تفسير سورة إبراهيم

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

نور الوجود المتشعشعة المتجلية على صفائح المكونات الغيبية والشهادية ان حكمة إرسال الرسل وإنزال الكتب انما هو لإخراج اصحاب الجهالات والغفلات عن ظلمات الضلالات ومهاوي التقليدات والتخمينات الى نور اليقين وفضاء العرفان ليتنبهوا على شأنهم في منشأهم ومآلهم في مبدئهم ومعادهم ويتفطنوا بسرائر إيجادهم واظهارهم وحكمه وبعد تنبههم وتفطنهم يتيسر لهم سلوك طريق التوحيد المنجى عن غياهب الشكوك وظلمات الأوهام ويحصل لهم الترقي من المنزل الأنزل الأدنى الى المقام الأرفع الأعلى لذلك خاطب سبحانه حبيبه بما خاطب وانزل عليه ما انزل تأييد اله وتتميما لإرشاد عباده الى توحيده فقال متيمنا باسمه الكريم بِسْمِ اللَّهِ المتجلى بالكمالات اللائقة على صدور أنبيائه لتكميل من آمن لهم من عباده وهدايتهم الى طريق توحيده الرَّحْمنِ لهم بإرسال من هو من جنسهم ليسهل بهم الاستفادة والاسترشاد منه بلا كلفة الرَّحِيمِ لهم بانزال الكتاب الجامع لجميع شعائر سلوكهم في مبدئهم ومعادهم ليدوم هدايته وإرشاده فيهم
[الآيات]
الر ايها الإنسان الكامل الأحق الأليق لقبول لوامع لوائح رقائق رموز الربوبية بان تنزل على قلبك بطريق الوحى والإلهام فنذيعه أنت بين الأنام على سبيل الإرشاد والتكميل هذا كِتابٌ جامع لجميع آثار لوامع رقائق الربوبية واسرار لوائح رموز الألوهية مناسب مطابق لمرتبتك الجامعة قد أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا أكمل الرسل تأييدا لك في أمرك لِتُخْرِجَ النَّاسَ الناسين المقام الأصلي والمنزل الحقيقي مِنَ الظُّلُماتِ الامكانية الطبيعية الهيولانية إِلَى النُّورِ البحت الخالص عن شوب المادة والمدة وليس اخراجك يا أكمل الرسل إياهم الا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الذي رباهم في اصل استعدادهم وفطرتهم بأنواع اللطف والكرم ووفقهم على قبول ما قد جئت به من عنده ليوصلهم إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الغالب في امره بمقتضى قدرته وارادته على الوجه الأقوم الأعدل الْحَمِيدِ في فعله لخلوه عن كلا طرفي الإفراط والتفريط وكيف لا يكون صراطه مستقيما وفعله معتدلا مقتصدا
إذ هو اللَّهِ المستجمع لجميع الكمالات القادر المقتدر الَّذِي لَهُ وفي قبضة قدرته تكوين عموم ما فِي السَّماواتِ من الكواكب السيارات والثابتات على النمط البديع والنظم العجيب وَكذا ما فِي الْأَرْضِ من العناصر والمركبات على أقوم الأمزجة وأعدلها وَوَيْلٌ اى طرد وتبعيد عن مرتبة التوحيد لِلْكافِرِينَ الساترين شمس الحق الظاهر في الآفاق بالعدالة التامة وكمال الاستحقاق بغيوم الاظلال الباطلة والعكوس المستهلكة العاطلة مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ هو مسخهم وتبديلهم عن كمال مظهرية الحق وخلافته الى مرتبة الحيوانات العجم بل الى مرتبة الجمادات التي هي انزل المراتب وبالجملة أولئك البعداء الضالون عن منهج الحق كالأنعام في عدم الشعور والإدراك بل هم أضل
الا وهم الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا المستعارة التي لا مدار لها ولا قرار إذ هي اظلال باطلة وعكوس عاطلة زائلة عَلَى الْآخِرَةِ اى على الحيوة الاخروية التي هي بقاء سرمدي وحيوة ازلية ابدية لا انقضاء لها أصلا وَهم مع اختيارهم وترجيحهم الحيوة الفانية على الباقية يَصُدُّونَ ويصرفون ايضا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو الايمان بالله وبرسوله وكتابه وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يطلبون ان يحدثوا فيها مع استقامتها عوجا وانحرافا أُولئِكَ الأشقياء المردودون عن طريق الحق الساعون في الباطل مكابرة وعنادا فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ عن الهداية بمراحل بحيث لا يرجى هدايتهم أصلا لأنهم هم المجبولون على الغواية والضلال في اصل فطرتهم
وَبالجملة ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ
من الرسل على امة من الأمم إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ اى ما أرسلناه الا بلغة موافقة بلغة قومه ليفقهوا منه حديثه ويفهموا لسانه ولِيُبَيِّنَ لَهُمْ طريق التوحيد ويجنبهم عن خلافه وما عليه وليس في وسعه الا البلاغ فَيُضِلُّ اللَّهُ المضل المذل لعباده مَنْ يَشاءُ إضلاله واذلاله حسب قهره وجلاله وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته بمقتضى لطفه وجماله وَهُوَ في ذاته الْعَزِيزُ الغالب على عموم ما أراد وشاء ارادة واختيارا الْحَكِيمُ المتقن في فعله على مقتضى ارادته
ثم ذكر سبحانه قصة إرسال موسى الى قومه حين فشا الجدال والمراء بينهم وانحرفوا عن طريق الحق ليتعظ بها المؤمنون ويعتبروا فقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنا من مقام فضلنا وجودنا مُوسى المؤيد بِآياتِنا الباهرة مثل العصى واليد البيضاء وسائر المعجزات الظاهرة على يده وقلنا له أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ الضالين عن سواء السبيل بمتابعة الاهوية الفاسدة مِنَ انواع الظُّلُماتِ الطارئة عليهم من الكفر والفسوق والعصيان والتقليدات والتخمينات الناشئة من الأوهام والخيالات المنبعثة عن الكثرة المستدعية للانانية التي هي الظلمة الحقيقة إِلَى النُّورِ الحقيقي الذي هو صرافة التوحيد والوحدة الذاتية المسقطة لعموم الإضافات والكثرات وَذَكِّرْهُمْ ايضا بِأَيَّامِ اللَّهِ التي قد مضت على الأمم الهالكة من أمثال هذه الأفعال المورثة لانواع الظلمات لعلهم يعتبرون عن سماعها وينصرفون عماهم عليه من القبائح والذمائم إِنَّ فِي ذلِكَ اى في ذكر تلك الوقائع الهائلة والبليات العظيمة لَآياتٍ دلائل واضحة وعبرا ظاهرة لِكُلِّ مؤمن معتبر من أمثالها خائف عن بطش الله صَبَّارٍ على عموم ما جرى عليه من قضائه شَكُورٍ مبالغ في أداء الشكر على ما قد وصل اليه من آلائه ونعمائه
وَاذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ حين أراد تعديد نعم الله عليهم وإحسانه إليهم ليستحيوا عن مخالفة امره وترك طاعته وعبادته اذْكُرُوا ايها المغمورون بنعم الله نِعْمَةَ اللَّهِ الفائضة عَلَيْكُمْ من لدنه وواظبوا لأداء حق شيء منها سيما إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ حين يَسُومُونَكُمْ ويقصدون لكم سُوءَ الْعَذابِ وأسوأ العقاب وافضحه واقبحه وَهو انه يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ قمعا وقلعا لعرقكم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ توبيخا وتقريعا عليكم وَبالجملة فِي ذلِكُمْ العذاب بَلاءٌ واختبار لكم نازل مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ إذ هو باقدار الله إياهم وتمكينه ولا بلاء أعظم منه والإنجاء عن أمثال هذه البليات من أعظم النعماء وأجل الآلاء فعليكم ان تواظبوا لشكره
وَاذكروا ايضا إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ وأعلمكم اعلاما بليغا وأوصاكم وصية عظيمة تتميما لتربيتكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ على ما أعطيتم من النعم العظام وقمتم لأداء حقها لَأَزِيدَنَّكُمْ واضاعفنكم بأمثالها واضعافها وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ في مقابلة الإحسان والعطاء لا يلحق علىّ اثر كفرانكم بل إِنَّ عَذابِي ونكالي على من انصرف عن امرى وخرج عن إطاعتي وانقيادي لَشَدِيدٌ مبرم محكم لا يندفع أصلا فعليكم ان تلازموا الشكر وتجانبوا عن الكفران
وَبعد ما فرغ عن التعديد والتذكير قالَ لهم مُوسى قولا ناشئا عن محض الحكمة والرزانة بمقتضى نور النبوة والولاية إِنْ تَكْفُرُوا ايها الغافلون عن كمال استغناء الله وعلو شانه وسمو سلطانه وبرهانه أَنْتُمْ بأجمعكم وَعموم مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فان ذلك لا يزن في جنب استغنائه سبحانه مقدار جناح بعوضة فَإِنَّ اللَّهَ المتردي برداء العظمة والكبرياء لَغَنِيٌّ في ذاته هما سواه من اظلاله مطلقا حَمِيدٌ بمقتضيات أوصافه وأسمائه
أَلَمْ يَأْتِكُمْ ايها التائهون في تيه الغفلة
والغرور نَبَؤُا الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِكُمْ مثل قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ من الأمم الهالكة لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ المطلع لعموم ما كان ويكون بحيث لا يعزب عن حيطة حضرة علمه مثقال ذرة لا في الأرض ولا في السماء حين جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ المبعوثون إليهم بِالْبَيِّناتِ الواضحات والمعجزات الباهرات المثبتة لرسالاتهم فدعوهم الى الايمان والتوحيد فامروهم بالمعروفات ونهوهم عن المنكرات فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ مشيرين إليها من غاية انكارهم واستهزائهم وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا وقد اعترفنا بالكفر بأفواهنا هذه. قد أخبروا عن كفرهم وكفرانهم بالجملة الماضويه تحقيقا وتقريرا لما هم عليه من الكفر والطغيان بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وبعموم ما قد جئتم به من عند ربكم وَكيف نؤمن لكم إِنَّا لَفِي شَكٍّ عظيم وارتياب تام مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من الإله الواحد الأحد الفرد الصمد المتصف بجميع صفات الكمال الموجد المظهر للكائنات مُرِيبٍ موقع للريب القوى المؤدى الى الإنكار العظيم إذ المتصف بهذه الصفات لا بد ان يكون اظهر من الشمس مع انه أخفى من كل شيء بل لا وجود له أصلا
قالَتْ لهم رُسُلُهُمْ على سبيل التوبيخ والتقريع أَفِي اللَّهِ الظاهر المتجلى في الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق شَكٌّ وتردد مع كونه فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وموجدهما ومظهرهما من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة انما يَدْعُوكُمْ سبحانه الى توحيده بإرسال الرسل وإنزال الكتب لِيَغْفِرَ لَكُمْ بعضا مِنْ ذُنُوبِكُمْ وهو ما بينكم وبينه سبحانه إذ حق الغير لم يسقط ما لم يعف صاحب الحق عنه وَبعد دعوتكم يُؤَخِّرَكُمْ ويمهلكم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى مقدر من عنده وهو يوم الجزاء ليهيئ كل منكم زاد يومه هذا على الوجه المأمور المبين في الكتب المنزلة على الرسل وبعد ما سمعوا من الرسل ما سمعوا قالُوا مستكبرين عليهم مستهزئين لهم إِنْ أَنْتُمْ ولستم في انفسكم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تأكلون وتشربون وتفعلون أنتم جميع ما نفعل نحن تُرِيدُونَ أنتم بأمثال هذه الحيل والتزويرات الباطلة أَنْ تَصُدُّونا وتنصرفونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا وأسلافنا من الآلهة والأصنام وان صدقتم في دعواكم هذه فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وبحجة واضحة لائحة نقترحها نحن منكم
