تفسير سورة الدّخان

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة حم الدخان
وهي مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَوْله تَعَالَى: ﴿حم وَالْكتاب الْمُبين﴾ أَي: الْكتاب الَّذِي بَين فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام، وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب، والوعد والوعيد.
قوله تعالى :( حم والكتاب المبين ) أي : الكتاب الذي بين فيه الحلال والحرام، والثواب والعقاب، والوعد والوعيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لَيْلَة الْقدر، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَأكْثر الْمُفَسّرين.
وَالْقَوْل الثَّانِي: قَول عِكْرِمَة، وَهُوَ أَنَّهَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان، وسماها مباركة لِكَثْرَة الْخَيْر فِيهَا. وَالْبركَة: نَمَاء الْخَيْر، ونقيضة الشؤم: نَمَاء الشَّرّ. وَقيل: مباركة لِأَنَّهُ يُرْجَى فِيهَا إِجَابَة الدُّعَاء.
وَقَوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ أَي: الْقُرْآن، وَفِي معنى هَذَا الْإِنْزَال قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه أنزل جَمِيع الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَأْتِي بِهِ شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن أنزل جَمِيعه.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد بالإنزال هَاهُنَا ابْتِدَاء الْإِنْزَال.
وَمعنى قَوْله: ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ أَي: ابتدأنا إنزاله فِي لَيْلَة الْقدر.
وَقَوله: ﴿إِنَّا كُنَّا منذرين﴾ أَي: مخوفين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم﴾ أَي: يقْضِي كل أَمر مُحكم، وَذَلِكَ من الأرزاق والآجال والحياة وَالْمَوْت وَالْخَيْر وَالشَّر. قَالَ مُجَاهِد: إِلَّا السَّعَادَة والشقاوة
121
﴿أمرا من عندنَا إِنَّا كُنَّا مرسلين (٥) رَحْمَة من رَبك إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم (٦) رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين (٧) لَا إِلَه إِلَّا هُوَ يحيي وَيُمِيت ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين (٨) بل هم فِي شكّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء﴾ فَإِنَّهُمَا لَا يبدلان وَلَا يغيران، وَعَن بَعضهم: إِلَّا الْمَوْت والحياة أَيْضا، وَفِي التَّفْسِير: أَنه يفرق الْأَحْكَام فِي هَذِه اللَّيْلَة إِلَى السّنة الْقَابِلَة عِنْد هَذِه اللَّيْلَة.
122
وَقَوله: ﴿أمرا من عندنَا﴾ نصب على الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: يفرق فرقا، ثمَّ وضع أمرا مَكَان قَوْله: فرقا.
وَقَوله: ﴿من عندنَا إِنَّا كُنَّا مرسلين﴾ أَي: منزلين هَذِه الْأَشْيَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿رَحْمَة من رَبك﴾ أَي: إِنْزَال الْقُرْآن رَحْمَة من رَبك.
وَقَوله: ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿رب السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ وَقُرِئَ: " رب السَّمَوَات " فَقَوله: " رب " بِضَم الْبَاء عطف على قَوْله: ﴿هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ وَأما بِالْكَسْرِ بدل عَن قَوْله: ﴿من رَبك﴾.
