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ أي سلْه عن قصة النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن هل يعلم أمرهنَّ؟ وهل يدري لماذا حُبست ودخلت السجن؟ وأني ظُلمت بسببهنَّ؟ أبى عليه السلام أن يخرج من السجن حتى تُبرأ ساحته من تلك التهمة الشنيعة، وأن يعلم الناس جميعاً أنه حُبس بلا جرم ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ أي إنه تعالى هو العالم بخفيات الأمور وبما دبّرن من كيدٍ لي ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ جمع الملك النسوة ودعا امرأة العزيز معهن فسألهن عن أمر يوسف وقال لهن: ما شأنكن الخطير حين دعوتن يوسف غلى مقارفة الفاحشة؟ ﴿قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء﴾ أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء، وهو تنزيهٌ له وتعجب من نزاهته وعفته ﴿قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق﴾ أي ظهر وانكشف الحق وبان بعد خفائه ﴿أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ أي أنا التي أغريتُه ودعوتُه
51
إلى نفسي وهو بريءٌ من الخيانة وصادقٌ في قوله «هي راودتني عن نفسي» وهذا اعتراف صريحٌ ببراءة يوسف على رءوس الأشهاد ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ الأظهر أن هذا من كلام يوسف قاله لمّا وصله براءة النسوة له والمعنى ذلك الأمر الذي فعلتُه من ردّ الرسول حتى تظهر براءتي ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجته في غيبته بل تعففت عنها ﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين﴾ أي لا يوفق الخائن ولا يسدّد خطاه ﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء﴾ أي لا أزكي نفسي ولا أنزّهها، فإن النفس البشرية ميَّالة إلى الشهوات، قاله يوسف على وجه التواضع قال الزمخشري: أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه، لئلا يكون لها مزكياً، وبحالها معجباً ومفتخراً ﴿إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي﴾ أي إلا من رَحِمَهُ اللَّهُ بالعصمة ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي عظيم المغفرة واسع الرحمة ﴿وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أي ائتوني بيوسف اجعله من خاصتي وخلصائي، قال ذلك لمّا تحقق براءته وعرف عفته وشهامته وعلمه ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أي فلما أتوا به وكلَّمه يوسف وشاهد الملك فضله، ووفور عقله، وحُسن كلامه قال إنك اليوم قريب المنزلة رفيع الرتبة، مؤتمنٌ على كل شيء ﴿قَالَ اجعلني على خَزَآئِنِ الأرض﴾ أي قال يوسف للملك اجعلني على خزائن أرضك ﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ أي أمينٌ على ما استودعتني، عليمٌ بوجوه التصرف، وإنما طلب منه الولاية رغبةً في العدل، وإقامة الحق والإِحسان، وليس هو من باب التزكية للنفس، وإنما هو للإِشعار بحنكته ودرايته لاستلام وزارة الماليَّة ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ أي وهكذا مكنّا ليوسف في أرض مصر، وجعلنا له العزَّ والسلطان بعد الحبس والضيق ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ﴾ أي يتخذ منها منزلاً حيث يشاء ويتصرف في الممكلة كما يريد ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ﴾ أي نخص بإِنعامنا وفضلنا من نشاء من عبادنا ﴿وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا نضيع أجر من أحسن عمله وأطاع ربه بل نضاعفه له ﴿وَلأَجْرُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ أي أجر الآخرة وثوابها خير للمؤمنين المتقين من أجر الدنيا، وفيه إشارة إلى أن المطلب الأعلى هو ثواب الآخرة، وأن ما يُدَّخر لهؤلاء المحسنين أعظم وأجلُّ من هذا النعيم العاجل في الدنيا ﴿وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ أي دخلوا على يوسف فعرف أنهم إخوته ولكنهم لم يعرفوه لهيبة المُلْك، وبُعْد العهد، وتغير الملامح قال ابن عباس: كان بين إلقائه في الجب وبين دخولهم عليه اثنتان وعشرون سنة فلذا أنكروه، وكان سبب مجيئهم أنهم أصابتهم مجاعة في بلادهم بسبب القحط الذي عمَّ البلاد، فخرجوا إلى مصر ليشتروا من الطعام الذي ادخره يوسف، فلما دخلوا على يوسف قال كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ قالوا: جئنا للميرة، قال: لعلكم عيونٌ «جواسيس» علينا؟ قالوا: معاذ الله، قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبيُّ الله، قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر فذهب أصغرنا وهلك في البرية - وكان أحبَّنا إليه - وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلّى به عنه وجئنا نحن العشرة، فأمر بإنزالهم وإكرامهم ﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ﴾ أي
52