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ مسلمين منهم المشاركة في الجنس إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ نشارك لكم في عموم احوال البشر وأوصافه ولوازمه على الوجه الذي قررتم أنتم وَلكِنَّ اللَّهَ المنعم المفضل يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بمقتضى جوده وإحسانه بفضائل مخصوصة وكرائم غير شاملة حسب تفاوت مراتبهم واستعداداتهم المثبتة في علم الله ولوح قضائه وَاما امر مقترحاتكم فانه ما كانَ وما صح وما جاز لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ وبرهان أنتم تقترحون به إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وبتوفيقه ووحيه واقداره وتمكينه ان تعلق ارادته بصدوره منا وَعَلَى اللَّهِ لا على غيره من الأسباب والوسائل العادية فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ الموحدون المفوضون أمورهم كلها الى الله أولا وبالذات بحيث لا يعتقدون الحول والقوة الا بالله المستقل في ذاته وأوصافه وأفعاله
وَبعد ما ايسوا عنهم وعن صلاحهم اشتغلوا الى تزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم حيث قالوا من كمال شوقهم وودادتهم ما لَنا واى عذر قد عرض لنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ المصلح لأحوالنا ولم لم نتخذه وكيلنا وكفيلنا وَالحال انه سبحانه بمقتضى لطفه وجماله قَدْ هَدانا وأوضح لنا سُبُلَنا لنسلك بها نحو توحيده وعرفانه مع ان عموم ما جرى علينا من المنافع والمضار انما
هو من عنده سبحانه وبمقتضى مشيته وارادته وَالله بعد ما تحققنا بمقام التوحيد وتمكنا في مقر التجريد والتفريد لَنَصْبِرَنَّ عَلى عموم ما آذَيْتُمُونا بالرد والإنكار والتكذيب والاستكبار وغير ذلك من الاستهزاء وسوء الأدب وكيف لا نصبر إذ الكل بيده سبحانه وبحيطة حضرة قدرته وارادته وانما وصل إلينا عموم ما وصل من المنح والمحن انما هو ابتلاء منه سبحانه إيانا واختبار لنا وَبعد ما قد تحقق وثبت ان الكل من عنده عَلَى اللَّهِ المستقل في عموم التصرفات الجارية في ملكه وملكوته لا على غيره من الأسباب والوسائل العادية فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ الموحدون المفوضون أمورهم كلها اليه وليبذلوا مهجهم في ترويج دينه وطريق توحيده وإعلاء كلمته
وَبالجملة قد ادّى امر استكبارهم واستنكارهم وتكذيبهم الى ان قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ حين بالغوا في دعوتهم وهدايتهم لَنُخْرِجَنَّكُمْ ايها المزورون الملبسون مِنْ أَرْضِنا اجلاء وإخراجا على وجه الاهانة والإذلال التام أَوْ لَتَعُودُنَّ أنتم كما كنتم منصفين ملجئين فِي مِلَّتِنا التي هي ملة آبائكم واسلافكم فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ حين اشتد الأمر عليهم واضطروا من ظلمهم وطغيانهم قائلا لهم على سبيل الوعد والتبشير لا تبالوا ايها الرسل المبلغون كلمة الحق إليهم عن تهديداتهم وتشنيعاتهم هذه ولا تخافوا عن شوكتهم وصولتهم إذ نحن أقوى منهم لَنُهْلِكَنَّ بمقتضى قهرنا وجلالنا ونستأصلن الظَّالِمِينَ الخارجين عن ربقة إطاعتكم وانقيادكم
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ نورثنكم ونقررنكم الْأَرْضَ التي هم يريدون إخراجكم منها مهانين صاغرين مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد إهلاكهم واستئصالهم ذلِكَ اى إهلاك العدو وايراث الأرض والديار لِمَنْ خافَ مَقامِي اى للمؤمنين الموحدين الخائفين عن قيامي وحفظي واطلاعى بعموم احوال عبادي وبسبب خوفهم هذا لا يخرجون عن مقتضى امرى ونهي وَمع ذلك قد خافَ وَعِيدِ وعن بطشى وانتقامي في يوم الجزاء بأنواع العذاب والنكال ومن غاية خوفهم ورعبهم عن الوعيدات الاخروية قد استعدوا لها وهيئوا اسباب النجاة عنها جعلنا الله ممن وفق لتهيئة اسباب أخراه في أولاه
وَكيف لا ينصرهم الحق ولا يهلك عدوهم إذ هم قد اسْتَفْتَحُوا واستنصروا من الله وطلبوا الفتح والنصرة على أعدائهم مفوضين أمورهم كلها اليه مسلمين أبدانهم وأرواحهم على قضائه سبحانه لذلك قد فتح عليهم ونصرهم سبحانه على عدوهم وَقد خابَ خيبة ابدية وخسر خسرانا سرمديا كُلُّ جَبَّارٍ متكبر متجبر على الله وعلى عباده عَنِيدٍ مبالغ في العتو والعناد مع أنبيائه ورسله ومع ذلك لا يقتصر عليهم بالعذاب العاجل
بل مِنْ وَرائِهِ اى في وراء العذاب العاجل الدنيوي جَهَنَّمُ البعد والخذلان وجحيم الطرد والحرمان الأخروي وَيُسْقى فيها حين اشتداد زفرتهم مِنْ ماءٍ اى مايع كالماء صَدِيدٍ قيح سائل من جراحات أجساد اهل النار المنهمكين في النشأة الاولى بأكل السحت واموال الأيتام والرشى في الاحكام وخبيث بشيع في غاية البشاعة
بحيث يَتَجَرَّعُهُ بتكلف شديد واضطراب بليغ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ولا يقرب ان يجرى على حلقه وينحدر منه للزوجته وحرارته وشدة التصاقه وَلعدم اساغته وجوازه وغاية بشاعته يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ ويتوجه نحوه ويحيط به اسباب الموت والهلاك من كل عضو من أعضائه لوصول اثر اشتداده ورداءته وبشاعته كل جزء جزء من أجزاء بدنه حتى اصول شعره فتقشعر من هوله كما يشاهد بمثله عند شرب الأدوية الردية الكريهة الرائحة واللذة مثل السقمونيا والحنظل وغير ذلك وَمع إتيان اسباب الموت من
جميع الأعضاء ما هُوَ بِمَيِّتٍ حتى يخلص عن العذاب وَمِنْ وَرائِهِ وعقيب سقيه على هذا الوجه يأتيه عَذابٌ غَلِيظٌ من انواع العقاب.
