تفسير سورة الدّخان

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة الدخان مكية إلا قوله :﴿ إنا كاشفو العذاب ﴾ الآية وهي سبع أو تسع وخمسون آية.

﴿حم﴾ ﴿والكتاب المبين﴾ الكلامُ فيهِ كالذي سلفَ في السورةِ السابقةِ
﴿إِنَّا أنزلناه﴾ أي الكتابَ المبينَ الذي هُو القُرآنُ ﴿فِى لَيْلَةٍ مباركة﴾ هيَ ليلةُ القدرِ وقيلَ ليلةُ البراءةِ ابتدىءَ فيها إنزالُه أو أنزل فيها جُملةً إلى السماءِ الدُّنيا من اللوحِ وأملاهُ جبريلَ عليهِ السَّلامُ على السَفَرة ثُمَّ كانَ ينزله على النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم نُجوماً في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً كما مرَّ في سورة الفاتحةِ ووصفُها بالبركةِ لَما أنَّ نزولَ القُرآنِ مستتبعٌ للمنافعِ الدينيةِ والدنيويةِ بأجمعِها أو لِما فيها من تنزلِ الملائكةِ والرحمةِ وإجابةِ الدعوة وقسم النعمة وفصل الأفضية وفضيلةِ العبادةِ وإعطاءِ تمامِ الشفاعة لرسول الله ﷺ وقيلَ يزيدُ في هذهِ الليلةِ ماءُ زمزمَ زيادةً ظاهرةً ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ استئناف مبين لما يقضى الإنزالَ كأنَّه قيلَ إنَّا أنزلناهُ لأن من شأنِنا الإنذارَ والتحذيرَ من العقابِ وقيلَ جوابٌ للقسمِ وقولُه تعالى إنَّا أنزلناهُ الخ اعتراضٌ وقيلَ جوابٌ ثانٍ بغيرِ عاطفٍ
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ استئنافٌ كما قبلَهُ فإنَّ كونَها مفْرَقَ الأمورِ المحكمةِ أو الملتبسةِ بالحكمةِ الموافقةِ لها يستدعِي أنْ ينزلَ فيها القرآنُ الذي هُو من عظائِمها وقيلَ صفةٌ أُخرى لليلةِ وما بينهما اعرتاض وهذا يدلُّ على أنَّها ليلةُ القدرِ ومَعْنى يُفرقُ أنه يكتبُ ويفصلُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ من أرزاقِ العباد وآجالهعم وجمع أمورِهم من هذِه الليلةِ إلى الأُخرى من السنةِ القابلةِ وقيلَ يبدأُ في استنساخِ ذلك من اللوحِ في ليلةِ البراءةِ ويقعُ الفراغُ في ليلةِ القدرِ فتدفعُ نسخةُ الأرزاقِ إلى ميكائيلَ ونسخةُ الحروبِ إلى جبريلَ وكذا الزلازلُ والخسفُ والصواعقُ ونسخةُ الأعمالِ إلى إسماعيلَ صاحبِ سماءِ الدُّنيا وهُو مَلكٌ عظيمٌ ونسخةُ المصائبِ إلى مَلكِ الموتِ عليهم السَّلامُ وقُرِىءَ يُفرَّقُ بالتشديدِ وقُرِىءَ يَفرُقُ على البناءِ للفاعلِ أي يفرقُ الله تعالى
58
٩ ٥
كل أمر حكيم وقرىء نَفْرُقُ بنونِ العظمةِ
59
﴿أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا﴾ نصبَ على الاختصاصِ أيْ أعنِي بهذا الأمرِ أمراً حاصلاً من عندِنا على مُقتضَى حكمتنا وهو بيان لفخامة الإصافية بعد بيان فخامته الذاتة ويجوزُ كونُه حالاً من كل أمر لتخصيصه بالوصفِ أو من ضميرِه في حكيمٍ وقد جُوِّز أن يراد به نقابل النهي ويجعلَ مصدراً مؤكداً ليُفرَقُ لاتحادِ الأمرِ والفرقانِ في المَعْنى أو لفعلِه المضمرِ لما أنَّ الفرقَ به او حالا منا أحدِ ضميرَيْ أنزلناهُ أي آمرينَ أو مأموراً بهِ ﴿إنا كنا منذرين﴾ بدلٌ من إنَّا كُنَّا منذرينَ وقيلَ جوابٌ ثالثٌ وقيل مستأنف وقولُه تعالى
