ﰡ
﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾ [آية: ١]، يعني مختلفاً. أنزله ﴿ قَيِّماً ﴾ مستقيماً.
﴿ لِّيُنْذِرَ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم بما في القرآن.
﴿ بَأْساً ﴾، يعني عذاباً.
﴿ شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ ﴾، يعني من عنده،" فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: " أدعوكم إلى الله عز وجل، وأنذركم بأسه، فإن تتوبوا يكفر عنكم سيئاتكم، ويؤتكم أجوركم مرتين "، فقال كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وحيي بن أخطب، وفنحاص اليهودي، ومن أهل قينقاع: أليس عزير ولد الله، فأدعوه ولداً لله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بالله أن أدعو لله تبارك وتعالى ولداً، ولكن عزير عبد الله داخر "، يعني صاغراً، قالوا: فإنا نجده في كتابنا وحدثتنا به آباؤنا، فاعتزلهم النبي صلى الله عليه وسلم حزيناً، فقال أبو بكر، وعمر، وعثمان بن مظعون، وزيد بن حارثة، رضي الله عنهم، للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يحزنك قولهم وكفرهم، إن الله معنا "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ بثواب ما في القرآن، يعني هؤلاء النفر.
﴿ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ﴾ [آية: ٢]، يعني جزاء كريماً، يعني الجنة.﴿ مَّاكِثِينَ فِيهِ ﴾، يعني الجزاء في الجنة، يقول: مقيمين فيها.
﴿ أَبَداً ﴾ [آية: ٣]، ثم ذكر اليهود، فقال: ﴿ وَيُنْذِرَ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً ﴾ [آية: ٤]، يعنون عزيراً. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ ﴾، لقولهم: نجده في كتابنا، وحدثتنا به آباؤنا، قال الله تعالى: ﴿ كَبُرَتْ ﴾، يعني عظمت.
﴿ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن ﴾، يعني ما ﴿ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ﴾ [آية: ٥]؛ لقولهم: عزير ابن الله عز وجل.
﴿ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ ﴾، يعني قاتلاً نفسك على آثارهم، يعني عليهم أسفاً، يعني حزناً، نظيرها في الشعراء:﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾[الشعراء: ٣]، يقول: قاتل نفسك حزناً، في التقديم.
﴿ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾، يعني لم يصدقوا بالقرآن.
﴿ أَسَفاً ﴾ [آية: ٦].
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ ﴾ من النبت عاماً بعام.
﴿ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ ﴾، يعني لنختبرهم.
﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [آية: ٧].
﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ ﴾ في الآخرة.
﴿ مَا عَلَيْهَا ﴾، يعني ما على الأرض من شىء.
﴿ صَعِيداً ﴾، يعني مستوياً.
﴿ جُرُزاً ﴾ [آية: ٨]، يعني ملساء ليس عليها جبل، ولا نبت، كما خلقت أول مرة.
﴿ وَٱلرَّقِيمِ ﴾، كتاب كتبه رجلان قاضيان صالحان، أحدهما ماتوس، والآخر أسطوس، كانا يكتمان إيمانهما، وكانا في منزل دقيوس الجبار، وهو الملك الذي فر منه الفتية، وكتبا أمر الفتية في لوح من رصاص، ثم جعلاه في تابوت من نحاس، ثم جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف، فقال: لعل الله عز وجل أن يطلع على هؤلاء الفتية؛ ليعلموا إذا قرأوا الكتاب، قال سبحانه: ﴿ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾ [آية: ٩].
يقول سبحانه: أوحينا إليك من أمر الأمم الخالية، وعلمناك من أمر الخلق، وأمر ما كان، وأمر ما يكون قبل أصحاب الكهف، فهو أعجب من أصحاب الكهف، وليس أصحاب الكهف بأعجب مما أوحينا إليك.
﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ ﴾، يعني بالرقيم الكتاب الذي كتبه القاضيان، مثل قوله عز وجل:﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾[المطففين: ٧ - ٩]، يعني كتاب مكتوب.
﴿ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾، يخبره به. وذلك أن أبا جهل قال لقريش: ابعثوا نفراً منكم إلى يهود يثرب، فيسألونهم عن صاحبكم أنبي هو أم كذاب؟ فإنا نرى أن ننصرف عنه، فبثوا خمسة نفر، منهم: النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فلما قدموا المدينة، قالوا لليهود: أتيناكم لأمر حدث فينا لا يزداد إلا نماء، وإنا له كارهون، وقد خفنا أن يفسد علينا ديننا، ويلبس علينا أمرنا، وهو حقير فقير يتيم، يدعو إلى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب، وقد علمتم أنه لم يأمر قط إلا بالفساد والقتال، ويأتيه بذلك زعم جبريل، عليه السلام، وهو عدو لكم، فأخبرونا هل تجدونه في كتابكم. قالوا: نجد نعته كما تقولون، قالوا: إن في قومه من هو أشرف منه، وأكبر سناً، فلا نصدقه، قالوا: نجد قومه أشد الناس عليه، وهذا زمانه الذي يخرج فيه، قالوا: إنما يعلمه الكذاب مسيلمة، فحدثونا بأشياء نسأله عنها لا يعلمها مسيلمة، ولا يعلمها إلا نبي، قالوا: سلوه عن ثلاث خصال، فإن أصابهن فهو نبي، وإلا فهو كذاب، سلوه عن أصحاب الكهف، فقصوا عليهم أمرهم، وسلوه عن ذى القرنين، فإنه كان ملكاً، وكان أمره كذا وكذا، وسلوه عن الروح، فإن أخبركم عنه بقليل أو كثير، فهو كذاب، فقصوا عليهم، فرجعوا بذلك وأعجبهم." فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: يا ابن عبد المطلب، إنا سائلوك عن ثلاث خصال، فإن علمتهن فأنت صادق، وإلا فأنت كاذب، فذر ذكر آلهتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما هن؟ سلوني عما شئتم "، قالوا: نسألك عن أصحاب الكهف، فقد أخبرنا عنهم، ونسأل عن ذي القرنين، فقد أخبرنا عنه بالعجب، ونسألك عن الروح، فقد ذكر لنا من أمره عجباً، فإن علمتهن، فأنت معذور، وإن جهلتهن، فأنت مسحور، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجعوا إليَّ غداً أخبركم "، ولم يستثن، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام. ثم أتاه جبريل، عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، إن القوم سألونى عن ثلاث خصال "، فقال جبريل، عليه السلام: بهن أتيتك "، إن الله عز وجل يقول: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾، ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ﴾، من عندك رحمة، يعني رزقاً.