هيأ لهم الطعام والميرة وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم ﴿قَالَ ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ﴾ أي ائتوني بأخيكم بنيامين لأصدقكم ﴿أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل﴾ أي ألا ترون أني أتم الكيل من غير بخسٍ ﴿وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ أي خير من يكرم الضيفان وخير المضيفين لهم، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم ﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ أي إن لم تأتوني بأخيكم فليس لكم عندي بعد اليوم ميرة، ولا تقربوا بلادي مرة ثانية، رغبهم ثم توعدهم قال في البحر: والظاهر أن كل ما فعله يوسف عليه السلام كان بوحيٍ من الله وإلا فمقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه لكنَّ الله أراد تكميل أجر يعقوب ومحنته، ولتتفسَّر الرؤيا الأولى ﴿قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ أي سنخادعه ونحتال في انتزاعه من يده، ونجتهد في طلبه منه، وإنّا لفاعلون ذلك ﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ﴾ أي قال يوسف لغلمانه الكيالين اجعلوا المال الذي استروا به الطعام في أوعيتهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ﴾ أي لكي يعرفوها إذا رجعوا إلى أهلهم وفتحوا أوعيتهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي لعلهم يرجعون إلينا إذا رأوها، فإنه علم أنَّ دينهم يحملهم على رد الثمن لأنهم مطهّرون عن أكل الحرام فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه ﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل﴾ أي فلما عادوا إلى أبيهم قالوا له - قبل أن يفتحوا متاعهم - يا أبانا لقد أُنذرنا بمنع الكيل في المستقبل إن لم نأت بأخينا بنيامين، فإنَّ ملك مصر ظنَّ أننا جواسيس وأخبرناه بقصتنا فطلب أخانا ليتحقق صدقنا ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ﴾ أي أرسل معنا أخانا بنيامين لنأخذ ما نستحقه من الحبوب التي تُكال لنا ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي نحفظه من أن يناله مكروه ﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ أي قال لهم يعقوب: كيف آمنكم على بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم بعد أن ضمنتم لي حفظه، ثمَّ خنتم العهد؟ فأًخاف أن تكيدوا له كما كدتم لأخيه؟ فأنا لا أثق بكم ولا بحفظكم، وإنما أثق بحفظ الله ﴿فالله خَيْرٌ حَافِظاً﴾ أي حفظ الله خيرٌ من حفظكم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ أي هو أرحم من والديه وإخوته، فأرجوأن يمُنَّ عليَّ بحفظه ولا يجمع عليَّ مصيبتين ﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ أي ولما فتحوا الأوعية التي وضعوا فيها الميرة وجدوا ثمن الطعام في متاعهم ﴿قَالُواْ ياأبانا مَا نَبْغِي﴾ أي ماذا نبغي؟ وأيَّ شيءٍ نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا؟ ﴿هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾ أي هذا ثمن الطعام قد ردّ إلينا من حيث لا ندري، فهل هناك مزيدٌ فوق هذا الإِحسان، أوفى لنا الكيل، وردَّ لنا الثمن!! أرادوا بذلك استنزال أبيهم عن رأيه ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ أي نأتي بالميرة والطعام لأهلنا ﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ أي نحفظه من المكاره، وكرروا حفظ الأخ مبالغةً في الحض على إرساله ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ أي ونزداد باستصحابنا له حمل بعير، روي أنه ما كان يعطي الواحد إلا كيل بعير من الطعام، فأعطاهم حمل عشرة جمال ومنعهم الحادي عشر حتى يحضر أخوهم ﴿ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾ أي سهلٌ على الملك إعطاؤه لسخائه ﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ أي قال لهم أبوهم: لن أرسل معكم بنيامين إلى مصر حتى تعطوني عهداً مؤكداً وتحلفوا بالله لترُدنه عليَّ ﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾
53
أي إلا أن تُغلبوا فلا تقدّروا على تخليصه، ولا يبقى لكم طريق أو حيلة إلى ذلك قال مجاهد: إلا أن تموتوا كلُّكم فيكون ذلك عذراً عندي ﴿فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ أي فلما حلفوا له وأعطوه العهد المؤكد ﴿قَالَ الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ أي الله شهيد رقيب على ذلك ﴿وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾ أي لا تدخلوا مصر من بابٍ واحد قال المفسرون: خاف عليهم من العين إن دخلوا مجتمعين إذ كانوا أهل جمالٍ وهيبة، والعينُ حقٌ تُدخل الرجلَ القبرَ، والجملَ القِدر كما جاء في الحديث ﴿وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي لا أدفع عنكم بتدبيري شيئاً مما قضاه الله عليكم، فإن الحذَر لا يدفع القدر ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ أي ما الحكم إلا لله جلَّ وعلا وحده لا يشاركه أحد، ولا يمانعه شيء ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ أي عليه وحده اعتمدت وبه وثقت ﴿وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾ أي وعليه فليعتمدْ أهل التوكل والإيمان، ولْيفوضوا أمورهم إليه ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم﴾ أي دخلوا من الأبواب المتفرقة كما أوصاهم أبوهم ﴿مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي ما كان دخولهم متفريقن ليدفع عنهم من قضاء الله شيئاً ﴿إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ أي إلا خشية العين شفقةً منه على بنيه ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ أي وإن يعقوب لذو علمٍ واسع لتعليمنا إياه بطريق الوحي، وهذا ثناءٌ من الله تعالى عظيمٌ على يعقوب، لأنه علم بنور النبوة أن القدر لا يدفعه الحذر ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون ما خصَّ الله به أنبياءه وأصفياءه من العلوم التي تنفعهم في الدارين.
