ﰡ
٦١٦- نال هيكله من الصعود إلى السماء ما ناله قلب سواه من الإسراء، بل نال في اليقظة بقالبه ما ناله غيره في المنام بقلبه، لا غرو كان يحمل نفسه مع قوة معارفه من وظائف العبادات ما أعطى هيكله الشريف من صفات الروحانيات، قيل له في ذلك قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " ١. [ مدخل السلوك إلى منازل الملوك : ٦٤ ].
٦١٧- وإنما الفضل المبتغى هو الثواب والمغفرة. [ الإحياء : ١/٣٩٣ ].
٦١٨- روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ما أول ما يلقى الميت إذا دخل قبره ؟ قال :( يا ابن مسعود ما سألني عنه أحد إلا أنت، فأول ما يناديه ملك اسمه رومان يجوس خلال المقابر فيقول : يا عبد الله اكتب عملك ! فيقول : ليس معي دواة ولا قرطاس، فيقول : هيهات ! كفك قرطاسك ومدادك ريقك، وقلمك إصبعك، فيقطع قطعة من كفنه ثم يجعل العبد يكتب، وإن كان غير كاتب في الدنيا فيكتب حينئذ حسناته وسيئاته كيوم واحد، ثم يطوي الملك الرقعة ويعلقها في عنقه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه )... " الحديث١. [ الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة : رقم ٦ ص : ١٠٩ ].
٦١٩- إذا استقر الناس في صعيد واحد، طلعت عليهم سحابة سوداء، فأمطرتهم صحفا منشرة، فإذا صحيفة المؤمن ورقة ورد، وإذا صحيفة الكافر ورقة سدر، والكل مكتوب، فتطاير الصحف إذا هي بالميامن والمياسر، وليس عن اختيار، وإنما هي تقع بيمينه وبشماله، وهو قوله تعالى :﴿ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ﴾. [ الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة رقم : ٦ ص : ١٣٩ ].
٦٢٠- الآية سيقت لقصد معلوم، وهو : الحث على توقير الوالدين وإعظامهما واحترامهما، والبر والإحسان إليهما، والتأفيف والإيذاء يناقض الإعظام الواجب، فالضرب وأنواع التعذيب يشتمل على مثل ذلك الإيذاء، فهو بمناقضة الإعظام الواجب أولى، فقد وجد فيها العلة وزيادة، فكان ذلك اعتبارا بطريق الأولى.
ولقد ثار بين الأصوليين خلاف مستند هذا الفهم بأن تحريم الضرب بتحريم التأفيف قياس أم لا ؟
فقال القائلون : هو قياس، وقال آخرون : لا، بل هو مفهوم من نفس اللفظ، وقال قائلون : مفهوم من فحوى اللفظ وقال آخرون : مفهوم من سياق الآية، وهو الذي كان يشير إليه إمامي١ رضي الله عنه.
وهذه أقاويل محتملة، والذي يتحصل منه أن يقال : تحريم الضرب معلوم من تحريم التأفيف، فيحتمل أن يحال به على دلالة نفس اللفظ عليه، ويحتمل أن يحال على دلالة معنى اللفظ، نعني به علة تحريم التأفيف فإن أسند على دلالة نفس اللفظ، فلا وجه لتسميته قياسا، وإن استند على فهم علة الملفوظ ووقوع المشاركة بين الضرب والتأفيف في على تحريمه، حسن تسميته قياسا، ولم يمنع منه كونه جليا سابقا إلى الفهم، مستغنيا عن الاستنباط والنظر بعد وقوع المشاركة، فكون القياس مظنونا أو مشكوكا فيه ليس من حد القياس، وإنما القياس عبارة عن إثبات مثل حكم الأصل في الفرع، لمشاركة إياه في العلة، ثم ينقسم إلى معلوم وإلى مظنون. والمظنون ينقسم إلى جلي وخفي، والمعلوم ينقسم إلى أولي وبديهي وإلى فكري ونظري.
فما كانت مقدماته جلية سابقة إلى الفهم، لم يفتقر فيه إلى نظر وفكر وهذا- إن تخيل- استناد العلم به إلى نفس اللفظ، لا إلى فهم علة حكم الملفوظ به، ولم يتخيل إما أن تكون دلالته من حيث اللغة، وإما أن تكون دلالته من حيث العرف، وباطل أن يتخيل دلالته من حيث اللغة، إذ يقول القائل : لا تقل له أف، ليس موضوعا للنهي عن الضرب لغة، إذ يجوز أن يقول الملك- المستولي على واحد من الأكابر- لغلامه : لا تقل له أف، ولا تنهره ولا تقطع يده، ولا تفقأ عينه، واقتله، والمعنى به النهي عن الاستخفاف به مع الأمر بالإهلاك، فهو بوضع اللسان غير دال عليه.