﴿رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ غايةٌ للإرسالِ متأخرةٌ عنه على أن المرادَ بها الرحمن الواصلة الى العابد باعث متقدمٌ عليه على أنَّ المراد مبدوها أي إنَّا أنزلَنا القُرآنَ لأنَّ من عادتِنا إرسالَ الرسلِ بالكتبِ إلى العبادِ لأجلِ إفاضةِ رحمتِنا عليهم أو لاقتضاءِ رحمتِنا السابقةِ إرسالَهم ووضعُ الربِّ موضعَ الضمير الإيذان بأنَّ ذلكَ من أحكامِ الربوبية مقتضياتها وإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسَّلامُ لتشريفهِ أو تعليلٌ ليُفرقُ أو لقولِه تعالى أمراً على أنَّ قولَه تعالى رحمةً مفعولٌ للإرسالِ كما في قوله تعالى وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ أي يفرقُ فيها كلُّ أمرٍ أو تصدرُ الأوارم من عندِنا لأنَّ من عادتِنا إرسالَ رحمتِنا ولا ريبَ في أنَّ كلاً من قسمةِ الأرزاقِ وغيرِها والأوامرِ الصادرةِ منه تعالَى من بابِ الرحمةِ فإن الغاية لتكليف العبادة تعريضُهم للمنافعِ وقُرِىءَ رحمةٌ بالرفعِ أي تلكَ رحمةٌ وقولُه تعالى ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ تحقيقٌ لربوبيتِه تعالى وأنَّها لا تحِقّ إلا لمَنْ هذهِ نعوتُه
﴿رب السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بدلٌ من أو بيانٌ أو نعتٌ وقرىء بالرفع على أنه خبرٌ آخرُ أو استئنافٌ على إضمارِ مبتدأٍ ﴿إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾ أي إنْ كنتُم من أهلِ الإيقانِ في العلومِ أو إنْ كنتُم موقنينَ في إقرارِكم بأنَّه تعالَى ربُّ السمواتِ والأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إذَا سئلتُم مَنْ خلَقها فقلتُم الله علمتُم أنَّ الأمرَ كمَا قُلنا أو إنْ كنتُم مريدينَ اليقينَ فاعلمُوا ذلكَ
﴿لا إله إلا هو﴾ جملةٌ مستأنَفة مقرِّرةٌ لما قبلَها وقيلَ خبرٌ لقولِه ربِّ السمواتِ الخ وما بينهما اعتراضٌ ﴿يُحْيىِ وَيُمِيتُ﴾ مستأنفةٌ كما قبلَها وكَذا قولُه تعالى ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم الأولين﴾ بإضمارِ مبتدأٍ أو بدلٌ من ربِّ السمواتِ على قراءةِ الرفعِ أو بيانٌ أو نعتٌ له وقيلَ فاعلٌ ليميتُ وفي يُحيي ضميرٌ راجعٌ إلى ربِّ السمواتِ وقُرِىءَ بالجرِّ بدلاً من ربِّ السمواتِ عَلى قراءةِ الجرِّ
﴿بْل هُمْ فَى شَكّ﴾ مما ذكر من شئونه تعالَى غيرُ موقنينَ في إقرارِهم ﴿يَلْعَبُونَ﴾ لا يقولونَ ما يقولونَ عن جِدَ وإذعانٍ بلْ مخلوطاً بهُزْؤٍ ولعب
59
} ٤ ١٠
والفاء في قوله تعالى
60
﴿فارتقب﴾ لترتيبِ الارتقابِ أو الأمرِ به على ما قبلَها فإنَّ كونَهُم في شكَ مما يُوجِبُ ذلكَ حَتْماً أي فانتظرُ لَهُم ﴿يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي يومَ شدَّةٍ ومَجَاعةٍ فإنَّ الجائعَ يَرَى بينَهُ وبينَ السماءِ كهيئةِ الدُّخانِ إما لضعفِ بصرهِ أو لأنَّ في عامِ القحطِ يُظلمُ الهواءُ لقلةِ الأمطارِ وكثرةِ الغُبارِ أو لأنَّ العربَ تُسمِّي الشرَّ الغالبَ دُخاناً وذلكَ أنَّ قريشا لما استعصت رسول الله ﷺ دعَا عليهم فقالَ اللهمَّ اشدُدْ وطأتكَ على مُضر واجعلْها عليهم سنينَ كسِني يوسُفَ فأخذتْهُم سَنةٌ حتى أكلُوا الجيفَ والعظامَ والعِلْهِزَ وكانَ الرجلُ يَرَى بينَ السماءِ والأرضِ الدُّخانَ وكان يحدث الرجل يسمع كلامَهُ ولا يراهُ من الدخانِ وذلكَ قولُه تعالى
