تفسير سورة ص

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة ص من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

سورة ص مكيةوهي ست أو ثمان وثمانون آيةأي ويقال لهم سورة داود. قوله: (مكية) أي كلها. قوله: (أو ثمان) أو لحكاية الخلاف. قوله: (الله أعلم به) تقدم غير مرة أن هذا القول أسلم، لأن تفويض الأمر المتشابه لعلم الله تعالى هو غاية الأدب، واعلم أن في لفظ ص قراءات خمسة السبعة على السكون لا غير، والباقي شاذ، وهو الضم والفتح من غير تنوين، والكسر بتنوين وبدونه، فالضم على أنه خبر لمحذوف، على أنه اسم للسورة، أي هذه ص، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث، والفتح إما على أنه مفعول لمحذوف تقديره اقرأ ونحوه، أو مبني على الفتح كأين وكيف، والأول أقرب، والكسر بغير تنوين للتخلص من التقاء الساكنين، وبالتنوين مجرور بحرف قسم محذوف، وصرف بالنظر إلى اللفظ. قوله: (أي البيان) أي لما يحتاج إليه أمر الدين، وقوله: (أو الشرف) أي أن من آمن به، كان شريفاً في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى:﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾[الأنبياء: ١٠] أي شرفكم، وأيضاً القرآن شريف في ذاته، من حيث اشتماله على المواعظ والأحكام وغيرهما، فهو شريف في نفسه مشرف لغيره، وقيل: المراد بالذكر، ذكر أسماء الله تعالى وتمجيده، وقيل: المراد به الموعظة، وقيل: غير ذلك. قوله: (وجواب هذا القسم محذوف) إلخ، هذا أحد أقوال وهو أحسنها، وقيل: تقديره﴿ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[يس: ٣] كما في يس، وقيل: هو قوله: ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ وفيه حذف اللام، والأصل لكم أهلكنا، وإنما حذفت لطول الكلام، نظير حذفها في قوله:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾[الشمس: ٩] بعد قوله:﴿ وَٱلشَّمْسِ ﴾[الشمس: ١]، وقيل: غير ذلك. قوله: ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ اضراب وانتقال من قصة إلى قصة. قوله: (من أهل مكة) خضهم بالذكر لأنهم سبب النزول، وإلا فالمراد كل كافر. قوله: (أي كثيراً) أشار بذلك إلى أن ﴿ كَمْ ﴾ خبرية بمعنى كثيراً مفعول ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ و ﴿ قَرْنٍ ﴾ تمييز لها. قوله: ﴿ وَّلاَتَ حِينَ ﴾ اختلفت المصاحف في رسم التاء، فبعضهم رسمها مفصولة، وبعضهم رسمها متصلة بحين، وينبني على هذا الاختلاف الوقف، فبضعهم يقف على التاء، وبعضهم على لا، ومن يقف على التاء، فجمهور السبعة يقفون على التاء المجرورة، اتباعاً لمرسوم الخط الشريف، والأقل منهم يقف بالهاء، وهذا الوقف للاختيار، لا أنه من جملة الأوقاف الجائزة. قوله: ﴿ مَنَاصٍ ﴾ المناص يطلق على المنجي والمفر والتقدم والتأخر، وكل هنا يناسب المقام. قوله: (أي ليس الحين) إلخ، أشار بذلك إلى مذهب الخليل وسيبويه في لات، من حيث إنها تعمل عمل ليس، وان اسمها محذوف، وهو خبرها لفظ الحين، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله: وما للات في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا والعكس قلقوله: (والتاء زائدة) أي لتأكيد النفي. قوله: (من فاعل نادوا) أي وهو الواو. قوله: (وما اعتبر) معطوف على ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾.
قوله: ﴿ وَعَجِبُوۤاْ ﴾ إلخ أي جعلوا مجيء رسول من جنسهم أمراً خارجاً عن طوق العقل فيتعجب منه. قوله: (من أنفسهم) أي من جنسهم. قوله: (فيه وضع الظاهر) إلخ زيادة في التقبيح عليهم، وإشعاراً بأن كفرهم جسرهم على هذا القول. قوله: ﴿ سَاحِرٌ ﴾ أي فيما يظهره من الخوارٌ. قوله: ﴿ كَذَّابٌ ﴾، أي فيما يسنده إلى الله من الإرسال والإنزال. قوله: ﴿ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ ﴾ إلخ، الاستفهام تعجبي، أي كيف يعلم الجميع، ويقدر على التصرف فيهم إله واحد؟ وسبب هذا التعجب، قيساهم للقديم على الحادث، ولم يعلموا أنه واحد لا من قلة، بل وحدته تعزز وانفراد، تنزه الله عن مماثلة الحوادث له. قوله: (عجيب) أشار بذلك إلى أن ﴿ عُجَابٌ ﴾ مبالغة في (عجيب). قوله: (عند أبي طالب) روي أنه لما أسلم عمر، شق ذلك على قريش، فاجتمع خمسة وعشرون من صناديدهم، فأتوا يا طالب فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأحضره وقال له: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك السواء والإنصاف، فلا تمل كل الميل على قومك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تسألونني؟ فقالوا: ارفضتا وارفض ذكر آلهتنا، وندعك وإلهك، فقال: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم، أمعكي أنتم كلمة واحدة تملكون بها رقاب العرب، وتدين لكم العجم، فقالوا: نعم وعشر أمثالها، فقال: قولوا لا إله إلا الله، فقاموا وانطلقوا قائلين: امشوا واصبروا على آلهتكم. قوله: (أي يقول بعضهم) إلخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ أَنِ ﴾ تفسيرية، وضابطها موجود، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله: ﴿ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ﴾ أي استمروا على عبادتها. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ تعليل للأمر بالصبر. قوله: ﴿ يُرَادُ ﴾ (منا) أي يقصد منا تنفيذه، فلا انفكاك لنا عنه. قوله: ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾ إخ، أي وإنما سمعنا فيها التثليث. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (أي لم ينزل عليه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ ﴾ اضراب عن مقدر تقديره انكارهم للذكر ليس عن علم، بل هم في شك منه. قوله: ﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾ اضراب انتقالي لبيات سبب الشك، والمعنى سببه أنهم لم يذوقوا العذاب إلى الآن، ولو ذاقوا لأيقنوا بالقرآن وآمنوا به. قوله: ﴿ يَذُوقُواْ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ لَّمَّا ﴾ بمعنى لم، فالمعنى لم يذوقوه إلى الآن، وذوقهم له متوقع، فإذا ذاقوا زال عنهم الشك وصدقوا، وتصديقهم حينئذ لا ينفعهم. قوله: (حينئذ أي حين ذاقوه. قوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾ المعنى أن النوبة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده فلا مانع له. قوله: (الغالب) أي الذي لا يغلبه شيء، بل هو الغالب لكل شيء. قوله: ﴿ ٱلْوَهَّابِ ﴾ أي الذي يهب من يشاء لمن يشاء. قوله: ﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ المعنى: ليس لهم تصرف في العالم الذي هو من جملة خزائن رحمته، فمن أين لهم التصرف فيها. قوله: ﴿ فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ ﴾ الفاء واقعة في جواب الشرط مقدر قدره بقوله: (إن زعموا ذلك) أي المذكور من العندية والملكية، والمعنى: فليصعدوا في المعاريج التي يتوصل بها العرش، حتى يستووا عليه، ويدبروا أمر العالم، وينزلوا الوحي على من يختارون. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي وبعضها قدرها ببل والهمزة. قوله: (أي وهم جند) أشار بذلك إلى أن ﴿ جُندٌ ﴾ خبر لمحذوف، والتنوين للتقليل، والتحقير، و ﴿ مَّا ﴾ لتأكيد القلة. قوله: ﴿ هُنَالِكَ ﴾ ظرف لجند أو بمهزوم. قوله: ﴿ مَهْزُومٌ ﴾ أي مقهور ومغلوب، والمعنى ﴿ جُندٌ ﴾ إن قريشاً جند حقير قليل من الكفار المتحزبين على الرسل مهزوم مكسور عن قريب، فلا تكترث بهم، وتسلَّ عنهم. قوله: (صفة جند أيضاً) أي فقد وصف ﴿ جُندٌ ﴾ بصفات ثلاث: الأولى ﴿ مَّا ﴾ والثانية ﴿ مَهْزُومٌ ﴾ والثالثة ﴿ مِّن ٱلأَحَزَابِ ﴾ قوله: (وأولئك) أي الأحزاب.
