سلوة العاصين في سماع رحمة الله، وحظوة العابدين في رجائهم نعمة الله، وراحة الفقراء في رضاهم بقسمة الله. لكل من حاله نصيب، وكل في متنفسه مصيب.
ﰡ
الحاء مفتاح اسمه : حليم وحافظ وحكيم، والميم مفتاح اسمه : مَلِك وماجد ومجيد ومنَّان ومؤمن ومهيمن.
أقسم بهذه الأسماء وهذه الحروف إنه كما أوحى إلى الذين مِنْ قَبْلِكَ كذلك يوحِي إليك العزيز الحكيم، كما أوحى إليهم العزيز الحكيم.
له ما في السماوات وما في الأرضِ مُلْكاً.
﴿ وَهُوَ الْعِليُّ الْعَظِيمُ ﴾ : عُلُوُّه وعظمتُه استحقاقُه لأصاف المجد ؛ أي وجوب أن يكون بصفات المجد والجلال.
أي تكاد السموات تتشقق مِنْ عظمة مَنْ فوقهن وهو الله تعالى، والفوقية هنا فوقية رتبة ؛ وذلك من شدة هيبتهن من الله.
ويقال مِنْ ثِقَلِ الملائكةِ الذين هم فوق السموات لكثرتهم. وفي الخبر :" أطت السماء أطاً وحق لها أن تئط ؛ ما مِنْ موضع قَدَمٍ في السموات إلا وعليه قائم أو راكع أو ساجد ".
ويقال إنه على عادة العرب إذا أخبروا عن شيء قالوا كادت السموات تنشقُّ له. . وهنا لُقْبح قول المشركين ولجرأتهم على الله تعالى، ولعِظَم قولهم كادت السموات تنشقُّ. . . قال تعالى :﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدّاً تَكَادُ السَّمَاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً ﴾ [ مريم : ٨٩-٩١ ] وعلى هذا التأويل :﴿ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَ ﴾ أي إلى أسفلهن، أي تتفطر جملتُها.
ومع أنَّ أولادَ آدم بهذه الصفة إلا أن الملائكة يسبحون بحمد ربهم لا يفترون، ويستغفرون لمن في الأرض. . ثم قال :﴿ أَلاَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ : أي يغفر لهم مع كثرة عصيانهم. وفي الوقت الذي يرتكب فيه الكفارُ هذا الجُرْمَ العظيمَ بسبب شِرْكهم فإنه - سبحانه - لا يقطع رِزْقَه ونَفْعه عنهم- وإنْ كان يريد أَنْ يعذِّبَهم في الآخرة.
المشركون اتخذوا الشياطين أولياءَ مِنْ دونه، وذلك بموافقتهم لها فيما توسوس به إليهم. وليس يخفى على الله أمرُهم، وسيعذبهم بما يستوجبونه. ولستَ - يا محمد - بمُسَلَّطٍ عليهم.
وفي الإشارة : كلُّ مَنْ يعمل بمتابعة هواه ويترك لله حدَّاً أو ينقض له عهداً فهو يتخذ الشياطينَ أولياءَ، والله يعلمه، ولا يخفى عليه أمره، وعلى الله حسابه. . ثم إنْ شاء عذَّبه، وإن شاء غَفَرَ له.
أنزلنا عليكَ قرآناً يُتْلَى بلغة بالعرب لتخوِّفَ به أهلَ مكة والذين حولَها. وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة ومكة لأنها سُرَّةُ الأرضِ.
﴿ وَتُنِذرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ﴾ تنذرهم بيوم القيامة. والإنذارُ الإعلامُ بموضع المخافة. ويوم الجمع - وهو اليوم الذي يُجْمَعُ فيه الخَلْقُ كلُّهم، ويُجْمَعُ بين المرءِ وعمله، وبين الجسد وروحه وبين المرء وشكله في الخير والشرِّ- لا شكَّ في كَوْنه. وفي ذلك اليوم فريقٌ يُبْعَثُ إلى الجنة وفريقٌ يحصل في السعير. وكما أنهم اليومَ فريقان ؛ فريق في راحة الطاعات وحلاوة العبادات، وفريق في ظلمة الشِّرْكِ وعقوبة الجحد. . فكذلك غداً ؛ فريقٌ هم أهل اللقاء، وفريقٌ هم أهل الشقاء والبلاء.
