ﰡ
﴿والصافات صفا فالزاجرات زَجْراً فالتاليات ذِكْراً﴾ أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة فالزاجرات السحاب سوقاً أو عن المعاصي بالإلهام فالتاليات لكلام الله من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد أو بنفوس العلماء العمال الصفات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات فالزاجرات بالمواعظ والنصائح فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه أو بنفوس الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلوا الذكر مع ذلك وصفا مصدر مؤكد وكذلك زَجْراً والفاء تدل على ترتيب الصفات في التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس وجواب القسم
﴿إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ﴾ قيل هو جواب قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا
﴿رَبُّ السماوات والأرض﴾ خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق﴾ أي مطالع الشمس وهي ثلثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب تشرق كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين وأما رب المشرقين ورب المغربين فإنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما وأما
الصافات (١١ - ٦)
رب المشرق والمغرب فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهه والمغرب جهة
﴿إنا زينا السماء الدنيا﴾ القربى منكم تأنيث الأدنى ﴿بِزِينَةٍ الكواكب﴾ حفص وحمزة على البدل من الزينة والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب بِزِينَةٍ الكواكب أبو بكر على البدل من محل بزينة أو على إضمار أعني أو على إعمال المصدر منوناً في المفعول بِزِينَة الكواكب غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينةٍ الكواكبُ أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله بِزِينَةٍ الكواكب لقراءة أبي بكر
﴿وَحِفْظاً﴾ محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً من الشياطين كما قال وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل وحفظاً من كل شيطان زيناها بالكواكب أو معناه حفظناها حفظاً ﴿مِّن كُلِّ شيطان مَّارِدٍ﴾ خارج من الطاعة والضمير فى
﴿لاَ يَسَّمَّعُونَ﴾ لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين يَسَّمَّعون كوفي غير أبي بكر وأصله يتسمعون والتسمع تطلب السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع وينبغي أن يكون كلاماً منقطعاً مبتدأ اقتصاصاً لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا وقيل أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في جئتك أن تكرمني فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قوله
﴿دحورا﴾ مفعول له أى يقذفون للدحور وهو الطرد أو مدحورين على الحال أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل يدحرون أو قذفاً ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ﴾ دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع
ومن في ﴿إِلاَّ مَنْ﴾ في محل الرفع بدل الواو في لا يسمعون أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي ﴿خَطِفَ الخطفة﴾ أي سلب السلبة يعني أخذ شيئاً من كلامهم بسرعة ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ لحقه ﴿شِهَابٌ﴾ أي نجم رجم ﴿ثاقب﴾ مضىء
﴿فاستفتهم﴾ فاستخبر كفار مكة ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً﴾ أي أقوى خلقاً من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة أو أصعب خلقاً وأشقه على معنى الرد
الصافات (٢١ - ١١)
لإنكارهم البعث وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون ﴿أَم مَّنْ خلقنا﴾ يريد ماذكر من خلائقه من الملائكة والسموات والأرض وما بينهما وجىء بمن تغليباً
﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ من تكذيبهم إياك ﴿وَيَسْخُرُونَ﴾ هم منك ومن تعجبك أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث بَلْ عَجِبْتَ حمزة وعلي أي استعظمت والعجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة أو معناه قل يا محمد بل عجبت
﴿وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ﴾ ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به
﴿وإذا رأوا آية﴾ معجزة كانشقاق القمر ونحوه ﴿يَسْتَسْخِرُونَ﴾ يستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية
﴿وقالوا إن هذا﴾ ماهذا ﴿إلا سحر مبين﴾ ظاهر
﴿أئذا﴾ استفهام إنكار ﴿متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون﴾ أى انبعث إذا كنا تراباا وعظاما
﴿أوآباؤنا﴾ معطوف على محل ان واسمها أو على الضمير في ﴿مَّبْعُوثُونَ﴾ والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل أَو آباؤنا بسكون الواو مدني وشامي أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار ﴿الأولون﴾ الأقدمون
﴿قُلْ نَعَمْ﴾ تبعثون نِعْم علي وهما لغتان ﴿وَأَنتُمْ داخرون﴾ صاغرون
﴿فَإِنَّمَا هِىَ﴾ جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا ﴿زَجْرَةٌ واحدة﴾ وهى لا ترجع إلى شيء إنما هي مبهمة موضحها خبرها ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليهم ﴿فإذا هم﴾ أحياء بصراء ﴿يَنَظُرُونَ﴾ إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم
