تفسير سورة المعارج

روح البيان
تفسير سورة سورة المعارج من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الحق واهل الذوق وقال القاشاني نزه الله وجرده عن شوب الغير بذلك الذي هو اسمه الأعظم الحاوي للاسماء كلها بان لا يظهر فى شهودك تلوين من النفس او القلب فحتجب برؤية الاثنينية او الأنانية والا كنت مشبها لا مسبحا روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول الله ﷺ فوجدته قد سبقنى الى المسجد فجئت فوقفت وراءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سرد القرآن قلت فى نفسى انه لشاعر كما يقول قريش حتى بلغ الى قوله انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ثم مر حتى انتهى الى آخر السورة فأدخل الله فى قلبى الإسلام تمت سورة الحاقة بعون الله تعالى فى السابع عشر من شهر رمضان من شهور سنة ست عشرة ومائة والف
تفسير سورة المعارج
اربع وأربعون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ من السؤال بمعنى الدعاء والطلب يقال دعا بكذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة اى يطلبون فى الجنة كل فاكهة والمعنى دعا داع بعذاب واقع نازل لا محالة سوآء طلبه او لم يطلبه اى استدعاه وطلبه ومن التوسعات الشائعة فى لسان العرب حمل النظير على النظير وحمل النقيض على النقيض فتعدية سأل بالباء من قبيل التعدية بحمل النظير على النظير فانه نظير دعا وهو يتعدى بالباء لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا فعدى تعديته كما زعمه صاحب الكشاف لان فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل فى تفسير سورة النحل إعطاء مجموع المعنيين ولا فائدة فى لجمع بين معنى سأل ودعا لان أحدهما يغنى عن الاخر والمراد بهذا السائل على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما واختاره الجمهور هو النضر بن الحارث من بنى عبد الدار حيث قال إنكارا واستهزاء اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وصيغة الماضي وهو واقع دون سيوقع للدلالة على تحقق وقوعه اما فى الدنيا وهو عذاب يوم بدر فان النضر قتل يومئذ صبرا واما فى الآخرة وهو عذاب النار وعن معاوية انه قال لرجل من اهل سبأ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال أجهل من قومى قومك قالوا لرسول الله عليه السلام حين دعاهم الى الحق ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له وقيل السائل هو الرسول عليه السلام استعجل بعذابهم وسأل أن يأخذهم الله أخذا شديدا ويجعله سنين كسنى يوسف وان قوله تعالى سأل سائل حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى يسألونك عن الساعة وقوله تعالى متى هذا الوعد ونحوهما إذ هو المعهود باوقوع على الكافرين لا ما دعا به النضر فالسؤال بمعناه
فهذا يوم من ايام الربوبية والتدبير واما اليوم الذي هو من الأيام الالوهية فهو مقدار ابتداء الربوبية بأسماء الله الغير المتناهية التي تندرج معها لا تناهيها فى الأسماء السبعة وهى الحي العالم القادر المريد السميع البصير المتكلم ولكل من هذه السبعة ربوبية مطلقة بالنسبة الى ربوبيات الأسماء المندرجة تحته ومقيدة بالنسبة الى ربوبية كل واحد من أخواته الى انتهائها بالتجلى الذاتي وكما ان هذا اليوم المذكور سع من ايام الدنيا فمدة الدنيا سبع من ذلك اليوم الإلهي الحاصل من ضرب ايام الدنيا فى عدد اسماء الربوبية وهى تسع وأربعون سنة وآخرة أول الخمسين الذي هو يوم واحد من ايام الله وهو يوم القيامة الكبرى فَاصْبِرْ يا محمد صَبْراً جَمِيلًا لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله فان