ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة يوسف (١٢) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١)التقدير: هذا، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ على الابتداء والخبر.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢]
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب قرآن على الحال أي مجموعا، ويجوز أن يكون توطئة للحال كما تقول مررت بزيد رجلا صالحا، عَرَبِيًّا على الحال ومعنى أعرب بيّن ومنه «الثّيّب تعرب عن نفسها» «١». لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لتكونوا على رجاء من هذا، وبعض العرب يأتي بأن مع لعل تشبيها بعسى واللام في لعلّ زائدة للتوكيد كما قال:
[الرجز] ٢٢٥-
يا أبتا علّك أو عساكا «٢»
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
نَحْنُ ابتداء. نَقُصُّ عَلَيْكَ في موضع الخبر. أَحْسَنَ الْقَصَصِ بمعنى الصدر والتقدير قصصا أحسن القصص.
(٢) الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ١٨١، والكتاب ٢/ ٣٩٦، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٦٤، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٣٣، وشرح المفصل ٢/ ٩٠، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٥٢، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ٣٣٦، والجنى الداني ٤٤٦، والخصائص ٢/ ٩٦، والدرر ٢/ ١٥٩، ورصف المباني ٢٩، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٤٠٦، وشرح الأشموني ١/ ١٣٣، وشرح المفصّل ٢/ ١٢، واللامات ص ١٣٥، ولسان العرب (روي) وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٣٠، ومغني اللبيب ١/ ١٥١، وهمع الهوامع ١/ ١٣٢.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤)
إِذْ في موضع نصب على الظرف. قالَ يُوسُفُ لم ينصرف لأنه عجميّ، وقرأ طلحة بن مصرّف إذ قال يؤسف بالهمز وكسر السين، وحكى أبو زيد «يوسف» بالهمز وفتح السين. لِأَبِيهِ خفض باللام وعلامة خفضه الياء والمحذوف منه واو يدلّ على ذلك أبوان. يا أَبَتِ «٢» بكسر التاء قراءة عاصم ونافع وحمزة والكسائي والأعمش، وقرأ أبو جعفر والأعرج وعبد الله بن عامر يا أَبَتِ بفتح التاء، وأجاز الفراء «يا أبت» بضم التاء. قال أبو جعفر: إذا قلت يا أبت بكسر التاء فالتاء عند سيبويه من ياء الإضافة ولا يجوز على قوله الوقف إلّا بالهاء، وله على قوله دلائل، منها أن قولك: «يا أبت» يؤدي عن معنى قولك: يا أبي، وأنه لا يقال: يا ابة إلّا في المعرفة، ولا يقال: جاءني أبة لا يستعمل العرب هذا إلا في النداء خاصة ولا يقال: يا أبتي لأن التاء بدل من الياء فلا يجمع بينهما، وزعم الفراء أنه إذا قال: يا أبت فكسر وقف على التاء لا غير لأن الياء في النية، وزعم أبو إسحاق أن هذا خطأ، والحق ما قال، كيف تكون في النية وليس يقال: يا أبتا فأما قولنا بكسر التاء ولم نقل بكسر الهاء فلأن الكسر إنما يقع في الإدراج ولو قلت: مررت بامرأة لقلت: علامة الخفض كسرة التاء ولا يقول كسرة الهاء إلا من لا يدري. ويا أبت بفتح التاء مشكل في النحو، وفيه أقوال:
فمذهب سيبويه «٣» أنهم شبهوا هذه الهاء التي هي بدل من الياء بالهاء التي هي علامة التأنيث فقالوا يا أبت كما قال: [الطويل] ٢٢٦-
كليني لهمّ يا أميمة ناصب «٤»
(٢) انظر تيسير الداني ١٠٣، ومعاني الفراء ٢/ ٣٢.
(٣) انظر الكتاب ٢/ ٢١٥. [.....]
(٤) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٤٠، والكتاب ٢/ ٢١١، والأزهيّة ٢٣٧، وخزانة الأدب ٢/ ٣٢١، والدرر ٣/ ٥٧، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٤٥، وكتاب اللامات ١٠٢، ولسان العرب (كوكب) و (نصب) و (أسس) و (شبع)، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٠٣، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٢١، وجمهرة اللغة ص ٣٥٠، ورصف المباني ١٦١، وشرح المفصل ٢/ ١٠٧، وعجزه:
«وليل أقاسيه بطيء الكواكب»
مضى الأحد عشر رجلا لا غير، وأجاز الكسائي والفراء: مضى الأحد العشر. قال الفراء «٢» : لتوهمهم انفصال أحدهما من الآخر، وأجاز إدخال الألف واللام في المميز.
وذا محال عند البصريين، لأن المميز واحد يدلّ على جمع فإذا كان معروفا لم يكن فيه هذا المعنى. قال الفراء: فإن أضفت إلى نفسك أعربت الأول فقلت: هذه خمسة عشري، ومررت بخمسة عشري. قال لما لم يجز أن تضيفه إلى الأول لأن بينهما عشرا أعربت الأول، ولا يجوز المميّز هاهنا لاختلاف إعرابيهما. قال أبو جعفر: هذا يبطل كلّ ما مرّ، وسمعت محمد بن الوليد يقول: سمعت أبا العباس يقول: ربّما قرأ عليّ إسماعيل بن إسحاق الشّيء من كلام الفراء فاستحسنه فلا ينتهي إلى آخره حتّى يفسده.
