ﰡ
جمال مصدر جمل بضم الميم حين تريحون يقال: أراح الماشية ردها بالعشي من المرعى وسرحها يسرحها سرحاً وسروحاً أخرجها غدوة إلى مرعى وسرحت هي ويكون متعدياً ولازماً وأكثر ما يكون ذلك أيام الربيع إذ أسقط الغيث وكثر الكلأ وخرجوا للنجعة وقدّم الإِراحة على السرح لأن الجمال فيها أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع ثم أوت إلى الحظائر بخلاف وقت سرحها وإن كانت في الوقتين تزين الأفنية وتجاوب فيها الرغاء والثغاء فيأنس أهلها ويفرح أربابها وتجلهم في أعين الناظرين إليها وتكسبهم الجاه والحرمة والأثقال الأمتعة واحدها ثقل وقوله: إلى بلد لا يراد به معين أي إلى أي بلد بعيد توجهتم إليه لاغراضكم وبالغيه صفة للبلد إلا بشق الأنفس أي إلا بمشقتها وناسب الامتنان بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة لأن من رأفتيه تيسير هذه المصالح وتسخير الانعام لكم ولما ذكر تعالى مننه بالانعام ومنافعها الضرورية ذكر الامتنان بمنافع الحيوان التي ليست بضرورية ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز أكل الخيل خلافاً لمن استدل بذلك وانتصب وزينة ولم يكن باللام ووصل الفعل إلى الركوب بواسطة الحرف وكلاهما مفعول من أجله لأن التقدير خلقها والركوب من صفات المخلوق لهم وذلك فانتفى شرط النصب وهو اتحاد الفاعل فعدي باللام والزينة من وصف الخالق فاتحد الفاعل فوصل الفعل إليه بنفسه ولما ذكر الحيوان الذي ينتفع به انتفاعاً ضرورياً وغير ضروري أعقب بذكر الحيوان الذي لا ينتفع به غالباً على سبيل الإِجمال إذ تفاصيله خارجة عن الإِحصاء والعدو القصد مصدر ويوصف به يقال: سبيل قصد وقاصد إذا كان مستقيماً كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه والسبيل هنا مفرد اللفظ والجائز العادل عن الهداية والاستقامة كما قال طرفة: يجور بها الملاح طوراً ويهتدي ولو شاء مفعول شاء محذوف تقديره هدايتكم قال ابن عطية قال الزجاج: يعرض لكم آية تضطركم إلى الاهتداء والإِيمان " انتهى ". وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون الله تعالى لا يخلق أفعال العباد لم يحصله الزجاج ووقع فيه رحمة الله تعالى من غير قصد " انتهى ". لم يعرف ابن عطية أن الزجاج المعتزلي فلذلك تأول عليه أنه لم يحصله وأنه وقع فيه من غير قصد.﴿ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً ﴾ الآية مناسبة هذه لما قبلها أنه تعالى لما امتن عليهم بإِيجادهم بعد العدم الصرف وإيجاد ما ينتفعون به من الانعام وغيرها من المركوب ذكر ما امتن به عليهم من إنزال الماء الذي هو قوام حياتهم وحياة الحيوان وما يتولد عنه من أقواتهم وأقواتها من الزرع وما عطف عليه فذكر منها الأغلب ثم عمم بقوله: ومن كل الثمرات، ثم اتبع ذلك بخلق الليل الذي هو سكن لهم والنهار الذي هو معاشهم فيه ثم بالنيرين اللذين جعلهما الله تعالى مؤثرين بإِرادته في إصلاح ما يحتاجون إليه ثم بما ذرأ في الأرض والظاهر أن لكم في موضع الصفة لما يتعلق بمحذوف ويرتفع شراب به إلى ماء كائناً لكم منه شراب ويجوز أن يتعلق بانزل ويجوز أن يكون استئنافاً وشراب مبتدأ لما ذكر الماء أخذ في تقسيمه والشراب هو المشروب والتبعيض في منه شراب ظاهر وأما في منه شجر فجاز لما كان الشجر إنباته على سقيه بالماء جعل الشجر من الماء ومنه تسيمون يقال أسام الماشية وسومها جعلها ترعى وسامت بنفسها فهي سائمة وسوام رعت حيث شاءت وبدأ بالزرع لأن قوت أكثر العالم ثم بالزيتون لما فيه من فائدة الاستصباح بدهنه وهي ضرورية مع منفعة أكله والائتدام به وبدهنه والاطلاء بدهنه ثم بالنخيل لأن ثمرته من أطيب الفواكه وقوت في بعض البلاد ثم بالاعناب لأنها فاكهة محضة ثم قال: ومن كل الثمرات أتى بلفظ من التي للتبعيض لأن كل الثمرات لا يكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض بعض من كلها للتذكرة وختم ذلك بقوله تعالى: ﴿ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل واستعمال فكر ألا ترى أن الجنة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان معين لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به فيشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرة أخرى وهي العروق ثم ينمو الأعلى ويقوى ونخرج الأوراق والأزهار والأكمام والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطبائع والطعوم والألوان والرواح والأشكال والمنافع وذلك بتقدير قادر مختار وهو الله تعالى وأفرد في قوله: الآية استدلالاً بإِنبات الماء وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، وقرأ الجمهور: والشمس وما بعده منصوباً وانتصب مسخرات على أنها حال مؤكدة وقرىء: والشمس وما بعده بالرفع على الابتداء والخبر وقرأ: حفص والنجوم مسخرات برفعها على الابتداء والخبر وجمع الآيات عند ذكر العقل لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة ما ذرأ معطوف على الليل والنهار يعني ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلفاً ألوانه من البياض والسواد وغير ذلك وختم هذا بقوله: يذكرون ومعناه الاعتبار والاتعاظ كان علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان فقيل يذكرون أي يتذكرون وما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض وأفرد الآية هنا لأن الذي ذكره مفرد في قوله ما ذرأ ووصفه بمفرد وهو قوله مختلفاً.