العذاب يقع فى هذه المدة المتطاولة التي تعرج فيها الملائكة والروح وعن الحسن الصبر الجميل هو المجاملة فى الظاهر وعن ابن بحر انتظار الفرج بلا استعجال وهو متعلق بسأل لان السؤال كان عن استهزاء وتعنت وتكذيب بالوحى وذلك ما يضجره عليه السلام او كان عن تضجر واستبطاء للنصر والمعونة إِنَّهُمْ اى اهل مكة يَرَوْنَهُ اى العذاب الواقع اى يزعمونه فى رأيهم بَعِيداً اى يستبعدونه بطريق الا حالة كما كانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا الآية من يحيى العظام وهى رميم فلذلك يسألون به وسبب استبعادهم عدم علمهم باستحقاقهم إياه يقول المرء لخصمه هذا بعيد رد الوقوعه وإمكانه وَنَراهُ اى نعلمه قَرِيباً لعلمنا باستحقاقهم إياه بحسب استعدادهم اى هينا فى قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر فالمراد بالبعد هو البعد من الإمكان وبالقرب هو القرب منه وقال سهل رحمه الله انهم يرون المقضى عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدا لبعد آمالهم ونرا قريبا فان كل كائن قريب والبعيد مالا يكون وفى الحديث ما الدنيا فيما مضى وما بقي الا كثوب شق باثنين وبقي خيط واحد ألا وكان ذلك الخيط قد انقطع قال الشاعر
هل الدنيا وما فيها جميعا سوى طل يزول مع النهار
ما همچومسافريم در زير درخت چون سايه برفت زود بردار درخت
ومن عجب الأيام انك قاعد على الأرض فى الدنيا وأنت تسير
فسيرك يا هذا كسير سفينة بقوم قعود والقلوب تطير
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ وهو هاهنا خبث الحديد ونحوه مما يذاب على مهل وتدريج او دردى الزيت لسيلانه على مهل لثخانته وعن ابن مسعود كالفضة المذابة فى تلونها او كالقير والقطران فى سوادهما ويوم متعلق بقريبا اى يمكن ولا يتعذر فى ذلك اليوم اى يظهر إمكانه وإلا فنفس الإمكان لا اختصاص له بوقت او متعلق بمضمر مؤخر أي يوم تكون السماء كالمهل يكون من الأحوال والأهوال ما لا يوصف وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ العهن الصوف المصبوغ قال تعالى كالعهن المنفوش وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر فى قوله تعالى فكانت وردة كالدهان والمعنى وتكون الجبال كالصوف المصبوغ ألوانا لاختلاف ألوان الجبال منها جدد بيض وحمر وغرابيب سود فاذا بست وطيرت فى الجو أشبهت العهن
المنفوش إذا طيرته الريح قال فى كشف الاسرار أول ما تنغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عهنا منفوشا ثم تصير هباء منثورا وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً اى لا يسأل قريب قريبا عن أحواله ولا يكلمه لابتلاء كل منهم بما يشغله عن ذلك وإذا كان الحال بين الأقارب هكذا فكيف يكون بين الأجانب والتنكير للتعميم يُبَصَّرُونَهُمْ استئناف كأنه قيل لعله لا يبصره فكيف يسأل عن حاله فقل يبصرونهم والضمير الاول لحميم أول والثاني للثانى وجمع الضميرين لعموم الحميم لكل حميمين لا لحميمين اثنين قال فى تاج المصادر التبصير بينا كردن. والتعريف والإيضاح ويعدى الى المفعول الثاني بالباء وقد تحذف الباء وعلى هذا يبصرونهم انتهى يعنى عدى يبصرونهم بالتضعيف الى ثان وقام الاول مقام الفاعل والشائع المتعارف تعديته الى الثاني بحرف الجر يقال بصرته به وقد يحذف الجار وإذا نسبت الفعل للمفعول به حذفت الجار وقلت بصرت زيدا وما فى الآية من هذا القبيل والمعنى يبصر الاحماء الاحماء يعنى بينا كرده شوند ايشان بخويشان خود. فلا يخفون عليهم ولا يمنعهم من التساؤل الا تشاغلهم بحال أنفسهم وليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه فيبصر الرجل أباه وأخاه