تفسير سورة النجم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة النجم من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة النجم
مكية. وهي اثنتان وستون آية. وهي أول سورة أعلن بها النبي صلى الله عليه وسلم. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ أم يقولون تقوله ﴾ [ الطور : ٣٣ ] فأقسم هنا أنه ما ينطق عن الهوى، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾*﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾*﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾*﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾*﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾*﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾*﴿ وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ﴾*﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾*﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾*﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾*﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾*﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾*﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾*﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴾*﴿ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾*﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾*﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾*﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ والنجم ﴾ أي : الثريا، أو : جنس النجم ﴿ إِذا هَوَى ﴾ إذا غرب، أو : انتثر يوم القيامة، أو طلع، يقال : هَوَى هَوِياً، بوزن " قَيول " إذا غرب، وهَوى هُوياً، بوزن دُخول : إذا طلع. والعامل في ﴿ إذا ﴾ فعل القسم، أي : أقسم بالنجم وقت غروبه أو طلوعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

وجواب القسم :﴿ ما ضلَّ ﴾.
عن قصد الحق ﴿ صاحِبكُم ﴾ أي : محمد صلى الله عليه وسلم، والخطاب لقريش. ﴿ وما غَوَى ﴾ في اتباع الباطل، أو : ما اعتقد باطلاً قط، أي : هو في غاية الهدى والرشد، وليس مما تتوهموه من الضلالة والغواية في شيء. فالضلال، نقيض الهدى، والغي نقيض الرشد، ومرجعهما لشيء واحد، وهو عدم اتباع طريق الحق.
وقال الفخر : أكثر المفسرين لم يُفرقوا بين الغي والضلال، والفرق بينهما : أنَّ الغي في مقابلة الرشد، والضلال أعم منه، والاسم من الغي : الغَواية - بالفتح - والحاصل : أنّ الغي أقبح من الضلال، إذ لا يرجى فلاحه. وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان صاحبهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة، وإحاطتهم خُبراً ببراءته - عليه الصلاة والسلام - مما نفى عنه بالكلية، وباتصافه - عليه الصلاة والسلام - بغاية الهدى والرشد ؛ فإنَّ كون صحبتهم له صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً. وتقييد القسم بوقت الهُوى ؛ لأن النجم لا يهتدي به الساري إلا عند هبوطه أو صعوده، وأما ما دام في وسط السماء فلا يهتدي به، ولا يعرف المشرق من المغرب، ولا الشمال من الجَنوب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

ثم قال :﴿ وما ينطق عن الهوى ﴾ أي : وما يصدر نطقه بالقرآن أو غيره عن هواه ورأيه أصلاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ إنْ هو إِلا وحيٌ ﴾ من الله تعالى ﴿ يُوحَى ﴾ إليه، وهي صفة مؤكدة لوَحْي، لرفع المجاز، مفيدة لاستمرار التجدُّد للوحي، واحتج بهذه الآية مَن لا يرى الاجتهاد للأنبياء - عليه السلام - ويُجاب بأن الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي، لا نُطقاً عن الهوى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ علَّمه شديدُ القوى ﴾ أي : مَلكٌ شديد قواه، وهو جبريل عليه السلام : فإنه الواسطة في إيراد الوحي إلى الأنبياء، ومَن قوته أنه خلع قُرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى، وحملها على جناحه، ورفعاه إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحةً بثمود، فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده أسرع من لحظة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ ذو مِرَّةٍ ﴾ أي : ذو خصابة في عقله، ورزانة ومتانة في دينه. وأصل المِرة : الشدّة، من مراير الحبل، وهو فتله فتلاً شديداً، أو : ذو حُسن في منظره، ﴿ فاستوى ﴾ : عطفٌ على " علَّمه " بطريق التفسير، فإنه إلى قوله :﴿ ما أوحى ﴾ بيان لكيفية التعليم، أو : فاستقام على صورته التي خلقه الله عليها، دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلما هبط بالوحي، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ أن يراه في الصورة التي خلقه اللّهُ عليها، وكان صلى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريلُ من المشرق، وسدّ الأرض من المغرب، وملأ الأفق، فخرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في صورة الآدمي، فضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه.
قيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الأصلية إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رآه فيها مرتين ؛ مرة في الأرض، ومرة في السماء، وقيل : استوى بقوته على ما جعل له من الأمر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ وهو ﴾ أي : جبريل ﴿ بالأُفق الأعلى ﴾ أفق الشمس، أي : مطلعها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ ثم دنا ﴾ جبريلُ من النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ فتدلَّى ﴾ أي : زاد في القرب، أو : استرسل من الأفق مع تعلُّق به. يقال : تدلت الشجرة، ودلّى رجله من السرير، ودلّى دلوه، والدوالي : الثمر المُعلّق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ فكان قابَ قوسين ﴾ أي : مقدار قوسين عربيين. والقاب : المقدار. قال قتادة وغيره : معناه : من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال مجاهد والحسن : من الوتر إلى العود في وسط القوس، أي : فكان بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين، ﴿ أو أدنى ﴾ في تقديركم، كقوله :﴿ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٧ ] وهذا لأنهم خُوطبوا على لغتهم وفهمهم، وهم يقولون : هذا مقدار قوسين أو أدنى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ فأَوْحَى إلى عبده ما أَوْحَى ﴾ أي : فأوحى الله تعالى إلى عبده بواسطة تجلّي جبريل ﴿ ما أوحى ﴾ من الأمور العظيمة التي لا تفي بها العبارة، وقيل : أوحى إليه :" أنَّ الجنة مُحرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك " ويمكن حمل الآية على قصة المعراج، أي :﴿ علَّمه شديد القوى ﴾ وهو الله تعالى، ﴿ ذُو مِرة ﴾ أي : شدة ومتانة، ومنه : اسمه " المتين "، ﴿ فاستوى ﴾ بنوره أي : تجلّى بنور ذاته من ناحية الأُفق، أي : العلو ( فتدلّى ) ذلك النور ﴿ فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾ وفي البخاري :" فدنا ربُّ العزة دنو يليق بجلاله ومجده " ويرجع لتجلّيه لنبيه، وتنزُّله له، وتعرّفه له، وفي حديث الإسراء عنه - عليه الصلاة والسلام - :" سمع النداء من العلي الأعلى : أُدن يا خير البرية، أُدن يا محمد، فأدناني ربي حتى كنتُ كما قال تعالى :﴿ ثم دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾ ". قال القشيري : ويُقال : كان بينه وبين ربه قَدْر قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ ما كَذَبَ الفؤادُ ﴾ أي : فؤاد محمد عليه السلام ﴿ ما رأى ﴾ أي : ما رآه ببصره من صورة جبريل على تلك الكيفية، أو : من نور الحق تعالى الذي تجلّى له، أي : ما قال فؤاده لَمَّا رآه : لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذباً ؛ لأنه عرفه بقلبه، كما عرفه ببصره، وقيل : على إسقاط الخافض، أي : ما كذب القلب فيما رآه البصر، بل ما رآه ببصره حققه، وفي الحديث : سئل صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال :
" رأيت ربي بفؤادي مرتين " ١، حديث آخر :" جعل نور بصري في فؤادي، فنظرتُ إليه بفؤادي " ٢، يعني أنه انعكس نور البصر إلى نور البصيرة فرأى ببصره ما رأته البصيرة، وجاء أيضاً : أنه لما انتهى إلى العرش صار كله بصراً، وبهذا يرتفع الخلاف، وأنه رآه ببصر رأسه ؛ وقوله عليه السلام حين سأله أبو ذر : هل رأيت ربك ؟ فقال " نورَاني أراه " ٣ وفي رواية :" نورٌ أَنَّى أراه " ٤ ؟ بالاستفهام، وفي طريق آخر :" رأيت نوراً " ٥ وحاصلها : أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته ؛ إذ لا يمكن أن ترى الذات إلا بواسطة التجليات، كما هو مقرر عند محققي الصوفية، كما قال الشاعر :
وليستْ تُنال الذاتُ من غير مَظهرٍ ولو هُتك الإنسانُ من شدةِ الحرصِ
وقال كعب لابن عباس : إنَّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلَّم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين٦. وقيل لابن عباس : ألم يقل الله :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، قال : ذلك إذا تجلّى بنوره. الذي هو نوره الأصلي، يعني أن الله تعالى يتجلّى لخلقه على ما يطيقون، ولو تجلّى بنوره الأصلي لتلاشى الخلق، كما قال في الحديث :" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت تجليات وجهه ما أدركه من بصره " ٧.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.