إنْ أراد أن يجمعَهم كلَّهم على الهدى والرشاد لم يكن مانع. . وإذاً لا زَيْنَ لهم. ولو شاء أن يجمعَهم كُلَّهم على الفساد والعناد لم يكن دافع - وإذاً لاشينَ منه. وحيث خَلَقَهم مختلفين - على ما أراد - فلا مبالاة بهم. . إنه إله واحدٌ جبَّارٌ غيرُ مأمور، متولٍ جميع الأمور ؛ من الخير والشر، والنفع والضر. هو الذي يحيي النفوسَ والقلوبَ اليومَ وغداً، ويميت النفوسَ والقلوبَ اليومَ وغداً. . وهو على كل شيءٍ قدير.
﴿ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ : أي إلى كتاب الله، وسُنَّةِ نبِّيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة، وشواهِد القياس. والعبرةُ بهذه الأشياء فهي قانون الشريعة، وجملتها من كتاب الله ؛ فإنَّ الكتابَ هو الذي يدلُّ على صحة هذه الجملة.
ويقال : إذا لم تهتدوا إلى شيءٍ وتعارضت منكم الخواطر فَدَعُوا تدبيركم، والتجِئوا إلى ظلِّ شهود تقديره، وانتظروا ما ينبغي لكم أن تفعلوه بحُكمْ تيسيره.
ويقال إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم ؛ لا تدرون أبا لسعادة جَرَى حُكْمُكُم أم بالشقاوة مضى اسمُكُم ؟ فَكِلُوا الأمرَ فيه إلى الله، واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكُّر فيما ليس لكم سبيل إلى عِلْمِه عن عواقبكم.
خَلَقَ لكم من أنفسكم " أزواجاً " : أي أَشكالاَ ؛ فَخَلَقَ حواءَ مِنْ آدم. وخَلَقَ- بسبب بقاء التناسل- جميعَ الحيواناتِ أجناساً.
﴿ يَذْرَؤُكُمْ ﴾ : يُكْثِر خَلْقكم. " فيه " الهاء تعود إلى البطن أي في البطن، وقيل : في الرَّحِم، وقيل : في التزويج.
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ لأنه فاطر السموات والأرض، ولأنه لا مِثْلَ يُضَارِعهُ، ولا شكلَ يشاكله. والكاف في ليس " كمثله " صلة أي ليس مثله شيء. ويقال : لفظ " مثل " صلة ؛ ومعناه ليس كهو شيء. ويقال معناه ليس له مثل ؛ إذ لو كان له مثل لكان كمثله شيء وهو هو، فلمَّا قال :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ﴾ فمعناه ليس له مثل، والحقُّ لا شبيهَ له في ذاته ولا في صفاته ولا في أحكامه.
وقد وقع قومٌ في تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحدِّ والنهاية والكون في المكان، وأقبحُ قولاً منهم مَنْ وصفوه بالجوارح والآلات ؛ فظنوا أن بَصَره في حدقة، وسَمْعَه في عضوٍ، وقدرته في يدٍ. . . إلى غير ذلك.
وقومٌ قاسوا حُكْمَه على حُكْمِ عباده ؛ فقالوا : ما يكون من الخَلْقِ قبيحاً فمنه قبيح، وما يكون من الخَلْق حسناً فمنه حَسَنٌ ! ! وهؤلاء كلهم أصحاب التشبيه - والحقُّ مستحِقٌّ للتنزيه دون التشبيه، مستحق للتوحيد دون التحديد، مستحق للتحصيل دون التعطيل والتمثيل.
" مقاليد " أي مفاتيح، والمفاتيح للخزائن، وخزائنه مقدوراته. وكما أن في الموجودات معادن مختلفة فكذلك القلوب معادن جواهر الأحوال ؛ فبعض القلوب معادن المعرفة، وبعضها معادن المحبة، وبعضها للشوق، وبعضها للأُنْس. . وغير ذلك من الأحوال كالتوحيد والتفريد والهيبة والرضا. وفائدة التعريف بأن المقاليد له : أَنْ يقطع العبدُ أفكارَه عن الخَلْق، ويتوجَّه في طلب ما يرد من الله الذي ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾، والذي هو ﴿ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ : يوسِّع ويضيِّق أرزاقَ النفوسِ وأرزاقَ القلوب حسبما شاء وحَكَمَ وعَلِمَ.
﴿ شَرَعَ ﴾ : أي بَيَّنَ وأظهر. ﴿ مِّنَ الدِّينِ ﴾ أراد به أصول الدين ؛ فإنها لا تختلف في جميع الشرائع، وأمَّا الفروع فمختلفة، فالآية تدلُّ على مسائلَ أحكامُها في جميعِ الشرائعِ واحدَةٌ.