قال سيبويه «٣» : واعلم أن العرب تجعل خمسة عشر وما أشبهها في الألف واللام والإضافة على حال، والعلّة عند أصحابه في هذا إن الجهة التي بنيت من أجلها موجودة مع الألف واللام والإضافة، وقد حكى سيبويه: هذه خمسة عشرك برفع الثاني، وزعم الفراء أنه يقال: ما رأيت خمسة عشر قطّ خيرا منها بخفض عشر وتنوينها. قال: ولا
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٣٣١.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥]
قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)
يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ نهي وظهر التضعيف لأنه قد سكن الثاني ويجوز الإدغام في غير القرآن والفتح والكسر والضم. رُؤْياكَ بالهمز والجمع رؤي. قال أبو حاتم: قال يعقوب قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله أهل الحجاز لا يهمزون «رؤيا» وبكر وتميم تهمزها. قال أبو حاتم: ويقال «٣» : ريا بقلب الواو ياء والراء مضمومة ويقال: ريّا بكسر الراء. فَيَكِيدُوا جواب النبي بالفاء وقد ذكرناه. كَيْداً مصدر إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ اسم «إنّ» وخبرها وجمع عدوّ اعداء، وكان سبيله أن يجمع على فعول فاستثقل ذلك فيه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦]
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف وكذلك الكاف في كَما أَتَمَّها، و (ما) كافة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)
قرأ أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الكوفة لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ وقرأ أهل مكة آية للسائلين «٤» على واحدة، واختار أبي عبيد «آيات» قال: لأنها عبر كثيرة. قال أبو جعفر: «آية» هاهنا قراءة حسنة أي لقد كان في الذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبّروا به لأنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بمكة فقالوا: خبّرنا
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٣٧.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٥.
(٤) انظر تيسير الداني ١٠٤.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨]
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨)
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ رفع بالابتداء وهذه لام التوكيد. وَأَخُوهُ عطف عليه. أَحَبُّ إِلى أَبِينا خبره، ولا يثنى ولا يجمع لأنه بمعنى الفعل.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩]
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩)
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً نصب «أرضا» على حذف «في» لا على الظرف لأنها غير مبهمة، وأنشد سيبويه فيما حذف منه في: [الكامل] ٢٢٧-
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه | فيه كما عسل الطّريق الثّعلب «١» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة فِي غَيابَتِ الْجُبِّ «٢» وقرأ أهل المدينة في غيابات الجبّ «٣» وأجاز أبو عبيد التوحيد لأنه على موضع واحد ألقوه فيه فأنكر الجمع لهذا. قال أبو جعفر: هذا تضييق في اللغة، وغيابات على الجمع، ويجوز من جهتين: حكى سيبويه: سير عليه عشيّانات وأصيلانات، يريد عشيّة وأصيلا فجعل كل وقت منها عشيّة وأصيلا، وكذا جعل كلّ موضع ما يغيب غيابة ثم جمع، والوجه الآخر أن يكون في الجبّ غيابات جماعة. ويقال: غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا كما قال:
[الطويل] ٢٢٨-
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث | إلى ذا كما ما غيّبتني غيابيا «٤» |
(٢) انظر تيسير الداني ١٠٤.
(٣) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٨٥.
(٤) الشاهد لابن أحمر في ديوانه ص ١٧١، والأزهيّة ١١٥، وخزانة الأدب ٥/ ٩، وبلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٤٨٣، والخصائص ٢/ ٤٦٠، والمحتسب ٢/ ٢٢٧.
وتشرق بالقول الّذي قد أذعته | كما شرقت صدر القناة من الدّم «٢» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ١١]
قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١)
قرأ يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا بالإدغام بغير إشمام، وقرأ طلحة بن مصرف ما لك لا تأمننا «٣» بنونين ظاهرتين وقرأ يحيى بن وثاب وأبو رزين، ويروى عن الأعمش ما لك لا تيمنّا «٤» بكسر التاء، وقرأ سائر الناس فيما علمت بالإدغام والإشمام. قال أبو جعفر: القراءة الأولى بالإدغام وترك الإشمام هي القياس لأن سبيل ما يدغم أن يكون ساكنا، وقال أبو عبيدة: لا بد من الإشمام. وهذا القول مردود عند النحويين: وقال أبو حاتم: لو كان إدغاما صحيحا ما أشمّ شيئا، وهذا أيضا عند النحويين غلط لأن الإشمام إنما هو بعد الإدغام إنما يدلّ به على أن الفعل كان مرفوعا وتأمننّا على الأصل، «وتيمنّا» لغة تميم. يقولون: أنت تضرب، وقد ذكرناه «٥».
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٢]
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢)
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً منصوب على الظرف والأصل عند سيبويه «٦» «غدو» وقد نطق به. قال النضر بن شميل: ما بين الفجر وصلاة الصبح يقال له غدوة، وكذا بكرة نرتع ونلعب «٧» بالنون وإسكان العين قراءة أهل البصرة، والمعروف من قراءة أهل مكة نرتع بالنون وكسر العين، وقراءة أهل الكوفة يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ بالياء وإسكان العين، وقراءة أهل المدينة يرتع ويلعب بالياء وكسر العين. قال أبو جعفر: القراءة الأولى من قول العرب: رتع الإنسان والبعير إذا أكلا كيف شاءا إلّا أن معمرا روى عن قتادة قال: يرتع يسعى. قال أبو جعفر: أخذه من قوله: «إنا ذهبنا نستبق» لأن المعنى نستبق في العدو إلى غاية بعينها، وكذا «يرتع» بإسكان العين إلّا أنه ليوسف وحده صلّى الله عليه وسلّم ونرتع بكسر العين من الرّعي وهو الكلأ، والرعي المصدر، وقال القتبيّ: نرتع
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٨٥، ومعاني الفراء ٢/ ٣٨. [.....]
(٣) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٨٥، ومعاني الفراء ٢/ ٣٨.
(٤) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٨٥، ومعاني الفراء ٢/ ٣٨.
(٥) مرّ في إعراب الآية ٥- الفاتحة.
(٦) انظر الكتاب ١/ ٩٢.