﴿يَغْشَى الناس﴾ أي يحيطُ بهم ﴿هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي قائلينَ ذلكَ فمشَى إليه عليه الصلاة والسلام أبُو سفيانَ ونَفَرٌ معَهُ وناشدُوه الله تعالَى والرحمَ وواعدُوه إنْ دعَا لهم وكشفَ عنُهم أنْ يُؤمنوا وذلكَ قولُه تعالى
﴿ربنا اكشف عنا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ﴾ وهَذا قولُ ابن عباسٍ وابن مسعود رضيَ الله عنُهم وبه أخذَ مجاهدٌ ومقاتلٌ وهو اختيارُ الفَرَّاءِ والزَّجَّاجِ وقيلَ هو داخان يأتِي من السماءِ قبلَ يومِ القيامةِ فيدخلُ في أسماعِ الكفرةِ حتَّى يكونَ رأس الواحد كالرأس الحنيد ويعترِي المؤمنَ منه كهيئةِ الزكامِ وتكونُ الأرضُ كُّلها كبيت أو قد فيه ليس خصاصٌ وعن رسولِ الله صلى الله عليه سولم أولُ الآياتِ الدُّخانُ ونزولُ عيسى ابنِ مريمَ ونارٌ تخرجُ من قعرِ عدنِ أبْينَ تسوقُ النَّاسَ إلى المحشرِ قالَ حذيفةُ يا رسولَ الله وما الدُّخانُ فتَلا الآيةَ وقالَ يملأُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ يمكثُ أربعينَ يوماً وليلةً أمَّا المؤمنُ فيصيبُه كهيئةِ الزكمةِ وأما الكافرُ فهو كالسكرانِ يخرجُ من مَنْخِريهِ وأذنيهِ ودبُرهِ والأولُ هُو الذي يستدعيِه مساقُ النظمِ الكريمِ قطعاً فإنَّ قولَه تعالى
﴿أنى لَهُمُ الذكرى﴾ إلخ ردٌّ لكلامِهم واستدعائِهم الكشفَ وتكذيبٌ لهم في الوعدِ بالإيمانِ المنبىءِ عن التذكرِ والاتعاظِ بما اعتراهُم من الداهيةِ أي كيفَ يتذكرونَ أو من أين يتذكرون بذلك ويفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذابِ عنهم ﴿وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ﴾ أيْ والحالُ أنَّهم شاهُدوا منْ دَوَاعي التذكرِ وموجباتِ الاتعاظِ ما هو أعظمُ منِهُ في إيجابِها حيثُ جاءَهُم رسولٌ عظيمٌ الشأنِ وبين لهم مناهجَ الحقِّ بإظهار آياتٍ ظاهرةٍ ومعجزاتٍ قاهرةٍ تخِرُّ لها صُمُّ الجبال
﴿ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ﴾ عن ذلك الرسول وهو هو ريثما شاهدوا منه ما شاهدوا من العاظئم الموجبةِ للإقبال عليه ولم يقتنعوا بالتولى
60
الدخان آية (١٥ ١٩) ﴿وَقَالُواْ﴾ في حقِّهِ ﴿مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ أي قالوا تارة يعلمُه غلامٌ أعجميٌّ لبعض ثقيفٍ وأُخرى مجنونٌ أو يقولُ بعضهم كذَا وآخرونَ كَذا فَهلْ يتوقعُ من قوم هذه صفاتُهم أنْ يتأثرُوا بالعظة والتذكير وما مثلُهم إلا كمثلِ الكلبِ إذَا جاعَ ضَغَا وإذا شبع طغا وقوله تعالى
61
﴿إنا كاشفو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ جوابٌ من جهتهِ تعالى عن قولِهم رَّبنا اكشفْ عنا العذاب إنا مؤمنون بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتهديد وما بينهما اعتراضٌ أيْ إنا نكشفُ العذابَ المعهود عنكم كشفنا قليلاً أو زماناً قليلاً إنكم تعودون إثرَ ذلك إلى ما كنتُم عليه من العُتوِّ والإصرارِ على الكفر وتنسَون هذه الحالَة وصيغةُ الفاعلِ في الفعلينِ للدِلالة على تحقُّقهما لا محالةَ ولقد وقعَ كلاهُما حيث كشف الله تعالى بدعاءِ النبيِّ صبى الله عليه وسلم فمَا لبِثُوا أنْ عادُوا إلى ما كانُوا عليه من العتق والعِنادِ ومَن فسر الدخانٍ بما هُو من الأشراطِ قال إذَا جاء الدخانُ تضوّرَ المعذبونَ به من الكفارِ والمنافقينِ وغوَّثُوا وقالُوا ربنا اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنونَ فيكشفه الله تعالَى عنهُم بعدَ أربعينَ وريثما يكشفُه عنهم يرتدونَ ولا يتمهلونَ
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى﴾ يومِ القيامةِ وقيل يومُ بدرٍ وهو ظرفٌ لما دلَّ عليه قولُه تعالى ﴿إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ لا لمنتقمون لأن إنَّ مانعةٌ من ذلكَ أي يومئذٍ ننتقمُ إنَّا منتقمون وقيلَ هو بدلٌ منْ يومَ تأتِي الخ وقُرىءَ نُبطش أي نحملُ الملائكةَ على أن يبطشُوا بهم البطشةَ الكُبرى وهو التناولُ بعنفٍ وصَولةٍ أو نجعل البطشةَ الكُبرى باطشةً بهم وقُرِىءَ نبطُش بضمِّ الطاءِ وهي لغةٌ
﴿ولقد فتنَّا قبلهم قومَ فرعونَ﴾ أي امتحناهُم بإرسالِ موسى عليه السلام أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقُرِىءَ بالتشديدِ للمبالغة أو لكثرة القوم ﴿وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ على الله تعالى أو على المؤمنين وفي نفسه لأن الله تعالى لم يبعثْ نبياً إلا منْ سَراةِ قومِه وكرامِهم
﴿أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله﴾ أيْ بأنْ أدُّوا إليَّ بني إسرائيلَ وأرسلُوهم معي أو بأنْ أَدُّوا إلي عبادَ الله حقَّه من الإيمانِ وقبولِ الدَّعوةِ وقيلَ أنْ مفسرةٌ لأنَّ مجيءَ الرسولِ لا يكونُ إلا برسالةٍ ودعوةٍ وقيل مخفَّفةٌ من الثَّقيلة أيْ جاءَهُم بأن الشام أدُّوا إلى إلخ وقولُه تعالى ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ تعليلٌ للأمر أو لوجوب المأمورِ به أيْ رسولٌ غيرُ ظَنِينٍ قد ائتمننى الله تعالى على وحيه وصدَّقنِي بالمعجزاتِ القاهرةِ
﴿وأن لا تعلوا على الله﴾ أي لا تتكبرُوا عليه تعالى بالاستهانة بوحيهِ وبرسوله وأنْ كالتي سلفتْ وقوله تعالى ﴿إني آتيكم﴾ أي من جهته تعالى
61
} ٨ ٢٠
﴿بسلطان مُّبِينٌ﴾ تعليلٌ للنَّهي أيْ آتيكُم بحجةٍ واضحةٍ لا سبيلَ إلى إنكارها وآتيكم على صيغةِ الفاعلِ أو المضارعِ وفي إيراد الأداءِ معَ الأمين والسلطانِ مع العُلاَ منَ الجزالةِ مالا يَخْفى
62
﴿وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ﴾ أي التجأتُ إليهِ وتوكلتُ عليهِ ﴿أَن تَرْجُمُونِ﴾ من أنْ ترجمُونِي أيْ تُؤذونِي ضرباً أو شتماً أو أنْ تقتلوني قيلَ لمَّا قالَ وأنْ لا تعلُوا على الله توعّدوه بالقتلِ وقُرِىءَ بإدغامِ الذالِ في التَّاءِ
﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون﴾ أي وإنْ كابرتُم مقتضَى العقلِ ولم تُؤمنوا لى فخلوني كفافا لا عليَّ ولا ليَ ولا تتعرضوا بشرَ ولا أذَى فليس ذلك جزاء يدعُوكم إلى ما فيهِ فلاحُكم وحملُه على مَعْنى فاقطعوا أسباب الوصلى عن فلا موالا بيني وبينه وبين من وبينمن لا يُؤمنُ يأباهُ المقامُ