وإنما مظنة الخيال أن يضاف إليه من حيث العرف، فيقال : هذه الصيغة في العرف موضوعة مستعملة للنهي عن الإيذاء، فالنهي عنه بصيغة تدل على تحريم الإيذاء في العرف، فكأنه قال : لا تؤذ والديك ولا تستخف بهما، ولو قال ذلك لكان تحريم الضرب مأخوذا من اللفظ، لأنه يندرج تحت عموم الإيذاء، لا من القياس، فإن التأفيف أقل درجات الإيذاء، فالنهي عنه بصيغته يدل على تحريم الإيذاء في جنسه من حيث العرف، وهو كقول القائل : ليس لفلان حبة، لا يدل على نفي ما فوق الحبة عرفا، وإن لم يتعرض له...
فنقول : دلالة الألفاظ على الشيء إما أن تكون بطريق التعليل، أو اللغة أو العرف، ولا يحكم بالإحالة على العرف إلا إذا امتنع إحالته على الله والتعليل، لأن التنبيه بطريق التعليل من اللغة، كما أنه بطريق الوضع في اللغة، وأما دعوى كونه مستعملا من جهة العرف، فهذا تحكم يصار إليه إذا حصل الفهم وامتنع له مدرك وضعي.
وفي مسألتنا أمكن الإحالة بالتنبيه على التعليل، لظهور إيجاب التوقير من الآية، وظهور كون التأفيف مناقضا له بالعقل والعرف، وظهور كون الضرب مشتملا على ذلك الإيذاء وزيادة. فهذه مقدمات أولية استند إليها العلم بتحريم الضرب، وهو القياس بعينه.
٦٢١- فإن قيل : وبم تنكرون على من يقول : إن قوله تعالى :﴿ فلا تقل لهما أف ﴾ عبارة عن النهي عن الإيذاء.
قلنا : لأنه تحكم لا مستند له، إذ حمله على حقيقته- مع فهم علته وإلحاق غيره به- ممكن، فتحويله إلى غير حقيقته، من غير ضرورة- لا وجود له، بخلاف النقير والقطمير.
فإن قيل : لو كان هذا قياسا لامتنع من لا يرى القياس في الشرع، ولامتنعنا منه لورود الحجر عن القياس.
قلنا : إنما لا يمتنع، لأن هذا القياس معلوم، فإن مقدماته معلومة، فلو ورد الحجر عن القياس المعلوم ووجب الجمود على موضع النص، لقصرنا التحريم على التأفيف، وقلنا : الضرب لم يتعرض له النص، ولكنه يكاد يفضي إلى التناقض، إذ عرف وجوب التعظيم، وعرف تحريم التأفيف لكونه ضدا، وعلم أن الضرب أقوى منه في المضادة، ولا سبيل إلى دفع علم مقدمات معلومة على القطع. [ الشفاء الغليل : ٥٨-٥٩ ].
٦٢٢- فحوى الخطاب : هو فهم تحريم الضرب من آية التأفيف.
قال قائلون : إنه قياس، لأنه ليس بمنصوص، وهو ملحق بالنص ولا معنى للقياس سواه.
قال القاضي : ليس بقياس، لأنه مفهوم من فحوى فهم المنصوص من غير حاجة إلى تأمل، وطلب جامع.
والمختار : أنه من المفهوم، لا لما ذكره القاضي، إذ لا يبعد في العرف أن يقول الملك لخادمه : اقتل الملك الفلاني، ولا تواجهه بلكمة سيئة، فليس فهم ذلك من اللفظ من صورته ولكن لسياق الكلام وقرينة الحال فهم على القطع، إذ الغرض منه الاحترام فلا يعد قياسا، والخلاف آيل إلى العبارة. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٣٣٤-٣٣٥ ].
٦٢٣- اتفق أهل اللغة على أن فهم ما فوق التأفيف من الضرب والشتم... أسبق إلى الفهم منه من نفس... التأفيف. [ المستصفى : ١/١٣٥ ]
٦٢٤- الأف : وسخ الظفر... وقوله عز وجل :﴿ ولا تقل لهما أف ﴾ تبعهما بما تحت الظفر من الوسخ، وقيل لا تتأذى بهما كما تتأذى بما تحت الظفر. [ الإحياء : ١/١٦٣ ].
٦٢٥- ﴿ ولا تقل لهما أف ﴾ دل على تحريم الضرب لا بلفظه المنطوق به حتى يتمسك بعمومه، وقد ذكرنا أن العموم للألفاظ لا للمعاني وللأفعال. [ المستصفى : ٢/٧٠ ].
