تفسير سورة الذاريات

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

سورة الذاريات مكيةوهي ستون آية. وفي بعض النسخ والذاريات بالواو. قوله: ﴿ وَٱلذَّارِيَاتِ ﴾ الواو للقسم، و ﴿ وَٱلذَّارِيَاتِ ﴾ مقسم به، و ﴿ ٱلْحَامِلاَتِ ﴾ عطف عليه، و ﴿ ٱلْجَارِيَاتِ ﴾ عطف على ﴿ ٱلْحَامِلاَتِ ﴾ و ﴿ ٱلْمُقَسِّمَاتِ ﴾ عطف على ﴿ ٱلْجَارِيَاتِ ﴾ والمقسم عليه هو قوله: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ وإنما أقسم بهذه الأشياء تعظيماً لها، ولكونها دلائل على باهر قدرة الله، ويصح أن يكون الكلام على حذف مضاف، أي ورب هذه الأشياء، فالقسم بالله لا بتلك الأشياء. قوله: (وتذور التراب) أي ففعله واوي من باب عدا، وأشار به إلى أن مفعول ﴿ ٱلذَّارِيَاتِ ﴾ محذوف. قوله: (مصدر) أي مؤكد وناصبه اسم الفاعل. قوله: (ويقال تذريه) أي ففعله يأتي من باب رمى. قوله: (تهب به) راجع لكل من الواوي واليائي. قوله: ﴿ وِقْراً ﴾ الوقر والثقل والحمل كلها ألفاظ متحدة الوزن والمعنى. قوله: (مفعول الحاملات) أي مفعول به للحاملات. قوله: ﴿ أَمْراً ﴾ إما مفعول به أو حال أي مأمورة، وعليه فيحتاد إلى حذف مفعول ﴿ ٱلْمُقَسِّمَاتِ ﴾.
قوله: (الملائكة تقسم الأرزاق) وميكائيل صاحب الرزق، وإسرافيل صاحب الصور، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح، وما مشى عليه المفسر في تفسير هذه الأشياء هو المشهور، وقيل: هذه الأوصاف الأربعة للرياح، لأنها تثير السحاب. قوله: (أي إن وعدهم) صوابه بكاف الخطاب.
قوله: ﴿ لَوَٰقِعٌ ﴾ أي حاصل. قوله: ﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ ﴾ بضمتين في قراءة العامة، وقرئ بوزن إبل وسلك وجبل ونعم وبرق. قوله: (في الخلقة) أشار به إلى أن المراد بها الطرق المحسوسة التي هي مسيرة الكواكب، ويصح أن المراد بها الطرق المعنوية للناظرين الذين يستدلون بها على توحيد الله تعالى. قوله: ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ جواب القسم. قوله: (قيل شاعر) الخ، المناسب أن يقول قلتم. قوله: (عن النبي والقرآن) أي فالضمير عائد على أحدهما، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، أ ي فما من عبد كفر بك إلا لسابق كفره أزلاً، ويصح أن يكون الضمير عائداً على القول المذكور، والمعنى يصرف عن هذا القول المختلق من صرف عنه، وهو من أراد الله هدايته كالمؤمنين. قوله: ﴿ قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ ﴾ هذا التركيب في الأصل، مستعمل في القتل حقيقة، ثم استعمل في اللعن على سبيل الاستعارة، حيث شبه من فاتته السعادة بالمقتول الذي فاتته الحياة، وطوي ذكر المشبه به، ورمز له من لوازمه وهو القتل، فإثباته تخييل. قوله: ﴿ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴾ ﴿ أَيَّانَ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴾ مبتدأ مؤخر. قوله: (أي متى مجيئه) جواب عن سؤال مقدر تقديره: إن الزمان لا يخبر به عن الزمان، وإنما يخبر به عن الحدث. فأجاب: بأن الكلام على حذف مضاف. قوله: (وجوابهم) أي جواب سؤالهم، وإنما أجيبوا بما لا تعيين فيه، لأنهم مستهزئون لا متعلمون. قوله: ﴿ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ عداه بعلى لتضمنه معنى يعرضون. قوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ ﴾ الخ خبره. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ الخ، لما بين حال الكفار، وما أعد لهم في الآخرة، أخذ يبين أحوال المتقين، وما أعد لهم. قوله: (تجري فيها) جواب عما يقال: إن المتقين لم يكوناو في العيون، فكيف قال في جنات وعيون؟ فأجاب: بأن المراد أن العيون تجري في الجنة، وتكون في جهاتهم وأمكنتهم. قوله: (حال من الضمير في خبر إن) أي كائنون في جنات وعيون، حال كونهم آخذين ما آتاهم ربهم، أي راضين به. قوله: (من الثواب) بيان لما.