١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦/١٦٠..
٢ أخرجه ابن كثير ابن كثير في تفسيره ٤/٢٥١..
٣ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦/١٦٠..
٤ أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩١..
٥ أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩٢..
٦ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٥٣ حديث ٣٧٢٨..
٧ أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩٣..
﴿ أَفتُمارونه ﴾ أي : أفتجادلونه، من : المراء، وهو المجادلة، واشتقاقه من : مَرْي الناقة، وهو استخراج لبنها، كأنَّ كل واحد من المتجادلين يَمْري ما عند صاحبه، أي : يستخرجه. وقُرئ في التواتر :" أَفَتَمْرُونه " أي : أفتغلبونه. ولما فيه من معنى الغلبة، قال تعالى :﴿ على ما يرى ﴾ فعدّى بعلى، كما تقول : غلبته على كذا، وقيل : أفتمرونه : أفتجحدونه، يقال : مريته حقّه : جحدته، وتعديته ب " على " على مذهب التضمين، والمعنى : أفتُخاصمونه على ما يرى معانيةً، وحققه باطناً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ ولقد رآه ﴾ أي : رأى محمدٌ جبريلَ على صورته الأصلية، أو : رأى ربه على تجلٍّ خاص وتعرفٍ تام، ﴿ نزلةً أخرى ﴾ مرةً أخرى، والحاصل : أنه عليه السلام رأى ربه بتجلٍّ خاص جبروتي مرتين، عند خرق الحُجب العلوية فوق العرش، عند السدرة، وأما رؤيته عليه السلام لله تعالى في مظاهر الكائنات ففي كل حين، لا يغيب عنه طرفة عين. والنزلة : فعلة من النزول، نُصب نَصبَ الظرف الذي هو " مرّة ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ عند سِدرة المنتهى ﴾ الجمهور : أنها شجرة النبق في السماء السابعة، عن يمين العرش، وتسميتها المنتهى ؛ إما لأنها في منتهى الجنة وآخرها، أو : لأنها لم يُجاوزها أحد، وإليها ينتهي علم الخلائق، ولا يعلم أحدٌ ما وراءها، أو : إليها ينتهي أرواح الخلائق، أو : أرواح الشهداء، وفي الحديث :" أنها شجرة يسير الراكب في ظلها ألف عام، لا يقطعها، والورقة منها تُظل الأُمّة، وتمرها كالقِلال الكبار " ١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.


١ انظر حديث الإسراء عند البخاري في بدء الخلق حديث ٣٢٠٧، ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٤..
﴿ عندها جنةُ المأوى ﴾ أي : الجنة التي يصير إليها المتقون ويأوون إليها، أو : تأوي إليها أرواح الشهداء والصدّيقين والأنبياء. قال ابن جُزي : يعني أن الجنة التي وَعَدَ اللّهُ بها عبادَه هي عند سدرة المنتهى، وقيل : هي جنة أخرى، والأول أظهر وأشهر. ه. ويؤيده ما في الحديث :" إن النيل والفرات يخرجان من أصلها " وهما من الجنة، كما في الصحيح١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.


١ لفظ الحديث عند مسلم في الجنة حديث ٢٦: "سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة"..
﴿ إِذ يغشى السدرةَ ما يغشى ﴾ ظرف للرؤية، أي : لقد رآه عند السدرة وقت ما غشيها ما غشيها، مما لا يكتنهه الوصف، ولا يفي به البيان، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، استحضاراً لصوتها البديعة، أو للإيذان باستمرار الغشيان وتجدُّده، وقيل : يغشاها الجمُّ الغفير من الملائكة، يعبدون الله تعالى عندها، وقيل : يزورونها متبركين بها، كما يزور الناسُ الكعبة، وقيل : يغشاها فَراش من ذهب، والفَراش - بفتح الفاء - ما يطير ويضطرب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ ما زاغ البصرُ ﴾ أي : بصر محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أي : ما عدل عن رؤية العجائب التي مُكِّنَ من رؤيتها، ﴿ وما طغى ﴾ وما جاوز ما أمر برؤيته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

﴿ لقد رأى من آيات ربه الكبرى ﴾ أي : والله لقد رأى من عجائب الملكوت وأسرار الجبروت وما لا يفي به نطاق العبارة وقد دُوِّنَتْ هنا كُتبٌ في عجائب ما رآه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى ؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، ﴿ إن هو ﴾ أي : ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة ؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الأعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي : رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة - أي : شجرة الكون - ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي ؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى : وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام : في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون - أي : في مظهر الكون - لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمًا، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة : أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله :﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ وأبهم ما غشيه ؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن ؟ ! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآة لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. هـ.

