تفسير سورة المعارج

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة المعارج من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سَأَلَ سَآئِلٌ ﴾ الآية هذه السورة مكية قال الجمهور نزلت في النظر بن الحٰرث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر وإنا لنعلم أن منكم مكذبين أخبر عن ما صدر عن بعض المكذبين بنعم الله تعالى وإن كان السائل نوحاً أو الرسول فناسب تكذيب المكذبين إن دعا عليهم رسولهم.﴿ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ جملة اعتراض بين العامل والمعمول وقيل يتعلق بدافع أي من جهته إذا جاء وقته.﴿ ذِي ٱلْمَعَارِجِ ﴾ المعارج لغة الدرج وهنا استعارة قال ابن عباس في الرتب والفواضل والصفات الحميدة وقال ابن عباس أيضاً: المعارج السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء.﴿ وَٱلرُّوحُ ﴾ هو جبريل عليه السلام خص بالذكر تشريفاً والظاهر أن معنى تعرج في يوم من أيامكم هذه ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة والجملة من قوله تعرج اعتراض ولما كانوا قد سألوا استعجال العذاب وكان السؤال على سبيل الاستهزاء والتكذيب وكانوا قد وعدوا به أمره تعالى بالصبر والضمير في يرونه عائد على العذاب أو على اليوم إذا أريد به يوم القيامة وهذا الاستبعاد هو على سبيل الاستحالة منهم.﴿ وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾ أي هيناً في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر وكل ما هو آت قريب والبعد والقرب في الأماكن لا في مسافة.﴿ يَوْمَ تَكُونُ ﴾ يوم منصوب بإِضمار فعل أي يقع يوم تكون أو يوم تكون السماء كالمهل كان كيت وكيت أو بقريباً أو بدل من ضمير نراه إذا كان عائداً على يوم القيامة والمهل دردي الزيت.﴿ كَٱلْعِهْنِ ﴾ الصوف المنفوش الذي طيرته الريح.﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ أي لا يسأله نصرة ولا منفعة لعلمه أنه لا يجد ذلك عنده.﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ إستئناف كلام قال ابن عباس في المحشر: يبصر الحميم حميمه ثم يفر عنه لشغله بنفسه.﴿ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ ﴾ أي الكافر وقد يندرج فيه المؤمن العاصي الذي يعذب.﴿ وَصَاحِبَتِهِ ﴾ زوجته.﴿ وَفَصِيلَتِهِ ﴾ أقرباؤه الأدنون.﴿ تُؤْوِيهِ ﴾ تضمه إنتماء إليها.﴿ ثُمَّ يُنجِيهِ ﴾ عطف على يفتدى أي ينجيه بالافتداء وكلا ردع لودادتهم الافتداء أو تنبيه على أنه لا ينفع.﴿ إِنَّهَا ﴾ الضمير للقصة ولظى نزاعة تفسير لها والشوى جلدة الرأس والشوى القوائم.﴿ تَدْعُواْ ﴾ أي جهنم.﴿ مَنْ أَدْبَرَ ﴾ عن الحق.﴿ وَتَوَلَّىٰ * وَجَمَعَ ﴾ أي جمع المال فأوعاه وكنزه ولم يؤد حق الله تعالى فيه وهذه إشارة إلى كفار أغنياء.﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ ﴾ جنس ولذلك استثنى منه إلا المصلين والإِنسان إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس ولما كان شدة الجزع والمنع متمكنة في الإِنسان جعل كأنه خلق مجبولاً عليه كقوله:﴿ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾[الأنبياء: ٣٧].
والخير المال.﴿ إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ ﴾ إستثناء كما قلنا من الإِنسان ولذلك وصفهم مما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة التي حازوها.﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴾ كان عليه السلام يصلي عند الكعبة يقرأ القرآن فكانوا يحتفون به حلقاً حلقاً يستمعون ويستهزؤون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت ومعنى قبلك أي في الجهة التي تليك.﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ ﴾ أي عن يمينك وعن شمالك وعزيز جمع عزة وجمع سلامة شذوذاً فقيل عزون في الرفع وعزين في النصب والجر وهو منصوب على الحال.﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم ﴾ أي أنشأناهم من نطفة مذرة فنحن قادرون على إعادتهم وبعثهم يوم القيامة وعلى الاستبدال بهم خيراً منهم.﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ وعيد وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف ويوم بدل من يومهم والنصب ما نصب للإِنسان فهو يقصده مسرعاً إليه من علم أو بناء أو صنم وغلب في الاصنام حتى قيل الأنصاب.﴿ يُوفِضُونَ ﴾ يسرعون وقرأ الجمهور (ذلة) منوناً (ذلك اليوم) برفع الميم مبتدأ وخبر.
Icon