قوله: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ إلخ، استئناف مقرر لمضمون ما قبله ببيان تفاصيل الأحزاب. قوله: (باعتبار المعنى) أو وهو أنهم أمة. قوله: (كان يتد) من باب وعد، أي يدق ويغرز، و ﴿ ٱلأَوْتَادِ ﴾ جمع وتد، بفتح الواو وكسر التاء على الأفصح. قوله: (يشد إليها يديه) إلخ، أي ويضجعه مستلقياً على ظهره. قوله: (ويعذبه) قيل: يتركه حتى يموت، وقيل: يرسل عليه العقارب والحيات، وقيل: معنى ذو الأوتاد: ذو الملك الثابت، أو ذو الجموع الكثيرة، وفي ﴿ ٱلأَوْتَادِ ﴾ استعارة بليغة، حيث شبه الملك ببيت الشعر، وهو لا يثبت إلا بأوتاد. قوله: (أي الغيضة) أي الأشجار الملتفة المجتمعة، وتقدم أنهم أهلكوا بالظلة. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ بدل من الطوائف المذكورة، وقوله: ﴿ إِن كُلٌّ ﴾ إلخ، استئناف جيء به تقريراً لتكذيبهم، وبياناً لكيفيته، وتمهيداً لما يعقبه، و ﴿ إِن ﴾ نافية لا عمل لها لانتقاض النفي بإلا. قوله: (لأنهم) إلخ، جواب سؤال كيف يقال: إن كلاً كذب الرسل، مع أن كل أمة كذبت رسولاً واحداً. قوله: ﴿ وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ ﴾ شروع في بيان عقاب كفار مكة، إثر بيان عقاب إخوانهم الأحزاب، قوله: (هي نفخة القيامة) أي الثانية. قوله: ﴿ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾ الجملة في محل صفة لصيحة، و ﴿ مِن ﴾ مزيدة في المبتدأ. قوله: (بفتح الفاء وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان بمعنى واحد، هو الزمان الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع، والمعنى: ما لها من توقف قدر فواق باقة، وقال ابن عباس: ما لها من رجوع، من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته، وقد مشى عليه المفسر، وكل صحيح. قوله: (لما نزل﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ ﴾[الحاقة: ١٩] إلخ، أي الذي في سورة الحاقة. قوله: ﴿ قِطَّنَا ﴾ أي نصيبنا وحظنا، وأصله من قط الشيء أي قطعه. قوله: (أي كتاب أعمالنا) سمي قطاً لأنه مقطوع أي مقطوع، لأن صحيفة الأعمال قطعة ورق مقطوعة من غيرها. قوله: ﴿ قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ ﴾ أي في الدنيا.
قوله: ﴿ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ فيه تهديد للكفار، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ﴾ إلخ، والمقصود من ذكر تلك القصص، إظهار فضل المتقدمين، وتسليته له صلى الله عليه وسلم على أذى قومه، فيقتدي بمن قبله لكونه سيد الجميع، فهو أولى بالصبر، والإضافة في عبدنا لتشريف المضاف. قوله: ﴿ ذَا ٱلأَيْدِ ﴾ مصدر مفرد بوزن البيع، من آد يئيد، إذا قوي واشتد، وليس جمع يد. قوله: (كَان يصوم يوماً ويقطر يوماً) أي وهو جهاد للنفس، دليل على قوة داود، لأن النفس كالطفل، فإذا فطمها عن شهوتها بالصوم يوماً، أطلقها في اليوم الثاني، ثم يعود لفطمها، ولا شك أنه جهاد عظيم. قوله: (ويقوم نصف الليل) إلخ، هكذا في بعض النسخ موافقة لما في القرطبي والبيضاوي وأبي السعود، وفي بعض النسخ: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وهو المةافق لما في الصحيحين من قوله عليه السلام:" إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه "ولما في الجامع الصغير من قوله عليه الصلاة والسلام:" أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه "ولما في الجامع الصغير من قوله عليه الصلاة والسلام:" أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه "ولعله كان أحياناً هكذا، وأحياناً هكذا. قوله: ﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ تعليل لكونه ذا قوة في الدين. قوله: (إلى مرضاة الله) المرضاة بمعنى الرضا. قوله: ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ ﴾ تعليل آخر لقوته في الدين. قوله: ﴿ يُسَبِّحْنَ ﴾ أي بلسان المقال ويسرن معه في السياحة، والجملة حالية من مفعول سخرنا. قوله: (وقت صلاة العشاء) ظاهره أن المراد بها العشاء الآخرة، والذي يفعهم من كلام غيره، أنها المغرب حيث قال: فكان داود يسبح إثر صلاته، عند طلوع الشمس وعند غروبها. قوله: (ويتناهى ضوؤها) أي وهو ربع النهار. قوله: ﴿ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً ﴾ بالنصب في قراءة العامة معطوف على الجبال، وقرئ شذوذاً بالرفع مبتدأ وخبر. قوله: ﴿ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾ أشار المفسر إلى أن الضمير في ﴿ لَّهُ ﴾ عائد على ﴿ دَاوُودَ ﴾، وحينئذ فالمعنى: كل من الجبال والطير مطيع لداود في تسبيحه إن رفع رفعوا، وإن خفض خفضوا، وهو أحد قولين، والآخر أنه عائد على الله تعالى، والمعنى: كل من داود والجبال والطير مطيع لله تعالى. قوله: (بالحرس) بفتحتين اسم جمع كخدم، أو بضم الحاء وفتح الراء المشددة جمع حارس. قوله: (ثلاثون ألف رجل) في رواية ابن عباس ستة وثلاثون ألفاً. قوله: (النبوة والإصابة في الأمور) هذا أحد أقوال تفسير الحكمة، وقيل هي العلم بكتاب الله تعالى، وقيل: العلم والفقه، وقيل: السنة. قوله: (البيان الشافي) أي الإظهار المنبه للمخاطب من غير التباس، وهو أحد أقوال في تفسير فصل المخاطب، وقيل الفصل في الفضاء، وقيل: هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وقيل: هو أما بعد، وقيل: غير ذلك. قوله: (التعجيب) أي حمل المخاطب على التعجب، أو إيقاعه في العجب. قوله: (إلى استماع ما بعده) أي بكونه أمراً غريباً، كقولك لجليسك: هل تعلم ما وقع اليوم؟ تريد أن يستمع لكلامك، ثم تذكر له ما وقع.
قوله: ﴿ إِذْ تَسَوَّرُواْ ﴾ ظرف لمضاف محذوف تقديره نبأ تخاصم الخصم، ولا يصح أن يكون ظرفاً لأتاك، لأن إتيان النبأ كائن في عهد رسول الله، لا في عهد داود، ولا لنبأ، لأن النبأ واقع في عهد داود، فلا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي مسجده) أي الذي كان يدخله للاشتغال بالعبادة والطاعة. قوله: (حيث منعوا الدخول عليه من الباب) أي لكونهم أتوه في اليوم الذي كان يشتغل فيه بالعبادة، فمنعهم الحرس الدخول عليه من الباب.