ولما فرغ من ذكر عظمة الله وكبريائه، ذكر حقارة من عبد دونه، ترهيبا وترغيبا، فقال :
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾*﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ﴾*﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى ﴾*﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾*﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ﴾*﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أفرأيتم اللاتَ والعُزّى ومناةَ الثالثةَ الأخرى ﴾ أي : أخبروني عن هذه الأشياء التي تبعدونها من دون الله، هل لها من القدرة والعظمة التي وُصف بها رَبُّ العزة في الآي السابقة حتى استحقت العبادة، أم لا ؟ واللات وما بعدها : أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف، وقيل : كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فَعْلَةٌ، من : لوى ؛ لأنهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها. وقرأ ابن عباس ومجاهد ورُويس بتشديد التاء، على أنه اسم فاعل، اشتهر به رجلاً كان يُلتُّ السَّوِيق بالزيت، ويُطعمه الحاجَ، فلما مات عكفوا على قبره يبعدونه١. ﴿ والعُزى ﴾ كانت لغطفان، وهي شجرة كانوا يعبدونها، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها، واضعة يدها على رأسها، وهي تُولول، فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" تلك العُزى، لن تُعبد بعد اليوم أبداً ".
﴿ ومناة ﴾ : صخرة على ساحل البحر لهذيل وخزاعة، وقيل : بيت بالمشلّل يعبده بنو كعب، وسميت مناة ؛ لأن دماء النسائك تُمنى، أي : تُراق عندها ؛ لأنهم كانوا يذبحون عندها. وقرأ ابن كثير بالهمزة بعد الألف، مشتق من النوء ؛ لأنهم كانوا يستمطرون بالأنواء عندها، تبرُّكاً بها، وقيل : سَموا هذه الأصنام بأسماء الله، وأَنَّثوها، كأنها بنات الله في زعمهم الفاسد، فاللات من " الله "، كما قالوا : عمر وعمرة، وعباس وعباسة، فالتاء للتأنيث. والعُزَّى : تأنيث العزيز، ومناة : تأنيث منان، فغُيّر تخفيفاً، ويؤيد هذا قولُه تعالى ردّاً عيهم :﴿ ألكم الذكُر وله الأنثى ﴾. و﴿ الأخرى ﴾ : صفة ذمّ لها، وهي المتأخرة الوضيعة القدر، كقوله :﴿ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي : وضعاؤهم لرؤسائهم، وقيل : وصفها بالوصفين ؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونها أكثر من اللات والعزى، والفاء في قوله :﴿ أفرأيتم ﴾ للعطف على محذوف، وهي لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي : عَقِب ما سمعتم من كمال عظمته تعالى في ملكه وملكوته، وأحكام قدرته، ونفوذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما، رأيتم هذه الأصنام مع حقارتها بنات الله، مع وأدكم البنات، وكراهتكم لهنَّ ؟.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٣، حديث ٤٨٥٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:ولما فرغ من ذكر عظمة الله وكبريائه، ذكر حقارة من عبد دونه، ترهيبا وترغيبا، فقال :
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾*﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ﴾*﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى ﴾*﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾*﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ﴾*﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾*﴿ فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أفرأيتم اللاتَ والعُزّى ومناةَ الثالثةَ الأخرى ﴾ أي : أخبروني عن هذه الأشياء التي تبعدونها من دون الله، هل لها من القدرة والعظمة التي وُصف بها رَبُّ العزة في الآي السابقة حتى استحقت العبادة، أم لا ؟ واللات وما بعدها : أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف، وقيل : كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فَعْلَةٌ، من : لوى ؛ لأنهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها. وقرأ ابن عباس ومجاهد ورُويس بتشديد التاء، على أنه اسم فاعل، اشتهر به رجلاً كان يُلتُّ السَّوِيق بالزيت، ويُطعمه الحاجَ، فلما مات عكفوا على قبره يبعدونه١. ﴿ والعُزى ﴾ كانت لغطفان، وهي شجرة كانوا يعبدونها، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها، واضعة يدها على رأسها، وهي تُولول، فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" تلك العُزى، لن تُعبد بعد اليوم أبداً ".
﴿ ومناة ﴾ : صخرة على ساحل البحر لهذيل وخزاعة، وقيل : بيت بالمشلّل يعبده بنو كعب، وسميت مناة ؛ لأن دماء النسائك تُمنى، أي : تُراق عندها ؛ لأنهم كانوا يذبحون عندها. وقرأ ابن كثير بالهمزة بعد الألف، مشتق من النوء ؛ لأنهم كانوا يستمطرون بالأنواء عندها، تبرُّكاً بها، وقيل : سَموا هذه الأصنام بأسماء الله، وأَنَّثوها، كأنها بنات الله في زعمهم الفاسد، فاللات من " الله "، كما قالوا : عمر وعمرة، وعباس وعباسة، فالتاء للتأنيث. والعُزَّى : تأنيث العزيز، ومناة : تأنيث منان، فغُيّر تخفيفاً، ويؤيد هذا قولُه تعالى ردّاً عيهم :﴿ ألكم الذكُر وله الأنثى ﴾. و﴿ الأخرى ﴾ : صفة ذمّ لها، وهي المتأخرة الوضيعة القدر، كقوله :﴿ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي : وضعاؤهم لرؤسائهم، وقيل : وصفها بالوصفين ؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونها أكثر من اللات والعزى، والفاء في قوله :﴿ أفرأيتم ﴾ للعطف على محذوف، وهي لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي : عَقِب ما سمعتم من كمال عظمته تعالى في ملكه وملكوته، وأحكام قدرته، ونفوذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما، رأيتم هذه الأصنام مع حقارتها بنات الله، مع وأدكم البنات، وكراهتكم لهنَّ ؟.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٣، حديث ٤٨٥٩..

﴿ ألكمُ الذكرُ وله الأنثى ﴾ أي : أتُحبون لكم الذكر وتنسبون له الأنثى كهذه الأصنام والملائكة ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.

﴿ تلك إِذاً قسمةٌ ضِيزَى ﴾ أي : جائرة، من : ضازه يضيزه : إذا ظلمه، وصرّح في القاموس بأنه مثلث الضاد ضيزى وضوزى وضازى، وهو هنا فُعلى بالضم، من الضيز، لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء، كما فعل في " بيض "، فإن " فِعلى " بالكسر لم تأت وصفاً، وإنما هي من بناء الأسماء، كالشّعرى والدفلى. وقال ابن هشام : فإن كانت فُعلى صفة محضة وجب قلب الضمة كسرة، ولم يُسمع من ذلك إلا " قسمة ضيزى " " ومشية حِيكى "، أي : يتحرك فيها المنكبان. ه. وقرأ المكيُّ بالهمز، من : ضأزه : ظلمه، فهو مصدر نعت به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.

﴿ إِنْ هي ﴾ أي : هذه الأصنام ﴿ إِلاَّ أسماءٌ ﴾ وليس تحتها في الحقيقة مسميات ؛ لأنكم تدّعون لها الألوهية، وهي أبعد شيء منها، ﴿ سميتموها ﴾ آلهة، أو : سميتم بها هذه الأصنام، واعتقدتم أنها آلهة، بمقتضى أهوائكم الباطلة، ﴿ أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّهُ بها ﴾ بعبادتها ﴿ من سلطان ﴾ من حجة. ﴿ إِن يتبعونَ ﴾ فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها ﴿ إلاَّ الظنَّ ﴾ : إلا توهم أنَّ ما هم عليه حق، توهُّماً باطلاً، ﴿ وما تهوى الأنفُسُ ﴾ أي : ما تشتهيه أنفسهم الأمّارة، ﴿ ولقد جاءهم من ربهم الهدى ﴾ الرسول والكتاب فتركوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.

﴿ أم للإِنسان ما تمنَّى ﴾. " أم " : منقطعة، والهمزة للإنكار، أي : ليس للإنسان كل ما يتمناه وتشتهيه نفسُه من الأمور التي من جملتها أطماعهم الفارغة في شفاعة الآلهة ونظائرها، كقول بعضهم :﴿ وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى ﴾ [ فصلت : ٥٠ ]، وكَتَمَنِّي بعضُهم أن يكون هو النبي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.