قوله: ﴿ كَانُواْ قَلِيلاً ﴾ الخ، تفسير للاحسان. قوله: ﴿ وَبِٱلأَسْحَارِ ﴾ متعلق بـ ﴿ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ المعطوف على (يهجعون) والباء بمعنى في و ﴿ ٱلأَسْحَارِ ﴾ جمع سحر وهو سدس الليل الأخير. قوله: (يقول اللهم اغفر لنا) أي تقصيرنا في حقك، فإنه لا يقدرك أحد حق قدرك. قوله: ﴿ وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ ﴾ أي بمقتضى كرمهم، جعلوه كالواجب عليهم، كصلة الأرحام ومواساة الفقراء والمساكين، والمعنى: أنهم بذلوا نفوسهم وأموالهم في طاعة ربهم. قوله: (لتعففه) أي فيظن غنياً فيحرم الصدقة، وهذا على حد تفسير القانع والمعتر. قوله: ﴿ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ ﴾ الخ، الجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ آيَاتٌ ﴾ مبتدأ مؤخر، وقوله: ﴿ وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ ﴾ خبر حذف مبتدؤه لدلالة ما قبله عليه، وهو كلام مستأنف قصد به الاستدلال على قدرته تعالى ووحدانيته، وقد اشتمل دليلين: الأرض والأنفس. قوله: (من الجبال) الخ، بيان للأرض، فالمراد بها ما قابل السماء. قوله: (دلالات على قدرة الله تعالى) الخ، أي وجميع صفاته الكمالية. قوله: (من مبدأ خلقكم إلى منتهاه) أي كالأطوار المذكورة في قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾[المؤمنون: ١٢] إلخ. قوله: (وما في تركيب خلقكم) إلخ، أي كحسن القامة وحسن الشكل ونحو ذلك. قوله: ﴿ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ جملة مستأنفة قصد بها الحث على النظر والتأمل. قوله: ﴿ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ ﴾ كلام آخر قصد به الامتنان والوعد والوعيد. قوله: (أي المطر المسبب عنه النبات) في فالكلام على حذف مضاف، والتقدير وفي السماء سبب رزقكم. قوله: ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ عطف عام على قوله: (أي مكتوب ذلك) أي ﴿ مَا تُوعَدُونَ ﴾ فهو تفسير لظرفية ما توعدون في السماء، وأما ظرفية الرزق فيها فظاهرة، إذا المطر فيها حقيقة، والمعنى: أن جميع ما توعدون به من خير وشر، مكتوب في السماء، تنزل به الملائكة الموكلون بتدبير العالم على طبق ما أمروا به. قوله: ﴿ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الخ، هذا قسم من الله تعالى، على ما ذكره من الرزق وغيره، وأنه مثل النطق في كونه حقاً، لا يفارق الشخص في حال من أحواله. قوله: (أي ما توعدون) أي رزقكم أيضاً. قوله: (برفع مثل صفة) أي لحق. قوله: (وبفتح اللام) أي والقراءتان سبعيتان. قوله: (مركبة مع ما) أي حال كونها مركبة مع ﴿ مَآ ﴾ تركيب مزج ككلما وطالما، فيقال في إعرابها ﴿ مِّثْلَ مَآ ﴾ صفة ﴿ لَحَقٌّ ﴾ مبني على السكون في محل رفع، و ﴿ مِّثْلَ مَآ ﴾ مضاف، وجملة ﴿ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ مضاف إليه في محل جر قوله: (المعنى) أي معنى القراءتين. قوله: (مثل نطقكم في حقيقته) أي فكما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون، ينبغي لكم ألا تشكوا في حقيته. حكي أن رجلاً جاع في مكان، وليس فيه شيء، فقال: اللهم رزقك الذي وعدتني فائتني به، فشبع وروي من غير طعام ولا شراب.