ثم قال سبحانه كلاما جمليا شاملا لعموم اصحاب الضلال مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ الذي رباهم بأنواع النعم فكفروا النعم والمنعم جميعا ولم يصلوا الى مرتبة توحيده وعرفانه ولم يؤمنوا به حتى يصلوا بالسلوك والمجاهدة اليه لذلك صار مثلهم وشأنهم العجيب وحالهم الغريب في ما يتلى عليكم هذا أَعْمالُهُمْ الحسنة من الصدقة والعتق والصلة وغير ذلك من الأعمال المقربة نحو الحق ان كانت مقرونة بالإيمان والمعرفة كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ذي رياح شديدة عاصفة فطار بها الرماد الى حيث لم يبق في مكانه اثر منه اى مثلهم وشأنهم في كون أعمالهم وحسناتهم ضايعة حبطة يوم القيمة كمثل ذلك الرماد بحيث لا يَقْدِرُونَ لدى الحاجة مِمَّا كَسَبُوا واقترفوا من الأعمال المنجية المخلصة عَلى شَيْءٍ قليل حقير فكيف بالعظيم الكثير منها ذلِكَ الإحباط وعدم النفع هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ بمراحل عن الهداية والفوز بالفلاح وما ذلك الا لعدم مقارنتها بالإيمان والعرفان ولتكذيب الرسل المبينين لهم طريق التوحيد والإيقان
أَلَمْ تَرَ ايها الرائي المستبعد لإحباط اعمال أولئك الكفرة المعاندين مع الله ورسله أَنَّ اللَّهَ تعالى القادر المقتدر بالقدرة التامة الكاملة بحيث لا ينتهى قدرته دون مقدور أصلا قد خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وأوجدهما من كتم العدم على سبيل الإبداع والاختراع خلقا ملتبسا بِالْحَقِّ الثابت المطابق للواقع الموافق للحكمة المتقنة البالغة الكاملة بحيث ما ترى فيها من فطور وفتور ليشاهد اهل البصائر والاعتبار هذا النمط البديع والنظام العجيب فينكشفوا منها الى مبدأها ومنشأها ومع ذلك إِنْ يَشَأْ سبحانه يُذْهِبْكُمْ ايها المائلون عن طريق الحق الناكبون عن مقتضى حكمته بمتابعة اهوية نفوسكم ومقتضيات هوياتكم الباطلة وَيَأْتِ بدلكم بِخَلْقٍ آخر جَدِيدٍ مستبدع مستحدث ليواظبوا على طاعته ويداوموا على مقتضيات حكمته
وَلا تستبعدوا من الله أمثال هذا إذ ما ذلِكَ وأمثاله عَلَى اللَّهِ المتعزز بالمجد والبهاء والعظمة والكبرياء والبسطة والاستيلاء بِعَزِيزٍ متعذر او متعسر إذ لا يتعسر عند قدرته الكاملة الغالبة مقدور ولا يتعذر دونه شيء من الأمور
وَكيف يتعسر او يتعذر عليه شيء من الأمور مع ان الكل منكم ومن غيركم قد بَرَزُوا وظهروا في النشأة الاولى ورجعوا وانصرفوا في النشأة الاخرى لِلَّهِ المظهر المبرز لعموم ما ظهر وبرز من كتم العدم جَمِيعاً مجتمعين إذ لا يخرج عن حيطته شيء فَقالَ الضُّعَفاءُ من ذوى الاستعدادات القاصرة حين أخذوا بجرائمهم لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عليهم في النشأة الاولى بالرياسة والمال والجاه والعقل التام وادعاء الفضل والكمال الى حيث جعلوا نفوسهم متبوعين لهم مضطربين مضطرين إِنَّا كُنَّا لَكُمْ ايها الأشراف تَبَعاً في دار الدنيا وأنتم ناصحون لنا آمرون إيانا بتكذيب الرسل وبارتكاب انواع الفواحش والقبائح الممنوع عنها بألسنة الرسل والكتب فَهَلْ أَنْتُمْ اليوم حين أخذنا على ما أمرتمونا مُغْنُونَ دافعون مانعون عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ المنتقم منا مِنْ شَيْءٍ اى بعض من عذابنا ونكالنا قالُوا اى الأشراف المستكبرون المتبوعون بعد ما عاتبهم الضعفاء لَوْ هَدانَا اللَّهُ الهادي لعباده لَهَدَيْناكُمْ نحوه البتة ولكن قد أضلنا حسب اسمه المضل فاضللناكم نحن فالآن نحن وأنتم ضالون مضلون ظالمون مؤاخذون سَواءٌ عَلَيْنا وعليكم
أَجَزِعْنا عن شدة العذاب والنكال أَمْ صَبَرْنا على مقاساة الأحزان ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ مخلص ومناص
وَقالَ الشَّيْطانُ اى الاهوية الفاسدة المفسدة لهم في نشأتهم الاولى مصورة على صورة الشيطان المضل المغوى لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ اى بعد استقرار اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار إِنَّ اللَّهَ المصلح المدبر لأحوال عباده قد وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ بهذا اليوم الذي أنتم تؤاخذون فيه وَوَعَدْتُكُمْ انا اضلالا وإغواء لكم بخلافه وبالجملة فَأَخْلَفْتُكُمْ انا عموم ما وعدتكم به بخلاف ما وعد به ربكم فان إنجازه مقطوع به بلا شك فيه أصلا واتبعتم أنتم بمقتضى طباعكم قولي مع انه ما هو الا غرور وإضلال لا يرجى إنجازه منى وَالحال انه ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ حجة مرجحة وادلة ملجئة إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ وسوى ان اغريتكم بمقتضى اهويتكم وامنيتكم التي تقتضيها هويتكم وماهيتكم ومع ذلك فَاسْتَجَبْتُمْ لِي وصدقتم قولي وقبلتم تغريري بلا تردد ومماطلة طوعا ورغبة فَلا تَلُومُونِي اليوم بل وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ الباعثة الداعية على متابعتي مع جزمكم بمكرى وعداوتي وبالجملة ما أَنَا اليوم بِمُصْرِخِكُمْ مغيثكم ومعينكم وان ادعيت فيما مضى ذلك تغريرا وتلبيسا وَما أَنْتُمْ ايضا بِمُصْرِخِيَّ إذ قد انكشفت الحال وانقطعت علقة المحبة ورابطة المودة بيننا وصارت كل نفس رهينة بما كسبت إِنِّي اليوم بعد انكشاف السرائر والضمائر قد كَفَرْتُ أنكرت وتبرأت بِما أَشْرَكْتُمُونِ اى باشتراككم معى في الشرك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له أصلا مِنْ قَبْلُ في دار التلبيس والتزوير والإغواء والتغرير وبالجملة إِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضيات أوامر الله ونواهيه عدوانا وظلما في ما مضى لَهُمْ اليوم عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم أشد إيلام. ثم بين سبحانه على مقتضى سننه المستمرة بعد ما بين وخامة احوال الهالكين المنهمكين في تيه العتو والعناد وفظاعة أمرهم في يوم الجزاء حال المؤمنين عن تغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين الغوية فيها
