تفسير سورة الدّخان

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة الدخان
في السورة تنويه بليلة نزول الوحي بالقرآن ورسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس، وتوكيد بصدق ذلك، وتنديد بالكفار على إصرارهم على الكفر والعناد وإنذار لهم، وتذكير بما كان من موقف فرعون وقومه المماثل من رسالة موسى وما كان من إغراقهم ونجاة بني إسرائيل ونعمة الله عليهم بسبب استجابتهم للدعوة، وحكاية لما كان يقوله الكفار في صدد إنكار البعث وتسفيه لقولهم، وتوكيد حكمة الله وعدله في خلق الكون ومجيء يوم القيامة وبيان لمصير الكفار والمتقين فيه.
وفصول السورة مترابطة، وآياتها متوازنة مما يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة.
ولقد روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك )١. وروى الترمذي عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له )٢، وأخرج الطبراني حديثا جاء فيه :( من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة )٣.
وينطوي في الأحاديث تنويه نبوي بهذه السورة لا بد له من حكمة، ولعل منها ما انطوى فيها من مواعظ وتنويه بالقرآن وليلة نزوله وبالإضافة إلى ذلك فيها دلالة على أن السورة كانت تامة الشخصية معروفة الاسم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
١ التاج جـ ٤ ص ١٨ – ١٩..
٢ التاج جـ ٤ ص ١٨ – ١٩..
٣ التاج جـ ٤ ص ١٨ – ١٩..

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم ( ١ ) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( ٢ ) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ( ٣ ) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( ٤ ) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( ٥ ) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ٦ ) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ( ٧ ) لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ( ٨ ) ﴾ [ ١ – ٨ ].
ابتدأت السورة بحرفي ( الحاء والميم ) للاسترعاء والتنبيه على ما رجحناه في أمثالهما. وأعقبهما قسم بالكتاب المبين ثم تقريرات ربانية كجواب للقسم أو ما بمثابة ذلك :
١- بأن الله قد أنزل الكتاب في ليلة عظيمة الشأن جرت عادته على قضاء كل أمر خطير محكم من أوامره فيها.
٢- وبأنه قد أراد بإنزال الكتاب إنذار الناس وتنبيههم.
٣- وبأنه قد أرسل رسوله بمهمة الرسالة العظمى رحمة بهم، فهو السميع العليم رب السماوات والأرض وما بينهما لا إله إلا الله هو يحيي ويميت رب السامعين ورب آبائهم الأولين.
٤- وبأن هذه هي الحقيقة الناصعة إذا كان السامعون يريدون المعرفة واليقين.
والآيات في صدد توكيد نسبة القرآن إلى الله، ثم في صدد توكيد صدق رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكونها رحمة للناس، وهكذا جاء مطلع السورة متسقا في أسلوبه وهدفه مع مطالع شقيقاتها الحواميم.
تعليق على آية
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾
وما بعدها وما روي عن ليلة
نصف شعبان
ولقد اختلفت الأقوال في الليلة المذكورة، فهناك من قال إنها ليلة القدر١ واستند في ذلك إلى سورة القدر التي ذكرت أن القرآن أنزل في ليلة القدر، وإلى آية سورة البقرة هذه :﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾ [ ١٨٥ ] ثم إلى الأحاديث المروية في صدد كون ليلة القدر هي في العشر الأخيرة من رمضان والتي أوردناها في سياق تفسير سورة القدر، وهناك من قال : إنها ليلة النصف من شعبان استئناسا من بعض أحاديث نبوية منها حديث جاء فيه :( ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله ) ومنها حديث ثان جاء فيه :( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى )٢. ومنها حديث عن ابن عباس جاء فيه :( يقضي الله الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها الموكلين بها ) ويعني بذلك الملائكة على ما هو المتبادر٣. ومنها حديث عن الحسن البصري جاء فيه : أن أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى مثلها في السنة المقبلة تفصل في هذه الليلة، أي : ليلة نصف شعبان )٤. وبعض الذين قالوا إنها ليلة القدر من رمضان رووا أن هذه الليلة هي الليلة التي تفصل فيها الأمور الهامة من سنة إلى سنة من أرزاق وآجال ومصائب٥، وبذلك وفقوا بين القولين.
وأكثر الأقوال في جانب القول إنها ليلة القدر في رمضان وهو الأصوب والأولى الذي تلهمه الآية نفسها بمقارنتها بآيتي البقرة وسورة القدر. ويلحظ أن الأحاديث المساقة عن ليلة نصف شعبان ليس فيها إشارة صريحة إلى نزول القرآن فيها، وهذا ما جعلنا نقول إنهم استأنسوا بها استئناسا، هذا مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد أنكر ابن كثير قول من قال : إنها ليلة نصف شعبان وقال : إن الذين يقولون ذلك قد أبعدوا النجعة، وإن نص القرآن يؤيد أنها ليلة القدر في رمضان، وأن الحديث النبوي عن ليلة شعبان مرسل ومثله لا يعارض به نص ثابت٦.
ولقد أعاد بعض المفسرين٧ القول في مناسبة هذه الآية بأن الضمير في ﴿ أنزلناه ﴾ عائد إلى جميع القرآن حيث أنزل جميعه إلى سماء الدنيا، ثم صار ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم منجما كما روي عن ابن عباس. وقد أورد الطبري في سياق هذه الآية رواية نزول صحف إبراهيم في أول رمضان والتوراة في السادس منه، والزبور في السادس عشر، والإنجيل في الثامن عشر، والفرقان في الرابع والعشرين. وقد علقنا على هذا بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورة القدر، فلا نرى الحاجة إلى إعادة أو زيادة.
والوصف الذي وصفت به هذه الليلة التي هي على الأرجح ليلة القدر في أواخر شهر رمضان في الآيات [ ٣ – ٤ ] من السورة قد يؤيد ما قلناه في سياق تفسير سورة القدر من أن تسمية ( ليلة القدر ) هي تسمية علمية، وأنه كان لهذا الليلة خطورة دينية ما في أذهان السامعين.
هذا، ونقول – تعليقا على ما روي من تقدير الآجال والأرزاق وقضاء الأقضية من سنة إلى سنة في ليلة النصف من شعبان أو في ليلة القدر ما اعتاده المسلمون من الاحتفال بليلة النصف شعبان وقراءة أدعية خاصة فيها – : إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة الإسناد، ولا تظهر حكمة الله فيها، ويجب التحفظ إزاءها، وإن الاحتفال بليلة النصف من شعبان ليس له أصل ثابت من سنة نبوية ولا صحابية.
وقد يرد أن جملة ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( ٤ ) ﴾ قد تقوي صحة الأحاديث الواردة. ولسنا نرى ذلك، فالأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تذكر ليلة النصف من شعبان. وهذه الجملة تشير إلى الليلة التي أنزل فيها القرآن وهي ليلة القدر بنص القرآن. وقد يكون أريد بالجملة الإخبار بأن حكمة الله شاءت أن يقضي فيها الأمور الهامة التي منها إنزال الوحي والقرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء من قبله. ولعل عبارة ﴿ مُنذِرِينَ ( ٣ ) ﴾ في الآية السابقة لها وعبارة ﴿ مُرْسِلِينَ ( ٥ ) ﴾ في الآية التالية لها مما يدعم هذا التوجيه ويبعد على ما هو المتبادر موضوع تقرير الآجال والأرزاق والأحداث السنوية، والله أعلم.
١ انظر تفسير سورة القدر وتفسير الآية التي في صددها في تفسير ابن كثير..
٢ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي..
٣ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي..
٤ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري و البغوي..
٥ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري و البغوي..
٦ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن..
٧ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن..
يفرق : بمعنى يقضي أو يقرر.
حكيم : فيه الحكمة والإحكام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم ( ١ ) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( ٢ ) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ( ٣ ) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( ٤ ) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( ٥ ) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ٦ ) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ( ٧ ) لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ( ٨ ) ﴾ [ ١ – ٨ ].
ابتدأت السورة بحرفي ( الحاء والميم ) للاسترعاء والتنبيه على ما رجحناه في أمثالهما. وأعقبهما قسم بالكتاب المبين ثم تقريرات ربانية كجواب للقسم أو ما بمثابة ذلك :