﴿فدعا ربه﴾ بعد ما تمُّوا على تكذيبهِ عليه السَّلامُ ﴿إِنَّ هَؤُلآء﴾ أي بأن هؤلاء ﴿قوم مجرمين﴾ وهو تعريضٌ بالدُّعاءِ عليهم بذكر ما استوجبون ولذلك سُمِّيَ دعاءً وقُرِىءَ بالكسرِ على إضمارِ القولِ قيل كانَ دعاؤُه اللَّهم عجِّلْ لهُم ما يستحقونَهُ بإجرامِهم وقيلَ هُو قولُه رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين
﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً﴾ بإضمارِ القولِ إِمَّا بعدَ الفاءِ أيْ فقالَ ربُّه أسرِ بعبادِي وإما قبلَها كأنَّه قيلَ إنْ كانَ الأمرُ كَما تقولُ فأسرِ بعبادِي أيْ ببني إسرائل فقد دب الله تعالى أنْ تتقدمُوا وقُرِىءَ بوصلِ الهمزةِ منْ سَرَى ﴿إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ﴾ أي يتبعكُم فرعونُ وجنودُه بعد ما علمُوا بخروجِكم
﴿واترك البحر رَهْواً﴾ مفتوحاً ذا فجوةٍ واسعةٍ أو ساكناً على هيئته بعدَ ما جاوزْتَه ولا تضربْهُ بعصاكَ لينطبقَ ولا تغيِّرْهُ عن حالِه ليدخلَه القبطُ ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ وقرىءَ أنَّهم بالفتحِ أيْ لأَنَّهم
﴿كَمْ تَرَكُواْ﴾ أي كثيراً تركوا بمصرَ ﴿مّن جنات وَعُيُونٍ﴾ ﴿وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ محافلَ مزيّنة ومنازلَ محسَّنةٍ
﴿ من جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ محافلَ مزيّنة ومنازلَ محسَّنةٍ.
﴿وَنَعْمَةٍ﴾ أي تنعمٍ ﴿كَانُواْ فِيهَا فاكهين﴾ متنعمينَ وقُرِىءَ فكِهينَ
﴿كذلك﴾ الكافُ في حيِّز النصب وذلكَ إشارةٌ إلى مصدرِ يدل عليه تركوا أي مثل ذلك السلبِ سلبناهُم
62
} ٥ ٢٩
إياها ﴿وأورثناها قوما آخرين﴾ وقيلَ مثلَ ذلكَ الإخراجِ أخرجناهُم منها وقيلَ في حيزِ الرفعِ على الخبريةِ أيِ الأمرُ كذلكَ فحينئذٍ يكونُ أورثناهَا معطوفاً على تركُوا وعلى الأولَينِ على الفعلِ المقدرِ
63
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض﴾ مجازٌ عن عدمِ الاكتراث بهلاكهم ولاعتداد بوجودِهم فيهِ تهكمٌ بهِم ويجالهم المنافيةِ لحالِ من يعظمُ فقدُه فيقالُ له بكتْ السماءُ والأرضُ ومنْهُ ما ورى إنَّ المؤمنَ ليبكي عليه مُصَّلاهُ ومحلُّ عبادتِه ومصاعدُ عملِه ومهابطُ رزقِه وآثارُه في الأرضِ وقيلَ تقديرُه أهلُ السماءِ والأرضِ ﴿وَمَا كَانُواْ﴾ لمَّا جاءَ وقتُ هلاكِهم ﴿مُّنظَرِينَ﴾ ممهلينَ إلى وقتٍ أخرَ أو إلى الآخرةِ بلْ عُجِّلَ لهم في الدُّنيا
﴿ولقد نجينا بني إسرائيل﴾ بأنْ فعلنا بفرعونَ وقومِه ما فعلنا ﴿مِنَ العذاب المهين﴾ من استعبادِ فرعونَ إيَّاهم وقتلِ أبنائِهم واستحياءِ نسائِهم على الخسفِ والضيمِ
﴿مِن فِرْعَوْنَ﴾ بدلٌ من العذابِ إمَّا على جعلِه نفسَ العذابِ لإفراطِه فيهِ وإمَّا على حذفِ المضافِ أي عذابِ فرعونَ أو حالٌ من المهينِ أي كائناً منْ فرعونَ وقُرِىءَ مَنْ فرعونُ على مَعْنى هل تعرفونَهُ من هُو في عُتوِّه وتفَرْعُنِهِ وفي أيهام أمره أولا وتبينه بقولِه تعالَى ﴿إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين﴾ ثانياً من الإفصاحِ عن كُنِه أمرِه في الشرِّ والفسادِ مالا مزيدَ عليهِ وقولُه تعالَى منَ المُسرفينَ إمَّا خبرٌ ثانٍ لكانَ أي كان متكبراً مسرفاً أو حالٌ من الضميرِ في عالياً أيُ كانَ رفيعَ الطبقةِ من بينِ المسرفينَ فائقاً لهُم بليغاً في الإسرافِ