وَقَوله: ﴿ [وَمَا بَينهمَا] إِن كُنْتُم موقنين﴾ الْيَقِين ثلج الصَّدْر بِمَا يُعلمهُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا إِلَه إِلَّا هُوَ يحيي وَيُمِيت ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين﴾ أَي: الْمُتَقَدِّمين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿بل هم فِي شكّ يَلْعَبُونَ﴾ أَي: يسمعُونَ سَماع لاعب، وَيَقُولُونَ قَول لاعب، ويقبلون قبُول لاعب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين﴾ قَالَ ابْن مَسْعُود: هَذَا الدُّخان فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَن النَّبِي دَعَا على كفار مُضر، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف " فَأَصَابَتْهُمْ المجاعة والقحط
122
﴿بِدُخَان مُبين (١٠) يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم (١١) رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ (١٢) أَنى لَهُم الذكرى وَقد جَاءَهُم رَسُول مُبين (١٣) ﴾ الشَّديد، وأجدبت الأَرْض حَتَّى أكلت الْعِظَام وَالْمَيتَات، وَكَانَ الرجل مِنْهُم ينظر إِلَى السَّمَاء فَيرى بَينه وَبَين السَّمَاء شبه الدُّخان من الْجُوع، فروى " أَن أَبَا سُفْيَان قدم على النَّبِي، وَقَالَ: يَا مُحَمَّد دَعَوْت على قَوْمك يَعْنِي قُريْشًا وَإِنَّمَا هم إخوانك وأعمامك وأمهاتك وخالاتك فَادع لَهُم فَدَعَا لَهُم حَتَّى سقوا ".
وروى أَنه بعث مَعَه بِذَهَب إِلَى فُقَرَاء مَكَّة حَتَّى قسمه فيهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الدُّخان يكون فِي الْقِيَامَة، وَهَذَا قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَقيل: هُوَ الْأَصَح. وَفِي التَّفْسِير: أَن النَّاس يَوْم الْقِيَامَة يَأْخُذهُمْ شبه دُخان، فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فيصيبهم مثل الزُّكَام، وَأما الْكَافِرُونَ فَيدْخل الدُّخان فِي مسامعهم وأنوفهم، وَتصير رؤوسهم مثل الجنابذ، وَقيل: إِن الدُّخان شَرط من أَشْرَاط السَّاعَة، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتا: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، وَالدُّخَان، وَالدَّابَّة، والدجال، وخاصة الرجل فِي نَفسه، وَأمر الْعَامَّة " وَمعنى خَاصَّة الرجل هُوَ الْمَوْت، وَمعنى أَمر الْعَامَّة هُوَ الْقِيَامَة. وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: قد مضى خمس: الدُّخان، وَالدَّم، وَالْقَمَر، وَالْبَطْشَة، وَاللزَام.
123
قَوْله تَعَالَى: ﴿يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم﴾ أَي: مؤلم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ﴾ أَي: مصدقون بِمُحَمد إِن كشفت، وَهُوَ حِكَايَة عَن الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنى لَهُم الذكرى وَقد جَاءَهُم رَسُول مُبين﴾ مَعْنَاهُ: التَّذْكِرَة
123
﴿ثمَّ توَلّوا عَنهُ وَقَالُوا معلم مَجْنُون (١٤) إِنَّا كاشفوا الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم ة عائدون (١٥) يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون (١٦) وَلَقَد فتنا قبلهم قوم فِرْعَوْن وجاءهم رَسُول كريم (١٧) أَن أَدّوا إِلَى عباد الله إِنِّي لكم رَسُول أَمِين (١٨) ﴾ والاتعاظ، وَقَوله: ﴿مُبين﴾ أَي: موضح، ﴿أَنى﴾ بِمَعْنى: كَيفَ.
124
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ توَلّوا عَنهُ وَقَالُوا معلم مَجْنُون﴾ وَالْمعْنَى: أَيْن لَهُم الاتعاظ والتذكر، وَقد توَلّوا عَن مثل هَذَا الرَّسُول وأعرضوا عَنهُ، وَزَعَمُوا أَنه معلم مَجْنُون، وَمعنى قَوْله: ﴿معلم﴾ أَي: علمه جبر غُلَام ابْن الحصرمي وعداس، وَقد ذكرنَا من قبل.
قَوْله تَعَالَى: (إِنَّا كاشفوا الْعَذَاب قَلِيلا) أَي: بِدُعَاء النَّبِي، وَالْعَذَاب هُوَ الدُّخان والقحط الَّذِي ذكرنَا، وَقَوله: ﴿قَلِيلا﴾ أَي: مُدَّة قَليلَة.
وَقَوله: ﴿إِنَّكُم عائدون﴾ أَي: عائدون إِلَى الْكفْر، وَقيل: صائرون إِلَى الْعَذَاب وَهُوَ النَّار.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى﴾ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: أَنه يَوْم بدر، وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى بالأسر وَالْقَتْل، وَالْقَوْل الآخر: أَنه الْقِيَامَة، وَهُوَ الْأَصَح.
وَقَوله: ﴿إِنَّا منتقمون﴾ أَي: منتقمون بالعقوبة من الْكفَّار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد فتنا قبلهم قوم فِرْعَوْن﴾ أَي: ابتلينا.
وَقَوله: ﴿وجاءهم رَسُول كريم﴾ أَي: كريم على الله، وَيُقَال: كريم أَي: حسن الْأَخْلَاق، وَهُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَن أَدّوا إِلَى عباد الله﴾ أَي مَعْنَاهُ: أرْسلُوا معي عباد الله، يَعْنِي: بني إِسْرَائِيل، وَقيل مَعْنَاهُ: ﴿أَدّوا إِلَى عباد الله﴾ أَي: ياعباد الله، كَأَنَّهُ قَالَ: أجِيبُوا لي وأطيعون ياعباد الله، فَهُوَ معنى الأول.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِنِّي لكم رَسُول أَمِين﴾ أَي: ذُو أَمَانَة، وَعَن أبي بكر الصّديق
124
﴿وَأَن لَا تعلوا على الله إِنِّي آتيكم بسُلْطَان مُبين (١٩) وَإِنِّي عذت بربي وربكم أَن ترجمون (٢٠) وَإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلون (٢١) فَدَعَا ربه أَن هَؤُلَاءِ قوم مجرمون (٢٢) فَأسر بعبادي لَيْلًا إِنَّكُم متبعون (٢٣) ﴾ رَضِي الله عَنهُ
125
وَألا تعلوا على عباد الله أَي: لَا تتكبروا وَلَا تَبْغُوا بالجحود والتكذيب.
وَقَوله: ﴿إِنِّي آتيكم بسُلْطَان مُبين﴾ أَي: بِحجَّة بَيِّنَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنِّي عذت بربي وربكم﴾ أَي: التجأت إِلَى رَبِّي وربكم واعتصمت بِهِ.
وَقَوله: ﴿أَن ترجمون﴾ أَي: تقتلون، وَكَانُوا أوعدوه بِالْقَتْلِ، وَقيل: أَن ترجمون أَي: تسبون، وَالْقَوْل الأول أولى؛ لأَنهم وصلوا إِلَيْهِ بالسب، فَإِن النِّسْبَة إِلَى السحر وَالْكذب أعظم السب، وَلم يصلوا إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن لم تؤمنوا لي﴾ أَي: تصدقوني ﴿فاعتزلون﴾ أَي: اعتزلوا منى، وَكُونُوا كفافا، لَا لي وَلَا عَليّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَدَعَا ربه أَن هَؤُلَاءِ قوم مجرمون﴾ أَي: مشركون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأسر بعبادي﴾ أَي: أوحى الله تَعَالَى أَن أسر بعبادي ﴿لَيْلًا﴾ أَي: بلَيْل.
وَقَوله: ﴿إِنَّكُم متبعون﴾ يَعْنِي: أَن فِرْعَوْن وجنده يتبعونكم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿واترك الْبَحْر رهوا﴾ فِي قَوْله: ﴿رهوا﴾ أَقْوَال: أَحدهَا: سَاكِنا، وَالْآخر: يبسا، وَالثَّالِث: طَرِيقا، وَالرَّابِع: سهلا دمثا، وَقَالَ الشَّاعِر:
(يَمْشين رهوا فَلَا الأعجاز دَاخِلَة وَلَا الصُّدُور على الأعجاز تتكل)
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى لما عبر الْبَحْر عطف على الْبَحْر ليضربه بعصا فَيَعُود إِلَى
125
﴿واترك الْبَحْر رهوا إِنَّهُم جند مغرقون (٢٤) كم تركُوا من جنَّات وعيون (٢٥) وزروع ومقام كريم (٢٦) ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين (٢٧) كَذَلِك وأورثناها قوما آخَرين (٢٨) فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ مَا كَانَ، فَأوحى الله تَعَالَى
126
: ﴿واترك الْبَحْر رهوا﴾ أَي: سَاكِنا.