(٧) انظر تيسير الداني ١٠٤، والبحر المحيط ٥/ ٢٨٦.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٣]
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣)
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي اللغة الفصيحة، حكى ذلك يعقوب وغيره أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ في موضع رفع أي ذهابكم به وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كلّ وجه كذا قال أحمد بن يحيى، قال: و «الذئب» مهموز لأنه يجيء من كلّ وجه، وروى ورش عن نافع «الذيب» «١» بغير همز لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها كسرة فخففها صارت ياء.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٦ الى ١٧]
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧)
عِشاءً ظرف يَبْكُونَ في موضع الحال. قال محمد بن يزيد وَلَوْ كُنَّا أي وإن كنّا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٨]
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ مجاز أي ذي كذب مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:
٨٢]. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال أبو إسحاق: أي فشأني أو الّذي أعتقده صبر جميل. قال قطرب: أي فصبري صبر جميل. قال أبو حاتم: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف فصبرا جميلا «٢» قال: وكذا الأشهب العقيلي، قال: وكذا في مصحف أنس وأبي صالح «٣». قال محمد بن يزيد: «فصبر جميل» بالرفع أولى من النصب لأن المعنى: فالذي عندي صبر جميل، قال: وإنما النصب الاختيار في الأمر كما قال جلّ وعزّ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [المعارج: ٥]. قال أبو جعفر: والنصب على المصدر وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ ابتداء وخبر. عَلى ما تَصِفُونَ مجاز والمعنى- والله أعلم- والله المستعان على احتمال ما تصفون.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٩٠، ومختصر ابن خالويه ٦٣.
(٣) أبو صالح، محمد بن عمير بن الربيع الهمذاني الكوفي، عارف بحروف حمزة، انظر غاية النهاية ٢/ ٢٢٢.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٩]
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩)وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فأنّث على اللفظ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فذكّر على المعنى ولو كان فأرسلت واردها لكان على اللفظ. فَأَدْلى دَلْوَهُ من ذوات الواو إلّا أنه رجع إلى الياء لما جاوز ثلاثة أحرف اتباعا للمستقبل هذا قول الخليل وسيبويه، وقال الكوفيون لمّا ثقل ردّ إلى الياء لأنها أخفّ من الواو. وجمع دلو في أقلّ العدد أدل فإذا كثرت قلت:
دليّ ودليّ، فقلبت الواو ياء لأن الجمع بابه التغيير وليفرّق بين الواحد والجميع، ودلاء قلبت الواو ألفا ثم أبدلت منها همزة لئلا يجتمع ساكنان. قال يا بشراي هذا غلام «١» هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة إلا أن ابن أبي إسحاق قرأ يا بشريّ هذا غلام «٢» فقلبت الألف ياء لأن هذا الياء يكسر ما قبلها فلمّا لم يجز كسر الألف كان قلبها عوضا، وقرأ أهل الكوفة يا بُشْرى هذا غُلامٌ في معناه قولان: أحدهما أنه اسم الغلام، والآخر أن المعنى يا أيتها البشرى. قال قتادة: لمّا أدلي الدلو تشبّث به يوسف صلّى الله عليه وسلّم فلما أخرجه بشّرهم فقال: يا بشرى هذا غلام. قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه لم يأت في القرآن تسمية أحد إلّا يسيرا وإنما يأتي بالكناية كما قال جلّ وعزّ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [الفرقان: ٢٧] وهو عقبة بن أبي معيط وبعده يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا [الفرقان: ٢٧] وهو أميّة بن خلف فجاء على الكناية. وَأَسَرُّوهُ الهاء كناية عن يوسف، فأما الواو فكناية عن أخوته، وقيل عن التجار الذين اشتروه، بِضاعَةً نصب على الحال قال أبو إسحاق: المعنى واشتروه جاعليه بضاعة، وقال غيره: بضاعة بمعنى مبضوعا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٠]
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ من نعت ثمن أي ذي بخس أي قليل. دَراهِمَ على البدل ويقال: دراهيم على أنه جمع دراهم، وقد يكون اسما للجمع عند سيبويه، ويكون أيضا عنده على أنه مدّ الكسرة فصارت ياء وليس هذا مثل مدّ المقصور لأن مد المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره، وأنشد النحويون: [البسيط] ٢٣٠-
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة | نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف «٣» |
(٢) وهي قراءة أبي الطفيل والحسن والجحدري، انظر البحر المحيط ٢٩١.
(٣) الشاهد للفرزدق في الكتاب ١/ ٥٧، والإنصاف ١/ ٢٧، وخزانة الأدب ٤/ ٤٢٤، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٢٥، وشرح التصريح ٢/ ٣٧١، ولسان العرب (صرف)، والمقاصد النحوية ٣/ ٥٢١، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أسرار العربية ٤٥، والأشباه والنظائر ٢/ ٢٩، وأوضح المسالك ٤/ ٣٧٦، وتخليص الشواهد ١٦٩، وجمهرة اللغة ٧٤١، ورصف المباني ١٢، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٧٦٩، وشرح الأشموني ٢/ ٣٣٧، ولسان العرب (قطرب) و (سحج) و (نقد) و (صنع)، والمقتضب ٢/ ٢٥٨، والممتع في التصريف ١/ ٢٠٥.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢١]
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١)
وَكَذلِكَ الكاف في موضع نصب. مَكَّنَّا لِيُوسُفَ أي بأن عطفنا قلب الملك الذي اشتراه عليه حتى تمكّن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه. وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ نصب بلام كي، ولا بد من أن يتعلق بفعل فالتقدير: ولنعلمه من تأويل الأحاديث مكنّاه، والمعنى: مكناه لنوحي إليه بكلامنا ونعلّمه تأويله وتفسيره وتأويل الرؤيا.
وتم الكلام. ثم قال الله عزّ وجلّ: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أي يفعل ما يشاء في خلقه لا يقدر أحد على منعه ولا غلبته، وليس هذا للمخلوقين فهذا معنى غالب على أمره.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٢]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ هو جمع عند سيبويه «١» واحده شدّة، وقال الكسائي: واحده شدّ كما قال: [الكامل] ٢٣٠ م-
عهدي به شدّ النّهار كأنّما | خضب البنان ورأسه بالعظلم «٢» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٣]
وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)
وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وهي امرأة الملك. وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ غلّق
(٢) الشاهد لعنترة في ديوانه ص ٢١٣، ولسان العرب (شدد)، وتاج العروس (شدد).