﴿ وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ﴾ [آية: ١٠]، يعني تيسيراً، فيها تقديم.﴿ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ ﴾، رقوداً.
﴿ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ﴾ [آية: ١١]، يعني ثلاثمائة سنة وتسع سنين.﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ﴾، من بعد نومهم.
﴿ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾، يعني لنرى مؤمنهم ومشركهم.
﴿ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ ﴾ في رقودهم.
﴿ أمْداً ﴾ [آية: ١٢]، يعني أجلاً، فكان مؤمنوهم الذين كتبوا أمر الفتية هم أعلم بما لبثوا من كفارهم، فلما بعثوا، يعني الفتية من نومهم، أتوا القرية، فأسلم أهل القرية كلهم.
﴿ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [آية: ١٣]، حين فارقوا قومهم.﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ بالإيمان.
﴿ إِذْ قَامُواْ ﴾، على أرجلهم قياماً.
﴿ فَقَالُواْ رَبُّنَا ﴾ هو ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ ﴾، يعني لن نعبد ﴿ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً ﴾، يعني رباً غير الله عز وجل، كفعل قومنا، ولئن فعلنا.
﴿ لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً ﴾ على الله ﴿ شَطَطاً ﴾ [آية: ١٤]، يعني جوراً، نظيرها في ص:﴿ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ ﴾[ص: ٢٢]، وفي سورة الجن:﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً ﴾[الجن: ٤].
ثم قال سبحانه: ﴿ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾، يعبدونها.
﴿ لَّوْلاَ ﴾، يعني هلا.
﴿ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ﴾، يعني على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة.
﴿ فَمَنْ ﴾، يعني فلا أحد.
﴿ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ [آية: ١٥]، بأن معه آلهة. ثم قال الفتية بعضهم لبعض.
﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾، من دون الله من الآلهة، ثم استثنوا، فقالوا: ﴿ إَلاَّ ٱللَّهَ ﴾، فلا تعتزلوا معرفته، لأنهم عرفوا أن الله تعالى ربهم، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها، ثم قال بعضهم لبعض.
﴿ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ ﴾، يعني انتهوا إلى الكهف، كقوله سبحانه:﴿ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ ﴾[الكهف: ٦٣].
﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ ﴾، يعني يبسط لكم.
﴿ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ رزقاً.
﴿ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ﴾ [آية: ١٦]، يعني ما يرفق بكم، فهيأ الله لكم الرقود في الغار، فكان هذا من قول الفتية. يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ﴾، يعني تميل عن كهفهم فتدعهم.
﴿ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت ﴾ الشمس.
﴿ تَّقْرِضُهُمْ ﴾، يعني تدعهم ﴿ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾، يعني في زاوية من الكهف.
﴿ ذٰلِكَ ﴾، يعني هذا الذي ذكر من أمر الفتية.
﴿ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني من علامات الله وصنعه.
﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ لدينه.
﴿ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ ﴾، عن دينه الإسلام.
﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً ﴾، يعني صاحباً.
﴿ مُّرْشِداً ﴾ [آية: ١٧]، يعني يرشده إلى الهدى؛ لأن وليه مثله في الضلالة.﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً ﴾، حين يقلبون، وأعينهم مفتحة. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل، عن الضحاك: كان يقلبهم جبريل، عليه السلام، كل عام مرتين؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم.
﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾، يعني نيام.
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ﴾، على جنوبهم، وهم رقود لا يشعرون.
﴿ وَكَلْبُهُمْ ﴾، اسمه: قمطير.
﴿ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ ﴾، يعني الفضاء الذي على باب الكهف، وكان الكلب لمكسلمينا، وكان راعي غنم، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف؛ ليحرسهم، وأنام الله عز وجل الكلب في تلك السنين، كما أنام الفتية، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾ [آية: ١٨].
﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾، يعني وهكذا.
﴿ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ من نومهم فقاموا.
﴿ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ فـ ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ ﴾، وهومكسلمينا، وهو أكبرهم سناً.
﴿ كَم لَبِثْتُمْ ﴾ رقوداً.
﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً ﴾، وكانوا دخلوا الغار غدوة، وبعثوا من آخر النهار، فمن ثم قالوا: ﴿ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ ﴾، يعني الأكبر، وهو مكسلمينا وحده.
﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ في رقودكم منكم، فردوا العلم إلى الله عز وجل، ثم قال مكسلمينا: ﴿ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ ﴾، يعني الدراهم.
﴿ هَـٰذِهِ ﴾ التى معكم.
﴿ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ ﴾، فبعثوا يمليخا.
﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً ﴾، يعني أطيب طعاماً.
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾، يعني وليترفق حتى لا يفطن له.
﴿ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾ [آية: ١٩]، يعني ولا يعلمن بمكانكم أحداً من الناس.﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ يعني يقتلوكم.
﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ﴾، يعني في دينهم الكفر.
﴿ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً ﴾ [آية: ٢٠]، كان هذا من قول مكسلمينا، يقوله للفتية، فلما ذهب يمليخا إلى القرية، أنكروا دراهم دقيوس الجبار، الذى فر منه الفتية، فلما رأوا ذلك، قالوا: هذا رجل كنزاً، فلما خاف أن يعذب، أخبرهم بأمرالفتية، فانطلقوا معه إلى الكهف، فلما انتهى يمليخا إلى الكهف ودخل، سد الله عز وجل باب الكهف عليهم، فلم يخلص إليهم أحد.﴿ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا ﴾، يقول: وهكذا أطلعنا.
