تفسير سورة المطفّفين

التفسير الميسر
تفسير سورة سورة المطففين من كتاب التفسير الميسر .
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ( ١ ) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ( ٢ ) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ( ٣ ) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ( ٤ ) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ( ٥ ) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٦ ) ﴾
عذابٌ شديد للذين يبخسون المكيال والميزان،
الذين إذا اشتروا من الناس مكيلا أو موزونًا يوفون لأنفسهم،
وإذا باعوا الناس مكيلا أو موزونًا يُنْقصون في المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقهما ويختلسهما، ويبخس الناس أشياءهم ؟ إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.
ألا يعتقد أولئك المطففون أن الله تعالى باعثهم ومحاسبهم على أعمالهم
في يوم عظيم الهول ؟
يوم يقوم الناس بين يدي الله، فيحاسبهم على القليل والكثير، وهم فيه خاضعون لله رب العالمين.
﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ( ٧ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ( ٨ ) كِتَابٌ مَرْقُومٌ ( ٩ ) ﴾
ليس الحق فيما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان، فليرتدعوا عن ذلك. إن مصير الفُجَّار ومأواهم لفي ضيق،
وما أدراك ما هذا الضيق ؟
كتاب مكتوب كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى.
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( ١٠ ) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ( ١١ ) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( ١٢ ) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( ١٣ ) كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ١٤ ) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ( ١٥ ) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ( ١٦ ) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( ١٧ ) ﴾
عذاب شديد يومئذ للمكذبين،
الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء،
وما يكذِّب به إلا كل ظالم كثير الإثم،
إذا تتلى عليه آيات القرآن قال : هذه أباطيل الأولين.
ليس الأمر كما زعموا، بل هو كلام الله ووحيه إلى نبيه، وإنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب.
ليس الأمر كما زعم الكفار، بل إنهم يوم القيامة عن رؤية ربهم- جل وعلا- لمحجوبون،
ثم إنهم لداخلو النار يقاسون حرها،
ثم يقال لهم : هذا الجزاء الذي كنتم به تكذبون.
﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ( ١٨ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ( ١٩ ) كِتَابٌ مَرْقُومٌ ( ٢٠ ) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ( ٢١ ) ﴾
كلا، ليس القرآن أساطير الأولين. إن كتاب الأبرار لفي المراتب العالية في الجنة.
وما أدراك –يا محمد- ما هذه المراتب العالية ؟
كتاب الأبرار مكتوب كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى،
يَطَّلِع عليه المقربون من ملائكة كل سماء.
﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( ٢٢ ) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( ٢٣ ) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ( ٢٤ ) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ( ٢٥ ) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ ( ٢٦ ) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ( ٢٧ ) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ( ٢٨ ) ﴾
إن أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون،
على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم، وإلى ما أعدَّ لهم من خيرات،
ترى في وجوههم بهجة النعيم،
يُسْقَون من خمر صافية محكم إناؤها،
آخره رائحة مسك، وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون.
وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين في الجنة تُعْرَف لعلوها ب " تسنيم "،
عين أعدت ؛ ليشرب منها المقربون، ويتلذذوا بها.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ( ٢٩ ) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ( ٣٠ ) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ ( ٣١ ) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ ( ٣٢ ) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ( ٣٣ ) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ( ٣٤ ) ﴾
إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين،
وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم،
وإذا رجع الذين أجرموا إلى أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من المؤمنين.
وإذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتبعوا الهدى قالوا : إن هؤلاء لتائهون في اتباعهم محمدًا صلى الله عليه وسلم،
وما بُعث هؤلاء المجرمون رقباء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
فيوم القيامة يسخر الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا.
﴿ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( ٣٥ ) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( ٣٦ ) ﴾
على المجالس الفاخرة ينظر المؤمنون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم في الجنة، ومن أعظم ذلك النظر إلى وجه الله الكريم.
هل جوزي الكفار - إذ فُعل بهم ذلك- جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام ؟
Icon