١-
بأن الله قد أنزل الكتاب في ليلة عظيمة الشأن جرت عادته على قضاء كل أمر خطير محكم من أوامره فيها.

٢-
وبأنه قد أراد بإنزال الكتاب إنذار الناس وتنبيههم.

٣-
وبأنه قد أرسل رسوله بمهمة الرسالة العظمى رحمة بهم، فهو السميع العليم رب السماوات والأرض وما بينهما لا إله إلا الله هو يحيي ويميت رب السامعين ورب آبائهم الأولين.

٤-
وبأن هذه هي الحقيقة الناصعة إذا كان السامعون يريدون المعرفة واليقين.
والآيات في صدد توكيد نسبة القرآن إلى الله، ثم في صدد توكيد صدق رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكونها رحمة للناس، وهكذا جاء مطلع السورة متسقا في أسلوبه وهدفه مع مطالع شقيقاتها الحواميم.
تعليق على آية
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾
وما بعدها وما روي عن ليلة
نصف شعبان
ولقد اختلفت الأقوال في الليلة المذكورة، فهناك من قال إنها ليلة القدر١ واستند في ذلك إلى سورة القدر التي ذكرت أن القرآن أنزل في ليلة القدر، وإلى آية سورة البقرة هذه :﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾ [ ١٨٥ ] ثم إلى الأحاديث المروية في صدد كون ليلة القدر هي في العشر الأخيرة من رمضان والتي أوردناها في سياق تفسير سورة القدر، وهناك من قال : إنها ليلة النصف من شعبان استئناسا من بعض أحاديث نبوية منها حديث جاء فيه :( ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله ) ومنها حديث ثان جاء فيه :( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى )٢. ومنها حديث عن ابن عباس جاء فيه :( يقضي الله الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها الموكلين بها ) ويعني بذلك الملائكة على ما هو المتبادر٣. ومنها حديث عن الحسن البصري جاء فيه : أن أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى مثلها في السنة المقبلة تفصل في هذه الليلة، أي : ليلة نصف شعبان )٤. وبعض الذين قالوا إنها ليلة القدر من رمضان رووا أن هذه الليلة هي الليلة التي تفصل فيها الأمور الهامة من سنة إلى سنة من أرزاق وآجال ومصائب٥، وبذلك وفقوا بين القولين.
وأكثر الأقوال في جانب القول إنها ليلة القدر في رمضان وهو الأصوب والأولى الذي تلهمه الآية نفسها بمقارنتها بآيتي البقرة وسورة القدر. ويلحظ أن الأحاديث المساقة عن ليلة نصف شعبان ليس فيها إشارة صريحة إلى نزول القرآن فيها، وهذا ما جعلنا نقول إنهم استأنسوا بها استئناسا، هذا مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد أنكر ابن كثير قول من قال : إنها ليلة نصف شعبان وقال : إن الذين يقولون ذلك قد أبعدوا النجعة، وإن نص القرآن يؤيد أنها ليلة القدر في رمضان، وأن الحديث النبوي عن ليلة شعبان مرسل ومثله لا يعارض به نص ثابت٦.
ولقد أعاد بعض المفسرين٧ القول في مناسبة هذه الآية بأن الضمير في ﴿ أنزلناه ﴾ عائد إلى جميع القرآن حيث أنزل جميعه إلى سماء الدنيا، ثم صار ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم منجما كما روي عن ابن عباس. وقد أورد الطبري في سياق هذه الآية رواية نزول صحف إبراهيم في أول رمضان والتوراة في السادس منه، والزبور في السادس عشر، والإنجيل في الثامن عشر، والفرقان في الرابع والعشرين. وقد علقنا على هذا بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورة القدر، فلا نرى الحاجة إلى إعادة أو زيادة.
والوصف الذي وصفت به هذه الليلة التي هي على الأرجح ليلة القدر في أواخر شهر رمضان في الآيات [ ٣ – ٤ ] من السورة قد يؤيد ما قلناه في سياق تفسير سورة القدر من أن تسمية ( ليلة القدر ) هي تسمية علمية، وأنه كان لهذا الليلة خطورة دينية ما في أذهان السامعين.
هذا، ونقول – تعليقا على ما روي من تقدير الآجال والأرزاق وقضاء الأقضية من سنة إلى سنة في ليلة النصف من شعبان أو في ليلة القدر ما اعتاده المسلمون من الاحتفال بليلة النصف شعبان وقراءة أدعية خاصة فيها – : إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة الإسناد، ولا تظهر حكمة الله فيها، ويجب التحفظ إزاءها، وإن الاحتفال بليلة النصف من شعبان ليس له أصل ثابت من سنة نبوية ولا صحابية.
وقد يرد أن جملة ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( ٤ ) ﴾ قد تقوي صحة الأحاديث الواردة. ولسنا نرى ذلك، فالأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تذكر ليلة النصف من شعبان. وهذه الجملة تشير إلى الليلة التي أنزل فيها القرآن وهي ليلة القدر بنص القرآن. وقد يكون أريد بالجملة الإخبار بأن حكمة الله شاءت أن يقضي فيها الأمور الهامة التي منها إنزال الوحي والقرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء من قبله. ولعل عبارة ﴿ مُنذِرِينَ ( ٣ ) ﴾ في الآية السابقة لها وعبارة ﴿ مُرْسِلِينَ ( ٥ ) ﴾ في الآية التالية لها مما يدعم هذا التوجيه ويبعد على ما هو المتبادر موضوع تقرير الآجال والأرزاق والأحداث السنوية، والله أعلم.
١ انظر تفسير سورة القدر وتفسير الآية التي في صددها في تفسير ابن كثير..
٢ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي..
٣ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي..
٤ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري و البغوي..
٥ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري و البغوي..
٦ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن..
٧ انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن..

﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ( ٩ ) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( ١٠ ) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١١ ) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ( ١٢ ) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ( ١٣ ) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ( ١٤ ) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ( ١٥ ) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ( ١٦ ) ﴾ [ ٩ – ١٦ ].
جاءت الآيات معقبة على مطلع السورة، ومع أنه لم يسبق كلام عن أحد فالمتبادر من نص الآيات أن الضمير الغائب عائد إلى الكفار. وقد نددت أولا بالكفار ؛ لأنهم يتلقون ما يسمعون من آيات كتاب الله بالشك واللعب والهزء. وتوعدتهم ثانيا باليوم الذي ينتشر فيه من جانب السماء دخان عظيم يملأ الجو ويغشي الناس، ويشعر الكفار يومئذ بما هو واقع عليهم من عذاب الله الأليم فيلجأون إليه لكشفه عنهم ويعلنون بأنهم مؤمنون. وتساءلت ثالثا تساؤل المنكر المستنكر عما إذا كان هذا ينفعهم حينئذ، وقد جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالآيات الواضحة وهم في متسع من الوقت فأعرضوا عنه واستخفوا به ونسبوا إليه الجنون وتعلم ما يقوله من الغير. ووجهت رابعا الكلام إليهم فالله سيستجيب إليهم هذه المرة، ويكشف عنهم العذاب ردحا من الزمن، ولكنهم سوف يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا فيه من كفر وعناد حينئذ تنزل بطشة الله الكبرى فيهم وينتقم منهم.
وتأويل ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ( ١٥ ) ﴾ الذي أوردناه في الفقرة ( رابعا ) هو ما عليه جمهور المفسرين بناء على بعض الروايات. وقد تبادر لنا تأويل آخر ﴿ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ( ١٥ ) ﴾ وهو ( إنكم راجعون إلينا على كل حال يوم البطشة الكبرى أي يوم القيامة ولو كشفنا عنكم العذاب ردحا من الزمن استجابة لدعائكم ) وهناك من أول البطشة الكبرى بيوم القيامة وهذه مما يؤيد تأويلنا والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( ١٠ ) ﴾
وما بعدها
وما روي في سياقها
ولقد رويت رواية عن ابن مسعود فيها بيان لمدى ومفهوم هذه الآيات، حيث قال ردا على من قال إن الآيات هي في صدد إنذار الكفار بالعذاب الأخروي ما مفاده : إن هذا ليس من العلم، وإن من العلم أن يقول الإنسان لما لا يعلم لا أعلم. إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، أو يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد. فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له : استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم فسقوا فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنذرهم الله بالبطشة الكبرى، وكانت يوم بدر.
وقد أورد هذه الرواية معظم المفسرين وإن كان بعضهم أوردها مختلفة بعض الشيء عما أوردها الآخر، ومن ذلك أن أبا سفيان هو الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له : جئت تأمر بصلة الرحم، وقد هلك قومك فادع لهم١. ورواها البخاري ومسلم والترمذي بدون أبي سفيان٢.
ويروي المفسرون٣ إلى هذه الرواية حديثا عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :( إن أول الآيات : الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر والدخان ). فسأله حذيفة : ما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( ١٠ ) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١١ ) ﴾ ثم قال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة – يعني الدخان – أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فتكون منه بمنزلة السكران ). حيث يبدو أن هذا الحديث في صدد تفسير الآيات، وينقض تفسير ابن مسعود لها، وكونها في صدد حادث واقعي حدث في مكة في زمن النبي٤. ومع أن الطبري ضعف هذا الحديث ورجح صحة تفسير ابن مسعود فإن الطبري روى حديثا آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف بأن إسناده جيد جاء فيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن ربكم أنذركم ثلاثا : الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال )٥. حيث قد يؤيد هذا حديث حذيفة ويفيد أن الدجال هو علامة من علامات آخر الزمان.
ولقد ورد في سورة ( المؤمنون ) هذه الآيات :﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( ٧٥ ) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ( ٧٦ ) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( ٧٧ ) ﴾ وفي سورة النحل هذه الآية :﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ( ١١٢ ) ﴾ فروى المفسر البغوي في صدد آيات سورة المؤمنون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : أنشدك الرحم، ألست تزعم أن الله بعثك رحمة للعالمين ؟ فقال : بلى. فقال : قد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، فادع الله أن يكشف عنا القحط. فدعا فكشف. وروى في صدد آية سورة النحل أنها نزلت في ظرف ابتلى الله قريشا فيه القحط والجوع، وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جهدوا وأكلوا العظام والجيف والكلاب، وحتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع فكلم رؤساء مكة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له : هبك عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان ؟ فأذن للناس بحمل الطعام إليهم. والرواية الأولى هي نفس الرواية المروية عن ابن مسعود في صدد آيات سورة الدخان التي نحن في صددها. والرواية الثانية تفيد أن الحادث وقع بعد الهجرة مع أنه لم يرو أحد مدنية آية النحل فضلا عن التشابه في جوهر الروايات المروية في صدد آيات السور الثلاث.