﴿وقالوا يا ويلنا﴾ الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة ﴿هذا يَوْمُ الدين﴾ أي اليوم الذي ندان فيه أي تجاري بأعمالنا
﴿هذا يَوْمُ الفصل﴾ يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال ﴿الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ ثم يحتمل أن يكون هذا يَوْمُ الدين إلى قوله احشروا من كلام الكفرة بعضهم مع بعض وأن يكون من كلام الملائكة لهم وأن يكون يا ويلنا هذا يوم الدين من كلام الكفرة وهذا
الصافات (٣٥ - ٢٢)
يَوْمُ الفصل من كلام الملائكة جواباً لهم
﴿احشروا﴾ خطاب الله للملائكة ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ كفروا ﴿وأزواجهم﴾ أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات والواو بمعنى مع وقيل للعطف وقرىء بالرفع عطفاً على الضمير في ظَلَمُواْ ﴿وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾
﴿مِن دُونِ الله﴾ أي الأصنام ﴿فاهدوهم﴾ دلوهم عن الأصمعي هديته في الدين هدىً وفي الطريق هداية ﴿إلى صراط الجحيم﴾ طريق النار
﴿وقفوهم﴾ احبسوهم ﴿إنهم مسؤولون﴾ عن أقوالهم وأفعالهم
﴿مَا لَكُمْ لاَ تناصرون﴾ أي لا ينصر بعضكم بعضاً وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين في الدنيا وقيل هو جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر وهو في موضع النصب على الحال أى مالكم غير متناصرين
﴿بَلْ هُمْ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ﴾ منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضا وخذله عن عجز فكلهم مستسلم غير منتصر
﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ﴾ أي التابع على المتبوع ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ يتخاصمون
﴿قَالُواْ﴾ أي الأتباع للمتبوعين ﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين﴾ عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أي أنكم تحملوننا على الضلال وتقسروننا عليه
﴿قالوآ﴾ أي الرؤساء ﴿بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي بل أبيتم أنتم الإيمان وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر غير ملجئين
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سلطان﴾ تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم ﴿بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طاغين﴾ بل كنتم قوماً مختارين الطغيان
﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا﴾ فلزمنا جميعاً ﴿قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ﴾ يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا ممحالة لعلمه بحالنا ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قوله فقد زعمت هوازن قل مالي ولو حكى قولها لقال قل مالك
﴿فأغويناكم﴾ فدعوناكم إلى الغي ﴿إِنَّا كُنَّا غاوين﴾ فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا
﴿فَإِنَّهُمْ﴾ فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ﴾ كما كانوا مشتركين فى الغواية
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ أي بالمشركين إنا مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إلا الله يستكبرون﴾ إنهم كانوا إذا
الصافات (٥٠ - ٣٦)
سمعوا بكلمة التوحيد استكبروا وأبوا إلا الشرك
﴿ويقولون أئنا﴾ بهمزتين شامي وكوفي ﴿لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون﴾ يعنون محمداً عليه السلام
﴿بَلْ جَاء بالحق﴾ رد على المشركين ﴿وَصَدَّقَ المرسلين﴾ كقوله مصدقا لما بين يديه
﴿إِنَّكُمْ لَذَآئِقُوا العذاب الأليم﴾
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بلا زيادة
﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ بفتح اللام كوفي ومدني وكذا ما بعده أي لكن عباد الله على الاستثناء المنقطع
﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فواكه﴾ فسر الرزق المعلوم بالفواكه وهي كل ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة يعني أن رزقهم كله فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم محكمة مخلوقة للأبد فما يأكلونه للتلذذ ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر وقيل معلوم الوقت كقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وعشية والنفس إليه أسكن ﴿وَهُم مُّكْرَمُونَ﴾ منعمون
﴿فِي جنات النعيم﴾ يجوز أن يكون ظرفاً وأن يكون حالاً وأن يكون خبراً بعد خبر وكذا
﴿على سُرُرٍ متقابلين﴾ التقابل أتم للسرور وآنس
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ﴾ بغير همز أبو عمرو وحمزة في الوقف وغيرهما بالهمزة يقال للزجاجة فيها الخمر كأس وتسمى الخمر نفسها كأساً وعن الأخفش كل كأس في القرآن فهي الخمر وكذا فى تفسير ابن عباس رضى الله عنهما ﴿مِّن مَّعِينٍ﴾ من شراب معين أو من نهر معين وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون وصف بما وصف به الماء لأنه يجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء قال الله تعالى وأنهار مّنْ خمر