﴿ عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ ﴾، يعني ليعلم كفارهم ومكذبوهم بالبعث إذا نظروا إليهم.
﴿ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ في البعث أنه كائن.
﴿ وَ ﴾ ليعلموا ﴿ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾ آيتة، يعني قائمة.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾، يعني لا شك فيها، في القيامة بأنها كائنة.
﴿ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ﴾، يعني إذ يخلفون في القول في أمرهم، فكان التنازع بينهم أن قالوا: كيف نصنع بالفتية؟ قال بعضهم: نبني عليهم بنياناً، وقال بعضهم، وهم المؤمنون: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً ﴾ [آية: ٢١]، فبنوا مسجداً على باب الكهف.﴿ سَيَقُولُونَ ﴾، يعني نصارى نجران: الفتية ﴿ ثَلاثَةٌ ﴾ نفر.
﴿ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾، يقول الله عز وجل: ﴿ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ ﴾، يعني قذفاً بالظن لا يستيقنونه.
﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾، وإنما صاروا بالواو واو؛ لأنه انقطع الكلام، وقال أبو العباس ثعلب: ألفوا هذه الواو الحال، كان المعنى: هذه حالهم عند ذكر الكلب، هذا قول نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من المار يعقوبيين، وهم حزب النصارى.
﴿ قُل ﴾ للنصارى: ﴿ رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ من غيره.
﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ ﴾، يعني عدتهم، ثم استثنى: ﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾، قل: ما يعلم عدة الفتية إلا قليل من النسطورية، وهم حزب من النصارى، وأما الذين غلبوا على أمرهم، فهم المؤمنون الذين كانوا يقولون: ابنوا عليهم بنياناً بنداسيس الصلح ومن معه.
﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾، يعني لا تمار يا محمد النصارى في أمر الفيتة.
﴿ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً ﴾، يعني حقاً بما في القرآن، يقول سبحانه: حسبك بما قصصنا عليك من أمرهم.
﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً ﴾ [آية: ٢٢]، يقول: ولا تسأل عن أمر الفتية أحداً من النصارى.﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً ﴾ [آية: ٢٣].
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾، وذلك حين سأل أبو جهل وأصحابه عن أصحاب الكهف، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:" ارجعوا إلىَّ غداً حتى أخبركم "، ولم يستثن، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ ﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾، يقول: إذا ذكرت الاستثناء فاستثن، يقول الله: قل: إن شاء الله قبل أن ينزل الوحى إليك في أصحاب الكهف.
﴿ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً ﴾ [آية: ٢٤]،" لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: " ارجعوا إليَّ غداً حتى أخبركم عما سألتم "، فقال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: وقل لهم عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد رشداً. "
﴿ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً ﴾ [آية: ٢٥]، فيها تقديم، لا تتغير ألوانهم، ولا أشعارهم، ولا ثيابهم.﴿ قُلِ ﴾ لنصارى نجران يا محمد.
﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ﴾ في رقودهم.
﴿ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعني ما يكون في السموات والأرض.
﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾، يقول: لا أحد أبصر من الله عز وجل بما لبثوا في رقودهم، ولا أحد أسمع.
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ ﴾، يعني قريباً ينفعهم.
﴿ وَلاَ يُشْرِكُ ﴾ الله ﴿ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ [آية: ٢٦].
﴿ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ [آية: ٢٧]، يعني مدخلاً، يقول: لا تقل في أصحاب الكهف إلا ما قد قيل لك، فإن فعلت فإنك لن تجد من دون الله عز وجل ملجأ تلجأ إليه ليمنعك منا.﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾، يعني يعبدون ربهم، يعني بالصلاة له.
﴿ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ ﴾، طرفى النهار.
﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾، يعني يبتغون بصلاتهم وصومهم وجه ربهم.
﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، نزلت في عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزارى، وذلك أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الموالي وفقراء العرب، منهم: بلال بن رباح المؤذن، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان، وخباب بن الأرت، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب، وهو أول شهيد قتل يوم بدر، رضي الله عنهم، وأيمن ابن أم أيمن، ومن العرب أبو هريرة الدوسي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وغيرهم، وكان على بعضهم شملة قد عرق فيها. فقال عيينة بن حصن للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لنا شرفاً وحسباً، فإذا دخلنا عليك فاعرف لنا ذلك، فأخرج هذا وضرباءه عنا، فوالله إن ليؤذينا ريحه، يعني جبته آنفاً، فإذا خرجنا من عندك فأذن لهم إن بدا لك أن يدخلوا عليك، فاجعل لنا مجلساً ولهم مجلس، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾، يعني وآثر هواه.
﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ ﴾ الذي يذكر من شرفه وحسبه.
﴿ فُرُطاً ﴾ [آية: ٢٨]، يعني ضائعاً في القيامة، مثل قوله:﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾[الأنعام: ٣٨]، يعني ما ضيعنا.﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني القرآن.
﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾، هذا وعيد، نظيرها في حم السجدة،﴿ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[فصلت: ٤٠]، يعني من شاء فليصدق بالقرآن، ومن شاء فليكفر بما فيه، ثم ذكر مصير الكافر والمؤمن، فقال: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾، وذلك أنه يخرج عنق من النار فيحيط بهم، فذلك السرادق، ثم قال سبحانه: ﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ ﴾، يقول: أسود غليظ كدردي الزيت.
﴿ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ ﴾، وذلك أنه إذا دنا من فيه، اشتوى وجهه من شدة حر الشراب، ثم قال سبحانه: ﴿ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ [آية: ٢٩]، يقول: وبئس المنزل.
﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ﴾، وأساور من لؤلؤ.
﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾، يعني الديباج بلغة فارس.
﴿ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا ﴾، في الجنة.
﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾، يعني الحجال مضروبة على السرر.
﴿ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ ﴾ الجنة، يثني عليها عمل الأبرار.
﴿ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ [آية: ٣١]، فيها تقديم، يقول: إنا لا نضيع عمل الأبرار، لا نضيع جزاء من أحسن عملاً.
﴿ مَّثَلاً ﴾، يعني شبهاً.