فقال وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله وصدقوا كتبه ورسله وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ التي هي نتائج الايمان وثمرات اليقين والعرفان جَنَّاتٍ متنزهات من العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ المملوة بمياه العلوم اللدنية لتنبت في أراضي استعداداتهم ومزارع قابلياتهم مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من المكاشفات والمشاهدات الخارجة عن طوق البشر وطور العقل ومع ذلك صاروا خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ اى برضاه وتوفيقه وتيسيره تَحِيَّتُهُمْ من قبل الحق بالسنة الملائكة حين وصولهم ونزولهم فِيها سَلامٌ لأنهم مسلمون منقادون مسلمون أمورهم كلها الى الله في النشأة الاولى
أَلَمْ تَرَ ايها المعتبر المنصف الخبير البصير كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ الهادي لعباده الى توحيده مَثَلًا ليتنبهوا منه حيث شبه كَلِمَةً طَيِّبَةً هي كلمة التوحيد القائلة المفصحة المعربة بان لا وجود لسوى الحق كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ هي النخلة التي أَصْلُها وعروقها ثابِتٌ في الأرض بحيث لا يقلعها ولا يشوشها الرياح أصلا وَفَرْعُها اى أفنانها وأغصانها مرتفعة فِي السَّماءِ وجانبها
تُؤْتِي أُكُلَها وثمارها كُلَّ حِينٍ من الأحيان المعينة للاثمار بِإِذْنِ رَبِّها وبمقتضى ارادته ومشيته يعنى كما ان النخلة تنمو وتثمر بسبب أصلها الثابت في الأرض وفرعها المرتفع نحو السماء ويحصل منها الثمر وقت حصولها كذلك شجرة الكلمة الطيبة التوحيدية المستقر أصلها في أراضي الاستعدادات الفطرية المرتفعة أغصانها وأفنانها نحو سماء العالم الروحاني المثمرة لثمرات المكاشفات والمشاهدات القالعة لعرق مطلق التقليدات
والتخمينات القامعة لاشواك عموم الكثرات الناشئة من النسب والإضافات العدمية وَلا حاجة لأولى البصائر والألباب المنكشفين بصرافة الوحدة الذاتية وبإطلاق الوجود الإلهي البحت الخالص عن مطلق القيود والحدود الى أمثال هذه التنبيهات بل ما يَضْرِبُ اللَّهُ المطلع لسرائر استعدادات عباده الْأَمْثالَ المذكورة الا لِلنَّاسِ الناسين عهودهم ومواثيقهم مع الله بالمرة بحجب تعيناتهم المستتبعة لعموم الإضافات والكثرات لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ رجاء ان يتذكروا ما نسوا من أمثال هذه الأمثال والتنبيهات
وَايضا مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ وهي كلمة الكفر المستتبعة لانواع الفسوق والعصيان المخالفة لجادة التوحيد النافية لصرافة الوحدة الذاتية كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ هي الحنظلة التي اجْتُثَّتْ اى أخذت تنمو جثتها مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ بلا استحكام عرقها وأصلها في الأرض وتعمقها فيها لذلك ما لَها مِنْ قَرارٍ وثبات إذ ادنى الرياح يقلبها كيف يشاء يعنى كما ان الشجرة الخبيثة الغير المستقرة يقلبها الرياح كيف يشاء كذلك اعتقادات الكفرة والفسقة المقلدة يقلبها ادنى رياح الشكوك والشبهات ويوقعها في مهاوي الأوهام واغوار الخيالات
وبالجملة يُثَبِّتُ اللَّهُ المدبر المصلح لأحوال عباده اقدام المؤمنين الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ اى بالإقرار المطابق للاعتقاد والواقع فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الى حيث قد بذلوا أرواحهم من كمال تثبتهم وتمكنهم ورسوخهم في الايمان والتوحيد ونهاية حرصهم وتشددهم لإعلاء كلمة الحق ونصرة الدين القويم بحيث لا ينصرفون عنها أصلا وَفِي الْآخِرَةِ ايضا بحيث لا يتلعثمون ولا يضطربون يوم العرض الأكبر بل في البرزخ ايضا عند سؤال المنكر والنكير وَكما يثبت ويقرر الله المعز الهادي اقدام المؤمنين على الايمان كذلك يُضِلُّ اللَّهُ المذل المضل الظَّالِمِينَ الخارجين عن ربقة العبودية عنادا واستكبارا ويثبت اقدامهم على الضلالة بحيث لا يفوزون بالفلاح والنجاح أصلا بل صاروا خالدين في النار ابد الآباد وَبالجملة يَفْعَلُ اللَّهُ المتعزز برداء العظمة والكبرياء ما يَشاءُ من الهداية والإضلال والإعزاز والإذلال
أَلَمْ تَرَ ايها المعتبر الرائي إِلَى الظالمين المسرفين الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ الفائضة عليهم من محض فضله وعطائه ليشكروا له ويواظبوا على أداء حقوقه كُفْراً وزادوا بها كفرانا وطغيانا حيث صرفوها الى نشر البغي والعدوان على الله وعلى خلص عباده مع ان المناسب صرفها الى إعلاء كلمة الله ونصر دينه ونبيه وَبذلك قد أَحَلُّوا وادخلوا قَوْمَهُمْ وأنفسهم دارَ الْبَوارِ ومنزل الهلاك والخسار
يعنى جَهَنَّمَ التي يَصْلَوْنَها ويدخلون فيها اذلّاء مهانين صاغرين مقهورين لا نجاة لهم منها أصلا وَبالجملة بِئْسَ الْقَرارُ والمقر مقرهم ومحل قرارهم الذي هو جهنم الطرد والخذلان