البَلاغَة: ١ - ﴿إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية.
٢ - ﴿سِمَانٍ... وعِجَافٌ﴾ بينهما طباقٌ وكذلك بين ﴿خُضْرٍ... ويَابِسَاتٍ﴾ طباقٌ.
٣ - ﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ هذا من أَبلغ أَنواع الاستعارة وألطفها فإن الأضغاث هو المختلط من الحشيش المضموم بعضه إِلى بعض، فشبه اختلاط الأحلام وما فيها من المحبوب والمكروه، والخير والشر باختلاط الحشيش المجموع من أصناف كثيرة.
٤ - ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق﴾ هذا من براعة الاستهلال فقد قدَّم الثناء قبل السؤال طمعاً في إجابة مطلبه.
٥ - ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ فيه مجاز عقلي لأن السنين لا تأكل وإنما يأكل الناس ما ادَّخروه فيها، فهو من باب الإِسناد إلى الزمان كقول الفصحاء: نهارُ الزاهدِ صائم وليلُه قائم.
٦ - ﴿لأَمَّارَةٌ بالسواء﴾ لم يقل آمرة مبالغة في وصف النفس بكثرة الدفع في المهاوي، والقود إلى المغاوي لأن «فعّال» من أبنية المبالغة.
٧ - ﴿فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ بين عرف وأنكر طباقٌ.
٨ - ﴿لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾ فيه إطناب وهو زيادة اللفظ على المعنى، وفائدتُه تمكين المعنى من النفس، وفيه أيضاً من المحسنات البديعية ما يسمى «طباق السلب».
فَائِدَة: أثنى رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على يوسف الصدِّيق في كرمه وصبره وحلمه فقال: «لو لبثتُ في السجن ما لبثَ يوسفُ لأجبتُ الداعي» وكفى بهذا برهاناً على عفة يوسف ونزاهته عليه السلام.
54
لطيفَة: ذكر بعض العلماء أن يوسف عليه السلام ما زال النساء يملن إِليه ميل شهوة حتى نبأه الله، فألقى عليه هيبة النبوة فشغلت هيبتُه كل من رآه عن حسنه.
55
المنَاسَبَة: تتحدث الآيات عن مجيء إخوة يوسف للمرة الثانية إلى مصر ومعهم «بنيامين» الأخ الشقيق ليوسف، وما كان من شأنه حين ظهر الصواع في رحله، فاحتجزه يوسف عنده بحكم شريعة يعقوب، ثم ما كان من تمام المحنة على يعقوب عليه السلام بفقد ولديه حتى ذهب الحزن ببصره.
اللغَة. ﴿تَبْتَئِسْ﴾ تحزن ﴿العير﴾ الإِبل التي عليها الأحمال ثم كثر الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عيرٌ ﴿صُوَاعَ﴾ الصُواع: الصاع الذي يكال به يُذكَّر ويؤنَّث وهو السقاية ﴿زَعِيمٌ﴾ كفيل ﴿سَوَّلَتْ﴾ زيَّنت وسهَّلت ﴿كَظِيمٌ﴾ ممتلئ من الحزن يكتمه ولا يبديه ﴿تَفْتَؤُاْ﴾ لا تفتأ ولا تزال من أخوات كان الناقصة ﴿حَرَضاً﴾ الحَرَض: المَرَض الذي يُشْفي على الهلاك قال الشاعر:
هممتُ بهمٍّ من بثيةً لو بدا شفيتُ غليلاتِ الهوى من فؤاديا
سَرَى همِّي فأَمْرضني وقِدْماً زَادَنِي مَرَضاً
كذاك الحُبُّ قبلَ اليَو مِ ممّا يُورِثُ الحَرَضا
وأصل الحَرَض الفساد في الجسم أو العقل ﴿بَثِّي﴾ البثُّ: أشد الغمّ والهمّ ﴿فَتَحَسَّسُواْ﴾ التحسُّسُ: طلب الشيء بالحواس، والتعرُّفُ عليه مع الاستقصاء الدقيق ويستعمل في الخير كما أن التجسُّس يستعمل في الشر، وقيل يستعمل في الخير والشر ﴿لاَ تَثْرِيبَ﴾ التثريبُ: التأنيب والتوبيخ.