(٣) انظر مجاز القرآن ١/ ٣٠٥. [.....]
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها | حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار «١» |
إنما أقرأ كما علّمت يدلّ على أنه مرفوع، وهذه القراءة بفتح الهاء والتاء هي الصحيحة من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وعكرمة، وبها قرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بفتح الهاء وكسر التاء، وقرأ أبو عبد الرحمن وابن كثير وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بفتح الهاء وضم التاء، فهذه ثلاث قراءات الهاء فيهنّ مفتوحة، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ يحيى بن وثاب وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة والتاء مضمومة، وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة، وعن ابن عامر وأهل الشام وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء. قال أبو جعفر: «هيت لك» بفتح التاء لالتقاء الساكنين لأنه صوت يجب أن لا يعرب، والفتح خفيف. فهذا كقولك: كيف وأين ومن كسر التاء فإنما كسرها لأن الأصل الكسر، ومن ضمّ فلالتقاء الساكنين أيضا وشبّهه بقولهم: «جوت» في زجر الجمل. يقال: بالضمّ والفتح والكسر «وجاه» بمعناه إلّا أنه لا يقال إلّا مكسورا، وكذا «عاج» في زجر الأنثى، وقراءة أهل المدينة فيها قولان: أحدهما أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين كما مرّ، والآخر أن يكون من هاء يهيء مثل جاء يجيء فيكون المعنى في «هيت» أي حسنت هيئتك وخفّف الهمزة، ويكون «لك» من كلام آخر، كما تقول: لك أعني وأما «لك» في «هيت لك» فهي تبين، كما يقال «سقيا لك»، وقال عكرمة: «هيت» أي هلمّ أي إلى ما دعوتك له، و «هيت لك» بغير همز وبالهمز من هاء يهيئ. قالَ مَعاذَ اللَّهِ مصدر. يقال: عاذ معاذا ومعاذة وعياذا. إِنَّهُ رَبِّي في موضع نصب على
(٢) انظر تيسير الداني ١٠٤، والبحر المحيط ٥/ ٢٩٤، ومعاني الفراء ٢/ ٤٠.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٤]
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ لام توكيد، وزعم الخليل أنّ «قد» للتوقع. وَهَمَّ بِها قد ذكرنا معناه. وأن قوما قالوا: هو على التقديم والتأخير. وهذا القول عندي محال ولا يجوز في اللغة ولا في كلام من كلام العرب. لا يقال: قام فلان إن شاء الله، ولا قام فلان لولا فلان، وقد قيل: همّه بها هو الشهوة وما يخطر على القلب، كما يقال: ما يهمّني ذلك أي ما أشتهيه. لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ (أن) في موضع رفع، وجواب لولا محذوف لعلم السامع. كَذلِكَ الكاف في موضع رفع أي أمر البراهين كذلك، ويجوز أن تكون في موضع نصب أي أريناه البراهين كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ لام كي والناصب للفعل «أن».
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ أي المخلصين لأداء الرسالة، والمخلصين لطاعة الله جلّ وعزّ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٥]
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥)
وَاسْتَبَقَا الْبابَ حذفت الألف من «استبقا» في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها. كما يقال: جاءني عبد الله في التثنية، ومن العرب من يقول: جاءني عبد الله بإثبات الألف بغير همز ويجمع بين ساكنين لأن الثاني مدغم والأول حرف مدّ ولين، ومنهم من يقول: جاءني عبد الله بإثبات الألف والهمزة، كما تقول في الوقف. وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ قال أبو إسحاق: القد القطع أي جذبت فانقطع قال أبو جعفر: في هذا من اختصار القرآن المعجز الذي يجمع فيه المعاني، والمعنى: سابق يوسف صلّى الله عليه وسلّم إلى الباب ممتنعا منها ليخرج، وسابقته إلى الباب لتقف عليه فتمنعه من الخروج فلما سبقها جذبته لئلا يخرج فقطعت قميصه. قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً (ما) ابتداء، وخبره أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ عطف عليه. قال الكسائي: ويجوز أو عذابا أليما بمعنى ويعذب عذابا أليما.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)
وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قد ذكرنا فيه اختلافا. والأشبه بالمعنى- والله أعلم- أن يكون رجلا عاقلا حكيما شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة ولو كان طفلا لكان شهادته ليوسف صلّى الله عليه وسلّم يغني أن يأتي بدليل من العادة لأن كلام الطفل آية معجزة فكانت أوضح من الاستدلال
المعنى: إن يكن أي إن يعلم فالعلم لم يقع وكذلك الكون لأنه يؤدي عن العلم قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فخبّر عن كان بالفعل الماضي، كما قال زهير: [الطويل] ٢٣٢-
وكان طوى كشحا على مستكنّة | فلا هو أبداها ولم يتقدّم «١» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٩]
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩)
يُوسُفُ نداء مفرد أي يا يوسف.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٠]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠)
وَقالَ نِسْوَةٌ ويقال: نسوة، والجمع الكثير نساء، وحكي «قد شغفها» بكسر الغين. ولا يعرف في كلام العرب إلّا «شغفها» بفتح الغين، وكذا قَدْ شَغَفَها أي تركها مشغوفة. إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
أي في هذا الفعل. وهذه لام توكيد ولا تقع في الماضي هاهنا إلّا أن الأخفش أجاز: إنّ زيدا لنعم الرجل لأن نعم لا تتصرّف.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣١]
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أي بعيبهن إياها واحتيالهنّ في ذمها أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ في الكلام حذف أي أرسلت إليهنّ تدعوهن إلى وليمة لتوقعهنّ فيما وقعت فيه. وَأَعْتَدَتْ من
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٩٧، والمحتسب ١/ ٣٣٨.
