تفسير سورة الشورى

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة الشّورى
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» سلوة العاصين في سماع رحمة الله، وحظوة العابدين في رجائهم نعمة الله، وراحة الفقراء فى رضاهم بقسمة الله.. لكل من حاله نصيب، وكلّ في متنفسّه مصيب.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) عسق (٢)
الحاء مفتاح اسمه: حليم وحافظ وحكيم، والميم مفتاح اسمه: ملك وماجد ومجيد ومنّان ومؤمن ومهيمن، والعين مفتاح اسمه: عالم وعدل وعال، والعين مفتاح اسمه: سيّد وسميع وسريع الحساب، والقاف مفتاح اسمه قادر وقاهر وقريب وقدير وقدوس «١».
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣]
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
أقسم بهذه الأسماء وهذه الحروف إنه كما أوحى إلى الذين من قبلك كذلك يوحى إليك العزيز الحكيم، كما أوحى إليهم العزيز الحكيم.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٤]
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)
له ما في السماوات وما في الأرض ملكا.
«وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» : علوّه وعظمته استحقاقه لأوصاف المجد أي وجوب أن يكون بصفات المجد والجلال.
(١) ربما يتأيد اتجاه القشيري في تفسير هذه الحروف المقطعة هنا بالأسماء والأوصاف الإلهية بختام الآيات التالية بالعزيز الحكيم والعلى العظيم والغفور الرحيم.. كأن هذا هو المناخ الذي توحى به افتتاحية السورة.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٥]
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥)
أي تكاد السماوات تتشقق من عظمة من فوقهن وهو الله تعالى، والفوقية هنا فوقية رتبة «١» وذلك من شدة هيبتهن من الله.
ويقال من ثقل الملائكة الذين هم فوق السماوات لكثرتهم. وفي الخبر: «أطت «٢» السماء أطا وحق لها أن تئط ما من موضع قدم في السماوات إلا وعليه قائم أو راكع أو ساجد».
ويقال إنه على عادة العرب إذا أخبروا عن شىء قالوا كادت السماوات تنشقّ له.. وهنا لقبح قول المشركين ولجرأتهم على الله تعالى، ولعظم قولهم كادت السماوات تنشقّ.. قال تعالى: «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً» «٣» وعلى هذا التأويل: «يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ» أي إلى أسفلهن، أي تتفطر جملتها «٤».
ومع أنّ أولاد آدم بهذه الصفة إلا أن الملائكة يسبحون بحمد ربهم لا يفترون، ويستغفرون لمن في الأرض.. ثم قال: «أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» : أي يغفر لهم مع كثرة عصيانهم. وفي الوقت الذي يرتكب فيه الكفار هذا الجرم العظيم بسبب شركهم فإنه- سبحانه- لا يقطع رزقه ونفعه عنهم- وإن كان يريد أن يعذّبهم في الآخرة.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٦]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦)
(١) لجأ القشيري إلى التأويل كى يتفادى نسبة المكانية إلى الألوهية.
(٢) أطّ الظّهر- صوّت من ثقل الحمل (الوسيط).
(٣) آيات ٨٩، ٩٠، ٩١ سورة مريم.
(٤) يقول النسفي: كان القياس أن يقال يتفطرن من نحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل: كدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهن.
(النسفي ح ٤ ص ١٠٠).
المشركون اتخذوا الشياطين أولياء من دونه، وذلك بموافقتهم لها فيما توسوس به إليهم.
وليس يخفى على الله أمرهم، وسيعذبهم بما يستوجبونه. ولست- يا محمد- بمسلّط عليهم.
وفي الإشارة: كلّ من يعمل بمتابعة هواه ويترك لله حدّا أو ينقض له عهدا فهو يتخذ الشياطين أولياء، والله يعلمه، ولا يخفى عليه أمره، وعلى الله حسابه.. ثم إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٧]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)
أنزلنا عليك قرآنا يتلى بلغة العرب لتخوّف به أهل مكة والذين حولها. وجميع العالم محدق بالكعبة ومكة لأنها سرّة الأرض.
«وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» : تنذرهم بيوم القيامة. والإنذار الإعلام بموضع المخافة. ويوم الجمع- وهو اليوم الذي يجمع فيه الخلق كلّهم، ويجمع بين المرء وعمله، وبين الجسد وروحه «١»، وبين المرء وشكله في الخير والشرّ- لا شكّ في كونه. وفي ذلك اليوم فريق يبعث إلى الجنة وفريق يحصل في السعير. وكما أنهم اليوم فريقان فريق في راحة الطاعات وحلاوة العبادات، وفريق في ظلمة الشّرك وعقوبة الجحد.. فكذلك غدا فريق هم أهل اللقاء، وفريق هم أهل الشقاء والبلاء.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٨ الى ٩]
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩)
إن أراد أن يجمعهم كلّهم على الهدى والرشاد لم يكن مانع.. وإذا لا زين لهم. ولو شاء
(١) من هذا نفهم أن القشيري يؤمن بالبعث الكامل أي بعودة الجسد والروح معا إلى الحياة مرة أخرى.
أن يجمعهم كلّهم على الفساد والعناد لم يكن دافع- وإذا لاشين منه. وحيث خلقهم مختلفين- على ما أراد- فلا مبالاة بهم.. إنه إله واحد جبّار غير مأمور، متول جميع الأمور من الخير والشر، والنفع والضر. هو الذي يحيى النفوس والقلوب اليوم وغدا، ويميت النفوس والقلوب اليوم وغدا «١».. وهو على كل شىء قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٠]
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)
«فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ» : أي إلى كتاب الله، وسنّة نبّيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة، وشواهد القياس. والعبرة بهذه الأشياء فهى قانون الشريعة، وجملتها من كتاب الله فإنّ الكتاب هو الذي يدلّ على صحة هذه الجملة «٢».
ويقال: إذا لم تهتدوا إلى شىء وتعارضت منكم الخواطر فدعوا تدبيركم، والتجئوا إلى ظلّ شهود تقديره، وانتظروا ما ينبغى لكم أن تفعلوه بحكم تيسيره «٣».
ويقال إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم لا تدرون أبا لسعادة جرى حكمكم أم بالشقاوة مضى اسمكم؟ فكلوا الأمر فيه إلى الله، واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكّر فيما ليس لكم سبيل إلى علمه عن عواقبكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١١]
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
خلق لكم من أنفسكم «أزواجا: أي أشكالا فخلق حواء من آدم وخلق
(١) الإحياء والإماتة اليوم مرتبطان بالمعاني الصوفية من صفاء وكدورة ونحو ذلك.
(٢) هذا ردّ على من يتهمون الصوفية بعدم الاحتفال بالمصادر الأساسية للشريعة، فضلا عن أننا نشعر باهتمامهم بالجانب العقلي حين يبرزون «القياس»
كمصدر من مصادر التشريع. [.....]
(٣) وهذا المصدر الأخير خاصة بالسادة الأولياء الأصفياء- يهمنا أمره حين ندرس مصادر الفقه الصوفي.
- بسبب بقاء التناسل- جميع الحيوانات أجناسا.
«يَذْرَؤُكُمْ» : يكثر خلقكم. «فِيهِ» الهاء تعود إلى البطن أي في البطن، وقيل:
فى الرّحم، وقيل: فى التزويج «١».
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» : لأنه فاطر السماوات والأرض، ولأنه لا مثل يضارعه، ولا شكل يشاكله. والكاف في ليس «كَمِثْلِهِ» صلة أي ليس مثله شىء. ويقال: لفظ «مثل» صلة ومعناه ليس كهو شىء. ويقال معناه ليس له مثل إذ لو كان له مثل لكان كمثله شىء وهو هو، فلما قال: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» فمعناه ليس له مثل، والحقّ لا شيبه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أحكامه.
وقد وقع قوم في تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحدّ والنهاية والكون في المكان، وأقبح قولا منهم من وصفوه بالجوارح والآلات فظنوا أن بصره في حدقة، وسمعه في عضو، وقدرته في يد.. إلى غير ذلك.