﴿بَيْضَآءَ﴾ صفة للكأس ﴿لَذَّةٍ﴾ وصفت باللذة كأنها نفس اللذة وعينها أو ذات لذة ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾
﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي لا تغتال عقولهم كخمور الدنيا وهو من غاله يغوله غولاً إذا أهلكه وأفسده ﴿وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ يسكرون من نزف الشارب إذا ذهب عقله ويقال للسكران نزيف ومنزوف يُنزِفُونَ علي وحمزة أي لا يسكرون أو لا ينزِف شرابهم من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه
﴿وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف﴾ قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفاً إلى غيرهم ﴿عِينٌ﴾ جمع عيناء أي نجلاء واسعة العين
﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ مصون شبههن ببيض النعام المكنون في الصفاء وبها تشبه العرب النساء وتسميهن بيضات الخدور وعطف
﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ﴾ يعني أهل الجنة ﴿على بَعْضٍ يتساءلون﴾ على
الصافات (٦٤ - ٥١)
﴿قائل منهم إني كان لي قرين﴾... وما بقيت من اللذات إلا... أحاديث الكرام على المدام...
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا إلا أنه جىء به ماضيا على ماعرف في اخباره
﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ﴾
﴿يقول أئنك﴾ بهمزتين شامي وكوفي ﴿لَمِنَ المصدقين﴾ بيوم الدين
﴿أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لَمَدِينُونَ﴾ لمجزيون من الدين وهو الجزاء
﴿قَالَ﴾ ذلك القائل ﴿هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ﴾ إلى النار لأريكم ذلك القرين قيل إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار أو قال الله تعالى لأهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار
﴿فاطلع﴾ المسلم ﴿فرآه﴾ أي قرينة ﴿فِى سَوَآءِ الجحيم﴾ في وسطها
﴿قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ﴾ إن مخففة من الثقيلة وهي تدخل على كاد كما تدخل على كان واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والإرداء الإهلاك وبالياء في الحالين يعقوب
﴿وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى﴾ وهي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام ﴿لَكُنتُ مِنَ المحضرين﴾ من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك
﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ الفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين
﴿إِنَّ هذا﴾ أي الأمر الذي نحن فيه ﴿لهو الفوز العظيم﴾ ثم قال الله عز وجل
﴿لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون﴾ وقيل هو أيضاً من كلامه
﴿أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً﴾ تمييز ﴿أَمْ شَجَرَةُ الزقوم﴾ أي نعيم الجنة وما فيها من اللذات والطعام والشراب خير نزلاً أم شجرة الزقوم خير نزلا والنزل مايقام للنازل بالمكان من الرزق والزقوم شجر مر يكون بتهامة
﴿إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين﴾ محنة وعذاباً لهم في الآخرة أو ابتلاء لهم في الدنيا وذلك أنهم قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر فكذبوا
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم﴾ قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها
﴿طلعها كأنه رؤوس الشياطين﴾ الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها وشبه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر هائلة جداً
﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا﴾ من الشجرة أي من طلعها {فَمَالِئُونَ
﴿ثم إن لهم عليها﴾ على أكلهم ﴿لَشَوْباً﴾ لخلطاً ولمزاجاً ﴿مِّنْ حَمِيمٍ﴾ ماء حار يستوي وجوههم ويقطع أمعائهم كما قال في صفة شراب أهل الجنة ومزاجه من تسنيم والمعنى ثم إنهم يملئون البطون من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملى تعذيباً لهم بذلك العطش ثم يسقون ما هو أحر وهو الشراب المشوب بالحميم
﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم﴾ أي أنهم يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلؤا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم ومعنى التراخى فى ذلك ظاهر
﴿إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يُهْرَعُونَ﴾ علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد الآباء في الدين واتباعهم إياهم في الضلال وترك اتباع الدليل والإهراع: الإسراع الشديد كأنهم يحثون حثاً
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ﴾ قبل قومك قريش ﴿أَكْثَرُ الأولين﴾ يعني الأمم الخالية بالتقليد وترك النظر والتأمل
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ﴾ أنبياء حذروهم العواقب
﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين﴾ أي الذين أنذروا وحذروا أي أهلكوا جميعاً
﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ أي إلا الذين آمنوا منهم وأخلصوا لله دينهم أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين
ولما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين أتبع
﴿ونجيناه وَأَهْلَهُ﴾ ومن آمن به وأولاده ﴿مِنَ الكرب العظيم﴾ وهو الفرق
﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين﴾ وقد فنى غيرهم قال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح وكان لنوح عليه السلام ثلاة أولاد سام وهو أبو الحرب وفارس الروم وحام وهو أبو السودان من المشرق إلى المغرب
الصافات (٨٩ - ٧٨)
ويافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين﴾ من الأمم هذه الكلمة وهي
﴿سلام على نُوحٍ﴾ يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له وهو الكلام المحكي كقولك قرأت سورة أنزلناها ﴿فِى العالمين﴾ أي ثبت هذه التحية فيهم جميعاً يخلو أحد منهم كأنه قيل ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ علل مجازاته بتلك التكرمة السنية بأنه كان محسناً
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين﴾ ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً ليريك جلالة محل الإيمان وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم
﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾ أى الكفرين
﴿وَإِنَّ من شِيَعتِهِ لإبْراهِيمَ﴾ أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح
﴿إِذْ جَاء رَبَّهُ﴾ إذ تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه ﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم أو بمحذوف وهو اذكر ومعنى المجىء بقلبه ربه أنه أخلص الله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلا لذلك
﴿إِذْ﴾ بدل من الأولى ﴿قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تعبدون﴾
﴿أئفكا آلهة دون الله تريدون﴾ أثفكا مفعول له تقديره أترون آلهة من دون الله افكار وأنما قدم المفعول به على الفعل العناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ويجوز أن يكون إِفْكاً مفعولاً به أي أتريدون إفكاً ثم فسر الإفك بقوله آلِهَةً دُونَ الله على أنها إفك في نفسها أو حالاً أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين
﴿فَمَا ظَنُّكُم﴾ أيّ شيء ظنكم ﴿بِرَبِّ العالمين﴾ وأنتم تعبدون غيره ومارفع بالابتداء والخبر ظنكم أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقا بالعبادة
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم﴾ أي نظر في النجوم رامياً ببصره إلى السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم
﴿فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ﴾ أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب
الصافات (١٠٢ - ٩٠)
كذا
﴿فَتَوَلَّوْاْ﴾ فأعرضوا ﴿عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ أي مولين الأدبار
﴿فراغ إلى آلهتهم﴾ فمال إليهم سراً ﴿فَقَالَ﴾ استهزاء ﴿أَلآ تَأْكُلُونَ﴾ وكان عندها طعام
﴿مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ﴾ والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل
﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً﴾ فأقبل عليهم مستخفياً كأنه قال فضربهم ضرباً لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضرباً أي ضارباً ﴿باليمين﴾ أي ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله تالله لأكيدن أصنامكم
﴿فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ﴾ إلى إبراهيم ﴿يَزِفُّونَ﴾ يسرعون من الزفيف وهو الإسراع يُزِفون حمزة من أزفّ إذا دخل في الزفيف إزفافاً فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعاً نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فقال لمن رآه من فعل هذا بآلهتنا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ بأيديكم
﴿والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ وخلق ما تعملونه من الأصنام أو ما مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره
﴿قَالُواْ ابنوا لَهُ﴾ أي لأجله ﴿بنيانا﴾ من الحجر طوله ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً ﴿فَأَلْقُوهُ فِى الجحيم﴾ في النار الشديدة وقيل كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم
﴿فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً﴾ بإلقائه في النار ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ المقهورين عند الإلقاء فخرج من النار
﴿وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى﴾ إلى موضع أمرني بالذهاب إليه ﴿سَيَهْدِينِ﴾ سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني سيهديني فيهما يعقوب
﴿رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين﴾ بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد
﴿فبشرناه بغلام حَلِيمٍ﴾ انطوت البشارة على ثلاث على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم وأنه يكون حليماً وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين ثم استسلم لذلك
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى﴾ بلغ أن يسعى مع أبيه فى أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق مبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولا بالسعى لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بياناً كأنه لما قال فَلَمَّا بَلَغَ السعى أي الحد الذي يقدر فيه على السعى قبل مع من قال مع أبيه