قوله: ﴿ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ أي لأنهم نزلوا من أعلى، على خلاف العادة والحرس حوله. قوله: ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾ جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا قالوا لما شاهدوا فزعه؟ فقال: قالوا: لا تخف. قوله: (قيل: فريقان) هذا مبني على أن الداخل فيه كان أزيد من اثنين، فكان المتخاصمين والشاهدين والمزكيين. قوله: (وفيل: اثنان) أي شخصان، وهو مبني على أن الداخل المتداعيان فقط. قوله: (والخصم يطلق) إلخ، أي لأن في الأصل مصدر. قوله: (وهما ملكان) قيل هما جبريل وميكائيل. قوله: (على سبيل العرض) بالعين المهملة أي التعريض، وهو جواب عما يقال: إن الملائكة معصومون، فكيف يتصور منهم البغي أو الكذب؟ فأجاب: بأن هذا على سبيل التعريض للمخاطب، فلا بغي فيه ولا كذب. قوله: (لتنبيه داود) أي ايقاظه على ما صدر منه. قوله: (وكان له تسع) إلخ، بيان لما وقع منه. قوله: (وطلب امرأة شخص) هو وزيره أوريا بن حان لسر عظيم، وهو كما قيل: إنها أم سليمان عليه السلام. قوله: (وتزوجها ودخل بها) مشى المفسر على أن داود سأل أوريا طلاق زوجته، ثم بعد وفاء عدتها، تزوجها داود ودخل بها، وهو أحد أقوال ثلاثة، والثاني: أن داود لما تعلق بها قلبه، أمر أوريا ليذهب للجهاد ليقتل فيتزوجها ففعل، فلما قتل في الجهاد تزوجها داود، والثالث أن أوريا لم يكن متزوجاً بها، وإنما خطبها فقط، فخطبها داود على خطبته وتزوجها، وكان ذلك كله جائزاً في شرعه، وإنما عاتبه الله لرفعة قدره، وللسيد أن يعاقب عبده على ما يقع منه، وإن كان جائزاً، من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: ﴿ وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ العام على ضم التاء من أشطط إذا تجاوز الحد، وقرئ شذوذاً تشطط بفتح الناء وضم الطاء، وتشط من أشط رباعياً، إلا أنه أدغم، وتشطط من شطط وتشاطط. قوله: ﴿ إِنَّ هَذَآ أَخِي ﴾ إلخ، مرتب على مقدر تقديره: فقال لهما داود تكلما، فقال أحدهما: إن هذا أخي، إلخ. قوله: (أي على ديني) أي فليس المراد أخوة النسب. لأن الملائكة لا يلدون، ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. قوله: (يعبر بها عن المرأة) أي يكنى بها عن المرأة لسكونها وعجزها، وقد يكنى عنها بالبقرة والناقة. قوله: (أي اجعلني كافلها) هذا هو معناه الأصلي، والمراد هنا ملكنيها وانزل لي عنها. قوله: ﴿ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ ﴾ أي فهو أصح مني في الكلام، فالغلبة له علي لضعفي. قوله: (وأقره الآخر) أي المدعى عليه، وهو جواب عما يقال: كيف حكم داود، ولم يسمع شيئاً من المدعى عليه؟ فأجيب: بأنه سمع منه الإقرار والاعتراف. قوله: ﴿ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ ﴾ من أضافة المصدر لمفعوله والفاعل محذوف، أي بأن سألك نعجتك. قوله: (ليضمها) أشار بذلك إلى أنه ضمن السؤال معنى الإضافة والضم. قوله: ﴿ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾ (الشركاء) أي الذين خلطوا أموالهم، وفيه إشارة إلى أن داود ساير ظاهر دعواهم. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ استثناء متصل. قوله: (فتنبه داود) أي علم أنهما يريدانه بهذا التعريض. قوله: ﴿ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ ما زائدة، والمعنى وظن داود أنا فتناه فتنيه ولاحظ، والظن هنا بمعنى اليقين كما أشار له المفسر. قوله: ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾ أي طلب منه المغفرة، وتقدم أنه ليس بذنب، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (أي ساجداً) عبر بالركوع عنه، لأن كلاً منهما فيه انحناء. قوله: ﴿ وَأَنَابَ ﴾ أي رجع إلى مولاه، قال المفسرون: سجد داود أربعين يوماً لا يرفع رأسه إلا لحاجة، أو لوقت صلاة مكتوبة، ثم يعود ساجداً إلى تمام الأربعين يوماً، لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي، حتى نبت العشب حول رأسه، وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله التوبة، وكان من دعائه في سجوده: سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء، سبحان خالق النور، سبحان الحائل بين القلوب، سبحان خالق النور إليه خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال هذا داود الخاطئ، سبحانه خالق النور، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة، وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي، سبحان خالق النور، إلهي يأي قدم أقدم أمامك يوم القيامة يوم تزل أقدام الخاطئين، سبحان خالق النور، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده، سبحان خالق النور، إلهي أنا لا أطيق حر شمسك فكيف أطبق حر نارك، سبحان خالق النور، إلهي أنا لا أطلق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصابه، سبحان خالق النور، إلهي كيف يستر الخاطئون بخطاياهم دونك وأنت تشاهدهم حيث كانوا، سبحان خالق النور، إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، سبحان خالق النور، إلهي اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواني، سبحان خالق النور، إلهي أعوذ بك بوجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني، سبحان خالق النور، إلهي ففررت طغليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ولا تحزني يوم الدين، سبحان خالق النور. قيب: مكث داود أربعين يوماً، لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه، فنودي يا داود أجائع أنت فتطعم؟ أظمآآن أنت فتسقى؟ أمظلوم أنت فتنصر؟ فأجيب في غير ما طلب، ولم يجبه في ذكر خطيئته بشيء، فحزن حتى هاج ما حوله من العشب فاحترق من حرارة جوفه، ثم أنزل الله تعالى له التوبة والمغفرة بقوله: ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ ﴾ وقد ورد أنه لما قبل الله توبته، بكى على خطيئته ثلاثين سنة، لا يرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان سنه إذ ذاك سبعين سنة، فقسم الدهر على أربعة: يوم للقضاء، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الجبال والفيافي والسياحة، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب، فيجتمع إليه الرهبان، ينوح معهم على نفسه، فإذا كان يوم سياحته، خرج إلى الفيافي ويرفع صوته بالبكاء، فتبكي معه الأشجار والرمال والطيور والوحوش، حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالبكاء، فتبكي معه دواب البحر وطير الماء، فإذا كان يوم من نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه، فليحضره من يساعد ويدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط فيها ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها، ويجيء أربعة آلاف راهب فيجلسون في تلك المحاريب، فيبسط فيها ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها، ويجيء أربعة آلاف راهب فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود عليه السلام صوته بالبكاء والرهبان معه فلا يزال يبكي حتى يغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، وقد ورد أيضاً أنه لما تاب الله على داود قال: يا رب غفرت لي فكيف لي أن أنسى خطيئتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة، فوسم الله خطيئته في يده اليمنى، فما رفع فيها طعاماً ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا وبسط راحته فاستقبل بها الناس ليروا وسم خطيئته، وكان يبدأ إذا دعا واستغفر للخاطئين قبل نفسه، وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر، فلما كان من خطيئته ما كان، صام الدهر كله وقام الليل كله، وكان إذا ذكر عقاب الله تعالى انخلعت أوصاله، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت ١. هـ ملخصاً.