وقوم قاسوا حكمه على حكم عباده فقالوا: ما يكون من الخلق قبيحا فمنه قبيح، وما يكون من الخلق حسنا فمنه حسن!! وهؤلاء كلهم أصحاب التشبيه- والحقّ مستحقّ للتنزيه دون التشبيه، مستحق للتوحيد دون التحديد، مستحق للتحصيل دون التعطيل والتمثيل.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٢]
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)
«مَقالِيدُ» أي مفاتيح، والمفاتيح للخزائن، وخزائنه مقدوراته. وكما أن في الموجودات معادن مختلفة فكذلك القلوب معادن جواهر الأحوال فبعض القلوب معادن المعرفة، وبعضها معادن المحبة، وبعضها للشوق، ويعضها للأنس.. وغير ذلك من الأحوال كالتوحيد والتفريد والهيبة والرضا. وفائدة التعريف بأن المقاليد له: أن يقطع العبد أفكاره عن الخلق، ويتوجّه
(١) يقول النسفي: اختير «فيه» على «به» لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع أو المعدن للبث والتكثير.
فى طلب ما يريد من الله الذي «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ»، والذي هو «بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» :
يوسّع ويضيّق أرزاق النفوس وأرزاق القلوب حسبما شاء وحكم وعلم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٣]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)
«شَرَعَ» : أي بيّن وأظهر. «مِنَ الدِّينِ» أراد به أصول الدين فإنها لا تختلف في جميع الشرائع، وأمّا الفروع فمختلفة، فالآية تدلّ على مسائل أحكامها في جميع الشرائع واحدة.
ثم بيّن ذلك بقوله: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ».. وفي القصة أن تحريم البنات والأخوات إنما شرع في زمان نوح عليه السلام.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٤]
وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)
يعنى أنهم أصرّوا على باطلهم بعد وضوح البيان وظهور البرهان حين لا عذر ولا شكّ «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ».. وهو أنه حكم بتأخير العقوبة إلى يوم القيامة لعجّل لهم ما يتمنونه.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٥]
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥)
أي ادع إلى هذا القرآن، وإلى الدين الحنيفي، واستقم في الدعاء، وفي الطاعة. أمر الكلّ من الخلق بالاستقامة، وأفرده بذكر التزام الاستقامة.
ويقال: الألف والسين والتاء في الاستقامة للسؤال والرغبة أي سل منى أن أقيمك، «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ» : أمرت بالعدل في القضية، وبأن أعلم أنّ الله إله الجميع، وأنّه يحاسب غدا كلّا بعمله، وبأن الحجة لله على خلقه، وبأن الحاجة لهم إلى مولاهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٦]
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)
يجادلون في الله من بعد ما استجيب لدعاء محمد ﷺ يوم بدر على المشركين.
حجّة هؤلاء الكفار داحضة عند ربهم لأنهم يحتجون بالباطل، وهم من الله مستوجبون للعنة والعقاب «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٧]
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)
أنزل الكتاب، وأنزل الحكم بالميزان أي بالحق.
ويقال ألهمهم وزن الأشياء بالميزان، ومراعاة العدل في الأحوال.
«وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ» : يزجرهم عن طول الأمل، وينبههم إلى انتظار هجوم الأجل.
(١) سماها حجة حسب زعمهم- وإن كانت شبهة في حقيقة أمرها. ومن أمثلة حجج أهل الكتاب أنهم كانوا يقولون للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خير منكم وأولى بالحق.. وكل هذه الحجج داحضة بعد ما دخل الناس في الإسلام، وتركوا الجاهلية وآثامها، استجابة لدعاء الرسول: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن نعبد في الأرض.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٨]
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)
المؤمنون يؤمنون بالبعث وما بعده من أحكام الآخرة، ويكلون أمورهم إلى الله فلا يتمنون الموت حذر الابتلاء، ولكن إذا ورد الموت لم يكرهوه، وكانوا مستعدين له «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٩]
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩)
«لَطِيفٌ» «٢» أي عالم بدقائق الأمور وغوامضها. واللطيف هو الملطف المحسن..
وكلاهما في وصفه صحيح. واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليوم هو لطف منه به.
وأكثر ما يستعمل اللطف- فى وصفه- فى الإحسان بالأمور الدينية.
ويقال: خاطب العابدين بقوله: «لَطِيفٌ بِعِبادِهِ» : أي يعلم غوامض أحوالهم من دقيق الرياء والتصنّع لئلا يعجبوا بأحوالهم وأعمالهم. وخاطب العصاة بقوله: «لَطِيفٌ» : لئلا ييأسوا من إحسانه.
ويقال: خاطب الأغنياء بقوله: «لَطِيفٌ» : ليعلموا أنه يعلم دقائق معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل، وخاطب الفقراء. بقوله: «لَطِيفٌ» أي أنه محسن يرزق من يشاء.