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ ﴾ الآية، لما ذكر الاستدلال بما ذرأ في الأرض ذكر ما أمتن به من تسخير البحر ومعنى تسخيره كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح والغوص في استخراج ما فيه للاصطياد لما فيه والبحر جنس يشمل الملح والعذب وبدأ أولاً من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل ومنه على حذف مضاف أي لتأكلوا من حيوانه لحماً طرياً ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان ونبه على غاية الحلية وهو اللبس وفيه منافع غير اللبس فاللحم الطري من الملح ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه ونعمة الاستخراج للحلية ذكر نعمة تصرف الفلك فيه مواخر أي شاقة فيه أو ذات صوت لشق الأنفس بحمل الأمتعة والأقوات للتجارة وغيرها وأسند الرؤية إلى المخاطب المفرد فقال: وقرىء: وجعلها جملة معترضة بين التعليلين تعليل الاستخراج وتعليل الابتغاء فلذلك عدل عن جمع المخاطب والظاهر عطف ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه والفضل هنا الأرباح بالتجارة والوصول إلى البلاد الشاسعة وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر ولعلكم تشكرون على ما منحكم من هذه النعم والسبل الطرق. قال ابن عطية: قوله: وأنهاراً، منصوب بفعل مضمر تقديره وجعل أو خلق أنهاراً وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإِضمار. " انتهى ". وأي إجماع في هذا وقد حكى هو على المتأولين أن ألقي بمعنى خلق وجعل.﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾ الآية، ذكر تعالى التباين بين من يخلق وهو الباري وبين من لا يخلق وهي الأصنام وجيء بمن في الثاني الاشتمال المعبود غير الله على من يعقل وما لا يعقل أو لاعتقاد الكفار أن لها تأثيراً وأفعالاً فعوملت معاملة أولى العلم أو المشاكلة بينه وبين من يخلق.﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ﴾ الآية، تقدم الكلام عليه وأخبر تعالى أنه يعلم ما يسرون وضمنه الوعيد لهم والاخبار بعلمه تعالى وفيه التنبيه على نفي هذه الصفة الشريفة عن آلهتهم ولما أظهر تعالى التباين بين الخالق وغيره نص على أن آلهتهم لا تخلق وعلى أنها مخلوقة وأخبر أنهم أموات وأكد ذلك بقوله غير أحياء ثم ثنى عنهم الشعور الذي يكون للبهائم فضلاً عن العلم الذي يتصف به العقلاء وعبر بالذين وهو العاقل عومل غيره معاملته لكونها عبدت وأعتقد فيها الألوهية وايان ظرف زمان وعن ابن عباس: ان الله تعالى يبعث الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها فيؤمر بكلهم إلى النار وتقدم الكلام في لا جرم في سورة هود ولا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ﴾ الآية، قيل سبب نزولها أن النضر بن الحرث سافر من مكة إلى الحيرة وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة واخبار اسنفديار ورستم فجاء إلى مكة وكان يقول إنما يحدث محمد بأساطير الأولين وحدثني أجمل من حديثه فنزلت وماذا كلمة استفهام مفعول بأنزل أو ما مبتدأ خبره بمعنى الذي وعائده في أنزل محذوف أي شىء الذي أنزله. وأجاز الزمخشري أن يكون ماذا مرفوعاً بالابتداء قال: يعني أي شىء أنزله ربكم وهذا لا يجوز عند البصريين إلا في ضرورة الشعر والضمير في لهم عائد على كفار قريش وما أنزل ليس مفعولاً لقيل على مذهب البصريين لأنه جملة والجملة لا تقع موقع المفعول الذي لم يسم فاعله كما لا تقع موقع الفاعل والمفعول الذي لم يسمع فاعله قيل هو ضمير المصدر المفهوم من قبل تقديره قيل: هو أي القول والجملة بعده تفسير لذلك الضمير لا انها هي المفعول الذي لم يسم فاعله واللام في ليحملوا لام الأمر على معنى الختم عليهم والصغار الموجب لهم وكاملة حال أي لا ينقص منها شىء ومن في من أوزار للتبعيض فالمعنى أنه يحمل من وزر كل من أصل أي بعض وزر من ضل بإِضلالهم. وقال الواحدي: ليست من للتبعيض لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع وذلك غير جائز لقوله صلى الله عليه وسلم من غير أن ينقص من أوزارهم شىء لكنها للجنس أي ليحملوا من جنس أوزار الاتباع " انتهى ". ولا تتقدر من التي لبيان الجنس هذا الذي قدّره الواحدي وإنما يقدر الأوزار التي هي أوزار الذي يضلونهم فيؤول من حيث المعنى إلى قول الأخفش: وان اختلفا في التقدير. قال الزمخشري: بغير علم حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال " انتهى ". وقال غيره: حال من الفاعل وهو أولى إذ هو المحدث عنه والمسند إليه الإِضلال على جهة الفاعلية والمعنى أنهم يقدمون على هذا الاضلال جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على الإِضلال ثم أخبر تعالى عن سوء ما يتحملونه للآخرة وتقدم الكلام على نظير إعراب الإِساء ما يزرون.