٦٢٦- ﴿ ولا تقل لهما أف ﴾ فإن تحريم الضرب مدرك منه قطعا. [ نفسه : ١/ ١٢٧ ].
٦٢٧- فهم غير المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده كفهم تحريم الشتم والقتل والضرب من قوله تعالى :﴿ ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ﴾ [ نفسه : ١/١٩٠ ].
٦٢٨- تحريم التأفيف لإكرام الآباء. [ نفسه : ٢/٢٨٣ ].
٦٢٩- تحريم الشتم من آية التأفيف. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٦٧ ].
٦٣٠- المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به كقوله تعالى :﴿ ولا تقل لهما أف ﴾ فإنه أفهم تحريم الضرب والشتم. [ المستصفى : ٢/٢٨١ ].
٦٣١- أبو حنيفة رحمه الله أنكر المفهوم إلا ما يقطع به كآية التأفيف. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٢٠٩ ].
٦٣٢- قال سعيد بن المسيب١ أنزل قوله تعالى :﴿ فإنه كان للأوابين غفورا ﴾ في الرجل يذنب الذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. [ الإحياء : ٤/١٥ ].
٦٣٣- والأواب الذي أقلع عن الذنب فلم يعد أبدا، وقد سمي داود عليه السلام أوابا وغيره من المرسلين. [ الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة رقم : ٦ ص : ١٣٣ ].
٦٣٤- نزل هذا في رجل بالمدينة قسم جميع ما له ولم يبق شيئا لعياله، فطولب بالنفقة فلم يقدر على شيء. [ الإحياء : ٢/٣٧٠ ].
٦٣٥- وما القسطاس المستقيم ؟
قلت : هي الموازين الخمس١ التي أنزلها الله في كتابه وعلم أنبياءه الوزن بها، فمن تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزن بميزان الله فقد اهتدى، ومن ضل عنها إلى الرأي والقياس فقد ضل وتردى. [ القسطاس المستقيم ضمن المجموعة رقم ٣ ص : ٨ ].
٦٣٦- ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ المراد بالآية منع الشاهد عن جزم الشهادة إلا بما يتحقق. [ المستصفى : ١/١٤٦ ].
٦٣٧- ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ المراد من الآية منع الشاهد عن جزم الشهادة بما لم يبصر ولم يسمع، والفتوى بما لم يرو ولم ينقله العدول. [ نفسه : ١/١٥٥ ].
٦٣٨- ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ﴾ فدل على أن عمل الفؤاد كعمل السمع والبصر فلا يعفى عنه... والحق عندنا في هذه المسألة لا يوقف عليه ما لم تقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدإ ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح. [ الإحياء : ٣/٤٤ ].
٦٣٩- لو كان مع ذي العرش آلهة ﴿ لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ﴾ ومعلوم أنهم لم يبتغوا، فيلزم نفي آلهة سوى ذي العرش. [ القسطاس المستقيم ضمن المجموعة : رقم ٣ ص : ٢٧ ].
٦٤٠- يغار على كلامه أن يسمعه إلا لأهل خاصة، قال الله تعالى :﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ﴾ [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٥٥ ].
٦٤١- معناه : آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها.
فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولم يدر أنهم بماذا ظلموا غيرهم أو أنفسهم ؟ [ الإحياء : ١/٣٤٣ ].
٦٤٢- فكان من أعظم ما شرفه به وكرمه العقل الذي تنبه به على البهجة وألحقه بسببه بعالم الملائكة، حتى تأهل به لمعرفة بارئه ومبدعه بالنظر في مخلوقاته واستدلاله على معرفة صفاته بما أودعه في نفسه من حكمة وأمانة، قال الله العظيم :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾١. [ الحكمة في مخلوقات الله عز وجل ضمن المجموعة رقم ١ ص : ٤٢ ].
٦٤٣ لا كرامة ولا مكرمة إلا وهي صادرة منه سبحانه.. والكرامة فائضة منه على خلقه، وضنون٢ إكرامه خلقه لا تكاد تنحصر وتتناهى، وعليه دل قوله :﴿ ولقد كرمنا بني آدم ﴾.
وهذه الكرامة للمؤمنين خاصة، لأن علامة النطق الإيمان، ومن لم يختص شرف النطق لم ينل كرامة الله تعالى، لأنه قال :﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾٣. [ المعارف العقلية : ٣٨ ].
٢ - الضن : الشيء النفيس. ن اللسان (ضنن)..
٣ - ق : ٣٧.
٦٤٥- أي ضعف عذاب الأحياء وضعف عذاب الموتى، فحذف العذاب وأبدل الأحياء والموتى بذكر الحياة والموت، وكل ذلك جائز في فصيح اللغة. [ الإحياء : ١/٣٤٤ ].