﴿وَلَقَدِ اخترناهم﴾ أي بنِي إسرائيلا ﴿على عِلْمٍ﴾ أي عالمينَ عالمينَ بأنَّهم أحِقَّاءُ بالاختيارِ أو عالمن بانهم يزيغون في الأوقاتِ ويكثرُ منُهم الفرطاتُ ﴿عَلَى العالمين﴾ جميعاً لكثرةِ الأنبياءِ فيهم أو على عالمي زمانهم
﴿وآتيناهم مِنَ الأيات﴾ كفلْقِ البحرِ وتظليلِ الغمامِ وإنزالِ المنِّ والسَّلْوى وغيرِها من عظائمِ الآياتِ التي لم يُعهدْ مثلُها في غيرِهم ﴿مَا فيه بلاء مُّبِينٌ﴾ نعمةٌ جليةٌ أو اختبارٌ ظاهرٌ لننظرَ كيفَ يعملونَ
﴿إِنَّ هَؤُلآء﴾ يَعْني كفارَ قريشٍ لأنَّ الكلامَ فيهم وقصةُ فرعونَ وقومِه مَسوقةٌ للدلالةِ على تماثِلهم في الإصرارِ عَلَى الضِّلالةِ والتحذيرِ عن حلولِ مثلُ ما حلَّ بهم ﴿لَيَقُولُونَ﴾
﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى﴾ أي ما العاقبةُ ونهايةُ الأمرِ إلا الموتةُ الأوى المزيلُة للحياةِ الدُّنيويةِ ولا قصد إلى إثباتِ موتةٍ أُخْرى كمَا في قولِك حجَّ زيد
63
٤٠ ٣٦
الحجَّةَ الأُولى وماتَ وقيلَ لمَّا قيلَ لهم إنكُم تموتونَ موتةً تعقبُها حياةٌ كما تقدمتم موتة كذلك قالوا ماهي إلا موتتنا الأولى أي ما الموتةُ التي تعقُبها حياةٌ إِلاَّ الموتةُ الأُولى وقيل المَعْنى ليست الموتةُ إلا هذهِ الموتة دونَ الموتةِ التي تعقبُ حياةَ القبرِ كَما تزعمونَ ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ بمبعوثينَ
64
﴿فأتوا بآبائنا﴾ حطاب لمن وعَدَهُم بالنُّشورِ من الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنينَ ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ فيمَا تعِدونه مِنْ قيامِ السَّاعةِ وبعثِ الموتَى ليظهر أنَّه حقٌّ وقيلَ كانُوا يطلبونَ إليهم أنْ يدعُوا الله تعالى فينشُرَ لهم قصى ابن كلابٍ ليشاورُوه وكانَ كبيرَهُم ومفزَعَهُم في المهمَّاتِ والملمَّاتِ
﴿أَهُمْ خَيْرٌ﴾ ردٌّ لقولِهم وتهديدٌ لَهُم أيْ أهُم خيرٌ في القوةِ والمنعةِ اللتينِ يُدفعُ بهما أسبابُ الهلاكِ ﴿أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ هو تبعٌ الحميريُّ الذي سارَ بالجيوشِ وحيَّر الحِيرةَ وبنى سمرقدند وقيل هدمَها وكان مؤمناً وقومُه كافرينَ ولذلكَ ذمَّهم الله تعالَى دونَهُ وكان يكتبُ في عنوانِ كتابِه بسمِ الله الذي ملكَ بحراً وبحراً أي بحاراً كثيرة وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لا نسبوا تُبعاً فإنَّه كانَ قد أسلمَ وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما أدْرِي أكانَ تبعٌ نبياً أو غيرَ نبيَ وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه كانَ نبياً وقيلَ لملوكِ اليمنِ التبابعةِ لأنَّهم يُتبعونَ كما يقالُ لهم الأقيالُ لأنَّهم يتقيَّلونَ ﴿والذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ عطفٌ على قومُ تبع والمراد بهم عادو وثمودُ وأضرابُهم من كلِّ جبار عنبيد أولي بأسٍ شديدٍ والاستفهامُ لتقريرِ أنَّ أولئكَ أقوى مِنْ هؤلاءِ وقولُه تعالَى ﴿أهلكناهم﴾ استئنافٌ لبيانِ عاقبةِ أمرِهم وقولُه تعالَى ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ تعليلٌ لإهلاكِهم ليَعلمَ أنَّ أولئكَ حيثُ أهُلكُوا بسببِ إجرامِهم معَ ما كانُوا في غاية القوةِ والشدةِ فلأنْ يَهلكَ هؤلاءِ وهم شركاءُ لهم في الإجرامِ أضعفُ منهم في الشدة والقوة وأولى