والأصل في متّكأ موتكأ، ومثله متّزن ومتّعد من وزنت ووعدت ووكأت، ويقال: تكئ يتكأ تكأة. وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً مفعولان وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكّر ويؤنّث، وأنشد الفراء: [الوافر] ٢٣٣-
فعيّث في السّنام غداة قرّ | بسكّين موثّقة النّصاب «١» |
حشا زيد وحاشا زيدا. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمّد بن يزيد يقول: النصب أولى لأنه قد صحّ أنها فعل بقولهم: حاش لزيد والحرف لا يحذف منه، وقد قال النابغة: [البسيط] ٢٣٤-
وما أحاشي من الأقوام من أحد «٣»
ما هذا بَشَراً شبّهت (ما) بليس عند الخليل وسيبويه إذا كان الكلام مرتّبا. قال سيبويه:
وربّ حرف هكذا أي يشبّهه بغيره في بعض المواضع، ثم ذكر سيبويه «تالله» و «لدن غدوة» ثم قال الكوفيون «٤» : لما حذفت الباء نصبت وشرح هذا على ما قاله أحمد بن يحيى أنك إذا قلت: ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض. قال: فلما حذفت الباء نصبت لتدلّ على محلها. قال: وهذا قول الفراء «٥» وما تعمل «ما» شيئا، فألزمهم البصريون أن يقولوا: زيد القمر، لأن المعنى كالقمر، فرد هذا أحمد بن يحيى بأن قال: الباء
(٢) انظر تيسير الداني ١٠٥، والبحر المحيط ٥/ ٣٠٣.
(٣) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٢٠، وأسرار العربية ٢٠٨، والإنصاف ١/ ٢٧٨، والجنى الداني ص ٥٩٩، وخزانة الأدب ٣/ ٤٠٣، والدرر ٣/ ١٨١، وشرح شواهد المغني ١/ ٣٦٨، وشرح المفصّل ٢/ ٨٥، ولسان العرب (حشا)، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٢٧، وشرح الأشموني ١/ ٣٤٠، وشرح المفصّل ٨/ ٤٩، ومغني اللبيب ١/ ١٢١، وهمع الهوامع ١/ ٢٣٣.
(٤) انظر الإنصاف مسألة (١٩).
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٢.
أما والله أن لو كنت حرّا | وما بالحرّ أنت ولا العتيق «١» |
أتيما تجعلون إليّ ندّا | وما تيم لذي حسب نديد «٢» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٣]
قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣)
قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ابتداء وخبر، والتقدير نزول السجن أحبّ إليّ أي أسهل عليّ، وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ السجن «٣» بفتح السين، وحكى أن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج ويعقوب وهو مصدر سجنه سجنا وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ شرط ومجازاة أي إن لم تلطف لي في اجتناب المعصية وقعت فيها.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٤]
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ أي فلطف له في ذلك. فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ قيل: لأنهنّ جمع قد راودنه عن نفسه، وقيل: يعني كيد النساء.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٥]
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ فيه ثلاثة أقوال: فمذهب سيبويه «٤» أن
(٢) الشاهد لجرير في ديوانه ص ١٦٤، والخزانة ١/ ٤٤٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٤، والبحر المحيط ٥/ ٣٠٦.
(٤) انظر الكتاب ٤/ ١٢٥.
وحقّ لمن أبو موسى أبوه | يوفّقه الّذي نصب الجبالا «١» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٦]
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ تثنية فتى وهو من ذوات الياء وقولهم الفتوّة شاذّ. قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً والتقدير في النوم ثم حذف. نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ من ذوات الهمز فلذلك ثبتت الياء فيه ومن خفف: نبيّنا ومن أبدل منها قال نبِّنا فحذف الياء.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٠]
ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)
ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ حذف المفعول الثاني للدلالة والمعنى سمّيتموها آلهة من عند أنفسكم. ما أَنْزَلَ اللَّهُ ذلك في كتاب. قال سعيد بن جبير مِنْ سُلْطانٍ أي من حجّة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤١]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)
أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً حكى بعض أهل اللغة أنّ سقاه وأسقاه لغتان بمعنى واحد كما قال: [الوافر] ٢٣٨-
سقى قومي بني مجد وأسقى | نميرا والقبائل من هلال «٢» |
(٢) الشاهد للبيد في ديوانه ٩٣، وتهذيب اللغة ٩/ ٢٢٨، وتاج العروس (مجد) و (سقى)، والمخصّص ١٤/ ١٦٩، ونوادر أبي زيد ٢١٣، وبلا نسبة في رصف المباني ٥٠، ولسان العرب (مجد).
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٢]
وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)
وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا قال الكسائي: والمصدر نجوا ونجاء. اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي أذكر ما رأيته منّي وما أنا عليه من عبارة الرؤيا وغير ذلك.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٣]
وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣)
وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ حذفت الهاء فرقا بين المذكّر والمؤنّث، ويجوز في غير القرآن: سبع بقرات سمانا نعت لسبع، وكذا خضرا. قال الفراء «١» :
ومثله سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً [نوح: ١٥].