وإلى هذا فهناك أقوال مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم تفيد أن البطشة الكبرى تعني عذاب الله الأكبر يوم القيامة وليس نصر بدر كما ورد في رواية ابن مسعود٦.
وننبه على أن جمهور المفسرين وفي مقدمتهم شيخهم الطبري في جانب ترجيح ما روي عن ابن مسعود في صدد تفسير الآيات المروي في كتب البخاري ومسلم والترمذي. أما نحن فإننا في حيرة وتردد تجاه الرواية ؛ لأننا نلاحظ أن نص الآية [ ١٠ ] لا يفيد حدوث الدخان، وإنما يأمر بارتقاب حدوثه والآيات التي بعدها هي نتائج لما سوف يأتي. والآية [ ١٢ ] تحكي قول الكفار ﴿ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ( ١٢ ) ﴾ حينما يحل عليهم عذاب الدخان مع أن رواية ابن مسعود لا تذكر أنهم أعلنوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إيمانهم حينما جاءوا إليه يطلبون منه الاستسقاء وكشف العذاب. وفحوى الآية [ ١٢ ] يفيد أن طلب كشف العذاب كان موجها منهم إلى الله والرواية تذكر أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلبون منه الدعاء بكشفه. والفرق جوهري ومهم، ونصر بدر على خطورته ليس أكبر بطشات الله في قريش ؛ لأنهم ظلوا بعده أقوياء وغزوا المسلمين في عقر دار هجرتهم مرتين، ونالوا ثأرهم منهم عن بدر في إحداهما وهي واقعة أحد، وزلزلوهم وأوقعوا الرعب الشديد في قلوبهم في ثانيتهما. هذا، عدا أن أسلوب الآية [ ٢٥ ] يلهم أن التهديد والإنذار أبعد مدى وأجسم أثر، ويلهم بالتالي أنه إنذار بانتقام قاصم ولم يقع عليهم بطشة ربانية في الدنيا فيكون احتمال القصد فيها لعذاب الآخرة أقوى.
ومهما يكن من أمر فالآيات كما قلنا جاءت معقبة على ما سبقها لبيان موقف الكفار من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته وللتنديد بهم وإنذارهم إنذارا قاصما.
على أن في الآيات كما شرحناها ما يفيد إنذارا بعذاب دنيوي بالدخان سوف يقع عليهم واستشعارهم حينئذ بالندم ومسارعتهم إلى إعلان إيمانهم وطلبهم من الله كشفه، وبيانا بأن الله قد يكشفه عنهم، ولكنهم سوف يعودون إلى غيهم فيستحقون بطشة الله الكبرى.
ولقد حكيت مواقف مماثلة في آيات أخرى منها آيات سورة يونس هذه :
﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ( ٢٢ ) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٢٣ ) ﴾.
ولعل ما جاء في آيات سورتي ( المؤمنون ) و( النحل ) التي أوردناها آنفا من ذكر لعذاب أو بلاء رباني قد وقع فعلا عليهم هو لتحقيق ما أنذرهم الله من عذاب دنيوي في آيات سورة الدخان. ويلحظ في رواية تفسير آية النحل أنهم كانوا يرون السماء شبه دخان من الجوع مما قد يكون فيه تصديق ذلك. وعلة هذه الرواية أنها تفيد أن عذاب الله وقع عليهم بعد الهجرة، وقد يكون ذلك التباسا والله أعلم.
بقي ما ورد في الأحاديث النبوية عن كون الدخان من أشراط الساعة مع آيات أخرى. فإذا صحت فيكون هذا أمر آخر غير الدخان الذي يوجه الإنذار به إلى الكفار السامعين بسبب مواقفهم الجحودية، والذي تذكر الآيات وعد الله بكشفه اختبارا لهم على ما هو المتبادر. ويكون ذكره في سياق هذه الآيات من قبيل ذكر الشيء عند ذكر ما يماثله. ويكون مما شاءت حكمة الله ورسوله الإنذار بحدوثه عند قيام الساعة حينما يأتي الوقت المعين في علم الله تعالى ويوقف عنده مع الإيمان به كما هو الواجب تجاه كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن من الأمور الغيبية.
تعليق على توالي الإنذار
بانتقام الله
ويلحظ أن الإنذار بانتقام الله من كفار العرب قد توالى في هذه السورة وما قبلها ؛ حيث يلهم هذا أن الكفار قد أخذوا يشتدون في مناوأتهم وأذاهم.
ونستطرد إلى ذكر مسألة من المسائل التي يثيرها بعض الباحثين من غير المسلمين ؛ حيث جعل توالي إنذار القرآن بالانتقام في هاتين السورتين وغيرهما، ووصف الله بالغضب وبذي الانتقام وبالقوي وبالشديد العقاب وبالبطش وبالجبار والقهار المتكبر المهيمن الخ، وبعض الباحثين من غير المس
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن والزمخشري والطبرسي..
٢ انظر التاج جـ ٤ ص ٢٠٦..
٣ انظر كتب التفسير السابقة الذكر. وقد أورد المفسرون هذا الحديث بشيء من التغاير مع الاتفاق في الجوهر، ومنهم من روى صيغة من صيغة عن حذيفة بن أسيد الغفاري والنص الذي أوردناه من الطبري. مما ورد في النص الوارد في تفسير ابن كثير عن حذيفة بن أسيد: (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغاربها والدخان والدابة وخروج يأ جوج ومأجوج وخروج عيسى والدجال وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا). وقال ابن كثير عقب هذا: تفرد مسلم بإخراجه في صحيحه. وهناك نصوص أخرى مقتضبة فيها الدخان كعلامة من علامات الساعة أيضا..
٤ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري أيضا..
٥ انظر تفسير ابن كثير.
٦ انظر تفسير البغوي و ابن كثير..
﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( ١٧ ) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( ١٨ ) وَأَنْ لاَّ تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( ١٩ ) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ( ٢٠ ) وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِي ( ٢١ ) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ( ٢٢ ) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ( ٢٣ ) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ( ٢٤ ) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ٢٥ ) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( ٢٦ ) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ( ٢٧ ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ( ٣٠ ) مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٣١ ) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ ( ٧ ) ( ٣٣ ) ﴾ [ ١٧ – ٣٣ ].
فتنا : ابتلينا وامتحنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