ثم بيَّن ذلك بقوله :﴿ أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ﴾. . . وفي القصة أن تحريم البنات والأخوات إنما شُرعَ في زمان نوح عليه السلام.
يعني أنهم أَصّرُّوا على باطلهم بعد وضوح البيان وظهور البرهان حين لا عُذْرَ ولا شكَّ. ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾. . . وهو أنه حَكَمَ بتأخيرِ العقوبةِ إلى يومِ القيامة لعَجَّل لهم ما يتمنونه. .
أي أُدْعُ إلى هذا القرآن، وإلى الدين الحنيفي، واستقَمْ في الدعاء، وفي الطاعة.
أَمَرَ الكُلَّ من الخَلْقِ بالاستقامة، وأفرده بذكر التزام الاستقامة.
ويقال : الألف والسين والتاء في الاستقامة للسؤال والرغبة ؛ أي سَلْ مني أن أقيمك، ﴿ وَلاَ تَتَبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ : أمرت بالعدل في القضية، وبأن أُعْلِمَ أنَّ اللَّهَ إلهُ الجميع، وأَنّه يحاسِب غداً كلاً بعمله، وبأن الحجةَ لله على خَلْقِه، وبأن الحاجةَ لهم إلى مولاهم.
يجادلون في الله من بعد ما استُجِيبَ لدعاء محمدٍ صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ على المشركين.
وحُجَّةُ هؤلاء الكفار داحضة عند ربهم لأنهم يحتجون بالباطل، وهم من الله مستوجِبون للعنة والعقاب.
أَنزلَ الكتابَ، وأنزل الحُكْمَ بالميزان أي بالحق.
ويقال ألهمهم وزنَ الأشياء بالميزان، ومراعاةَ العدل في الأحوال.
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ : يزجرهم عن طول الأمل، وينبههم إلى انتظار هجوم الأجَل.
المؤمنون يؤمنِون بالبعث وما بعده من أحكام الآخرة، ويَكِلُون أمورَهم إلى الله ؛ فلا يتمنون الموتَ حَذَرَ الابتلاء، ولكن إذا وَرَدَ الموتُ لم يكرهوه، وكانوا مستعدين له.
﴿ لَطِيفُ ﴾ أي عالم بدقائق الأمور وغوامضها. واللطيف هو المُلْطِف المحسن. . وكلاهما في وصفه صحيح. واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليومَ هو لُطْفٌ منه به.
وأكثرُ ما يستعمل اللطف- في وصفه- في الإحسان بالأمور الدينية.
ويقال : خَاطَبَ العابدين بقوله :﴿ لَطيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ : أي يعلم غوامضَ أحوالهم. من دقيق الرياء والتصنُّع لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم وأعمالهم. وخاطَبَ العُصاةَ بقوله :" لطيف " : لئلا ييأسوا من إحسانه.
ويقال : خاطَبَ الأغنياءَ بقوله :" لطيف " : ليعلموا أنه يعلم دقائقَ معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل، وخاطَبَ الفقراءَ. بقوله :" لطيف " أي أنه مُحْسِنٌ يرزق من يشاء.
ويقال : سماعُ قوله :" اللَّهُ " يوجِبَ الهيبةَ والفزع، وسماعُ " لطيفٌ " يوجِبُ السكونَ والطمأنينة. فسماعُ قوله :" اللَّهُ " أوجب لهم تهويلاً، وسماع قوله :" لطيفٌ " أوجب لهم تأميلاً.
ويقال : اللطيفُ مَنْ يعطي قَدْرَ الكفاية وفوق ما يحتاج العبدُ إليه.
ويقال : مَنْ لُطفِه بالعبد عِلْمُه بأنه لطيف، ولولا لُطفُه لَمَا عَرَفَ أنه لطيف.
ويقال : مِنْ لُطْفِه أنه أعطاه فوق الكفاية، وكَلَّفَه دون الطاقة.
ويقال : مِنْ لُطفِه بالعبد إبهام عاقبته عليه ؛ لأنه لو علم سعادتَه لاتَّكَلَ عليه، وأَقَلَّ عملَه ولو عَلِمَ شقاوتَه لأيِسَ ولَتَرَكَ عَمَله. . فأراده أن يستكثرَ في الوقت من الطاعة.