﴿ رَّجُلَيْنِ ﴾، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا، والآخر كافر، واسمه فرطس، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين، وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان، والبساتين، فذلك قوله سبحانه: ﴿ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا ﴾، يعني الكافر.
﴿ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً ﴾ [آية: ٣٢].
﴿ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَ ﴾، يعني أعطت ثمراتها كلها.
﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئاً ﴾، يعني ولم تنقص من الثمر شيئاً، يعني جمله وافراً، نظيرها في البقرة:﴿ وَمَا ظَلَمُونَا ﴾[البقرة: ٥٧]، يعني وما نقصونا.
﴿ وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً ﴾ [آية: ٣٣]، يعني أجرينا النهر وسط الجنتين.﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾، يقول: وكان للكافر مال من الذهب والفضة، وغيرها من أصناف الأموال، فلما افتقر المؤمن، أتى أخاه الكافر متعرضاً لمعروفه، فقال له المؤمن: إني أخوك، وهو ضامر البطن، رث الثياب، والكفر ظاهر الدم، غليظ الرقبة، جيد المركب والكسوة، فقال الكافر للمؤمن: إن كنت كما تزعم أنك أخي، فأين مالك الذي ورثت من أبيك؟ قال: أقرضته إلهي الملي الوفي، فقدمته لنفسي ولولدي، فقال: وإنك لتصدق أن الله يرد دين العباد، هيهات هيهات، ضيعت نفسك، وأهلكت مالك، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَقَالَ ﴾ الكافر ﴿ لَصَاحِبِهِ ﴾، وهو المؤمن.
﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾، يعني يراجعه، يقول: ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ [آية: ٣٤]، يعني وأكثر ولداً.﴿ وَدَخَلَ ﴾ الكافر ﴿ جَنَّتَهُ ﴾، وهو بستانه.
﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ ﴾، يعني ما أحسب.
﴿ أَن تَبِيدَ ﴾، يعني أن تهلك.
﴿ هَـٰذِهِ ﴾ الجنة ﴿ أَبَداً ﴾ [آية: ٣٥].
قال: ﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾، يعني القيامة كائنة كما تقول.
﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي ﴾ في الآخرة.
﴿ لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا ﴾، يعني أفضل منها، من جنتي.
﴿ مُنْقَلَباً ﴾ [آية: ٣٦]، يعني مرجعاً. فرد عليه.
﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ ﴾ المؤمن.
﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾، يعني يراجعه: ﴿ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ﴾، يعني آدم، عليه السلام؛ لأن أول خلقه التراب، ثم قال: ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ ﴾، يعني خلقك فجعلك ﴿ رَجُلاً ﴾ [آية: ٣٧].
﴿ لَّكِنّاْ ﴾ أقول: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ [آية: ٣٨].
ثم قال المؤمن للكافر.
﴿ وَلَوْلاۤ ﴾، يعني هلا.
﴿ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ﴾، يعني بستانك.
﴿ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ ﴾، يعني فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حول منى ولا قوة، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه: ﴿ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾ [آية: ٣٩].
﴿ فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً ﴾، يعني أفضل.
﴿ مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا ﴾، يعني على جنتك.
﴿ حُسْبَاناً ﴾، يعني عذاباً.
﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ ﴾ جنتك.
﴿ صَعِيداً ﴾، يعني مستوياً ليس فيه شيء.
﴿ زَلَقاً ﴾ [آية: ٤٠]، عيني أملساً.﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً ﴾، يعني يغور في الأرض فيذهب.
﴿ فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً ﴾ [آية: ٤١]، يقول: فلن تقدر على الماء، ثم افترقا، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل عذاباً من السماء، فاحترقت، وغار ماؤها بقوله: و ﴿ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً ﴾.
﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾.
﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ الهلاك، فلما أصبح ورأى جنته هالكة، ضرب بكفه على الأخرى، ندامة على ما أنفق فيها، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾، يعني يصفق بكفيه ندامة.
﴿ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾، يقول: ساقطة من فوقها.
﴿ وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ [آية: ٤٢].
يقول الله تعالى: ﴿ وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعني جنداً يمنعونه من عذاب الله الذي نزل بجنته.
﴿ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً ﴾ [آية: ٤٣]، يعني ممتنعاً.﴿ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ ﴾، يعني السلطان، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره، مثل قوله عز وجل:﴿ وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾[الأنفطار: ١٩]، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز وجل، والأمر أيضاً في الدنيا، لكن جعل في الدنيا ملوكاً يأمرون، ومن قرأها بفتح الواو، جعلها من الموالاة.
﴿ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّه ﴾، يعني البعث الذي كفر به فرطس.
﴿ لِلَّه ٱلْحَقِّ ﴾ وحده، لا يملكه أحد، ولا ينازعه أحد.
﴿ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً ﴾، يعني أفضل ثواباً.
﴿ وَخَيْرٌ عُقْباً ﴾ [آية: ٤٤]، يعني أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي جعل مرجعه إلى النار.
﴿ مَّثَلَ ﴾، يعني شبه.
﴿ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ ﴾، يعني بالماء.
﴿ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ ﴾ النبت ﴿ هَشِيماً ﴾، يعني يابساً.
﴿ تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ ﴾، يقول سبحانه: مثل الدنيا، كمثل النبت، بينما هو أخضر، إذ هو قد يبس وهلك، فكذلك تهلك الدنيا إذا جاءت الآخرة.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البعث وغيره.
﴿ مُّقْتَدِراً ﴾ [آية: ٤٥].
﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، يعني حسنها.
﴿ وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ ﴾، يعنى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
﴿ خَيْرٌ ﴾، يعني أفضل.
﴿ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً ﴾ في الآخرة.
﴿ وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ [آية: ٤٦]، يعني وأفضل رجاء مما يرجو الكافر، فإن ثواب الكافر من الدنيا النار، ومرجعهم إليها. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن علقمة بن مرثد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر "﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ ﴾ من أماكنها.
﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ من الجبال والبناء والشجر وغيره.
﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ [آية: ٤٧]، فلم يبق منهم أحد إلا حشرناه.﴿ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً ﴾، يعني جميعاً، نظيرها في طه:﴿ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً ﴾[طه: ٦٤]، يعني جميعاً.
﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ﴾ فرادى ليس معكم من دنياكم شىء.
﴿ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، حين ولدوا وليس لهم شيء.
﴿ بَلْ زَعَمْتُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ أَن لَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً ﴾ [آية: ٤٨]، يعني ميقاتاً في الآخرة تبعثون فيه.﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾، بما كانوا عملوا في الدنيا بأيديهم.
﴿ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ﴾، من المعاصي.
﴿ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا ﴾، دعوا بالويل.
﴿ مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ ﴾، يعني لا يبقي سيئة.
﴿ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾، يعني إلا أحصى الكتاب السيئات.
﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ ﴾، يعني تعجل له عمله كله.
﴿ حَاضِراً ﴾، لا يغادر منه شيئاً.
﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [آية: ٤٩] في عمله الذي عمل حتى يجزيه به.
﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾، يعني فعصى تكبراً عن أمر ربه حين أمره بالسجود لآدم، قال الله عز وجل: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ ﴾، يعني إبليس.
﴿ وَذُرِّيَّتَهُ ﴾، يعني الشياطين.
﴿ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي ﴾، يعني آلهة من دوني.
﴿ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾، يعني إبليس والشياطين لكم معشر بني آدم عدو.
﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ ﴾، يعني المشركين.
﴿ بَدَلاً ﴾ [آية: ٥٠]، يقول: بئس ما استبدلوا بعبادة الله عز وجل، عبادة إبليس، فبئس البدل هذا.﴿ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ ﴾، يعني ما أحضرتهم.
﴿ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ﴾، يعني إبليس وذريته، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ ﴾ [آية: ٥١]، الذين أضلوا بني آدم وذريته.
﴿ عَضُداً ﴾، يعني عزاً وعوناً فيما خلقت من خلق السموات والأرض ومن خلقهم.
﴿ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ﴾، سلوا الآلهة.
﴿ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ ﴾ أنهم معي شركاء، أهم آلهة.
﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ ﴾، يقول: فسألوهم، فلم يجيبوهم بأنها آلهة.
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم ﴾ وبين شركائهم.
﴿ مَّوْبِقاً ﴾ [آية: ٢٥]، يعني وادياً عميقاً في جهنم.﴿ وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾، يعني فعلموا أنهم مواقعوها، يعني داخلوها، نظيرها في براءة:﴿ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ﴾[التوبة: ١١٨]، يعني وعلموا.
﴿ وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾ [آية: ٥٣]، يقول: ولم يقدر أحد من الآلهة أن يصرف النار عنهم.﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾، يعني لوناً، يعني وصفنا.
﴿ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾، من كل شبه في أمور شتى.
﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ ﴾، يعني المستهزئين والمطعمين في غزاة بدر.
﴿ أَن يُؤْمِنُوۤاْ ﴾، يعني أن يصدقوا بالقرآن.
﴿ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾، يعني البيان، وهو القرآن، وهو هدى من الضلالة.
﴿ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ ﴾ من الشرك.
﴿ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾، يعني أن ينزل بهم مثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا، فنزل ذلك بهم في الدنيا ببدر من القتل، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، ثم قال سبحانه: ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً ﴾ [آية: ٥٥]، يعني عياناً.﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ ﴾ بالجنة.
﴿ وَمُنذِرِينَ ﴾ من النار؛ لقول كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم في بني إسرائيل:﴿ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً ﴾[الإسراء: ٩٤].
﴿ وَيُجَادِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة.
﴿ بِٱلْبَاطِلِ ﴾، وجدالهم بالباطل قولهم للرسل: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما أنتم برسل الله.
﴿ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ ﴾، يعني ليبطلوا بقولهم الحق الذي جاءت به الرسل، عليهم السلام، ومثله قوله سبحانه في حم المؤمن،﴿ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ ﴾[غافر: ٥]، يعني ليبطلوا به الحق.
﴿ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً ﴾ [آية: ٥٦]، يعني آيات القرآن وما أنذروا فيه من الوعيد استهزاء منهم، أنه ليس من الله عز وجل، يعني القرآن والوعيد ليسا بشيء.
﴿ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾، يعني ترك ما سلف من ذنوبه، فلم يستغفر منها من الشرك.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾، يعني الغطاء على القلوب.
﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾؛ لئلا يسمعوا القرآن.
﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً ﴾ [آية: ٥٧] من أجل الأكنّة والوقر، يعني كفار مكة.﴿ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ﴾، يعني إذا تجاوز عنهم في تأخير العذاب عنهم.
﴿ ذُو ٱلرَّحْمَةِ ﴾ يعني ذا النعمة حين لا يعجل بالعقوبة.
﴿ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ ﴾ من الذنوب.
﴿ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ ﴾ في الدينا.
﴿ بَل ﴾ العذاب ﴿ لَّهُم مَّوْعِدٌ ﴾، يعني ميقاتاً يعذبون فيه.
﴿ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ ﴾ [آية: ٨٥]، يعني ملجأ يلجئون إليه.﴿ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ بالعذاب في الدنيا، يعني أشركوا.
﴿ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم ﴾ بالعذاب.
﴿ مَّوْعِداً ﴾ [آية: ٥٩]، يعني ميقاتاً، وهكذا وقت هلاك كفار مكة ببدر.
﴿ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾، يقال لأحدهما: الرش، وللآخر: الكر، فيجتمعان فيصيران نهراً واحداً، ثم يقع في البحر من وراء أذربيجان.
﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾ [آية: ٦٠]، يعني دهراً، ويقال: الحقب ثمانون سنة.﴿ فَلَمَّا بَلَغَا ﴾، يعني موسى ويوشع بن نون.
﴿ مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾ بين البحرين.
﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾، وذلك أن موسى، عليه السلام، لما علم ما في التوراة، وفيها تفصيل كل شىء، قال له رجل من بني إسرائيل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، ما بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إليه: أن رجلاً من عبادي يسكن جزائر البحر، يقال له: الخضر، هو أعلم منك، قال: فيكف لي به؟ قال جبريل، عليه السلام: احمل معك سمكة مالحة، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك. فسار موسى ويوشع بن نون، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر، فأوى إلى الصخرة قليلاً والصخرة بأرض تسمى: مروان، على ساحل بحر أيلة، وعندها عين تسمى: عين الحياة، فباتا عندنا تلك الليلة، وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة، فأصابها الماء فعاشت، ونام موسى، فوقعت السمكة في البحر، فجعل لا يمس صفحتها شىء من الماء إلا انفلق عنه، فقام الماء من كل جانب، وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً ﴾ [آية: ١٦]، يعني الحوت اتخذ سبيله، يعني طريقه في البحر سرباً، يقول: كهيئة فم القربة. فلما أصبحا ومشيا، نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى، عليه السلام، بالحوت حتى أصبحا وجاعا.
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ ﴾ موسى ﴿ لِفَتَاهُ ﴾، ليوشع: ﴿ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً ﴾ [آية: ٦٢]، يعني مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه:﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾[ص: ٤١]، يعني مشقة.﴿ قَالَ ﴾ يوشع لموسى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ ﴾، يعني انتهينا إلى الصخرة، وهي في الماء.
﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ ﴾، أن أذكر لك أمره.
﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ ﴾، يعني موسى، عليه السلام، طريقه ﴿ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً ﴾ [آية: ٦٣]، فعجب موسى من أمر الحوت. فلما أخبر يوشع موسى، عليه السلام، بأمر الحوت.
﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾ [آية: ٦٤]، يقول: فرجعا يقصان آثارهما، كقوله سبحانه في القصص:﴿ قُصِّيهِ ﴾[القصص: ١١]، يعني اتبعي أثره، فأخذا، يعني موسى ويوشع، في البحر في أثر الحوت، حتى لقيا الخضر، عليه السلام، في جزيرة في البحر. فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ ﴾، قائماً يصلي.
﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾، يقول: أعطيناه النعمة، وهي النبوة.
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ﴾ [آية: ٦٥]، يقول: من عندنا علماً، وعلى الخضر، عليه السالم، جبة صوف، واسمه: اليسع، وإنما سمى اليسع؛ لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين، فأتاه موسى ويوشع من خلفه، فسلما عليه، فأنكر الخضر السلام بأرضه وانصرف، فرأى موسى فعرفه، فقال: وعليك السلام يا نبي إسرائيل، فقال موسى: وما يدريك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أدراني الذي أرشدك إليَّ وأدراك بي.﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ﴾ [آية: ٦٦]، يعني علماً، قال الخضر عليه السلام: كفى بالتوراة علماً، وببنى إسرائيل شغلاً، فأعاد موسى الكلام. فـ ﴿ قَالَ ﴾ الخضر: ﴿ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ [آية: ٦٧]، قال موسى: ولم؟ قال: لأني أعمل أعمالاً لا تعرفها، ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه.﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾ [آية: ٦٨]، يعني علماً.﴿ قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً ﴾، قال مقاتل: فلم يصبر مولى، ولم يأثم بقوله: ﴿ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً ﴾، على ما رأى من العجائب، فلا أسألك عنها.
﴿ وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً ﴾ [آية: ٦٩] فيما أمرتني به، أو نهتنى عنه.﴿ قَالَ ﴾ الخضر، عليه السلام.
﴿ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ [آية: ٧٠]، يقول: حتى أبين لك بيانه.﴿ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾، فمرت سفينة فيها ناس، فقال الخضر: يا أهل السفينة، احملونا معكم في بحر أيلة، قال بعضهم: إن هؤلاء لصوص، فلا تحملوهم معنا، قال صاحب السفينة: أرى وجوه أنبياء، وما هم بلصوص، فحملهم بأجر، فعمد الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها، فدخل الماء فيها، فعمد موسى، فأخذ ثياباً فدسها في خرق السفينة، فلم يدخل الماء، وكان موسى، عليه السلام، ينكر الظلم، فقام موسى إلى الخضر، عليهما السلام، فأخذ بلحيته، و ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ [آية: ٧١]، يعني لقد أتيت أمراً منكراً، فالتزمه الخضر، وذكره الصحبة، وناشده بالله، وركب الخضر على الخرق؛ لئلا يدخلها الماء.﴿ قَالَ ﴾ له الخضر.
﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ [آية: ٧٢]، على ما ترى من العجائب، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذى أعطيته من نفسك.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي ﴾، يعني تغشيني.
﴿ مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾ [آية: ٧٣]، يعني من قولي عسراً، ثم قعد موسى مهموماً يقول في نفسه: لقد كنت غنياً عن اتباع هذا الرجل، وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله عز وجل غدوة وعشياً، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه، وجاء طير يدور، يرون أنه خطاف، حتى وقع على ساحل البحر، فنكث بمنقاره في البحر، ثم وقع على صدر السفينة، ثم صوت، فقال الخضر لموسى: أتدرك ما يقول هذا الطائر؟ قال موسى: لا أدري، قال الخضر، يقول: ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر في قدر البحر.
﴿ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً ﴾ سداسياً.
﴿ فَقَتَلَهُ ﴾ الخضر بحجر أسود، واسم الغلام: حسين بن كازرى، واسم أمه: سهوى، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره، فـ ﴿ قَالَ ﴾ للخضر: ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ﴾، يعني لا ذنب لها، ولم يجب عليها القتل.
﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ﴾ [آية: ٧٤]، يقول أتيت أمراً فظيعاً، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك.﴿ قَالَ ﴾ الخضر لموسى، عليهما السلام.
﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ [آية: ٧٥]، وإنما قال: ﴿ { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ ﴾؛ لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله: ﴿ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾، على ما ترى من العجائب.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا ﴾، يعني بعد قتل النفس.
﴿ فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً ﴾ [آية: ٧٦]، يقول: لقد أبلغت في العذر إليَّ.﴿ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا ﴾ الطعام، تسمى القرية: باجروان، ويقال: أنطاكية. قال مقاتل: قال قتادة: هي القرية.