التفسِير: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ﴾ أي وحين دخل أولاد يعقوب على يوسف ﴿آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ أي ضمَّ إليه أخاه الشقيق بنيامين ﴿قَالَ إني أَنَاْ أَخُوكَ﴾ أي أنا أخوك يوسف، أخبره بذلك واستكتمه ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي لا تحزنْ بما فعلوا بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا بخير قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف عليه أكرمهم وأحسن ضيافتهم ثم أنزل كل اثنين في بيت وبقي «بنيامين» وحيداً فقال: هذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويعانقه، وقال له: أنا أخوك يوسف فلا تحزن بما صنعوا، ثم أعمله أنه سيحتال لإبقائه عنده وأمره أن يكتم الخبر ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أي ولمّا قضى حاجتهم وحمَّل إبلهم بالطعام والميرة ﴿جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ أي أمر يوسف بأن تُجعل السقاية - وهي صاعٌ مرصَّعٌ بالجواهر - في متاع أخيه بنيامين ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ أي نادى منادٍ ﴿أَيَّتُهَا العير﴾ أي يا أصحاب الإبل ويا أيها الركب المسافرون ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ أي أنتم قوم سارقون، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ ؟ قال المفسرون: لما وصل المنادون إليهم قالوا: ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم؟ ونوفّ إليكم الكيل؟ ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا: بلى وما ذاك؟ قالوا: فقدنا سقاية الملك ولا نتّهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى: ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ أي التفتوا إليهم وسألوهم ماذا ضاع منكم وماذا فُقد؟ وفي قولهم ﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ بدل «ماذا سرَقْنا» إرشادٌ لهم إلى مراعاة حسن الأدب، وعدم المجازفة بنسبة البريئين إلى تهمة السرقة، ولهذا التزموا الأدب معهم فأجابوهم ﴿قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك﴾ أي ضاع منا مكيال الملِك المُرصَّع بالجواهر ﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ أي ولمن جاءنا بالمكيال وردَّه إلينا حِمْلُ بعيرٍ
56
من الطعام كجائزة له ﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ أي أنا كفيلٌ وضامنٌ بذلك ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض﴾ قسمٌ فيه معنى التعجب أي قالوا متعجبين: والله لقد علمتم أيها القوم ما جئنا بقصد أن نفسد في أرضكم ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أي ولسنا ممن يُوصف بالسرقة قطُّ لأننا أولاد أنبياء ولا نفعل مثل هذا الفعل القبيح قال البيضاوي: استَشْهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم، كردّ البضاعة التي جُعلت في رحالهم، وككمِّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد ﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أي ما عقوبة السارق في شريعتكم إن كنتم كاذبين في ادعاء البراءة ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي جزاء السارق الذي يوجد الصاع في متاعه أن يُسترقَّ ويصبح مملوكاً لمن سَرَق منه ﴿كذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي كذلك نجازي من تعدَّى حدود الله بالسرقة وأمثالها، وهذا القول منهم هو الحكم في شريعة يعقوب وقد نسخ بقطع الأيدي في الشريعة الإِسلامية ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين قال المفسرون: هذا من تمام الحيلة ودفع التهمة فإنهم لما ادعوا البراءة قال لهم: لا بدَّ من تفتيش أوعيتكم واحداً واحداً فانطلقوا بهم إلى يوسف فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء «بنيامين» قال قتادة: ذُكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاءً إلا استغفر الله مما قذفهم به، حتى بقي أخوه - وكان أصغرَ القوم فقال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا نتركُك حتى تنظر في رَحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى ﴿ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي استخرج الصواع من متاع أخيه بنيامين، فلما أخرجها منه نكَّس الإِخوةُ رءوسَهم من الحياء، وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له فضحتنا وسوَّدت وجوهنا يا ابن راحيل ﴿كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ أي كذلك صنعنا ودبرنا ليوسف وألهمناه الحيلة ليستبقي أخاه عنده ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك﴾ أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين ملك مصر، لأن جزاء السارق عنده أن يُضرب ويُغرَّم ضعفَ ما سَرَق ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي إلا بمشيئته تعالى وإذنه، وقد دلّت الآية على أن تلك الحيلة كانت بتعليم الله وإلهامه له ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي نرفع بالعلم منازل من نشاء من عبادنا ما رفعنا يوسف ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ أي فوق كل عالمٍ من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى ذي العلم البالغ وهو ربُّ العالمين قال الحسن: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله وقال ابن عباس: الله العليم الخبير فوق كل عالم ﴿قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ أي إن سرق فقد سرق أخوه الشقيق من قبله يعنون يوسف، تنصّلوا من السرقة ورموا بها يوسف وأخاه ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ أي أخفى تلك القولة في نفسه وكتمها ولم يُظهرها لإِخوته تلطفاً معهم ﴿قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ أي أنتم شرٌ منزلةًً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، ولم يواجههم بهذا الكلام وإنما قاله في نفسه ﴿والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ أي أعلم بما تتقوّلوا وتفترون ﴿قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ استرحامٌ واستعطافٌ أي قالوا مستعطفين يا أيها السيد المبجَّل إنَّ أباه شيخ كبير في السِّن لا يكاد يستطيع فراقه ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أي خذْ بدله