ويقال : من لطفه بالعبد إخفاءُ أَجِلِه عنه ؛ لئلا يستوحش إن كان قد دنا أَجَلُه.
ويقال : من لطفه بالعبد أنه يُنْسِيَه ما عمله في الدنيا من الزلّة ؛ لئلا يتنغَّص عليه العَيْشُ في الجنة.
ويقال : اللطيفُ مَنْ نَوَّر الأسرارَ، وحفظ على عبده ما أَوْدَعَ قلبَه من الأسرار، وغفر له ما عمل من ذنوبٍ في الإعلان والإسرار.
﴿ مَن كَانَ يُرِدُ حَرْث الآخِرَةِ ﴾ نَزِدْه -اليومَ- في الطاعات توفيقاً، وفي المعارف وصفاء الحالات تحقيقاً. ونَزِدْه في الآخرة ثواباً واقتراباً وفنونَ نجاةٍ وصنوفَ درجاتٍ.
﴿ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا ﴾ : مكتفياً به نؤتِه منها ما يريد، وليس له في الآخرةِ نصب.
﴿ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ : أي ليس ذلك مما أمَرَ به، وإنما هو افتراءٌ منهم.
﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ ﴾ : أي ما سبق به الحُكْمُ بتأخير العقوبة إلى القيامة. . .
إذا حصل الإجرام فإلى وقتٍ ما لا يُعَذِّبُهم الله في الغالب، ولكنه لا محالةَ يعذبهم. وربما يَثْبُتُ ذلك لبعض أصحاب القلوب فيتأسَّفون، ويعلمون أَنَّ ذلك من الله لهم مُعَجَّلٌ قد أصابهم، أَمَّا الكفار. . فغداً يُشْفِقُون مما يقع بهم عند ما يقرؤونه في كتابهم، لأنَّ العذابَ- لا محالةَ- واقعٌ بهم.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ﴾ : في الدنيا جنان الوصلة، ولذاذة الطاعة والعبادة، وطيب الأُنْسِ في أوقات الخلوة. وفي الآخرة في روضات الجنة :﴿ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ : إِنْ أرادوا دوامَ للطفِ دامَ لهم، وإنْ أرادوا تمامَ الكشف كان لهم. . ذلك هو الفضلُ الكبير.
ذلك الذي يُبَشِّرُ اللَّهُ عبادَه قد مضى ذِكْرُه في القرآن متفرقاً ؛ من أوصاف الجنة وأطايبها، وما وَعَدَ اللَّهُ من المثوبة. . . ونحو ذلك.
قوله جلّ ذكره :﴿ قُل لاَّ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾.
قُلْ - يا محمد - لا أسألكم عليه أجراً. مَنْ بَشَّرَ أحداً بالخير طَلَبَ عليه أجراً، ولكنَّ اللَّهَ - وقد بَشَّرَ المؤمنين على لسان نبيِّه بما لهم من الكرامات الأبدية - لم يطلب عليه أجراً ؛ فاللَّهُ – سبحانه - لا يطلب عِوَضاً، وكذلك نبيُّه - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل أجراً ؛ فإن المؤمنَ قد أخذ من الله خُلُقَاً حَسَناً. . . فمتى يطلب الرسولُ منهم أجراً ؟ ! وهو - صلوات الله عليه - يشفع لكلِّ مَنْ آمن به، والله - سبحانه - يعطي الثوابَ لكل مَنْ آمن به.
﴿ إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ : أراد أن تثبت مودتك في القربى ؛ فتودّ منْ يتقرَّب إلى الله في طاعته.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾.
تضعيف الثواب في الآخرة للواحدِ من عَشَرة إلى سبعمائة. . . هذه هي الزيادة.
ويقال : الزيادة هي زيادة التوفيق في الدنيا.
ويقال : إذا أتى زيادة في المجاهدة تفضَّلْنا بزيادة. . وهي تحقيق المشاهدة.
ويقال مَنْ يقترِفْ حسنةَ الوظائف نَزِدْ له فيها حُسْنَ اللطائف.
ويقال : تلك الزيادة لا يصل إليها العبدُ بوسعه ؛ فهي مما لا يدخل تحت طَوْقِ البَشَر.
أي أَنَّك إنْ افترَيْتَه خَتَمَ اللّهُ على قلبِكَ، ولكنكَ لم تكذِبْ على ربِّكَ.