وَقَوله: ﴿إِنَّهُم جند مغرقون﴾ أَي: فِرْعَوْن وَقَومه، وروى أَن جند فِرْعَوْن كَانُوا سَبْعَة آلَاف ألف رجل، وجند مُوسَى سِتّمائَة ألف و (نَيف)، وَقيل: ألف وسِتمِائَة ألف: وَالله أعلم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كم تركُوا من جنَّات﴾ أَي: بساتين، وَقيل: كَانَ من الفيوم إِلَى دمياط والإسكندرية بساتين مُتَّصِلَة.
وَقَوله: ﴿وعيون﴾ أَي: أَنهَار.
وَقَوله: ﴿وزروع﴾ أَي: حروث.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ومقام كريم﴾ أَي: الْمنَازل الْحَسَنَة، وَيُقَال: المنابر، وَقيل: إِن فِرْعَوْن كَانَ قد أَمر باتخاذ مَنَابِر كَثِيرَة بِمصْر ليثني عَلَيْهَا فِيهَا.
وَقَوله: ﴿ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين﴾ أَي: متنعمين، وَقُرِئَ: " فكهين " أَي " معجبين، وَالنعْمَة مَا يتنعم بِهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك وأورثناها قوما آخَرين﴾ أَي: بني إِسْرَائِيل، وَفِي الْقِصَّة: أَن الله تَعَالَى لما أغرق فِرْعَوْن وَقَومه رجعت بَنو إِسْرَائِيل إِلَى مصر، ونزلوا منَازِل آل فِرْعَوْن وسكنوها.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: مَا روى أنس أَن النَّبِي قَالَ: " مَا من مُسلم إِلَّا وَله بَابَانِ فِي السَّمَاء بَاب يصعد مِنْهُ عمله، وَبَاب ينزل مِنْهُ رزقه، فَإِذا مَاتَ بكيا عَلَيْهِ، ثمَّ تَلا قَوْله تَعَالَى: {فَمَا بَكت عَلَيْهِم
126
السَّمَاء وَالْأَرْض) ". وَعَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا مَاتَ العَبْد الْمُسلم بَكَى عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ أَرْبَعِينَ صباحا، وَفِي رِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه إِذا مَاتَ العَبْد الْمُسلم بَكَى عَلَيْهِ مَوْضِعه الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وبابه الَّذِي كَانَ يصعد [مِنْهُ] عمله. قَالَ أَبُو يحيى: قلت لمجاهد: كَيفَ تبْكي السَّمَاء وَالْأَرْض؟ فَقَالَ: أَلا تبْكي الأَرْض على من يعمرها بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود، وَلَا تبْكي السَّمَاء على مُؤمن يصعد عَلَيْهِ عمله الصَّالح؟ ! وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض أَي: أهل السَّمَاء وَالْأَرْض، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿واسأل الْقرْيَة﴾ أَي: أهل الْقرْيَة. وَعَن بَعضهم: أَن بكاء السَّمَاء حمرَة أطرافها، وَعَن بعض التَّابِعين: أَن الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا لما قتل احْمَرَّتْ أَطْرَاف السَّمَاء أَرْبَعِينَ صباحا، وَكَانَ ذَلِك لبكائها عَلَيْهِ. وَعَن بَعضهم: أَن معنى بكاء السَّمَاء وَالْأَرْض هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُمَا لَو كَانَا مِمَّن يَبْكِيَانِ لم يبكيا على الْكَافِر لما يعرفان من شدَّة غضب الله عَلَيْهِ.