قوله: ﴿ هَلْ أَتَاكَ ﴾ الخ، استفهام تشويق وتفخيم لشأن تلك القصة، وقيل: إن ﴿ هَلْ ﴾ بمعنى قد، كما في قوله تعالى:﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ ﴾[الإنسان: ١].
قوله: ﴿ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الضيف في الأصل مصدر مضاف، ولذلك يطلق على الواحد والجماعة. قوله: ﴿ ٱلْمُكْرَمِينَ ﴾ أي المعظمين. قوله: (مكنهم جبريل) أي على جميع الأقوال. قوله: (ظرف لحديث ضيف) هذا أحد أوجه في عامل الظرف، الثاني: أنه منصوب بما في ﴿ ضَيْفِ ﴾ من معنى الفعل، لكونه في الأصل مصدراً، الثالث: أنه منصوب بالمكرمين، الرابع: منصوب بفعل محذوف تقديره اذكر، ولا يصح نصبه بأتاك لاختلاف الزمانين. قوله: ﴿ فَقَالُواْ سَلاَماً ﴾ أي نسلم عليكم سلاماً، وقوله: ﴿ قَالَ سَلاَمٌ ﴾ أي عليكم سلام، وعدل إلى الرفع قصداً للإثبات، فتحيته أحسن من تحيتهم. قوله: ﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ أي لا نعرف من أي بلدة قدموا، وفي هود﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ ﴾[هود: ٧٠] فمقتضاه أن إنكارهم إنما حصل بعد مجيئه لهم بالعجل، وامتناعهم من الأكل، ومقتضى ما هنا أنه قبل ذلك، وحاصل الجمع بين الموضعين، أن الإنكار هنا غيره فيما تقدم، فما هنا محمول على عدم العلم بأنهم دخلوا عليه لقصد الخير أو الشر. قوله: ﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ ﴾ أي خدمه، وكان عامة ماله البقر. قوله: (سراً) أي في خفية من ضيفه، فإن من دأب رب المنزل الكريم، أن يبادر بالقرى في خفية، حذراً من أن يمنعه الضيف. قوله: ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ عطف على محذوف، والتقدير فشواه. قوله: (عرض عليهم الأكل) أشار بذلك إلى أن ﴿ أَلاَ ﴾ للعرض، وهو الطلب بلين ورفق، كما قال الشاعر: يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما   قد حدثوك فما راء كمن سمعا
قوله: ﴿ فَأَوْجَسَ ﴾ عطف على ما قدره المفسر. قوله: ﴿ خِيفَةً ﴾ أي من عدم أكلهم، فإن الضيف إذا لم يأكل من طعام رب المنزل يخاف منه. قوله: ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾ أي لما ظهر لهم أمارات خوفه. قوله: (إنا رسل ربك) أي إلى قوم لوط، وقيل: مسح جبريل العجل بجناحه، فقام يمشي حتى لحق بأمه، فعرفهم وأمن منهم. قوله: ﴿ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ ﴾ أي لما سمعت البشارة المذكورة، وكانت في زاوية من زوايا البيت، فجاءت وقالت ما ذكر. قوله: (سارة) بالتخفيف والتشديد لغتان. قوله: (صيحة) تفسير لصرة، وتقدم في هود أنها ضحكت أي حاضت، فلم يكن بين البشارة والولادة إلا سنة. قوله: ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ﴾ أي ضربته بيدها مبسوطة أو بأطراف أصابعها مثل