قوله: ﴿ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يحتمل أنه كلام مستأنف، بيان للزلفى في قوله: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾ يحتمل أن مقول القول محذوف معطوف على قوله: ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ﴾ كأنه قيل: فغفرنا له وقلنا يا داود إلخ، وفي هذه الآية دليل على أن خلافته التي كانت قبل الفتنة، باقية مستمرة بعد التوبة. قوله: (تدبر أمر الناس) أي لكونك ملكاً وسلطاناً عليهم، فقد جمع لداود بين النبوة والسلطنة، وكان فيمن قبله النبوة مع شخص والسلطنة مع آخر، فيحكم للسلطان بما يأمره به النبي. قوله: ﴿ لنَّاسِ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي العدل، لأن الأحكام إذا كانت موافقة لما أمر الله به، صلحت الخلق واستقام نظامهم، بخلاف ما إذا كانت موافقة لهوى النفس، فإن ذلك يؤدي إلى فساد النظام، ووقوع الهرج والمرج المؤدي للهلاك، وهو معنى قولهم: العدل إذا دام عمر، والظلم إن دام دمر. قوله: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ المقصود من نهيه اعلام أمته بأنه معصوم، ولتتبعه فيما أمر به، لأنه إذا كان هذا الخطاب للمعصوم فيغيره أولى. قوله: ﴿ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ بالنصب في جواب النهي، وهو أولى من جعله مجزوماً عطفاً على النهي، وفتح للتخلص من التقاء الساكنين. قوله: (أي عن الدلائل الدالة على توحيده) إنما فسر السبيل بذلك وإن كان شاملاً لفروع الدين الموصلة إلى الله تعالى، ليوافق قوله: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ ﴾ إلخ. قوله: (بنسيانهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية والباء سببية، وقوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ ﴾ إما ظرف لقوله: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ ﴾ أو مفعول لنسوا. قوله: (المرتب عليه) إلخ، أي فالسبب الحقيقي في حصول العذاب لهم، هو ترك الإيمان، ونسيان يوم الحساب سبب في ترك الإيمان، فاكتفى بذكر السبب. قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ ﴾ إلخ، استئناف لتقرير ما قبله من البعث والحساب. قوله: ﴿ بَاطِلاً ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي خلقنا باطلاً، أو حال من ضمير الخلق. قوله: ﴿ ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي مظنونهم. قوله: ﴿ فَوَيْلٌ ﴾ هو في الأصل معناه الهلاك، أي هلاك ودمار للذين كفروا، وعبر بالظاهر تقبيحاً عليهم، واشارة إلى أن مظنهم إنما نشأ من أجل كفرهم. قوله: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ إلخ ﴿ أَمْ ﴾ منقطعة تفسر ببل والهمزة، وهو إضراب انتقالي من أمر البعث والحساب، إلى بيان عدم استواء المؤمنين والكافرين في العواقب، وهو نظير قوله تعالى:﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾[الجاثية: ٢١] الآية. قوله: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ إلخ، تنويع آخر في الإضراب، والمعنى واحد. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي مع بل التي للإضراب. قوله: (خبر مبتدأ محذوف) أي و ﴿ أَنزَلْنَاهُ ﴾ صفة ﴿ كِتَابٌ ﴾ و ﴿ مُبَارَكٌ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أو خبر ثان لا صفة ثانية للكتاب، لأنه يلزم عليه الوصف بالجملة قبل الوصف بالمفرد، وفيه خلاف. قوله: (ينظروا في معانيها) أي يتأملوا فيها، فيزدادوا معرفة ونوراً على حسب مشاربهم، فإن التالين للقرآن على مراتب، فالعامة يقرؤونه مرتلاً مجوداً مراعي بعض معانيه على حسب الطاقة، والخاصة يقرؤونه ملاحظين أنهم في حضرة الله تعالى يقرؤون كلامه عليه، وخاصة الخاصة يقرؤون فانين عن أنفسهم مشاهدين أن لسانهم ترجمان عن الله تعالى، رضي الله عنهم وعنا بهم. قوله: ﴿ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بالذكر. قوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ ﴾ أي من المرأة التي أخذها من أوريا، وكان سنه إذ ذاك سبعين سنة. قوله: (أي سليمان) تفسير للمخصوص بالمدح. قوله: ﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ﴾ ظرف لمحذوف تقديره: اذكر يا محمد لقومك وقت أن عرض إلخ، والمعنى اذكر القصة الواقعة في ذلك الوقت. قوله: (ما بعد الزوال) أي إلى الغروب. قوله: (وهي القائمة) أي الواقفة على ثلاثة قوائم. قوله: (على طرف الحافر) أي من رجل أو يد. قوله: (وهو من صفن) أي مأخوذ منه، والصافن من الآدميين الذي يصف قدميه ويقرن بينهما، وجمعه صفون. قوله: (جمع جواد) وقيل: جمع جيد يطلق على كل من الذكر والأنثى، مأخوذ من الجودة أو الجيد وهو العنق، والمعنى طويلة العنق لفراهتها. قوله: (المعنى) أي معنى الصافنات الجياد. قوله: (وكان ألف فرس) روي أنه غزا أهل دمشق ونصيبين وأصاب منهم ألف فرس، وقيل: أصابها أبوه من العمالقة فوضع يده عليها لبيت المال، وقيل: خرجت له من البحر ولها أجنحة. قوله: (لإرادة الجهاد) أي ليختبرها. قوله: ﴿ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ ﴾ إلخ، أي على وجه الاعتذار عما صدر منه وندماً عليه، وضمن أحببت معنى آثرت فعداه بعن. قوله: (أي الخليل) إنما سماها خيراً لتعلق الخير بها لما في الحديث:" الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة "قوله: ﴿ بِٱلْحِجَابِ ﴾ أي وهو جبل دون جبل ق بمسيرة سنة تغرب من ورائه.