ومعنى الآية أنَّ اللَّهَ يتصرَّف في عباده بما يشاء : مِنْ إبعادٍ وتقريب، وإدناء وتبعيد.
﴿ وَيَعْفُواْ عِنِ السِّيِّئَاتِ ﴾ الألف واللام للجنس مطلقاً، وهي هنا للعهد ؛ أي تلك السيئات التي تكفي التوبةُ المذكورةُ في الشريعة لقبولها ؛ فإنه يعفو عنها إذا شاء. ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ : من الأعمال على اختلافها.
وهو " الذي ". . . الذي من الأسماء الموصولة التي لا يتم معناها إلا بِصِلَةٍ، فهو قد تعرَّف إلى عباده على جهة المدح لنفسه بأنه يقبل توبة العبد ؛ فالزَّلّةُ - وإن كانتْ توجِبُ للعبد ذميمَ الصِّفَةِ - فإنَّ قبولَها يوجِبُ للحقِّ حميدَ الاسم.
ويقال : قوله :" عباده " اسم يقتضي الخصوصية ( لأنه أضافه إلى نفسه ) حتى تمنَّى كثير من الشيوخ أن يحاسبه حسابَ الأولين والآخرين لعلّه يقول له : عبدي. ولكن ما طلبوه فيما قالوه موجود في ﴿ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ ؛ وإذاً فلا ينبغي لهم أن يتمنوا كذلك، وعليهم أن يتوبوا لكي يَصِلوا إلى ذلك.
ويقال لمَّا كان حديثُ العفوِ عن السيئات ذكَرَها على الجمع والتصريح فقال :﴿ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾. ثم لمَّا كان حديثُ التهديد قال :﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ فذكره على التلويح ؛ فلم يقل : ويعلم زلَّتك - بل قال ويعلم " ما " تفعلون، وتدخل في ذلك الطاعةُ والزّلةُ جميعاً.
( أي إذا دَعَوْه استجابَ لهم ) بعظيم الثواب في الآخرة.
﴿ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ يقول المفسرون من أهل السُّنَّة في هذه الزيادة إنها الرؤية.
ذَكَرَ التوبة وأهلها، وذكر العاصين بوصفهم، ثم ذكر المطيعين الذين آمنوا وعملوا الصالحات. . . فلمَّا وصل إلى الزيادة - التي هي الرؤية - قال :" ويزيدهم " على الجمع ؛ والكناية إذا تَلَتْ مذكوراتٍ رجعت إليها جميعاً ؛ فيكون المعنى أن الطاعاتِ في مقابلها الدرجات، وتكون بمقدارها في الزيادة والنقصان، وأَمَّا الرؤية فسبيلها الزيادة والفضل. . . والفضلُ ليس فيه تمييز.
ويقال : لمَّا ذكر أنَّ التائبين تُقْبَلُ توبتُهم، ومَنْ لم يَتُبْ غفر زلَّته، وأنَّ المطيعين لهم الجنة. . فلربما خَطَرَ ببالِ أَحَدٍ : وإذاً فهذه النارُ لِمَنْ هي ؟ ! فقال جل ذكره.
﴿ وَالْكَافِرُون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾.
فالعصاةُ من المؤمنين لهم عذابٌ. . أمَّا الكافرون فلهم عذابٌ شديدٌ ؛ لأنَّ دليلَ الخطاب يقتضي هذا وذاك ؛ يقتضي أن المؤمنين لهم عذابٌ. . ولكنْ ليس بشديد، وأمَّا عذابُ الكافرين فشديدٌ.
ويقال : إن لم يَتُبْ العبدُ خوفاً من النار، ولا طمعاً في الجنة لَكَان من حقِّه أن يتوب ليَقْبَلَ الحقُّ - سبحانه.
ويقال إن العاصي يكون أبداً منكسرَ القلب، فإذا عَلِمَ أن اللَّهَ يَقْبَلُ الطاعة من المطيعين يتمنى أَنْ ليت له طاعةً مُيَسَّرَةً ليقبلَها، فيقول الحقُّ : عبدي، إنْ لم تَكُنْ لك طاعةٌ تصلح للقبول فَلكَ توبةٌ إنْ أتيْتَ بها تصلح لقبولها.
هذا الخطاب في الظاهر يشبه الاعتذار في تخاطب الآدميين. والمعنى أنني لم أبسط عليكَ أيها الفقيرُ في الدنيا لِمَا كان لي من العلم أنني لو قَسَمْتُ عليك الدنيا لَطَغَيْتَ، ولسَعَيْتَ في الأرض بالفساد.