وَالْمَعْرُوف من الْأَقْوَال هُوَ الأول، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن السّلف. وَعَن بَعضهم قَالَ: إِنَّمَا ذكر بكاء السَّمَوَات وَالْأَرْض؛ لِأَن الْعَرَب تَقول فِي الْمُصِيبَة الْعَظِيمَة مثل هَذَا، فَيَقُولُونَ: كسفت الشَّمْس لمَوْت فلَان، وبكت السَّمَاء عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(فالشمس كاسفة لَيْسَ بطالعة تبْكي عَلَيْك نُجُوم اللَّيْل والقمرا)
وَقَوله: ﴿وَمَا كَانُوا منظرين﴾ أَي: مؤخرين ممهلين.
127
﴿وَمَا كَانُوا منظرين (٢٩) وَلَقَد نجينا بني إِسْرَائِيل من الْعَذَاب المهين (٣٠) من فِرْعَوْن إِنَّه كَانَ عَالِيا من المسرفين (٣١) وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين (٣٢) وآتيناهم من الْآيَات مَا فِيهِ بلَاء مُبين (٣٣) إِن هَؤُلَاءِ ليقولون (٣٤) إِن هِيَ إِلَّا موتتنا﴾
128
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد نجينا بني إِسْرَائِيل من الْعَذَاب المهين﴾ فِي التَّفْسِير: أَن فِرْعَوْن كَانَ يستحقر بني إِسْرَائِيل ويستذلهم، وَكَانَ لإسرائيل وَأَوْلَاده قدر عَظِيم عِنْد الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿من فِرْعَوْن إِنَّه كَانَ عَالِيا من المسرفين﴾ أَي: جبارا متكبرا من الْمُشْركين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين﴾ مَعْنَاهُ: اخترناهم على علم منا بهم، وَقَوله: ﴿على الْعَالمين﴾ أَي: على عالمي زمانهم، وَيُقَال: على جَمِيع الْعَالمين؛ لِأَنَّهُ خصهم بِكَثْرَة الْأَنْبِيَاء مِنْهُم، فَلهم الْفضل على جَمِيع الْعَالمين بِهَذَا الْمَعْنى، وَالْمَعْرُوف هُوَ الأول.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وآتيناهم من الْآيَات مَا فِيهِ بلَاء مُبين﴾ الْآيَات مثل: فلق الْبَحْر وإنحراق فِرْعَوْن، وإنجاء مُوسَى وَمن مَعَه، وإنزال الْمَنّ والسلوى، إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات، وَقَوله: ﴿مَا فِيهِ بلَاء مُبين﴾ أَي: نعْمَة حَسَنَة، تَقول الْعَرَب: لفُلَان عِنْدِي بلَاء حسن أَي: نعْمَة حَسَنَة، وَفِي الْقِصَّة: أَن فِرْعَوْن كَانَ يسْتَعْمل الأقوياء من بني إِسْرَائِيل فِي الْعَمَل حَتَّى دبرت صُدُورهمْ وظهورهم من نقل الْحِجَارَة، ويذبح الْأَبْنَاء، ويستحي النِّسَاء، ويستعلمهن فِي الْغَزل والنسيج، وَمَا أشبه ذَلِك، وَكَانَ قد ضرب على ضعفاء بني إِسْرَائِيل على كل وَاحِد مِنْهُم ضريبة فيؤديها كل يَوْم، وَكَانَ القبطي يَأْتِي إِلَى الإسرائيلي فيسخره فِيمَا شَاءَ من الْعَمَل، فَإِذا كَانَ الظّهْر خلاه، وَقَالَ: اذْهَبْ واكتسب مَا تَأْكُله، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئا يَأْكُلهُ؛ فنجاهم الله تَعَالَى من هَذِه البلايا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِن هَؤُلَاءِ ليقولون﴾ يَعْنِي: مُشْركي مَكَّة.