أدوا إلي : تعالوا إلي وأقبلوا على دعوتي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

فاعتزلوني : ابتعدوا من طريقي أو دعوني وشأني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

رهوا : ساكنا أو جافا، أو على هيئته التي عبر عليها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

نعمة : حياة منعمة أو ناعمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

اخترناهم على علم : اخترناهم عن بصيرة وعلم بأحوالهم، وقد قال الزمخشري ( واخترناهم على علم بأنهم قد ينحرفون لأجل امتحانهم واختبارهم ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

ما فيه بلاء مبين : ما فيه بلاء واختبار شديدان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفي الآيات إشارة إلى ما كان من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه وعاقبتهم واضحة. وقد جاءت على أثر حكاية موقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني. واحتوت ما احتوته بأسلوب الإشارة والإجمال المتسق مع ما ورد في القصة مسهبا في المناسبات السابقة. وهذا أيضا من أساليب القصص القرآني حسب ما اقتضته حكمة التنزيل واستهدفت – كما يستلهم من أسلوبها القوي النافذ ومن مضمونها – إنذار الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فقد أهلك الله فرعون وقومه، وكانوا أشد منهم قوة ولم يمهلهم ولم تبك عليهم سماء ولا أرض وسلبهم ما كان لهم من زرع وجنات وعيون وما كانوا يتمتعون به من حياة ناعمة مترفة. وأورث ذلك لغيرهم ونجى بني إسرائيل مما كانوا يقاسونه من عذاب فرعون الشديد المسرف المستكبر، ثم جعلهم خير العالمين عن علم بأحوالهم اختبارا وامتحانا لهم. وما جاء في الآيات عن رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون متسق مع ما جاء متصلا في السور السابقة.
وليس فيها جديد إلا أمر الله لموسى أن يترك البحر رهوا ليدخله فرعون وقومه على أثرهم. وهذا ليس واردا في سفر الخروج ولكن نعتقد أنه مما كان يرويه اليهود نقلا عن قراطيس كانت في أيديهم مثل سائر النقاط التي وردت في القرآن، ولم ترد في الأسفار المتداولة من قصص موسى وفرعون. ويلحظ أن الآيات هنا لم تذكر بني إسرائيل كورثة لفرعون وقومه مع أن ذلك ذكر في سورتي الشعراء والأعراف. ومع ذلك فالعبارة ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ٢٨ ) ﴾ لا تنقض ذلك كما هو المتبادر. والعبرة في الآيات هي تقرير كون الله قادرا على أن يفعل بكفار العرب ما فعله بفرعون وقومه الذين كانوا أقوى وأعظم منهم وأن يلطف بالمؤمنين فيجعلهم ورثة لهم يرثون ما هم فيه من أسباب الغنى والحياة الناعمة ووسائلها، ويختارهم على العالمين بدورهم مثل ما كان من لطفه ببني إسرائيل.
تعليق على آية
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾
وجمهور المفسرين على أن ﴿ الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ في الجملة ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( ٣٢ ) ﴾ تعني أهل زمانهم ولا تعني أهل الأرض في كل زمن١. وهذا هو المعقول ؛ لأن الله جعل العرب الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو كل من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقا خير أمة أخرجت للناس كما جاء في الآية [ ١١٠ ] من سورة آل عمران :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ﴾
وهذه الآية تعلل هذه الخيرية بالإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقياسا على ذلك فإن خيرية بني إسرائيل إنما كانت على أهل زمانهم بسبب استجابتهم لدعوة موسى عليه السلام وإيمانهم بالله وحده والتزامهم شرائعه. ولا يتسق مع روح التلقين القرآني هأهل
ولا مع حكمة الله أن يدوم حكم الخيرية لهم حينما انحرفوا عن عبادة الله إلى عبادة العجل والبعل وانحرفوا عن شرائع الله واقترفوا الفواحش والموبقات، وحرفوا كتب الله وكلامه عن مواضعه وافتروا على الله الكذب ونسبوا إليه ما ليس منه في حياة موسى وبعده على ما سجلته عليهم أسفار عديدة من أسفار العهد القديم٢ وآيات كثيرة من القرآن الكريم٣ وعلى ما نبهنا عليه في سياق تفسير الآية [ ١٣٧ ] من سورة الأعراف.
تعليق على جملة
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾
ومع أن المتبادر أن جملة ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ هي من قبيل المجاز والتمثيل والمبالغة في التبكيت والتهكم عليهم، وتهوين شأنهم عن الله رغم ما كانوا عليه من قوة وترف، وهو ما قاله الزمخشري في الكشاف فإن المفسرين أوردوا أحاديث تبدو لنا غريبة ؛ لأنها في صدد بيان كون بكاء السماء والأرض حقيقة، وكونهما تبكيان على المؤمنين حين موتهم. من ذلك٤ حديث رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه :( ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا الآية ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ). ومن ذلك حديث عن ابن عبيد الحصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ﴾ ثم قال إنهما لا تبكيان على الكافر ). ومن ذلك حديث عن عباد بن عبد الله أن رجلا سأل علي بن أبي طالب : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال :( إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا عمل يصعد إلى السماء ثم قرأ :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾. ومن ذلك حديث روي عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء ينزل منه رزقه، فإن فقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض ). وحديث آخر عن ابن عباس أيضا جوابا على سؤال جاء فيه :( أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمر بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ). وحديث عن مجاهد جاء فيه :( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ) أ
أرض أربعين صباحا ). ومن ذلك حديث عن إبراهيم :( ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على رجلين : يحيى بن زكريا والحسين بن علي حين قتلا )، فسأله السائل : أليس السماء والأرض تبكيان على المؤمن ؟ فقال :( ذاك مقامه حين يصعد عمله. ثم قال له : أتدري ما بكاء السماء ؟ قال : لا، قال : تحمر وتصير وردة كالدهان ). ومن ذلك حديث عن يزيد بن أبي زياد قال :( لما قتل الحسين بن علي احمرت آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ). وذكروا أيضا – وهذه عبارة ابن كثير – في مقتل الحسين :( إنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجدت تحته دم عبيط، وإن الشمس كسفت والأفق احمر وسقطت حجارة ).
ولم يرد من هذه الأحاديث في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة إلا حديث واحد رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه فذلك قوله ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ( ٢٩ ) ﴾٥.
ويلوح أن هذا الحديث قد استهدف فيما استهدفه تبشير المؤمنين وتطمينهم، ولقد عقب ابن كثير على الروايات الثلاث الأخيرة التي ذكر فيها بكاء السماء واحمرارها وكسوف الشمس وانبثاق الدماء من تحت الحجارة في ظرف مقتل الحسين رضي الله عنه. فقال :( وفي كل نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه. وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ولم يقع شيء مما ذكروه. فقد قتل أبوه وهو أفضل منه بالإجماع وعثمان بن عفان قتل محصورا مظلوما، ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب قتل في المحراب ولم يكن شيء من ذلك. وهذا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يكن مما ذكروه شيء. ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خسفت الشمس فقال الناس : خسفت لإبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا حق. ونخشى أن يكون للشيعة يد في الأحاديث الأولى لإثبات أن ما اخترعوه في مقتل الحسين له أصل من سنة أقدم، والله أعلم.

﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
منشرين : من النشور وهو البعث بعد الموت.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ ( ٣٤ ) إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ( ٣٥ ) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٣٧ ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ( ٣٨ ) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( ٣٩ ) ﴾ [ ٣٤ – ٣٩ ].
في الآيات حكاية لما كان يقوله الكفار في إنكار البعث حيث كانوا يقولون إننا سنموت موتة أبدية لن نقوم بعدها. ثم يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينذرهم بالبعث طالبين منه الإثبات بآبائهم أي إحيائهم إن كان صادقا في إنذاره، ورد عليهم بصيغة التساؤل الإنكاري عما إذا كانوا هم خير وأقوى من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم التي أهلكها الله تعالى ؛ لأنها وقفت موقف الكفر والإنكار. وتنبيه على أن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ولعبا وإنما توخى بذلك الحق والحكمة ولو لم يفهم هذه الحقيقة أكثر السامعين.
وواضح أن الآيات عودة على بدء في حكاية أقوال ومواقف الكفار والتنديد بهم وإنذارهم، كما أن فيها صورة الجدل واللجاج التي كانت تقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار، فهي والحالة هذه استمرار للسياق.
وقد يلوح أن اختصاص قوم تبع بالذكر هنا متصل بما كان معلوما عند السامعين من ملك تبابعة اليمن وقوتهم وعظمة شأنهم. ولقد أورد المفسرون١ في سياق هذه الآيات بيانات غير يسيرة من ذلك معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول فيها المعقول وغير المعقول، وفيها الدلالة على كل حال على ما كان مستقرا في أذهان السامعين من ذلك. ولقد سبق تعريف بتبع وقومه في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة للتكرار. ولقد أورد المفسرون في صدد هذه الآيات بعض الأحاديث عن إسلام تبع فلم نر بأسا في إيرادها إتماما للصورة، مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. منها حديث رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس وسهل بن سعد الساعدي بطرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم ) وحديث رواه أبو حاتم الرقاشي أن عائشة كانت تقول :( لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ).
ولقد عقب الطبري والبغوي على جملة ﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ﴾ بأنها تعني للاختبار في الدنيا للثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومع أن معنى التعقيب قد ورد نصا في بعض الآيات مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( ١١٥ ) ﴾ وآية سورة الملك هذه :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور( ٢ ) ﴾. فإن الجملة وهي في صدد السماء والأرض، وفيهما الإنسان وغير الإنسان من مخلوقات الله الحية وغير الحية، وفيهما نواميس كونية عظمى تتضمن فيما يتبادر لنا تقريرا أشمل من كون ذلك لاختيار الإنسان وحسب. وفي سورة الجاثية آية جاء فيها :﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ٢٢ ) ﴾حيث ينطوي فيها تقرير كون ذلك من جملة الحق الذي توخاه الله تعالى من خلق السماوات والأرض وليس كله والله أعلم.
تعليق على آية
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٦ ) ﴾
وهذه أول مرة يأتي تحدي الكفار فيها بما حكي عنهم في هذه الآية، فقد حكت آيات عديدة في السور السابقة إنكارهم للبعث بعد موتهم هم وآباؤهم بعد أن يصبحوا رفاتا وعظاما ورميما ويمزقون كل ممزق، فكان القرآن يرد عليهم مبرهنا بقدرة الله تعالى على إحيائهم ثانية بما هو ماثل أمام أعينهم من مشاهد قدرة الله وعظمته وملكوته، وينبههم إلى أن الذي خلقهم بدءا قادر على خلقهم إعادة، ويضرب لهم الأمثال بالأرض الميتة الخامدة التي يحييها بالمطر. فجاءوا الآن يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلب البرهان على ذلك بإحياء أبائهم في الدنيا حتى يروهم ويكلموهم. وقد اقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما كان من إهلاك المجرمين أمثالهم من قوم تبع، ومن قبلهم ممن يعرفون قصصهم وهم أقوى منهم. وأن الذي أنزل في المجرمين السابقين التدمير والعذاب قادر عليهم، وبأن الله سبحانه لا يعقل أن يكون قد خلق السماوات والأرض عبثا ولعبا ولا بد من أن يكون لذلك حكمة، منها بعث الناس ومحاسبتهم على أعمالهم وتوفيتهم الجزاء عليها.
ويتبادر لنا أن الرد الرباني جاء بالأسلوب الذي جاء به ليتسق مع مشيئة الله بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها، وصلة القرآن بالله عز وجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ( ٤٠ ) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٤١ ) إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ٤٢ ) ﴾ [ ٤٠ - ٤٢ ]
الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم، فيوم الفصل والقضاء الأخروي، هو موعد الناس جميعا الأولين منهم والآخرين، ولن ينفع فيها ولي وليا وحليف حليفا. ولن ينجو من هوله وشره إلا من رحمه الله القوي وحده، الناصر وحده، الرحيم وحده، في أي ظرف يستدعي القوة والنصر والرحمة.
وواضح أن الآيات رد على الذين تحدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بآبائهم، وقد استهدفت فيما استهدفته إنذارهم وإثارة اليأس فيهم من أي نصير وحليف يوم القيامة لحملهم على الارعواء وتطمين المؤمنين بأنهم سيكونون مظهر رحمة الله تعالى.
ومن المفسرين من قال في تخريج الاستثناء في جملة :﴿ إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾ إنها تعني نفع وغناء الشفيع الذي يكون قد نال رحمة الله ورضاءه١. ومنهم من قال : إنها تعني أن النفع والغناء إنما هما رحمة الله وحسب٢. وقد تبادر لنا أنها في معنى أن النجاة هي للذين تداركتهم رحمة الله فاهتدوا وآمنوا وعملوا الصالحات والله أعلم.
١ انظر الطبري والبغوي..
٢ انظر ابن كثير..
مولى : بمعنى ولي وخليفة ونصير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ( ٤٠ ) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٤١ ) إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ٤٢ ) ﴾ [ ٤٠ - ٤٢ ]
الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم، فيوم الفصل والقضاء الأخروي، هو موعد الناس جميعا الأولين منهم والآخرين، ولن ينفع فيها ولي وليا وحليف حليفا. ولن ينجو من هوله وشره إلا من رحمه الله القوي وحده، الناصر وحده، الرحيم وحده، في أي ظرف يستدعي القوة والنصر والرحمة.
وواضح أن الآيات رد على الذين تحدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بآبائهم، وقد استهدفت فيما استهدفته إنذارهم وإثارة اليأس فيهم من أي نصير وحليف يوم القيامة لحملهم على الارعواء وتطمين المؤمنين بأنهم سيكونون مظهر رحمة الله تعالى.
ومن المفسرين من قال في تخريج الاستثناء في جملة :﴿ إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾ إنها تعني نفع وغناء الشفيع الذي يكون قد نال رحمة الله ورضاءه١. ومنهم من قال : إنها تعني أن النفع والغناء إنما هما رحمة الله وحسب٢. وقد تبادر لنا أنها في معنى أن النجاة هي للذين تداركتهم رحمة الله فاهتدوا وآمنوا وعملوا الصالحات والله أعلم.
١ انظر الطبري والبغوي..
٢ انظر ابن كثير..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ( ٤٠ ) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٤١ ) إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ٤٢ ) ﴾ [ ٤٠ - ٤٢ ]
الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم، فيوم الفصل والقضاء الأخروي، هو موعد الناس جميعا الأولين منهم والآخرين، ولن ينفع فيها ولي وليا وحليف حليفا. ولن ينجو من هوله وشره إلا من رحمه الله القوي وحده، الناصر وحده، الرحيم وحده، في أي ظرف يستدعي القوة والنصر والرحمة.
وواضح أن الآيات رد على الذين تحدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتيان بآبائهم، وقد استهدفت فيما استهدفته إنذارهم وإثارة اليأس فيهم من أي نصير وحليف يوم القيامة لحملهم على الارعواء وتطمين المؤمنين بأنهم سيكونون مظهر رحمة الله تعالى.
ومن المفسرين من قال في تخريج الاستثناء في جملة :﴿ إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾ إنها تعني نفع وغناء الشفيع الذي يكون قد نال رحمة الله ورضاءه١. ومنهم من قال : إنها تعني أن النفع والغناء إنما هما رحمة الله وحسب٢. وقد تبادر لنا أنها في معنى أن النجاة هي للذين تداركتهم رحمة الله فاهتدوا وآمنوا وعملوا الصالحات والله أعلم.
١ انظر الطبري والبغوي..
٢ انظر ابن كثير..

﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ( ٤٣ ) طَعَامُ الأثِيمِ ( ٤٤ ) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ( ٤٥ ) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ( ٤٦ ) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ( ٤٧ ) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ( ٤٨ ) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ( ٤٩ ) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ ( ٥٠ ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ( ٥١ ) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ٥٢ ) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ ( ٥٣ ) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ( ٥٤ ) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ( ٥٥ ) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( ٥٦ ) فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ٥٧ ) ﴾[ ٤٣ – ٥٧ ]
شجرة الزقوم : سبق تعريفها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

المهل : دردي الزيت ورديئه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

اعتلوه : احملوه بعنف وسوقوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

السندس والإستبرق : نوعان من الحرير. والكلمتان معربتان عن لغة أعجمية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:جاءت هذه الآيات في أثر الآيات السابقة استمرارا للكلام، أو تعقيبا وتدعيما لبيان مصير كل من الكافرين والمؤمنين يوم الفصل.

١-
فلسوف يكون طعام الكافر الأثيم شجرة الزقوم الكريهة الطعم الذي يشبه طعم عكر الزيت ويغلي في البطون كغلي الماء فوق النار.

٢-
وسيأمر الله عز وجل الموكلين بالعذاب بأخذه وسوقه وإلقائه في وسط النار وصب الماء الشديد الحرارة فوق رأسه والاستهزاء به قائلين له : هذا مقامك أيها العزيز الكريم، أو يا من كنت تزعم لنفسك العزة والكرامة. فذق ثمرة كفرك وغرورك، فهذا تحقيق ما كنت تشك وتماري فيه.

٣-
وسيكون المتقون في مقام الآمن فيحلون في الجنات والعيون، ويلبسون ثياب الحرير ويتكئون على السرر متقابلين، ويتمتعون بكل فاكهة ويتزوجون بالحور العين، وقد وقاهم الله الموت مرة ثانية وكتب لهم الخلود في هذا النعيم وحماهم من عذاب النار وكل ذلك بفضل الله ورحمته، وهذا هو الفوز العظيم.
ووصف مصير الفريقين قوي رائع من شأنه إثارة الخوف في الكفار وبعث الطمأنينة والغبطة في المؤمنين. وهو مما استهدفته الآيات على ما هو المتبادر بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية المنطوية فيها عن المشهد الأخروي.

﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( ٥٨ ) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٨ - ٥٩ ].
جاءت الآيتان معقبتين على وصف مصيري الكفار والمؤمنين. وخاتمتين للسورة والموقف الجدلي الحجاجي معا، وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالله سبحانه إنما جعل القرآن بلسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعل السامعين يتعظون به ؛ لأنه بلغتهم، وإذا لم يتعظوا فلينتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولينتظر الكفار معا أمر الله وقضاءه فهو واقع لا ريب فيه.
وفي هذا إنذار للكفار وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم استهدف به بث الثقة والقوة والأمل في نفسه كما هو المتبادر.
ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآيات [ ٤٨ – ٥٠ ] نزلت في أبي جهل الذي قال في مجال الافتخار حينما أنذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآيات سورة العلق [ ١٥ – ١٦ ] : أيوعدني محمد، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها. وقد روى ابن كثير عن عكرمة صيغة أخرى من هذه الرواية حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له : إن الله تعالى أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى، فنزع ثوبه من يده وقال : ما تستطيع أنت ولا صاحبك من شيء، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم. ومع احتمال أن يكون مثل هذه المحاورة جرت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي جهل وصدر عن أبي جهل هذا القول، فإن الآيات كما يبدو وحدة متماسكة متصلة بما قبلها وما بعدها وعلى سبيل الإنذار والتبشير بمصيري الكفار والمؤمنين بحيث يصح القول : إنها لم تنزل في هذه المناسبة، وكل ما يمكن أن يكون أنها احتوت ردا لاذعا شامتا على اعتداد أبي جهل وأمثاله بأنفسهم وعزتهم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق ذكر شجرة الزقوم ووصفها حديثا عن ابن عباس قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره ). حيث ينطوي في الحديث توضيح ترهيبي إنذاري نبوي مع الترهيب الإنذاري الذي احتوته الآيات.
وفي الآية الأولى دليل جديد يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي نبهنا عليها على أن لغة القرآن كانت مفهومة عند أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره من العرب بل كانت لغتهم التي هي لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
تعليق على السندس والإستبرق
وما قلناه في صدد وسائل النعيم الأخروية في سياق سورة الزخرف وغيرها ينسحب على الوصف الوارد في الآيات. وإن كان من شيء يصح أن يزاد فهو أنه لما كان الإستبرق والسندس كلمتين معربتين عن الفارسية أو الرومية على اختلاف الأقوال، ولما كانت روح الآيات تلهم أن ما يرمزان إليه من نوع النسيج الحريري كان معروفا وممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره فإنه يسوغ القول : إن في ذلك دلالة على ما كان من صلات تجارية وغير تجارية بين أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره وفي الأقطار المجاورة لجزيرة العرب، وعلى اقتباس العرب لكثير من وسائل الحياة التي كان يتمتع بها أهل تلك الأقطار، وهو ما قامت عليه الأدلة الكثيرة القرآنية وغير القرآنية.
ارتقب : معنى اصبر أو انتظر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( ٥٨ ) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ( ٥٩ ) ﴾ [ ٥٨ - ٥٩ ].
جاءت الآيتان معقبتين على وصف مصيري الكفار والمؤمنين. وخاتمتين للسورة والموقف الجدلي الحجاجي معا، وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالله سبحانه إنما جعل القرآن بلسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعل السامعين يتعظون به ؛ لأنه بلغتهم، وإذا لم يتعظوا فلينتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولينتظر الكفار معا أمر الله وقضاءه فهو واقع لا ريب فيه.
وفي هذا إنذار للكفار وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم استهدف به بث الثقة والقوة والأمل في نفسه كما هو المتبادر.
ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآيات [ ٤٨ – ٥٠ ] نزلت في أبي جهل الذي قال في مجال الافتخار حينما أنذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآيات سورة العلق [ ١٥ – ١٦ ] : أيوعدني محمد، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها. وقد روى ابن كثير عن عكرمة صيغة أخرى من هذه الرواية حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له : إن الله تعالى أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى، فنزع ثوبه من يده وقال : ما تستطيع أنت ولا صاحبك من شيء، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم. ومع احتمال أن يكون مثل هذه المحاورة جرت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي جهل وصدر عن أبي جهل هذا القول، فإن الآيات كما يبدو وحدة متماسكة متصلة بما قبلها وما بعدها وعلى سبيل الإنذار والتبشير بمصيري الكفار والمؤمنين بحيث يصح القول : إنها لم تنزل في هذه المناسبة، وكل ما يمكن أن يكون أنها احتوت ردا لاذعا شامتا على اعتداد أبي جهل وأمثاله بأنفسهم وعزتهم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق ذكر شجرة الزقوم ووصفها حديثا عن ابن عباس قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره ). حيث ينطوي في الحديث توضيح ترهيبي إنذاري نبوي مع الترهيب الإنذاري الذي احتوته الآيات.
وفي الآية الأولى دليل جديد يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي نبهنا عليها على أن لغة القرآن كانت مفهومة عند أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره من العرب بل كانت لغتهم التي هي لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
تعليق على السندس والإستبرق
وما قلناه في صدد وسائل النعيم الأخروية في سياق سورة الزخرف وغيرها ينسحب على الوصف الوارد في الآيات. وإن كان من شيء يصح أن يزاد فهو أنه لما كان الإستبرق والسندس كلمتين معربتين عن الفارسية أو الرومية على اختلاف الأقوال، ولما كانت روح الآيات تلهم أن ما يرمزان إليه من نوع النسيج الحريري كان معروفا وممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره فإنه يسوغ القول : إن في ذلك دلالة على ما كان من صلات تجارية وغير تجارية بين أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره وفي الأقطار المجاورة لجزيرة العرب، وعلى اقتباس العرب لكثير من وسائل الحياة التي كان يتمتع بها أهل تلك الأقطار، وهو ما قامت عليه الأدلة الكثيرة القرآنية وغير القرآنية.

Icon