ويقال: سماع قوله: «اللَّهُ» يوجب الهيبة والفزع، وسماع «لَطِيفٌ» يوجب السكون
(١) لأن الموت يقربهم من اللقاء.. لقاء المحبوب.
(٢) تضاف أقوال القشيري هنا فى «اللطيف» إلى ما ذكره في كتاب التحبير في التذكير (تحقيق بسيونى) وما ذكره في كتاب: شرح أسماء الله الحسنى (تحقيق الحلواني) صدر بالقاهرة سنة ١٩٦٩ ص ١٧٦ وما بعدها.
والطمأنينة. فسماع قوله: «اللَّهُ» أوجب لهم تهويلا، وسماع قوله: «لَطِيفٌ» أوجب لهم تأميلا.
ويقال: اللطيف من يعطى قدر الكفاية وفوق ما يحتاج العبد إليه.
ويقال: من لطفه بالعبد علمه بأنه لطيف، ولولا لطفه لما عرف أنه لطيف.
ويقال: من لطفه أنه أعطاه فوق الكفاية، وكلفّه دون الطاقة.
ويقال: من لطفه بالعبد إبهام عاقبته عليه لأنه لو علم سعادته لاتّكل عليه، وأقلّ عمله.
ولو علم شقاوته لأيس ولترك عمله.. فأراده أن يستكثر في الوقت من الطاعة.
ويقال: من لطفه بالعبد إخفاء أجله عنه لئلا يستوحش إن كان قد دنا أجله.
ويقال: من لطفه بالعبد أنه ينسيه ما عمله في الدنيا من الزّلة لئلا يتنغّص عليه العيش فى الجنة.
ويقال: اللطيف من نوّر الأسرار «١»، وحفظ على عبده ما أودع قلبه من الأسرار «٢»، وغفر له ما عمل من ذنوب في الإعلان والإسرار.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٠]
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)
«مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ» : نزده- اليوم- فى الطاعات توفيقا، وفي المعارف وصفاء الحالات تحقيقا. ونزده في الآخرة ثوابا واقترابا وفنون نجاة وصنوف درجات.
«وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا» : مكتفيا به نؤته منها ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب.
(١) هذه (الأسرار) جمع السر وهو الملكة الباطنية التي تعلو الروح- كما نعرف من المذهب العرفانى للقشيرى.
(٢) وأما (الأسرار) الثانية فهى جمع السر كما نعرفه- بمعنى الشأن الخفي.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢١]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١)
«ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ» : أي ليس ذلك مما أمر به، وإنما هو افتراء منهم.
«وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ».. أي ما سبق به الحكم بتأخير العقوبة إلى القيامة..
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٢]
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)
إذا حصل الإجرام فإلى وقت ما لا يعذّبهم الله في الغالب، ولكنه لا محالة يعذبهم وربما يثبت ذلك لبعض أصحاب القلوب فيتأسفون، ويعلمون أنّ ذلك من الله لهم معجّلّ قد أصابهم، أمّا الكفار..
فغدا يشفقون مما يقع بهم عند ما يقرءونه في كتابهم، لأنّ العذاب- لا محالة- واقع بهم.
«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ» : فى الدنيا جنان الوصلة، ولذاذة الطاعة والعبادة، وطيب الأنس في أوقات الخلوة. وفي الآخرة في روضات الجنة: «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» : إن أرادوا دوام اللطف دام لهم، وإن أرادوا تمام الكشف كان لهم.. ذلك هو الفضل الكبير.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٣]
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
ذلك الذي يبشّر الله عباده قد مضى ذكره في القرآن متفرقا من أوصاف الجنة وأطايبها، وما وعد الله من المثوبة.. ونحو ذلك.
«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى».
قل- يا محمد- لا أسألكم عليه أجرا. من بشّر أحدا بالخير طلب عليه أجرا، ولكنّ الله- وقد بشّر المؤمنين على لسان نبيّه بما لهم من الكرامات الأبدية- لم يطلب عليه أجرا
فالله- سبحانه- لا يطلب عوضا، وكذلك نبيّه- صلى الله عليه وسلم- لا يسأل أجرا فإن المؤمن قد أخذ من الله خلقا حسنا.. فمتى يطلب الرسول منهم أجرا؟! وهو- صلوات الله عليه- يشفع لكلّ من آمن به، والله- سبحانه- يعطى الثواب لكل من آمن به.
«إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» : أراد أن تثبت مودتك في القربى فتودّ من يتقرّب إلى الله فى طاعته «١».
«وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ».
تضعيف الثواب في الآخرة للواحد من عشرة إلى سبعمائة.. هذه هي الزيادة.
ويقال: الزيادة هي زيادة التوفيق في الدنيا.
ويقال: إذا أتى زيادة في المجاهدة تفضّلنا بزيادة.. وهي تحقيق المشاهدة.
ويقال من يقترف حسنة الوظائف «٢» نزد له فيها حسن اللطائف.
ويقال: تلك الزيادة لا يصل إليها العبد بوسعه فهى مما لا يدخل تحت طوق «٣» البشر.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٤]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)
أي أنّك إن افتريته ختم الله على قلبك، ولكنك لم تكذب على ربّك.
ومعنى الآية أنّ الله يتصرّف في عباده بما يشاء: من إبعاد وتقريب، وإدناء وتبعيد «٤».
(١) استغلت هذه الآية الكريمة استغلالا عقديا وسياسيا في عصور متأخرة خصوصا من جانب المتشيعين لعلى كرم الله وجهه وبيته.. وواضح أن القشيري أطلق القرابة على كل من يتقرب إلى الله بالطاعة فهى عنده قرابة في الله، وربما كان ذلك نتيجة سنيته وحرصه على سنيته. (أنظر مدخل اللطائف ح ١ ص ٢٥).
(٢) المقصود بالوظائف أداء العبادات والتزام آداب الشريعة.
(٣) فى ص وردت (طرق) بالراء وهي خطأ في النسخ.
(٤) يقول مجاهد: «يختم على قلبك» أي يربط عليه بالصبر على أذاهم واتهامهم له بالافتراء والكذب لئلا تدخله شقة بسبب تكذيبهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٥]
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)
«وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ» الألف واللام للجنس مطلقا، وهي هنا للعهد أي تلك السيئات التي تكفى التوبة المذكورة في الشريعة لقبولها فإنه يعفو عنها إذا شاء «١». «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» :
من الأعمال على اختلافها «٢».
وهو «الَّذِي»..: الذي من الأسماء الموصولة التي لا يتم معناها إلا بصلة، فهو قد تعرّف إلى عباده على جهة المدح لنفسه بأنه يقبل توبة العبد فالزّلّة- وإن كانت توجب للعبد ذميم الصّفة- فإنّ قبولها يوجب للحقّ حميد الاسم.
ويقال: قوله: «عِبادِهِ» اسم يقتضى الخصوصية (لأنه أضافه إلى نفسه) «٣» حتى تمنّى كثير من الشيوخ أن يحاسبه حساب الأولين والآخرين لعلّه يقول له: عبدى. ولكن ما طلبوه فيما قالوه موجود فى «التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» وإذا فلا ينبغى لهم أن يتمنوا كذلك، وعليهم أن أن يتوبوا لكى يصلوا إلى ذلك.
ويقال لمّا كان حديث العفو عن السيئات ذكرها على الجمع والتصريح «٤» فقال: «وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ». ثم لمّا كان حديث التهديد قال: «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» فذكره على التلويح فلم يقل: ويعلم زلّتك- بل قال ويعلم «ما» تفعلون، وتدخل في ذلك الطاعة والزّلة جميعا «٥».
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٦]
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)
(١) يشير القشيري إلى الآية الكريمة «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».
(٢) ويدخل في ذلك- كما سيأتى بعد قليل- المعاصي والطاعات.
(٣) ما بين القوسين إضافة من عندنا طبقا لما نعرفه من أسلوب القشيري في مثل هذا الموضع. [.....]
(٤) هكذا في م وهي في ص (والتضرع) وهي خطأ في النسخ لعدم ملامتها السياق فالتصريح يقابل «التلويح» المذكور فيما بعد.
(٥) فى هذه الإشارة وما تلاها يبدو انفتاح باب الأمل أمام العصاة، وكيف يحثهم هذا الإمام الجليل على التوبة الآملة والرجاء الوطيد في رحمة الله.
(أي إذا دعوه استجاب لهم) «١» بعظيم الثواب في الآخرة.
«وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» : يقول المفسرون من أهل السّنّة في هذه الزيادة إنها الرؤية.