وَقَوله: ﴿إِن هِيَ إِلَّا موتتنا الأولى﴾ مَعْنَاهُ: أَنا نموت مرّة وَلَا نبعث بعد ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وَمَا نَحن بمنشزين﴾ أَي: بمبعوثين، قَالَ الشَّاعِر:
128
﴿الأولى وَمَا نَحن بمنشرين (٣٥) فَأتوا بِآبَائِنَا إِن كُنْتُم صَادِقين (٣٦) أهم خير أم قوم تبع وَالَّذين من قبلهم أهلكناهم إِنَّهُم كَانُوا مجرمين (٣٧) وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾
129
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأتوا بِآبَائِنَا إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: إِن أَبَا جهل قَالَ: يَا مُحَمَّد، أنسر لنا بعض آبَائِنَا وَليكن فيهم قصي بن كلاب، فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا صَدُوقًا. وروى أَنهم طلبُوا مِنْهُ أَن يحيي لَهُم لؤَي بن غَالب، وَمرَّة بن كَعْب، وقصي بن كلاب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أهم خير أم قوم تبع﴾ يَعْنِي: أهم أَكثر قُوَّة وَأعظم نعْمَة أم قوم تبع. وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن النَّبِي قَالَ: " لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ كَانَ قد أسلم ".
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن تبعا كَانَ مُسلما، والتبابعة فِي مُلُوك الْيمن كالقياصرة فِي مُلُوك الرّوم، والأكاسرة فِي مُلُوك الْعَجم.
وَفِي الْقِصَّة: أَن تبعا خرج إِلَى الْعرَاق فحير الْحيرَة، وغزا الصين، وَهُوَ الَّذِي هدم حصن سَمَرْقَنْد، وَاسْتدلَّ من قَالَ: إِن تبعا كَانَ قد أسلم، أَن الله تَعَالَى ذمّ قوم تبع، وَلم يذم تبعا، وَفِي الْقِصَّة: أَن إِسْلَامه كَانَ على يَد الْيَهُود، وَكَانَ أُولَئِكَ الْيَهُود على الْحق.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين من قبلهم أهلكناهم إِنَّهُم كَانُوا مجرمين﴾ أَي: ذُو جرم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين﴾ أَي: عابثين.
129
﴿وَمَا بَينهمَا لاعبين (٣٨) مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ (٣٩) أَن يَوْم الْفَصْل ميقاتهم أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْم لَا يغنى مولى عَن مولى شَيْئا وَلَا هم ينْصرُونَ (٤١) إِلَّا من رحم الله إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم (٤٢) إِن شَجَرَة الزقوم (٤٣) طَعَام الأثيم﴾
130
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: للثَّواب الْعَظِيم، وَالْعَذَاب الْعَظِيم، وَالْمرَاد أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن يَوْم الْفَصْل ميقاتهم أَجْمَعِينَ﴾ يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة يفصل فِيهِ بَين الْخَلَائق أَي: يقْضِي، وَيُقَال: يقْضِي فِيهِ بَين الْمَرْء وَعَمله.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَوْم لَا يغنى مولى عَن مولى شَيْئا﴾ أَي: قَرِيبا عَن قريب شَيْئا، وَمَعْنَاهُ: أَن الْمُؤمن لَا ينصر قَرِيبه الْكَافِر، وَيُقَال: لَا يتَوَلَّى الْمُؤمن الْكَافِر لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَمِنْه قَول النَّبِي: " من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ " أَي: من تولينه انا فعلي مَوْلَاهُ من (مُوالَاة) الْمحبَّة والنصرة، وَيُقَال: إِن الْخَبَر ورد على سَبَب، وَهُوَ أَن عليا قَالَ لأسامة رَضِي الله عَنهُ: أَنْت مولَايَ، فَقَالَ أُسَامَة: لست مَوْلَاك، إِنَّمَا أَنا مولى رَسُول الله: فَقَالَ رَسُول الله: " من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ ".
وَقَوله: ﴿لَا يغنى﴾ أَي: لَا يدْفع.