المتعجب، وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئاً. قوله: ﴿ وَقَالَتْ عَجُوزٌ ﴾ أي أنا عجوز. قوله: ﴿ قَالُواْ كَذَلِكِ ﴾ منصوب على المصدر بقال الثانية، أي مثل ذلك القول الذي أخبرناك به ﴿ قَالَ رَبُّكِ ﴾ أي قضى وحكم في الأزل، فلا تعجبي منه. قوله: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ﴾ أي لما رأى من حالهم، وأن اجتماعهم لم يكن لهذه البشارة. قوله: ﴿ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً ﴾ استدل به على أن اللائط يرجم بالأحجار، وكان في تلك المدائن ستمائة ألف، فأدخل جبريل جناحه تحت الأرض فاقتلعها ورفعها، حتى سمع أهل السماء أصواتهم، ثم قلبها، ثم أرسل الحجارة على من كان منهم خارجاً عنها. قوله: ﴿ مُّسَوَّمَةً ﴾ إما حال من ﴿ حِجَارَةً ﴾ أو صفة ثانية لها. قوله: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا ﴾ الخ، حكاية من جهته تعالى لما جرى على قوم لوط بطريق الإجمال، بعد حكاية ما جرى بين الملائكة مع إبراهيم. قوله: (أي قرى قوم لوط) أي وهي وإن لم تذكر، دل عليها السياق. قوله: ﴿ غَيْرَ بَيْتٍ ﴾ أي غير أهل بيت. قوله: (وهم لوط وابنتاه) أي وقيل: كانوا ثلاثة عشر منهم ابنتاه. قوله: (وصفوا بالإيمان والإسلام) أي لأن المسلم قد يكون مؤمناً وقد لا يكون. قوله: ﴿ وَتَرَكْنَا ﴾ أي ابقينا في القرى. قوله: (علامة) أي وهي تلك الأحجار والصخر المتراكم والماء الأسود المنتن، يشاهداها من يمر بأرضهم. قوله: (معطوف على فيها) أي على الضمير المجرور بفي. قوله: (المعنى وجعلنا) الخ، أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والمفعول محذوف.
قوله: ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ ﴾ الظرف متعلق بآية المحذوف، والمعنى: تركنا في قصة موسى علامة في وقت إرسالنا إياه. قوله: (ملتبساً) ﴿ بِسُلْطَانٍ ﴾ الخ، أشار بذلك إلى أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، والباء للملابسة. قوله: (بحجة واضحة) أي وهي الآيات التسع. قوله: (كالركن) أي كركن البيت الذي يعتمد عليه، فسمى الجنود ركناً، لأنه يحصل بهم التقوى والاعتماد، كما يعتمد على الركن. قوله: ﴿ وَقَالَ ﴾ (لموسى) أي شأن موسى. قوله: ﴿ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ يحتمل أن ﴿ أَوْ ﴾ على بابها من الإبهام على السامع أو للشك، نزل نفسه منزلة الشك تمويهاً على قومه، ويحتمل أنها بمعنى الواو وهو الأحسن لأنه قالهما، قال تعالى:﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾[الأعراف: ١٠٩، الشعراء: ٣٤] وقال في موضع آخر﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾[الشعراء: ٢٧] قوله: ﴿ وَجُنُودَهُ ﴾ معطوف على مفعول. ﴿ أَخَذْنَاهُ ﴾.
قوله: ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ الجملة حالية من مفعول ﴿ أَخَذْنَاهُ ﴾.