﴿ فللّه الآخرةُ والأُولى ﴾ أي : الدنيا والآخرة، هو مالكهما والحاكم فيهما، يُعطي الشفاعة والنبوة مَن شاء، لا مَن تمناها بمجرد الهوى، وهو تعليل لانتفاء أن يكون للإنسان ما تمنّى، فإنَّ اختصاص أمور الآخرة والأُولى به تعالى مقتضٍ لانتفاء أن يكون للإنسان شيء مما تمنى إلا أن يشاء ويرضى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات : حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى : حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة : تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللّهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ﴾ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، ﴿ وله الأنثى ﴾ ؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة شريكة لله في استحقاق العبادة والمحبة، تلك إذاً قسمة ضِيزى جائرة، ما هي إلا أسماء ليس تحتها طائل، تفنى ويبقى عليها العذاب والعتاب، سميتموها واعتنيتم بشأنها والانكباب عليها، أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بمتابعتها والحرص على تحصيلها من سلطان ولا برهان، إن يتبعون في ابتاعها والحرص عليها إلا الظن، ظنوا أنها كانت مباحة في ظاهر الشرع لا تَضُر القلبَ ولا تحجبه عن شهود الرب، وهو رأي فاسد ؛ إذ ليس للقلب إلا وجهة واحدة، إن توجه لطلب الحظوظ أعرض عن الله قطعاً، وإن توجه لله أعرض عما سواه، وراجع ما تقدم في قوله :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ] الآية. ويتبعون أيضاً ما تهوى الأنفُس الأمَّارة ؛ لأنها لا تهوى إلا ما فيه حظها وهواها، ولقد جاءهم من ربهم الهُدى، أي : مَن يهدي إلى طريق السلوك، بقطع العلائق النفسانية والقلبية، وهم خلفاء الرسول عليه السلام، الدعوان إلى الله، من شيوخ التربية في كل زمان، أم للإنسان ما تمنى، ليس له ما يتمنى إلا بسابق العناية، فلا يُدرك العبدُ من الدنيا والآخرة، ومن الله تعالى، إلا ما سبق به القدر، كما قال الشاعر١ :
ما كل ما يتمنى المرءُ يُدركه تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
فلله الآخرة والأولى، قال القشيري : يُشير إلى قَهْرمَانيةِ الحق تعالى على العالم كله، ملكه وملكوته، الأخروي والدنيوي، فلا يملك الإنسان من أمر الدارين شيئاً، بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى، المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، يهبه باسمه الواهب لمَن شاء أن يكون مظهراً للطفه وجماله، وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى، المقتضية لأسباب حصول الدنيا، من حب الدنيا الدنية، المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة، وموافقة الطبيعة اللئيمة، باسمه المقسط، لمَن شاء أن يكون مظهر قهرِه وجلاله، وليس ذلك يزيد في ملكه، ولا هذا ينقص من ملكه، وكلتا يديه ملأى سحّاء، أي : فيّاضة. هـ.

ثم نفى الشفاعة عمن يستحقها من الملائكة الكرام، فضلا عمن لا يستحقها من الأصنام اللئام، فقال :
﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾*﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى ﴾*﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾*﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾*﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾.
قلت :﴿ كم ﴾ : خبرية، تفيد التكثير، ومحلها : رفع بالابتداء، والجملة المنفية : خبر، وجمع الضمير في ﴿ شفاعتهم ﴾ لأن النكرة المنفية نعم.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وكم من ملكٍ في السماوات ﴾ أي : كثير من الملائكة ﴿ لا تُغني شفاعتُهم ﴾ عند الله تعالى ﴿ شيئاً ﴾ من الإغناء في وقت من الأوقات، ﴿ إِلا مِن بعد أن يأذن اللّهُ ﴾ لهم في الشفاعة ﴿ لمَن يشاء ﴾ أن يشفعوا له، ﴿ ويرضَى ﴾ ويراه أهلاً للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان، وأما مَنْ عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم عن إذن الله بمعزلٍ، وعن الشفاعة بألف معزلٍ، فإذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر، فما ظنهم بحال الأصنام ؟ !
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : شفاعة كل أحد على قدر جاهه وتمكُّنه من الله، فقد يشفع الوليّ في أهل زمانه، كما تقدّم في مريم١. والاعتقاد في الملائكة : أنهم أنوار لطيفة من تجليات الحق، اللطافة فيهم أغلب، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، يتشكلون كيف شاؤوا. وقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية، فيه تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإنَّ صُحبتهم سُم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نورُ مَن يصحبهم على ظلمتهم، فيجرّهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال، وقال بعضهم : الوحدة أفضل من الجلوس مع العامة، والجلوس مع الخاصة أفضل من العزلة، إلا مَن تحقق كماله، فلا كلام معه.
إشارة أخرى :﴿ وكم من ملك... ﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿ فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده، كما قال :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾*﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.

ثم شنَّع عليهم في اعتقادهم الفاسد في الملائكة، فقال :﴿ إِنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ وما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي ﴿ ليُسمُّون الملائكةَ ﴾ المنزّهين عن سمات النقص ﴿ تسميةَ الأنثى ﴾ فإن قولهم : الملائكة بنات الله، قول منهم بأن كُلاً منهم بنته - سبحانه، وهي التسمية بالأنثى، وفي تعليقها بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنهم في الشناعة واستتباع العقوبة بحيث لا يجترئ عليها إلا مَن لا يؤمن رأساً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : شفاعة كل أحد على قدر جاهه وتمكُّنه من الله، فقد يشفع الوليّ في أهل زمانه، كما تقدّم في مريم١. والاعتقاد في الملائكة : أنهم أنوار لطيفة من تجليات الحق، اللطافة فيهم أغلب، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، يتشكلون كيف شاؤوا. وقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية، فيه تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإنَّ صُحبتهم سُم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نورُ مَن يصحبهم على ظلمتهم، فيجرّهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال، وقال بعضهم : الوحدة أفضل من الجلوس مع العامة، والجلوس مع الخاصة أفضل من العزلة، إلا مَن تحقق كماله، فلا كلام معه.
إشارة أخرى :﴿ وكم من ملك... ﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿ فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده، كما قال :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾*﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.

﴿ وما لهم به من علم ﴾ أي : بما يقولون. وقرئ " بها " أي بالتسمية، أو بالملائكة. ﴿ إِن يتبعونَ إِلا الظن ﴾ وهو تقليد الآباء، ﴿ وإن الظن ﴾ أي : جنس الظن، ولذلك أظهر في موضع الإضمار، ﴿ لا يُغني من الحق شيئاً ﴾ من الإغناء ؛ لأن الحق عبارة عن حقيقة الشيء، وهو لا يُدرك إلا بالعلم، والظن لا اعتداد به في باب المعارف الحقيقية، وإنما يُعتد به في العمليات وما يؤدي إليها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : شفاعة كل أحد على قدر جاهه وتمكُّنه من الله، فقد يشفع الوليّ في أهل زمانه، كما تقدّم في مريم١. والاعتقاد في الملائكة : أنهم أنوار لطيفة من تجليات الحق، اللطافة فيهم أغلب، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، يتشكلون كيف شاؤوا. وقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية، فيه تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإنَّ صُحبتهم سُم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نورُ مَن يصحبهم على ظلمتهم، فيجرّهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال، وقال بعضهم : الوحدة أفضل من الجلوس مع العامة، والجلوس مع الخاصة أفضل من العزلة، إلا مَن تحقق كماله، فلا كلام معه.
إشارة أخرى :﴿ وكم من ملك... ﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿ فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده، كما قال :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾*﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.

﴿ فأعْرِضْ عَمَّن تولى عن ذِكْرِنا ﴾ أي : عنهم، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوصل إلى وصفهم بما في حيز الصلة من الأوصاف القبيحة، ولتعليل الحكم، أي : فأعرض عمن تولى عن ذكرنا المفيد للعلم اليقيني، وهو القرآن المنطوي على علوم الأولين والآخرين، المذكِّر بالأمور الآخرة، أو : عن ذكرنا كما ينبغي، فإن ذلك يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها، قال الطيبي : أعرِضْ عن دعوة مَن تدعوه إلى لقاء ربه والدار الآخرة، وهو يقول :﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا. . . ﴾ الخ، ﴿ ولم يُرِدْ إِلاَّ الحياةَ الدنيا ﴾ وزخارفها، قاصراً نظره إليها، والمراد بالإعراض عنه : إهماله والغيبة عنه، فإنَّ مَن أعرض عن الذكر، وانهمك في الدنيا، بحيث كانت هي منتهى همته، وقصارى سعيه، لا تزيده الدعوة إلى خلافها إلا عناداً، وإصراراً على الباطل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : شفاعة كل أحد على قدر جاهه وتمكُّنه من الله، فقد يشفع الوليّ في أهل زمانه، كما تقدّم في مريم١. والاعتقاد في الملائكة : أنهم أنوار لطيفة من تجليات الحق، اللطافة فيهم أغلب، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، يتشكلون كيف شاؤوا. وقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية، فيه تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإنَّ صُحبتهم سُم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نورُ مَن يصحبهم على ظلمتهم، فيجرّهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال، وقال بعضهم : الوحدة أفضل من الجلوس مع العامة، والجلوس مع الخاصة أفضل من العزلة، إلا مَن تحقق كماله، فلا كلام معه.
إشارة أخرى :﴿ وكم من ملك... ﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿ فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده، كما قال :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾*﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.