﴿ فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا ﴾، يعني أن يطعموهما.
﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ﴾، كانوا بلوا الطين.
﴿ فَأَقَامَهُ ﴾ الخضر جديداً فسواه.
﴿ قَالَ ﴾ موسى: عمدت إلى قوم لا يطعمونا ولم يضيفونا، فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر، يعني بغير طعام ولا شيء.
﴿ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ [آية: ٧٧]، أي لو شئت أعطيت عليه شيئاً.﴿ قَالَ ﴾ الخضر: ﴿ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ﴾، يعني بعاقبة.
﴿ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ [آية: ٧٨]، كقوله سبحانه:﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾[الأعراف: ٥٣]، يعني عاقبته. ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام.
﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾، يعني أن أخرقها.
﴿ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ ﴾، يعني أمامهم، كقوله سبحانه:﴿ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾[الإنسان: ٢٧]، واسم الملك: مبدلة بن جلندي الأزدي.
﴿ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ ﴾ صالحة صحيحة سوية.
﴿ غَصْباً ﴾ [آية: ٧٩]، كقوله سبحانه:﴿ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً ﴾[الأعراف: ١٩٠] يعني سوياً، يعني غصباً من أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلماً، وهم لا يضرهم خرقها.﴿ وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾، وكان الغلام كافراً، يقطع الطريق، ويحدث الحديث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه، ويحلفان بالله ما فعله، وهم يحسبون أنه بريء من الشر، قال الخضر: ﴿ فَخَشِينَآ ﴾، يعني فعلمنا، كقوله سبحانه:﴿ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً ﴾[النساء: ١٢٨]، يعني علمت، وكقوله تعالى:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ ﴾[النساء: ٣٥]، يعني علمتم.
﴿ أَن يُرْهِقَهُمَا ﴾، يعني يغشيهما.
﴿ طُغْيَاناً ﴾، يعني ظلماً.
﴿ وَكُفْراً ﴾ [آية: ٨٠]، وفي قراءة أبي بن كعب: فخاف ربك، يعني فعلم ربك.﴿ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ﴾، يعني لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمي الغلام غلاماً، ما لم تسو لحيته، فأردنا أن يبدلهما ربهما، يعني يبدل والديه.
﴿ خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً ﴾، يعني عملاً.
﴿ وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾ [آية: ٨١]، يعني وأحسن منه براً بوالده، وكان في شرف وعده، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله عز وجل أبدلهما غلاماً مكان المقتول، ولو عاش المقتول لهلكا في سببه "﴿ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾، يعني في قرية تسمى: باجروان، ويقال: هي أنطاكية.
﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ﴾، حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن مقاتل، عن الضحاك ومجاهد، قال: صحفاً فيها العلم، ويقال: المال.
﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾، يعني ذا أمانة، اسم الأب: كاشح، واسم الأم: دهنا، واسم أحد الغلامين، أصرم، والآخر: صريم.
﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾، والأشد ثمانى عشرة سنة.
﴿ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾، يقول: نعمة من ربك للغلامين.
﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ ﴾، وما فعلت هذا.
﴿ عَنْ أَمْرِي ﴾، ولكن الله أمرني به.
﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ ﴾، يعني عاقبة.
﴿ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ [آية: ٨٢]، يعني هذا عاقبة ما رأيت من العجائب، نظيرها:﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾[الأعراف: ٣٥]، يعني عاقبة ما ذكر الله تعالى في القرآن من الوعيد.
﴿ ذِكْراً ﴾ [آية: ٨٣]، يعني علماً.﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾ [آية: ٨٤]، يعني علم أسباب منازل الأرض وطرقها.
﴿ فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ [آية: ٨٥].
﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾، يعني حارة سوداء، قال ابن عباس: إذا طلعت الشمس أشد حراً منها إذا غربت.
﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ ﴾، أوحى الله عز وجل إليه، جاءه جبريل، عليه السلام، فخبره: قلنا: فقال: ﴿ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ [آية: ٨٦]، يقول: وإما أن تعفو عنهم، كل هذا مما أمره الله عز وجل به وخيره.
﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ﴾ في الآخرة بالنار.
﴿ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ [آية: ٨٧]، يعني فظيعاً.﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ ﴾، يعني صدق بتوحيد الله عز وجل: ﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، يعني الجنة.
﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً ﴾ [آية: ٨٨]، يقول: سنعده معروفاً، فلم يؤمن منهم غير رجل واحد.
﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ﴾ [آية: ٨٩]، يعني علم منازل الأرض وطرقها.﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً ﴾ [آية: ٩٠]، يعني من دون الشمس ستراً كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر، وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء، فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم. ثم قال: ﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها، ثم استأنف، فقال سبحانه: ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ﴾ [آية: ٩١]، يعني بما عنده علماً.
﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ﴾ [آية: ٩٢]، يعني علم منازل الأرض وطرقها.﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾، يعني بين الجبلين.
﴿ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ﴾ [آية: ٩٣]، يعني لم يكن أحد يعرف لغتهم.
﴿ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعني بالفساد القتل، يعني أرض المسلمين.
﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً ﴾، يعني جعلاً.
﴿ عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ﴾ [آية: ٩٤]، لا يصلون إلينا.﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾، يقول: ما أعطاني ربي من الخير خير من جعلكم، يعني أعطيتكم.
﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾، يعني بعدد رجال، مثل قوله عز وجل في سورة هود:﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴾[هود: ٥٢]، يعني عدداً إلى عددكم.
﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ﴾ [آية: ٩٥] لا يصلون إليكم.﴿ آتُونِي زُبَرَٱلْحَدِيدِ ﴾، يعني قطع الحديد.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ ﴾، يعني حشى بين الجبلين بالحديد، والصدفين الجبلين، وبينهما واد عظيم، فـ ﴿ قَالَ ٱنفُخُواْ ﴾ على الحديد.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ [آية: ٩٦]، قال: أعطوني الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له." قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انعته لى "، قال: هو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، قد رأيته "، يقول الله عز وجل: ﴿ فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ ﴾، يعني فما قدروا.