ذكر التوبة وأهلها، وذكر العاصين بوصفهم، ثم ذكر المطيعين الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. فلمّا وصل إلى الزيادة- التي هي الرؤية- قال: «وَيَزِيدُهُمْ» على الجمع والكناية «٢» إذا تلمت مذكورات رجعت إليها جميعا فيكون المعنى أن الطاعات في مقابلها الدرجات، وتكون بمقدارها في الزيادة والنقصان، وأمّا الرؤية فسبيلها الزيادة والفضل..
والفضل ليس فيه تمييز.
ويقال: لمّا ذكر أنّ التائبين تقبل توبتهم، ومن لم يتب غفر زلّته «٣»، وأنّ المطيعين لهم الجنة.. فلربما خطر ببال أحد: وإذا فهذه النار لمن هى؟! فقال جل ذكره:
«وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ».
فالعصاة من المؤمنين لهم عذاب.. أمّا الكافرون فلهم عذاب شديد لأنّ دليل الخطاب يقتضى هذا وذاك يقتضى أن المؤمنين لهم عذاب.. ولكن ليس بشديد، وأمّا عذاب الكافرين فشديد.
ويقال: إن لم يتب العبد خوفا من النار، ولا طمعا في الجنة لكان من حقّه أن يتوب ليقبل الحقّ- سبحانه.
ويقال إن العاصي يكون أبدا منكسر القلب، فإذا علم أن الله يقبل الطاعة من المطيعين يتمنى أن ليت له طاعة ميسّرة ليقبلها، فيقول الحقّ: عبدى، إن لم تكن لك طاعة تصلح للقبول فلك توبة إن أتيت بها تصلح لقبولها.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٧]
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)
(١) ما بين القوسين زيادة من عندنا وجدناها ضرورية لتوضيح العبارة.
(٢) يقصد القشيري بالكناية الضمير فى «ويزيدهم».
(٣) لأنه ربط ذلك بمشيئته- سبحانه- فقال «ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».
هذا الخطاب في الظاهر يشبه الاعتذار في تخاطب الآدميين. والمعنى: أننى لم أبسط عليك أيها الفقير في الدنيا لما كان لى من العلم أننى لو قسمت عليك الدنيا لطغيت، ولسعيت فى الأرض بالفساد.
ويقال: قوله: «وَلكِنْ..» : لكن كلمة استدراك، فالمعنى: لم أوسّع عليك الرزق بمقدار ما تريد ولم أمنع عنك (الكلّ) «١» لأنّ أنزّل بقدر ما أشاء.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٨]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)
الله- سبحانه محيى القلوب فكما أنه «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ»، فبعدما أصابت الأرض جدوبة، وأبطأ نزول الغيث، وقنط الناس من مجىء المطر، وأشرف الوقت على حدّ الفوات ينزّل الله بفضله الغيث، ويحيى الأرض بعد قنوط أهلها.. فكذلك العبد إذا ذبل غصن وقته، وتكدّر صفو ودّه، (وكسفت) «٢» شمس أنسه، (وبعد) «٣» عن الحضرة وساحات القرب عهده فلربما ينظر إليه الحقّ برحمته فينزل على سرّه أمطار الرحمة، ويعود عوده طريّا، وينبت في مشاهد أنسه وردا جنيّا..
وأنشدوا:
إن راعنى منك الصدود... فلعلّ أيامى تعود
ولعلّ عهدك باللّوى... يحيا فقد تحيا العهود
والغصن ييبس تارة... وتراه مخضرّا يميد
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٩]
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩)
(١) هكذا في م، وهي في ص (الكيل) وهي خطأ في النسخ كما هو واضح من السياق.
(٢) هكذا في ص، وهي في م (كشفت) بالشين وهي خطأ في النسخ كما هو واضح.
(٣) سقطت في ص وموجودة في م والسياق يتطلبها.
جعل الله في كلّ شىء من المخلوقات دلالة على توحّده في جلاله، وتفرّده بنعت كبريائه وجماله «١».
«وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ» : والإشارة منها أنّ الحقّ- سبحانه- يغار على أوليائه أن يسكن بعضهم بقلبه إلى بعض فأبدا يبدّد شملهم، ولا تكاد الجماعة من أهل القلوب تتفق في موضع واحد إلا نادرا، وذلك لمدة يسيرة.. كما قالوا:
رمى الدهر بالفتيان حتى كأنّهم بأكناف أطراف السماء نجوم
وفي بعض الأحايين قد يتفضّل الحقّ عليهم فتدنو بهم الديار، ويحصل بينهم- فى الظاهر- اجتماع والتقاء، فيكون في ذلك الوقت قد نظر الحقّ- سبحانه- بفضله إلى أنّ في اجتماعهم بركات لحياة العالم.
وهذا- وإن كان نادرا- فإنه على جمعهم- إذا يشاء- قدير.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٠]
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)
إذا تحقّق العبد بهذه الآية فإنه إذا أصابته شظية أو حالة مما يسوءه، وعلم أن ذلك جزاء له، وعقاب على ما بدر منه من سوء الأدب لاستحيى بخجلته من فعله، ولشغله ذلك عن رؤية الناس، فلا يحاول أن ينتقم منهم أو يكافئهم أو يدعو عليهم، وإنما يشغله تلافى ما بدر منه من سوء الفعل عن محاولة الانتصاف لنفسه ممن يتسلّط عليه من الخلق.. تاركا الأمر كلّه لربّه.
ويقال: إذا كثرت الأسباب من البلايا على العبد، وتوالى عليه ذلك.. فليفكّر فى أفعاله للذمومة.. كم يحصل منه حتى يبلغ جزاء ما يفعله- مع العفو الكثير- هذا المبلغ؟! فعند ذلك يزداد حزنه وتأسّفه لعلمه بكثرة ذنوبه ومعاصيه.
(١) سبق أن نبا القشيري إلى توحيد القالة وتوحيد الدلالة.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٢]
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢)
يريد بها السفن التي تجرى في البحار يرسل الله الريح فتسيّرها مرة، ويسكّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة.. وهو بهذا يحثّهم على التفكّر والتنبّه دائما.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس «١» فى خلال فترة الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجب الشكر في كل حالة، وإذا خلص الشكر استوجب جزيل المزيد.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٦]
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)
يعنى أنّ الراحات في الدنيا لا تصفو، ومن المشائب لا تخلو. وإن اتفق وجود البعض منها في أحايين فإنها سريعة (الزوال) «٢»، (وشيكة) «٣» الارتحال.
«وَما عِنْدَ اللَّهِ» من الثواب الموعود «خَيْرٌ» من هذا القليل الموجود.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٧]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
«كَبائِرَ الْإِثْمِ» : الشرك. و «الْفَواحِشَ» : ما دون ذلك من الزلّات. فإذا تركوها لا يتجرّعون كاسات الغضب بل تسكن لديهم سورة النّفس لأنهم يتوكلون على ربهم فى عموم الأحوال.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٨]
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)
(١) المقصود بإمساك الناس هنا حفظ الله سبحانه وتعالى لهم.
(٢) وردت (العذاب) فى ص وهي خطأ في النسخ.
(٣) وردت (وسكية) فى ص وهي خطأ في النسخ.
«اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ» : فيما دعاهم إليه وما أمرهم به من فنون الطاعات فهؤلاء هم الذين لهم حسن الثواب وحميد المآب.
والمستجيب لربّه هو الذي لا يبقى له نفس إلا على موافقة رضاه «١»، ولا تبقى منه لنفسه بقية.
«وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» : لا يستبدّ أحدهم برأيه لأنه يتّهم أمره ورأيه أبدا «٢».
ثم إذا أراد القطع بشىء يتوكل على الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٩]
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)
«الْبَغْيُ» : الظلم، فيعلم أحدهم أن الظلم الذي أصابه هو من قبل نفسه، فينتصر على الظالم وهو نفسه بأن يكبح عنانها عن الركض في ميدان المخالفات.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٤٠]
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)
(يعنى لا تجاوزوا حدّ ما جنى الجاني عليكم في المكافأة أو الانتقام) «٣».
«فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» : من عفا عن الجاني، وأصلح ما بينه وبين الله- أصلح الله ما بينه وبين الناس. «فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» : فالذى للعبد من الله وعلى الله، وعند الله خير مما يعمله باختياره.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢).
(١) هذا ما يعرف عند الصوفية بمراعاة الأنفاس.
(٢) هذا أصل من أصول أهل الملامة النيسابورية. [.....]
(٣) ما بين القوسين سقط في ص وموجود في م.