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٤]
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤)
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي هي أضغاث. قال الفراء: ويجوز أضغاث أحلام، أي رأيت أضغاث أحلام. قال أبو جعفر: النصب بعيد لأن المعنى: لم ترى شيئا له تأويل، إنما هي أضغاث أحلام. وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ قال أبو إسحاق: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٥]
وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)
قال أبو جعفر: الأصل في وَادَّكَرَ اذتكر، والذال قريبة المخرج من التاء، ولم يجز ادغامها فيها لأن الذال مجهورة والتاء مهموسة فلو أدغموا ذهب الجهر فأبدلوا من موضع التاء حرفا مجهورا وهو الدال وكان أولى من الطاء لأن الطاء مطبقة فصار إذ دكّر فأدغموا الذال في الدال فصار ادّكر، وحكى الخليل وسيبويه: إن من العرب من يقول اذّكر فيدغم الدال في الذال لرخاوة الذال ولينها ويقال: أمه يأمه إمها إذا نسي، فعلى هذا وادّكر بعد أمه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٦]
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)يُوسُفُ نداء مفرد وكذا أَيُّهَا الصِّدِّيقُ الكثير الصدق.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٧]
قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)
دَأَباً مصدر لأن معنى تزرعون تدأبون، وحكى أبو حاتم عن يعقوب دَأَباً «١» بتحريك الهمزة، وروى حفص عن عاصم وفيه قولان: قول أبي حاتم أنه من دئب. قال أبو جعفر: ولا يعرف أهل اللغة إلا دأب. والقول الآخر أنه حرّك لأن فيه حرفا من حروف الحلق.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٨]
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مجازا أي يأكل أهلهن. ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ أي ما ادخرتم من أجلهنّ. إِلَّا قَلِيلًا نصب على الاستثناء. مِمَّا تُحْصِنُونَ أي مما تحبسون لتزرعوه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أي فذهب الرسول فأخبره فقال: ائتوني به فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ أي فأمره بالخروج. قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ أي ليعلم حال النسوة اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي ليعلم أني حبست بلا جرم. إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ فدلّ بهذا على أنهن قد كدنه كما كادته امرأة العزيز. المعنى فذهب الرسول فأخبره فاحضرهنّ فقال: ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ شدّدت النون لأنّها بمنزلة الميم والواو في المذكّرين.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٢]
ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)
ذلِكَ في موضع رفع أي الأمر ذلك. لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ أي لم أذكره وهو غائب بسوء، وكذا الخيانة وقد قيل: هذا من كلام يوسف صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي على التكثير، وكذا إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أي مشتهية له. إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي في موضع نصب على الاستثناء.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٤]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي جزم لأنه جواب الأمر، والمعنى فذهبوا فجاؤوا به ودلّ على هذا. فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أي متمكّن من نريد نافذ القول. أَمِينٌ لا تخاف عذرا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٥]
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ أي حفيظ لها عَلِيمٌ بما تستحق أن أجعلها فيه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٦]
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ أي ينزل. نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ أي بإحساننا. وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي ثوابهم، ودلّ بهذا على أنه ثواب له.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٨]
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ أي فجاءت سنو القحط فجاء إخوة يوسف إلى مصر ليمتاروا، وهذا من اختصار القرآن المعجز فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون لأنهم خلفوه صبيا ولم يتوهموا أنه بعد العبوديّة بلغ إلى تلك الحال.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٩]
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ وهو ابن يامين وهو أخو يوسف لأبيه وأمه أي سألهم وذاكرهم حتى جرى ذكر أخيه وهذا من الاختصار أيضا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٠]
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠)
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي أي فلا أبغيكم شيئا. وَلا تَقْرَبُونِ في موضع جزم بالنهي فلذلك حذفت منه النون، وحذفت الياء لأنه رأس آية، ولو كان خبرا لكان ولا تقربون بفتح النون.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٢]
وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)وقال لفتيته هذه قراءة «١» أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ سائر الكوفيين وَقالَ لِفِتْيانِهِ وهو اختيار أبي عبيد لأنه روى عن هشام عن مغيرة قال: في مصحف عبد الله «وقال لفتيانه». قال أبو جعفر: وهذا مخالف للسواد الأعظم لأنه في السواد لا ألف فيه ولا نون فلا يترك السواد المجتمع عليه لهذا الإسناد المنقطع، وأيضا فإنّ فتية هاهنا أشبه من فتيان لأن فتية عند العرب لأقل العدد والقليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه. والأصل في فتية أفعلة وإن كان قد صغّر على لفظه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٣]
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣)
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ لأنه قال لهم: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي. فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ جواب، والأصل نكتال فحذفت الضمة من اللام للجزم وحذفت الألف لالتقاء الساكنين وهذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الكوفيون يكتل «٢» بالياء، والأول اختيار أبي عبيد ليكونوا كلّهم داخلين فيمن يكتال، وزعم أنه إذا قال: يكتل بالياء كان للأخ خاصة. قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم لأنه لا يخلو الكلام من إحدى جهتين أن يكون المعنى فأرسل أخانا يكتل معنا فيكون للجميع، أو يكون التقدير على غير التقديم والتأخير فيكون في الكلام دليل على الجمع بقوله فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٤]
قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً على البيان، وهذه قراءة «٣» أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ سائر الكوفيين حفظا والقراءة الأولى أبين كما يقال: هو خير منه حسبا وحافِظاً منصوب على الحال، وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون منصوبا على البيان.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٣٢٠، وتيسير الداني ١٠٥.
(٣) انظر تيسير الداني ١٠٥.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٥]
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥)ما نَبْغِي «ما» في موضع نصب، والمعنى- والله أعلم- أي شيء نبغي بتعريفنا إياك فإن الملك قد برنا وهذِهِ بِضاعَتُنا تدلّ على ذلك إذ رُدَّتْ إِلَيْنا، وروي عن علقمة رُدَّتْ إِلَيْنا «١» بكسر الراء لأن الأصل فيه رددت فلما أدغم قلب حركة الدال على الراء كما يقال: «بيع» في المعتلّ، وقد حكى قطرب في ضرب زيد «ضرب».
وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ أي يخرج أخونا على بعير فيكال له عليه ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ في معناه قولان: أحدهما يسير على الملك أي سهل، والآخر ذلك الذي جئنا به كيل يسير لا يكفينا فنحن نحتاج أن يخرج أخونا معنا حتى يزداد.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٦]
قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)
إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ في موضع نصب. قال أبو إسحاق: المعنى إلّا لإحاطة بكم قال: وهذا يحقّق الجزاء كقولك: ما جئتني إلا لأخذ الدراهم وإلّا أن تأخذ الدراهم.
قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي حافظ للحلف.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٧]
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ أصحّ ما قيل فيه أنه خاف أن يدخلوا جميعا فيبلغ الملك الأعظم أمرهم فيلحقهم منه مكروه أو يحسدهم من رآهم مجتمعين، ولا معنى للعين هاهنا لأن بعده وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لأنه إن صحّ ما يكون يعقب العين فهو من الله جلّ وعزّ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٨]
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)
ويدلّك على هذا وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ.