قوله: (آت بما يلام عليه) أشار بذلك إلى أن الفعل الذي يحصل اللوم عليه مختلف باعتبار من وصف به، فاندفع بذلك ما يقال: كيف وصف فرعون بما وصف به ذو النون. قوله: ﴿ وَفِي ﴾ (إهلاك) ﴿ عَادٍ ﴾ الخ، أي فما تقدم من تقدير المضاف، والمفعول يأتي هنا. قوله: (التي لا خير فيها) أي فالعقم في الأصل وصف للمرأة التي لا تلد، وصفت به الريح من حيث إنها لا تأتي بخير. قوله: (وهي الدبور) وقيل هي الجنوب، وقيل هي النكباء، وهي كل ريح هبت بين ريحين، والأظهر ما قاله المفسر لما في الحديث:" نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور "قوله: ﴿ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ ﴾ هذه الجملة في محل المفعول الثاني لتذر، كأنه قال: ما تترك شيئاً إلا مجعولاً كالرميم. قوله: (البالي المتفتت) وقيل: الرميم الرماد، وقيل: التراب المدقوق، والمعاني متقاربة. قوله: ﴿ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ هذا الترتيب في الذكر فقط، وإلا فقول الله لهم ﴿ تَمَتَّعُواْ ﴾ متأخر عن العتو. قوله: ﴿ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ أي المذكور في سورة هود بقوله:﴿ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾[هود: ٦٤] الخ. قوله: (أي الصيحة المهلكة) أي فصاح عليهم جبريل فهلكوا جميعاً، والصاعقة تطلق على النار تنزل من المساء، وعلى الصيحة وهو المراد هنا. قوله: (أي بالنهار) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾ من النظر، وقيل هو من الانتظار، والمعنى ينتظرون ما وعدوه من العذاب. قوله: (على من أهلكهم) المناسب أن يقول: وما كانوا دافعين عن أنفسهم العذاب، إذ لا يتوهم انتصارهم على الله، وإنما يتوهم الفرار منه. قوله: (بالجر عطف على ثمود) هذه أحد أوجه وهو أقربها. قوله: (وبالنصب) أي على أنه معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (وأهلكنا) وفيه أوجه أخر، وهذا أحسنها، وقيل منصوب باذكر مقدراً، والقراءتان سبعيتان، وقرئ شذوذاً بالرفع على أنه مبتدأ، والخبر محذوف أي أهلكناهم.
قوله: ﴿ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا ﴾ قرأ العامة بنصب السماء على الاشتغال، وكذا قوله: ﴿ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا ﴾ وقرئ شذوذاً برفعهما على الابتداء، والخبر ما بعدهما، والأفصح في النحو قراءة العامة، لعطف الفعلية على الفعلية. قوله: ﴿ بِأَييْدٍ ﴾ حال من فاعل ﴿ بَنَيْنَٰهَا ﴾ والمعنى بنيناها حال كوننا ملبسين بقوة وبطش، لا بواسطة شيء، بل بقول كن. قوله: (قادرون) فسر الإبساع بالقادرية، إشارة إلى أن قوله: ﴿ إِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ حال مؤكدة، وهو من أوسع اللازم، كأوراق الشجر إذا صار ذا ورق، ويستعمل متعدياً، والمفعول محذوف أي لموسعون السماء، أي جاعلوها واسعة، وعليه فتكون حالاً مؤسسة، إذا علمت ذلك، تعلم أن النسخ التي فيها لفظة لها بعد موسعون غير صحيحة، لأنها لا تناسب إلا استعماله متعدياً، والمفسر استعمله لازماً حيث قال: (وأوسع الرجل) الخ. قوله: (يقال آد الرجل) أي اشتد وقوي كما في المختار، وبابه باع. قوله: (مهدناها) أي فالفرش كناية عن البسط والتسوية. قوله: (نحن) أي فالمخصوص بالذم محذوف. قوله: (متعلق بقوله) ﴿ خَلَقْنَا ﴾ ويصح أن يكون متعلقاً بمحذوف حال من ﴿ زَوْجَيْنِ ﴾ لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله: (صنفين) أي أمرين متقابلين. قوله: (كالذكر والأنثى) أشار بتعداد الأمثلة إلى ما نشاهده، فلا يرد العرش والكرسي واللوح والقلم، فإنه لم يخلق من كل إلا واحد. قوله: (بحذف إحدى التاءين) أي وهذه إحدى القراءتين السبعيتين، والأخرى ادغام التاء الثانية في الذال.