وأقرباءه وعشيرته ولكن لا يسأله ولا يكلمه لاشتغاله بما هو فيه قال ابن عباس رضى الله عنهما يتعارفون ساعة ثم يتناكرون يَوَدُّ الْمُجْرِمُ اى يتمنى الكافر وقيل كل مذنب لَوْ بمعنى التمني فهو حكاية لودادتهم يَفْتَدِي فدا دهد. وهو حفظ الإنسان عن التائبة بما يبذل عنه مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ اى من العذاب الذي ابتلوا به يوم إذ كان الأمر ما ذكر وهو بكسر الميم لاضافة العذاب اليه وقرئ يومئذ بالفتح على البناء للاضافة الى غير متمكن بِبَنِيهِ أصله بنين سقطت نونه بالاضافة وجمعه لان كثرتهم محبوبة مرغوب فيها وَصاحِبَتِهِ زوجته التي يصاحبها وَأَخِيهِ الذي كان ظهيرا له ومعينا والجملة استئناف لبيان ان اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ الى حيث يتمنى أن يفتدى بأقرب الناس اليه واعلقهم بقلبه ويجعله فدآء لنفسه حتى ينجو هو من العذاب فضلا عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها كأنه قيل كيف لا يسأل مع تمكنه من السؤال فقيل يود إلخ وَفَصِيلَتِهِ وهى فى الأصل القطعة المفصولة من الجسد وتطلق على الآباء الأقربين وعلى الأولاد لان الولد يكون مفصولا من الأبوين فلما كان الولد مفصولا منهما كانا مفصولين منه ايضا فسمى فصيلة لهذا السبب والمراد بالفصيلة فى الآية هو الآباء الأقربون والعشيرة الأدنون لقوله وبنيه الَّتِي تُؤْوِيهِ أوى الى كذا انضم اليه وآواه غيره كما قال تعالى آوى اليه أخاه اى ضمه الى نفسه فمعنى تؤويه تضمه إليها فى النسب او عند الشدائد فيلوذ بها وبالفارسية وخويشان خود را كه جاى داده اند او را در دنيا نزد خود يعنى پناگاه وى بوده اند وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين والخلائق ومن للتغليب ثُمَّ يُنْجِيهِ عطف على يفتدى اى يود لو يفتدى ثم ينجيه الافتداء وثم لاستبعاد الانجاء يعنى يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم فى فدآء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه وفيه اشارة الى مجرم الروح المنصبغ بصبغة النفس فانه يود أن يفتدى من هول
عذاب يوم الفراق والاحتجاب بينى القلب وصفاته وصاحبة نفسه وأخي سره وفصيلته اى توابعه وشيعته ومن فى ارض بشريته جميعا من القوى الروحانية والجسمانية ثم ينجيه هذا الافتداء ولا ينفعه لفساد الاستعداد وفوات الوقت كَلَّا ردع للمجرم عن الودادة وتصريح بامتناع إنجاء الافتداء اى لا يكون كما يتمنى فانه بهيئته الظلمانية الحاصلة من الاجرام استحق العذاب فلا ينجو منه وفى الحديث يقول الله لأهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما فى الأرض من شىء أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بي وعن القرطبي ان كلا يكون بمعنى الردع وبمعنى حقا وكلا الوجهين جائز ان هنا فعلى الثاني يكون تمام الكلام ينجيه فيوقف عليه ويكون كلا من الجملة الثانية التي تليه والمحققون على الاول ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الوقف المطلق على كلا إِنَّها اى النار المدلول عليها بذكر العذاب والمراد جهنم لَظى وهو علم للنار وللدرك الثاني منها منقول من اللظى بمعنى اللهب الخالص الذي لا يخالطه دخان فيكون فى غاية الإحراق لقوة حرارته النارية بالصفاء وهو خبر ان بمعنى مسماة بهذا الاسم ويجوز أن يراد اللهب الخالص على الأصل فيكون خبرا بلا تأويل (كما قال الكاشفى) بدرستى كه آتش دوزخ كه مجرم ازو فدا دهد زبانه ايست خالص (وفى كشف الاسرار) آن آتشى است زبانه زن نَزَّاعَةً لِلشَّوى نزع الشيء جذبه من مقره وقلعه والشوى الأطراف اى الأعضاء التي ليست بمقتل