﴿ ذلك ﴾ أي : ما هم فيه من التولِّي، وقصر الإرادة على الحياة الدنيا ؛ هو ﴿ مبلغُهم من العلم ﴾ أي : منتهى علمهم، لا يكادون يُجاوزونه إلى غيره، فلا تُجدي فيهم الدعوة والإرشاد شيئاً. وجمع الضمير بعد أن أفرده باعتبار معنى " مَن " ولفظها، والمراد بالعلم : مطلق الإدراك الشامل للظن الفاسد. ﴿ إِنَّ ربك هو أعلم بمَن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمَن اهتدى ﴾ أي : هو أعلم بالضال والمهتدي ومجازاتهما، وهو تعليل الأمر بالإعراض، وتكرير " هو أعلم " لزيادة التقرير، وللإيذان بكمال تباين المعلومين، أي : هو المبالغ في العلم بمَن لا يرعوي عن الضلال، ومَن يَقبل الاهتداء في الجملة، فلا تتعب نفسك في دعوتهم، فإنهم من القبيل الأول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : شفاعة كل أحد على قدر جاهه وتمكُّنه من الله، فقد يشفع الوليّ في أهل زمانه، كما تقدّم في مريم١. والاعتقاد في الملائكة : أنهم أنوار لطيفة من تجليات الحق، اللطافة فيهم أغلب، لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، يتشكلون كيف شاؤوا. وقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية، فيه تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإنَّ صُحبتهم سُم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نورُ مَن يصحبهم على ظلمتهم، فيجرّهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال، وقال بعضهم : الوحدة أفضل من الجلوس مع العامة، والجلوس مع الخاصة أفضل من العزلة، إلا مَن تحقق كماله، فلا كلام معه.
إشارة أخرى :﴿ وكم من ملك... ﴾ الخ، أي : كثير من الأرواح الصافية السماوية لا تُغني شفاعتها في الأنفس الظلمانية الطبيعية، لتنقلها من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، إلا مِن بعد أنْ يأذن اللّهُ لمَن يشاء انتقاله وعروجه إلى سماء الأرواح، ويرضى أن يُسكنه في الحضرة القدسية. إن الذين لا يؤمنون بالحالة الآخرة، هي الانتقال من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، ويُنكرون على مَن يُوصل إليها، لَيُسَمُّون الخواطر القلبية بتسمية الخواطر النفسانية، أي : لا يُميِّزون بينهما، لجهلهم بأحوال القلوب، ما لهم به - أي : بهذا التمييز - من علم، إن يتبعون في جُلّ اعتقاداتهم إلا الظن القوي، وإنَّ الظن لا يُغني عن الحق شيئاً، فلا ينفع مقام الإيمان إلا الجزم عن دليل وبرهان، ولا في مقام الإحسان إلا شهود الحق بالعيان، فمَن لم يحصل هذا فهو غافل عن ذكر الله الحقيقي، يجب الإعراض عنه، قال تعالى :﴿ فأعْرِضْ عن من تولى عن ذكرنا ولم يُرد إلا الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها، ذلك مبلغهم من العلم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائي، في قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعاً لشهوات نفسك، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك، وقلبك من ذكر مولاك خالياً معرضاَ، فإنها صفة الهالكين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فأعْرِض عن من تولى عن ذكرنا... ﴾ الآية. وقيل لأبي الحسن الشاذلي : يا سيدي، بمَ فُقْتَ أهلَ عصرك، ولم نرَ كل كبير عمل ؟ فقال : بخصلة، أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمسكتُ بها أنا، وهي الإعراض عنكم وعن دنياكم. هـ. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلَّ عن طريق الوصول إليه، وهو أعلم بمن اهتدى إليها، فيُعينه، ويجذبه إلى حضرته، فإن الأمر كله بيده، كما قال :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ﴾*﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ خَلقاً وملِكاً، لا لغيره، لا استقالاً ولا اشتراكاً، ﴿ ليَجزي الذين أساؤوا بما عمِلوا ﴾ بعقاب ما عملوا من السوء، أو : بسبب ما عملوا، ﴿ ويجزَي الذين أحسنوا بالحسنى ﴾ بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة، والمعنى : أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم والعلوي والسفلي، وتصرّف فيه بقدرته بين جلاله وجماله، ليجزي المحسن من المكلّفين، والمسيء منهم ؛ إذ من شأن الملك أن ينصر أولياءه ويُكرمهم، ويقهر أعدائه ويُهينهم.
وقال الطيبي :" ليجزي " راجع لقوله :﴿ هو أعلم بمَن ضَلَّ. . . ﴾ الآية، والمعنى : إنَّ ربك هو أعلم بمَن ضلّ وبمَن اهتدى ليجزي كل واحد بما يستحقه، يعني : أنه عالم، كامل العلم، قادر، تام القدرة، يعلم أحوال المُكلَّفين فيُجازيهم، لا يمنعه أحدٌ مما يريده ؛ لأنَّ كل شيء من السموات والأرض ملكه، وتحت قهره وسلطانه، فقوله :﴿ ولله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ : جملة معترضة، توكيد للاقتدار وعدم المعارض. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولله ما في سموات الأرواح من أنوار الشهود، وما في أرض النفوس من آداب العبودية، رتَّب ذلك ليجزي الذين أساؤوا بوقوفهم مع أرض النفوس في العالم المحسوس، ويجزي الذين آمنوا بترقيهم إلى مقام الإحسان، بالحسنى، وهي المعرفة، حيث ترقّوا من أرض الأشباح إلى عالم سماء الأرواح، وهم الذين يجتنبون كبائر الإثم وهو شهود وجودهم مع وجود الحق محبوبهم، ووقوفهم مع عالم الحس، والفواحش، وهو اعتراضهم على الله فيما يبرز من عُنصر قدرته، وتصغيرهم شيئاً مما عظَّم الله، إلا اللمم ؛ خواطر تخطر ولا تثبت.
قال القشيري : كبائر الإثم ثلاث : محبة النفس الأمّارة، ومحبة الهوى النافخ في نيران النفس، ومحبة الدنيا، التي هي رأس كل خطيئة، ولكل واحدة من هذه الثلاث فاحشة لازمة لها، أما فاحشة محبة النفس : فموافقة الطبيعة ومخالفة الشريعة، وأما فاحشة محبة الهوى : فحُب الدنيا وشهواتها، وأما فاحشة محبة الدنيا فالإعراض عن الله، والإقبال على ما سواه. وقوله ﴿ إلا اللمم ﴾ أي : الميل اليسير إلى الهوى والنفس والدنيا، بحسب ضرورته البشرية ؛ مِن استراحة البدن، ونيل قليل من حظوظ الدنيا، بحسب الحقوق، لا بحسب الحظوظ، فإنَّ مباشر الحقوق مغفور، ومباشر الحظوظ مغرور. هـ.
﴿ إِنَّ ربك واسعُ المغفرة ﴾ يستر العيوب، ويُوصل إلى حضرة الغيوب. هو أعلم بكم إذ أنشأكم من أرض البشرية، ورقّاكم إلى عالم الروحانية، وإذ أنتم أَجنة في أول بدايتكم في بطون أمهاتكم، في بطون الهوى والغفلة، ودائرة الكون، فأخرجكم منها بمحض فضله، فلا تُزكُّوا أنفسكم، فتنظروا إليها بعين الرضا، أو تنسبوا إليها شيئاً من الكمالات قبل صفائها. قال القشيري : تزكية المرء نفسه علامة كونه محجوباً ؛ لأنَّ المجذوب عن بقائه، المستغرق في شهود ربِّه، لا يُزكِّي نفسه. هـ. قلت : هذا ما دام في السير، وأما إن حصل له الوصول ؛ فلا نفس له، وإنما يُزكّي ربه إذا زكّاها، هو أعلم بمَن اتقى ما سواه.