وَمن خبث بواطنهم وشدة شكيمتهم قد جَعَلُوا لِلَّهِ المتوحد في ذاته أَنْداداً واشباها شركاء له من اظلاله ومصنوعاته لِيُضِلُّوا بإثباتها ضعفاء الأنام عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو دين الإسلام المنزل على خير الأنام الموصل الى توحيد الله العليم العلام وقُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع تَمَتَّعُوا ايها المسرفون بما أنتم عليه من الكفر والعناد فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ ومآل أمركم إِلَى النَّارِ المعدة لتخذيلكم وجزائكم
قُلْ يا أكمل الرسل لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بجميع ما قد جئت به إليهم من امور الدين سيما الصلاة المصفية لبواطنهم والزكاة المزكية لظواهرهم عليهم ان يُقِيمُوا الصَّلاةَ ويديموها في الأوقات المقدرة المحفوظة وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ على المستحقين سِرًّا بلا سبق سؤال وَعَلانِيَةً بعد السؤال وبالجملة استعدوا ايها الطالبون
للنجاة لأخريكم في أولئكم واعدوا زاد عقباكم في دنياكم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ يتدارك ويتلافى المقصر بالإنفاق والصدقة بعض تقصيراته وَايضا لا يقبل فيه خِلالٌ وشفاعة من خليل شفيع وصديق حميم يشفع للجرائم والتقصيرات وكيف لا تستعدون ايها المكلفون بعد ما أمركم الله باعداده وسهل أسبابه عليكم
إذ اللَّهُ الموفق على عباده اسباب معادهم هو الخالق المدبر المصلح الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ اى العلويات المعدة للافاضة والإحسان من الأسماء والصفات وَالْأَرْضَ اى السفليات القابلة للفيض والقبول من الطبائع والأركان وَأَنْزَلَ وأفاض مِنَ جانب السَّماءِ ماءً وعلما لدنيا فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ انواع الثَّمَراتِ الصورية والمعارف والمكاشفات والمشاهدات التي هي عبارة عن الثمرات المعنوية لتكون رِزْقاً لَكُمْ مقوما لأمزجتكم مبقيا لحياتكم الصورية والمعنوية لتواظبوا على طاعة الله واعداد زاد يوم الميعاد وَمع ذلك قد سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ والسفن الجارية التي هي أبدانكم واجسامكم لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ اى بحر الوجود بِأَمْرِهِ وبمقتضى مشيئته وارادته لتسيروا معها الى حيث شئتم وتتجروا بها وتربحوا من المعارف والحقائق وَايضا قد سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ الجارية والقوى الروحانية المملوة بمياه العلوم اليقينية السارية السائرة على بسيط الأرض وفضاء القوابل من السنة الأنبياء والأولياء ليسهل لكم إخراج الجداول منها للحراثة والزراعة الصورية والمعنوية
وَسَخَّرَ لَكُمُ ايضا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وقد صيرهما دائِبَيْنِ دائرين مختلفين في سيرهما شتاء وضيفا خريفا وربيعا لإنضاج ما تحرثونه وتزرعونه وايضا قد وضع بينكم مرتبتي النبوة والولاية وادارهما بينكم على تفاوت طبقاتكم أبرارا وشطارا اقطابا وابدالا لتنجذبوا نحو الحق وتتصلوا ببحر الوحدة وَايضا قد سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ والعدم والوجود لسباتكم ومعاشكم وسيركم وسلوككم نحو وحدة الذات
وَبالجملة قد آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ بلسان استعداداتكم وقابلياتكم من متممات نفوسكم ومكملات ادراككم وَبالجملة قد بلغ انعامه وإحسانه سبحانه إياكم في الكثرة الى حيث إِنْ تَعُدُّوا وتحصوا نِعْمَتَ اللَّهِ الفائضة عليكم لتربيتكم وتقويتكم لا تُحْصُوها ولا يسع لكم احصاؤها من نهاية كثرتها ووفورها فعليكم ان تواظبوا على شكرها وأداء شيء من حقها وان كانت القوة لا تفي بأدائها بل بأداء شيء منها على وجهها لكن قليل منكم تشكرون نعمه إِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على الغفلة والنسيان في اصل فطرته باعتبار قوى بشريته وبهيميته لَظَلُومٌ مظلوم محزون عند لحوق الشدة وهجوم البلاء كَفَّارٌ مبالغ في الكفران والنسيان وقت الفرح والسرور
وَاذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ جدك إِبْراهِيمُ الخليل الجليل صلوات الله عليه حين ناجى مع الله بعد ما قد عمر مكة شرفها الله رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ الذي تأمرنى بتعميره آمِناً ذا أمن وأمان من تخريب العدو وتغييره وَاجْنُبْنِي وبعدنى وَبَنِيَّ ايضا عن أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ بتسويلات الاهوية الفاسدة وتغريرات الشياطين المضلة المغوية
رَبِّ إِنَّهُنَّ اى الأوثان والأصنام بإظهارك بعض الخوارق عليها ابتلاء منك وفتنة لعبادك قد أَضْلَلْنَ وصرفن كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عن جادة توحيدك فَمَنْ تَبِعَنِي منهم بعد دعوتي إياهم الى توحيدك فَإِنَّهُ مِنِّي وعلى ملتي وديني وَمَنْ عَصانِي ولم يقبل قولي وأصر على ما هو عليه فَإِنَّكَ بمقتضى فضلك وجودك غَفُورٌ قادر على العفو
المغفرة من عموم المعاصي الصادرة عنهم رَحِيمٌ يرحمهم حسب سعة رحمتك وحلمك
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ ومكنت بإذنك مِنْ ذُرِّيَّتِي اى بعضا منهم وهو إسماعيل وبنوه بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إذ هي حجرية لا زرع فيها ولا حرث عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ سمى به إذ قد حرمت فيه المقاتلة والصيد والتعرض والتهاون مطلقا حفظا لحرمته لذلك لا يزال معظما مكرما يهابه الجبارة وانما اسكنتهم عنده ليكنسوا بيتك من الأقذار ويصفوه من الاكدار رَبَّنا ما أسكنت وأقمت ذريتي عند بيتك الا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ويديموا الميل المقرب نحو جنابك وفناء بابك فَاجْعَلْ حسب فضلك وجودك أَفْئِدَةً ووفدا كثيرا وقفلا عظيما مِنَ النَّاسِ تَهْوِي تميل وتتوجه إِلَيْهِمْ من الجوانب وَارْزُقْهُمْ مِنَ انواع الثَّمَراتِ الروحانية والنفسانية المهداة إليهم من البلاد البعيدة يأتى بها الزوار والتجار لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ نعمك ويواظبون على طاعتك وخدمة بيتك عن فراغ القلب وخلاء الخاطر