قوله: ﴿ فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ مفرع على ما علم من توحيد الله، والمعنى: حيث علمتم أن الله واحد لا شريك له، وأنه الضار النافع، المعطي المانع، فالجأوا إليه واهرعوا إلى طاعته، والفرار مراتب، ففرار العامة من الكفر والمعاصي إلى الإيمان والطاعة، وفرار الخاصة من كل شاغل عن الله، كالمال والولد، إلى شهود الله والانهماك في طاعته، فلا يصرف جزءاً من أجزائه لغير الله، فكما أن الله في خلق العبد واحد، فليكن العبد في إقباله على ربه واحداص، بحيث لا يجعل في قلبه غير حب ربه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. قوله: (أي إلى ثوابه من عقابه) الخ، حمله على الفرار العام، لأن أوامر القرآن ونواهيه لعامة الخلق التي من امتثلها فقد زحزح عن النار وأدخل الجنة. قوله: ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ تعليل لما قبله، والضمير في ﴿ مِّنْهُ ﴾ عائد على الله، والمعنى فروا إليه لأني مخوف لكم منه. قوله: ﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ الخ، أشار بذلك إلى أن الطاعة لا تنفع مع الإشراك، ولذا كرر قوله: ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ فالفائز من جمع بين الطاعة والتوحيد، والمعنى لا تنسبوا وصف الألوهية لغير الله، فإنه لا يستحقه غيره. قوله: (يقدر قبل ففروا قل لهم) أي فهو مقول لقول محذوف وليس بمتعين، إذ يصح أن تكون الفاء فصيحة، والتقدير: إذا علمتم ما تقدم من صفات الله الكمالية ﴿ فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ كما تقدم. قوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ خبر مقدم، وقوله: ﴿ مَآ أَتَى ﴾ الخ، مبتدأ مؤخر، والمعنى تكذيب الأمم السابقة لأنبيائهم كائن كذلك، أي كتكذيب أمتك لك كما أفاده المفسر. قوله: ﴿ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ تقدم أن ﴿ أَوْ ﴾ بمعنى الواو، وحكمة جمعهم بين الوصفين، أن خروجه عن عوائدهم وعما عليه آباؤهم، وعدم مبالاته بالجم الغفير، اقتضى تسميته مجنوناً، وإتيانه بالمعجزات التي بهرت عقولهم، اقتضت تسميته ساحراً. قوله: ﴿ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ ﴾ أي أوصى بعضهم بعضاً بهذه المقالة واجتمعوا عليها. قوله: (استفهام بمعنى النفي) أي فهو إنكار تعجبي، والمعنى ما وقع منهم تواص بذلك، لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد. قوله: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ إضراب عن الاستفهام المتقدم، وبيان لحقية الباعث لهم على تلك المقالة. قوله: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي اعرض عن خطابهم وجدالهم. قوله: ﴿ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ أي لا لوم عليك في الإعراض عنهم، فإنك قد بلغت الغاية في النصح وبذل الجهد، ولما نزلت هذه الآية، حزن رسول الله، واشتد الأمر على أصحابه، وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، وجرت عادة الله في الأمم السابقة، متى أمر رسولهم بالإعراض عنهم، حل بهم العذاب فأنزل الله ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ فسروا بذلك، ولذلك قيل إنها ناسخة لما قبلها، ولكن الحق أن ما قبلها منسوخ بآية السيف قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ تعليل لقوله: ﴿ وَذَكِّرْ ﴾ والمعنى لا تترك التذكير، فربما انتفع به من علم الله إيمانه، ويؤخذ من الآية أن البلاء لا ينزل بقوم وفيهم المتذكرون لما ورد: إن الله يكلع على عمار المساجد، فيرفع العذاب عن مستحقيه.
