تفسير سورة الدّخان

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورَةُ الدُّخَانِ مكية اتفاقاً.

٣ - ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ﴿لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ لما تنزل فيها من الرحمة، أو لما يجاب فيها من الدعاء ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان والتوراة لست مضين منه والزبور لاثني عشرة مضين منه والإنجيل لثماني عشرة مضت منه والفرقان لأربع وعشرين مضت منه " ﴿كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ بالقرآن من النار.
٤ - ﴿يُفْرَقُ﴾ يُقضى، أو يكتب " ع "، أو ينزل، أو يخرج ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة من السنة إلى السنة " ع "، أو كل ما
165
يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت وحكيم هنا: بمعنى محكم، وليلة القدر في رمضان باقية ما بقي الدهر ولا وجه لقول من قال رفعت بموت الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو جوز كونها في جميع السنة.
166
٦ - ﴿أَمْراً مِّنْ عِندِنَآ﴾ القرآن نزل من عنده، أو ما يقضيه في الليلة المباركة من أحوال عباده ﴿كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ الرسل للإنذار، أو منزلين ما قضيناه على العباد، أو ﴿مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن ربك﴾ وهي نعمته ببعثه الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو رأفته بهداية من آمن به ﴿السَّمِيعُ﴾ لقولهم ﴿العليم﴾ بفعلهم.
﴿بل هم في شكٍ يلعبون (٩) فارتقب يوم تأتي السماءُ بدخانٍ مبينٍ (١٠) يغشَى الناسَ هذا عذابٌ أليمٌ (١١) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (١٢) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين (١٣) ثم تولوا عنه وقالوا معلمٌ مجنون (١٤) إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون (١٥) يومَ نبطشُ البطشةَ الكبرى إنا منتقمون (١٦) ﴾
١٠ - ﴿فَارْتَقِبْ﴾ فانتظر للكفار، أو احفظ قولهم حتى تشهد عليهم يوم تأتي السماء ولذلك سمي الحافظ رقيباً ﴿بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ لما دعا عليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بسبع كسبع يوسف حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان قال أبو عبيدة الدخان الجدب. قال ابن قتيبة سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها غبار كالدخان وقيل لسنة الجدب غبراء لكثرة الغبار فيها، أو
166
يوم [١٧٦ / أ] / فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، أو دخان يهيج بالناس في القيامة فيأخذ المؤمن منه كالزكمة وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه.
167
١٢ - ﴿عَنَّا الْعَذَابَ﴾ الدخان، أو الجوع، أو الثلج ولا وجه له.
١٥ - ﴿عَآئِدُونَ﴾ إلى جهنم، أو إلى الشرك لما كشف عنهم الجدب باستسقاء الرسول [صلى الله عليه وسلم] عادوا إلى تكذيبه.
١٦ - ﴿الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ العقوبة الكبرى وهي القتل ببدر، أو جهنم في القيامة " ع "، " ح " ﴿مُنتَقِمُونَ﴾ من أعدائنا، العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة والنقمة قد تكون قبلها أو العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر، أو العقوبة قد تكون في المعاصي والنقمة قد تكون في خلفه لأجله.
{ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريمٌ (١٧) أن أدوا إلي عباد الله إني
167
﴿لكم رسولٌ أمينٌ (١٨) وأن لا تعلوا على الله إني ءاتيكم بسلطان مبين (١٩) وإني عذتُ بربي وربكم أن ترجمون (٢٠) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون (٢١) فدعا ربه أن هؤلاء قومٌ مجرمون (٢٢) فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون (٢٣) واترك البحر رهواً إنهم جندٌ مغرقون (٢٤) كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ (٢٥) وزروع ومقامٍ كريم (٢٦) ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين (٢٧) كذلك وأورثناها قوماً آخرين (٢٨) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (٢٩) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (٣٠) من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين (٣١) ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين (٣٢) وءاتيناهم من الآيات ما فيه بلاءٌ مبينٌ (٣٢) ﴾
168
١٧ - ﴿فَتَنَّا﴾ ابتلينا ﴿رَسُولٌ﴾ موسى ﴿كَرِيمٌ﴾ على ربه أو في قومه، أو كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح.
١٨ - ﴿أَنْ أَدُّواْ﴾ أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم، أو أجيبوا عبادَ الله خيراً.