﴿وما خلقنا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي ما بينَ الجنسينِ وقُرِىءَ وما بينهت ﴿لاَعِبِينَ﴾ لاهينَ من غيرِ أنْ يكونَ في خلقِهما غرضٌ صحيحٌ وغايةٌ حميدةٌ
﴿مَا خلقناهما﴾ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴿إِلاَّ بالحق﴾ استثناءٌ مفرغٌ من أعم الأموال أو أعمِّ الأسبابِ أي ما خلقناهُمَا ملتبساً بشيءٍ من الأشياءِ إلا ملتبساً بالحقِّ أو ما خلقناهُمَا بسببٍ من الأسبابِ إلا بسببِ الحقِّ الذي هُو الإيمانُ والطَّاعةُ والبعثُ والجزاءُ ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ الأمرَ كذلكَ فينكرون البعث والجزاءُ ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ الأمرَ كذلكَ فينكرون البعثَ والجزاءَ
﴿إِنَّ يَوْمَ الفصل﴾ أي فصلِ الحقِّ عن الباطلِ وتمييزِ المحقِّ من المبطلِ أو فصلِ الرجلِ عن أقاربِه وأحبَّائِه ﴿ميقاتهم﴾ وقتَ موعدهم أجمعين وقُرىءَ بالنصبِ على أنَّه اسمُ إنَّ ويوم الفصلِ خبرُها أي أنَّ ميعادَ حسابهم وجزاءهم في يومِ الفصلِ
64
٥٠ ٤ {
65
﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِى﴾ بدلٌ من يوم الفصل أو صفةٌ لميقاتُهم أو ظرفٌ لما دلَّ عليه الفصل لالنفسه ﴿مَوْلَى﴾ مِنْ قرابةٍ أو غيرِها ﴿عَن مَّوْلًى﴾ أيُّ مَوْلَى كانَ ﴿شَيْئاً﴾ أيْ شيئاً من الإغناءِ ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ الضميرُ لمولَى الأول باعتبارِ المَعْنى لأنَّه عامٌّ
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله﴾ بالعفوِ عنْهُ وقبولِ الشفاعةِ في حقِّه ومحلُّه الرفعُ على البدلِ من الواوِ أو النصب على لاستثناء ﴿إِنَّهُ هُوَ العزيز﴾ الذي لا يُنصرُ من أرادَ تعذيبَهُ ﴿الرحيم﴾ لمنْ أرادَ أنْ يرحَمهُ
﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم﴾ وقُرِىءَ بكسرِ الشينِ وقد مرَّ مَعْنى الزقومِ في سورةِ الصَّافاتِ
﴿طَعَامُ الأثيم﴾ أي الكثيرِ الآثامِ والمرادُ به الكافرُ لدلالةِ ما قبلَهُ وما بعدَه عليهِ
﴿كالمهل﴾ وهو ما يُمهلُ في النَّارِ حتَّى يذوبَ وقيلَ هو دُرْدِيُّ الزَّيتِ ﴿يَغْلِى فِى البطون﴾ وقُرِىءَ بالتاءِ على إسنادِ الفعلِ إلى الشَّجرةِ
﴿كَغَلْىِ الحميم﴾ غلياناً كغليهِ
﴿خُذُوهُ﴾ عَلى إرادةِ القولِ والخطابُ للزبانيةِ ﴿فاعتلوه﴾ أي جُرُّوه والعَتلُ الأخذُ بمجامعِ الشيءِ وجرُّه بقهرٍ وعنفٍ وقُرِىءَ بضمِّ التاءِ وهي لغةٌ فيهِ ﴿إلى سَوَاء الجحيم﴾ أي وسطِه
﴿ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم﴾ كانَ الأصلُ يصبُّ من فوقِ رؤسهم الحميمُ فقيلَ يصبُّ من فوق رؤسهم عذابٌ هو الحميمُ للمبالغةِ ثم أضيفَ العذابُ إلى الحميمِ للتخفيفِ وزيدَ من للدلالةِ على أنَّ المصبوبَ بعضُ هذا النوعِ