قوله: ﴿ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ أي لا لطلب الدنيا والانهماك فيها. قوله: (ولا ينافي ذلك) أي الحصر المذكور، وهو جواب عن سؤال مقدر حاصله: أن الله تعالى حصر الجن والإنس في العبادة، فمقتضاه أنه لا يخرج أحد عنها، مع أنه شوهد كثير من الخلف كفر وترك العبادة، فأجاب المفسر، بأن اللام للغاية والعاقبة لا للعلة الباعثة، لأن الله لا يبعثه شيء على شيء، وقوله: (فإنك قد لا تكسب به) اعترض بأن هذا مسلم في أفعال المخلوقين، لجهلهم بعواقب الأمور، وأما في حق الله تعالى، فلا يصح النخلف في فعله، بل مقتضاه أنه عالم بأنهم سيعبدونه ولا بد، ولا يمكن تخلفه في البعض، فالجواب الصحيح أن يقال: إن الله تعالى خلق الخلق، وجعلهم مهيئين صالحين للعبادة، بأن ركب فيهم عقلاً وحواس، وجعلهم قابلين للعبادة والطاعة، وبعد ذلك اختار لعبادته وطاعته من أحب منهم، فلا يلزم من الصلاحية للعبادة وقوعها منهم بالفعل، وقيل: معنى ليعبدون لآمرهم وأكلفهم بعبادتي، لا ليهتموا بالرزق وينهمكوا في خدمة الدنيا، وهذا على حد﴿ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾[البينة: ٥] وقيل: معناه إلا ليوحدون فالمؤمن يوحده طوعاً، والكافر يوحده كرهاً، وقيل: إنه عام أريد به الخصوص، والمعنى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ بدليل القراءة الشاذة: وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين. قوله: ﴿ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ﴾ (لي ولا لأنفسهم) دفع المفسر بقوله: (لي) ما يتوهم من عادة سادات العبيد في احتياجهم لمكاسب عبيدهم، فالمعنى: أن عادة الله سبحانه وتعالى، ليست كعادة السادات مع عبيدهم، فإنهم يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشتهم. قوله: ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ إن قلت: إن هذا يغني عنه ما قبله. أجيب: بأنه أتى به لدفع توهم ما عليه سادات العبيد الأغنياء، من احتياجهم للاستعانة بهم في صنع الطعام مثلاً وتهيئته، ونحو ذلك، فكأنه قال: شأن ربنا ليس كشأن السادات مع عبيدهم، فليس محتاجاً لعبيده في تحصيل رزق ولا في صنعه، لا له، ولا لغيره، وهذا من تنزلات الحق سبحانه وتعالى لضعفاء العقول، وإلا فيستحيل على الله عقلاً تلك الأوصاف، ولا ينفي في نفس الأمر إلا ما جوزه العقل. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ﴾ أتى بالاسم الظاهر للتفخيم والتعظيم، وأكد الجملة بإن، والضمير المنفصل، لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوى اعتمادهم عليه. قوله: ﴿ ٱلْمَتِينُ ﴾ العامة على رفعه، وهو إما نعت للرزق، أو لذو، أو خبر بعد خبر، وقرئ شذوذاً بالجر. قوله: (الشديد) أي الذي لا يطرأ عليه ضعف ولا عجز. قوله: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ الخ، أي فلا تحزن على كفر قومك، وتسل عنهم، فلا بد لهم من العذاب. قوله: ﴿ ذَنُوباً ﴾ هو في الأصل الدلو العظيم، شبه به النصيب من العذاب، اشارة إلى أنه يصب عليهم كما يصب الذنوب، قال تعالى﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ ﴾[الحج: ١٩].
قوله: ﴿ أَصْحَابِهِمْ ﴾ أي نظائرهم من الأمم السابقة.
قوله: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وضع الموصول موضع ضميره، تسجيلاً عليهم بالكفر، واشعاراً بعلة الحكم. قوله: (شدة عذاب) وقيل واد في جهنم. قوله: ﴿ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ هو مرتبط بقوله تعالى فيما تقدم﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾[الذاريات: ٥] الخ.- فائدة - قد تلقينا عن الصالحين فوائد في استعمال هذه السورة العظيمة، كلها مجربة، منها: استعمالها إحدى وأربعين مرة على وضوء في مجلس واحد، لتفريج السجن، وقضاء الدين، وتيسير الرزق، والانتصار على الخصم، والأمن من كل هول دنيا وأخرى. واستعمالها ستين مرة عدة آياتها أبلغ في تلك المطالب.
Icon