١٩ - ﴿لا تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ﴾ لا تبغوا على الله، أو لا تفتروا عليه " ع " البغي بالفعل والافتراء بالقول، أو لا تعظموا عليه، أو لا تستكبروا على عبادته، التعظم تطاول المقتدر والاستكبار ترفع المحتقَر. ﴿بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ بحجة بينة، أو عذر بين.
٢٠ - ﴿عدت﴾ لجأت، أو استعنت الملتجئ مستدفع والمستعين مستنصر ﴿تَرْجُمُونِ﴾ بالحجارة، أو تقتلوني أو تشتموني فتقولون ساحر وكاهن وشاعر.
٢١ - ﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾ إن لم تصدقوني فخلوا سبيلي وكفوا عن أذيتي.
٢٤ - ﴿رَهْواً﴾ سمتاً " ع "، أو يابساً، أو سهلاً، أو طريقاً، أو منفرجاً، أو فرقاً، أو ساكناً لما نجوا من البحر أراد موسى - عليه الصلاة والسلام أن يضربه بالعصا ليعود إلى حاله خوفاً أن يدركهم فرعون فقيل له: اترك البحر رهواً أي طريقاً يابساً حتى يدخلوه ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ قال مقاتل هو النيل كان عرضه يومئذ فرسخين. قال الضحاك غرقوا بالقلزم وهو بلد بين الحجاز ومصر.
٢٥ - ﴿وَعُيُونٍ﴾ من الماء عند الجمهور، أو من الذهب عند ابن جبير.
٢٦ - ﴿وَزُرُوعٍ﴾ كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها وكانت تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ المنابر " ع "، أو المساكن، أو مجالس الملوك ﴿كَرِيمٍ﴾ حسن، أو المعطي لذته كما يعطي الرجل الكريم صلته، أو كريم لكرم من فيه.
٢٧ - ﴿وَنَعْمَةٍ﴾ نيل مصر، أو الفيوم، أو أرض مصر لكثرة خيرها، أو ما كانوا فيه من سعة ودعة ﴿النعمة﴾ بكسر النون في الملك وبفتحها في البدن والدين، أو بالكسر من الأفضال والعطية وبفتحها من التنعم وهو سعة العيش والراحة ﴿فَاكِهِينَ﴾ فرحين، أو ناعمين، أو الفاكه المتمتع بأنواع اللذة كتمتع الآكل [١٧٦ / ب] / بأنواع الفاكهة.
٢٨ - ﴿قوما آخرين﴾ بنو إسرائيل صارت إليهم كمصير الميراث.
٢٩ - ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾ أي أهلهما " ح " أو تبكي السماء والأرض على المؤمن أربعين صباحاً قاله مجاهد أو يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء قاله علي - رضي الله تعالى عنه -، أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب
169
يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه "، ثم تلا هذه الآية؛ وبكاؤهما كبكاء الحيوان المعروف، أو حمرة أطرافهما ولما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - احمّرت له آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها، أو يظهر منها ما يدل على الحزن والأسف. ﴿مُنظَرِينَ﴾ مؤخرين بالغرق، أو لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا.
170
٣٢ - ﴿اخْتَرْنَاهُمْ﴾ اصطفيناهم للرسالة، والدعاء إلى الطاعة، أو اختارهم لدينه وتصديق رسله، أو بإنجائهم من فرعون وقومه ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ مِنَّا بهم ﴿الْعَالَمِينَ﴾ عالمي زمانهم لأن لأهل كل زمان عالم، أو جميع العالمين لما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاص بهم.
٣٣ - ﴿مِّنَ الأَيَاتِ﴾ إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر وإنزال المن والسلوى يريد به بني إسرائيل، أو العصا واليد البيضاء يريد به قوم فرعون، أو الشر الذي كفهم عنه والخير الذي أمرهم فيتوجه إلى الفريقين ﴿بلاء مُّبِينٌ﴾ نعمة ظاهرة، أو عذاب شديد، أو اختبار يتبين به المؤمن من الكافر.
﴿إن هؤلاء ليقولون (٣٤) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (٣٥) فأتوا بآياءنا إن كنتم صادقين (٣٦) أهم خيرٌ أم قومُ تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين (٣٧) ﴾
٣٦ - ﴿فَأْتُواْ بِآبَآئِنَآ﴾ قال أبو جهل: يا محمد إن كنت صادقاً في قولك إنا نحي فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما: قصي بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً لنسأله عما يكون بعد الموت.