الصافات (١٠٧ - ١٠٢)
ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثَمَّ سمي يوم الترويه فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثَمَّ سُمي يوم عرفة ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر ﴿فانظر مَاذَا ترى﴾ من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر تُرِى علي وحمزة أى ماذا تبصر من رأيك وتبديه ﴿قال يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ﴾ أي ما تؤمر به وقرء به ﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين﴾ على الذبح رُوي أن الذبيح قال لأبيه يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني واجعل وجهي إلى الأرض ويُروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها
﴿فلما أسلما﴾ انقاد الأمر الله وخضعا وعن قتادة أسلم هذا ابنه وهذا نفسه ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا رُوي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى وجواب لما محذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين
﴿وناديناه أن يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا﴾ أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من
﴿إن هذا لهو البلاء المبين﴾ الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة
﴿وفديناه بذبح﴾ هو ما بذبح وعن ابن عباس هو الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى في الجنة حتى فدي به إسماعيل وعنه لو تمت تلك الذبيحة لسارت سنة وذبح الناس أبناءهم ﴿عظِيمٍ﴾ ضخم الجثة سمين وهي السنة في الأضاحي ورُوي أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في الرمي وروي أنه لما ذبحه قال جبريل الله أكبر الله أكبر فقال الذبيح لا إله إلا الله والله أكبر فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد فبقي سنة وقد استشهد ابو حنيفة رضى الله عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة والأظهر أن الذبيح إسماعيل وهو قول أبي بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضى الله عنهم لقوله عليه السلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله وذلك أن عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح آخر ولده تقرباً وكان عبد الله آخراً ففداه بمائة من الإبل
الصافات (١١٣ - ١٠٨)
ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج وابن الزبير وعن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان اسحق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضى الله عنهم أنه إسحق ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين﴾ ولا وقف عليه لأن ﴿سلام على إبراهيم﴾ مفعول وَتَرَكْنَا
﴿كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ ولم يقل إنا كذلك هنا كما في غيره لأنه قد سبق في هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نَبِيّاً﴾ حال مقدرة من اسحق ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي وبشرناه بوجود
﴿وباركنا عليه وعلى إسحاق﴾ أى أفضلنا عليهما بركات الدين والدنيا وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبي أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ﴾ مؤمن ﴿وظالم لِّنَفْسِهِ﴾ كافر ﴿مُّبِينٌ﴾ ظاهر أو محسن إلى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر فقد يلد البر الفاجر والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على
الصافات (١٣٥ - ١١٤)
ما وجد من أصله وفرعه
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا﴾ أنعمنا ﴿على موسى وهارون﴾ بالنبوة
﴿ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا﴾ بني إسرائيل ﴿مِنَ الكرب العظيم﴾ من العرق أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم
﴿ونصرناهم﴾ أي موسى وهرون وقومهما ﴿فَكَانُواْ هُمُ الغالبين﴾ على فرعون وقومه
﴿وآتيناهما الكتاب المستبين﴾ البليغ في بيانه وهو التوراة
﴿وهديناهما الصراط المستقيم﴾ صراط أهل الإسلام وهي صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الآخرين سلام على موسى وهارون إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُمَا مِنْ عبادنا المؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين﴾ هو إلياس بن ياسين من ولد هرون أخي موسى وقيل هو إدريس النبي عليه السلام وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه وَإِنْ إِدْرِيسَ في موضع إلياس
﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ ألا تخافون الله
﴿أَتَدْعُونَ﴾ أتعبدون ﴿بَعْلاً﴾ هو علم لصنم كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعاً وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان موضعه يقال له بك فركب وصار بعلبك وهو من بلاد الشأم وقيل في إلياس والخضر إنهما حيان وقيل إلياس وكل بالفيافي كما وكل الخضر بالبحار والحسن يقول قد هلك إلياس والخضر ولا تقول كما يقول الناس إنهما حيان ﴿وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين﴾ وتتركون عبادة الله الذى هو أحسن المقدرين