كالايدى والأرجل ونزاعة على الاختصاص للتهويل اى اعنى بلظى جذابة للاعضاء الواقعة فى أطراف الجسد وقلاعة لها بقوة الإحراق لشدة الحرارة ثم تعود كما كانت وهكذا ابدا والشوى جمع شواة وهى جلدة الرأس يعنى ان النار تنزع جلود الرأس وتقشر مما عنه وذلك لانهم كانوا يسعون بالاطراف للاذى والجفاء ويصرفون عن الحق الأعضاء الرئيسة التي تشتمل عليها الرأس خصوصا العقل الذي كانوا لا يعقلون به فى الرأس تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ اى عن الحق ومعرفته وهو مقابل اقبل ومعنى تدعو تجذب الى نفسها وتحضر فهو مجاز عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم (قال الكاشفى) زبانه ميزند وكافر را بخود ميكشد از صد ساله ودويست ساله راه چنانچهـ مقناطيس آهن را جذب ميكند. وتقول لهم الى الى يا كافر ويا منافق ويا زنديق فانى مستقرك او تدعو الكافرين والمنافقين بلفظ فصيح بأسمائهم ثم تلتقطهم كالتقاط الطير الحب ويجوز ان يخلق الله فيها كلاما كما يخلقه فى جلودهم وأيديهم وأرجلهم وكما خلقه فى الشجرة او تدعو زبانيتها على حذف المضاف او على الاسناد المجازى حيث أسند فعل الداعي الى المدعو اليه وَتَوَلَّى اى اعرض عن الطاعة لان من اعرض يولى وجهه وفى التأويلات النجمية من أدبر عن التوجه الى الحق بموافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة وتولى عن الإقبال على الآخرة والأدبار عن الدنيا وقال القاشاني بمناسبة نفسه للجحيم انجر إليها إذا لجنس الى الجنس يميل ولظى نار الطبيعة السفلية ما استدعت الا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجهه الى معدن الظلمة المؤثر لمحبة الجواهر الفانية السفلية المظلمة فانجذب بطبعه الى مواد النيران الطبيعية واستدعته وجذبته
بالرذائل التي اردأها الجبن والبخل المشار إليهما بقوله وإذا مسه الشر إلخ لمحبة البدن ما يلائمه وتسببه فى شهواته ولذاته وانما كانا اردأ لجذبهما القلب الى أسفل مراتب الوجود وفى التأويلات النجمية يشير الى هلع الإنسان المستعد لقبول الفيض الإلهي ساعة فساعة ولحظة فلحظة وعدم صبره عن بلوغه الى الكمال فانه لا يزال فى طريق السلوك يتعلق باسم من الأسماء الالهية ويتحقق به ويتخلق ثم يتوجه الى اسم آخر الى ان يستوفى سلوك جميع الأسماء إذا مسه الشر الفترة الواقعة فى الطريق يجزع ويضطب ويتقلقل ولا يعلم ان هذه الفترة الواقعة فى طريقه سبب لسرعة سلوكه وموجب لقوة سيره وطيرانه وإذا مسه الخير من الواهب الذاتية والعطايا الاسمائية يمنع من مستحقيه ويبخل على طالبيه إِلَّا الْمُصَلِّينَ استثناء من الإنسان لانه فى معنى الجمع للجنس وهذا الاستثناء باعتبار الاستمرار أي ان المطبوعين على الصفات الرذيلة مستمرون عليها الا المصلين فانهم بدلوا تلك الطبائع واتصفوا بأضدادها الَّذِينَ هُمْ تقديم هم يقيد تقوية الحكم وتقريره فى ذهن السامع كما فى قولك هو يعطى الجزيل قصدا الى تحقيق انه يفعل إعطاء الجزيل عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ لا يشغلهم عنها شاغل فيواظبون على ادائها كما روى عن النبي عليه السلام انه قال أفضل العمل او دمه وان قل وقالت عائشة رضى الله عنها كان عمله ديمة قدم الصلاة على سائر الخصال لقوله عليه السلام أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس وأول ما يرفع من أعمالها الصلوات وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فان صلحت فقد أفلح وأنجح وان فسدت فقد خاب وخسر وانها آخر ما يجب عليه رعايته فانه يؤخر الصوم فى المرض دون الصلاة الا ان لا يقدر على التميم والإيماء ولذا ختم الله الخصال بها كما