57
واحداً منا فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أتممْ إحسانك علينا فقد عودتنا الجميل والإحسان ﴿قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ أي نعوذ بالله من أن نأخذ أحداً بجرم غيره ﴿إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ أي نكون ظالمين إن فعلنا ذلك قال الألوسي: والتعبير بقوله ﴿مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ بدل «من سَرَقَ» لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ أي ولما يئسوا من إجابة طلبهم يأساً تاماً، وعرفوا أن لا جدوى من الرجاء، اعتزلوا جانباً عن الناس يتناجون ويتشاورون ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله﴾ أي قال أكبرهم سناً وهو «روبيل» أليس قد أعطيتم أباكم عهداً وثيقاً بردِّ أخيكم؟ ﴿وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ﴾ أي ومن قبل هذا ألا تذكرون تفريطكم في يوسف؟ فكيف ترجعون إليه الآن؟ ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لي أبي﴾ أي فلن أفارق أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالخروج منها ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِي﴾ أي يحكم لي بخلاص أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ أي وهو سبحانه أعدل الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق ﴿ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ أي ارجعوا إلى أبيكم فأخبروه بحقيقة ما جرى وقولوا له إن ابنك بنيامين سَرَق ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ أي ولسنا نشهد إلا بما تيقنا وعلمنا فقد رأينا الصاع في رَحْله ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق ﴿وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا﴾ أي واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث قال البيضاوي: أي أرسلْ إلى أهلها واسألهم عن القصة ﴿والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي واسأل أيضاً القافلة التي جئنا معهم وهم قوم من كنعان كانوا بصحبتهم في هذه السفرة ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ أي صادقون فيما أخبرناك من أمره ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنتْ وسهَّلت لكم أنفسكم أمراً ومكيدةً فنفذتموها، اتهمهم بالتآمر على «بنيامين» لما سبق منهم في أمر يوسف ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي لا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله ﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ أي عسى أن يجمع الله شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم جميعاً ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العالم بحالي الحكيم في تدبيره وتصريفه ﴿وتولى عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عن أولاده كراهة لما سمع منهم ﴿وَقَالَ ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ أي يا لهفي ويا حسرتي وحزني على يوسف ﴿وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ أي فقد بصره وعشي من شدة البكاء حزناً على ولديه ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي مملوء القلب كمداً وغيظاً ولكنه يكتم ذلك في نفسه، وهو مغموم ومكروب لتلك الداهية الدهياء قال أبو السعود: وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه لأن ذكر يوسف كان آخذاً بمجامع قلبه لا ينساه ولأنه كان واثقاً بحياتهما طامعاً في إيابهما وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وقال الرازي: الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن في النفس، والأسى
58
يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر:
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى فدعْني فهذا كله قبر مالك
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي لا تفتأ ولا تزال تذكر يوسف وتتفجع عليه ﴿حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ أي حتى تكون مريضاً مشرفاً على الهلاك أو تهلك أسىً وحسرة وتموت ﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله﴾ أي قال لهم يعقوب: لستُ أشكو غميّ وحزني إليكم وإنما أشكو ذلك إلى الله فهو الذي تنفع الشكوى إليه ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب ﴿يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أي اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه فالتمسوا يوسف وتعرّفوا على خبره وخبر أخيه بحواسكم ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ أي لا تقنطوا من رحمة الله وفرجه وتنفيسه ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون﴾ أي فإنه لا يقنط من رحمته تعالى إلا الجاحدون المنكرون لقدرته جلَّ وعلا ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر﴾ في الكلام محذوف أي فخرجوا راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف فلما دخلوا قالوا يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا الشدة من الجدب والقحط ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ أي وجئنا ببضاعة رديئة مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً قال ابن عباس: كانت دراهمهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، أظهروا له الذل والانكسار استرحاماً واستعطافاً ﴿فَأَوْفِ لَنَا الكيل﴾ أي أتمم لنا الكيل ولا تنقصْه لرداءة بضاعتنا ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ﴾ أي بردّ أخينا إلينا أو بالمسامحة عن رداءة البضاعة ﴿إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين﴾ أي يثيب المحسنين أحسن الجزاء.