﴿الله ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ بنصب الكل عراقى عير أبي بكر وأبي عمرو على البدل من أحسن وغيرهم بالرفع على الابتداء
﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ في النار
﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ من قومه
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين﴾
﴿سلام على إِلْ يَاسِينَ﴾ أي إلياس وقومه المؤمنين كقولهم الخبيبون يعني أبا خبيب عبد الله بن الزبير وقومه آلْ يَاسِينَ شامي ونافع لأن ياسين اسم أبي إلياس فأضيف إليه الآل
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين﴾
﴿إِذْ نجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾
﴿إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين﴾ في الباقين
﴿ثُمَّ دمرنا﴾ أهلكنا
الصافات (١٤٧ - ١٣٦)
﴿الآخرين﴾
﴿وَإِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ﴾ داخلين فى الصباح
﴿وبالليل﴾ والوقف عليه مطلق ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ يعني تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشأم ليلاً ونهاراً فما فيكم عقول تعتبرون بها وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام كما ختم قصة من قبلهما لأن الله تعالى قد سلم على جميع المرسلين في آخر السورة فاكتفي بذلك عن ذكر كل واحد منفردا بالسلام
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين﴾
﴿إِذْ أَبَقَ﴾ الإباق الهرب إلى حيث لا يهتدي إليه الطلب فسمى هربه من قومه بغير إذن ربه إباقاً مجازاً ﴿إِلَى الفلك المشحون﴾ المملوء وكان يونس عليه السلام وعد قومه العذاب فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمستور منهم فقصد البحر وركب السفينة فوقفت فقالوا ههنا عبد آبق من سيده وفيما يزعم البحارون أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فقال أنا الآبق وزج بنفسه في الماء فذلك قوله
﴿فساهم﴾ فقارعهم مرة أو ثلاثاً بالسهام والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة ﴿فَكَانَ مِنَ المدحضين﴾ المغلوبين بالقرعة
﴿فالتقمه الحوت﴾ فابتلعه ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ داخل في الملامة
﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين﴾ من الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح أو
﴿لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ الظاهر لبثه حياً إلى يوم البعث وعن قتادة لكان بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة ود لبث في بطنه ثلاثة أيام أو سبعة أو أربعين يوماً وعن الشعبي التقمه ضحوة ولفظه عشية
﴿فنبذناه بالعراء﴾ فألقيناه بالمكان الخالي الذي لا شجر فيه ولا نبات ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ عليل مما ناله من التقام الحوت ورُوي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد
﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً﴾ أي أنبتناها فوقه مظلة له كما يطنّب البيت على الإنسان ﴿مِّن يَقْطِينٍ﴾ الجمهور على أنه القرع وفائدته أن الذباب لا يجتمع عنده وأنه أسرع الأشجار نباتا وامتدادا وارتفاعا وقيل لرسول الله ﷺ إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخى يونس
﴿وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ﴾ المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام فتكون قد مضمرة ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ في مرأى الناظر أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر وقال الزجاج قال غير واحد معناه بل يزيدون قال ذلك الفراء وأبو عبيدة ونقل عن ابن عباس كذلك
﴿فآمنوا﴾ به وبما أرسل به ﴿فمتعناهم إلى حِينٍ﴾
﴿فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون﴾ ﴿إلى حِينٍ﴾ إلى منتهى آجالهم
﴿فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون﴾ معطوف على مثله في أول السورة أي على فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً وإن تباعدت
﴿أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون﴾ حاضرون تخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم وتجهيل لهم لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ولا بإخبار صادق ولا بطريق استدلال ونظر أو معناه أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لإفراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم
﴿أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لكاذبون﴾ في قولهم
﴿أَصْطَفَى البنات على البنين﴾ بفتح الهمزة للاستفهام وهو استفهام توبيخ وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم الفاسد
﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ بالتخفيف حمزة وعلي وحفص
﴿أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ﴾ حجة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات الله
﴿فَأْتُواْ بكتابكم﴾ الذي أنزل عليكم ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ في دعواكم