قال والذينهم على صلاتهم يحافظون وكان آخر ما اوصى به عليه السلام الصلاة وما ملكت ايمانكم وفى الآية اشارة الى صلاة النفس وهى التزكية عن المخالفات الشرعية وصلاة القلب وهى التصفية عن الميل الى الدنيا وشهواتها وزخارفها وصلاة السر وهي التخلية عن اثر كون الى المقامات العلية والمراتب السنية وصلاة الروح وهى بالمكاشفات الربانية والمشاهدات الرحمانية والمعاينات الحقانية وصلا الخفي وهى بالفناء فى الحق والبقاء به فالكمل يداومون على هذه الصلوات وَالَّذِينَ اى والا الذين فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ اى نصيب معين يستوجبونه على أنفسهم تقربا الى الله تعالى وإشفاقا على الناس من الزكاة المفروضة الموظفة لِلسَّائِلِ اى للذى يسأل ومن كان له قوت يوم لا يحل له السؤال واما حكم الدافع له عالما بحاله فكان القياس ان يأثم لانه اعانة على الحرام لكنه يجعله هبة ولا اثم فى الهية للغنى وله ان يرده برد جميل مثل ان يقول آتاكم الله من فضله وَالْمَحْرُومِ الذي لا يسأل اما حياء او توكلا فيظن انه غنى فيحرم وفيه اشارة الى أحول الحقائق والمعارف الحاصلة من رأس مال الأعمال الصالحة والأحوال الصادقة ففيها حق معلوم للسائل وهو المستعد للسلوك والاجتهاد فينبغى ان يفيض عليه ويرشده الى طلب الحق والمحروم هو المرمى الساقط على ارض العجز بسبب الأهل والعيال والاشتغال بأسبابهم فيسليهم ويطيب قلوبهم
برحمة الله وغفرانه ويفيض عليهم من بركات أنفاسه الشريفة لئلا يحرم من كرم الله وفيضه وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ اى بأعمالهم حيث يتعبون أنفسهم فى الطاعات البدنية والمالية طمعا فى المثوبة الاخروية بحيث يستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزاء فمجرد التصديق بالجنان واللسان وان كان ينجى من الخلود فى النار لكن لا يؤدى الى ان يكون صاحبه مستثنى من المطبوعين بالأحوال المذكورة قال القاشاني والذين يصدقون من اهل اليقين البرهاني او الاعتقاد الايمانى بأحوال الآخرة والمعاد وهم ارباب القلوب المتوسطون وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ خائفون على أنفسهم مع مالهم من الأعمال الفاضلة استقصارا لها واستعظاما لجنابه تعالى قال الكاشفى وعلامت ترس الهى اجتناب از ملاهى ومناهيست. وقال الحسن يشفق المؤمن ان لا تقبيل حسناته وتقديم من يحسن ان يكون للحصر امتثالا لأمره تعالى فارهبون مع جواز أن يكون للتقوية إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ كه عذاب خداوند ايشان نه آنست كه از ان ايمن باشند. وهو اعتراض مؤذن بانه لا ينبغى لاحد أن يأمن عذابه تعالى وان بالغ فى الطاعة والاجتهاد بل يكون بين الخوف والرجاء لانه لا يعلم أحد عافيته قال القاشاني والذين هم إلخ اى اهل الخوف من المتبدين فى مقام النفس السائرين عنه بنور القلب لا لوافقين معه او المشفقين من عذاب الحرمان والحجاب فى مقام القلب من السالكين او فى مقام المشاهدة من التلوين فانه لا يؤمن الاحتجاب ما بقيت بقية كما قال ان عذاب ربهم غير مأمون ومن العذاب إعجاب المرء بنفسه فانه من الموبقات الموقعات فى عذاب نار الجحيم وجحيم العقاب نسأل الله العافية وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ فرج الرجل والمرأة سوءاتهما اى قبلهما عبربه عنها رعاية للأدب فى الكلام وأدب المرء خير من ذهبه والجار متعلق بقوله حافِظُونَ من الزنى متعففون عن مباشرة الحرام فان حفظ الفرج كناية عن العفة إِلَّا عَلى بمعنى من كما فى كتب النحو أَزْواجِهِمْ نسائهم المنكوحات أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من