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم ﴿قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي﴾ أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق ﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا ﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ أي قال لهم يوسف:
59
لا عتب عليكم اليوم ولا عقوبة بل أصح وأعفو ﴿يَغْفِرُ الله لَكُمْ﴾ دعاءٌ لهم بالمغفرة وهذا زيادة تكريم منه لما فرط منهم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ أي هو جل وعلا المتفضل على التائب بالمغفرة والرحمة، أرحم بعباده من كل أحد ﴿اذهبوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي﴾ قال الطبري: ذُكر أن يوسف لمّا عرَّف نفسه إخوته سألهم عن أبيهم فقالوا: ذهب بصره من الحزن فعند ذلك أعطاهم قميصه، وأراد يوسف تبشير أبيه بحياته، وإدخال السرور عليه بذلك ﴿يَأْتِ بَصِيراً﴾ أي يرجع إليه بصره ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي وجيئوني بجميع الأهل والذرية من أولاد يعقوب.
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ فيه جناس الاشتقاق وكذلك في ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
٢ - ﴿فَأَسَرَّهَا... وَلَمْ يُبْدِهَا﴾ بينهما طباق.
٣ - ﴿شَيْخاً كَبِيراً﴾ فيه إطناب للاستعطاف.
٤ - ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ مجاز مرسل علاقته المحلية.
٥ - ﴿ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ بين لفظتي الأسف ويوسف جناس الاشتقاق.
٦ - ﴿تَالله تَفْتَؤُاْ﴾ إِيجاز بالحذف أي تالله لا تفتأ.
٧ - ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ فيه استعارة استعير الرَّوْح وهو تنسيم الريح التي يلذُّ شميمها ويطيب نسيمها، للفَرَج الذي يأتي بعد الكربة، واليُسر الذي يأتي بعد الشدة.
لطيفَة: ذكر القاضي عياض في كتابه «الشفا» أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ هذه الآية ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام. وذلك أن الآية ذكرت صفة اعتزالهم لجميع الناس، وانفرادهم من غيرهم، وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الآية القصيرة، معاني القصة الطويلة.
60
المنَاسَبَة: تتحدث الآيات عن مجيء أسرة يعقوب بأسرهم إلى مصر، ودخولهم على يوسف وهو في عز السلطان وعظمة الملك، وتحقيق الرؤيا بسجود إخوته الأحد عشر له مع أبيه وأمه، واجتماع الشمل بعد الفرقة، وحلول الأنس بعد الكدر، ثم تختم السورة الكريمة بتوجيه الأنظار إلى عجائب الكون الدالة على القدرة والوحدانية، وما في قصص القرآن من العبر والعظات ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ ! ﴿.
للغَة: {تُفَنِّدُونِ﴾
تنسبوني إلى الخَرَف قال الأصمعي: إذا كَثُر كلام الرجل من خَرَف فهو المفند وقال الزمخشري: التفنيد النسبة إلى الفَنَد وهو الخَرَف وإنكار العقل من هرم يقال: شيخ مُفند ولا يقال عجوز مُفْندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها ﴿ضَلاَلِكَ﴾ ذهابك عن الصواب ﴿البدو﴾ البادية ﴿نَّزغَ﴾ أفسد وأغوى وأصله من نزغ الراكب الدابة إذا نخسها ليحملها على الجري ﴿فَاطِرَ﴾ مبدع ومخترع وأصله من فطر إذا شقَّ ثم صار عبارة عن الخلق والإِيجاد ﴿غَاشِيَةٌ﴾ عذاب يغشاهم ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عِبْرَةٌ﴾ عظة وتذكرة.