ويقال : قوله :" ولكن. . . " : لكن كلمة استدراك، فالمعنى : لم أُوَسِّعْ عليكَ الرزقَ بمقدار ما تريد ؛ ولم أمنع عنك ( الكُلَّ ) ؛ لأني أُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما أشاء.
الله - سبحانه مُحْيِي القلوب ؛ فكما أنه ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾، فبعدما أصابت الأرضَ جدوبةٌ، وأبطأ نزولُ الغيثِ، وقَنِطَ الناسُ من مجيء المطر، وأشرفَ الوقتُ على حدِّ الفَواتِ يُنَزِّلُ اللَّهُ بفضله الغيثَ، ويحيي الأَرضَ بعد قنوطِ أهلها. . فكذلك العبد ؛ إذا ذَبُلَ غُصْنُ وقته، وتكَدَّرَ صَفْوُ ودِّه، وكسفت شمسُ أُنْسِه، وبَعُدَ عن الحضرةِ وساحاتِ القرب عَهْدُه فلربما ينظر إليه الحقُّ برحمته ؛ فينزل على سِرِّه أمطارَ الرحمة، ويعود عودُه طريًّا، ويُنْبِتُ في مشاهدة أُنْسِه ورداً جَنِيًّا. . وأنشدوا :
إنْ راعني منك الصدود *** فلعلَّ أيامي تعود
ولعلَّ عهدك باللَّوى *** يحيا فقد تحيا العهود
والغصن ييبس تارةً *** وتراه مُخْضرًّا يميد
جعل اللَّهُ في كلِّ شيءٍ من المخلوقات دلالةً على توحُّدِه في جلاله، وتفرُّدِه بنعت كبريائه وجماله.
﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ : والإشارة منها أَنَّ الحقَّ - سبحانه - يغار على أوليائه أن يَسْكَنَ بعضُهم بقلبه إلى بعضٍ ؛ فأبداً يُبَدِّدُ شمْلَهم، ولا تكاد الجماعةُ من أهل القلوب تتفق في موضعٍ واحد إلا نادراً، وذلك لمدةٍ يسيرة. . كما قالوا :
رمى الدهرُ بالفتيان حتى كأنَّهم | بأكنافِ أطرافِ السماءِ نجومُ |
وهذا - وإن كان نادراً - فإنه على جَمْعِهم - إذا يشاء - قدير.
إذا تحقَّق العبدُ بهذه الآية فإنه إذا أصابته شظيةٌ أو حالةٌ مما يسوءُه، وعلِمَ أن ذلك جزاءٌ له، وعقابٌ على ما بَدَرَ منه من سوءِ الأدب لاستحيى بخجلته مِنْ فِعْلِه، ولَشغَلَه ذلك عن رؤية الناس، فلا يحاول أن ينتقمَ منهم أو يكافئَهم أو يدعوَ عليهم، وإنما يشغله تلافي ما بَدَرَ منه من سوءِ الفعلِ عن محاولة الانتصاف لنفسه ممن يتسلَّط عليه من الخَلْق. . تاركاً الأمرَ كلَّه لربِّه.
ويقال : إذا كَثُرَت الأسبابُ من البلايا على العبد، وتوالى عليه ذلك. . فَلْيُفَكِرْ في أفعاله المذمومة. . كم يحصل منه حتى يبلغَ جزاء ما يفعله - مع العفو الكثير - هذا المبلغ ؟ ! فعند ذلك يزداد حُزْنُه وتأسُّفُه ؛ لِعِلْمِه بكثرة ذنوبه ومعاصيه.
يريد بها السفن التي تجري في البحار ؛ يرسل اللَّهُ الريحَ فتُسَيَّرها مرةً، ويُسَكِّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة. . . وهو بهذا يَحثُّهم على التفكُّر والتنبُّه دائماً.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فَتْرَةِ الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجبُ الشكرُ في كل حالة، وإذا خَلُصَ الشكرُ استوجب جزيلَ المزيد.
يريد بها السفن التي تجري في البحار ؛ يرسل اللَّهُ الريحَ فتُسَيَّرها مرةً، ويُسَكِّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة... وهو بهذا يَحثُّهم على التفكُّر والتنبُّه دائماً.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فَتْرَةِ الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجبُ الشكرُ في كل حالة، وإذا خَلُصَ الشكرُ استوجب جزيلَ المزيد.