﴿وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ﴾ بين الله ﴿وَبَيْنَ الجنة﴾ الملائكة لاستتارهم ﴿نَسَباً﴾ وهو زعمهم أنهم بناته أو قالوا إن إن الله تزوج من الجن فولدت له الملائكة وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ولقد علمت الملائكة إن الذين قالوا هذا القول لمحضرون في النار
﴿سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ﴾ نزه نفسه عن الولد والصاحبة
﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ استثناء منقطع من المحضرين معناه ولكن المخلصين ناجون من النار وسبحان الله اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ويجوز أن يقع الاستثناء من واو يَصِفُونَ أي يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون براء من أن يصفوه به
﴿فَإِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ومعبوديكم
﴿مَآ أَنتُمْ﴾ وهم جميعاً ﴿عَلَيْهِ﴾ على الله ﴿بفاتنين﴾ بمضلين
﴿إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم﴾ بكسر اللام أي لستم تضلون أحداً إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها
الصافات (١٧٣ - ١٦٤)
يقال فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه وقال الحسن فإنكم أيها القائلون بهذا القول والذي تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأوثان بمضلين أحداً إلا من قدر عليه أن يصلى الجحيم أي يدخل النار وقيل ما أنتم بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلال في السابقة وما في ما أنتم نافية ومن فى موضع النصب بفاتنين وقرأ الحسن صالُ الجحيم بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا فحذفت النون للاضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين هي واللام في الجحيم ومن موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه
﴿وَمَا مِنَّا﴾ أحد ﴿إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ في العبادة لا يتجاوزه فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون﴾ نصف أقدامنا في الصلاة أو نصف حول العرش داعين للمؤمنين
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون﴾ المنزهون أو المصلون والوجه أن يكون هذا
﴿وإن كانوا ليقولون﴾ أى مشركوا قريش قبل مبعثه عليه السلام
﴿لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ الأولين﴾ أي كتاباً من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجييل
﴿لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين﴾ لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب
﴿فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام وان مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة وفي ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادين فيه فكم بين أول أمرهم وآخره
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين﴾ الكلمة قوله
﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون﴾ وإنما سماها كلمة وهي كلمات لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم فى مقام
الصافات (١٨٢ - ١٧٤
الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ فأعرض عنهم ﴿حتى حِينٍ﴾ إلى مدة يسيرة وهي المدة التي أمهلوا فيها أو إلى يوم بدر أو إلى فتح مكة
﴿وَأَبصِرْهُمْ﴾ أي أبصر ما ينالهم يومئذ ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ذلك وهو للوعيد لا للتبعيد أو انظر إليهم إذا عذبوا فسوف يبصرون ما أنكروا أو أعلمهم فسوف يعلمون
﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ قبل حينه
﴿فَإِذَا نَزَلَ﴾ العذاب ﴿بِسَاحَتِهِمْ﴾ بفنائهم ﴿فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين﴾ صباحهم واللام في المنذرين مبهم في جنس من أنذروا لأن ساء وبئس يقتضيان ذلك وقيل هو نزول رسول الله ﷺ يوم الفتح بمكة مثّل العذاب النازل بهم بعدما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصّاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحاً فسميت الغارة صباحاً وإن وقعت في وقت آخر
﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ وإنما ثنى ليكون تسلية على تسلية وتأكيداً لوقوع الميعاد إلى تأكيد وفيه فائدة زائدة وهي إطلاق الفعلين معاً عن التقييد بالمفعول وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخرة عذاب الآخرة
﴿سبحان رَبِّكَ رَبِّ العزة﴾ أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه
﴿وسلام على المرسلين﴾ عم الرسل بالسلام بعد ما خص البعض في السورة لأن في تخصيص كل بالذكر تطويلاً
﴿والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله ونسبوه إليه مما هو منزه عنه وما عاناه المرسلون من جهتهم وما خولوه في العاقبة من النصرة عليهم فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين على ما قيض لهم من حسن العواقب والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلّوا به ولا يغفلوا عن مضمنات كتابه الكريم ومودعات قرآنه المجيد وعن على رضى الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وسلام على المرسلين والحمد للَّهِ رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق {
سورة ص مكية وهى ثمان وثمانون آية كوفى وتسع بصرى وست مدنى
بسم الله الرحمن الرحيم