لأن في ذلك مهلة وامتداد وقت فيمكن في التلافي.﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ الآية، بما ذكر تعالى قدرته على تعذيب الماكرين وإهلاكهم بأنواع من الأخذ ذكر تعالى طواعية ما خلق من غيرها وخضوعهم ضد حال الماكرين لينبهم على أنه ينبغي بل يجب عليهم أن يكونوا طائعين منقادين لأمره تعالى. والإِستفهام هنا معناه التوبيخ والجملة من قوله: يتفيأ في موضع الصفة لشىء وما موصولة والعائد محذوف تقديره خلقه ومن شىء تبين لما أنبهم في لفظ ما ويتفيؤ يتفعل من الفيء وهو الرجوع يقال فاء الظل يفيء فيرجع وعاد بعدما نسخه ضياء الشمس وفاء إذا عدي فبالهمزة كقوله تعالى:﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ﴾[الحشر: ٧] أو بالتضعيف نحو فيأ الله الظل فتفيأ أو تفيأ من باب المطاوعة فهو لازم وقد إستعمله أبو تمام متعدياً قال: طلبت ربيع ربيعة الممهي لها وتفيأت ظلالها ممدوداًويحتاج ذلك إلى نقله من كلام العرب متعدياً وعين الفلك هو المشرق وشماله هو المغرب وخص هذان الإِسمان بهذين الجانبين. وقال شيخنا الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الكتامي المعروف بابن الصائغ: أفرد وجمع بالنظر إلى الغايتين لأن الظل الغداة يضمحل حتى لا يبقى منه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة وهو بالعشي على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان في الآية هذا من جهة المعنى وفيه من جهة اللفظ المطابقة لأن سجداً جمع فطابقه جمع الشمائل لاتصاله به فحصل في الآية مطابقة اللفظ للمعنى ولحظهما معاً وتلك الغاية في الإِعجاز " انتهى ". والظاهر حمل الظلال على حقيقتها وعلى ذلك وقع كلام أكثر المفسرين وقالوا: إذا طلعت الشمس وأتت متوجهة إلى القبلة كان الظل قدامك فإِذا ارتفعت كان على يمينك فإِذا كان بعد ذلك كان خلفك فإِذا أردت الغروب كان عن يسارك. قال الزمخشري: سجداً حال من الظلال.﴿ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ حال من الضمير في ظلاله وما أجازه الزمخشري من أن وهم داخرون حال من الضمير في ظلاله فعلى مذهب جمهور البصريين لا يجوز وهي مسألة جاءني غلام هند ضاحكة فلا يجوز جاءني ضاحكة غلام هند ولما كان سجود الظلال في غاية الظهور بدىء به ثم إنتقل إلى سجود ما في السماوات والأرض. قال الزمخشري: فإِن قلت فهلا جيء بمن دون ما تغليباً للعقلاء من الدواب على غيرها. قلت لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب فكان متناولاً للعقلاء. فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم " إنتهى " ظاهرة تسليم أن من قد يشمل العقلاء وغيرهم على جهة التغليب وظاهر الجواب تخصيص من العقلاء وأن الصالح للعقلاء وغيرهم ما دون من وهذا ليس بجواب لأنه أورد السؤال على التسليم ثم ذكر الجواب على غير التسليم فصار المعنى أن من يغلب بها والجواب لا يغلب بها وهذا في الحقيقة ليس بجواب ومن دابة يجوز أن يكون بياناً لما في الظرفين ويكون في السماوات خلق يدبون ويجوز أن يكون بياناً لما في الأرض ولهذا قال ابن عباس: يريد كل ما دب على الأرض وعطفوا الملائكة على ما في السماوات وما في الأرض وهم مندرجون في عموم ما تشريفاً لهم وتكريماً والظاهر أن الضمير في قوله: يخافون، عائد على المنسوب إليهم السجود في ولله يسجد والفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى فإن علقته بيخافون كان على حذف مضاف أي يخافون عذابه كائناً من فوقهم لأن العذاب إنما ينزل من فوق وإن علقته بربهم كان حالاً منه أي يخافون ربهم قاهراً غالباً كقوله تعالى:﴿ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾[الأنعام: ١٨] والجملة من يخافون يجوز أن تكون حالاً من الضمير في لا يستكبرون ويفعلون ما يؤمرون واما المؤمنون بحسب الشرع والظاهر واما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما نفذ من أمر الله.
ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله: إليك حتى بلغت إياكا ثم التفت من التكلم إلى ضمير الغيبة فأخبر تعالى أن له ما في السماوات والأرض.﴿ وَلَهُ ٱلدِّينُ ﴾ أي الطاعة والملك.﴿ وَاصِباً ﴾ أي دائماً يقال وصب الشىء دام قال أبو الأسود الدؤلي: لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر أجمع واصباًقال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ ﴾ استفهام تضمن التوبيخ والتعجب أي بعدما عرفتم وحدانيته وان ما سواه له ومحتاج إليه كيف تتقون وتخافون غيره ولا نفع ولا ضرر يقدر عليه وما موصولة وصلتها بكم والعامل فعل الاستقرار أي وما استقر بكم ومن نعمة تفسير لما والخبر فمن الله على إضمار مبتدأ محذوف تقديره فهي من الله ودخلت الفاء في جملة الخبر لتضمن الموصول معنى اسم الشرط ولما ذكر تعالى أن جميع النعم منه ذكر حالة افتقار العبد إليه وحده حيث لا يدعو ولا يتضرع لسواه وهي حالة الضر والضر عام في جميع ما يتضرر به وإليه متعلق يتجأرون والجؤار رفع الصوت بالدعاء. قال الأعشى يصف راهباً: يداوم من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤاراً. وإذا الثانية للفجاءة وفي ذلك دليل على أن إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائة فيما قبلها ومنكم خطاب للذين خوطبوا بقوله: وما بكم من نعمة إذ بكم خطاب عام وفريق مبتدأ ومنكم في موضع الصفة وخبره يشركون وبربهم متعلق به والفريق هنا هم المشركون المعتقدون حالة الرجاء أن آلهتهم تنفع وتضر وتشقي وتسعد اللام في ليكفروا ان كانت للتعليل كان المعنى أن إشراكهم بالله شبيه كفرهم به أي جحودهم أو كفران نعمته وبما آتيناهم من النعم أو من كشف الضر أو من القرآن المنزل إليهم وإن كانت للضرورة فالمعنى صار أمرهم ليكفروا وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا وابل آل أمر ذلك الجؤار والرغبة إلى الكفر بما أنعم عليهم أو إلى الكفر الذي هو جحوده والشرك به وان كانت للأمر فمعناه التهديد والوعيد.﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ مبالغة في التهديد.﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ الآية، الضمير في يجعلون عائد على الكفار وفي لا يعلمون عائد على ما التي هي الأصنام إذ هي جماد لا علم لها ولا شعور والنصيب هو ما جعلوه لها من الحرث والانعام قبح الله تعالى فعلهم ذلك أن يجعلوا مما رزقهم نصيباً للأصنام ثم أقسم تعالى على أنه يسألهم عن افترائهم واختلافهم في إشراكهم مع الله آلهة وانها أهل للتقرب إليها بجعل النصيب إليها ولما ذكر تعالى أنه يسألهم عن افترائهم ذكر أنهم مع اتخاذهم آلهة نسبوا إلى الله التوالد وهو مستحيل ونسبوا ذلك إليه فيما لم يرتضوه لأنفسهم وتربد وجوههم من نسبته إليهم ويكرهونه أشد الكراهة وكانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله.﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ تنزيه له سبحانه وتعالى عن نسبة الولد إليه.﴿ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ وهم الذكور وهي جملة من مبتدأ وخبر. وأجاز الزمخشري وتبع فيه الفراء والحوفي أن يكون ولهم ما يشتهون معطوفاً على قوله لله بنات وذهلوا عن قاعدة في النحو وهي ان الفعل إذا رفع ضميراً وجاء بعده ضمير منصوب لا يجوز أن ينصبه الفعل إلا إذا كان من باب الظن أو فقد وعدم فلو قلت زيد ظنه قائماً تريد ظن نفسه جاز ولو قلت زيد ضربه فجعل في ضرب ضمير رفع عائداً على زيد وقد تعدى للضمير المنصوب لم يجر والمجرور يجري مجرى المنصوب فلو قلت زيد غضب عليه لم يجز كما لم يجز زيد ضربه فلذلك امتنع أن يكون قوله لهم متعلقاً بيجعلون.﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ ﴾ المشهور أن البشارة أول خبر يسر وهنا قد يراد به مطلق الأخبار أو تغير البشرة وهو القدر المشترك بينهما.﴿ بِٱلأُنْثَىٰ ﴾ أي بولادة الأنثى.﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ ﴾ بمعنى صار وأصل ظل اتصاف اسمها بالخبر الذي يجيء بعدها.﴿ مُسْوَدّاً ﴾ خبر ظل واسوداد الوجه كناية عن العبوس والغم والتكره والنفرة التي لحقته.﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ أي ممتلىء القلب حزناً وغماً وكظيم يحتمل أن يكون للمبالغة من كاظم ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول كما قال تعالى﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾[القلم: ٤٨] ويقال: سقاء مكظوم أي مملوء مسدود الفم.﴿ يَتَوَارَىٰ ﴾ يختفي من القوم متعلق به من سوء من للتعليل أي لسوء ما بشر به وقوله: به ذكره حملاً على لفظ ما وان كان أريد به الأنثى ولذلك ذكره في قوله:﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ ﴾ أي على هوان وأيمسكه قبله حال محذوفة التقدير مفكراً أيمسكه أم يدسه معطوف فكرت أزيد في الدار أم عمرو والظاهر من قوله الاساء ما يحكمون رجوعه إلى قوله ويجعلون لله بنات الآية، أي ساء ما يحكمون في نسبتهم إلى الله ما هو مستكره عندهم نافر عنهن طبعهم لا يحتملون نسبتهن إليهم وما في قوله ما يحكمون مصدرية تقديره ساء حكمهم.﴿ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ ﴾ أي صفة السوء من الكفر بالله وإشراكهم معه أصناماً ونسبة الولد إليه وإنكارهم البعث.﴿ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ أي الصفة العليا من تنزيهه تعالى عن الولد والصاحبة وجميع ما تنسب الكفرة إليه مما لا يليق به تعالى كالتشبيه والانتقال وظهوره تعالى في صورة وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها.﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ ﴾ لما حكى تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التوالد إليه بين تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهار الفضلة ورحمته ويؤاخذ مصارع آخذ والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذ والضمير في عليها عائد على غير مذكور ودل على أنه الأرض قوله من دابة لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض حتى الجعلان في جحرها.﴿ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ تقدم نظيره في الأعراف وما في ما يكرهون لمن يعقل وأريد بها النوع كقوله تعالى:﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ ﴾[النساء: ٣] ومعنى ويجعلون يصفونه بذلك ويحكمون به وان لهم الحسنى بدل من الكذب أو على إسقاط الحرف أي بأن لهم وتقدم الكلام في لا جرم مفرطون قال الفراء: تقول العرب: أفرطت منهم ناساً أي خلفهم ونسيتهم وقيل يخلفون متركون في النار ثم أخبر تعالى بإِرسال الرسل إلى أمم من قبل أمتك مقسماً على ذلك ومؤكداً بالقسم وبقد التي تقتضي تحقيق الأمر على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يناله بسبب جهالات قومه ونسبتهم إلى الله ما لا يجوز.﴿ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ من تماديهم على الكفر.﴿ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾ حكاية حال ماضية أي لا ناصر لهم في حياتهم إلا هو أو عبر باليوم عن وقت الإِرسال ومحاورة الرسل لهم أو حكاية حال آتية وهو يوم القيامة وأل في اليوم للعهد وهو اليوم المشهور فهو وليهم في ذلك اليوم أي قرينهم وبئس القرين والظاهر عود الضمير في وليهم إلى أمم قيل ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش وأنه زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي فهو وليهم أي ولي أمثالهم اليوم " انتهى ". وهذا فيه بعد لاختلاف الضمائر من غير ضرورة تدعو إلى ذلك ولا إلى حذف المضاف بل الضمير في الظاهر عائد إلى أمم واللام في لتبين لام التعليل والكتاب القرآن والذين اختلفوا فيه من الشرك والتوحيد والجبر والقدر وإثبات المعاد ونفيه وغير ذلك مما يعتقدون من الاحكام كتحريم البحيرة وتحليل الميتة والدم وغير ذلك من الأحكام.
﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ نبه تعالى على قدرته التامة في إنشائنا من العدم وإماتتنا وتنقلنا في حال الحياة من حالة الجهل إلى حالة العلم وذلك كله دليل على القدرة التامة والعلم الواسع ولذلك ختم تعالى بقوله: ﴿ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾.
وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس ويختل النطق والفكر وخص بالرذيلة لأنها حالة لا رجاء بعدها لإِصلاح ما فسد واللام في لكي لتعليل الردّ إلى أرذل العمر وهي حرف جر وكي هنا ناصبة بنفسها بمعنى أن ينسبك منها مع ما بعدها مصدر فالتقدير لا يبقى علمه شيئاً بعد أن كان علمه ولما ذكر تعالى خلقنا ثم أماتتنا وتفاوتنا في الرزق وان رزقنا أفضل من رزق المماليك وهم بشر مثلنا والتفاضل بالرزق يكون بالكثرة والقلة ثم نفى تعالى أن يكون من فضل في الرزق رادّاً رزقه على مملوكه إذ ذاك الرزق الذي يطعمه مملوكه هو رزق الله والكل مرزوقون لله تعالى بالرزق الذي قدّره للمالك والمملوك ولذلك قال تعالى:﴿ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ ﴾ أي الملاك والمملوكون في الرزق سواء ولذلك قال بعض الأدباء: ولا تقولن لي فضل على أحد الفضل لله ما للناس أفضالثم استفهم عن جحودهم نعمه استفهام إنكار وأتى بالنعمة الشاملة للرزق وغيره من النعم التي لا تحصى أي أن من يفضل عليكم بالنشأة أولاً ثم بما فيه قوام حياتكم جدير بأن يشكر نعمه ولا يكفر ولما ذكر تعالى امتنانه بالإِيجاد ثم بالرزق المفضل فيه ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإِنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه واحتمل من أنفسكم أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم صلى الله عليه وسلم فنسب ذلك إلى بني آدم وكلا الاحتمالين مجاز، والظاهر عطف حفدة على بنين كون الجميع من الأزواج وأنهم غير البنين. فقال الحسن: الحفدة هم بنو الابن والحفدة والأعوان والخدم ومن يسارع في الطاعة يقال حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفدانا ومنه إليك نسعى ونحفد أي نسرع في الطاعة وقال الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الاجمالوقال الأزهري الحفدة أولاد الأولاد ولما ذكر تعالى ما امتن به من جعل الأزواج وما ينتفع به من جهتهن ذكر تعالى منته بالرزق والطيبات عام في النبات والثمار والحبوب والأشربة.﴿ وَيَعْبُدُونَ ﴾ استئناف اخبار عن حالهم في عبادة الأصنام وفي ذلك تبيين لقوله تعالى: ﴿ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ﴾ نعى عليهم فساد نظرهم في عبادة ما لا يمكن أن يقع منه ما يسع عابده في تحصيله منه وهو الرزق ولا هو في استطاعته ففي أولاً أن يكون شىء من الرزق في ملكهم ونفى ثانياً قدرتها على أن تحاول ذلك وما لا يملك عام في جميع من عبد من دون الله من ملك أو آدمي أو غير ذلك وأجازوا في شيئاً انتصابه بقوله: رزقاً. قال ابن عطية: والمصدر يعمل مضافاً باتفاق لأنه في تقدير الانفصال ولا يعمل إذا دخله الألف واللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعد عن الفعلية وتقدير الانفصال في الاضافة حسن عمله وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قوله: ضعيف النكاية اعداءه البيت وقوله: لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعاً انتهى أما قوله يعمل مضافاً باتفاق ان عنى من البصريين فصحيح وان عنى من النحويين فغير صحيح لأن بعض النحويين ذهب إلى أنه وان أضيف لا يعمل وان نصب ما بعده أو رفعة إنما هو على إضمار الفعل المدلول عليه بالمصدر وأما قوله: لأنه في تقدير الانفصال فليس كذلك لأنه لو كان في تقدير الانفصال لكانت الاضافة غير محضة وقد قال بذلك أبو القاسم ابن برهان وأبو الحسين ابن الطراوة ومذهبهما فاسد لنعت هذا المصدر المضاف وتوكيده بالمعرفة. وأما قوله: ولا يعمل إلى آخره فقد ناقض في قوله آخراً وقد جاء عاملاً مع الألف وأما كونه لا يعمل مع الألف واللام فهو مذهب منقول عن الكوفيين ومذهب سيبويه جواز اعماله. قال سيبويه: وتقول عجبت الضرب زيداً كما تقول عجبت من الضارب زيداً تكون الألف واللام بمنزلة التنوين والظاهر عود الضمير في يستطيعون على ما على معناها لأنه يراد بها آلهتهم بعد ما أعاد على اللفظ في قوله: لا يملك فأفرد وجاز أن يكون داخلاً في صلة ما وجاز أن لا يكون داخلاً بل اخبار عنهم بانتفاء الاستطاعة أصل لأنهم أموات وأما قول الزمخشري أنه يراد بالجمع بين نفي الملك والاستطاعة التوكيد فليس كما ذكر لأن نفي الملك مغاير لنفي الاستطاعة.