يريد بها السفن التي تجري في البحار ؛ يرسل اللَّهُ الريحَ فتُسَيَّرها مرةً، ويُسَكِّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة... وهو بهذا يَحثُّهم على التفكُّر والتنبُّه دائماً.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فَتْرَةِ الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجبُ الشكرُ في كل حالة، وإذا خَلُصَ الشكرُ استوجب جزيلَ المزيد.
يريد بها السفن التي تجري في البحار ؛ يرسل اللَّهُ الريحَ فتُسَيَّرها مرةً، ويُسَكِّنها أخرى، وما يريهم خلال ذلك من الهلاك أو السلامة... وهو بهذا يَحثُّهم على التفكُّر والتنبُّه دائماً.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فَتْرَةِ الوقت عن الأنواء المختلفة، وحفظهم في إيواء السلامة، فالواجبُ الشكرُ في كل حالة، وإذا خَلُصَ الشكرُ استوجب جزيلَ المزيد.
يعني أنَّ الراحاتِ في الدنيا لا تصفو، ومن المشائب لا تخلو. وإنْ اتفق وجودُ البعض منها في أحايين فإنها سريعة ( الزوال )، وشيكة الارتحال.
﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ ﴾ من الثواب الموعود " خيرٌ " من هذا القليل الموجود.
﴿ كَبَائِرَ الإِثْمِ ﴾ : الشِرْك. و﴿ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ : ما دون ذلك من الزلاَّت. فإذا تركوها لا يتجرَّعون كاساتِ الغضب بل تسكن لديهم سَوْرَةُ النَّفْسِ ؛ لأنهم يتوكلون على ربهم في عموم الأحوال.
﴿ اسْتَجَابُواْ لِرَبْهِمْ ﴾ فيما دعاهم إليه وما أَمَرَهم به من فنون الطاعات ؛ فهؤلاء هم الذين لهم حُسْنُ الثوابِ وحميدُ المآبِ.
والمستجيبُ لربِّه هو الذي لا يبقى له نَفَسٌ إلا على موافقة رضاه، ولا تَبْقَى منه لنَفْسِه بقية.
﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ : لا يستبَّد أحدُهم برأيه ؛ لأنه يَتَّهِمُ أمرَه ورأيَه أبداً ثم إذا أراد القطعَ بشيءٍ يتوكل على الله.
" البغيُ " : الظلمُ، فيعلم أحدهم أن الظلمَ الذي أصابه هو من قِبَلِ نَفسِه، فينتصر على الظالم وهو نفسه ؛ بأَنْ يكبحَ عنانها عن الركض في ميدان المخالفات.
( يعني لا تجاوزوا حدَّ ما جنى الجاني عليكم في المكافأة أو الانتقام ).
﴿ فَمَنْ عفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ : مَنْ عفا عن الجاني، وأصلح ما بينه وبين الله - أَصْلَحَ اللَّهُ ما بينه وبين الناسِ. ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ : فالذي للعبد من الله وعلى الله وعند الله خيرٌ مما يعمله باختياره.
عَلِمَ الله أن الكُلَّ من عباده لا يجد التحررَ من أحكام النًَّفْس، ولا يتمكن من محاسن الخُلُق فرخَّص لهم في المكافأة على سبيل العدل والقسط - وإنْ كان الأَوْلى بهم الصفح والعفو.
﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ. . ﴾ السبيلُ بالملامة لِمَنْ جاوز الحدَّ، وعدا الطَّوْرَ، وأتى غيرَ المأذونِ له من الفعل. .
صَبَرَ على البلاْءِ من غير شكوى، وغَفَرَ - بالتجاوز عن الخَصْم - ولم تبقَ لنَفْسه عليه دعوى، بل يُبرئ خَصْمَه من كل دعوى، في الدنيا والعُقبى. . فذلكَ من عزم الأمور.
إن الذين أضلَّهم اللّهُ، وأعمى أبصارَهم وبصائرَهم، وأوقعهم في كدِّ عقوبتهم، وحَرَمَهم بَرْدَ الرضا لحكْم ربِّهم ليس لهم وليٌّ من دون الله، ولا مانعَ لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذابَ يَطلبون منه النجاة فلا ينالونها.
وتراهم يُعْرَضُون على النار وهم خاشعون من الذُّلِّ ؛ لا تنفعهم ندامةٌ، ولا تُسْمَعُ منهم دعوةٌ، ويُعَيِّرهُم المؤمنون بما ذَكَّروهم به فلا يسمعون، فاليومَ لا ناصرَ بنصرهم، ولا راحمَ يرحمهم.