﴿ أَن يَظْهَرُوهُ ﴾ على أن يعلوه من فوقه، مثل قوله في الزخرف:﴿ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾[الزخرف: ٣٣]، يعني يرقون.
﴿ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ ﴾، يعني وما قدروا.
﴿ لَهُ نَقْباً ﴾ [آية: ٩٧].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، عن مقاتل، عن أبي إسحاق، قال: قال علي بن أبي طالب، عليه السلام: أنهم خلف الردم، لا يموت منهم رجل حتى يولد له ألف ذكر لصلبه، وهم يغدون إليه كل يوم ويعالجون الردم، فإذا أمسوا يقولون: نرجع فنفتحه غداً، ولا يستثنون، حتى يولد فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا إليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، ويعالجون حتى يتركوه رقيقاً كقشر البيض، ويروا ضوء الشمس، فإذا أصبحوا غدوا عليه، فيقول لهم المسلم: نرجع غداً إن شاء الله فنفتحه، فإذا غدوا عليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، فينقبونه، فيخرجون منه، فيطوفون الأرض، ويشربون ماء الفرات، فيجىء آخرهم، فيقول: قد كان ها هنا مرة ماء، ويأكلون كل شىء حتى الشجر، ولا يأتون على شىء من غيرها إلا قاموه. فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم: ﴿ قَالَ هَـٰذَا ﴾، يعني هذا الردم.
﴿ رَحْمَةٌ ﴾، يعني نعمة.
﴿ مِّن رَّبِّي ﴾، للمسلمين، فلا يخرجون إلى أرض المسلمين.
﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي ﴾ في الردم وقع الردم، فذلك قوله: ﴿ جَعَلَهُ دَكَّآءَ ﴾، يعني الردم وقع، فيخرجون إلى أرض المسلمين.
﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ﴾ [آية: ٩٨] في وقوع الردم، يعني صدقاً، فإذا خرجوا هرب ثلث أهل الشام، ويقاتلهم الثلث، ويستسلم لهم الثلث. ثم أخبر سبحانه فقال: ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾، يعني يوم فرغ ذو القرنين من الردم.
﴿ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾، يعني من وراء الردم، لا يستطيعون الخروج منه.
﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً ﴾ [آية: ٩٩]، يعني بالجمع، لم يغادر منهم أحد إلى حشره.﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ بالقرآن من أهل مكة.
﴿ عَرْضاً ﴾ [آية: ١٠٠]، يعني بالعرض كشف الغطاء عنهم.
﴿ وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ﴾ [آية: ١٠١]، يعني الإيمان بالقرآن سمعاً، كقوله سبحانه:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾[الكهف: ٥٧]، يعني ثقلاً.﴿ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾، من أهل مكة.
﴿ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعني بالآلهة بأن ذلك نافعهم، وأنها تشفع لهم، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ﴾ [آية: ١٠٢]، يعني منزلاً.
﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ [آية: ١٠٤].
﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَلِقَائِهِ ﴾، يعني بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال.
﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾، يعني فبطلت أعمالهم الحسنة، فلا تقبل منهم؛ لأنها كانت في غير إيمان.
﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ [آية: ١٠٥]، من خير قدر مثقال جناح بعوضة.﴿ ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ ﴾، يقول: هذا جزاؤهم.
﴿ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ ﴾ بالقرآن.
﴿ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَرُسُلِي ﴾، يعني محمدا.
﴿ هُزُواً ﴾ [آية: ١٠٦]، يعني استهزاء بهما أنهما ليسا من الله عز وجل. ثم ذكر المؤمنين، وما أعد لهم، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا.
﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من الأعمال.
﴿ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ﴾ [آية: ١٠٧]، بلغة الروم، يعني البساتين عليها الحيطان.﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾، لا يموتون.
﴿ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾ [آية: ١٠٨]، يعني تحولاً إلى غيرها، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك أوتيت الحكمة، والحكمة العلم كله، وتزعم أنه لا علم لك بالروح، وتزعم أن﴿ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾[الإسراء: ٨٥] فكيف يكون هذا؟ فقال الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: إنك أوتيت علماً، وعلمك في علم الله قليل.
﴿ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾، يعني علم ربي جل جلاله.
﴿ لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾، يعني علم ربي.
﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ [آية: ١٠٩]، يخبر الناس أنه لا يدرك أحد علم الله عز وجل.﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾، يقول: ربكم رب واحد.
﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ ﴾، يقول: من كان يخشى البعث في الآخرة، نزلت في جندب بن زهير الأزدي، ثم العامري، قال للنبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله لغني لا يقبل ما شورك فيه "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ ﴾ ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ﴾ [آية: ١١٠].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يقول الله عز وجل: أنا خير شريك، من أشركني في عمل، جعلت العمل كله لشريكي، ولا أقبل إلا ما كان لي خالصاً ". حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن شيبان أبي معاوية التميمي، قال: إن الله عز وجل ليحفظ الصالحين في أبنائهم؛ لقوله عز وجل:﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحَاً ﴾[الكهف: ٨٢].
قال: اسم الكهف: بانجلوس، واسم القرية: اللوس، واسم المدينة: أفسوس، واسم الكلب: قطمير، واسم القاضيين، أحدهما: مارنوس، والآخر: اسطوس، واسم الملك دقيوس، وأسماء أهل الكهف: دوانس، ونواس، ومارطونس، رسارنوس، وقاطلس، وطسططنوس، ومكسلمينا، ويمليخا. وحدثنا عبد الله، قال: وحدثني أبي، عن الهذيل، عن غياث بن إبراهيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: ما في الأرض لغة إلا أنزلها الله في القرآن، وقال اسم جبريل: عبد الله، واسم ميكائيل: عبيد الله. قال: وحدثني أبي، عن الهذيل، عن الليث بن سعد، عن عطاء بن خالد، قال: يحج عيسى إذا نزل في سبعين ألفاً، فيهم أصحاب الكهف، فإنهم لم يموتوا ولم يحجوا.