رَبَّنا يا من ربانا بأنواع اللطف والكرم إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي من حوائجنا وَما نُعْلِنُ منها ومالنا علم به إذ أنت اعلم بحوائجنا منا إذ علمك بنا وبعموم مظاهرك ومصنوعاتك حضورى ذاتى ولا علم لنا بذاتنا كذلك بل ما نحن الا عاجزون قاصرون عن ادراك أنفسنا كعجزنا عن ادراك ذاتك يا مولينا لذلك قال اصدق القائلين صلّى الله عليه وسلّم في مقام العجز والقصور من عرف نفسه فقد عرف ربه وَكيف تخفى عليك حوائجنا إذ ما يَخْفى وليس شيء يستر ويغيب عَلَى اللَّهِ المحيط بعموم الأشياء لا مِنْ شَيْءٍ ظاهر ولا باطن لا فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وكيف خفى عليه شيء إذ هو عالم بها مظهر لهما محيط بهما بحيث لا يعزب عنه شيء منهما
وبالجملة الْحَمْدُ الكامل والمنة التامة لِلَّهِ المنعم المفضل الَّذِي وَهَبَ لِي من يخلفني ويحيي اسمى حين أيست إذ قد بلغ سنى عَلَى غاية الْكِبَرِ والهرم يعنى إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ روى انه قد ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة واسحق لمائة وثنتى عشرة سنة وبالجملة إِنَّ رَبِّي الذي رباني بأنواع الكرم وشرفني بخلعة الخلة وكمال الحلم والكرم لَسَمِيعُ الدُّعاءِ الذي قد صدر عن لسان استعدادي وقابليتي باذنه واقداره سبحانه ومجيبه وهو طلب من يخلفني ويقوم مقامي
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومديم الميل والتوجه نحوك على وجه الخضوع والخشوع وكمال التبتل والإخلاص وَاجعل مِنْ ذُرِّيَّتِي ايضا من يقيمها ويديمها على الوجه المذكور رَبَّنا استجب منى وَتَقَبَّلْ دُعاءِ في حقي وفي حق أولادي واحفادى
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي بفضلك إذ لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جميعا واعف حسب جودك عن زلتى وزلاتهم يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ وينشر الكتاب ويحاسب على كل نفس ما كسبت من الخير والإحسان والشر والعصيان
وَبالجملة لا تَحْسَبَنَّ يا أكمل الرسل اللَّهَ المطلع على سرائر الأمور وخفياتها غافِلًا ناسيا ذاهلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ الخارجون عن حدود الله بإمهالهم زمانا بل إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ويسوف عذابهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ وتتحير فِيهِ الْأَبْصارُ وصاروا من شدة الهول والمهابة بحيث لا يقدرون على ان يطرفوا عيونهم بل تبقى ابدا مفتوحة حائرة كعيون الموتى كأنهم قد انقطعت أرواحهم عن اجسادهم من شدة الهول والهيبة وهم مع هذه الحيرة والدهشة
مُهْطِعِينَ مسرعين نحو المحشر حيارى سكارى مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ اى رافعيها نحو السماء مترقبين لنزول البلاء مدهوشين هائمين حائرين بحيث لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ لشدة ولههم وهيمانهم وَفي تلك الحالة
أَفْئِدَتُهُمْ وقلوبهم التي هي محل الأماني والخيالات الفاسدة هَواءٌ خالية عارية لا يخطر ببالهم شيء مطلقا وان كانت لا تخلو عن الانخطار والخيال أصلا
وَمتى سمعت يا أكمل الرسل اهوال يوم القيمة واحوال الأنام فيه أَنْذِرِ النَّاسَ الناسين عهود الحق ومواثيقه التي قد عهدوا معه سبحانه في بدء فطرتهم وقل لهم اى شيء يفعلون يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ المعهود في اليوم الموعود وحينئذ قد انقطعت سلسلة اسباب النجاة وتدبيرات الخلاص ولا يسع لهم التدارك والتلافي أصلا فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بتكذيب الله وتكذيب رسله حين رأوا العذاب مناجين متضرعين متمنين رَبَّنا أَخِّرْنا وأعدنا وارجعنا الى الدنيا وأمهلنا فيها إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ وايام قلائل نُجِبْ دَعْوَتَكَ فيها ونقبلها عن السنة رسلك وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ونصدقهم بعموم ما جاءوا به من عندك فيقال لهم حينئذ على سبيل التهكم والتقريع أَوَلَمْ تَكُونُوا ايها الظالمون المسرفون أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ في دار الدنيا بطرين مغرورين ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ اى مالنا وبال ولا لأموالنا زوال ومالنا عن اماكننا وأوطاننا انتقال وارتحال
وَمع قولكم هذا ويمينكم عليه قد سَكَنْتُمْ وتمكنتم حينئذ ايها المسرفون المفرطون فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ قبلكم أمثالكم مثل عاد وثمود وَهم ايضا مقسمين بما أقسمتم كذلك وهلم جرا وقد تَبَيَّنَ لَكُمْ وظهر عندكم ولاح دونكم كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وكيف انتقمنا عنهم واستأصلناهم وَكيف لا قد صار امر إهلاكهم من الفظاعة الى ان قد ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ بالسنة انبيائنا ورسلنا مرارا وصرفناها تكرارا لتعتبروا أنتم عما جرى عليهم وتتركوا فعالكم وخصالكم لئلا تنتقموا أمثالهم ومع ذلك لم تعتبروا ولم تتركوا فالآن تؤاخذون وتصابون باشد مما أصيبوا وأخذوا