﴿ الذين يجتنبون كبائِرَ الإثم ﴾ : بدل من الموصول الثاني، أو : رفع على المدح، أي : هم الذين يجتنبون. والتعبير بالمضارع للدلالة على تجدُّد الاجتناب واستمراره. وكبائر الإثم : ما يكبر عقابه من الذنوب، وهو ما رتّب عليه الوعيد بخصوصه. قال ابن عطية : وتحرير القول في الكبائر : إنها كل معصية يُوجد فيها حَدّ في الدنيا، أو توعّد عليها بنار في الآخرة، أو بلَعنةٍ ونحوها. وقرأ الأخوان :( كبير الإثم ) على إرادة الجنس، أو الشرك، ﴿ و ﴾ يجتنبون ﴿ الفواحشَ ﴾ وهو ما فَحُشَ من الكبائر، كأنه قيل : يجتنبون الكبائر وما فحش منها خصوصاً، فيحتمل أن يريد بالكبائر : ما فيه حق الله وحده، والفواحش منها : ما فيه حق الله وحق عباده، ﴿ إِلا اللممَ ﴾ أي : إلا ما قَلَّ وصَغُر، فإنه مغفور لمَن يجتنب الكبائر، وقيل : هي النظرة والغمزة والقُبلة، وقيل : الخطرة من الذنب، وقيل : كل ذنب لم يجعل الله فيه حَدّاً ولا عذاباً. والاستثناء منقطع ؛ لأنه ليس من الكبائر ولا من الفواحش.
﴿ إِنَّ ربك واسِعُ المغفرة ﴾ حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، أو : حيث يغفر ما يشاء من الذنوب من غير توبة، وهذا أحسن، ﴿ هو أعلم بكم إِذا أنشأكم ﴾ في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام ﴿ من الأرض ﴾ إنشاءً إجمالياً، حسبما مرّ تحقيقه مراراً، ﴿ وإِذا أنتم أَجِنةٌ ﴾ أي : يعلم وقت كونكم أجنّة ﴿ في بُطون أمهاتكم ﴾ على أطوار مختلفة، لا يخفى عليه حالٌ مِن أحوالكم، ولا عمل من أعمالكم.
﴿ فلا تُزكُّوا أنفسكم ﴾ فلا تنسبوها إلى زكاء الأعمال، وزيادة الخير والطاعات، أو : إلى الزكاة والطهارة من المساوئ، ولا تُثنوا عليها، واهضموها، فقد علم اللّهُ الزكيَّ منكم والتقِيّ، قبل أن يُخرجكم من صُلب آدم، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم.
وقيل : كان ناس يعملون أعمالاً حسنة، ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجّنا، فنزلت. وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء، لا على سبيل الاعتراف بالنعمة، والتحدُّث بها، فإنه جائز ؛ لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكرها. والأحسن في إيراد الاعتراف والشكر أن يُقدم ذكر نقصه، فيقول مثلاً : كنا جُهالاً فعلَّمنا الله، وكنا ضُلاَّلاً فهدانا الله، وكنا غافلين فأيقظنا الله، وهكذا فنحن اليوم كذا وكذا.
قال ابن عطية : ويُحتمل أن يكون نهياً عن أن يُزَكِّي بعضُ الناس بعضاً، وإذا كان هذا، فإنما ينهى عن تزكية السَّمع، أو القطع بالتزكية، ومن ذلك الحديث في " عثمان بن مظعون " عند موته، وأما تزكية القدوة أو الإمام، أو أحداً، ليؤتم به أو لِيَتَهَمَّمَ الناس بالخير، فجائز، وقد زكَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وغيره، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائزة ؟ للضرورة إليها، وأصل التزكية : التقوى، والله تعالى أعلم بتقوى الناس منكم. ه.
وقال في القوت : هذه الذنوب تدخل على النفوس من معاني صفاتها، وغرائز جبلاتها، وأول إنشائها من نبات الأرض، وتركيب الأطوار في الأرحام، خَلْقٍ مِن بعد خلقٍ، ومن اختلاط الأمشاج بعضها مع بعض، ولذلك عقبه بقوله :﴿ هو أعلم بكم إذ أنشأكم. . . ﴾ الآية. ه.
ثم قال تعالى :﴿ هو أعلم بمن اتقى ﴾ فاكتفوا بعلمه عن علم الناس، وبجزائه عن ثناء الناس. وبالله التوفيق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولله ما في سموات الأرواح من أنوار الشهود، وما في أرض النفوس من آداب العبودية، رتَّب ذلك ليجزي الذين أساؤوا بوقوفهم مع أرض النفوس في العالم المحسوس، ويجزي الذين آمنوا بترقيهم إلى مقام الإحسان، بالحسنى، وهي المعرفة، حيث ترقّوا من أرض الأشباح إلى عالم سماء الأرواح، وهم الذين يجتنبون كبائر الإثم وهو شهود وجودهم مع وجود الحق محبوبهم، ووقوفهم مع عالم الحس، والفواحش، وهو اعتراضهم على الله فيما يبرز من عُنصر قدرته، وتصغيرهم شيئاً مما عظَّم الله، إلا اللمم ؛ خواطر تخطر ولا تثبت.
قال القشيري : كبائر الإثم ثلاث : محبة النفس الأمّارة، ومحبة الهوى النافخ في نيران النفس، ومحبة الدنيا، التي هي رأس كل خطيئة، ولكل واحدة من هذه الثلاث فاحشة لازمة لها، أما فاحشة محبة النفس : فموافقة الطبيعة ومخالفة الشريعة، وأما فاحشة محبة الهوى : فحُب الدنيا وشهواتها، وأما فاحشة محبة الدنيا فالإعراض عن الله، والإقبال على ما سواه. وقوله ﴿ إلا اللمم ﴾ أي : الميل اليسير إلى الهوى والنفس والدنيا، بحسب ضرورته البشرية ؛ مِن استراحة البدن، ونيل قليل من حظوظ الدنيا، بحسب الحقوق، لا بحسب الحظوظ، فإنَّ مباشر الحقوق مغفور، ومباشر الحظوظ مغرور. هـ.
﴿ إِنَّ ربك واسعُ المغفرة ﴾ يستر العيوب، ويُوصل إلى حضرة الغيوب. هو أعلم بكم إذ أنشأكم من أرض البشرية، ورقّاكم إلى عالم الروحانية، وإذ أنتم أَجنة في أول بدايتكم في بطون أمهاتكم، في بطون الهوى والغفلة، ودائرة الكون، فأخرجكم منها بمحض فضله، فلا تُزكُّوا أنفسكم، فتنظروا إليها بعين الرضا، أو تنسبوا إليها شيئاً من الكمالات قبل صفائها. قال القشيري : تزكية المرء نفسه علامة كونه محجوباً ؛ لأنَّ المجذوب عن بقائه، المستغرق في شهود ربِّه، لا يُزكِّي نفسه. هـ. قلت : هذا ما دام في السير، وأما إن حصل له الوصول ؛ فلا نفس له، وإنما يُزكّي ربه إذا زكّاها، هو أعلم بمَن اتقى ما سواه.