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ أى وقولوا ذلك استهزاء به وتقريع له على ما كانَ يزعمُه رُوِيَ أنَّ أَبا جهلٍ قال لرسول الله ﷺ ما بينَ جبليَها أعزُّ ولا أكرمُ منِّي فوالله ما تستطيعُ أنتَ ولا ربك أن تفعلابي شيئاً وقُرىءَ بالفتحِ أي لأنَّك أو عذابُ أنَّك
﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي العذابَ ﴿مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ تشكون وتمارن فيهِ والجمعُ باعتبارِ المعنى لأنَّ
65
٥٩ ٥ {
المرادَ جنسُ الأثيمِ
66
﴿إِنَّ المتقين﴾ أيْ عنِ الكفرِ والمعاصِي ﴿فِى مَقَامٍ﴾ في موضعَ قيامٍ والمرادُ المكانُ على الإطلاقِ فإنَّه من الخاصِّ الذي شاعَ استعمالُه في مَعْنى العمومِ وقُرِىءَ بضم المم وهو مَوضعُ إقامة ﴿أَمِينٌ﴾ بأمن صاحبُه الآفاتِ والانتقالَ عنْهُ وهو منَ الأمنِ الذي هُو ضدُّ الخيانةِ وصفَ به المكانُ بطريقِ الاستعارةِ كأنَّ المكانَ المخيفَ يخونُ صاحبَهُ لما يَلْقى فيهِ من المكارِه
﴿فِى جنات وَعُيُونٍ﴾ بدلٌ من مقامٍ جيءَ بهِ دِلالةً على نزاهتِه واشتمالِه على طيباتِ المآكلِ والمشاربِ
﴿يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ إما خبرٌ ثانٍ أو حالٌ من الضمير في الجارِّ أو استئنافٌ والسندسُ مارق من الحرير والاستبراق ما غلُظَ منْهُ معرَّبٌ ﴿متقابلين﴾ في المجالسِ ليستأنسَ بعضُهم ببعضٍ
﴿كذلك﴾ أي الأمرُ كذلكَ أو كذلكَ أثبناهُم ﴿وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ على الوصفِ وقُرِىَء بالإضافةِ أي قرنّاهم بهنَّ والحورُ جمعُ الحوراءِ وهي البيضاءُ والعينُ جمعُ العيناءِ وهي العظيمةُ العينينِ واختلاف في أنهنَّ نساءُ الدُّنيا أو غيرُها
﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة﴾ أي يطلبونَ ويأمرونَ بإحضارِ ما يشتهونَهُ من الفواكهِ لا يتخصصُ شيءٌ منها بمكان ولا زمان ﴿آمنين﴾ من كلِّ ما يسوؤهم
﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى﴾ بل يستمرُّونَ على الحياةِ أبداً ولاستتثناء منقطعٌ أو متصلٌ على أنَّ المرادَ بيانُ استحالةِ ذوقِ الموتِ فيها على الإطلاقِ كأنَّه قيلَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إلا إذا أمكن ذوقُ الموتةِ الأوى حينئذٍ ﴿ووقاهم عَذَابَ الجحيم﴾ وقُرِىءَ مشدداً للمبالغةِ في الوقايةِ
﴿فَضْلاً مّن رَّبّكَ﴾ أي أُعطوا ذلكَ كلُّه عطاءً وتفضيلا منه تعالَى وقُرِىءَ بالرفعِ أي ذلكَ فضلٌ ﴿ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ الذِي لا فوزَ ورِاءَهُ إذ هُو خلاصٌ عن جميعِ المكاره ونيل لكل المطالب وقولُه تعالى
﴿فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ فذلكةٌ للسورةِ الكريمةِ أى إنَّما أنزلنَا الكتابَ المبينَ بلغُتكَ كيَ يفهمُه قومُك ويتذكروا ويعلموا بموجب وإذا لم يفعلُوا ذلكَ
﴿فارتقب﴾
66
١ - ٢ ٣ ٤ الجاثية فانتظرْ ما يحِلُّ بهم
﴿إنهم مرتقبون﴾ ما يحب بكَ رُويَ عنِ النبيِّ ﷺ مَنْ قرأَ حم الدخان ليلةَ الجمعةِ أصبحَ مغفوراً له
سورة الجاثية مكية وهي سبع وثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم

67
Icon