٣٧ - ﴿أَهُمْ خَيْرٌ﴾ أي أظهر نعمة وأكثر أموالاً، أو أعز وأشد ﴿قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" لا تسبّوا تُبَّعاً فإنه قد كان أسلم، وسمي تبعاً لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن، كما يقال خليفة لمن خلف من قبله، أو لأنه أسم ملوك اليمن، ذم الله - تعالى - قومه ولم يذمه وضربهم مثلاً لقريش لقربهم منهم وعظمتهم في أنفسهم.
﴿وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين (٣٨) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون (٣٩) إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين (٤٠) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون (٤١) إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم (٤٢) ﴾
٣٨ - ﴿لاعِبِينَ﴾ غائبين، أو لاهين.
٣٩ - ﴿إِلا بِالْحَقِّ﴾ للحق، أو بقول الحق.
٤٠ - ﴿يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ يوم القيامة لأنه تفصل فيه أمور العباد، أو لأنه يفصل بين المرء وعمله.
{إن شجرتَ الزقوم (٤٣) طعامُ الأثيم (٤٤) كالمهل يغلي في البطون (٤٥) كغلي الحميم (٤٦) خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم (٤٧) ثم صبوا فوق رأسه من عذابِ
171
الحميم (٤٨) ذق إنك أنت العزيز الكريم (٤٩) إن هذا ما كنتم به تمترون (٥٠) }
172
٤٣ - ﴿شجرة الزَّقُّومِ﴾ قد ذكرناها والزقوم في اللغة ما أكل بكره شديد، أو شجرة الزقوم أو جهل محكي عن مجاهد.
٤٤ - ﴿الأَثِيمِ﴾ الآثم، أو المشرك المكتسب للإثم.
٤٧ - ﴿فاعْتِلُوه﴾ فجروه " ح "، أو فادفعوه، أو سوقوه أو اقصفوه كما يقصف الحطب، أو قودوه بالعنف. ﴿سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ وسطها " ع "، أو معظمها حيث يصيبه الحر من جوانبها.
٤٩ - ﴿أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ عند نفسك نزلت في أبي جهل، أو يقال له ذلك استهزاء وإهانة، أو العزيز في قومك الكريم في أهلك، أو لست بعزيز ولا كريم لأنه قال أيوعدني محمد والله إني لأعز من مشى بين جبليها فرد الله - تعالى - عليه قوله.
{إن المتقين في مقامٍ أمين (٥١) في جناتٍ وعيونٍ (٥٢) يلبسونَ من سُندسٍ وإستبرق متقابلين (٥٣) كذلك وزوجناهم بحورٍ عينٍ (٥٤) يدعون فيها بكل فاكهةٍ ءامنين (٥٥) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذابَ
172
الجحيم (٥٦) فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم (٥٧) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون (٥٨) فارتقب إنهم مرتقبون (٥٩) }
173
٥١ - ﴿مقامٍ أمينٍ﴾ من الشيطان والأحزان، أو من [١٧٧ / أ] / العذاب، أو من الموت.
٥٣ - ﴿سندسٍ﴾ الحرير الرقيق والاستبرق: الديباج الغليظ، أو السندس يعمل [بسوس العراق وهو أفخر الرقم] والإستبرق الديباج سمي إستبرقاً لبريقه، أو السندس ما يلبسونه، والإستبرق ما يفترشونه ﴿مُّتَقَابِلِينَ﴾ بالمحبة لا متدابرين بالبغضة، أو متقابلين في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه.
٥٨ - ﴿يَسَّرناه) {جعلناه﴾ (بِلِسَانِكَ} عربياً، أو أطلقنا به لسانك بتيسير.
٥٩ - ﴿فَارْتَقِبْ﴾ فانتظر ما وعدتك من النصر إنهم منتظرون لك الموت، أو انتظر ما وعدتك من الثواب إنهم كالمنتظرين ما وعدتهم من العقاب.
173
سُورَةُ الجَاثِيةِ
مكية، أو إلا آية ﴿قل للذين آمنوا﴾ [١٤] نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه -.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿حم (١) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (٢) إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين (٣) وفي خلقكم وما يبث من دابة ءاياتٌ لقومٍ يوقنون (٤) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح ءاياتٌ لقوم يعقلون (٥) ﴾
174
Icon