قوله: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ (*) ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ﴾ الخطاب لأتباعه المتولين أمر الخيل، والضمير عائد على التي شغلته وهي التسعمائة، وأما المائة الأخرى فلم يذبحها، وما في أيدي الماس من الخيل الجياد فمن نسل تلك المائة. قوله: (أي ذبحها وقطع أرجلها) أي وكان مباحاً له، ولذا لم يعاتبه الله عليه، وهذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين، وقيل: الضمير في قوله: ﴿ رُدُّوهَا ﴾ عائد على الشمس، والخطاب للملائكة الموكلين بها فردوها، فصلى العصر في وقتها، وقال الفخر الرازي: معنى قوله: ﴿ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ ﴾ أي يمسحها حقيقة بيده ليختبر عيوبها وأمراضها. لكونه كان أعلم بأحوال الخيل، وإشارة إلى أنه بلغ من التواضع، إلى أنه يباشر الأمور بنفسه، ولم يحصل منه ذبح ولا عقر، ولم تفوت عليه صلاة، ومعنى﴿ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي ﴾[ص: ٣٢] أي لأجل طاعة ربي لا لهوى نفسي، ومعنى﴿ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ﴾[ص: ٣٢] أي الخيل غابت عن بصره حين أمر بإجرائها ليختبرها للغزو فقال: ردّوها علي، فردوها، فصار يمسح في أعناقها وسوقها كما تقدم، وليس في الآية ما يدل على ثبوت ذبح ولا عقر ولا فوات صلاة ا. هـ بالمعنى.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ﴾ إلخ، أجمل المفسر في القصة. وحاصل تفسيرها على ما رواه وهب بن منبه قال: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، وبها ملك عظيم الشأن، ولم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر، وكأن الله تعالى قد أتى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع عليه شيء في برد ولا بحر، وإنما يركب إليه الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء، حتى نزل بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنتاً لذلك الملك يقال لها جرادة، لم ير مثلها حسناً ولا جمالاً، فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه، وأحبها حباً لم يحب مثله أحداً من نسائه، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها، فشق ذلك على سليمان فقال لها: ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت: إن ربي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك، فقال سليمان، فقد أبدلك الله به ملكاً هو أعظم من ذلك؟ قالت: إن ذلك كذلك، ولكنني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين، فصوروا لي صورته في داري التي أنا فيها، أراها بكرة وعشية، لرجوت أن يذهب ذلك حزني، وأن يسلي عن بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان الشياطين فقال: مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه، فألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها، ثم كانت تصنع في ملكه أي أبيها، وتروح في كل عشية بمثل ذلك، وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحاً، وبلغ ذلك إلى أصف بن برخيا، وكان صديقاً له، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أية ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل سواه، كان سليمان حاضراً أو غائباً، فأتاه وقال: يا نبي الله، إن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة، فقال سليمان: في داري؟ قال في دارك، قيل: فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم رجع سليمان إلى داره، فكسر ذلك الصنم وعاتب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الظهيرة فأتى بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولا يغسلها إلا الأبكار، لم تمسها يد امرأة قد رأت الدم، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، وأمر برماد ففرش له، ثم أقبل تائباً إلى الله تعالى، حتى جلس على ذلك الرماد، وتمعك به في ثيابه تذللاً إلى الله تعالى، وتضرعاً اليه يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره، وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة، كان إذا دخل الخلاء، أو أراد إصابة امرأة من نسائه، وضع خاتمه عندها حتى يتظهر، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر، وكان ملكه في خاتمه، فوضعه يوماً عندها ثم دخل مذهبه، فأتاها شيطان اسمه صخر المارد ابن عمير في صورة سليمان، لا تنكر منه شيئاً، فقال: يا أمينة خاتمي، قالت: من أنت؟ قال: سليمان بن داود، فقالت: كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه، فعرف سليمان أن خطيئته أدركته، فخرج وجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل ويقول: أنا سليمان بن داود، فيحثون عليه التراب ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان، فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب السوق ويعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة، ويشوي الأخرى فيأكلها، فمكث على ذلك أربعين صباحاً، عدة ما كان يعبد بعد الوثن في داره، ثم إن آصف وعظماء بني إسرائيل، أنكروا حكم عدو الله الشيطان في تلك المدة، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيتم؟ فقالوا: نعم، فلما مضى أربعون صباحاً، طار الشيطان عن مجلسه، ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه، فأخذته سمكة فأخذها بعض الصيادين، وقد عمل له سليمان صدر يومه، فلما أمسى أعطاه سمكتيه، فباع سليمان أحدهما بأرغفة، وبقر بطن الأخرى ليشوبها، فاستقبله خاتمه في جوفها، فأخذه وجعله في ديه وخر الله ساجداً، وعكف عليه الطير والجن، وأقبل الناس عليه، وعرف أن الذي دخل عليه من أحل ما حدث في داره، فرجع إلى ملكه، وأظهر التوبة من ذنبه، وأمر الشياطين أن يأتوه بصخر المارد، فأتى به فأدخله في جوف صخرة وسد عليه بأخرى، ثم أوقفها بالحديد والرصاص، ثم أمر به فقذف به في البحر، فهو باق فيها إلى النفخة، وسيأتي رد تلك القصة، وأنها من موضوعات الأخباريين. قوله: (لتزوجه بامرأة) أي واسمها جرادة. قوله: (هواها) هويها قياسه بمعنى أحبها من باب صدى، وأما هوى كرمى فهو بمعنى سقط، وفي نسخة يهواها وهي ظاهرة. قوله: (وكانت تبعد الصنم) أي وهو صورة أبيها، ومدة ذلك أربعون يوماً. قوله: (وكان ملكه في خاتمه) أي كان ملكاً مرتباً على لبسه إياه، فإذا لبسه سخرت له الريح والجن والشياطين وغيرها، وإذا نزعه زال عنه وكان خاتمه من الجن، وهو من جملة الأشياء التي نزل بها آدم من الجنة، وقد نظمها بعضهم بقوله: وآدم معه أنزل العود والعصا   لموسى من الآس النبات المكرموأوراق تين واليمين بمكة   وختم سليمان النبي المعظموقوله العود: المراد به عود البخور، وقوله واليمين بمكة: المراد بالحجر الأسود، وورد في الحديث:" أن نقش خاتم سليمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله "قوله: (ووضعه عند امرأته) في عبارة غيره أم ولده المسماة بالأمينة. قوله: (هو ذلك الجني) أي وسمي جسداً، لأنه ليس فيه روح سليمان، وإن كان فيه روحه هو، لأن الجسد هو الجسم الذي لا روح فيه. قوله: (وهو صخر) أي ابن عمير المارد. قوله: (رجع سليمان إلى ملكه) هذا التفسير مبني على أن قوله: ﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾ مرتبط بقوله: ﴿ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ﴾ وقال غيره: إنه مرتبط بقوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ﴾ ومعنى إنابته: رجوعه إلى الله تعالى وتوبته. قوله: (بعد أيام) أي أربعين، قال القاضي عياض وغيره من المحققين: لا يصح ما نقله الإخباريون، من تشبه الشيطان بسليمان، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه، وإن الشياطين لا يتسلطون على مثل هذا، وثج عصم الله تعالى الأنبياء من مثل هذا، والذي ذهب إليه المحققون، أن سبب فتنتنه، ما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، وفي رواية على مائة امرأة، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وايم الله الذي نفسي بيده، لو قال إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون "قال العلماء: والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه، أنه ولج وله ولد، فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لم ننفك من البلاء، فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخيله، فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب بحمله، فكان يربيه في السحاب خوفاً من الشياطين، حيث لم يتوكل عليه في ذلك، فتنبه واستغفر ربه. إذا علمت ذلك، فالمناسب أن يعرج على ما في الصحيحين، ويترك تلك القصة البشعة. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي ﴾ إنما قال ذلك تواضعاً وإظهاراً للخضوع للمولى عز وجل، وإلا فهو لم يحصل منه ذنب، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً ﴾ إلخ، قدم طلب المغفرة اهتماماً بأمر الدين. قوله: ﴿ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ ﴾ أي ليكون معجزة لي. فليس طلبه للمفاخرة بأمور الدنيا، وإنما كان هو من بيت النبوة والملك، وكان في زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك، فطلب ما يكون معجزة لقوله، ومعجزة كل نبي ما اشتهر في عصره. قوله: ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ ﴾ تعليل للدعاء بالمغفرة والهبة. قوله: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ ﴾ أي أعدنا له تسخير الريح، بعد ما كان قد ذهب بزوال ملكه، وهذا على ما مشى عليه المفسر، وعلى ما مشى عليه المحققون، فيقال: أدمنا تسخيرها. قوله: ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ بيان لتسخيرها له. قوله: ﴿ رُخَآءً ﴾ حال من قوله: ﴿ ٱلرِّيحَ ﴾.
قوله: (لينة) أي غير عاصفة، وهذا في أثناء سيرها وأما في أوله فهي عاصفة، فكانت العاصفة تقلع البساط والرخاء تسيره. قوله: أي اياها، فالمصدر مضاف لفاعله.