الجواري فى اوقات حلها كالطهر من الحيض والنفاس ومضى مدة الاستبراء عبر عنهن بما إجراء لهن لمملوكيتهن مجرى غير العقلاء اولا نوئتهن المنبئة عن القصور وإيراد ما ملكت الايمان يدل على المراد من الحافظين هنا الذكور وان كان الحفظ لازما للاناث ايضا بل أشد لانه لازم عليهن على عبيدهن وان كانوا مما ملكت ايمانهن ترجيحا لجانب الذكور فى صيانة عرضهم فَإِنَّهُمْ اى الحافظين غَيْرُ مَلُومِينَ على عدم حفظها منهن اى غير معيوبين شرعا فلا يؤاخذون بذلك فى الدنيا والآخرة وبالفارسية بجاى سرزنش نيستند. وفيه اشعار بأن من لم يحفظ تكفيه ملامة اللائمين فكيف العذاب فَمَنِ ابْتَغى پس هر كه طلب كند براى نفس خود وَراءَ ذلِكَ الذي ذكر وهو الاستمتاع بالنكاح وملك اليمين وحد النكاح اربع من الحرائر ولا حد الملك اليمين فَأُولئِكَ المبتغون هُمُ العادُونَ المتعدون لحدود الله الكاملون فى العدوان المتناهون لانه من عدا عليه إذا تجاوز الحد فى الظلم ودخل فيه حرمة وطئ الذكران والبهائم والزنى وقيل يدخل فيه الاستمناء ايضا روى ان العرب كانوا يستمنون
فى الاسفار فنزلت الآية وفى الحديث ومن لم يستطع اى التزوج فعليه بالصوم استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه عليه السلام ارشد عند العجز عن التزوج الى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد اليه أسهل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم إذا عالج ذكره حتى امنى يحب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاء الشهوة وان قصد تسكين شهوته أرجو أن لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخاري والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلى قوله فاولئك هم العادون اى الظالمون المتجاوزون من الحلال الى الحرام قال البغوي الآية دليل على ان استمناء باليد حرام قال ابن جريج سألت ابن عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون حبالى وأظنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير عذاب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال بعضهم نعم يباح عند أبى حنيفة واحمد إذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد امرأته وجاريته لكن قال القاضي حسين مع الكراهة لانه معنى العزل وفى التاتار خانية قال أبو حنيفة احسبه ان يتجو رأسا برأس. يقول الفقير من اضطر الى تسكين شهوته فعليه ان يدق ذكره بحجر كما فعله بعض الصلحاء المتقين حين التوقان صيانة لنفسه عن الزنى ونحوه والحق أحق ان يتبع وهو العمل بالإرشاد النبوي الذي هو الصوم قان اضطر فالعمل بما ذكرناه اولى واقرب من افعال اهل الورع والتقوى وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ لا يخلون يشئ من حقوقها والامانة اسم لجنس ما يؤتمن عليه الإنسان سوآء من جهة الباري تعالى وهى أمانات الدين التي هى الشرائع والاحكام او من جهة الخلق وهى الودائع ونحوها والجمع بالنظر الى اختلاف الأنواع وكذا العهد شامل لعهد الله وعهد الناس وهو ما عقده الإنسان على نفسه لله او لعباده وهو يضاف الى المعاهد والمعاهد فيجوز هنا الاضافة الى الفاعل والمفعول وقال الجنيد قدس سره الامانة المحافظة على الجوارح والعهد حفظ القلب مع الله على التوحيد والرعاية القيام على الشيء بحفظه وإصلاحه وقد جعل رسول الله ﷺ الخيانة عند ائتمان والكذب عند التحديث والغدر عند المعاهدة والفجور عند المخاصمة من خصال المنافق
اگر مى بايد از آتش امانت فرو مكذار قانون امانت
بهر عهدى كه مى بندى وفا كن رسوم حق كزارى را ادا كن