إِلَّا حاجَةً استثناء ليس من الأول. وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ أي بأمر دينه
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٠]
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠)
قال الأخفش: جمع سقاية: سقايا. أَيَّتُهَا الْعِيرُ أي أصحاب العير يدلّ على ذلك. إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ وكان النداء عن غير أمر يوسف صلّى الله عليه وسلّم لأنه كذب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٢]
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢)
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وروي عن أبي هريرة قالوا نفقد صاع الملك «١»، وروى أبو الأشهب عن أبي رجاء قالوا نفقد صوع الملك «٢» بغير ألف وبغين معجمة، وكذا روي عن يحيى بن يعمر. قال أبو جعفر: الألف في صواع زائدة وهو بمعنى صاع وصاع أكثر في كلام الناس كما قال:
٢٣٩-
لا نألم القتل ونجزي به | الأعداء كيل الصّاع بالصّاع «٣» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٣]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣)
قالُوا تَاللَّهِ التاء بدل من الواو لأنها أقرب الزوائد إليها، ولا يقاس على الإبدال فيقال: تالرحمن لأن العرب إذا أبدلت الشيء من الشيء فقد عرف، وكذا المجاز لا يقال عليه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٤]
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤)
قالُوا فَما جَزاؤُهُ ابتداء وخبر. إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ أي في قولكم وما كنا سارقين.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٥]
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ وهذا مشكل من النحو وفيه ثلاثة أقوال: منها
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٣٢٦، مختصر ابن خالويه ٦٤.
(٣) الشاهد لأبي قيس بن الأسلت في ديوان المفضليات ٥٦٩، والخزانة ٢/ ٤٨.
لعمرك ما معن بتارك حقّه | ولا منسئ معن ولا متيسّر «١» |
كَذلِكَ الكاف في موضع نصب أي نجزي الظالمين جزاء كذلك.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٦]
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)
ثُمَّ اسْتَخْرَجَها فأنّث، ففيه ثلاثة أقوال: منها أن يكون الكناية للصواع على لغة من أنّث، ومنها أن يكون للسقاية، والجواب الثالث أن يكون للسرقة، وقرأ الحسن ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ «٢» بضمّ الواو، ويجوز في غير القرآن «إعاء» مثل «أقّت» و «وقتت»، ويجوز «إعاء أخيه»، وهي لغة هذيل، ومثله «إكاف» و «وكاف»، كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ الكاف في موضع نصب أي بأن فعل هذا حتى أخذ أخاه ولم يكن يتهيّأ له أخذه وحبسه مع الملك بغير حجّة قال جلّ وعزّ: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (أن) في موضع نصب، والتقدير إلّا بأن يشاء الله أن يلطف له بمثل هذا الكيد. نرفع درجات من نشاء «٣» هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة، وقرأ أهل الكوفة نَرْفَعُ دَرَجاتٍ بالتنوين، وهو على قراءتهم مما يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف، والتقدير: نرفع من نشاء إلى درجات، إلّا أنّ أكثر كلام العرب على
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٣٢٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٠٥.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٧]
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧)
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ جزم بإن، والجواب فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ المعنى على حذف القول والتقدير: فقد قيل سرق أخ له. ومن أحسن ما قيل في معناه أنّ السّدّي قال: كانت عمة يوسف صلّى الله عليه وسلّم تميل إليه وهي ربّته فلمّا ترعرع أرادوا أن يأخذوه منها فاحتالت في منعهم فأخذت منطقة إسحاق صلّى الله عليه وسلّم فشدّتها في وسطه من تحت ثيابه وكان حكم السّارق إذا سرق أن يستخدم فاحتالت بهذا فأخذته عندها فلهذا قال إخوته: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ. فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ للعلماء في هذا أقوال:
منها أنه أسرّ في نفسه قوله شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ وقيل: أسرّ في نفسه المجازاة لهم على ما قالوا فيه، وقيل: أسرّ في نفسه الحجّة على ما قالوا ولم يرد أن يبيّن عذره في ذلك، وقيل: أسرّ في نفسه قولهم «فقد سرق أخ له من قبل» ولم يرد أن يذيع هذا وينشره.
قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ابتداء وخبر. مَكاناً منصوب على البيان أي فعلا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٨]
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨)
إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً من نعته.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٩]
قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩)
قالَ مَعاذَ اللَّهِ مصدر. أَنْ نَأْخُذَ في موضع نصب أي من أن نأخذ. إِلَّا مَنْ وَجَدْنا في موضع نصب بنأخذ. إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ أي إن أخذنا غيره.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٠]
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠)
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا أي انفردوا وليس هو معهم. نَجِيًّا نصب على الحال، وهو واحد يؤدي عن جمع وجمعه أنجية. وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ «ما» زائدة لا موضع لها من الإعراب، وقيل: هي في موضع رفع على الابتداء وبمعنى وقع
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أي من الأرض. حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي نصب بحتى وهي بدل من «أن».