ثم ذكر وبال من زكى نفسه، فقال :
﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ﴾*﴿ وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ﴾*﴿ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ﴾*﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴾*﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾*﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾*﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ﴾*﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾*﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى ﴾
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أفرأيتَ الذي تولَّى ﴾ أعرض عن الإيمان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ وأعطَى قليلاً وأكْدى ﴾ أي : قطع عطيته وأمسك، وأصله : إكداء الحافر، وهو أن تلقاه كُدْية - وهي صلابة، كالصخرة - فيمسك عن الحفر. قال ابن عباس :" هو فيمن كفر بعد الإيمان "، وقيل : في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتّبع رسولّ الله صلى الله عليه وسلم فعيّره بعضُ الكافرين، وقال : تركتَ دين الأشياخ، وزعمتَ أنهم في النار ؟ قال : إني خشيتُ عذاب الله، فضمن له إن أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى شركه، أن يتحمّل عنه عذاب الله، ففعل ذلك المغرور، وأعطى الذي عاتبه بعضَ ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ أعنده علْمُ الغيبِ فهو يَرى ﴾ أي : يعلم هذا المغرور أنَّ ما ضمنه له حق ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ أم لم يُنَبَّأُ ﴾ يُخْبَر ﴿ بما في صُحف موسى ﴾ أي : التوراة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ وإِبراهيمَ ﴾ أي : وما في صحف إبراهيم ﴿ الذي وفَّى ﴾ أي : أكمل وأتمّ ما ابتلي به من الكلمات، أو : ما أُمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد اللّهَ عليه. وعن الحسن : ما أمره الله بشيء إلا وفّى به. وعن عطاء بن السائب : عهد ألاَّ يسأل مخلوقاً، فلما قذف في النار قال له جبريل : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا. وقال الشيخ المرسي : وفَى بمقتضى قوله :﴿ حسبي الله ﴾ وعن النبي صلى الله عليه وسلم :" وَفَّى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار " ١ وهي صلاة الضحى. وروي :" ألا أخبركم لم سمّى خليلَه " الذي وفَّى " ؛ كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى :﴿ فسبحان الله حين تُمسون. . . ﴾ إلى ﴿ تُظهرون ﴾٢ وقيل : وفَّى سهام الإسلام، وهي ثلاثون، عشرة في التوبة :﴿ التَّائِبُونَ ﴾
[ التوبة : ١١٢ ] الخ، وعشرة في الأحزاب :﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ. . . ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] وعشرة في المؤمنين :﴿ قد أفلح المؤمنون ﴾. وقيل : وفي حيث أسلم بدنه للنيران، وولده للقربان، وطعامه للضيفان. ورُوي : أنه كان يوم يضيف ضيفاً، فإن وافقه أكرمه، وإلاَّ نوى الصوم، وتقديم موسى لأنَّ صحفه وهي التوراة أكثر وأشهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.


١ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٧/٧٣، والسيوطي في الدر المنثور ٦/١٦٨..
٢ أخرجه أحمد في المسند ٣/٤٣٩..
ثم فسّر ما في تلك الصُحف فقال :﴿ ألاَّ تَزِرُ وَازرةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ أي : أنه لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى، بل كل نفس تستقل بحمل وزرها، يقال : وزر يزر إذا اكتسب وِزراً، و " أن " مخففة، وكأنّ قائلاً قال : ما في صحف موسى وإبراهيم ؟ فقال : ألاَّ تحمل نفس مثقلة بوزرها وِزرَ نفس أخرى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ وأن ليس للإِنسان إِلا ما سَعَى ﴾ هو أيضاً مما في صحف موسى وإبراهيم، وهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره، إثر بيان عدم انتفاعه من حيث رفع الضرر عنه به، وأما ما صحّ من الأخبار في الصدقة عن الميت والحج عنه، فلأنه لمَّا نواه عنه كان كالوكيل عنه، فهو نائب عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

قال ابن عطية : الجمهور أنّ قوله :﴿ وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى ﴾ مُحْكَمٌ لا نسخ فيه، وهو لفظ عام مخصّص. ه يعني : أن المراد : الكافر، وهكذا استقرئ من لفظ " الإنسان " في القرآن، وأما المؤمن فجاءت نصوص تقتضي انتفاعه بعمل غيره، إذا وهب له من صدقة ودعاء وشفاعة واستغفار، ونحو ذلك، وإلاَّ لم يكن فائدة لمشروعية ذلك، فيتصور التخصيص في لفظ " الإنسان " : وفي السعي، بأن يخص الإنسان بالكافر، أو السعي بالصلاة، ونحو ذلك مما لا يقبل النيابة مثلاً. والحاصل : أن الإيمان سعي يستتبع الانتفاع بسعي الغير، بخلاف من ليس له الإيمان. ه قاله الفاسي : وكان عز الدين يحتج بهذه الآية في عدم وصول ثواب القراءة للميت، فلما مات رؤي في النوم، فقال : وجدنا الأمر خلاف ذلك.
قلت : أما في الأجور فيحصل الانتفاع بسعي الغير، إن نواه له، وأما في رفع الستور، وكشف الحجب، والترقي إلى مقام المقربين، فالآية صريحة فيه، لا تخصيص فيها ؛ إذ ليس للإنسان من حلاوة المشاهدة والقُرب إلا بقدر ما سعى من المجاهدة. والله تعالى أعلم.
ثم قال :﴿ وأنَّ سَعْيَه سوف يُرى ﴾ أي : يعرض عليه، ويكشف له يوم القيامة في صحيفته وميزانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

﴿ ثم يُجزاه ﴾ أي : يجزى العبد سعيه، يقال : جزاه اللّهُ عملَه، وجزاه عليه، بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسّره بقوله :﴿ الجزاءَ الأوفى ﴾ أو : أبدله منه، أي : الجزاء الأكمل بحيث يزيده ولا ينقصه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة ؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه. وتصدُقُ الإشارة بمن صَحِبَ شيخاً، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاح وفساده ؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلاَّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها ؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يُرى ؟ أي : يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام : الأول : السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته : النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني : السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته : صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث : السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع : السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.

وإلى هذا الانتهاء أشار تعالى بقوله :
﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ﴾*﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾*﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾*﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾*﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾*﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى ﴾*﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾*﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾*﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ﴾*﴿ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴾*﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾*﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴾*﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾*﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾*﴿ هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُوْلَى ﴾*﴿ أَزِفَتِ الآزِفَةُ ﴾*﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾*﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾*﴿ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ﴾*﴿ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾*﴿ فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله : في بقية ذكر ما في الصُحف الأُولى :﴿ وأنَّ إِلى ربك المنتهى ﴾ أي : الانتهاء، أي : ينتهي إليه الخلق ويرجعون، إليه كقوله :﴿ وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [ الحج : ٤٨ ] أو : ينتهي علم العلماء إليه ثم يقفون، لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا فكرة في الرب " ١ أي : كُنه الذات، وسيأتي في الإشارة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.