التفسِير: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العير﴾ أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام ﴿قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ أي قال يعقوب لمن حضر من قرابته إني لأشمّ رائحة يوسف قال ابن عباس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف وبينهما مسيرة ثمان ليال ﴿لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ أي تسفهوني وتنسبوني إلى الخَرَف وهو ذهاب العقل وجواب ﴿لَوْلاَ﴾ محذوف تقديره لأخبرتكم أنه حيٌّ ﴿قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم﴾ أي قال حفدته ومن عنده: والله إنك لفي خطأ وذهاب عن طريق الصواب قديم، بإفراطك في محبة يوسف، ولهجك بذكره، ورجائك للقائه قال المفسرون: وإنما قالوا ذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات ﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير﴾ أي فلما جاء المبشر بالخبر السارّ
61
قال مجاهد: كان البشير أخاه يهوذا الذي حمل قميص الدم فقال: أُفرحه كما أحزنته ﴿أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ﴾ أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب ﴿فارتد بَصِيراً﴾ أي عاد بصيراً لما حدث له من السرور والانتعاش ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي قال يعقوب لأبنائه: ألم أخبركم بأني أعلم ما لا تعلمونه من حياة يوسف وأن الله سيرده عليَّ لتتحقق الرؤيا؟ قال المفسرون: ذكّرهم بقوله ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٨٦] روي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال: هو ملك مصر، قال ما أصنع بالملك} على أيّ دين تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمَّت النعمة ﴿قَالُواْ ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ﴾ طلب أبناؤه أن يستغفر لهم لما فرط منهم ثم اعترفوا بخطأهم بقولهم ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ أي مخطئين فيما ارتكبنا مع يوسف ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي﴾ وعدهم بالاستغفار قال المفسرون: أخَّر ذلك إلى السَّحَر ليكون أقرب إلى الإِجابة وقيل: أخرَّهم إلى يوم الجمعة ليتحرى ساعة الإِجابة ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ أي الساتر للذنوب الرحيم بالعباد ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ أي فلما دخل يعقوب وأبناؤه وأهلوهم على يوسف ضمَّ إليه أبويه واعتنقهما ﴿وَقَالَ ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ أي ادخلوا بلدة مصر آمنين من كل مكروه، وإنما قال ﴿إِن شَآءَ الله﴾ تبركاً وتيمناً ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش﴾ أي أجلسهما على سرير الملك بجانب ﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أي سجد له أبوه وأمه وإخوته حين دخولهم عليه قال المفسرون: كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة ﴿وَقَالَ ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾ أي هذا تفسير الرؤيا التي رأيتها في منامي وأنا صغير ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾ أي صدقاً حيث وقعت كما رأيتها في النوم ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن﴾ أي أنعم عليَّ بإخراجي من السجن قال المفسرون: ولم يذكر قصة الجب تكرماً منه لئلا يُخْجل إخوته ويذكّرهم صنيعهم بعد أن عفا عنهم ﴿وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو﴾ أي جاء بكم من البادية لأنهم كانوا أهل إبل وغنم ببادية فلسطين، ذكّرهم بنعمة الله على آل يعقوب حيث نقلهم من البادية إلى الحضر واجتمع شمل الأسرة بمصر قال الطبري: ذُكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهليهم وأبنائهم وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي﴾ أي أفسد ما بيني وبين إخوتي بالإِغواء قال أبو حيان: وذكر هذا القدر من أمر إخوته لأن النعمة إذا جاءت إِثْر بلاءٍ وشدة كانت أحسن موقعاً ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ﴾ أي لطيف التدبير يحقّق مشيئتَه بلطفٍ ودقةٍ خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العليم بخلقه الحكيم في صنعه قال المفسرون: إن يعقوب عليه السلام أقام مع يوسف في مصر أربعاً وعشرين سنة ثم مات وكان قد أوصى أن يُدفن بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى يوسف بنفسه ودفنه ثمَّة، ثم لما عاد إلى مصر عاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا
62
يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم الخالد، واشتاق إلى لقاء الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق فقال ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك﴾ أي أعطيتني العزَّ والجاه والسلطان، وذلك من نعمة الدنيا ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي علمتني تفسير الرؤيا، وذلك من نعمة العلم ﴿فَاطِرَ السماوات﴾ أي يا مبدع السماوات والأرض وخالقَهما على غير مثال سابق ﴿والأرض أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة﴾ أي أنت يا رب متولي أموري وشئوني في الدارين ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ أي اقبضني إليك مسلماً، واجعل لحاقي بالصالحين، ابتهل إلى ربه أن يحفظ عليه إسلامه حتى يموت عليه، وإلى هنا تنتهي قصة يوسف الصدّيق، ثم يأتي التعقيب بعد ذلك بإقامة البرهان على صحة نبوة محمد عليه السلاة والسلام ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ أي ذلك الذي أخبرناك عنه يا محمد من أمر يوسف وقصته، من الأخبار المغيَّبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي، وإنما نُعلمك نحن بها على أبلغ وجه وأدق تصوير، ليظهر صدقُك في دعوى الرسالة ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ أي وما كنت حاضراً مع إخوة يوسف حين تآمروا على أخيهم وأجمعوا أمرهم على إلقائه في الجب وهم يحتالون ويمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، فإنك يا محمد لم تشاهدهم حتى تقف على حقيقة القصة وإنما جاءتك بوحيٍ من العليم الخبير ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ هذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي ليس أكثر الخلق ولو حرصتَ على إيمانهم وبالغتَ في إرشادهم بمصدقين لك لتصميمهم على الكفر ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي وما تطلب منهم على هذا النصح، والدعاء إلى الخير والرشد أجرة حتى يثقل عليهم ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي ما هذا القرآن إلا عظة وتذكير للعالمين، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالاً، فلو كانوا عقلاء لقبلوا ولم يتمردوا ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض﴾ أي كم من الآيات والعلامات الدالة على وجود الله جل وعلا ووحدانيته، الكائنة في السماوات والأرض كالشمس والقمر والنجوم، والجبال والبحار والأشجار، وسائر ما فيهما من العجائب ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ أي يشاهدونها ليلَ نهار، ويمرون عليها بالعشي والإبكار ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي لا يفركون فيها ولا يعتبرون، فلا تتعجب من إعراضهم عنك فإن إعراضهم عن هذه الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته أغرب وأعجب ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ أي لا يؤمن أكثر هؤلاء المكذبين من قومك إلا إذا أشركوا مع الله غيره، فإنهم يقرّون بأن الله هو الخلاق الرازق ويعبدون معه الأصنام قال ابن عباس: ومن ذلك قولهم في تلبيتهم: ﴿لبَّيْك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك « {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله﴾ أفأمن هؤلاء المكذبون عقوبةً من عذاب الله تغشاهم وتشملهم؟ ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أو تأتيهم القيامة بأهوالها فجأة من حيث لا يشعرون ولا يتوقعون؟ والاستفهام إنكاري وفيه معنى التوبيخ ﴿قُلْ هذه سبيلي﴾ أي قل يا محمد هذه طريقي ومنهاجي واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة ﴿أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني﴾ أي أدعو على عبادة الله وطاعته، على بيانٍ وحجة واضحة أنا ومن آمن بي ﴿وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ أي وأنزهه سبحانه عن الشركاء
63
والأنداد، فأنا مؤمن موحِّد ولست من المشركين ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ إي وما آرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً من البشر لا ملائكة من السماء قال الطبري: أي رجالاً لا نساءً ولا ملائكة نوحي إليهم آياتنا للدعاء إلى طاعتنا، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات ﴿مِّنْ أَهْلِ القرى﴾ أي من أهل المُدن والأمصار لا من أهل البوادي قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض فينظروا نظر تفكر وتدبر ما حلَّ بالأمم السابقين ومصارع المكذبين فيعتبرون بذلك؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا﴾ أي الدار الآخرة خير للمؤمنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تعقلون فتؤمنون!! ﴿حتى إِذَا استيأس الرسل﴾ أي يئس الرسل من إيمان قومهم ﴿وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ أي أيقن الرسل أن قومهم كذّبوهم ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ أي أتاهم النصر عند اشتداد الكرب، ففي اللحظة التي تستحكم فيها الشدة، ويأخذ فيها الكرب بالمخانق، ولا يبقى أملٌ في غير الله، في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً ﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين﴾ أي ولا يُردُّ عذابنا وبطشنا عن المجرمين إذا نزل بهم ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ أي لقد كان في قصة يوسف وإِخوته عظة وتذكرة لأولي العقول النيِّرة ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى﴾ أي ما كان هذا القرآن أخباراً تُروى أو أحاديث تختلق ﴿ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ولكن كان هذا القرآن مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية المنزّلة من قبل ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي تبيان كل ما يُحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدّقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.
البَلاغَة: ١ - ﴿تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ﴾ أكدوا كلامهم بالقسم وإنَّ واللام وهذا الضرب يسمى (إنكارياً) لتتابع أنواع المؤكدات.
٢ - ﴿ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ جملة ﴿إِن شَآءَ الله﴾ دعائيةٌ جيء بها للتبرك وفي الآية تقدمي وتأخير تقديره: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله.
٣ - ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أبواه المراد به الأب والأم فهو من باب التغليب، والرفع مؤخر عن الخرور وإن تقدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما أي سجدوا له ثم أجلس أبويه على عرش الملك.
٤ - ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ جملة ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ اعتراضية بين اسم ﴿مَا﴾ الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض لإفادة أن الهداية بيد الله جل وعلا وحده.
64
٥ - ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ هذا على حذف مضاف أي وما تسألهم على تبليغ القرآن من أجر.
٦ - ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ ﴿إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ فيه من المحسنات البديعية «السجعُ» وهو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير.
تنبيه: دلَّ قوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ على أن الغرض من ذكر هذه القصص والأخبار، العظةُ والاعتبار، ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه، وإخراجه من السجن، وتمليكه مصر بعد العبودية، وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد المدة الطويلة واليأس من الاجتماع، قادرٌ على إعزاز محمد صلى الله عليه، وإعلاء شأنه، وإظهار دينه، وأن الإِخبار بهذه القصة العجيبة جار مجرى الإِخبار عن الغيوب، فكان ذلك معجزة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
65
Icon