٦٤٦- السنة يعبر بها عن الطريقة والشريعة بدليل قوله تعالى :﴿ سنة من قدر أرسلنا من قبلك من رسلنا ﴾. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٢٧٨-٢٧٩ ].
٦٤٧ قال القاضي في قوله تعالى :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ من هذا الجنس – أي من صيغ التعليل- لأن هذا لام التعليل، والدلوك لا يصلح أن يكون علة، فمعناه : صل عنده فهو التوقيت.
وهذا فيه نظر، إذ الزوال والغروب لا يبعد أن ينصبه الشرع علامة للوجوب، ولا معنى لعلة الشرع إلا العلامة المنصوبة، وقد قال الفقهاء : الأوقات أسباب، ولذلك يتقرر الوجوب بتكررها ولا يبعد تسمية السبب علة. [ المستصفى : ٢/٢٨٨-٢٨٩ ].
٦٤٨- أمر. [ أيها الولد : ١١٣ ]
٦٤٩ – الروح أمر رباني، به وصفه الله تعالى، إذ قال سبحانه :﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾ أو معنى كونه ربانيا أنه من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذ لم يظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم١. [ الإحياء " ٣/٢٧٩ ]
٦٥٠- إذ بين أنه أمر رباني خارج عن حد عقول الخلق. [ نفسه : ٤/٣٢٤ ].
٦٥١- اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الذي هو أحد معنى القلب وهو الذي أراده الله تعالى :﴿ ويسألونك الروح قل الروح من أمر ربي ﴾ وهو أمر عجيب رباني يعجز أكثر العقول والأفهام عن درك فهم حقيقته. [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٤٠ ].
٦٥٢- هذا الروح ليس بجسم ولا عرض، لأنه من أمر الله تعالى كما أخبر بقوله :﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾
وأمر الله تعالى ليس بجسم ولا عرض، بل هو جوهر ثابت دائم لا يقبل الفساد ولا يضمحل ولا يفنى ولا يموت، بل يفارق البدن وينتظر العود إليه يوم القيامة كما ورد به الشرع، وهذا الروح يتولد منه صلاح البدن وفساده، والروح الحيواني وجميع القوى كلها من جنوده، فإذا فارق الروح الحيواني البدن، تعطلت أحوال القوى الحيوانية فيسكن المتحرك فيقال لذلك موت، وإن كان الروح من أمر الله تعالى في البدن كالغريب، فاعلم أنه لا يحل في محل ولا يسكن في مكان، وليس البدن مكان الروح ولا محل القلب، بل البدن آلة الروح، والله أعلم. [ نفسه : ص : ٤٥-٤٦ ].
٦٥٣- معناه : عميا عن النور الذي يشعشع بين أيدي المؤمنين وعن أيمانهم، وليس العمى الكلي إرادتهم، لأنه لا خلاف أنهم ينظرون السماء تنشق بالغمام، والملائكة تنزل والجبال تسير، والكواكب تنثر. [ الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجوعة : رقم٦ ص : ١٢١ ].
٦٥٤- الرحمان أخص من الرحيم، ولذلك لا يسمى به غير الله، والرحيم قد يطلق على غيره، فهو من هذا الوجه قريب من اسم الله الجاري مجرى العلم، وإن كان هذا مشتقا من الرحمة قطعا، ولذلك جمع الله بينهما فقال :﴿ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ﴾. فلزم من هذا الوجه، ومن حيث منعنا الترادف في الأسماء المحصاة، أن يفرق بين معنى الاسمين، فالبحري أن يكون المفهوم من الرحمان نوعا من الرحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلق بالسعادة الأخروية، فالرحمان هو العطوف على العباد بالإيجاد أولا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا، والإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنظر إلى وجهه الكريم رابعا.
تنبيه : حظ العبد من اسم الرحمان : أن يرحم عباد الله تعالى الغافلين فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإيذاء، وأن تكون كل معصية تجري في العالم كمعصية له في نفسه، فلا يألوا جهدا في إزالتها بقدر وسعه، رحمة لذلك العاصي أن يتعرض لسخط الله تعالى ويستحق البعد عن جواره. وحظه من اسم الرحيم : أن لا يدع فاقة لمحتاج إلا يسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره وبلده إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله أو جاهه، أو السعي في حقه بالشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك فيعنيه بالدعاء وإظهار الحزن لسبب حاجته رقة عليه وعطفا، حتى كأنه مساهم له في ضره، وحاجته. [ المقصد الأسني : ٦٢ ]
﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾.
٦٥٥- قالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل :﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾ أي بدعائك١. [ الإحياء : ٣٦٣ ].