١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦/١٧٠، والبغوي في تفسيره ٧/٤١٧..
﴿ وأنه هو أضحكَ وأبكى ﴾ أي : خلق الضحك والبكاء، أو : خلق الفرح والحزن، أو : أضحك المؤمنين في الآخرة، وأبكى الكافرين، أو : أضحك المؤمنين في العُقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وأنه هو أمات وأحيا ﴾ أي : أمات الآباء وأحياء الأبناء، أو : أمات بالكفر وأحيا بالإيمان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وأنه خلق الزوجين الذكرَ والأنثى من نُطفةٍ إذا تُمنَى ﴾ : إذ تدفق وتُدفع في الرحم. يقال : منى وأمنى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ وأنه خلق الزوجين الذكرَ والأنثى من نُطفةٍ إذا تُمنَى ﴾ : إذ تدفق وتُدفع في الرحم. يقال : منى وأمنى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.


﴿ وأنَّ عليه النشأةَ الأخرى ﴾ الإحياء بعد الموت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وأنه هو أغنَى ﴾ أي : صيّر الفقير غنيّاً ﴿ وأَقْنَى ﴾ أي : أَعطى القِنْيَة، وهو المال الذي تأثّلته١، وعزمت ألاَّ تُخرجه من يدك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.


١ تأثلت المال: جمعته. والتأثل: اتخاذ أصل المال، وكل شيء له أصل قديم، أو جمع حتى يصير له أصل، فهو مؤثل..
﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعْرى ﴾ وهو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها. سنّ لهم ذلك " ابن أبي كبشة " رجل من أشرافهم، قال : لأن النجوم تقطع السماء عرضاً، والشعرى طولاً، ويقال لها : شعرى العبور. انظر الثعلبي. وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أبي كبشة، تشبيهاً له صلى الله عليه وسلم به، لمخالفته إياهم في دينهم، فأخبر تعالى أنه ربّ معبودهم، فهو أحق بالعبادة وحده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وأنه أهلك عاداً الأُولى ﴾ وهم قوم هود، وعاد الأخرى : عاد إرم، وقيل : معنى الأولى العدمي لأنهم أولى الأمم هلاكاً بعد قوم نوح، وقال الطبري وغيره : سميت " أُولى " لأن ثُمَّ عاداً آخرة، وهي قبلية كانت بمكة مع العماليق، وهم بنو لُقَيم بن هَزّال. والله أعلم. ه. ﴿ قلت ﴾ : والتحقيق : أن عاداً الأولى هي عاد إرم، وهي قبيلة هود التي هلكت بالريح، ثم بقيت منهم بقايا، فكثروا وعمّروا بعدهم، فقيل لهم عاد الأخيرة، وانظر أبا السعود في سورة الفجر١. وهاهنا قراءات، وجَّهناها في كتاب الدرر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.


١ انظر تفسير الآية ٦ من سورة الفجر..
﴿ وثَموداً ﴾١ أي : وأهلك ثموداً، وهم قوم صالح، ﴿ فما أبقَى ﴾ أحداً منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.


١ أثبت المؤلف قراءة "ثمودا" بالتنوين، وقرأ آخرون "ثمود" بغير تنوين..
﴿ وقومَ نوحٍ من قبلُ ﴾ ؛ وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، ﴿ إِنهم كانوا أظلمَ وأطغى ﴾ مِن عاد وثمود ؛ لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حِراك، وينفرون منه حتى كانوا يُحذّرون صبيانهم أن يسمعوا منه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ والمؤتفكةَ ﴾ أي : والقرى التي ائتفكت، أي : انقلبت بأهلها، وهم قوم لوط. يقال : أَفَكه فائتفك، أي : قَلَبَه فانقلب، ﴿ والمؤتفكة ﴾ منصوب ب ﴿ أَهْوَى ﴾ أي : رفعها إلى السماء على جناح جبريل، ثم أهواها إلى الأرض، أي : أسقطها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ فَغَشَّاها ﴾ ألبسها من فنون العذاب ﴿ ما غَشَّى ﴾ وفيه تهويل لما صبَّ عليها من العذاب، وأمطر عليها من الصخر المنضود.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ فبأي آلاءِ ربك ﴾ أيها المخاطب ﴿ تتمارَى ﴾ أي : تتشكك ؟ أي : فبأي نِعَمٍ من نِعَم مولاك تجحد ولا تشكر ؟ فكم أولاك من النِعم، ودفع عنك من النِقم، وتسمية الأمور المتعددة قبلُ نِعماً مع أن بعضها نقم ؛ لأنها أيضاً نِعَم من حيث إنها نصرة الأنبياء والمرسَلين، وعظة وعبرة للمعتبرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ هذا نذيرٌ ﴾ أي : محمد مُنذِّر ﴿ من النُذُرِ الأولى ﴾ من المنذِّرين الأولين، وقال :" الأُولى " على تأويل الجماعة، أو : هذا القرآن نذير من النذر الأولى، أي : إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذِر بها من قبلكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ أَزِفَتِ الآزفةُ ﴾ أي : قربت الساعة الموصوفة بالقرب من قوله :﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [ القمر : ١ ]، وفي ذكرها بعد إنذارهم إشعار بأنَّ تعذيبهم مؤخر إلى يوم القيامة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ ليس لها من دون الله كاشِفةٌ ﴾ أي : ليس لها نَفْس مبيّنة وقت قيامها إلاّ الله تعالى، وهذا كقوله :﴿ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] أو : ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها إذا وقعت إلا الله تعالى، فيكشفها عمن شاء، ويُعذِّب بها مَن شاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

ولمَّا استهزؤوا بالقرآن، الناطق بأهوال القيامة، نزل قوله تعالى :﴿ أفمن هذا الحديث تعجبون ﴾ إنكاراً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وتضحكون ﴾ استهزاءً، ﴿ ولا تبكون ﴾ خشوعاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ وأنتم سامدون ﴾ غافلون، أو : لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء، ليشغلوا الناس عن استماعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

﴿ فاسجدوا لله واعبدوا ﴾ ولا تعبدوا معه غيره، من اللات والعزى ومناة والشعْرَى، وغيرها من الأصنام، أي : اعبدوا رب الأرباب، وسارعوا له، رجاء في رحمته. والفاء لترتيب الأمر بالسجود على بطلان مقابلة القرآن بالإنكار والاستهزاء، ووجوب تلقيه بالإيمان والخضوع والخشوع، أي : إذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله الذي أنزله واعبدوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة :﴿ وأنَّ إلى ربك المنتهى ﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح *** عاد شفعي وترى

وقال الآخر :

فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ *** فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى *** بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى :﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ أي : قبض وبسط، أو : أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو : أضحك إذا تجلّى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو : أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو : أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي : الصنفين : الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري : الروح كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم : والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
﴿ وأنَّ عليه النشأة الأخرى ﴾ وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو :﴿ النشأة الأخرى ﴾ : الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، ﴿ وأنه هو رَبُّ الشِّعرى ﴾، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم ؟ ! وأنه أهلك عاداً الأولى ؛ النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة : النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قَبلُ، أي : مِن قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي : المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، ﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ؟ ﴾ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية، هـ مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً ؟ قلت : وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل : مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.

Icon