وَقَوله: ﴿وَلَا هم ينْصرُونَ﴾ أَي: لَا يمْنَعُونَ من الْعَذَاب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَّا من رحم الله﴾ يَعْنِي: أَن الْمُؤمنِينَ يشفع بَعضهم بَعْضًا، ويتولى بَعضهم بَعْضًا، فالشفاعة: هُوَ نفع الْمُوَالَاة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم﴾ أَي: المنيع فِي ملكه، الرَّحِيم بخلقه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم﴾ أَي: الْفَاجِر، وَقيل: الْكَافِر، وَهُوَ أَبُو
130
((٤٤} كَالْمهْلِ يغلي فِي الْبُطُون (٤٥) كغلي الْحَمِيم (٤٦) خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم (٤٧) ثمَّ صبوا فَوق رَأسه من عَذَاب الْحَمِيم (٤٨) ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم (٤٩) إِن هَذَا مَا كُنْتُم بِهِ تمترون (٥٠)) جهل فِي قَول أَكثر الْمُفَسّرين، وَقد بَينا معنى الزقوم، وروى أَن الْمُشْركين أَتَوا أَبَا جهل وَقَالُوا لَهُ: إِن مُحَمَّدًا توعدنا بالزقوم، فَهَل تَدْرِي مَا الزقوم؟ فَقَالَ: وَالله إِذا أنزلته غارت، هُوَ الصرفان بالزبد، نوع من التَّمْر الْجيد. وَاعْلَم أَن الزقوم فِي اللُّغَة كل طَعَام يتَنَاوَل على كره شَدِيد. وَقَالَ بَعضهم: إِن الزقوم هُوَ الطَّعَام اللين فِي لِسَان البربر لَا فِي لِسَان الْعَرَب.
131
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:قوله تعالى :( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) أي : الفاجر، وقيل : الكافر، وهو أبوجهل في قول أكثر المفسرين، وقد بينا معنى الزقوم، وروي أن المشركين أتوا أبا جهل وقالوا له : إن محمدا توعدنا بالزقوم، فهل تدري ما الزقوم ؟ فقال : والله إذا أنزلته غارت، هو الصرفان بالزبد، نوع من التمر الجيد. واعلم أن الزقوم في اللغة كل طعام يتناول على كره شديد. وقال بعضهم : إن الزقوم هو الطعام اللين في لسان البربر لا في لسان العرب.
وَقَوله: ﴿كَالْمهْلِ﴾ هُوَ عكر الزَّيْت، وَقيل: عكر القطران، وَقيل: الْفضة المذابة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يغلي فِي الْبُطُون كغلي الْحَمِيم﴾ أَي: يغلي الْمهل فِي الْبُطُون، وَقيل: الْقَوْم فِي الْبُطُون، وَهُوَ الْأَصَح.
وَقَوله: ﴿كغلى الْحَمِيم﴾ أى: كغلي المَاء الْحَار الَّذِي انْتهى حره.
قَوْله تَعَالَى: ﴿خذوه فاعتلوه﴾ أَي: جروه، وَقيل: سوقوه بعنف.
وَقَوله: ﴿إِلَى سَوَاء الْجَحِيم﴾ أَي: إِلَى وسط الْجَحِيم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ صبوا فَوق رَأسه من عَذَاب الْحَمِيم﴾ فِي التَّفْسِير: أَنه يثقب وسط رَأس أبي جهل وَيصب فِيهِ الْحَمِيم، فَتخرج أمعاؤه من أَسْفَله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم﴾ أَي: يُقَال لَهُ: ذُقْ، وَقَوله: ﴿الْعَزِيز الْكَرِيم﴾ أَي: فِي زعمك، وَكَانَ يَقُول: أَنا أعز أهل (الْوَادي) وَأكْرمهمْ. وَيُقَال: إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم أَي: لست بعزيز وَلَا كريم. وَقيل: إِن هَذَا يُقَال على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء بِهِ.
قَوْله: ﴿إِن هَذَا مَا كُنْتُم بِهِ تمترون﴾ أَي: تشكون.