أخبر باستئثاره بعلم غيب السماوات والأرض ثم بكمال قدرته على الإِتيان بالساعة التي ينكرونها في لمحة البصر أو أقرب والمعنى بهذا الاخبار ان الآلهة التي يعبدونها منتف عنها هذان الوصفان اللذان لاله وهما العلم المحيط بالمغيبات والقدرة البالغة التامة ومن ذكر أن قوله: ومن يأمر بالعدل هو الله ذكر ارتباط هذه الجملة بما قبلها بأن من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو الكامل في العلم والقدرة فبين ذلك بهذه الجملة ولما ذكر تعالى أمر الساعة وأنها كائنة لا محالة وكان في ذلك دلالة على النشأة الآخرة وتقدم وصفها بانتفاء العلم ذكر النشأة الأولى وفي إخراجهم من بطون أمهاتهم غير عالمين شيئاً تنبيهاً على وقوع النشأة الآخرة ثم ذكر امتنانه عليهم بجعل الحواس التي هي سبب لإِدراك الأشياء والعلم. قال الزمخشري: والأفئدة من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة إذا لم يرد في السماع غيرها كما قالوا: شسوع في جمع شسع لا غير فجرت ذلك المجرى " انتهى ". ودعوى الزمخشري أنه لم يجىء في جمع شسع إلا شسوع لا غير فليس بصحيح بل جاء فيه جمع القلة قالو: شساع ولما ذكره ابن الخطيب هنا ليس بشىء ولما كانت النشأة الأولى وجعل ما يعلمون به لهم من أعظم النعم عليهم قال: لعلكم تشكرون، وتقدم الكلام في أمهات في النساء ولا تعلمون جملة حالية أي غير عالمين ولما ذكر تعالى مدارك العلم الثلاثة السمع والبصر والعقل والأول مدرك المحسوس. والثاني: مدرك المعقول اكتفى من ذكر مدرك المحسوس بذكر النظر فإِنه أغرب لما يشاهد به من عظيم المخلوقات على بعدها التفاوت كمشاهدته للنيرات في الأفلاك وجعل هنا موضع الاعتبار والتعجب الحيوان الطائر فإِن طيرانه في الهواء في ثقل جسمه مما يتعجب منه ويعتبر به وتضمنت الآية ذكر مدرك العقل في كونه لا يسقط إذ ليس تحته ما يدعمه ولا فوقه ما يتعلق به فيعلم بالعقل أنه له ممسك قادر على إمساكه وهو الله فانتظم في الآية ذكر مدرك الحس ومدرك العقل ومعنى مسخرات مذللات وبني للمفعول دلالة على أنه له مسخراً وهو الله تعالى والجو مسافة ما بين السماء والأرض لآيات جمع ولم يفرد لما في ذلك من الآيات خفة الطائر التي جعلها الله فيه لأن يرتفع بها وثقله الذي جعله الله تعالى فيه لأن ينزل والفضاء الذي بين السماء والأرض والامساك الذي لله او جمع باعتبار ما في هذه الآية والتي قبلها وقال لقوم يؤمنون فإِنهم هم الذين ينتفعون بالاعتبار ولتضمن الآية أن المسخر والممسك لها هو الله تعالى فهو إخبار منه تعالى ما يصدق به إلا المؤمن.﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ ﴾ الآية، والسكن فعل بمعنى مفعول كالقبض وأنشد الفراء. جاء الشتاء ولما اتخذ سكناً يا ويح نفسي من حفر القراميصوليس السكن بمصدر كما ذهب إليه ابن عطية والظاهر أنه يندرج في البيوت التي من جلود الأنعام بيوت الشعر وبيوت الصوف والوبر.﴿ يَوْمَ ظَعْنِكُمْ ﴾ يوم ترحلون خف عليكم حملها ونقلها ويوم تنزلون وتقيمون في مكان لم يثقل عليكم ضربها والظاهر أن أثاثاً مفعول والتقدير جعل من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً.﴿ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً ﴾ لما كانت بلاد العرب الغالب عليها الحر امتن عليهم بذكر ما يكنهم منه كالظلال فيما له ظل والأكنان من الجبال الغيران والكهوف والبيوت المنحوتة منها والسربال ما ليس على البدن من قميص وغيره وثم محذوف تقديره الحر والبرد لأن ما وفي الحر جدير أن يقي البرد. و ﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ﴾ كناية عن الدروع والمغفر غير ذلك.﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ يحتمل أن يكون ماضياً أي فإِن أعرضوا عن الإِسلام ويحتمل أن يكون مضارعاً أي فإِن تتولوا وحذفت الياء ويكون جارياً على الخطاب السابق والماضي على الإِلتفات والفاء ما بعدها جواب الشرط صورة والجواب حقيقة محذوف أي فأنت معذور إذ أديت ما وجب عليك فأقيم سبب العذر وهو البلاغ مقام المسبب لدلالته عليه.﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ الآية، لما ذكر إنكارهم لنعمة الله ذكر حال يوم القيامة حيث لا ينفع فيه الإِنكار على سبيل الوعيد لهم بذلك اليوم وانتصب يوم بإِضمار ذكر على أنه مفعول به ومتعلق الاذن محذوف فقيل في الرجوع الى دار الدنيا أو في الكلام والاعتذار.﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ أي لا يزول عنهم العتب والظاهر أن قوله: شركاؤهم عام في كل من اتخذوه شريكاً لله تعالى من صنم وغيره والظاهر أن القول منسوب إليهم حقيقة وقيل منسوب إلى جوارحهم لأنهم لما أنكروا الإِشراك بقولهم:﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام: ٢٣]، أصمت الله ألسنتهم وأنطق جوارحهم ومعنى ندعو نعبد، قالوا: ذلك رجاء أن يشركوا معهم في العذاب إذ يحصل التأسي بهم والضمير في فألقوا عائد على الذين أشركوا وإليهم عائد على الشركاء.﴿ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ خطاب العابدين للمعبودين واجهوا من كانوا يعبدونهم بأنهم كاذبون والسلم الاستسلام والانقياد لحكم الله تعالى بعد الاباء والاستكبار في الدنيا.﴿ وَضَلَّ عَنْهُم ﴾ أي بطل عنهم.﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ من أن لله تعالى شركاء والذين مبتدأ وزدناهم الخبر صدر فهم شيئان الكفر والصد عن سبيل الله فعوقبوا بعذابين عذاب على الصد فوق العذاب الذي لهم على الكفر وفي كل أمة يبعث فيها منها حذف في السابق من أنفسهم وأثبته هنا وحذف هناك في وأثبته هنا والمعنى في كليهما أنه يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم والخطاب في بك لرسول الله صلى الله عليه وسلم والإِشارة بهؤلاء إلى أمته ونزلنا استئناف اخبار وليس داخلاً مع ما قبله لاختلاف الزمانين لما ذكر ما شرفه الله تعالى به من الشهادة على أمته ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شىء من أمور الدين ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا فلا حجة لهم ولا معذرة والظاهر أن تبياناً مصدر جاء على تفعال وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء ونصبو تبياناً على الحال ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله. قال الزمخشري: فإِن قلت كيف كان القرآن تبياناً لكل شىء، قلت: المعنى أنه بين كل شىء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها وإحالة على السنة حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته وفيه وما ينطق عن الهوى. وحثاً على الاجماع في قوله: ويتبع غير سبيل المؤمنين وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع أصحابه والاقتداء بآثارهم في قوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتهم وقد اجتهدوا وقاسوا ووطأوا طرق القياس والاجتهاد فكانت السنة والاجتهاد والاجماع والقياس مستندة إلى تبين الكتاب فمن ثم كان تبياناً لكل شيء " انتهى ". قوله: وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: اهتديتم لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم بأيها اقتدوا اهتدوا فهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه هذا نص كلام البزار قال ابن المعين عبد الرحيم بن زيد كذاب خبيث ليس بشىء وقال البخاري هو متروك ورواه أيضاً حمزة الجزري وحمزة هذا ساقط متروك وللمسلمين متعلق ببشرى ومن حيث المعنى متعلق بهدى ورحمة.
ولما تقدم فكرت بأنعم الله جاء هنا واشكروا نعمة الله وفي البقرة جاء:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾[البقرة: ١٧٢] لم يذكر من كفر نعمته فقال: واشكروا الله ولما أمرهم بالأكل مما رزقهم عدد عليهم محرماته تعالى ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم دون اتباع ما شرع الله تعالى على لسان أنبيائه وكذا جاء في البقرة ذكر ما حرم إثر قوله: ﴿ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ ﴾ تقدم تفسير مثله في البقرة.
وأما قول ابن عطية في رده على مكي بقوله: وليس كما قال لأن الحال إلى آخره، فقول بعيد عن قول أهل الصنعة لأن الباء في يزيد ليست هي العاملة في قائماً وإنما العامل في الحال مررت والباء وإن عملت الجر في يزيد فإِن زيداً في موضع نصب بمررت ولذلك إذا حذفت حرف الجر حيث يجوز حذفه نصب الفعل ذلك الاسم الذي كان مجرور بالحرف وتقدم تفسير القانت والحنيف شاكراً لأنعمه. روي أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفاً فأخر غداءه فإذا هو بفوج الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فحيلوا له أن بهم جذاماً فقال: الآن وجبت مؤاكلتكم شكراً لله تعالى على أنه عافاني وابتلاكم.﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ قال قتادة: حببه الله تعالى إلى كل الخلق فكل أهل الأديان يتولونه اليهود والنصارى والمسلمون وخصوصاً كفار قريش فإِن فخرهم إنما هو كان به وذلك لإِجابة دعوته واجعل لي لسان صدق في الآخرين ولما وصف إبراهيم عليه السلام بتلك الأوصاف الشريفة أمر نبيه عليه السلام أن يتبع ملته وهذا الأمر من جملة الحسنة التي آتها الله إبراهيم في الدنيا وملته أي عقائد الشرائع دون الفروع لقوله تعالى:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ﴾[المائدة: ٤٨].
ومنهاجا. ولما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار يوم الجمعة فدل ذلك على أنه كان في شرع إبراهيم عليه السلام بين أن يوم السبت لم يكن في شرع إبراهيم والسبت مصدر وبه سمي اليوم وتقدم الكلام في هذا اللفظ في الأعراف.﴿ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف وهو أن يسمع المدعو حكمه وهو الكلام الصواب القريب الواقع في النفس أجمل موقع. وعن ابن عباس أن الحكمة هي القرآن وعنه أيضاً الموعظة الحسنة مواعظ القرآن.﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ﴾ الآية، أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد والظاهر عود الضمير في لهو إلى المصدر الدال عليه الفعل مقيداً بالاضافة إليهم أي لصبركم وللصابرين أي لكم أيها المخاطبون فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله تعالى عليهم بصبرهم على الشدائد أو بصبرهم على المعاقبة ولما خير المخاطبون في المعاقبة والصبر عنها عزم على الرسول صلى الله عليه وسلم في الذي هو خير وهو الصبر فأمر هو وحده بالصبر ومعنى بالله بتوفيقه وتيسيره وإرادته والضمير في عليهم يعود على الكفار وكذلك في يمكرون كما قال تعالى:﴿ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾[المائدة: ٦٨].
ومعنى المعية بالنصر والتأييد والإِعانة.