إن الذين أضلَّهم اللّهُ، وأعمى أبصارَهم وبصائرَهم، وأوقعهم في كدِّ عقوبتهم، وحَرَمَهم بَرْدَ الرضا لحكْم ربِّهم ليس لهم وليٌّ من دون الله، ولا مانعَ لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذابَ يَطلبون منه النجاة فلا ينالونها.
وتراهم يُعْرَضُون على النار وهم خاشعون من الذُّلِّ ؛ لا تنفعهم ندامةٌ، ولا تُسْمَعُ منهم دعوةٌ، ويُعَيِّرهُم المؤمنون بما ذَكَّروهم به فلا يسمعون، فاليومَ لا ناصرَ بنصرهم، ولا راحمَ يرحمهم.
إن الذين أضلَّهم اللّهُ، وأعمى أبصارَهم وبصائرَهم، وأوقعهم في كدِّ عقوبتهم، وحَرَمَهم بَرْدَ الرضا لحكْم ربِّهم ليس لهم وليٌّ من دون الله، ولا مانعَ لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذابَ يَطلبون منه النجاة فلا ينالونها.
وتراهم يُعْرَضُون على النار وهم خاشعون من الذُّلِّ ؛ لا تنفعهم ندامةٌ، ولا تُسْمَعُ منهم دعوةٌ، ويُعَيِّرهُم المؤمنون بما ذَكَّروهم به فلا يسمعون، فاليومَ لا ناصرَ بنصرهم، ولا راحمَ يرحمهم.
الاستجابةُ لله الوفاءُ بعهده، والقيامُ بحقِّه، والرجوعُ عن مخالفته إلى مرافقته، والاستسلام.
في كل وقتٍ لحُكْمهِ. والطريقُ اليومَ إلى الاستجابة مفتوحٌ. وعن قريبٍ سيُغْلَقُ البابُ على القلب بغتةً، ويُؤْخَذُ فلتةً.
فإن أعرضوا عن الإجابة فليس عليك إلا تبليغُ الرسالة، ثم نحن أعلمُ بما نعاملهم به.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ ﴾.
إذا أذقنا الإنسان مِنَّا رفاهيةً ونعمةً فَرِحَ بتلك الحالة، وقابلها بالبَطَرِ، وتوصَّل بتمام عافيته إلى المخالفة، وجعل السلامةَ ذريعةً للمخالفة. وإنْ أصابته فتنةٌ وبلية، ومَسَّتْهُ مصيبةٌ ورزية فإنه كفورٌ بنعمائنا، وجحودُ لآياتنا.
يهب لمن يشاء الذكور، ولمن يشاء الإناث، ولمن يشاء الجنين، ويجعل من يشاء عقيماً، فلا اعترضَ عليه في تقديره، ولا افتياتَ في اختياره، فهو أَوْلَى بعباده من عباده.
لله بحقِّ مُلْكِه أن يفعل ما يشاء، ويعطي مَنْ يشاء مِنْ عباده ما يشاء، ولكن أجرى العادة وحَكَم بأنه لا يفعل إلا ما وَرَدَ في هذه الآية ؛ فلم يُكَلِّم أحداً إلا بالوحي، أو من وراء حجاب ؛ يعني وهو لا يرى الحقَّ، فالمحجوبُ هو العبد لا الرب، والحجابُ أن يخلق في محل الرؤية ضد الرؤية. . تعالى اللَّهُ عن أن يكونَ من وراء حجاب ؛ لأن ذلك صفةُ الأجسام المحدودة التي يُسْبَلُ عليها ستر. إنه " عَلِيٌّ " : في شأنه وقَدْرِه، " حكيمٌ " : في أفعاله.
أي ذلك مثلما أوحينا إليك " روحاً " من أمرنا يعني القرآن ؛ سَمَّاه روحاً لأنه مَنْ آمن به صار به قلبُه حَيًّا.
ويقال :﴿ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ : أي جبريل عليه السلام، ويسمى جبريل روح القدس.
﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ. . . ﴾ : ما كنت تدري قبل هذا ما القرآن، " ولا الإيمان " : أي تفصيل هذه الشرائع.
﴿ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ ﴾ : أي القرآن " نوراً " نهدي به مَنْ نشاء من عبادنا المؤمنين.
﴿ ألاَ إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ﴾ : لأن منه ابتداء الأمور.