131
﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين (٥١) فِي جنَّات وعيون (٥٢) يلبسُونَ من سندس وإستبرق مُتَقَابلين (٥٣) كَذَلِك وزوجناهم بحور عين (٥٤) يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة آمِنين (٥٥) لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى ووقاهم عَذَاب الْجَحِيم (٥٦) فضلا من رَبك﴾
132
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين﴾ أَي: فِي منزل يأمنون فِيهِ من الْمَوْت والزوال، قَالَ عَليّ: وأمنوا من الْمَوْت فطاب لَهُم الْعَيْش.
وَقَوله: ﴿فِي جنَّات وعيون يلبسُونَ من سندس﴾ أَي: الرَّقِيق من الديباج، وَقيل: الْخَزّ الْمُوشى.
وَقَوله: ﴿وإستبرق﴾ أَي: الديباج الغليظ، وَيُقَال: الإستبرق هُوَ الديباج الْمُرْتَفع الَّذِي لَهُ بريق فِي الْأَعْين.
وَقَوله: ﴿مُتَقَابلين﴾ أَي: لَا ينظر بَعضهم إِلَى قفا بعض، وَقيل: مُتَقَابلين بالمحبة غير متدابرين بالعداوة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:وقوله :( في جنات وعيون يلبسون من سندس ) أي : الرقيق من الديباج، وقيل : الخز الموشى.
وقوله :( وإستبرق ) أي : الديباج الغليظ، ويقال : الإستبرق هو الديباج المرتفع الذي له بريق في الأعين.
وقوله :( متقابلين ) أي : لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وقيل : متقابلين بالمحبة غير متدابرين بالعداوة. *** ١
١ - في((الأصل و وك)) : و عيسى و هو الخطأ و الصواب ما اثبتناه، و العكس بالكسر بياض يخالطه شيء من شقرة، و هي قراءة شاذة، انظر شواذ القرآن لابن خالويه ( ص ١٣٧)، و المحتسب لابن (٢/٢٦١)..

قَوْله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك وزوجناهم بحور عين﴾ أَي: كَمَا فعلنَا بهم مَا ذكرنَا كَذَلِك نزوجهم بالحور الْعين، والحور الْجَوَارِي الْبيض، وَالْعين: الحسان الْأَعْين، وَقيل: سمين الْحور؛ لِأَن الْأَبْصَار تحار من جمالهن. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " [وعيس] عين " أَي: الْبيض.
قَوْله: ﴿يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة آمِنين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى﴾ أَي: سوى الموتة الأولى. والموتة الأولى لَا تكون فِي الْجنَّة، وَإِنَّمَا قَالَ على طَرِيق التَّوَسُّع. وَقيل: هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، وَمَعْنَاهُ: لَكِن الموتة الأولى قد ذاقوها.
وَقَوله: ﴿ووقاهم عَذَاب الْجَحِيم﴾ أَي: عَذَاب النَّار، والجحيم مُعظم النَّار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فضلا من رَبك﴾ أَي: تفضلا من رَبك ﴿ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾
132
﴿ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم (٥٧) فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك لَعَلَّهُم يتذكرون فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مرتقبون﴾
أى النجَاة الْعَظِيمَة.
133
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك﴾ أَي: يسرنَا الْقُرْآن بلسانك، وَيُقَال: أطلقنا بِهِ لسَانك، وَهُوَ فِي معنى قَوْله: ﴿وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر....﴾ الْآيَة.
وَقَوله: ﴿لَعَلَّهُم يتذكرون﴾ أَي: يتعظون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مرتقبون﴾ أَي: ترقب عَذَابهمْ وانتظره إِنَّهُم منتظرون.
133

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿حم (١) تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْحَكِيم (٢) إِن فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين (٣) وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة آيَات لقوم يوقنون (٤) ﴾
تَفْسِير سُورَة الجاثية
وَهِي مَكِّيَّة
أَلا آيَة وَاحِدَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: ﴿قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله﴾ فَإِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَيُقَال: إِن الْجَمِيع مَكِّيَّة.
134
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(يَا آل بكر أنشروا لي كليبا يَا آل بكر أَيْن أَيْن الْفِرَار)