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي عطف على «يأذن»، والمعنى- والله أعلم- أو يحكم الله لي بالممرّ مع أخي فأمضي معه إلى أبي. وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ابتداء وخبر.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨١]
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١)
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا له. يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما قال أبو حاتم: ذكر قوم إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ «١» قالوا معناه رمي بالسّرق كما يقال ظلم فلان وخوّن قال: ولم أسمع له إسنادا. قال أبو جعفر: ليس نفيه السماع بحجّة على من سمع، وقد روى هذا الحرف غير واحد منهم محمد بن سعدان النحوي في كتابه «كتاب القراءات» وهو ثقة مأمون وذكر أنها قراءة ابن عباس. قال أبو إسحاق: وقرئ (إنّ ابنك سرق) وهو يحتمل معنيين: أحدهما علم منه السّرق، والآخر اتّهم بالسرق. شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٢]
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها أي أهل القرية. قال سيبويه: ولا يجوز: كلّم هندا وأنت تريد غلام هند لأن هذا يشكل.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٣]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أي زيّنته من غير أن تكون منه سرق. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي أولى من الجزع. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً لأنه كان عنده أنّ يوسف صلّى الله عليه وسلّم لم يمت وإنما غاب عنه خبره لأن يوسف صلّى الله عليه وسلّم حمل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئا ثم اشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس، ثم حبس فلما تمكّن احتال في أن يعلم أبوه خبره ولم يوجّه برسول لأنه كره من إخوته أن يعرفوا ذلك فلا يدعوا الرسول يصل إلى أبيه. وقال «بهم» لأنهم ثلاثة يوسف وأخوه والمتخلف مع أخيه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٤]
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ قال أبو إسحاق: الأصل يا أسفي أبدل
«تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب» «١» وقد بيّن الله جلّ وعزّ بقوله:
فَهُوَ كَظِيمٌ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٥]
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ قال الكسائي: يقال: فتأت وفتئت أفعل ذلك أي ما زلت، وزعم الفراء أنّ «لا» مضمرة وأنشد: [الطويل] ٢٤١-
فقلت يمين الله أبرح قاعدا | ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي «٢» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٦]
قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦)
لَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي
حقيقة البثّ في اللغة ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة التي لا يتهيّأ له أن يخفيها وهو من بثثته أي فرّقته فسمّيت المصيبة بثّا مجازا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٧]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا أي اذهبوا إلى هذا الذي طلب منكم أخاكم واحتال عليكم في أخذه فسلوه عنه وعن مذهبه.
(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٣٢، والكتاب ٣/ ٥٦٠، وخزانة الأدب ٩/ ٢٣٨، والخصائص ٢/ ٢٨٤، والدرر ٤/ ٢١٢، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٢، وشرح التصريح ١/ ١٨٥، وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤١، وشرح المفصّل ٧/ ١١٠، ولسان العرب (يمين)، واللمع ٢٥٩، والمقاصد النحوية ٢/ ١٣، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠/ ٩٣، وشرح الأشموني ١/ ١١٠، ومغني اللبيب ٢/ ٦٣٧، والمقتضب ٢/ ٣٦٢، وهمع الهوامع ٢/ ٣٨.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أي الممتنع. مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ فخضعوا له وتواضعوا فرقّ ف قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قيل: فدلّ بهذا أنهم كانوا صغارا في وقت أخذهم ليوسف عليه السلام حتى تركوا أخاه منفردا منه لا يقاومهم فتنبّهوا ف قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ على تخفيف الهمزة الثانية، ويجوز تحقيقهما وأن يدخل بينهما ألفا، ويجوز «إنك» على الخبر. إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ الهاء كناية عن الحديث والجملة الخبر، وكذا الجملة الخبر في قوله جلّ وعزّ: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩١]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١)
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا الأصل همزتان خفّفت الثانية ولا يجوز تحقيقهما. واسم الفاعل مؤثر، والمصدر إيثار. ويقال: أثرت التراب إثارة فأنا مثير وهو أيضا على أفعل ثم أعلّ، والأصل أثير قلبت حركة الياء على الثاء فانقلبت الياء ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وأثرت الحديث على فعلت فأنا آثره. وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ من خطىء يخطأ إذا أتى الخطيئة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٢]
قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)
قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ تمّ الكلام ومعنى اليوم الوقت. يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ فعل مستقبل فيه معنى الدعاء.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٣]
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا هذا نعت للقميص والقميص مذكّر. فأما قول الشاعر:
[الكامل] ٢٤٢-
يدعو هوازن والقميص مفاضة | فوق النّطاق تشدّ بالأزرار «١» |
[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٦]
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦)
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ «أن» زائدة للتوكيد. فَارْتَدَّ بَصِيراً نصب على الحال.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)
آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ نصب بالفعل، وكذا وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ. سُجَّداً على الحال.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠١]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ في موضع نصب لأنه نداء مضاف، والتقدير يا ربّ.
فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ نصب على النعت: وإن شئت كان نداء ثانيا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٢]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)
ذلِكَ ابتداء. مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ خبره. نُوحِيهِ إِلَيْكَ خبر ثان. قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون «ذلك» بمعنى الذي ونُوحِيهِ إِلَيْكَ خبره أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٣]
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ اسم «ما». وَلَوْ حَرَصْتَ أي على هدايتهم. بِمُؤْمِنِينَ خبر ما.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ قال الخليل وسيبويه «١» هي «أي» دخلت عليها كاف التشبيه فصارت بمعنى «كم». قال أبو جعفر: ولا يجوز الوقف عليها إلّا وكأيّ كما
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٧]
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧)
أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً نصب على الحال وأصله المصدر وقال محمد بن يزيد:
جاء عن العرب حال بعد نكرة وهو قولهم: وقع أمر بغتة وفجأة. قال أبو جعفر:
ومعنى بغتة أصابه من حيث لم يتوقّع.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٨]
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي ابتداء وخبر. أَنَا توكيد. وَمَنِ اتَّبَعَنِي عطف على المضمر.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٩]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩)
وَلَدارُ الْآخِرَةِ ابتداء خَيْرٌ خبره وزعم الفراء «١» أن الدار هي الآخرة أي أضيف الشيء إلى نفسه، واحتجّ الكسائي بقولهم: صلاة الأولى: واحتجّ الأخفش بقولهم: مسجد الجامع. قال أبو جعفر: إضافة الشيء إلى نفسه محال لأنه إنما يضاف الشيء إلى غيره ليعرف به، والأجود الصلاة الأولى لأنها أول ما صلّي حين فرضت الصّلوات. وأول ما أظهر فلذلك قيل لها أيضا: ظهر والتقدير ولدار حال الآخرة خير.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١١٠]
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا هذه القراءة البينة عطف على استيأس