وَلا يفيدكم اليوم المكر والحيلة كما لا يفيد لهم مكرهم حين أخذهم إذ قَدْ مَكَرُوا حينئذ مَكْرَهُمْ الذي قد خيلوه دلائل قاطعة وظنوه براهين ساطعة وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ولم يفهموا ان عند الله سبحانه ما يزيل مكرهم وحيلهم وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ في المتانة والقوة لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ إذ لا يعارض فعله ولا ينازع حكمه بل له الغلبة والاستيلاء والتعزز والكبرياء وإذا كان الأمر كذلك
فَلا تَحْسَبَنَّ يا أكمل الرسل اللَّهَ القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء مُخْلِفَ وَعْدِهِ الذي قد وعد به رُسُلَهُ من إهلاك عدوهم وتعذيبهم باشد العذاب إِنَّ اللَّهَ المتردي برداء العظمة والكبرياء عَزِيزٌ غالب قادر على عموم مراداته ومقدوراته ذُو انتِقامٍ شديد على من أراد انتقامه وبطشه من أعدائه نصرة على أوليائه قل لهم يا أكمل الرسل لا تغتروا بامهال الله إياكم ايها المسرفون المفرطون في دنياكم ان لا يهلككم الله ولا ينتقم عنكم
اذكر يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ وتغير تغييرا كليا بان قد دكت الجبال دكا دكا وصارت مسواة لا عوج فيها ولا امتا بل وقد صارت الأرض غَيْرَ الْأَرْضِ التي قد كانت قبل هذا وَايضا قد طويت السَّماواتُ المحسوسة وانتثرت الكواكب المركوزة عنها وكورت الشمس والقمر بحيث قد صارت السموات ايضا غير تلك السموات وبالجملة قد تضعضعت اركان العالم وتغيرت أوضاعها وأشكالها واضمحلت آثارها وتلاشت اجزاؤها وتداخلت ارجاؤها وانحاؤها وانحل نظامها وانفضح انتظامها وَبَرَزُوا ظهروا وخرجوا اى أموات بقعة الإمكان عن أجداث اجسادهم بعد نزع تعيناتهم وجلباب هوياتهم لِلَّهِ المظهر لهم الظاهر فيهم الْواحِدِ الأحد في ذاته وفي عموم أوصافه وأسمائه وأفعاله وجميع شئونه وتجلياته المستقل
في وجوده الْقَهَّارِ لعموم الأغيار والسوى مطلقا
وَبالجملة تَرَى ايها المعتبر الرائي الْمُجْرِمِينَ الذين قد أجرموا بالله بإثبات الوجود لغير الله واسناد الحوادث الى اسبابها العادية يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ مقيدين فِي الْأَصْفادِ اى سلاسل التقليدات والتقييدات وأغلال التعينات والتخمينات
بحيث قد صارت سَرابِيلُهُمْ يعنى قمائص تعيناتهم وسربالات تشخصاتهم وهوياتهم يومئذ مِنْ قَطِرانٍ اى من غرابيب الظلمة العدمية البعيدة بمراحل عن نور الوجود وهو في اللغة دهن الأبهل والعرعر اسود كالزفت في غاية الاسوداد منتن نتنه في غاية الكراهة وَبالجملة تَغْشى وتستر وُجُوهَهُمُ التي تلى الحق النَّارُ اى نيران الإمكان وجهنم البعد والحرمان وسعير الخذلان والخسران
وما ذلك الأخذ والانتقام الا لِيَجْزِيَ اللَّهُ العليم الحكيم المتقن في عموم أفعاله ومأموراته ومنهياته وفي جميع تدبيراته كُلَّ نَفْسٍ متعينة بتعين مخصوص جزاء ما كَسَبَتْ واقترفت وامتثلت بما أمرت به ونهيت عنه او أعرضت وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المراقب على عموم عباده المطلع بجميع ما صدر عنهم سَرِيعُ الْحِسابِ يحاسبهم ويجازيهم على مقتضى حسابه عدلا منه
هذا اى ما ذكر من أوصاف يوم القيمة وأهوالها وافزاعها ما هو الا بَلاغٌ اى تذكرة كافية وموعظة وافية لِلنَّاسِ الذين نسوا طريق التوحيد واعرضوا عنه بعروض الغفلة لهم وليتعظوا وَلِيُنْذَرُوا بِهِ عن المعاصي والاجرام حتى لا يؤاخذوا عليها وليجتنبوا عن الشرك ولا يركنوا اليه وَلِيَعْلَمُوا اى عموم العباد علما يقينيا ايمانا وإذعانا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ يعبد بالحق ويرجع نحوه في الخطوب الى ان ينكشفوا بحقيقة حقيته عيانا وحقا وَلِيَذَّكَّرَ ويتعظ خصوصا أُولُوا الْأَلْبابِ الناظرون بنور الله الى لب الأمور الفانون فيه الباقون ببقائه جعلنا الله ممن ذكر له الحق فتذكر وتحقق في مقر التوحيد وتقرر
خاتمة سورة ابراهيم عليه السّلام
عليك ايها اللبيب الأريب المتذكر لمرتبة الاحدية التي هي ينبوع بحر الوجود ان تتذكر وتتعظ بمواعظ الكتاب الإلهي وتذكيراته من مواعيده ووعيداته وانذاراته وتبشيراته وحكمه واسراره ورموزه وإشاراته لتتفطن بتطورات الحق وشئونه وتجلياته في مراتب تنزلاته حتى يسهل لك التيقظ من المنامات العارضة والغفلات الطارئة عليك من الإضافات الحاصلة بين آثار الشئون والتجليات الإلهية المبعدة عن صرافة الوحدة الذاتية ويتيسر لك الوصول الى منبع عموم الأسماء والصفات المستتبعة لانواع الكثرات ومرجع جميع الكائنات والفاسدات المترتبة عليها. فاعلم ايها الطالب القاصد لسلوك طريق الهداية الموصلة الى صفاء الوحدة الذاتية ان التوجه إليها والوقوف على اماراتها لا يتيسر الا بعد تنبيه منبه نبيه وارشاد مرشد رشيد كامل مكمل خبير بصير لذلك قد جرت عادة الله واستمرت سنته السنية على إرسال الرسل والأنبياء المؤيدين بالكتب والصحف ليتيسر لهم ارشاد الناقصين المنحطين عن درجة التدبر والتدرب في غوامض طرق العرفان ومغاليق مسالك التوحيد ومع ذلك لا يتيسر لهم الا البلاغ والتبليغ والتوفيق انما هو من عند العزيز العليم وأكمل الرسل نبينا صلّى الله عليه وسلّم وأفضل الكتب القرآن الفرقان الجامع المنزل عليه الناسخ لعموم ما نزل قبله من الكتب لذلك قال سبحانه على سبيل العموم هذا اى القرآن بلاغ للناس اى كامل في التبليغ والإرشاد لقاطبة الأنام الى توحيد الملك العلام القدوس السّلام فلك ان تتأمل فيه وتتذكر به على الوجه المأمور لتتمكن في مقعد الصدق عند الملك الغفور
Icon