قوله: ﴿ كُلَّ بَنَّآءٍ ﴾ بدل من الشياطين. عطف على ﴿ وَآخَرِينَ ﴾ عطف على ﴿ كُلَّ بَنَّآءٍ ﴾ وذلك أن سليمان قسم الشياطين إلى عملة، استخدمهم في الأعمال الشاقة من البناء والغوص ونحو ذلك، وإلى مقرنين في السلاسل كالمردة والعتاة. قوله: (القيود) من المعلوم أن القيد يكون في الرجل، فلا يلتئم مع قوله: (بجمع أيديهم) إلخ، فلو فسر الأصفاد بالأغلال لكان أولى، لأنها تطلق عليها، كما تطلق على القيود. قوله: (وقلنا له) ﴿ هَـٰذَا ﴾ أي هذا الملك عطاؤنا. قوله: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه متعلق بعطاؤنا، أي أعطيناك بغير حساب وبغير حصر. الثاني أنه حال من عطاؤنا، أي في حال كون عطائنا غير محاسب عليه. والثالث أنه متعلق بامنن أو امسك، والمعنى أعط من شئت، وامنع من شئت، لا حساب عليك في إعطاء ولا منع. قال الحسن: ما أنعم الله نعمة على أحد، وإلا عليه فيها تبعة، إلا سليمان، فإنه إن أعطى أجر، وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة. قوله: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ أي زيادة خير في الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ ﴾ عطف على قوله:﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ﴾[ص: ١٧] عطف قصة على قصة، وليس معطوفة على قصة سليمان، لأن لكمال الاتصال بينه وبين أبيه، لم يصدر في قصته بقوله واذكر عبدنا سليمان مثلاً، بل كانا كأنهما قصة واحدة، وتقدم لنا في الأنبياء، أن أيوب بن أموص بن رازح بن روم بن رعيل بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقيل: إنه ابن عيصو بن اسحاق، وقيل: وهو ابن أموص بن رعيل بن عيص بن إسحاق، وتقدمت قصته مفصلة في سورة الأنبياء. قوله: ﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ بدل من ﴿ عَبْدَنَآ ﴾ أو عطف بيان له. قوله: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ أي حين ابتلي بفقد ماله وولده وتمزيق جسده، وهجر جميع الناس له إلا زوجته، وكانت مدة بلائه ثلاث سنين، وقيل سبعاً، وقيل عشراً، وقيل ثماني عشرة. قوله: ﴿ بِنُصْبٍ ﴾ بضم فسكون، التعب والمشقة، وقوله: ﴿ وَعَذَابٍ ﴾ عطف سبب على مسبب. قوله: (تأدباً معه تعالى) أي لأن الشيطان هو السبب في ذلك، لأنه نفخ في أنفه، فمرض جسده ظاهراً وباطناً، إلا قلبه ولسانه. قوله: (وقيل له) أي حين رجا وقت شفائه. قوله: (فنبعت عين ماء) ظاهره أنها عين واحدة، وهو أحد قولين، وقيل: كانتا عينين بأرض الشام في أرض الجابية، فاغتسل من إحداهما، فأذهب الله تعالى ظاهر دائه، وشرب من الأخرى، فأذهب الله باطن دائه، وكانت إحدى العينين حارة، والأخرى باردة، فاغتسل من الحارة، وشرب من الأخرى.
قوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ ﴾ عطف على محذوف قدره المفسر بقوله: (فاغتسل) إلخ. قوله: (من مات من أولاده) أي وكانوا ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وقيل كل صنف سبع. قوله: (ورزقه مثلهم) أي: من زوجته وزيد في شبابها، واسمها، قيل رحمة بنت أفراثيم بن يوسف، وقيل ليا بنت يعقوب. قوله ﴿ رَحْمَةً ﴾ إلخ، مفعول لأجله، أي لأجل رحمتنا إياه، وليتذكر بحاله أولو الألباب. قوله: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ﴾ عطف على محذوف قدره المفس بعد بقوله: (وكان قد حلف) إلخ. قوله: (هو حزمة) أي ملء الكف. قوله: (لإبطائها عليه يوماً) واختلف في سبب بطئها المتسبب عنه حلفه، فقيل: إن الشيطان تمثل في طريقها في صورة حكيم يداوي المرضى، فمرت عليه فوجدت الناس منكبين عليه، فقالت له: عندي مريض، فقال: أداويه على أنه إذا برئ قال أنت شفيتني، ولا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فأشارت على أيوب بذلك، فحلف ليضربنها وقال: ويحك ذلك الشيطان، وقيل: إنها باعت دوائبها برغيفين، حين لك تجد شيئاً تحمله إلى أيوب، وكان ايوب يتعلق بها إذا أردا القيام، فلهذا حلف ليضربنها، وقيل غير ذلك. قوله: ﴿ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ أي لا تقع في يمينك بحيث تلزمك كفارته، وهذا الحكم من خصوصيات أيوب رفقاً بزوجته، وأما في شرعنا فلا يبر إلا بضرب المائة، وضربه بأعواد مجتمعة لا يعد واحدة منها، إلا إذا حصل منه ألم الضربة المنفردة. قوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾ أي علمناه، والمعنى أظهرنا صبره للناس. قوله: (أيوب) تفسير للمخصوص بالدح. قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ ﴾ إلخ، اذكر صبرهم على ما امتحنوا به. قوله: ﴿ أُوْلِي ٱلأَيْدِي ﴾ العامة على ثبوت الياء، وهو جمع يد، فكنى بذلك عن الأعمال، لأن أكثر الأعمال إنما يزاول بها، وقيل: المراد بالأيدي النعم، وفسرها المفسر بالقوة في العبادة، وكلها معان متقاربة، وقرئ شذوذاً بحذف الياء تخفيفاً. قوله: ﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ ﴾ تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية وعلو الرتبة بالعلم والعمل. قوله: ﴿ بِخَالِصَةٍ ﴾ صفة لموصوف محذوف تقديره بخصلة خالصة. قوله: (هي) ﴿ ذِكْرَى ٱلدَّارِ ﴾ جعلها المفسر خبر المحذوف. قوله: (وفي قراءة) إلخ، مقابل لما قدره المفسر، وهما قراءتان سبعيتان، فعلى القراءة الأولى يكون ﴿ ذِكْرَى ﴾ مرفوعاً على إضمار مبتدأ، وعلى الثاني يكون مجروراً بالإضافة، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف المحذوفة، والإضافة بيانية كما قال المفسر.
قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ ﴾ فصل ذكره عن أبيه وأخيه، للإشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بذكر مناقبهم. قوله: ﴿ وَٱلْيَسَعَ ﴾ هو ابن أخطوب بن العجوز، استخلفه الياس على بني إسرائيل، قم نبأه الله عليهم كما تقدم. قوله: (اختلف في نبوته) روى الحاكم عن وهب، أن الله بعث بعد أيوب ابنه بشراً وسماه ذا الكفل، فهو بشر بن أيوب، اختلف في نبوته ولقبه، والصحيح أنه نبي، وسمي ذا الكفل، إما لما قاله المفسر، أو لأنه تكفل بصيام النهار وقيام الليل، وأن يقي بين الناس ولا يغضب، فوفى بما التزم، وتقدمت قصته في الأنبياء. قوله: (أي كلهم) أي المتقدمين من داود إلى هنا. قوله: ﴿ هَـٰذَا ذِكْرٌ ﴾ جملة من مبتدأ وخبر، قصد بها الفصل بين ما قبلها وما بعدها، فهي للانتقال من غرض إلى آخر، ففيها تخلص من قصة، وكذا يقال في قوله هذا: وإن للطاغين إلخ. قوله: ﴿ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ إلخ، شروع في بيان أجرهم الجزيل بعد ذكرهم الجميل. قوله: (الشاملين لهم) أي فالمتقين يشملهم وغيرهم. قوله: ﴿ مُّفَتَّحَةً ﴾ حال من جنات عدْن، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل، و ﴿ ٱلأَبْوَابُ ﴾ مرفوعة باسم المفعول، وأل عوض عن الضمير. قوله: ﴿ مُتَّكِئِينَ ﴾ حال من الهاء في لهم، والاقتصار على دعاء الفاكهة للإيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذي، لأنه لا جوع فيها. قوله: (حابسين الأعين) أي لا ينظرن إلى غيرهم نظر شهوة وميل. قوله: (أسنانهن واحدة) أي فقد استوين في السن والجمال، وقيل: ﴿ أَتْرَابٌ ﴾ متآخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ولا يتحاسدن، وكل صحيح. قوله: (لأجله) أي لأجل وقوعه فيه، فوقوعه وانجازه فيه علة للوعد به في الدنيا. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا ﴾ من كلام الله تعالى، والمعنى أن هذا أي ما ذكر من الجنات وأوصافها لرزقنا، أي لهو الرزق الذي نتفضل له على عبادنا ﴿ مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ﴾ أي انقطاع أبداً. قوله: (أي دائماً) إلخ، لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ مبتدأ حذف خبره قدره بقوله: (المذكور) وهو تخلص من مآل المتقين لمآل المجرمين، فهو بمنزلة أما بعد.
قوله: ﴿ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ﴾ أي الكافرين. قوله: ﴿ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ مقابل قوله في حق المتقين﴿ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴾[ص: ٤٩].
قوله: ﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾ اي يكوون بها على سبيل التأبيد، وهو لازم للدخول. قوله: (الفراش) أي الغطاء والوطاء. قوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ مبتدأ، و ﴿ حَمِيمٌ ﴾ و ﴿ غَسَّاقٌ ﴾ و ﴿ آخَرُ ﴾ خبره، و ﴿ مِن شَكْلِهِ ﴾ صفة أولى لآخر، و ﴿ أَزْوَاجٌ ﴾ صفة ثانية له، وقوله: ﴿ فَلْيَذُوقُوهُ ﴾ جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، وهذا أحسن ما يقال. قوله: (محرق) أي للإمعاء لقوله في الآية الأخرى:﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾[محمد: ١٥].
قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (من صديد) إلخ بيان لما، كأنه قال: وهو صديد أهل النار الذي يسيل من جلودهم وفروجهم. قوله: (بالجمع والإفراد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي مثل المذكور) أي في كونه حاراً يقطع الأمعاء. قوله: (من أنواع مختلفة) أي كالحيات والعقارب والضرب بالمطارق والزمهرير، وغير ذلك من أنواع العذاب، أجارنا الله منه. قوله: (ويقال لهم) أي من خزنة النار. قوله: ﴿ مُّقْتَحِمٌ ﴾ الاقتحام: الألقاء في الشيء بشدة، فإنهم يضربون بمقامع من حديد، حتى يقتحموها بأنفسهم خوفاً من تلك المقامع، قوله: (فيقول المتبعون) أي جواباً للخزنة كأنهم يقولون: أنحسد على كثرة أتباعنا، مع كوننا وإياهم في النار؟قوله: ﴿ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ ﴾ مفعول لفعل محذوف تقديره لا أتيتم مرحباً، أي مكاناً واسعاً. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ ﴾ هو من كلام الرؤساء، أي إنهم صالوا النار كما صليناها. قوله: ﴿ قَالُواْ ﴾ أي الأتباع، أي جواباً للرؤساء. قوله: ﴿ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ ﴾ أي أنتم أحق بما قلتم لنا، فدأبهم أنه﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾[الأعراف: ٣٨].
قوله: ﴿ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ﴾ أي دللتمونا عليه، بتزيين الأعمال السيئة لنا واغوائنا عليها. قوله: (النار) هذا هو المخصوص بالذم. قوله: ﴿ قَالُواْ ﴾ (أيضاً) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الأتباع. قوله: (أي مثل عذابه وكفره) أي وهو عذاب الدلالة على الكفر، فإن الدال على الشر كفاعله. قوله: (أي كفار مكة) أي كأبي جهل وأبي بن خلف وغيرهما. قوله: (وهم في النار) الجملة حالية. قوله: ﴿ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً ﴾ أي أي شيء ثبت لنا لا نبصر رجالاً، إلخ. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ ﴾ إنما سموهم أشراراً لأنهم خالفوا دينهم.
قوله: ﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ ﴾ إما بوصل الهمز مكسورة، أو قطعها مفتوحة، قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى تكون الجملة صفة لرجالاً، أي رجالاً موصوفين بكوننا عددناهم من الأشرار، وبكوننا نسخر بهم في الدنيا، وعلى الثانية فالجملة استفهامية، حذفت همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام عنها، والمعنى: ما لنا لا نرى رجالاً موصوفين، بكوننا عددناهم من الأشرار اتخذناهم سخرياً، فهم مفقودون من النار، أم زاغت عنهم الأبصار، أي هم معنا في النار، لكن زاغت أبصارنا عنهم فلم نرهم. قوله: (بضم السين وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي كنا نسخر بهم) راجع لقراءة الوصل. قوله: (والياء للنسب) أي على كل من القراءتين. قوله: ﴿ أَمْ زَاغَتْ ﴾ على قراءة الوصل تكون ﴿ أَمْ ﴾ بمعنى بل، وعلى قراءة القطع تكون معادلة للهمزة. قوله: (وهم فقراء المسلمين) تفسير لقوله: ﴿ رِجَالاً ﴾.
قوله: (وسلمان) المناسب اسقاطه، لأن الكلام في أهل مكة، وهو إنما أسلم في المدينة. قوله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي المحكي عنهم من أقوالهم وأحوالهم. قوله: (وهو) ﴿ تَخَاصُمُ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ تَخَاصُمُ ﴾ خبر لمحذوف، والجملة بيان لاسم الإشارة قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ ﴾ أي لا ساحر ولا شاعر ولا كاهن، واقتصر على الإنذار لأن كلامه مع الكفار، وهم إنما يناسبهم الإنذار فقط، وإن كان مبشراً أيضاً. قوله: ﴿ ٱلْوَاحِدُ ﴾ أي المعدوم المثيل في ذاته وصفاته وأفعاله، وقد ذكر أوصافاً خمسة، كل واحد منها يدل على انفراده تعالى بالألوهية. قوله: ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي مالكهما. قوله: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾ كرر الأمر إشارة إلى الاهتمام به. قوله: (أي القرآن) تفسير لهو. قوله: (بما يعلم) أي من القصص والأخبار وغيرهما. قوله: (وهو) أي ما لا يعلم إلا بوحي، وفيه أن ما لا يعلم إلا بوحي، وهو قوله:﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾[ص: ٧١] إلخ، لا قوله: ﴿ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ ﴾ إلخ، إلا أن يقال إنه ذكر توطئة وتمهيداً لما لا يعلم إلا بالوحي. قوله: (أي الملائكة) أي وإبليس. قوله: ﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ منصوب إما بعلم أو بمحذوف، والتقدير: ما كان لي من علم بالملأ الأعلى وقت اختصامهم، أو ما طان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم.