علم الله أن الكلّ من عباده لا يجد التحرر من أحكام النّفس، ولا يتمكن من محاسن الخلق فرخّص لهم في المكافأة على سبيل العدل والقسط- وإن كان الأولى بهم الصفح والعفو.
«إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ..» : السبيل بالملامة لمن جاوز الحدّ، (وعدا الطّور) «١»، وأتى غير المأذون له من الفعل.. فهؤلاء لهم عذاب أليم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٤٣]
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلك لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)
صبر على البلاء من غير شكوى، وغفر- بالتجاوز عن الخصم- ولم تبق لنفسه عليه دعوى، بل يبرىء خصمه من كل دعوى، فى الدنيا والعقبى.. فذلك من عزم الأمور.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)
إنّ الذين أضلّهم الله، وأعمى أبصارهم وبصائرهم، وأوقعهم في كدّ عقوبتهم، وحرمهم برد الرضا لحكم ربّهم ليس لهم وليّ من دون الله، ولا مانع لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذاب يطلبون منه النجاة فلا ينالونها.
وتراهم يعرضون على النار وهم خاشعون من الذّلّ لا تنفعهم ندامة، ولا تسمع منهم دعوة، ويعيّرهم المؤمنون بما ذكّروهم به فلا يسمعون، فاليوم لا ناصر ينصرهم، ولا راحم يرحمهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٤٧]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧)
الاستجابة لله الوفاء بعهده، والقيام بحقّه، والرجوع عن مخالفته إلى موافقته، والاستسلام
(١) فى ص (وعد) وهي خطأ في النسخ. ويقال عدا وتعدى الطور أي جاوز حدّه وقدره (الوسيط).
فى كل وقت لحكمه. والطريق اليوم إلى الاستجابة مفتوح. وعن قريب سيغلق الباب على القلب بغتة، ويؤخذ فلتة.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٤٨]
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨)
فإن أعرضوا عن الإجابة فليس عليك إلا تبليغ الرسالة، ثم نحن أعلم بما نعاملهم به.
«وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ».
إذا أذقنا الإنسان منّا رفاهية ونعمة فرح بتلك الحالة، وقابلها بالبطر، وتوصّل بتمام عافيته إلى المخالفة، وجعل السلامة ذريعة للمخالفة. وإن أصابته فتنة وبلية، ومسّته مصيبة ورزية فإنه كفور بنعمائنا، جحود لآياتنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)
«١»...
يهب لمن يشاء الذكور، ولمن يشاء الإناث، ولمن يشاء الجنين، ويجعل من يشاء عقيما، فلا اعتراض عليه في تقديره، ولا افتيات في اختياره، فهو أولى بعباده من عباده.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٥١]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)
لله بحقّ ملكه أن يفعل ما يشاء، ويعطى من يشاء من عباده ما يشاء، ولكن أجرى
(١) يرى النسفي أنه قدم الإناث على الذكور هنا ليوضح أنه فاعل لما يشاؤه لا لما يشاء الإنسان، فكان تقديم الإناث اللاتي من جملة مالا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم. ح ٤ ص ١١١.
العادة وحكم بأنه لا يفعل إلا ما ورد في هذه الآية فلم يكلّم أحدا إلا بالوحى، أو من وراء حجاب يعنى وهو لا يرى الحقّ، فالمحجوب هو العبد لا الرب، والحجاب أن يخلق فى محل الرؤية ضد الرؤية.. تعالى الله عن أن يكون من وراء حجاب لأن ذلك صفة الأجسام المحدودة التي يسبل عليها ستر. إنه «عَلِيٌّ» : فى شأنه وقدره، «حَكِيمٌ» : فى أفعاله.
قوله جل ذكره:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)
أي ذلك مثلما أوحينا إليك «رُوحاً» من أمرنا يعنى القرآن سمّاه روحا لأنه من آمن به صار به قلبه حيّا.
ويقال «رُوحاً مِنْ أَمْرِنا» : أي جبريل عليه السلام، ويسمى جبريل روح القدس.
«ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ..» : ما كنت تدرى قبل هذا ما القرآن، «وَلَا الْإِيمانُ» :
أي تفصيل هذه الشرائع.
«وَلكِنْ جَعَلْناهُ» : أي القرآن «نُوراً» نهدى به من نشاء من عبادنا المؤمنين.
«أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» : لأن منه ابتداء الأمور.
Icon