قال بعض الكبار كل من اتصف بالامانة وكتم الاسرار سمع كلام الموتى وعذابهم ونعيمهم كما سمعت البهائم عذاب اهل القبور لعدم النطق وكذلك يسمع من اتصف بالامانة كلام أعضائه له فى دار الدنيا لانها حية ناطقة ولذلك تستشهد يوم القيامة فتشهد ولا يشهد إلا عدل مرضى بلا شك وفى التأويلات النجمية يشير الى الامانة المعروضة على السموات والأرض والجبال وهى كمال المظهرية وتمام المضاهاة الالهية والى عهد ميثاق ألست بربكم قالوا بلى ورعاية ذلك العهد أن لا يخالفه
حلقه زدكان. جمع عزة وهى الفرقة من الناس وأصلها عزوة من العزو بمعنى الانتماء والانتساب كأن كل فرقة تعتزى الى غير من تعتزى اليه الاخرى اما فى الولادة او فى المظاهرة فهم مفترقون كان المشركون يتحلقون حول رسول الله حلقا حلقا وفرقا فرقا ويستهزئون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزت أَيَطْمَعُ الطمع نزوع النفس الى الشيء شهوة له واكثر الطمع من جهة الهوى كُلُّ امْرِئٍ هر مردى مِنْهُمْ اى من هؤلاء المهطعين أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ بالايمان اى جنة ليس فيها الا التنعم المحض من غير تكدر وتنغص كَلَّا ردع لهم عن ذلك الطمع الفارغ اى اتركوا هذا الطمع واقطعوا مثل هذا الكلام وبالفارسية نه اينچنين است وكافرانرا در بهشت راه نيست آن. قيل كيف يكون الطمع وهم قالوا ذلك استهزاء أجيب بأن الله عليم بأحوالهم فلعل منهم من كان يطمع والا فيكون المراد من الردع قطع وهم الضعفاء عن احتمال صدق قولهم لعل وجه إيراد يدخل مجهولا من الإدخال دون يدخل معلوما من الدخول مع انه الظاهر فى رد قولهم لندخلنها اشعار بأنه لا يدخل من يدخل الا بإدخال الله وامره للملائكة به وبأنهم محرومون من شفاعة تكون سببا للدخول وبأن اسناد الدخول اخبارا وإنشاء انما يكون للمرضى عنهم والمكرمين عند الله بايمانهم وطاعتهم كقوله تعالى أولئك يدخلون الجنة وقوله ادخلوا الجنة وفى تنكير جنة اشعار بأنهم مردودون من كل جنة وان كانت الجنان كثيرة وفى توصيفها بنعيم اشعار بأن كل جنة مملوءة بالنعمة وان من طرد من راحة النعيم وقع فى كدر الجحيم وفى إيراد كل اشعار بأن من آمن منهم بعد قولهم هذا وأطلع الله ورسوله حق له الطمع وتعميم للردع لكل منهم كائنا من كان ممن لم يؤمن إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ كما قال ولقد علمتم النشأة الاولى وهو كلام مستأنف ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الطاء على كلالتمام الكلام عنده قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء واستهزائهم برسول الله وبما نزل عليه من الوحى وادعائهم دخو الجنة بطريق السخرية وينشئ بدلهم قوما آخرين فان قدرته تعالى على ما يعلمون من النشاة الاول من حال النطفة ثم العلقة ثم المضغة حجة بينة على قدرته تعالى على ذلك كما تفصح عنه الفاء الفصيحة فى قوله تعالى فلا أقسم وفى التأويلات النجمية انا خلقناهم من الشقاوة الازلية للعداوة الأبدية باليد اليسرى الجلالية القهرية كيف ينزلون مكان من خلقهم من السعادة الأزلية للمحبة الأبدية باليد اليمنى الجالية اللطفية هذا مما يخالف الحكمة الالهية والاردة السرمدية ولا عبرة بالنطفة والطين لاشتراك الكل فيهما وانما العبرة بالاصطفائية والخاصية فى المعرفة فمن عرف الله كان فى جوار الله لان ترابه من ترات الجنة فى الحقيقة وروحه من نور الملكوت ومن جهله كان فى بعد عنه لانه من عالم النار فى الحقيقة وكل يرجع الى أصله فَلا أُقْسِمُ اى أقسم كما سبق نظائره (وقال الكاشفى) فلا پس نه چنانست كه كفار ميكويند اقسم سوكند ميخورم بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ جمع
Icon