قوله: ﴿ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ ﴿ إِلاَّ ﴾ أداة حصر، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر نائب فاعل يوحى، والتقدير: ما يوحى إلي إلا كوني نذيراً مبيناً، والحصر فيه وفي قوله:﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ ﴾[ص: ٦٥] اضافي، والمعنى لا ساحر ولا كذاب كما زعمتم. قوله: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (اذكر) ويصح أن يكون بدلاً من قوله:﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾[ص: ٦٩] إن حمل الاختصام على ما حصل في شأن آدم فقط، وإما إن جعل عاماً، فلا يصح جعله بدلاً منه، بل ظرف لمحذوف. قوله: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً ﴾ أي انساناً ظاهر البشر أي الجلد، ليس على جلده صوف ولا شعر ولا وبر ولا ريش ولا قشر. قوله: (أجريت) ﴿ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بالنفخ حقيقته لاستحالته على الله تعالى، وإنما هو لتمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها. قوله: (والروح جسم لطيف) إلخ، هذا هو قول جمهور المتكلمين وهو الأصح، وقيل: إن الروح عرض، وهي الحياة التي صار الجسم بها حياً، وقيل: إنها ليست بجسم ولا عرض، بل هي جوهر مجرد قائم بنفسه، له تعلق بالبدن للتدبير والتحريك، غير داخل فيه ولا خارج عنه، وهو قول بعض الفلاسفة. قوله: (بنفوذه فيه) أي سريانه فيه؛ كسريان الماء في العود الأخضر. قوله: ﴿ فَقَعُواْ ﴾ الفاء واقعة في جواب إذا. قوله: (سجود تحية بالانحناء) جواب عما يقال: كيف جاز السجود لغير الله تعالى؟ وتقدم قول بأنه كان سجوداً حقيقة بالجباه. وتقدم الجواب عنه، بأن محل كون السجود لغير الله تعالى؟ وتقدم قول بأنه كان سجوداً حقيقة بالجباه. وتقدم الجواب عنه، بأن محل كون السجود لغير الله غير جائز، ما لم يأمر به المولى تعالى، أو يقال: إن السجود لله تعالى، وآدم جعل كالقبلة. قوله: ﴿ فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ إلخ، قيل: أول من سجد لآدم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون، وكان السجود يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر، وقيل مائة سنة، وقيل خمسمائة سنة. قوله: (فيه تأكيدان) أي فكل منهما يفيد ما أفاد الآخر، وقيل: إن كل للإحاطة، و ﴿ أَجْمَعُونَ ﴾ للاجتماع، فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم، وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غر متفرقين في أوقات. قوله: (كان بين الملائكة) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع وهو الحق، وتقدم تحقيق ذلك. قوله: (في علم الله) أي أن الله تعالى علم في الأزل أنه يكفر فيما لا يزال، وكان مسلماً عابداً، طاف بالبيت أربعة عشرة ألف عام، وعيد الله ثمانين ألف عام. قوله: (أي توليت خلقه) أي بذاتي من غر واسطة أب وأم، وتثنية اليد إظهاراً لكمال الاعتناء بخلقه عليه السلام. قوله: ﴿ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾ (الآن) إلخ، أشار المفسر إلى جواب سؤال وارد وهو أن قوله: ﴿ مِنَ ٱلْعَالِينَ ﴾ معناه المتكبرين، فيلزم عليه التكرار، فأجاب: بأن المعنى أتركت السجود لاستكبارك الحادث، أم لاستكبارك القديم. قوله: ﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ هذا جواب من إبليس لم يطابق الاستفهام السابق، لأنه أجاب بأنه إنما ترك السجود، لكونه خيراً منه، وبين ذلك بأن أصله من النار، وأصل آدم من الطين، والنار أشرف من الطين، لكون النار نورانية، والطين من الأرض وهي ظلمانية، والنوراني أشرف من الظلماني، وهذه شبهته، وقد أخطأ فيها، لأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به، وزيادة على ذلك، أن النوع الإنساني تشرف بأمور: الأول من جهة الفاعل المشار إليه بقوله: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ والثاني من جهة الصورة المشار إليها بقوله: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ ومن جهة الغاية المشار إليها بقوله:﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ ﴾[البقرة: ٣٤]؛ ولم يحصل ذلك غير النوع الإنساني، فدل على أفضليته. قوله: (أي من الجنة) إلخ، هذا الخلاف مبني على الخلاف الواقع في أمر الملائكة بالسجود لآدم، هل كان بعد دخوله الحنة أو قبله؟ فقوله: (أي من الجنة) مبني على الأول، وقوله: (أو من السماوات) مبني على الثاني، وقيل: المعنى اخرج من الخلقة التي كنت عليها أولاً، لما ورد: أن إبليس كان يفتخر بخلقته، فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان أبيض، وقبح بعد ما كان حسناً، وأظلن بعد ما كان نورانياً، وروي أن إبليس كان رئيساً على اثني عشر ألف ملك، وكان له جناحان من زمرد أخضر، فلما طرد غيرت صورته، وجعله الله معكوساً على مثال الخنازير، ووجهه كالقردة، وهو شيخ أعور، وفي لحيته سبع شعرات مثل شعر الفرس، وعيناه مشقوقتان في طول وجهه، وأنيابه خارجة كأنياب الخنازير، ورأس كرأس البعير، وصدره كسنام الجمل الكبير، وشفتاه كشفتي الثور، ومنخراه مفتوحتان مثل كوز الحجام.
قوله: ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ إلخ، فإن قلت: إذا كان الرجم بمعنى الطرد، فاللعنة بمعناه ولزم التكرار. أجيب: بأن الرجم الطرد من الجنة أو السماء، واللعنة والطرد من الرحمة وهو أبلغ. قوله: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ ﴾ ذكرها هنا بالإضافة وفي غيرها بالتعريف تفنناً. قوله: ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾ فإن قلت: كلمة ﴿ إِلَىٰ ﴾ لانتهاء الغاية، فتقتضي انقضاء اللعنة عند مجيء يوم الدين، مع أنها لا تنقطع. أجيب: أن اللعنة قبل يوم الدين من الله وعيد بخلوده في العذاب، ومن العبيد طلب ذلك، وفي يوم الدين تحقق الوعيد والمطلوب. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ ﴾ أي أمهلني وأخرني، والفاء متعلقة بمحذوف تقديرها إذ جعلتني رجيماً فأمهلني ولا تمتني إلى يوم يبعثون، أي آدم وذريته، وأراد بذلك أن يجد فسحة لإغوائهم، ويأخذ منهم ثأره، وينجو من الموت بالكلية، إذ لا موت بع البعث. فأجابه الله تعالى بالإمهال مدة الدنيا لأجل الإغواء، لا بالنجاة من الموت. قوله: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ الباء للقسم، ولا ينافيه قوله تعالى في الآية الأخرى﴿ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾[الأعراف: ١٦] فإن إغواء الله تعالى له من آثار عزته التي أقسم بها هنا. قولهك (بنصبهما ورفع الأول) إلخ، أي فالقراءتان سبعيتان. قوله: (وجواب القسم) أي المذكور في بعض الأعاريب المتقدمة أو المحذوفة.
قوله: ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ توكيد للضمير في ﴿ مِنكَ ﴾ وما عطف عليه. قوله: (دون الملائكة) إنما أخرجهم من العالمين، وإن كان لفظ العالمين يشملهم لأجل قوله: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ والذكر معناه الموعظة والتخويف، وهو لا يناسب إلا الإنس والجن. قوله: (خبر صدقه) أي من ذكره الوعد والوعيد. قوله: (أي يوم القيامة) تفسير لـ ﴿ بَعْدَ حِينِ ﴾ والحين مدة الدنيا، وقال ابن عباس: بعد الموت، وقيل من طال عمره علم ذلك﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ ﴾[النصر: ١].
قوله: (بمعنى عرف) أي فهو متعد لمفعول واحد وهو نبأه، وقيل: إن علم على بابها فتنصب مفعولين، والثاني قوله: ﴿ بَعْدَ حِينِ ﴾.
Icon